كل الوجوه
ملبدة
لا شيء أصبح صافيا
كل القلوب
معكرة
لا شيء أصبح باقيا
......
أنا لست بهذا الهدوء الذي تراه أنت، انا بداخلي زلازل لا تقوى على تحملها أرضك ولا سماؤك.
هكذا قالت عيناه عندما مَرَّ أمامه في طريقه إلى بيته وقت الغروب.
مالت استقامته, فهرع إليه يزرعه في الطين ويربت على كتفيه وذراعيه المصلوبتين وينفض الغبار عن ثيابه الرَثَّة ويعدِل ميل قبعته قائلا له: غدا آتيك بقدم جديدة غير تلك التي نهشتها الفئران.. من غيرهم سيفعل؟
صاح ملء خياله الفسيح: من قال أنها الفئران أيها الأحمق؟ إنها محاولاتي الفاشلة بتقليد خيلائك أمامي كل يوم.
تسلل الصباح مبددا فرصته التي ينتظرها كل ليلة، عادته طيور الحقل فدلها على مخزن الغلال الذي يخبئ فيه صاحبه محصوله.
ومع الصباح زاره صاحبه مبتسما "مذ جئت والطيور لا أثر لها في أرضنا. علَّ كل الرفاق في نفعك وكل الناس في بشاشتك"
تلك ابتسامة صنعتها يداك رغما عني, وتلك السعادة التي تنالها بسببي لأنك تنام هانئ البال مُطمئنُّه بينما يلطمني الصقيع كل ليلة, وبينما تأكلني الوحدة منفردا؛ تنعم انت بسمرك كل ليلة مع أصحابك، ما اقرب اليوم الذي أفرّ منك فيه وما أبعده.
حلَّ الليل وتصيدت عيناه النجوم علَّها تقع على أحد الشهب وهو يسقط ويتحقق الحلم وماهي إلا دقائق حتى سقط احدهم ففُتِحَ باب الأماني واُحرق المصراع..وتحققت أمنيته..وإذا بفئران الحقل المُطمئنة تركض في كل اتجاه وقف مذهولا وصرخ مجلجلا فشرخ هدوء الليل وحطم وقاره، وإذا بصاحبه يأتي مهرولا ويقف قبالته كأنه لا يراه وفي يده مصباح يذيب الظلام بشعلة مرتعشة كقلب صاحبها وفي يده الأخرى فأسًا جسورًا وقال بصوت يدعى الشجاعة: من هناك فجاءه الرد منه "لا أحد غيري" وركض في غير اتجاه مزلزلا الأشجار بضحكاته التي امتزجت بصرخات صاحبه الفزعة.