آخر الموثقات

  • لو جيت وقلت ف يوم ...
  • تجارب النضج
  • ذو الحجة… شهر النفحات والاستعداد للعيد الأكبر
  • حكم دار عصير الكتب
  • أحاسيس الأبرياء..
  • هُدنة مع العدم
  • تغريد الكروان: ثورة
  • مخاض الكلمات
  • لقاء عابر
  • ذلك الخبر ..
  • دعني أُحبُّك في صمت!
  • حبآ بلا منازع..
  • منك لله يا قابيل - سيرك ولاد الحلو - تيجي نلعب استغماية - خلاويص؟ لسسسه
  • اللامنتمى 
  • المرايا..
  • غرام بالصدفة
  • الصداع النصفي .. والاستخدام الآمن لأدوية العلاج والوقاية
  • النصيب .. تعرفوا معناه ؟!
  • القايمة في مصر
  • لا تُراهِنْ
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة نشوة أبوالوفا
  5. صدمة العمر

تنهدت مطلقة زفرة حارة في صبيحة يوم شتوي كانت شمسه تستحي مخفية شعاعها بتلك السحب الرمادية، جو بعث في نفسها كآبة دفعتها دفعًا لتذكر ماضٍ تحاول نسيانه بكل الطرق لكن ذلك الماضي ما يلبث أن يطرق كل أبوابها، متفجرًا في غياهب ذكرياتها كحمم بركان ذائبة تشق طريقها بلا هوادة.
ذكريات عاشتها هي بكل تفاصيلها، وأحداث قد سردت على مسامعها، في لحظات صفاء أو بوح بما تكنه القلوب المتعبة.
إنها ريفال واصف، ابنة رجل الأعمال المصري واصف السوهاجي ذو الأصول الصعيدية، الذي أمضى معظم حياته في لبنان متزوجًا هناك بميرا نادر ومنجبًا ثلاثة فتيات ريفال ورفيف ورنا، ريفال هي أكبرهم.
أمضى واصف معظم حياته بلبنان فهو مقيم هناك منذ بلوغه الثانية والعشرين من عمره وها هو قد بلغ الخامسة والأربعين، وفجأة يصدم عائلته بوجوب عودته لوطنه مصر.
سألت ميرا:
- غريب أمرك واصف، لم الآن؟ أبعد كل هذا العمر؟
- ها قد قلتها ميرا، كل هذا العمر، أما يكفيني بعدًا وهجرة.
واقترب منها محيطًا إياها بذراعيه بينما هي توليه ظهرها ناظرة للجبل:
- لقد اكتفيت بعدًا، أريد العودة لأدفن في وطني وبين أهلي.
التفت له:
- أي وطن وأي أهل، طوال الأعوام الماضية لم أسمعك تذكر ذاك الوطن أو تصل من تسميهم الآن أهل، أنا لا أفهمك واصف.
قال مبتسمًا:
- اعتبريه سوقًا جديدًا لنشاط شركاتنا التجاري، الجو الاستثماري الآن في القاهرة مناسب جدًا، وسيكون سوقًا كبيرًا، سنصفي أعمالنا هنا كاملة ونغادر.
اقتربت ميرا منه:
- واصف اصدقني القول، هل هناك مشكلة ما هنا وأنت تفر منها.
قهقه ضاحكًا:
- أي مشكلة ميرا عزيزتي، أخبرك أنني سأفتتح شركة وتجارة فأي مشكلة ستكون لدي؟
رفعت ميرا حاجبها:
- لا أقصد مشاكل مالية واصف، ربما عدت إلى صبيانيتك
وفعلت فعلة تستوجب الهروب.
اقترب منها مقتنصًا قبلة من وجنتها:
- أنا لم أعد أرى غير عينيك الجميلتين ميرا.
نظرت له نظرة شك:
- ومتى ستكون تلك المغادرة؟
- في وقت قريب وردتي.
.... ما هو الذي سيحدث في وقت قريب؟ كان هذا سؤال ريفال
أهلًا صغيرتي قالها واصف باسمًا
تأففت ريفال:
- أخبرتك أنني لا أحب هذا التدليل، لم أعد صغيرة، أنا الآن سيدة أعمال ناجحة يشار لي بالبنان، لا يصح أن تدللني بصغيرتي.
ابتسم قائلًا:
- حسنًا سيدة الأعمال، ما سيكون قريبًا هو عودتنا للقاهرة.
- أي قاهرة؟
- وهل هناك قاهرة غيرها بنيتي، إنها موطني.
تهكمت ريفال:
- وأين كنت من موطنك هذا منذ زمن سحيق؟ أم أنه ظهر فجأة في خريطة حياتك.
نهرها واصف:
- تأدبي ريفال، لم أربك لتخاطبيني هكذا يا سيدة الأعمال.
تبرمت قائلة:
- آسفة والدي، لكن حقًا ما الذي يدفعك لهذه المغادرة؟
- يدفعنا ريفال، يدفعنا.
- ماذا تقصد؟ أليست زيارة عابرة؟
اقتربت منها ميرا واضعة يدها على كتفها:
- ليست زيارة عابرة ريفي، سينقل والدك نشاط الشركة للقاهرة!
