جالسًا في حديقة منزل مزرعتي مستمتعًا بأشعة الشمس الخجولة التي تداعب وجهي يحدوني السرور بأولادي اللذين يقفزون حولي راكضين وراء بعضهم البعض، بدران وبشري وشاكر، بينما أرى زوجاتي العزيزات مي، وآية ونسرين تداعبن الأطفال في سعادة، وكأننا لم نعش الشقاء يومًا، جال بخاطري أمنيتي التي طالما تمنيتها ألا ليت والدي وأخي ووالدتي ما زالوا على قيد الحياة، لكنها مشيئة الله التي لا اعتراض لي عليها، يا الله تبدو ذكرياتي عن حياتي قبل استقراري في منزل المزرعة وكأنها وليدة اللحظة وكأنها أبدًا لم تمر.
والدي الحبيب بدران الهادي وتلك العزبة التي شقى وكافح حتى جعل الأفدنة القليلة التي ورثها عن جدي الهادي عزبه سميت باسمه، عزبة بدران، بكفاح وعرق متواصلين، عاونه في ذلك الكفاح أمي الغالية وأخي الكبير سند العائلة وركنها القوي شاكر، كان شاكر أكبر إخوتي عون أبي في الزراعة وإدارة الأملاك، تخلي شاكر عن تعليمه باختياره ليساعد والدي، لكنه أصر أن نكمل نحن تعليمنا أنا وراضي وصالح، صالح أكمل تعليمه إلى أن أصبح محامي، وراضي طبيب بيطري، ولكني أبيت أن أكمل تعليمي، فلم أكن لأبتعد عن عشقي الأول والأخير....
الأرض ، تلك الحقول الخضراء التي تبعث في نفسي الراحة كلما نظرت لها، غبطتي عندما يجمع المحصول، لم أكن لأبدل ذلك لو عاد بي الزمان ، لم أكن أنتظر أبي أو أخي شاكر ليخبراني عن ما يجب فعله أو كيف نزرع هذا المحصول أو ذاك أو عما تحتاج إليه الأرض، كنت أسأل بنفسي وأتخالط مع الفلاحين لأتعلم منهم كل شيء وكان أهم ما تعلمته أن الأرض تفرح بصاحبها وتحس اهتمامه بها فتجزل له العطاء، أما أخوي راضي وصالح لم يكونا على وفاق مع الأرض كانت الأرض بالنسبة لي حياة أما بالنسبة لهما كانت مجرد منبع للمال، لم يكن صالح أو راضي يحملان في قلبيهما سوى الكره للكل وأنا أول من كانا يكرهان، كرهاني و غارا مني لاهتمام والدي بي وخوفهما عليَّ، وكيف لا يخشيان عليَّ وقد كدت أضيع من أيديهما في صغري بعد أن كادت الحمي تصيبني بشلل الأطفال لولا عناية الله ورحمته، فأضحيا يخشيان عليَّ، هذا بالإضافة لما لمساه مني من حب وتفان وصدق، راضي كان عقله دائمًا سابقًا سنه، يفكر كيف يكنز الأموال ويدخرها ليكون الأفضل بيننا فأكمل تعليمه، منذ صغره يفكر بعقلية ماليه، كان شغله الشاغل كيف يمتلك نقودًا خاصة به، كان يدخر النقود التي يعطيها له والدي ويشتري بها غنمه ويشارك بها أحد الفلاحين وتكبر الغنمة وتلد وهكذا، كان يقتر على نفسه في المصاريف، حتى في أيام كليته كان يدخر المال الذي يرسله له والدي لطعامه وملبسه ويكتفي بأكل الجبن والخبز ويشتري الملابس من المحلات الرخيصة، ليكون معه رصيد من المال، صالح أيضًا لم يكن يختلف كثيرًا، كان يدخر المال، جاءته فرصة الاستغلال عندما اشتغل بالمحاماة فكان يحاسب والدي على كل ما ينجزه له من أعمال وأوراق، إن تكلف الورق مائة جنيه أخذها من والدي خمسة أضعاف.
