في يومٍ مشمس جميل يتخلله رياح خفيفة؛ كانوا على متن يختٍ صغير يمارسون هوايتهم المحببة في مياه المتوسط يلقون صنانيرهم داعين الله أن تلتقط رزقًا وفيرًا
إنهم سُهيل الطبيب وزوج أخته باهر وصديقهما ساري صاحب اليخت.
لفت نظر ساري شيء ما يصارع الأمواج فأمعن النظر فإذا به شخص ما، فزاد من سرعة المركب فجأة
كان بيد سُهيل كوب من الشاي فانسكب عليه فصاح
"ماذا بك يا ساري هل جننت؟ ماذا هناك لتسرع هكذا؟"
فأجابه "يبدو أن هناك غريق"
فجاء باهر مسرعًا "سترك يا الله"
إلى أن وصلوا كان ذلك الذي يغرق قد توقف عن المقاومة وبدأ في الغوص في المياه.
ألقى سُهيل بنفسه بسرعة في الماء وتبعه باهر وأمسكا ذلك الغريق وصعدا به للسطح.
صعد باهر على المركب وساعده ساري وأمسكا بالغريق وأصعداه على متن المركب
ليفاجئوا أن الغريق فتاة ويسيل الدم من جبهتها، قام سُهيل بعمل التنفس الصناعي لها حتى بدأت تسعل وتخرج الماء من رئتيها، ثم أجلسها وأحضر لها باهر غطاء لتضعه عليها
اقترب منها سُهيل فجفلت
"لا تخافي أنتِ مصابه سأمسح الدم"
ومسح الدم عن رأسها
"ستحتاج للتقطيب، أحضر العلبة يا ساري"
فأحضر ساري العلبة مناولًا إياها له
"تفضل"
إحساس داخلي ينتاب ساري بأنه يعرف هذه الفتاة لقد رأى ذلك الوجه بالتأكيد قبل الآن لكنه لا يذكر أين؟
نظر سُهيل للفتاة
"لا تخافي أنا طبيب"
نظرت له الفتاة غير مصدقة، فتح العلبة وأخرج منها زجاجة رش منها على جبهتها
"هذا مخدر موضعي لكيلا تؤلمك الخياطة"
وخاط لها الجرح وضمده
"أنتِ بخير الآن "
وأعطاها قرصًا لتتناوله فقالت:
"ما هذا؟"
فرد عليها سُهيل
"إنه مضاد حيوي من أجل الجرح والآن تعالي معي للأسفل لتبدلي ثيابك المبتلة"
فنزلت معه فقال:
"للأسف لا ملابس معنا تناسبك وهذا ما لدينا"
وأعطاها قميصًا وسروال؛ من الواضح أن مقاسهما كبير وتركها وخرج فخلعت الملابس السوداء التي كانت ترتديها وارتدت ما أعطاه لها كانت تبدو كالخرقاء في تلك الملابس، وجدت حبلًا قصيرًا ربطته على السروال كيلا يقع وقامت بربط القميص من الأمام وصعدت لهم.
قال ساري:
"الحمد لله لقد أنجدناك في آخر لحظة كدتِ أن تموتي غرقا"
وناولها كوبًا من الشاي لتتدفأ وتركهم ودخل كابينة القيادة.
"كيف وقعتِ في الماء؟ ومن أنتِ؟" قال باهر
"أنا .... أنا .... " وهي تغمض عينيها بقوة وكأنها تحاول التذكر
"لا أدرى"
فرد باهر "لا تدرين كيف وقعتِ في الماء؟!"
فقالت "ولا أدري من أنا؟"
فنظر باهر لسُهيل "أنجدنا يا طبيب الفتاة لا تدري من هي؟"
"ربما هذا فقدان مؤقت للذاكرة بسبب الجرح في رأسها بالتأكيد ضُربت على رأسها ضربة قوية"
صاح ساري "وصلنا يا رجال"
فقاموا بإرساء اليخت ونزلوا ومعهم الفتاة التي تساءلت
"إلى أين سنذهب؟"
أجابها باهر ضاحكًا "سنخطفك " فخافت وتلقائيًا تعلقت بذراع سُهيل الذي وكز باهر قائلًا:
"ليس هذا وقت مزاحك الثقيل يا باهر"
ونظر لها بطمأنينة
"لا تخافي سنذهب للمنزل، أمي وأختي زوجة هذا المختل هناك والطريق للمنزل في شارع عمومي"
فقاطعهم ساري "السلام عليكم، سأزن الاسماك وأوردها للمطعم"
فقال سُهيل "سننتظرك مساءً لا تتأخر"
فرد "إن شاء الله"
وسارت الفتاة مع سُهيل وباهر حتى وصلوا لمنزل ذو طابقين وفتح سُهيل الباب مناديًا
"يا أمي أين أنت؟"
فظهرت رباب أخت سُهيل وزوجة باهر قائلة:
"وأين سنكون؟ أنا وأمي بالمطبخ"
وأسرعت نحو باهر "لماذا تأخرتم؟"
فرأت الفتاة "ومن تكون هذه؟"
فرد سُهيل عليها
"إنها سبب تأخرنا لقد وجدناها تغرق وللأسف فاقدة للذاكرة"
قالت رباب "ماذا تعني؟"
فرد عليها زوجها
"يعني أنا جائع وأريد تناول الغذاء قبل أن أتهور وآكلك"
"انتظر يا باهر لنعرف حكاية الفتاة"
فتضايق باهرو صرخ
"رباب أنا جائع، هل يرضيكِ هذا يا حماتي؟"
جاءت سيدة عجوز من الداخل قائلة:
"هيا يا رباب ضعي الطعام؛ البحر يجعل الإنسان يجوع وبالتأكيد الفتاة أيضًا جائعة"
ووجهت نظرها للفتاة فارتاحت لها كانت قصيرة القامة ضئيلة الجسد شعرها قصير كالصبية وتبدو كالطفلة الصغيرة وكان مظهرها مضحكًا بالملابس التي ترتديها
ابتسمت حورية لها واحتضنتها
"تعالي معي لتبدلي ملابسك" دخلت معها غرفتها وأخرجت لها جلبابًا فهما من نفس الطول ولكن حورية أسمن منها بالطبع.
كان الجلباب واسعًا لكنه أفضل حالًا مما كانت ترتديه
وخرجت لهم.
"تعالي بجواري" قالت حورية
"ما اسم حضرتك؟"
ضحكت الأم "بدون حضرتك فلتناديني أمي حورية، وأنتِ سأناديك أمل، إلى أن نعرف من أنت؟"
فقالت الفتاة
"أمل إنه اسم جميل أنا موافقة يا أمي حورية" فاحتضنتها حورية وقالت:
"هيا تناولي الطعام"
تناول الكل الطعام وأنهت رباب غسل الأطباق وحدها، بعد أن عرضت أمل مساعدتها فكسرت طبقين.
كان سُهيل وباهر وحورية يجلسون بالشرفة انتظارًا للشاي الذي ستحضره أمل التي كانت تقف بالمطبخ في حيص بيص وسألت
"رباب ماذا أفعل؟"
فقطبت رباب حاجبيها
"ماذا تفعلين في ماذا؟ في الشاي، الرحمة يا رب، اغلي الماء وضعي ملعقة من الشاي في الكوب وصبي عليه الماء المغلي وضعي السكر ورصي الأكواب على الصينية وأخرجيها"
نفذت أمل التعليمات ورباب توليها ظهرها لتنهي ترتيب المطبخ.
أخرجت أمل الشاي الذي ما أن رآه سُهيل حتى قال
"الماء لم يغلي جيدًا"
وتذوقه فبصقه "يا الله لقد وضعتِ ملحًا بدل السكر"
أخذت حورية تضحك ونادت على رباب لتعد الشاي قالت رباب
"الصبر يا رب، يبدو أننا سنعلمكِ كل شيء"
طلبت منها حورية أن تدخل لترتاح قليلًا فيكفيها ما عانته اليوم، وأرشدتها رباب لغرفة الضيوف التي سترتاح فيها.