صاحت ريفال مستنكرة:
- ما هذا؟ وكيف أكون آخر من يعلم؟ ألستُ عضوًا بمجلس إدارة الشركة التي تنوي نقل نشاطها؟
- يا ريفي ها أنا ذا اخبرك، واليوم بدأنا الإجراءات أنا وسادن.
ضيقت عينيها:
- إذن سادن يعلم، ولم يخبرني، لقد كنت معه للتو في الاجتماع.
- لقد طلبت منه ألا يخبرك وأنني سأتكفل بذلك.
رفعت حاجبها:
- لا زلت غير مستسيغة لهذه الفكرة وأنا غير موافقة عليها.
لتفاجأ بمن يحيطها بذراعيه ويقول:
-علام لا توافقين ريفي. كانت هذه رنا
هزت ريفال رأسها وهي تنظر لرفيف توأم رنا
- والدكما العزيز يريد أن ينقل نشاط الشركة وينقلنا معها إلى القاهرة.
لتصرخ رنا وتهرع لوالدها لتقبله:
- إنها فكرة رائعة، منذ زمن وأنا أخبركم أني أريد الذهاب هناك، لكن مشاغلكم تمنعنا.
نظرت لها ريفال مغتاظة:
- استوعبي رنا وأنتِ الأخرى رفيف، أقول لكما سننتقل، أي أن إقامتنا ستصير هناك.
هزت رفيف كتفيها بلا مبالاة:
- وما المشكلة، فلنغير قليلًا، وبإمكاننا زيارة الجبل هنا في أي وقت، ثم أن القاهرة مدينة ساحرة خلابة.
غادرتهم ريفال محتقنة فلم تعد تستطيع التحمل
لتصطدم بسادن فقالت بحنق:
- ها قد أتيت، هل تساند والدي في فكرته؟
نظر لها سادن مبتسمًا:
- ليست مجرد فكرة ريفي، بل تم وضعها قيد التنفيذ.
صرخت ريفال:
- أنتما ستدفعانني دفعًا للجنون.
وغادرتهم صاعدة لغرفتها بالطابق العلوي.
نظرت ميرا معاتبة لواصف وسادن:
- كان يجب أن تشركاها معكما في التفكير واتخاذ القرار، إنها عضو أساسي في الشركة، ثم أنكما تدركان جيدًا طبيعة القاهرة بالنسبة لها ولم تحمله من ذكريات وحنين.
قال واصف بجدية:
- آن لها أن تنسى وتتابع حياتها.
أما سادن فقد استدار ليقول واصف:
- إلى أين؟ بالطبع ستصعد لها.
- طبعًا أنت تعرف أن ريفي صغيرتي أنا أيضًا، ولن أدعها غاضبة هكذا.
اقترب منه واصف:
- حسنًا اشرب قهوتك أولًا، ريثما تكون فورة غضبها قد هدأت قليلًا.
ثم وضع يده على كتف سادن قائلًا:
- لربما قذفتك بشيء ما ونحن لا نستطيع الاستغناء عنك.
وانفجر ضاحكًا
بينما ريفال في غرفتها وقفت للحظة أمام شرفتها تنظر للبحر والجبل تناجيهما
أيها الهادر الغاضب يا من سلبت الحبيب
أحمل لك الكره كله حتى بت أشمئز من لونك الأزرق
وأمسكت تلك القلادة التي تتدلى على صدرها لتفتحها وترى صورة دالي حبيبها، لتترقرق الدموع بمقلتيها، وهي تستشعر لمسة دالي لها حين قلدها تلك الهدية، مطالبًا إياها ألا تخلعها، لم تستطع أن تستمر في التظاهر بالصلابة، انهارت باكية على الأرض وهي تمسك بالقلادة وأخذت تبكي وهي تحدث نفسها
(لم حدث هذا؟ ألم يكتب لي الفرح؟ ألن أذوق السعادة؟ أما يكفيهم أني فقدت حبيبي دالي قبل زفافنا بيوم واحد (وأطلقت آهة مكتومة) يوم واحد يا الله كنت سأكون بين أحضانه للأبد، كنت سأحمل اسمه، وها قد فقدته، ولا يريدون الترفق بي، بل يريدون أخذي لمسقط رأس حبيبي، ما بهم؟ أيظنون أني نسيته؟ تبًا للجميع، دالي يسكن القلب والروح ولن يفارقهما)
في هذه اللحظة دخل سادن ليجدها جالسة القرفصاء بجوار الشرفة والدموع تعانق وجهها الجميل.
اقترب منها وجلس بجوارها على الأرض وضمها لصدره مملسًا على شعرها الأسود الطويل الحالك السواد:
- لا تبكي صغيرتي، أعلم بم تشعرين.
نظرت له:
- حقًا.
نظر لقلادتها وأغلقها ثم أعاد ريفال لحضنه:
- نعم حقًا، وكيف لا أشعر بما يعتمل بصدر صغيرتي الجميلة ريفي، لقد ولدت على يدي هاتين، أم أنك نسيتِ أو تناسيتِ أيتها القطة المشاكسة.