أبي الغالي لم تخف عليه أبدًا شخصيه هذان المعوجان حاول كثيرًا أن يغرس فيهما ما غرسه في شخصي وفي شخص شاكر، لكنهما كانا كالأرض البور، لم ييأس أبدًا، ودائما ما كان يضعهما في مواقف تحتاج التفكير وحسن التصرف ويرى كيف يبليان فيها، أراد أن يثبت لنفسه ما هو متأكد منه، ارتأى أن يسمح لكل منهما على حدة بمباشرة الأرض الزراعية لفترة سنة ويرى ما الذي سيقدم عليه كل منهما، شاكر فرح بذلك فليس أحب على قلبه من أن يعاونه أخوته ويعرفوا ما لهم وما عليهم وتوسم فيهما الخير، أما الوالد فكان قلبه ينبئه بم سيحدث ولكنه قرر اعطائهما الفرصة عله يكون على خطأ.
عهد أبي بالأرض لـراضي أولًا، في تلك السنة قل إيراد الأرض المورد لأبي بما يعادل الربع، الأرض لم يصرف عليها أيه مصاريف لتحسين تربتها بالليزر مع أنه حاسب الوالد عليها، الأسمدة التي وضعت بالأرض كانت أقل من التي توضع لها كل عام مع أنها صرفت كاملة من الجمعية الزراعية لكنه باع الفارق بالسوق السوداء، حتى الأشجار التي كانت على جانب الأرض بيعت وقبض ثمنها وأخبر أبي أنها كانت غير صالحه للبيع وأنه أحرقها، أما المواشي التي ولدت في تلك السنة شارك عليها فلاحين من خارج العزبة وأخبر والدي أنها نفقت.
كان شاكرا متعجبًا من صنيعه أخيه أما الوالد بدران صدق ظنه في ابنه وانتظر ليرى كيف سيتصرف صالح هو الآخر، ولكن لم تخب فراسة أبي فكما فعل راضي فعل صالح فهما كانا يظنان أن والدي لا يعرف بما يفعلان.
في السنة التالية عهد أبي بالأرض لي، وهو على ثقة مما سأفعله، لم تسعني الدنيا من الفرح بهذه المسؤولية التي أوكلها لي والدي وأخي، مع أنني وقتها كنت صغيرًا، لكن الأرض بالنسبة لي كانت حلمي وهاجسي، أشعر في وسط الحقول بروحي ترفرف سعيدة، فالأرض تحس بمالكها وتمده بخيراتها، كلما أجزل لها العطاء، كرمته بالعطايا، الأرض كالأنثى إن أحست باهتمام نصبتك ملكًا على عرشها، إن أعطيتها قيراطًا من الرعاية بادلتك بأفدنة من العطايا، اعتنيت عنايه فائقة بالأرض وقمت بتسويتها بالليزر وإمدادها بما تحتاجه من الأسمدة، بعت الأشجار التي ستباع بأفضل الأسعار، كما أنني أشرفت بنفسي على تسمين المواشي التي ستباع جيدًا، فتحصلت منها على أعلى الأسعار وزدت من عدد المواشي، وتعاقدت على بيع المحصول بأعلى سعر حتى لو اضطرني ذلك للسفر لمناطق بعيده،
أما ما تحصلت عليه من أموال جراء تلك الإجراءات فوردتها لوالدي، دون أن أخفي أي شيء منها، كان سرور والدي وأخي شاكر بي سرورًا فاق الحد، فأبي أثبت لنفسه حسن ظنه ودرايته بأولاده، وشاكر تأكد من قدرتي على إدارة الأرض ورعايتها بحب وتفان وأصبحت الساعد الأيمن لشاكر.
استوطن الحقد في نفس راضي وصالح ومد جذوره في قلبيهما حتى أضحيا بسواد القطران، بعد أن رأيا مكانتي تزداد ومسؤولياتي وثروتي تزداد.
كبر الكل، تزوج شاكر من مي عزيز ابنه عزيز المنياوي عين أعيان الصعيد الذي يمتاز بشدته وجبروته بدون أن يراها إلا في يوم زفافهم،
لكن الله كافئه وكانت مي له نعم الزوجة وكانت تحنو عليَّ وتحبني كما كان يفعل شاكر، ولم يكتب لهما الله الانجاب مع أنهما كانا بكل خير ولا عيب فيهما، فكان شاكر يعتبرني ابنه وليس مجرد أخ، أما راضي وصالح تزوجا من نسرين العفيفي وآية الشبراوي بنات التاجرين رضوان العفيفي وحامد الشبراوي تاجرا الفاكهة المعروفين، لكن كان شرطهما لإتمام الزواج أن يريا العروستين أولًا، ولما كانت آية تمتلك جمال جدتها الايطالية صوفيا، ونسرين تملك جمال أمها ذات الأصول التركية، فأعجبتاهما وتزوجا منهما تزوج صالح نسرين وراضي آية.