عندما دخلت راحت في النوم سريعًا.
أنهت رباب ترتيب المطبخ وأعدت الشاي وخرجت لهم في الشرفة تذوق سُهيل الشاي
"هذا هو الشاي سلمت يداك يا رباب"
قالت حورية "يا تُرى ما حكاية هذه الفتاة؟"
"سنعرف كل شيء في وقته يا أماه" قالها سُهيل.
في المساء رن الجرس
ذهب سُهيل ليفتح فوجد ساري بالباب
"السلام عليكم" قالها ساري
"وعليكم السلام" رد سُهيل
"هيا يا باهر" وخرج خارج الباب
"ألن ندخل؟" سأل ساري
فرد سُهيل "لا وراءنا مهمة سننفذها ثم نعود"
فتساءل ساري "أي مهمه؟"
فأجابه "لا تكن لحوحًا، سأخبرك عندما ينهي ذلك الأخرق باهر وصلة الحب مع رباب ويخرج"
خرج باهر قائلًا "هيا بنا"
رد سُهيل ساخرًا متهكمًا " بالله عليك ادخل مرة أخرى فأنت لم تتأخر!"
"ما بك يا سُهيل؟ إنها أختك ماذا أفعل؟"
وسار الثلاثة حتى مكان سيارة سُهيل فركبوا
سأل ساري "ألن تخبرني الي أين سنذهب؟"
فرد سُهيل "سنذهب لمُهاب"
فقال باهر " أنا حقًا افتقده"
نظر ساري نظرة "اللهم صبرًا" إلى باهر وقال موجهًا كلامه لسُهيل "لتحكي له حكاية الفتاة الغريقة، أليس كذلك؟"
"نعم لنحكي له عن أمل" قال باهر
سأله ساري "من أمل؟"
فأجابه سُهيل " إنها الفتاة، أطلقت أمي عليها هذا الاسم"
كانوا قد وصلوا لقسم الشرطة، ما أن رآهم العسكري مطاوع أمام الباب حتى أدى لهم التحية العسكرية قائلًا "مرحبًا بكم، لم نركم منذ مدة، تفضلوا بالدخول"
فقال سُهيل "أعطي خبرًا أولًا لمُهاب"
فرد مطاوع "عندي تعليمات بإدخالكم فورًا ما دام المكتب لا يوجد به سوي مُهاب باشا، تفضلوا"
وفتح لهم الباب، ما أن رآهم مُهاب حتى سارع بالقيام لاحتضان كل منهم حضنًا قويًا
"مرحبًا باتحاد طلبة الجامعة، لقد افتقدتكم، مر اسبوعان على آخر اجتماع لنا"
قال سُهيل "ونحن أيضًا افتقدنا صحبتك، لكننا هنا اليوم لأمر آخر"
جلسوا جميعًا وقال مُهاب "ما هو؟"
فحكى له سُهيل حكاية إنقاذهم لأمل كما أسمتها أمه حورية
وأضاف "أنا أعتقد أن الفتاة من عائلة ثرية، تلك الملابس التي كانت ترتديها من ماركات عالمية أصلية، كذلك ساعة يدها وطريقة تناولها الطعام معنا، كما أنها لا تجيد أعمال المنزل، ولا حتى تعرف كيف تصنع الشاي، فهي لا تميز السكر من الملح"
ضحك الجميع ثم قال مُهاب "هل لديك صوره لها؟"
أجابه سُهيل "نعم صورتها بدون أن تلاحظ
" ووصف له بنيتها الجسدية
"إنها تبدو كالأطفال قصيرة القامة والشعر"
ما أن نظر مُهاب لصورتها حتى قال:
"أنا متأكد أني رأيتها قبل الآن، لكني لا أتذكر أين؟ سأقوم ببضعة اتصالات"
أخذ مُهاب يهاتف زملائه بحثًا عن بلاغات الاختفاء والغرق وأخذ في التحدث مع أحدهم باهتمام وعلامات الانتباه والتفكير واضحة عليه ثم أغلق الخط والتفت لهم
"لن تصدقوا من تكون هذه الفتاة! ألم أخبركم أني أعرفها، الفتاة التي وجدتموها تكون روشان السمنودي ابنه رامز السمنودي"
"هل أنت متأكد؟" قال سُهيل
فرد مُهاب "أهذا سؤال يسأل لي؟"
فحرك سُهيل يديه بلا وقال "لا أقصد لكن الدكتور رامز توفي من فترة بسيطة، أيعقل أن تكون أقدمت على الانتحار"
قال مُهاب "لا يصح أن تتلفظ بذاك القول، المرحوم الدكتور رامز ربى ابنته جيدًا ولقد تعاملت معه كثيرًا في مجال الطب النفسي لتحليل شخصيات بعض المجرمين وكان خير معين لي، لقد رأيت روشان بضعة مرات متفرقات، عندما كانت تأتي لهنا لتمر عليه"
قال سُهيل "حسنًا عرفنا أهلها، نأخذها لهم صباحًا، لننتهي من هذه الحكاية"
وافقه باهر وساري الرأي
لكن مُهاب ظل صامتًا قليلًا وأخذ يفكر ثم قال:
"موت الدكتور رامز بطريقة مفاجئة بتوقف قلبه مع عدم وجود أي أثر في التشريح مع أن قلبه كان قلبًا قويًا فلقد رافقته ذات مرة لطبيب القلب، وتعجب طبيب التشريح من توقفه، لكننا لم نجد دليلًا ملموسًا يدفعنا لفتح تحقيق، ثم بلاغ عن أن روشان ألقت بنفسها من على متن المركب أثناء نزهتها مع ابن عمها نائل، الذي أخذها للتنزه على المركب وحدهما مع أنهما الاثنان لا يجيدان السباحة على حد قوله، ولكن روشان كانت تجيد السباحة فأنا أتذكر جيدًا قولها لدكتور رامز في أحد المرات أن مدرب السباحة أشاد بتميزها في سباحة المسافات الطويلة، هناك أمر لا يُريحني"
فرد سُهيل "بعد كلامك هذا أنا أيضًا غير مرتاح والدكتور رامز صاحب فضل كبير عليَّ في مساعدتي لنيل الدكتوراه ولن أظلم ابنته أبدًا، فلتبق عندنا حتى نعرف أصل الحكاية فهي بأمان بالمنزل"
قال ساري "هذا رأي سديد"
ثم قال مُهاب "وأنا سأكثف التحريات لأرى ما يمكنني اكتشافه"
وأمضوا بقية الأمسية مع مُهاب وودعهم ساري حيث سيسافر إلى مخيم في منطقة بالصحراء لا اتصالات فيها في إجازة للاستجمام ثم انصرفوا.
أخبر سُهيل أمه بما قاله له مُهاب ووافقته على رأيه أن تظل أمل معهم وأعطاها ملابس تناسب أمل اشتراها لها، واتفقا ألا يخبراها من تكون حاليًا.
في الصباح ارتدت أمل الملابس التي أعطتها لها حورية البارحة وكانت تبدو كالأطفال وأحست بنشاط رغم تلك الكوابيس التي انتابتها أثناء نومها لكنها لم تكن تتذكر منها شيئًا، فدخلت المطبخ وهي عازمة على إعداد إفطار.
استيقظ الجميع على رائحة دخان فأخذوا في البحث عن مصدر الرائحة ليجدوا أمل بالمطبخ والمقلاة تحترق مشتعلة بها النيران، فأسرع سُهيل بوضع غطاء فوق المقلاة ونظر لأمل فوجدها تبكي بكاءً هستيريًا فاحتضنتها حورية وأخذت تهدأ من روعها
"لا تبكي يا صغيرتي فداكِ ألفُ مقلاة"
ردت أمل باكية بحرقة
"كنت أود أن أفرحكم وأعد إفطارًا شهيًا لئلا يتندر عليَّ سُهيل ويقول أنى لا أحسن عمل شيء"
قال سُهيل غاضبًا:
"وما همك بسُهيل وما يقول؟ أي ابتلاء بليت به نفسي يا الله!"