نظرت له مبتسمة ابتسامة يشوبها الغضب:
- وكيف أنسى وأنت دائمًا ما تذكرني كيف ولدت؟ بعد أن كنتم في رحلة للجبل، وانتابت أمي آلام المخاض ونزل أبي سريعًا لإحضار الطبيب، وبينما عاد كنت أنت قمت بتوليد أمي، وكأنك جراح ماهر، حتى أن الطبيب تعجب مما فعلته، ثم زال تعجبه حين علم أنك جراح توقفت عن ممارسة مهنتك وفضلت التجارة والاستثمار.
ابتسم مبعدًا تلك الخصلة السوداء من على جبينها:
- دائمًا ما تتعجلين الأشياء.
وانفجر ضاحكًا:
- حتى وصولك للدنيا تعجلت به، لم يكن ذاك موعد ولادتك إطلاقًا.
ثم نظر لها بحنو:
- أما آن لقطتي أن تترك الماضي خلفها، لقد ذهب للسماء ريفال، لم يعد في الدنيا، إلى متى ستظلين متعلقة به؟
هزت رأسها بلا:
- لا أستطيع سادن، حاولت أن أتناساه، لكنني لم أفلح في ذلك، والقلادة لقد أقسمت له ألا أخلعها من عنقي أبدًا.
نظر لها مشفقًا:
- لا تخلعيها، لكن لا تفتحيها، ربما بسفرنا للقاهرة ووجودك بمسقط رأسه وعدم وجوده هو ستنسين.
نظرت له بعينين ما زال بهما أثر للدموع:
- أتظن ذلك؟
ابتسم:
- نعم أظن ذلك، والآن هيا بنا هناك أوراق كثيرة تستلزم مننا المراجعة والتدقيق لكي ننهي الأعمال هنا.
قالها وهو يقف ويمسك يدها ليساعدها على الوقوف هي الأخرى
أمسكته من يده وضغطت على كفه:
- سادن هذا الانتقال هل له علاقة بعشيقات أبي؟
ابتسم:
- أيتها الماكرة! وهل والدك سيتوقف عن العشق بانتقاله، والدك مصاب بداء النساء، لا يوجد مؤنث يمر من أمامه إلا ويضع البصمة الواصفية عليها، المهم ألا تعلم أمك شيئًا، فهي تظنه قد استقام.
ابتسمت ابتسامة كسيرة:
- أتعتقد أنها لا تعلم أم أنها تتجاهله؟
قال وهو يجذبها من يدها:
- المهم أنها تعيش مع نفسها بسلام والأمور مستقرة وأختاك لا تعلمان شيئًا.
غادرت مع سادن متوجهة للشركة لبدأ إنهاء الإجراءات لما قرر ووالدها عمله، والدها ذلك المتصابي الذي لا يكف عن مغامراته النسائية مع الجميع حتى السكرتيرات بالشركة، كم من مرة دخلت لتفاجأ به في وضع لا يليق، ثم تختفي السكرتيرة لتحل محلها أخرى، حتى صممت هي على أن تكون وظيفة السكرتير للذكور في مكتب والدها، أما سادن فهو عنوان الاحترام، دائمًا ما تعجبت كيف لهذان أن يكونا صديقان، ثم إنهما ليسا مجرد صديقان فسادن لأبيها تجسيد لقول رب أخ لك لم تلده أمك، بالنسبة لها سادن هو رمز الرجولة، دائمًا ما تطلعت نحو سادن باحترام كبير، إنها تعشق أدبه وتعامله الوقور مع السيدات، لم تره مرة يرفع نظره ليطلع على أنثى كما كان والدها يفعل، لم تر سادن مرة مع أنثى، أو تسمع أنه ارتبط، إنه للآن أعزب، ولولا دقته ومثاليته هذه لربما ظنت به الظنون، لكنه رجل لم تجد له مثيلًا، هي تعتبره المثال والقدوة، أما والدها فليُعنها الله عليه ..
انهمك الجميع في التحضير للانتقال وتصفية الشركة الحالية.
وميرا تجلس منتظرة لواصف، أحست بملل فتوجهت لغرفتها وجلست على السرير تتصفح مواقع التواصل من هاتفها وتتابع آخر صيحات الموضة والماكياج، وبعد قليل
دخل واصف مبتسمًا:
- حبيبتي أما زلتِ مستيقظة.
اقتربت منه تأخذ منه جاكيت الحُلة التي يرتديها لتعلقها مكانها:
- وهل يغمض لي جفن وأنت بعيد واصف؟
احتضنها مقبلًا وجنتها:
- أدامك الله في حياتي وعلى رأسي ميرا.
ذهبت للدولاب لتخرج له ما سيرتديه متسائلة:
- هل انهيت ما تحتاج لإنهائه قبل أن نسافر؟
أجابها وهو يقبل يدها ويأخذ منها ملابسه متوجها لدورة المياه للاستحمام:
- أوشكنا على ذلك، ريثما تكون التعديلات التي طلبها سادن على ڨيلته قد انتهت.
نظرت لتلك العلامة على قميصه الأبيض، إنها علامة مميزة تعرفها جيدًا طبعة لشفتين قد زينهما أحمر شفاه بلون قان، ناهيك عن رائحة ذلك العطر النسائي الذي ليس لها، دموع تجمعت بعينيها، وقد وجهت نظرها نحو دورة المياه حيث دخل منذ قليل، لن يكف أبدًا عن انحرافه، ولا حيلة لها سوى التجاهل، ستعتبر أنها لم تر، يبدو أنه كان متعجلًا فلم يستطع التيقن من أنه لا توجد آثار لما فعله، وسيفعله، نعم تعلم أنه خائن، لكنها لا تستطيع تركه، كما هو مريض بنون النسوة، هي مريضة به، لا تستطيع الحياة بدونه، حتى لو كان مع غيرها.