أما أنا فكنت عازفًا عن الزواج، فالأرض بالنسبة لي هي الزوجة والصديقة والحبيبة إنها أنثاي التي لا غنى عنها ولا بديل لها، ولكن هذا لم يعجب والدتي بالطبع، فهي تريد الاطمئنان عليَّ وتزويجي، فهي لن تدوم في الحياة للأبد، وبم أنها على يقين تام بأنني لن أعصي لها أمرًا أو أكسر لها كلمة فوضعتني أمام الأمر الواقع بأن اتفقت مع أهل نادين النعماني ابنه حسين النعماني أخيها في الرضاع على تزويجها لي، لم أكن أعرف نادين أو رأيتها قبل ذلك الاتفاق، فلقد كانت مسافرة مع والدها للخارج وعادت من فترة بسيطة لم يتسن لي فيها أن أراها، وتوجب عليَّ أن أذهب مع أمي ومع والدي وأخي لإتمام الخطبة ، لم أكن لأخالف رغبة والدتي أبدًا حتى لو اقتضي ذلك أن أحضر لأرضي ضرة تشاركها فيَّ، وقد كان....
ذهبت معهم لخطبه نادين ورحب بي خالي النعماني أيما ترحيب فهو على علم بأدبي وأخلاقي، ما أن هلت نادين علينا تحمل صينيه العصير حتى ألقى الله بظلال القبول والراحة علينا، جلست نادين معي فشعرت براحة تماثل تلك الراحة التي تغمرني عندما أكون في حقولي الخضراء، بسعادة تماثل سعادتي بحصاد محصولي، أما نادين فكانت خجلة ولكنها تشعر بشعور عجيب ولكأنها تعرفني منذ أبد الدهر، كان قلبها يخفق بشدة وتتسارع دقاته كلما تصادمت عينيها بعيني، لغة العيون كانت أقوى وأبلغ من أية كلمات قد تقال.
تم الزفاف، كان الكل يعيش سويًا في فيلا كبيرة، لكن كل منا له جناحه الخاص به، فلقد كانت هذه رغبة أمي فهي كانت تريد أولادها حولها
دائمًا، مع أن أبي كان يريد أن يسكننا بعيدًا عنه درئًا لأي مشاكل يمكن أن تحدث بيننا أو بين زوجاتنا في المستقبل، ليريح رأسه مما يمكن أن يحدث، لكن أمي ترجته كثيرًا أن يكون أولادها بجوارها، فوافق مرغمًا برغبته ألا يغضب رفيقة دربه، لم يخذل الله أمي وكانت الفتيات محبات لبعضهن وتملأن المنزل محبة وسعادة، شاكر ومي كانا يحبان نادين جدًا ونمت صداقه عميقه بين مي ونادين فصارتا كالأختين تمامًا، كانت العلاقة بين زوجات الإخوة بريئة، صادقة، مريحة، فكلهن تصادقن مع بعضهن ناشرات الود والمحبة في المنزل، لم يكن يعكر صفو المنزل سوى راضي وصالح اللذان كانا يحاولان بث سمومهما في قلب نسرين وآية تجاه مي ونادين لكن محاولاتهم لم تفلح أمام صدق قلب الفتيات وفهمن طبيعة زوجيهما السوداء وآثرتا عدم الكلام أو التواصل مع مي ونادين كثيرًا في حضور زوجيهما لكي لا ينغصا عليهما حياتهما، وتفهمت مي ونادين ذلك، فلم يعد يخفى على الكل طباع راضي وصالح الجافة، الخشنة، أما في عدم وجود راضي وصالح كن في غايه الوئام.