فانفجرت أمل في البكاء
فدخلت رباب
"صباح الخير، ما بكم لماذا سُهيل يتطاير الشرر من عينيه؟ ولماذا استيقظ مبكرًا هكذا؟ وما هذه الرائحة؟ ولماذا أمل تبكي؟"
قالت حورية:
"يا الله كل هذه تساؤلات بوقت الصباح، اصمتي قليلًا رباب"
فردت "حسنًا سأصمت لكن ما الذي حدث أخبروني؟"
قالت حورية وهي ما زالت تحتضن أمل
"لا شيء، أمل حاولت أن تصنع إفطارًا لنا لكيلا يتندر عليها سُهيل"
وغمزت لرباب
ثم أكملت
"لكن البيض احترق واشتعلت النار بالمقلاة واستيقظ سُهيل فزعًا من نومه"
فأومأت رباب "من أجل هذا يتطاير الشرر من عينيه لاستيقاظه مبكرًا ومفزوعًا"
ثم ضحكت واحتضنت أمل هي الأخرى
أخرجهما من ضحكهما صوت سُهيل يأتي مرتفعًا
"أريد كوبًا من القهوة، كوبًا يا رباب وليس فنجان"
جرت رباب تزيل فوضى أمل وقامت بصنع القهوة
فقالت أمل
"سأقدمها أنا له لأعتذر منه"
فأعطتها رباب الصينية.
وعندما غادرت أمل المطبخ قالت رباب لأمها:
"هل تحسين بما أحس به أيتها الحورية؟ الغريقة يبدو أنها وقعت في غرام ابنك كحيل العينين كثيف الحاجبين ناعم الشعر"
ثم ضحكت وقالت
"لكنه طويل جدًا بالنسبة لها" واستمرت في الضحك فقالت حورية رافعة يديها للسماء
"فليجعلها الله من نصيبه"
فعقبت رباب "ادعي الله ألا تكون متزوجة"
فقالت حورية "لا تخافي ليست متزوجة"
فأمسكتها رباب من كتفيها "كيف عرفتِ؟ أخبريني بسرعة هل عرفتم من هي؟"
"إنها ابنه المرحوم رامز السمنودي الطبيب الذي كان له فضل على أخيك بإنهاء رسالة الدكتوراه"
فقالت رباب "ما دمنا عرفنا أهلها فلماذا لا تذهب لهم؟!"
قالت حورية "سأخبرك ولكن انتظري، كيف لم يخبرك باهر؟"
فردت رباب وهي تضيق عينيها متوعدة لباهر
"باهر يعرف! ولم يخبرني! سينال جزاءه ذلك الباهر، ولكن انتظري لقد كنت نائمة عندما أتى البارحة، أفلت منها باهر"
ضحكت حورية
"أنقذك الله يا باهر، هلا أخبرتني كيف يتحملك؟"
"إنه يحبني، يا أماه"
أمسكتها أمها من أذنها قائلة:
"ولهذا تنغصين عليه وتحاصرينه دائمًا بأسئلتك"
وأخذتا تضحكان.
حملت أمل الصينية وعليها القهوة بمنتهى الهدوء وطرقت باب غرفة سُهيل؛ فجاء صوته من الداخل
"ما هذا الأدب يا رباب؟ ادخلي، انجدي رأسي بالقهوة"
ففتحت أمل الباب ليراها سُهيل ويقطب حاجبيه قائلًا:
"لا تقولي إنكِ من أعدها"
فردت "لا، رباب أعدتها"
فزفر قائلًا "الحمد لله هكذا ضمنت أني سأشربها"
ما أن قال جملته هذه حتى تعثرت أمل بطرف السجادة لتطير الصينية وتنقلب القهوة على ملابس سُهيل.
الذي صاح قائلًا:
"لا، لا، هذا كثير يا ربي كيف سأتحملها؟ ألا تجيدين عمل أي شيء؟!"
وصل صياحه لوالدته ولرباب اللتان أتيتا مسرعتين
لم يكن المنظر يحتاج لتفسير، يقف سُهيل وقد كاد الدخان يتصاعد من رأسه وملابسه ملطخة بالقهوة وتقف أمل وهي تجاهد كيلا تبكي
"خير بمشيئة الله"
قالت حورية
"اهدأ سُهيل، هيا بدل ملابسك"
وخرجت معهما من الغرفة وما أن خرجتا حتى انفجرت رباب من الضحك ففتح سُهيل الباب وأمسكها من مؤخرة رأسها
"هل تضحكين عليَّ أيتها البلهاء؟"
فقالت متوسلة
"السماح يا سُهيل سأتوقف عن الضحك"
فتركها ناظرًا شذرًا لأمل وأغلق باب الغرفة بعنف قائلًا:
"بإذنك أمي"
قالت حورية لأمل
"لا تتضايقي لقد استيقظ مبكرًا لهذا هو نكد قليلًا"
فقالت أمل
"قليلًا.. لا إنه نكد جدًا"
فضحكت رباب وقالت لها
"تعالي لأعلمكِ كيف تُعدين القهوة والشاي أيضًا، وسأعلمك كل شيء سنفاجئ سُهيل"
***
ظلت أمل تتجنب سُهيل إلى أن أتقنت صنع القهوة فقامت بعمل كوب من القهوة كما يجب أن يكون وقدمته رباب لسُهيل على أنها هي من أعدته
فتذوقه سُهيل قائلًا:
"تقدم مستواكِ كثيرًا روبي هذه القهوة ممتازة"
ضحكت رباب
"ولكنني لستُ من أعدها"
فقال "طبعًا بالتأكيد أمي أعدتها"
فضحكت رباب "لا، إن أمل هي من أعدتها"
فنادي سُهيل قائلًا "أمل تعالي هنا"
فجاءت فقال لها "أحقًا أنت أعددتِ القهوة!"
هزت رأسها بنعم
فقال مبتسمًا
"إنها ممتازة، بعد ذلك أعدي أنتِ قهوتي"
تضرج وجه أمل بالحمرة وفرت من أمامه لغرفتها وهي في قمة سعادتها فهي منذ فتحت عيناها البنيتين والتقت بعينيه السوداويتين حين أنقذها من الغرق وهي تحس بشيء يربطها به بانجذاب غير عادي، مع أنه يخيفها حينما يغضب وتحس أمام طوله بأنه كالعملاق الأخضر لكنها تود أن ترضيه بأي شيء حتى لو كان بسيطًا وصممت أن تتعلم عمل كل شيء، فهي تحس سُهيل كالمغناطيس يجذبها اليه.
كان سُهيل وباهر يذهبان للعمل في المركز الطبي بالمنطقة ويعودان الساعة الثانية، يتناولون الطعام جميعًا ثم يصعد باهر ورباب شقتهم ويدخل سُهيل لينام وفور استيقاظه تعد له أمل قهوته التي لم يعد يشربها إلا من يديها.
بعد أسبوعين هاتف مُهاب سُهيل مخبرًا إياه أنه لم يجد دليل ملموس يدين نائل ابن عم روشان ويجب أن تظهر روشان لأنه يسعى للسيطرة على ممتلكاتها فهو الوريث بعدها فكل شيء مكتوب باسمها.