زفرة طويلة أطلقتها تودعها ألمها منه، تزينت كما تفعل دائمًا، ورسمت تلك الابتسامة على وجهها، واستقبلته بقبلة على وجنته حين خرج من دورة المياه، وعانقت كفها كفه، وذهبا سويًا لسريرهما.
مرت الأيام ...
وانتهت الإجراءات وسافر الكل للقاهرة
لأول مرة يكون مكان إقامة سادن بعيدًا عنهم، ڨيلا سادن تقع في منطقه نائية بعيدة عنهم، تعلل بعدم وجود المواصفات التي تعجبه إلا في ذلك المكان، أما ڨيلتهم فكانت في منطقة حيوية.
حاولت ريفال تناسي دالي، والانخراط أكثر في عملها، حتى دفنت نفسها حرفيًا فيه، لم تكن ترتاح إلا قليلًا تدخل الڨيلا منهكة القوى لتستلقي على الأريكة ورأسها تتوسد قدمي ميرا، لتملس ميرا على ذلك الليل الأسود المستقر على رأسها
- أنتِ تنهكين نفسك يا ريفي، كثير هذا المجهود عليك أميرتي.
- لا أمي أنا هكذا أشعر بالراحة.
- تحاولين نسيانه بنيتي ولا تستطيعين.
- لا يهم أمي سأنساه في يوم ما، الزمن كفيل بكل شيء.
- أتمنى ذلك.
ثم تجلس معتدلة لتقبل والدتها وتصعد لغرفة التوأم رفيف ورنا
تدخل مقتحمة الباب بقوة لتفزعا وتصرخا ثم تنفجرن ضاحكات
لتجلس ريفال بينهما على الأريكة:
- ماذا تفعلن أيتها الصغيرات؟
لتضربها رنا في كتفها:
- لسن صغيرات أيتها العجوز.
وتضربها رفيف على الكتف الآخر:
- يا سيدة الأعمال ذات القلب الحديدي.
لتقوم ريفال بإلقائهما تباعًا على السرير الموجود بجانب الأريكة وتجلس فوقهما تدغدغهما:
- أنا عجوز أيتها الطفلتين، حسنًا سأريكما.
بعد موجه من الضحك والدغدغة المتبادلة هدأت الأخوات وجلست ريفال ممددة ساقيها على السرير، تتوسد رفيف ورنا كتفاهما وقالت:
- ألا رغبة لدي أي منكما في مساعدتي بأعمال الشركة، أم أن النزهات والنادي يحتلان كل وقتكما، وخاصة النادي.
رفعت رفيف رأسها لتنظر لريفال:
- ماذا تقصدين ريفي؟
ضربتها ريفال بخفة على رأسها وأعادت رأسها لكتفها:
- أعلم كل شيء أيتها الماكرتين، عن الشابين الوسيمين أولاد رجل الأعمال اللبناني اللذان لا يفارقانكما في النادي.
اعتدلت رفيف ورنا ونظرتا لها مغمضتين عينًا ورافعتين حاجب الأخرى:
- هل تتجسسين علينا وتراقبيننا يا ريفي؟
ابتسمت:
- بل أحميكما أيتها المغفلتين.
ودخلن في نوبة ضحك ثم استقرتا بين ذراعي ريفال لتقول رفيف:
- حقًا ريفي بعيدًا عن المزاح ما رأيك بوسيم ومنذر.
لتردف رنا:
- نعم ما دمت تعرفين كل شيء بالتأكيد تحريتِ عنهما.
- اطمئنا صغيرتيّ، الشابين مثال للاحترام والمثابرة في العمل، وستكونان سعيدتي الحظ معهما.
واستمرت الجميلات في الحديث في حوار أخوي جميل يتكرر بينهن كثيرًا فالعلاقة بينهن وطيدة فهن قريبات من بعضهن ولا يخفين شيئًا.
استمر الحوار حتى غفون، بينما ميرا متوجهة لغرفتها وجدت نور غرفتهن مضاء فدخلت الغرفة لتجدهن قد غرقن في النوم في حضن ريفال، قامت بتغطيتهن وإطفاء الأنوار وأغلقت الباب مبتسمة وسعيدة ببناتها، وارتباطهن ببعضهن.