مرت الأيام لم يكتب الله الانجاب لأي من إخوتي رغم سلامتهم جميعا وسلامه زوجاتهم، إلى أن جاء يوم شعرت نادين بوعكه صحية ودوار وأحست بالغثيان لم يستقر أي شيء في معدتها وكنت بالخارج مسافرًا في عمل، أخذتها مي برفقه نسرين وآية إلى الطبيب الذي أكد لهم خبر حمل نادين، لم يتمالكن أنفسهن من الفرحة وأطلقن الزغاريد في العيادة وكلهن ثقه في الله أنهن سيلحقنها بالتأكيد، ذهبن للفيلا ترتسم السعادة على وجوههن، صارخات من الفرحة، فسجدت أمي شكرًا لله الذي أخيرًا سيقر عينيها بمرآي حفيد لها وليس أي حفيد بل أنه ابني الغالي الصغير، لم ينغص هذه الفرحة سوى مقدم راضي الذي فور أن علم حتى نطق كفرًا و بهتانًا
"حامل من من؟ كلنا لم ننجب فلماذا شاهين هو الذي ينجب؟" فصفعته والدتي صفعة قوية وحذرته من إعادة مثل هذا الكلام وإلا قطعت لسانه، زاد حقده وكرهه أضعافًا وتملك منه شيطانه، فكيف تضربه أمه أمام هؤلاء النسوة.
كانت فرحة الكل بالحمل فرحة عارمة حتى أن أبي أمر بذبح ثلاثة عجول وتوزيعها على الفقراء وإقامه وليمة للأهل والأحباب، أما صالح وراضي جمعا حقدهما وتحالف شيطانهما سويًا واستقرا على التخلص من ذلك الجنين القادم....
فابتاع صالح دواء للإجهاض يبدأ مفعوله بعد وقت طويل نسبيًا، دسه راضي في علبة عصير قدمها اعتذارًا عما بدر منه من كلمات في حق نادين التي أجبرتها طيبة قلبها على قبول اعتذاره وشرب العصير، مرت الوليمة في هدوء ثم بدأت الآلام تنتابها ليأتي الطبيب موقعًا كشفه عليها ويعلن الخبر الذي هز الجميع "لقد فقد الجنين فليعوضكم الله خيرًا"
وقع الخبر على نادين كالصاعقة فانفجرت في البكاء ولكني طيبت خاطرها
"ما بك يا صغيرتي؟ سيعوضنا الله خيرًا منه، المهم أنكِ بخير وبجواري"
حزن المنزل بأكمله ما عدا راضي وصالح، لكن أمي لم تستطع تجاوز حزنها على ذلك الحفيد الذي لم ير النور وكان حلمًا لها فدخلت في اكتئاب لم تفلح محاولات الفتيات في إخراجها منه، وساءت حالتها كثيرًا حتى قُبضت روحها.
ساد الحزن المنزل وخيمت عليهم أطياف الكآبة والوجوم، نادين كانت في شده الحزن، حزينة لجنينها الذي لم تره أو تفرح به وحزينة لموت حماتها التي كانت تعتبرها كأمها، مي وآية ونسرين دائمًا ما كن يحاولن التخفيف عنها، أبي حزن كثيرا لفقدان زوجته وزاده الحزن سنوات فوق سنواته وكان قليل الحركة في المنزل.
في أحد الأيام بعد أن مل من الرقود في فراشه، خرج بهدوء ليتمشى قليلًا في الحديقة، كي يجلس في ذلك المكان الذي كان يجلس فيه مع أمي رفيقه عمره، وبينما هو متجه لبقعته المحببة سمع راضي وصالح يتحدثان عن قتلهما لابني الجنين وعن حب راضي ورغبته في الحصول على زوجتي التي لن يدخر جهدًا في حصوله عليها، حتى لو وصل الأمر لقتلي، صدمة والدي كانت شديدة جدًا كان يعلم أن صالح وراضي يكرهانني لكن ليس لدرجه أن يقتلاني ويقتلا الجنين أيضًا ويطمع في زوجتي، مادت الدنيا في عيني أبي واسودت وأحس بثقل شديد في لسانه وقدميه ولم تحمله قدماه أكثر من ذلك بعد صدمته في أولاده، حاول الاستناد على تمثال بجواره في الحديقة لكن يده خانته فسقط مغشيا عليه محطمًا التمثال، التفت صالح وراضي لمصدر الصوت الذي أحدثه سقوط التمثال، ليجدا والدى ممدًا على الأرض في اللحظة التي كانت فيها نسرين وآية قادمتين فصرختا.