نادى سُهيل على أمل فجاءت وجاءت والدته ورباب أيضًا
قال:
"اجلسي يا روشان" فنظرت له مستغربة
فأردف
"نعم إن اسمك روشان رامز السمنودي، ويجب أن تعودي، لأن ابن عمك نائل"
ما أن سمعت روشان اسم نائل حتى أصابها صداع فظيع وصرخت ممسكة برأسها وسقطت على الأرض تتألم،
أسرع سُهيل لها، ما أن أمسك يديها حتى توقف الألم
فقال بهدوء "نائل" فعاودها الألم
فنظر لباهر قائلًا:
"هذا المأفون له يد في غرق روشان، لا احتاج دليل، أنا متأكد"
وأعطاها مسكنًا "يجب أن ترتاحي الآن روشان"
دخلت معها رباب وحورية إلى أن غفت ثم تركتا الغرفة قائلتين "لقد نامت"
فقال سُهيل "هيا بنا يا باهر"
وقال لأمه ورباب "تعاليا معنا"
دخل الغرفة على روشان ورش مخدر موضعي على يدها ثم حقنها بعقار محفز للذاكرة، وأخذ هو وباهر في ترديد اسم نائل بالقرب من أذنها، بدأت تتململ ثم بدأت في قول جمل غير مفهومة وبدأ صوتها يعلو
"أيها القاتل لن أدعك تنجو بفعلتك"
وصرخت واستيقظت من النوم غارقه في عرقها وتصارع بيديها وقدميا كأنها في الماء.
ضمتها حورية في حضنها وربتت عليها فنظرت لسُهيل قائلة:
"تذكرت ما حدث سُهيل وأخذت تبكي"
"اهدئي أولًا وتمالكي أعصابكِ قبل أن تتكلمي"
قالها سُهيل
فردت "كيف أهدأ، يجب أن يسجن كوالده!"
"احكي لي كل شيء" قال سُهيل
"سأقص عليك كل شيء من البداية سُهيل"
ثم تنهدت تنهيدة طويلة وقالت:
"أريد سيجارًا أولًا"
فتحت رباب فمها استغرابًا وضربت حورية على صدرها استنكارًا "سيجار يا روشان منذ متى؟!"
أما باهر فابتسم ابتسامة صفراء
وسُهيل أرغى وأزبد قائلًا:
"سيجاره يا روشان! أنتِ هنا منذ أسبوع لم تقربي السجائر"
قالت بعناد "أريد سيجارة الآن وإلا نزلت بنفسي لشرائها"
صمت قليلًا ثم أخرج من علبة سجائره سيجارة أعطاها لها فقالت "هل سأشعلها بالهواء يا سيد سُهيل؟"
فنظر لها وهو يود أن يخنقها، ثم أشعل لها السيجارة وهو ينظر في عينيها البنيتين كلون معشوقته القهوة، سحبت روشان نفسًا عميقًا من السيجارة وزفرته بحدة وهي تسعل ثم بدأت الكلام
"عمي زهران كان مستهترًا في كل مراحل حياته ولم يكن يُعتمد عليه على الإطلاق فما كان من جدي السمنودي إلا أن سجل أملاكه باسم والدي؛ ليحافظ على أمواله، واشترط على عمي أن ينتبه لأعماله ويتوقف عن إسراف الأموال وتبذيرها يمنة ويسرة، وألا يبذر ما تعب فيه جدي على الساقطات اللوات كان يصاحبهن، أو على موائد القمار التي كان يرتادها، فامتثل عمي لكلامه، واتفق مع والدي على إنشاء شركة للمقاولات فهذا هو مجاله الذي يبرع فيه، فأنشأ والدي له الشركة وسجلها باسمه، لكنه أبدًا لم يكن ليعطيه المال إلا بحساب، ويعرف إلى أين سيذهب المال؟ وبأي مشروع؟ وما درجه تقدم المشاريع؟ لكن عمي لم يكن يهمه إتقان تنفيذ المشروع بقدر ما كان يهمه أن يسحب من والدي نقودًا يضع منها القليل في المشروع ويضع الباقي بجيبه، بالطبع كان هذا على حساب متانة الأساسات، بعد فترة انهار أحد المشروعات على العمال أثناء التنفيذ،
صعق والدي وعندما انكشف له تلاعب عمي بالمواد الأولية وغشه فيها لم يرحمه أبدًا، وقام بالإبلاغ عنه، وأحضر من كان لهم صلة بالموضوع، وثبتت التهمة على عمي ودخل السجن وحكم عليه بالمؤبد فلقد توفي الكثيرون نتيجة سقوط المبنى، تعهد والدي برعاية نائل ابن عمي وعهد إليه بإدارة شركة والده، نائل كان على مستوى المسؤولية ونال رضى والدي، لكن ما لم نكن نعرفه هو أن نائل تعاهد مع والده على الانتقام من أبي ومني، لتؤول له كل الثروة، وتوفي عمي في السجن فلم يكن ليتحمل تقييد حريته.
بعد فترة توفي أبي ولم يكن هناك من شبهة في وفاته، وبعد عدة أسابيع عرض عليَّ نائل أن أصعد معه على ظهر اليخت ليخرجني من حزني، كنتُ مترددة كثيرًا لإحساس داخلي لدي بالخطر، لكنه أخبرني ألا أخاف وأنه جهز سترات نجاة لي وله، فهو لا يتقن السباحة، لكن ما لم يكن يعرفه نائل أني تعلمت السباحة في الفترة التي كان فيها مسافرًا لعقد بضعة صفقات في روسيا ولم تكن هناك مناسبة لأخبره، وساعتها لم أحب أن أقول له أنى أجيد السباحة وهو لا، فأذعنت له وارتديت سترة النجاة وصعدنا على اليخت، وقام هو بالقيادة، وبعد فتره قال لي أنه لاحظ عيبًا في سترة نجاتي وطلب مني خلعها وألا أخاف، ثم ألقاها في الماء، وأخبرني ذلك المأفون أنه دس لوالدي سمًا يوقف قلبه ولا أثر له في التشريح أحضره من روسيا خصيصًا له، وأنه سيغرقني ويتخلص مني إبرارًا لقسمه لوالده وانتقامًا منا،
وضربني على رأسي وألقاني في الماء وبما أنه كان واثقًا أني لا أجيد السباحة فلم يكلف خاطره بالنظر وراءه وأخذ اليخت وانصرف، أما أنا فظللت أسبح كثيرًا إلى أن بلغ مني التعب مبلغة وكدت أغرق وأنقذتموني أنتم"
قالت حورية محتضنة إياها
"يا الله يا ابنتي لقد كتب لك الله النجاة"
قال باهر "لكن يجب ألا يعرف ذلك الوغد أنك تتذكرين شيئًا يجب أن نخبره أنكِ فاقده للذاكرة لئلا يتخذ احتياطه ويقع في شر أعماله ونأخذ منه اعترافًا بما فعله"
فصفق سُهيل قائلًا:
"إنها حقًا المرة الأولى التي تثبت لي فيها أنك لست أخرق"
وانخرطوا في الضحك وهاتفوا مُهاب الذي أخبرهم أنه سيأتي بالمساء ويكمل الحديث معهم
بعد إغلاقهم مع مُهاب قال سُهيل لرباب
"أريد قهوتي يا رباب"
فنظرت له روشان بعتاب قائلة:
"ألم تعد قهوتي تعجبك بعد أن أصبحت روشان؟!"