وبينما ريفال تتذكر ذلك الماضي، أخرجها من رحلتها صوت طائرة محلقة على علو منخفض فشقت عباب الهواء محدثة ذلك الصوت القوي ففزعت ونزلت الدموع الحارة من مقلتيها تعانق خديها الورديين، حينما مرت بخاطرها ذكرى فقدها لذوييها في حادث الطائرة، قد يكون فقد شخص عزيز لديك صعبًا، أما أن تفقدهم جميعا دفعة واحدة فلعمري إن ذلك قاتل، تدافعت الذكريات تدافعًا لذاكرتها، منقوشة هي على جدران عقلها الباطن، منقوشة بالألم والوجع، بالدموع والنحيب، تلك الذكرى وما سبقها من أحداث كانت مغلفة بالفرح والسعادة، حين تقدم الشابان الوسيمان لخطبة أختيها، ورفرفت طيور السعادة على المنزل، أيام جميلة قضاها الجميع في فرح ما بين تجهيزات الخطبة وما بين مشاكسات من رفيف ورنا لريفال، وكذا مشاكسات ريفال لهما وللخاطبين، حيث سافرت هي مع سادن لإنهاء إحدى الصفقات بينما كان من المفترض أن يتوجه ذوييها إلى لبنان ليتم زفاف أختيها هناك، لكن حدث عطل في محرك الطائرة وقضى الكثيرون نحبهم ازدادت دموعها انهمارًا على خديها ودثرت نفسها بشالها الصوفي لبرودة ألمت بجسدها كما ألمت بقلبها وهي تتذكر نفسها في المشرحة للتعرف عليهم، حسرتها وهي تنظر لوالدتها الممددة أمامها، لن ترتمي في حضنها بعد الآن وتنعم بحنانها وهي تملس على شعرها الأسود الحريري وتطلب منها أن تترفق بنفسها قليلًا ولا تجهد نفسها بالعمل، لن تجد بعد الآن من تتشاكس معه وهي تنظر لأختيها الجميلتين الصغيرتين، يا الله اللهم صبرًا أفقدتهما حقًا! مع من ستتسامر الآن؟ مع من ستقضي لياليها ساهرة على السرير؟ أستعيش وحدها؟ حتى والدها ومغامراته إنها تشفق عليه وهو ممدد أمامها لا حول له ولا قوة، صرخت حتى جُرحت أحبالها الصوتية كما جُرح قلبها
(لماذا أنتم ساكنون هكذا؟ أأنتم فرحون لتركي وحدي؟ هيا انهضوا، لا تتركوني كلكم، هذا كثير يا الله)
لم تقو قدماها على حملها أكثر وخارت قواها بين يدي سادن.
نقلت للمشفى الخاص في حالة انهيار عصبي كامل، لقد كانت تُمني نفسها أن الخبر كاذب، أنهم ما زالوا أحياء، لكن بعد أن رأتهم في المشرحة تحطمت أمانيها وكُسر نياط قلبها، أحست أنها تمزقت، لقد أضحت جسدًا بلا روح، فلقد ذهبت الروح معهم، أسبوعان مرا عليها وهي في المشفى ما بين النوم والصحو والمهدئات إلى أن بدأت تسترد السيطرة على نفسها.
توجهت للفيلا وهي عازمة على تركها وعدم المبيت بها أبدًا، لتفاجأ بمقدم رجلين لا تعرفهما يطلبان رؤيتها قائلين إنهما عمها وابنه.
جاء العم وولده، العم يطالب بحقه في الميراث وابنه يطالب بحقه فيها، نعم كان يريدها لنفسه يريد أن يكتب صك ملكيتها له ليضمها لمقتنياته، عرض سادن شراء حق العم في التركة والفيلا، وافق العم بكل بساطة، طالبها ابنه بأن تجهز نفسها لتعود معهم، قفزت الفكرة إلى ذهنها بقوة وبسرعة، اقتربت من سادن وأمسكت ذراعه بحميمية وأطلقت القنبلة قائلة:
- كيف تريديني وأنا زوجة لسادن؟!
بالرغم من وقع المفاجئة عليه وافقها سادن وصدق على كلامها، أمهله عمها يومان ليجهز أوراق البيع ويطلعه على أوراق الزواج، وغادر.
أحست أنها سقطت في بئر سحيق، ماذا ستفعل؟ أستذهب مع عمها لتصير من حريم ابنه؟ أراحها سادن بطلبه منها تصديق الكذبة التي نطقتها شفتاها واتمام زواجه بها ليدرأ عنها الشر الذي كان يتطاير من عيني ابن عمها، فلقد كاد يأكلها بعينيه وهي واقفة أمامه، تم عقد القران، لملمت بعضًا مما ستحتاجه واصطحبت خادمتها متجهتين لڨيلا سادن.
ابتسمت لسذاجتها عندما تذكرت سادن وهو يدلها على غرفتها ويتركها منصرفًا لغرفته، تذكرت حديثها وقتها مع نفسها (من أنها يجب أن تنسى دالي حبيبها وحبه فلا مكان لحب الموتى بين الأحياء، لقد فقدت أهلها، يجب أن تُنشأ لنفسها عائلة، يجب أن تتم زواجها منه، لا يهم مشاعرها السابقة نحوه، هي لم يعد لديها سواه في هذه الحياة)
أمضت الليلة تفكر وتقنع نفسها بما هي مقدمة عليه، ارتدت قميص نوم أسود في تضاد صارخ مع بياضها يكشف عن ساقيها وصدرها وأرسلت شعرها خلف ظهرها ووضعت عطرًا نفاذًا وأحمر شفاه بلون قانٍ.
وذهبت لغرفة سادن متعللة بإيقاظه.