حملوا الوالد للمستشفى، والدي أصيب بشلل وفقد النطق والقدرة على الحركة، الفتيات كن يلازمنه في المشفى ودائمات الزيارة.
بعد فتره وجيزة، اتفق راضي وصالح على قطع فرامل سيارتي ليتخلصا مني لعلمهما بأني مسافر للإسكندرية لإنهاء بيع المحصول لأحد التجار هناك، في ذلك اليوم حدث عطل في سيارة شاكر، فطلب مني أن أوصله للمزرعة في طريقي قبل أن أسافر، فأعطيته السيارة لأن سفري قد تأجل لولادة ابنه التاجر الطارئة، فغادر شاكر بسيارتي، راضي وصالح جلسا في مكتب صالح ينتظران اتصالًا يخبرهما أنني حدث لي حادث، شاكر بعد قيادته السيارة بفتره اكتشف العطل بالفرامل حاول مفاداة السيارات الأخرى على الطريق، لكنه لم يستطع واصطدم بتريلا عملاقة كانت في الجهة المقابلة له ومات في الحال.
وصل الخبر لصالح وراضي أن سيارتي اصطدمت بتريلا على الطريق فكانا في قمه سعادتهما وسارعا للمشفى ليجداني أمامهما، فصعقا لرؤيتي لكنهما تماسكا، صُدم الاثنان لكنهما كانا فرحين فقد تخلصا من شاكر وسيتخلصان قريبًا مني، سقطت مي مغشيًا عليها فور معرفتها بموت شاكر، ولكأن أشباح الموت استقرت وسكنت في منزلنا وتأبي مغادرته.
اتفقنا على عدم إخبار الوالد بموت شاكر، لكن راضي تملكه شيطانه وذهب من ورائنا وألقى الخبر على مسامع والدي بكل برود وبكل جبروت أخبره أنهما ورائها وأنهما كانا يخططان لموتي ولكن الله أراد أن يموت شاكر بدلًا مني، لم يتحمل أبي ذلك الخبر، شعر بقلبه يتحطم وبروحه تفارقه وصعدت روحه لبارئها، دفن أبي وأخي سويًا في نفس اليوم، فقدت أغلى الغوالِ سويًا في وقت واحد، لقد كُسرت، أحسست بانقسام ظهري، سندي في الدنيا رحل، كنت دائم الجلوس عند قبور أحبائي، أمي ووالدي وأخي الغالي.
كانت الفتيات تعاهدن على الذهاب للمقبرة سويًا لتوزيع الرحمة والنور والصدقات على روح الأموات، لكن نادين أحست بدوار شديد فطلبن منها أن ترتاح في المنزل حتى تأتين، اتصلت آية براضي تخبره أن يطمئن على نادين لأنها ترن على هاتفها ولا تجيب فهي في المنزل وحدها، فأخبرها أنه مشغول، راضي لمعت الفكرة في رأسه وأغوته شياطينه وقرر الذهاب لنادين ليظفر بها دخل الفيلا، تأكد ألا أحد فيها، دخل غرفه نومي
ليجد نادين ممددة على السرير، لم يؤثر فيه ملامح الحزن المرتسمة على وجهها ولا ذلك السواد المتشحة به، اقترب من السرير أخذ يأكلها بنظراته الممتلئة شهوة ورغبة، كل نظره منه كانت تجردها من ملابسها، اقترب من السرير وتلمس وجههما تململت نادين في السرير، فتلمس شفتاها برقه وقبلها، أفاقت نادين لتجد راضي أمامها بدلًا مني صرخت ولملمت الغطاء عليها محاوله تغطية نفسها منه
"ماذا تفعل هنا يا راضي؟"
"اطمئن عليك"
"أنا بخير، من فضلك اخرج"
اقترب راضي منها وأمسكها من ذراعيها وحاول تقبيلها ونادين تقاومه وتبعده عنها
"ابتعد عني، لقد جننت ماذا بك؟ أفق، أنا زوجه أخيك"
"ستكونين لي، لن أتركك أبدًا"
نادين استطاعت الافلات منه ولم تجد أمامها مخرجًا سوى الشرفة
جرى ورائها
"اهدئي، صدقيني أنا أذوب في غرامك منذ أن رأيتك أول مرة، أنا أعشقك طاوعيني فقط وتعالي لحضني وأنا سأذيقك حلاوة الحب"
"أنت مجنون!"