فقال بجدية:
"لا أعتقد أن الآنسة روشان ستوافق أن تعد القهوة لسُهيل الطبيب البسيط"
فترقرق الدمع في عينيها
"الطبيب البسيط هو من أنقذ الآنسة روشان كما تقول وجميلك يطوق رقبتي ولن أنساه أبدًا"
ونظرت للكل
"ولن أنساكم أيضًا أنا أحسست معكم هنا أنكم عائلتي" وقامت لتعد القهوة
في المساء جاء مُهاب وحكت له روشان بالتفصيل ما حكته لسُهيل، قال مُهاب:
"يلزمنا خطة جيدة لكشفه ويجب أن تكوني هناك معه في الفيلا لكن لا يجب أن تكوني معه وحدك، لدي خطة؛ ستذهبين له قائلة إنك شاهدت صورتك في أحد المجلات وأنت يا سُهيل ستخبره أنك زوجها وأنك وقعت في غرامها عندما أنقذتها وتزوجتما بعد فترة من إقامتها لديك فبطاقتها كانت معها وعرفت منها اسمها لكن لم تكن تعرف أنها روشان ابنه الدكتور رامز بنفسه، وبالتأكيد سيفاجأ نائل وستكون له سقطة تمكننا من الإمساك به متلبسًا، ستأتين في الصباح معي للنائب العام وتقصين على مسامعه كل شيء وسنخبره بخطتي وسنتحصل على إذن مراقبة لنائل، ونزرع ميكروفونات في مكتب الفيلا ومكتب الشركة ونراقب هاتفه وسنرى ما سيحدث"
***
توجهت في الصباح برفقه سُهيل للنائب العام وقابلهم مُهاب ووافق النائب العام على خطتهم وأعطاهم ما يحتاجون من أذون وتصاريح مراقبة.
في المساء ودعت روشان حورية ورباب وهي تبكي
ذهبت بصحبه سُهيل إلى الفيلا، ما أن رآهم البواب مصيلحي حتى تهللت أساريره
"لا إله إلا الله سيدة المنزل عادت، سيدة المنزل عادت" بأعلى صوته
وقبل رأس روشان
"فليحفظك الله يا ابنتي من الشر القابع في المنزل"
رنت الجرس ففتحت ماريا الخادمة الباب واحتضنتها بقوة
"مرحبًا بعودتك سالمة ابنتي لم أصدق أبدًا ما قاله سيد نائل"
وذهبت ماريا لتُعلم نائل بمقدم روشان كان بصحبته إحدى الساقطات التي اعتاد اصطحابهن منذ اختفاء روشان، انتفض نائل ما أن سمع بمقدم روشان
"كيف ذلك لقد ......"
ثم استجمع غضبه وقهرته وصمت وهو لا يدري ماذا ستفعل به روشان؟ كان يتوقع أن الشرطة قادمة معها للقبض عليه فبالتأكيد أخبرتهم كل شيء ثم قال لنفسه (لا إثبات لديها فلتركب أعلى ما في خيلها)
نزل وبصحبته الساقطة التي انصرفت سريعًا من أمام روشان وسُهيل
قالت روشان وهي تنظر شذرًا للساقطة
"من هذه؟"
فأجاب بهدوء وهو لا يعرف ماذا يتوقع فلم يكن هناك من شرطة معها
"لا تُلقي لها بالًا، لقد انصرفت، مرحبًا بابنه عمي عودًا حميدًا"
ثم لفت نظره سُهيل "من هذا الرجل؟"
أجابته "إنه زوجي"
ففتح عينيه على اتساعهما اندهاشًا
"زوجك متى تزوجته؟"
انبرى سُهيل للرد "سأخبرك كل شيء سيد نائل، لقد أنقذت روشان من الغرق لكنها لم تكن تتذكر أي شيء، عرفت اسمها من بطاقتها ولقد وقعت في غرامها منذ رأيتها، وتزوجنا، إلى أن وقعت في يدها مجلة بها صورتها وصورتك وصوره المرحوم والدها فعرفتُ من هي وها قد أتينا"
قال بفرحة لم تفلح محاولاته لإخفائها
"إذن أنتِ فاقدة للذاكرة"
فردت "نعم يا ابن عمي"
فقال "حسنًا لما لا تصعدين مع زوجك للراحة؟"
ودلها على غرفتها.
لم يضع الكثير من الوقت هاتف صديقه مارسيل الروسي قائلًا:
"الفتاة عادت ولم تمت"
فرد مارسيل "كيف ذلك؟!"
"الضربة لم تكن قوية كفاية لقتلها"
"وماذا ستفعل الآن؟"
"يجب أن نتخلص منها، إنها فاقده للذاكرة، إن استعادت
وشم
الفصل الثاني والختام
"وماذا ستفعل الآن؟"
"يجب أن نتخلص منها، إنها فاقده للذاكرة، إن استعادت ذاكرتها ستوصلني لحبل المشنقة، إنها تعرف أني قتلت والدها بالسم الذي أحضرته من روسيا"
وصمت قليلًا يفكر ثم قال
"اسمع سأضعه لها وننهي هذه المسألة"
اعترض مارسيل "ليس الآن انتظر فترة"
"لا لن انتظر، الآن، سأصنع لهم إكسبريسو كما تحبه روشان وأضعه لها وفي الصباح نكون قد انتهينا"
قال له مارسيل "لا تتسرع"
فرد "لا لن انتظر، إن استعادت ذاكرتها لأي سبب ستكون نهايتي كوالدي"
بالطبع كان مُهاب يستمع للمكالمة واستعدوا ما أن قدم لهم الاكسبريسو حتى قالت روشان
"أشكرك نائل هل صنعته ماريا؟"
فقال "لا، أنا صنعته بنفسي ترحيبًا بكِ"
هنا دخل مُهاب والقوة معه وقبضوا على نائل
الذي إنهار ما أن علم أنه تم التسجيل له وثبوت التهمة عليه وأخذ في الصراخ قائلًا
"لن أدعك يا روشان، صدقيني سأنتقم منكِ"
***
عاد سُهيل لمنزله وظلت روشان في فيلتها، أحست بوحدة شديدة، فهذه أول ليلة تقضيها وحيدة بدون أن تتسامر مع حورية ورباب، بدون مشاكسات سُهيل، بدون مزاح باهر، لقد كانوا لها عائلة لم تعرفها يومًا فقد رباها والدها وحده بعد وفاة والدتها، لم تكن على استقامة كاملة كان لها أصدقاء سوء وتخرج وتسهر وتدخن، ضحكت عندما تذكرت وجه سُهيل عندما طلبت منه السيجارة، وضحكت عندما تذكرت كيف كتم غيظه وأعطاها لها، ظلت ليلتها تتذكر مواقفها معهم، لا تدري لماذا قفز وجه ساري أمامها مع أنها لم تره كثيرًا، لم تنم جيدًا، أخذت تفكر في وسيلة تظل بها مع سُهيل وأهله واختمرت في ذهنها فكرة شيطانية وتسلحت بحبها لهم وفي الصباح المبكر ذهبت لهم.
لم يكن سُهيل قد ذهب للعمل بعد رنت الجرس ففتح لها وهو يفرك عينيه، بدا من مظهره أنه استيقظ للتو فانكمشت أمام الباب فهو حين استيقاظه يكون كالوحش.
رآها أمامه وكان غير مصدق ظل ينظر لها قليلًا ليتأكد ثم بكل قلة ذوق قال:
"ما الذي أتى بك في هذا الصباح؟ هل حدثت مصيبة؟"
فتصنعت الإغماء فحملها وأدخلها لداخل المنزل كانت حورية قد استيقظت لترى من الذي جاءهم في هذا الصباح فوجدت سُهيل يحمل روشان فقالت
"ما هذا؟! أهذه روشان؟ ما الذي حدث لها؟"
وجرت لتحضر عطرًا لتجعلها تفيق
وضع سُهيل روشان على الأريكة قائلًا بصوت هادئ
"أنا طبيب ولست بائع لبن، أفيقي أنا أعرف أنك تتصنعين الإغماء"
ففتحت عينيها
"أريد أن أعيش معكم"
فقال بكل صلافة "ونحن لا نريدك، طريقه عيشنا لا تناسبك، ثم بأي صفة ستقيمين معنا؟"
"إذن تحمل القادم سُهيل أنت لا تعرف مع من تتعامل"
قالت بنبرة صوت عالية قاصدة لفت نظر حورية لتأتي مسرعة:
"لم أكن أتوقع منك هذا بعد أن سلمتك نفسي"
جاءت حورية وسمعت الكلمة فسقطت منها زجاجه العطر وانكسرت
"ماذا قلتِ يا روشان يا ابنتي ما الذي سمعته؟!"