جلست بجواره على السرير وأخذت تلعب في شعره، فتح عيناه ناظرًا لها، وجلس، ثم قام من على سريره متوجهًا للحمام، خرج من الحمام ونظر لها نظرة من رأسها لأخمص قدميها، نظرة غريبة لم تستطع ساعتها أن تفهمها، ثم بكل برود طلب منها أن ترتدي ملابس لائقة وتنزل للحديقة لتناول الإفطار، وقتها أحست أنه جرح كرامتها كأنثى، طعنها في جمالها الذي يتقاتل الكثيرون من أجله، عقدت العزم أنها لن تيأس ستُكَوِن عائلة معه فهي لم يعد لها سواه، صُدمت عندما أعلمها أن المال الذي سيدفعه لشراء نصيب والدها من عمها هو مال والدها من حساب مشترك بينهما لا يعلم أحد عنه شيئا، أخبرها أنه سيحول لها أموال أبيها، رفضت وطالبته أن يظل المال معه، نظر لها نظرة غريبة ولمعت عيناه وكأنما جال بخاطرة خاطر سره وابتسم قائلًا: سنرى هذا.
جاء عمها وأمهر العقود بتوقيعه، وانفرد بها قائلًا:
- أعلم أنك تظنين أني طامع فيكِ، لكن أن أكون طماعًا، خير من أن أكون قاتلًا، والدك قتل وليس مرة بل مرتان، الأولى كانت خادمة لا أهل لها، فاستطعنا أن نداري عليه، وفي الثانية أعطينا لأهلها الكثير من الأموال ليصمتوا، وساعتها طرده جدك،
وسافر إلى لبنان.
نظرت له بذهول غير مصدقه بالتأكيد إنه كاذب، أبي زير نساء أجل، لكنه لن يكون قاتلًا أبدًا، عندما أسرت لسادن بما قاله عمها أقنعها أنه كاذب وضيع.
عادت لفيلا سادن وطالبته بعرض ڨيلا والدها للبيع.
بعد فتره استيقظت في يوم ولم تجد خادمتها التي كانت قريبة منها جدًا، وتضايقت، وجدت رسالة على هاتفها تخبرها أنها سافرت مع حبيبها وبعد ذلك أغلق هاتفها، طلب منها سادن ألا تشغل بالها أبدًا وسيعوضها بخادمة أخرى، وطلب منها أن تذهب للڨيلا وتأخذ منها ما تريده لأن المشتري جاهز، ذهبت للفيلا تجولت تستعيد ذكرياتها وتأخذ منها ما تريد الاحتفاظ به، دخلت غرفة والديها، جلست على السرير قليلًا وهي تبكي، سقط سوارها الذي أهدته لها أمها، فانحنت لتلتقطه، فوجدت بروزا من جانب السرير، كأنه زر ما ضغطت عليه ليفتح درج سري، لتجده يحوي دفترًا ورديًا مغلقًا؛ له قفل صغير ومع الدفتر وجدت قلائد وأساور وأقراط، لم تر والدتها ترتديها أبدًا، جمعت ما في الدرج وبحثت عن مفتاح الدفتر الوردي، وجدته في درج مكتب والدها، تعجبت فقد كانت تظن الدفتر لوالدتها بما أنه وردي فلماذا مفتاحه في درج مكتب والدها؟
وصلها اتصال من سادن، ذهبت للبنك وضعت تلك الذكريات وما وجدته في المخبأ في صندوق خزينتها بالبنك، ولكنها أبقت الدفتر معها، هاتف ما نبأها ألا تخبر سادن عن الدفتر وعما وجدته.
مر اليوم، استيقظت لا قِبل لها بالخروج تريد الراحة اليوم، غضب سادن فمن المفترض أنها ستسافر معه لندن لإنهاء بعض الاعمال، ولكنه تركها على راحتها لتريح أعصابها بعد أن عصفت بها ذكرياتها مع أهلها بزيارتها للڨيلا، غادرها سادن. خرجت لشرفتها تلتمس نسمات الهواء العليل وفتحت الدفتر الوردي وهي تظن أنه مذكرات والدتها الغالية لكن في أولي صفحاته وجدت مكتوبًا
"مذكرات واصف قاهر النساء"
عجبًا إنها مذكرات والدها، كادت أن تلقي بها في سلة القمامة فلا حاجة لها بمعرفة تفاصيل علاقات والدها الغرامية، لكن هاتفًا داخليًا طلب منها أن تقرأ ربما فهمت دوافعه، أو ربما وجدت كلامًا جميلًا عن ذكريات طفولتها معه، بدأت القراءة، لن تنسى أبدا كمية المشاعر التي اجتاحتها وقت قراءتها للمذكرات، خليط من الدهشة، تعجب، اشمئزاز، إعصار هادر من مشاعر مختلفة لم تستطع الصمود أمام ما قرأته، فهرعت لدورة المياه لتفرغ ما في جوفها عل ذلك يزيل عنها هول ما قرأته، لكن هيهات لقد التصق بعقلها ولا فكاك، ترتسم الكلمات أمامها
والدها الذي كانت تظن أن أكبر جرائره أنه زير النساء، اكتشفت أنه ليس مجرد زير نساء أو متعدد العلاقات الغرامية
إن والدها قاتل ومغتصب
بالاشتراك مع سادن يكونان فريقًا اجراميًا ويصوران الضحية ويبيعان الأشرطة لمواقع إباحية وهذا مصدر الأموال التي دفعها سادن لعمها، بل إنهما أيضا يبيعان بعض أعضاء الضحايا وما وجدته في الدرج الخفي تذكارات كان والدها يأخذها منهن، أما سادن فهو يحتفظ بملابسهن الداخلية في متحفه الخاص هكذا كتب والدها،
بدأت هوايته بالاغتصاب والقتل في بلدته، ولما كُشف تركها وغادر إلى لبنان، تعرف هناك على سادن واشتركا في هذه الهواية الممتعة كما يقول واصف.