حاول أن يقترب، فابتعدت" لا تقترب، وإلا ألقيت بنفسي من الشرفة"
"لن تفعليها، ولا أحد سينقذك مني، المنزل خالٍ، لا يوجد هنا إلا أنا وانتِ، طاوعيني"
"أبدًا دونها موتي"
ألقت نادين بنفسها من الشرفة، سقطت على الأرض مضرجة بدمائها،
صعق راضي من المنظر لكنه تمالك نفسه وخرج من الفيلا بكل هدوء كأن شيئا لم يكن، استمرت مي وآية ونسرين في الاتصال بنادين، ولما لم يجدن إجابه توجهن سويًا للڨيلا، صعدن غرفتها لم يجدنها في السرير دخلن الشرفة وبينما هن في الشرفة هداهن الله للنظر للأسفل ليجدنها ملقاه هناك صرخن ونزلن للأسفل ليجدنها فارقت الحياة.
تصور الجميع أنها أحست بالدوار وهي في الشرفة وسقطت، من عزاء لعزاء مرت تلك الفترة عصيبة على عائلتنا، كنتُ ممزقًا من حزني على كل من فقدتهم، ابني الذي لم يكتب له النور، والدتي، أخي، والدي، والآن زوجتي...
من سأفقد بعد يا الله؟ اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد، ألهمني الصبر يا الله
هكذا كنت أحدث نفسي وأدعو الله.
لم يكد يمضي أسبوع على دفن أبي وأخي حتى بدأ راضي وصالح بالتحدث عن توزيع الميراث، فاتفقت أن أشتري نصيبهما في الأرض لأنهما لن يستطيعا العناية بها، وأنا أرفض أن تذهب أرضي التي هي كعرضي لأيد غريبة، هاتفت المستشار حسني محامي والدي وجاء حسني للمنزل وقام بفتح الخزينة، فوحده كان يعرف الأرقام هو والمرحوم شاكر، قاموا بجرد ما في الخزينة من نقود وأوراق، لم تكن أوراق ذات أهمية مالية لنا كشهادات ميلاد وعقود زواج
سأل راضي "أين عقود الأملاك والأراضي؟"
قال حسني" كل تلك الأوراق مع الوصية في مكتبي، ستشرفونني بالحضور غدًا؛ لأسلم لكل منكم أوراقه، فوالدكم وزع كل شيء في وصيته ويجب حضور السيدات نسرين وآية ومي أيضًا"
سأل صالح "لماذا؟"
أجابه حسني " لقد حدد الوالد لهن أيضا عطايا"
ذهبنا جميعًا في الموعد المحدد لمكتب المستشار حسني
شرع حسني في فتح مظروف كبير مختوم بالشمع الأحمر أمامنا، وقام بإخراج ورق الوصية الذي كان موضوعًا في ظرف أصغر مختومًا بالشمع الأحمر هو الآخر.