قال سُهيل "لن تنطلي هذه الخدعة على أمي العبي غيرها"
فقالت روشان وهي تتصنع البكاء
"خدعه! لقد سلمتك نفسي تلك الليلة، أقسمت أنك أحببتني وأنني زوجتك أمام الله والآن تريد أن تتركني، ألانني وحيده لا ظهر لي؟"
فعقد ذراعيه أمام صدره وقال
"أنتِ مجنونه لكن لم أتوقع أنك تصلي لهذا الحد! أعلى ما في خيلك اركبيه اشتكيني وسأطلب الكشف عليك"
هوت صفعة على خد سُهيل مصدرها كف أمه
"أيها الحقير أهكذا ربيتك؟"
وضع سُهيل يده مكان الصفعة غير مصدق لما فعلته أمه "أمي أتصدقين هذه الكاذبة؟! هيا لنذهب للطبيبة تكشف عليها لتثبت لكِ أنها عذراء"
كانت رباب وباهر قد نزلا على صوتهما المرتفع
فقالت حورية
"أيها الوضيع وتريد تعريضها للمهانة والكشف عليها أيضًا، لقد ضاعت سنوات تربيتي لك هباء"
قالت روشان بمنتهى الثقة:
"تريد الكشف عليَّ يا سُهيل حسنًا افعلها أنا موافقة وستؤكد الطبيبة أنني لست بعذراء، لا تنكر فعلتك"
فتدخل باهر قائلًا:
"لا يصح يا سُهيل ليست هذه أخلاقك ثم كيف وقعت في غرام هذه الصغيرة؟ ومتى حدث بينكما ما حدث؟"
كان الغضب متملكًا من سُهيل وصاح في باهر
"اصمت وإلا ..... "
فتراجع باهر فهو يعرف سُهيل ما أن تثور ثائرته لا يرى صرخت حورية
" قسمًا بالله يا سُهيل إن لم تعقد عليها اليوم فلست ابني ولستُ أمك وسأطردك من المنزل وستبقى هي به وسأعلن أمام الجميع أنها زوجتك ماذا ستختار؟ تعقد عليها أم تترك المنزل"
صمت سُهيل قليلًا
"سأعقد عليها"
أخذت رباب تسأل روشان
"متى حدث هذا روشان؟ أخبريني يا زوجة أخي"
ردت حورية
"تأدبي رباب"
وقاموا بترتيب المنزل وفي الظهيرة جاء الشيخ وعقد قران روشان على سُهيل وأشاعت حورية الخبر في المنطقة وقررت إقامة حفل زفاف في مساء اليوم التالي، ونامت روشان في أحضان حورية في هذا اليوم بينما سُهيل يحاول كتمان غضبه الذي يتأجج داخله كالبركان.
في صبيحة يوم الزفاف نزلت روشان بصحبة رباب لشراء فستان للزفاف، اختارته روشان قصيرًا يكشف عن ركبتيها وصدرها نبهتها رباب إلى أن هذا لن يعجب سُهيل على الإطلاق فردت
"وما الذي أفعله بالأساس يعجب سُهيل فليضف هذا للقائمة"
في الحفل كاد سُهيل يقيم الدنيا ولا يقعدها بسبب فستان روشان ولكن أمه هدأته، بعد انتهاء الحفل أخبرته أمه أنها وأخته وزوجها سيتركونهما بمفردهما ثلاثة أيام ليأخذا راحتهما، عندما سمعتها روشان صممت ألا يفعلوا هذا وأنها تريديهم معها في المنزل وأخذت حورية على انفراد وأسرت لها أنها تخشى من سُهيل فقالت حورية بصوت عال ليسمعه سُهيل
"قسمًا بالذي فطر السماوات والأرض وزرع حبك يا بنيتي في قلبي لو مسك بسوء لينال مني ما لا يعجبه"
ذهب الكل وتركوهما وحدهما
ما أن أغلق سُهيل الباب حتى طارت روشان كالغزالة البرية وأسلمت ساقيها للريح إلى غرفتها وأغلقت الباب، لحق بها سُهيل
"أتظنين أنك ستهربين مني روشان لن ينجدك مني أحد"
صاحت من داخل الغرفة
"لقد أغلقت الباب بالمفتاح"
فصاح غاضبًا "أي باب هذا الذي سيقف أمامي؟!"
ودفع الباب دفعة قوية فانكسر الباب
واقترب ليمسكها فقفزت على السرير فقفز ورائها فنزلت
وجرت لخارج الغرفة وهو ورائها حتى أمسكها بين ذراعيه كالكماشة
"لا مهرب لك روشان"
وأخذ نفسًا عميقًا
"لن أقتلك الآن، لكن أريد أن أفهم ما الذي أوقعتني فيه؟ ولماذا روشان؟ سأكون رجلًا عاقلًا ونتحدث بهدوء، سأتركك الآن، ولا تعاودي الطيران من أمامي، وإلا أقسم أن أجعلكِ تندمين"
تركها وطلب منها الجلوس
"أنا سأصمت، وأنتِ أفهميني من فضلك"
فجلست وقالت "كنت وحيدة طوال عمري، ولم أحس بالأمان إلا معكم، لم أشعر بدفء العائلة إلا معكم، لهذا كان يجب أن أفكر في شيء يجعلني بقربكم دائمًا"
قال وهو لا يدري هل يشعر بالشفقة عليها أم يريد خنقها؟
"ولم تجدي حلًا سوي اتهامي بما اتهمتني به لتصفعني أمي"
"أنا آسفه، لم أكن أتوقع ذلك"
"وإذا كنت صممت على توقيع الكشف الطبي عليك كنت ستنكشفين"
طأطأت رأسها قليلًا ثم رفعتها وقالت
"لم أكن لانكشف، أنا لستُ بعذراء"
"ماذا قلتِ الآن؟!" وقام من مكانه
فرفعت يديها أمام وجهها اتقاء لشره
"اسمعني فقط، أنا ظللت فترة طويلة بالخارج، كنت دائمة السهر والحفلات، كنت دائمًا أثمل من الخمر، وفي إحدى المرات تعرفت على شاب عربي وأنا ثملة وذهبنا لرسم وشم متماثل، وحدث ما حدث، أنا حتى لا أتذكر شكل الشخص، ومن يومها توقفت عن شرب الخمر، وقمت بقص شعري هكذا، فكل ما كنت أتذكره من كلام الشاب أنه هام غرامًا بشعري الطويل"
صمت قليلًا والتفكير واضح على ملامحه
فقالت "أنا لا ألزمك بشيء تجاهي، أريد فقط البقاء معكم هنا وإن أردتني أن أكون زوجتك حقًا، لا مانع لدي"
فقال ساخرًا "يا الله على تواضعك وكرمك، ولنفترض أنني لا أريدك كزوجة، أنتِ قصيرة وتبدين بجواري كابنتي"
تعلقت بذراعه "لا يهم أنا لا أمانع"
قال بضجر "أما أنا فأمانع، ولنقل إني سأتزوج مرة أخرى"
قالت بسرعة "أمي لن تسمح لك"
فقال وهو يبعد يديها عن ذراعه
"سأتزوج رغمًا عنها فربما كنت أحب فتاة ما"
قالت بسرعة " لقتلتها وقتلتك"
قال ضاحكًا "ما هذا هل تغارين عليَّ؟ لا تقولي إنك تحبينني"
فقالت بلا مبالاة "هل سنظل في هذا النقاش طوال الليل؟ أنا أريد النوم"
فقال "وهل منعتك؟ أم أنني أحمل السرير على رأسي وأنا لا أدرى!"