لقد كان واصف مبتدأ بالنسبة لسادن، كان مكشوفًا بحبه للنساء وسعيه خلفهن، أما سادن لم يكن يظهر عليه أنه يهتم بهن أبدًا، كانا يختاران ضحية بلا أقارب، يلقي واصف شباكه عليها، ويصحبها لمكانهم المعزول بالجبل، إذا وافقت صور الفيلم برضاها أولًا، وتؤخذ العينات للتحليل ثم تبدأ حفلة المتعة كما يسميها سادن، السلخ والتقطيع يحتفظان بالقرنية والأجزاء الصالحة للبيع ويعبثان بالباقي.
كانت هواية سادن أن يستأصل الأجزاء الصالحة للبيع وهن مستيقظات بلا بنج، فقط مخدر لشل الحركة كن يشعرن ولا يصرخن، لم يكن هذا يعجب سادن فهو يستمتع بالصراخ، بعد فتره امتلأت حديقة المكان بالجثث، فكان لا بد من نقل العمل لمكان آخر، ڨيلا سادن بالقاهرة والتي جهزها بقبو عازل للصوت ليستمتع سادن بالصراخ كما يحلو له ونقل مسرح العمليات لهناك.
كانت في صدمة لم تتوقعها أبدًا، ليس والدها فقط، سادن أيضًا صدمت به صدمة عمرها، إنه ملاك، قمة الرجولة والاحترام، يا لمصيبتها إنه الآن زوجها رسميًا، ما هذه الورطة؟
لم تعرف ماذا تفعل وضعت الدفتر بحقيبتها وقررت النزول للقبو نزلت لتجد الغبار يكسو المكان وبه الكثير من الأثاث الذي لا يحتاجون له ملقى هنا وهناك، وفي أثناء بحثها لفت نظرها في الأرضية جزء كان مغطى لكن طرف السجادة كان مزاحًا قليلًا فظهر جزء من مفصل فأزاحت السجادة لتجد باب، فتحته لتنزل سلمًا ثم وجدت نفسها أمام مساحة خالية إلا من واجهة زجاجية تحتل مكانًا كبيرًا مرصوص بها أطقم ملابس داخليه، ثم وجدت باب آخر ففتحته لتجد نفسها في مكان واسع مجهز بسرير ويوجد كاميرات موجهه للسرير، وفي جانب آخر يوجد طاوله كطاولات التشريح ووجدت عليها خادمتها التي ظنت أنها هربت مع حبيبها، اقتربت منها لتجد أنها ميته ومفتوحة البطن، كادت أن تتقيأ لكن لم تدر من أين أتتها القوة ورباطة الجأش، صورت كل شيء وغادرت المكان متجه إلى الشرطة، إلى صديق دالي أيهم.
طلبت مقابلته لأمر ضروري
دخلت له، رحب بها أيهم وكان في غاية الفرح والسرور
- كنتُ على وشك الاتصال بك، لدي خبر يهمك كثيرًا، لكن ما بك؟ لماذا ترتجفين هكذا؟ أيا كان ما أصابك اهدئي.
- لدي ما أخبرك به.
قالتها بتوتر
قال بسرور:
- لا، ما لدي أنا أهم، انتظري هنا فقط.
خرج أيهم، كانت هي مضطربة، بعد قليل فتح الباب لتسمع آخر صوت تتوقع أن تسمعه بالدنيا صوت دالي
- أخيرًا يا حب العمر.
التفتت ريفال لتجد نفسها تقف أمام دالي ليس حلمًا ولا تهيؤات إنه هنا أمامها، مدت يدها تلمس وجهه ثم سقطت مغشيًا عليها، أفاقت لتجده بجوارها، أخذت تتلمس وجهه ثم ارتمت في حضنه.
احتضنها بقوة وقال:
- يجب أن تبتعدي عن حضني، وإلا أنا غير مسؤول عما سيحدث.
وضحك وأبعدها برقه عن حضنه لكنه ظل ممسكًا بيديها كانت تتأمل ملامحه جيدًا وما زالت تتلمس وجهه، قال ناظرًا في عيناها:
- هل ستظلين صامتة هكذا؟
فأومأت برأسها، فقال:
- حسنًا سأحكي لك ما حدث، أصيب المركب الذي كنت على متنه وغرق، كان التيار شديدًا، أفقت لأجد أنني في معتقل إسرائيلي، لا داع لتعرفي التفاصيل، لكني حُررت في عمليه تبادل للأسرى، حين فُقدت لم يكن هناك خبر أكيد على كوني ما زلت حيًا، لذلك أعلن خبر وفاتي، أعلم أنك بالتأكيد عانيت الكثير، أنا لم أعد سوى البارحة مساءً، وكنت قادمًا اليوم لرؤيتك، ما زلت أحبك وأعلم أن المدة طويلة، لكني ما زلت أريدك.