شرع حسني في قراءة الوصية
(بسم الله الرحمن الرحيم
"أنا بدران عبد الحميد الهادي وهذه وصيتي
أوصي بأرضي كامله والمزرعة بمواشيها لولدي شاكر وشاهين، ولمي زوجه شاكر ثلاثة أفدنه وكذلك نادين زوجه شاهين، من يموت منهم يوزع نصيبه على الآخرين، يوجد وديعة بالبنك باسم كل من راضي وصالح تساوي قيمتها قيمة ما كانا سيرثانه من الأرض والمزرعة فكلاهما لا يفهمان قيمه الأرض وأنا على يقين أنهما كانا سيفرطان فيها، كذلك يوجد وديعة تساوي قيمه الثلاثة افدنه لكل من آية ونسرين، كتبت هذه الوصية بعد وفاة رفيقه دربي بشري، أما الفيلا فهي باسمكم شاكر وصالح وراضي وشاهين، إذا توفي أي منكم يذهب حقه في الفيلا لزوجته)
بعد قراءة الوصية وقبل حتى أن يغادر الجمع المكتب، راضي وصالح طلبا بكل وضوح وصراحة فجة مني ومن مي مغادرة الفيلا فهما يريدان شراء نصيبنا فيها فهما لا يريدان منغصًا لحياتهما، أو رجل وحيد يجلس في الفيلا في وجدود زوجتيهما الجميلتين، صعقت لكأن دلوًا من الثلج سكب على رأسي حتى أضحت صقيعًا، كيف يفكر أخويّ أن عيني قد تنظر لزوجتيهما، كيف ذلك؟
علمت أنها النهاية، انفرط العقد الذي كان بيننا، الشعرة التي كانت تحافظ على تماسكه قد انقطعت بوفاة والدي، وافقت فكرامتي تأبي أن أجلس في مكان وأنا غير مرغوب بي، اتفقت معهما علي البيع وعلى أخذ حقي وحق مي كاملين لا ينقصان جنيها واحدًا، لم أكد أفيق من صدمتي في ما قاله لي أخويَّ حتى أتت إليَّ والده مي زوجه المرحوم شاكر تعلمني بأن والد مي سيأخذها للصعيد وفور انتهاء العدة سيزوجها، ومي بالطبع ترفض ذلك، ولكن والدها رجل قاسي القلب وإن صرحت مي بذلك سيدفنها حيه، احترت فيما أفعله، لكن والدة مي قدمت لي الحل بأن أتزوجها، لكي تظل مي معي فأنا الأجدر بها حتى وإن كنت أصغر إخوة المرحوم، فمي ليست بالكبيرة جدًا ولن تجد من يحنو عليها مثلي، اصطحبت مي ووالدتها لإيصالهما لوالدها وفاتحته بالموضوع وبأنني أيضًا سأشتري حق مي في الأرض الذي آل إليها بالميراث.
بعد انتهاء العدة تزوجت مي ولم يوافق صالح وراضي على الذهاب معي متعللين بطول المسافة، عشت مع مي في بيت المزرعة، كانت مي تحدث نسرين وآية دائمًا واتفقتا على أن تزورهما مي، في ذلك اليوم كانت صدمتي الكبرى التي وقعت على رأسي كالصواعق المتتالية في ليلة رعدية فزلزلت كياني وعصفت بي، سمعت أخويّ يتحدثان سوية بدون أن يعرفا بمقدمي، سمعت كل شيء، تآمرهما على زوجتي والتسبب في فقد الجنين، اخبار راضي لوالدي بمقتل شاكر، التسبب في مقتل شاكر بالخطأ وأنني المقصود، محاولة راضي اغتصاب زوجتي والتسبب في موتها، بل زاد على ذلك أنهما الآن يخططان لقتلي ليستوليا على ما آل لي ويستوليا على مي أيضًا وإرثها، سمعت خطتهما كاملة، فصالح بحكم عمله في المحاماة يعرف تاجر مخدرات اسمه أبو الليل يعمل في تجاره المواشي اتفقا على إرساله لي بكمية محترمة من الهيروين، يخبئها لديَّ في المزرعة، فأذهب لحبل المشنقة وهما ينالان غرضهما ولضمان التخلص مني سيتفقان مع أحد المجرمين من داخل السجن لقتلي، خشيه أن يخرجني منها المستشار حسني، لا أدري من أين واتتني القوة لأمثل عليهما وألقي عليهما التحية وكأنني لم أعلم بجريرتيهما أو دناءتهما التي فاقت كل الحدود، لكنني كنت كالجبل الذي يحوي بركانًا يستعد للثوران، قلبت الخطة عليهما وكما خططا لإرسالي للسجن اتفقت مع المستشار حسني على ذات الخطة وأرسلت لهما من خبأ المخدرات لهما في خزينه مكتب صالح وفي عيادة راضي، قبض عليهما، ولتتم عدالة السماء صادف وجود أحد أعداء صالح في الزنزانة، رجل من الكبار تسبب في دخوله السجن وحدثت مشادة قويه ذُبح على إثرها صالح وقتل راضي عندما حاول الدفاع عنه، فكما تدين تدان، انتقم الله منهما ونالا في الدنيا جزاء ما اقترفا.
تزوجت من آية ونسرين وأقمنا جميعًا في بيت المزرعة، كلنا سويًا لا يعكر صفونا شيء، فليدم الله عليّ سعادتي بعائلتي.
تمت بحمد الله