قالت بتوسل وطفولية "لا، لكني لا أستطيع فك أربطة الفستان"
قال "حسنًا، استديري، وبعدها إلى غرفتك تنامين هناك إلى أن تأتي أمي"
فقالت متذمرة "حسنًا فلتكف عن تحريك لسانك بالكلام، وحرك يديك بفك الأربطة"
أخذ يفك لها الأربطة قائلًا "واحترمي الرجل الذي تحملين اسمه وارتدي ملابس لائقة"
اصطدمت عيناه بالوشم في أسفل ظهرها على شكل جمجمة بداخلها قلب أحمر فأحس أنه رأى هذا الوشم قبلًا
وتساءل "هل هذا الوشم هو الوشم الذي كنت تتكلمين عنه؟"
فأجابته "نعم إنهما وشمان متماثلان، بعد أن أفقت ذهبت للرجل الذي رسمه لنا، لعلي أعرف عن الشاب شيئًا، لكني لم أعرف أي شيء، سوى أن هذا الوشم لا يوجد مثيل له، هذه خدمة خاصة اخترناها لنتميز بها جمجمة لتحدي الموت وقلب أحمر ليعيش الحب"
تركته وتحركت بضعة خطوات وهو ظل واقفًا متسمرًا ثم قال "روشان أين رسم الوشم في أي دولة كنتِ؟"
"كنتُ في هولندا لماذا تسأل؟"
ظل شاردًا ولم يجبها
تركته ودخلت الغرفة.
لقد رأى الوشم قبل الآن، إنه الوشم الذي يحمله ساري
التقط هاتفه وقبل أن يحاول الاتصال على ساري وجد هاتفه يضئ باسم الصياد وهو اللقب الذي كانوا يطلقونه على ساري
"مرحبًا سُهيل افتقدت صحبتك"
رد ببرود" وأنا أيضًا"
"لقد مررت على منطقة بها تغطية لشبكة الهاتف، وأول ما فعلته أن اتصلت بك، وكنت سأتصل بمُهاب وباهر لنتكلم مكالمة جماعية"
"لا، لا تفعل، ساري كنت أود أن اسألك سؤالًا"
"اسال ما تريد"
"ذلك الوشم الذي بأسفل ظهرك أين حصلت عليه؟"
"في هولندا لماذا تسأل؟"
"كنت أريد واحدًا مثله على ذراعي"
"للأسف لن تستطيع فأي متخصص وشم لن يرتضي برسمه مرة أخرى، فهو به علامة معينه تدل على أنه طلب متفرد لهذا كان غاليًا جدًا فهو لا يتكرر"
صمت سُهيل قليلًا فقال ساري
"سُهيل أين ذهبت؟ هل انت معي؟"
"نعم معك، اسمعني ساري، أريدك أن تأتِ لي الآن، لا تذهب إلى فيلتك، تعال لبيتي الآن"
"ماذا هناك يا سُهيل؟ لقد أقلقتني"
"لا شيء لكني أريدك لأمر هام"
"ولكن الوقت سيكون متأخر عندما أصل"
"لا يهمك لا أحد عندي بالمنزل"
"حسنًا، بالضبط أمامي ساعتين وأكون عندك"
روشان غيرت ملابسها، وارتدت بيبي دول أسود حريري وعليه الرداء الخارجي الخاص به، فهي قد اشترت ملابس كالعرائس ثم أنها أحبت سُهيل وسيكون لها وتكون له، وهو زوجها شرعًا، يجب أن تجعله يحبها، ويتوقف عن رؤيتها كطفلة فتحت باب غرفتها وخرجت له فنظر لها نظرة طويلة ثم زفر وقال:
"ماذا أتوقع بعد الفستان الفاضح الذي كنتِ ترتدينه؟"
قالت وهي تضع يديها بخصرها
"ماذا هناك؟ نحن بالمنزل وحدنا، ولا أحد معنا، هل ارتدي جلباب؟"
"لا، لا يصح طبعًا"
"أنا جائعة"
"وماذا أفعل؟"
"لقد جهزت ماما حورية لنا طعامًا جاهزًا، أنا أتضور جوعًا"
وأمسكت بيده تجره جرًا لطاولة الطعام، كان الطعام جاهزًا في أطباق تحتفظ بالحرارة؛ فجلست تأكل
"لماذا لا تأكل إن الطعام لذيذ؟"
"لا شهية لي"
فتوقفت عن تناول الطعام
"إذن أنا لن آكل، وسيكون ذنبي في رقبتك فأنا أتضور جوعًا، لا تقل إنك لم تسمع عصافير بطني وهي تزقزق"
ضحك ضحكة عالية وتناول معها الطعام، بعد تناول الطعام طلب منها إعداد القهوة، نظمت المكان وأعدت القهوة
وقدمتها له متعمدة أن تفتح رداءها الخارجي قليلًا
"تفضل"
"شكرًا، واغلقي ردائك جيدًا"
نظرت له نظرة أنثى عاشقة وقالت بدلال
"لماذا هل أُتعب أعصابك؟"
فضحك قائلًا:
"أخشى أن تمرضي، أنتِ لا تؤثرين في أعصابي بتاتًا ارتاحي واطمئني"
ظهر الضيق على وجهها
رن الجرس فتعجبت ثم قالت "هل تكون ماما حورية اشتاقت لي فغيرت رأيها؟"
"لا ادخلي للداخل، ولا تخرجي إلا عندما أناديك وكوني محتشمة، إنه ساري"
"ساري الآن! ماذا هناك؟"
قال وهو يكز على أسنانه "ادخلي للداخل"
دخلت
ففتح لساري الذي كان يتلفت ليرى الأنوار الموجودة أمام المنزل
"ما هذا يا سُهيل من تزوج عندكم؟" واحتضنه
"أنا تزوجت"
"ماذا تقول يا رجل؟ هل أُصبت بعدوى المزاح الثقيل من باهر؟"
"لا، حقًا لقد تزوجت، لكن الأمر جاء سريعًا، أنا حتى لم تتسن لي الفرصة لإعلام مُهاب"
"ولماذا هذا التعجل؟ ماذا حدث؟"
"هل سنتحدث على الباب يا ساري؟ ادخل للداخل"
وجذبه من ذراعه
"كيف أدخل وأنت عريس كما تقول؟!"
ستعرف الآن
"كيف حصلت على الوشم يا ساري؟"
فتضايق ساري "ما قصتك والوشم، إنه أسوء ذكرى في حياتي، ولولا أنى أتمنى أن أجد بسببه إنسانة جرحتها كنت أزلته"
"كيف جرحتها؟"
"لا تُقلب عليَّ المواجع سُهيل، أنا حتى لم أخبر أيًا منكم بالأمر، لخجلي منه"
"تكلم يا ساري، وقص عليَّ كيفية حصولك على الوشم، فالأمر مهم"
"حسنًا لقد كنت في هولندا لعقد تعاقدات لمستلزمات المطعم ذهبت مع بعض الأصدقاء لديسكو وأصروا أن أتناول الخمر، ثم رأيت شلالًا من الشعر الحريري، سرت ناحيته كالمجنون، تعرفت عليها كانت عربية وقصيرة القامة، أكثر ما جذبني بها شعرها، هل تصدق أنى لا أتذكر ملامحها؟ شربنا حتى الثمالة، وأصبحنا معًا، لم أكن أدري وقتها ما حدث، لكني في الصباح اكتشفت أنها كانت عذراء، صُدمت، جَبنتُ، وهربت"
"ألم تر وجهها عندما أفقت؟"
"لا كان شعرها يغطيه، عندما استعدت رباطه جأشي، عدت لأجدها رحلت، وعلمت أن أصدقائي وضعوا لها مخدرًا لكيلا تقاومني، كما عرفت قصه الوشم من الفندق عندما تعجبت من الفاتورة وعدت لهنا ولم أجدها"
"لقد وجدتها أنا"
"حقًا! كيف ذلك؟ دلني عليها، سأتزوجها"
"عندما أطلقها وتنتهي عدتها تزوجها"
"ماذا تقول؟ أنت تزوجتها، كيف ذلك؟"
"الفتاة صاحبة الوشم هي روشان التي أنقذناها"
"ولكن شعرها"
"قصته بعدما حدث"
"ستتزوجها عندما تنتهي عدتها، أنا لم ألمسها، ومتأكد أن أحدًا لم يلمسها بعدك"
هنا دخلت روشان عاقدة ذراعيها أمام صدرها
"تتصرفان كأني غير موجودة، لا رأي لي، من قال أنى أريد الطلاق للزواج بساري؟"
"يجب أن تتزوجيه" قال سُهيل
فكت ذراعيها وأخذت تلوح بهما
"لماذا؟ هل أنت غبي؟ لست غبيًا فقط بل لا تفهم على الإطلاق، أنا أحبك، كيف لم تلاحظ ذلك؟ أحبك أنت"
فقال والحزن يكسوه "وأنا لا أريدك، تزوجي من ساري، من فعل الفعلة يتحمل جريرتها"
فصمتت
قال ساري "أنا سأتزوجك روشان، وأتخلص أخيرًا من ذلك الحمل على أكتافي"
تركتهما واختفت قليلًا ثم جاءت قائلة
"هل هذا آخر كلام لديك سُهيل"
"نعم سأطلقك، وبعد انتهاء العدة يتزوجك ساري"
"وماما حورية ماذا ستقول لها؟" قالتها بحزن شديد
"لا دخل لك"
"حسنًا كما تريد سُهيل"
"أنت ..."
