الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور. هناك أناس سخّرهم الله لينطقوا بألسنتنا، فيقولوا ما لا نستطيع قوله. وهناك من يحملون الراية عنّا، مع أننا قد نكون أشدَّ حبًّا للمبدأ وأكثر منهم تمسُّكًا به، لكنهم أجرأ منّا في الدفاع عنه.
السينما هي تحويل القصة المكتوبة، والكلمات النائمة في هدوءٍ على الورق، المحفوظة بين دفّتي كتابٍ على رفوف المكتبات، إلى قوة حية. فبأدواتٍ بسيطة، ورؤية مخرج بارع، وأداء ممثل فاهم وموهوب، تتحوّل الكلمة الصامتة إلى رصاصة، وزلزال، وبركان يمطر حممًا توقظ النائمين في العسل، أو يقتحم عُشَّ الدبابير بدخانٍ كثيف يفزعهم، فيجعلهم يهاجمون الجميع بلا تمييز.
لقد أُنتِجَت أفلام كانت خطرًا على أصحابها؛ عاشوا بسببها في تهديدٍ ورعب، فمنهم من نجا، ومنهم من تحوّل التهديد في حياته إلى واقع. كل ذلك بينما نحن كنّا نشاهد ونصفّق.
فيلم "الإرهابي" – إنتاج 1994
بطولة: عادل إمام، أحمد راتب، مديحة يسري، صلاح ذو الفقار (الذي كان آخر ظهور له في هذا الفيلم، وتوفّي قبل تصوير المشهد الأخير، فاستُعين بدوبلير ومقلّد أصوات). يتناول الفيلم أزمة التسعينات المرعبة وما شهدته مصر من عملياتٍ إرهابية نالت من الأمن الاجتماعي، وذلك في إطار كوميديا سوداء، من خلال بطلٍ أعمى القلب بدأ يُبصر الدنيا من خلال أسرة مصرية عادية استقبلته كضيف. وقد صُوّر الفيلم تحت حراسة أمنية مشددة، وتلقّى العاملون فيه تهديداتٍ يومية بالقتل، وفي مقدمتهم البطل عادل إمام.
فيلم "موت أميرة" – إنتاج BBC سنة 1980
بطولة: سوزان أبو طالب. يروي قصة الأميرة السعودية "مشاعل بنت فهد آل سعود" التي نُفِّذ فيها حكم الإعدام رميًا بالرصاص بعد اعترافها بارتكاب فاحشة الزنا مع أحد الشباب السعوديين. (قصتها سأفرد لها مقالا خاصًا لاحقًا). عندما عُرض الفيلم أحدث ضجة كبرى في السعودية، ومارست المملكة ضغوطًا شديدة على بريطانيا لمنع عرضه، ونجحت في ذلك. كما تعرّضت الممثلة لتهديداتٍ بالقتل، واضطرّت لترك منزلها، ومُنعت من دخول السعودية، ورفض كثير من المخرجين التعامل معها خوفًا من غضب المملكة، حتى اختفت فترة ثم عادت باسمها الجديد: "سوسن بدر".
فيلم "الرسالة" – إنتاج 1976
بطولة: أنطوني كوين، وعبد الله غيث في دور الصحابي حمزة بن عبد المطلب. من إخراج وإنتاج المخرج الأمريكي السوري الأصل مصطفى العقاد، الذي أخرج أيضًا فيلم "عمر المختار". كان هدفه – بحسب تصريحاته – تحسين صورة الإسلام والمسلمين في الغرب. وبالطبع، فإن مجرد كون مخرج محسوب على الغرب يبشّر بالإسلام، أو يجسّد دور أحد الصحابة في فيلم، كان كافيًا ليجمع بين كراهية المتعصبين في الشرق والغرب. دفع مصطفى العقاد حياته ثمنًا لهذا التعصّب، إذ قُتل هو وابنته ريما في تفجير فندق بعَمّان يوم 9 نوفمبر 2005، وقد أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن التفجير.
والجدير بالذكر أنّ العقاد كان يُعدّ لإنتاج وإخراج فيلم ضخم عن الناصر صلاح الدين الأيوبي، لكن المشروع توقّف برحيله.
هاتوا لي فيلمًا واحدًا اليوم تعرّض أصحابه للتهديد بسبب جرأتهم. أنا لا أشجّع التهديد طبعًا، ولكن إذا كنّا في زمنٍ صار فيه الإرهاب أشد من أي وقتٍ مضى، والقضايا أعقد من أي زمنٍ مضى، ومع ذلك لا نجد فيلمًا واحدًا يتلقّى أصحابه تهديدًا، فهناك أمر خاطئ: إمّا أننا كففنا عن تبنّي القضايا، أو أن المتعصبين أصبحوا فجأة "أوبن مايند" ولطفاء!





