"انتظر سأذهب للحمام أولًا، وأبدل ملابسي، وعندما أخرج قلها"
"حسنًا"
"أنت حقًا أخي الذي لم تلده أمي يا سُهيل" قالها ساري
"أنت لي كأخي يا ساري، ولن ألمس زوجة أخي أبدًا"
.........انتظرا ........وانتظرا
"ألا تلاحظ انها تأخرت يا ساري"
ذهب ينادي عليها
"كل هذا تبدلين ثيابك، ثم أنك لن تخرجي من المنزل قبل الصباح"
لم يجد ردًا ..... نادى مرة أخرى
"هيا روشان وإلا سأطلقك وأنتِ بالحمام"
لم يجد ردًا، أخذ يطرق الباب بشدة ولا مجيب، جاء ساري فقال سُهيل "ابتعد لأكسر الباب، ربما كانت عارية"
ابتعد ساري وكسر سُهيل الباب ليجدها على أرضية الحمام والدماء تغطي الأرضية فلقد قطعت شرايين يديها الاثنتين
"يا الله ماذا فعلتِ أيتها المجنونة؟ وربط يديها ليوقف الزيف وحملها ليذهب للمشفى، أخذها في سيارته وورائهم ساري بسيارته، دخل بها سُهيل للمشفى وأسعفها.
بعد أن اطمئن عليها لاحظ عدم وجود ساري، اتصل عليه لم يرد، فجأة وجد من حوله يهرولون، ذهب ورائهم
إنها حادثه ليرى ساري موضوعًا على سرير نقال فلقد صدمت سيارة نقل سيارته وحالته خطرة، أمر بتجهيز غرفة العمليات أمسكه ساري من يده فاقترب منه سُهيل فقال ساري
"لا تتركها سُهيل إنها تحبك سأخرج أنا من الصورة لتعيش معها، بعد ذهابي ستجد مفاجأة أعددتها لكم"
وترك يده وسلمت روحه لبارئها
وقف سُهيل متسمرًا غير مصدق لما حدث جاء مُهاب وأنهوا الإجراءات، واتصلوا على باهر وذهبوا لدفن ساري.
أفاقت روشان لتجد حورية ورباب بجوارها ترتديان الأسود
قالت حورية "يا ابنتي كان الطعام جاهزًا كيف تجرحين نفسك هكذا؟ لم يكن من داع أبدًا لطبق السلطة ذاك"
"أنا بخير أين سُهيل؟ صمتوا"
"ماذا هناك؟ هل حدث شيء لسُهيل؟"
"لا فليحمه الله، إنه ساري صدمته سيارة، وتوفي إنهم يدفنونه، فهو لا أحد له سواهم"
خرجت روشان من المشفى للبيت، وجاء سُهيل وعادت حورية ورباب وباهر للمنزل فالحزن المخيم عليهم لفقدهم ساري كان كبيرًا جدًا، فلقد كان ساري في مكانة الابن والأخ، كانت روشان تنام بغرفة حورية بحجة أنها متعبة وأن سُهيل يريد أن يبقى وحده.
بعد أسبوع اتصل حامد الأشرف محامي ساري بسُهيل وطلب منهم مقابلته في مكتبه مع باهر ومُهاب
ليجدوا أن ساري قبل موته كتب المطعم والفيلا وما يملكه باسمهم.
حورية صممت أن تعود روشان لغرفتها.
دخلت روشان الغرفة لتجد سُهيل جالسًا على السرير فقالت
"ماما حورية هي التي أصرت أن أعود للغرفة لا تقلق لن أزعجك، سأنام هنا على الأريكة"
"لا نامي على السرير وسأنام أنا على الأريكة"
فضحكت وقالت" وهل ستتسع الأريكة لهرقل؟ أنا صغيرة سأنام أنا عليها"
"حسنًا عندك حق" وألقى لها بغطاء
هكذا مرت الأيام يتشاكسان وينامان كُلٌ في مكانه
مرت الأيام واجتمع الأصدقاء وقرروا فتح المطعم من جديد لكنهم سيبيعون المطعم القديم ويفتتحون مطعمًا جديدًا في فيلا ساري ليكون كبيرًا، طلبت روشان التدخل في الحديث
واقترحت أن يكون بالفيلا مركز تجميل نسائي، وأن تضاف محلات، ومنطقة لألعاب الأطفال، لتكون الفيلا بها كل شيء ويتم تسميتها منتجع الساري.
استقال الكل من عمله وتفرغوا لتجهيز منتجع الساري، دخلت روشان شريكة معهم في المنتجع، واقترحت علي سُهيل أن ينتقلوا للإقامة في فيلتها، رفض أن يسكن في مكان لا يملكه، فاقترحت عليه أن يشتري منها نصف الفيلا فوافق، وانتقلوا للإقامة فيها كان جناحها كبيرًا وسريره كبير.
في المساء ذهبت لتستلقي على الأريكة الموجودة في جناحها لتفاجأ بسُهيل يحملها
"ماذا تفعل؟!"
"كما ترين، أحملك لأضعك على السرير"
فأحاطت عنقه بيديها مبتسمة "ولماذا هذا؟"
"لأن السرير واسع، فلتنامي بجانب وأنا بجانب فالبرد بدأ يشتد لا أريدك أن تمرضي"
ووضعها على جانب السرير ليستيقظ صباحًا ويجدها نائمة على ذراعه وفي حضنه فاخذ يتأمل ملامحها الطفولية البريئة وشعرها الذي بدأ يستطيل فزادها جمالًا، فاحتضنها أكثر وأكمل نومه، أحست هي به وكادت تطير من الفرحة ولكنها تصنعت النوم لتظل بحضنه.
سُهيل وقع في غرام روشان، وكان يتعمد لمسها والاقتراب منها، في يوم شتوي دلفت للفراش ترتعد بردًا فلقد تعطل التكييف فضمها بين ذراعيه لتشعر بالدفء قائلًا
"الجو بارد جدًا"
"لكنك تشتعل حرارة!"
"لأني بقربك"
"ماذا تقصد؟"
"ألا تدرين؟!"
"لا، لا أدري"
"أحبك يا قصيرتي" فابتعدت عن حضنه جالسة على السرير
"ماذا قلت؟!"
فضحك وجذبها لحضنه مرة أخرى "أحبك يا قصيرتي"
"أنا لست ....." فأسكتها بقبلة أشعلت براكين الهوى في أعماقها، وانسجم الاثنان في سيمفونية حب لا تنتهي،
فلقد ذاب عشقًا في غرام القصيرة.
تمت بحمد الله