رويتُ له ما حدث وقصصت عليه كل ما عرفته عن والدي وسادن وأعطيته الدفتر وجعلته يشاهد الصور التي صورتها، توجه معي للنائب العام ووضعنا بين يده كل شيء، توجهت قوة في الحال للڨيلا وتأكدوا من صحة ما رويته وصورته، صدر أمر بالقبض على سادن، لكنه للأسف سافر إلى لندن، حيث لا توجد اتفاقيه تسليم مجرمين، استمرت التحقيقات فترة واستخرجت الجثث من حديقة الفيلا، وسَلمتُ ما كان في الدرج السري، كما سلمت الأموال التي اعطاها لي سادن.
كان دالي بجواري ولا يتركني إلا عند النوم، حجزت في فندق بعد يومان جاءني ظرف على الفندق ووجدت فيه خطابًا من سادن
" تحفتي القادمة ريفال
استأت كثيرًا مما فعلتيه، لم أكن أتوقع أن تقومي بالإبلاغ عني، كنت سأعدك لتكوني مساعدتي بدلًا من والدك، لكن لا يهم، تمتعي قليلًا بحياتك، لقد طلقتك وأرسلت لك ورقة الطلاق، باستطاعتك الزواج، لكني عزيزتي لا أستطيع أن أتركك تفلتي بدون عقاب، يجب أن أضمك لمجموعتي الجميلة، لكن لن أخبرك متى ستكونين لي، لن أنعم عليك بمعرفة متى ستكونين تحت رحمة نزواتي وتحت مشرطي، أنتِ من دفعني لهذا، حاولت كثيرًا أن أتناسى شكلك المغري في ذلك القميص الأسود لكن لم أستطع، بالمناسبة لا تبحثي عنه فهو معي
حبيبك المخلص ومخلصك من عذاب الدنيا قريبًا
سـادن"
صرختُ، كان دالي في دورة المياه، جاء على إثر صرختي فأريته الخطاب، أخذ يهدأ من روعي وأخبرني أنني تحت حمايته ولن يستطيع سادن الوصول لي أبدًا.
مرت عدة شهور...
في البداية كنتُ دائمًا خائفة مضطربة، أستيقظ على كوابيس، بعد فترة بدأت في التحسن وتزوجت دالي وسافرنا لقضاء شهر العسل.
ابتسمت متذكرة مغامراتنا وسهراتنا واللعب في المياه، حقًا دالي يغمرني بالحب والحنان، عدنا وبعد يومين رن الجرس لأجد مظروفًا تحت الباب، حملته ودخلت غرفتي وفتحته لأجد صوري ودالي لشهر العسل ومكتوب خلفها
" مع تمنياتي بالسعادة المؤقتة، اقترب موعد لقائنا، قميصك الأسود بانتظارك"
انهرت ودالي ظل دائمًا معي، حجز لي موعدًا مع الطبيبة، فلقد ساءت حالتي النفسية جدًا، أوصلني وجلس ينتظرني بالخارج.
تذكرت ما رواه لي دالي
جاءت العاملة وقدمت له العصير وأدخلته للطبيبة ولي كالعادة، بعد قليل أفاق دالي ليجد نفسه جالسًا على الأريكة، فنظر للساعة فوجد قد مر ما يقارب الساعتين، فطرق الباب لم يجد ردًا وفتح الباب، لم يجدني لا أنا ولا الطبيبة، ووجد العاملة بالخارج ما زالت نائمه وكذلك رجلي الحراسة، أصابه الجنون وأخذ يجري اتصالاته وتحقيقاته.
اكتشفوا أن العصير كان به منوم، بحثوا في كاميرات المراقبة ليكتشفوا خروج سيدتين ترتديان نفس ملابس الطبيبة وملابسي بصحبة رجل يربط وجهه بالشاش،
لكن ملامح السيدتين غير ظاهره بالكاميرات وبديتا خائفتين من حركات جسديهما، كان المنوم مخلوطًا بكامل بودرة العصير داخل الكيس، لم يتوصلوا لمن وضعه، كان شك دالي متجهًا للعاملة وكثف الحراسة السرية عليها وراقب هاتفها.
أما أنا والطبيبة استيقظنا لنجد نفسينا في غرفة مقيدتين ومكممتين وأمامنا يقف سادن ينظر لنا بنظرات تفيض رغبة وانتصار:
- مرحبا يا صغيرتي، لقد اشتقت لكِ، لم يستطع فتاك أن يحميك مني، لن يثبت أن العاملة هي من وضعت المنوم بالعصير فالمنوم مخلوط بكامل الكيس، وهي أدت دورها كاملًا وستخبرني بما يستجد معها، إنهم يظنون أنكما خرجتما من العمارة مع رجل ما، ولن يتوقعوا أنكما ما زلتما هنا في الدور العلوي بالعمارة، في شقة حسن العجوز الذي يعيش وحيدًا، لقد استأجرت الشقة وأقيم بها منذ فترة في هيئة ذلك العجوز.
وضحك ضحكه مطوله:
- كنتِ تحت نظري طوال الوقت يا صغيرتي، فأنا لم أستطع الابتعاد عنك، لكن يجب أن يكون لك احتفال خاص، اسمعي سأعطيك خيارًا لأنك حقًا تعجبينني، ما رأيك أن تكوني أنت يدي اليمنى ومساعدتي بدلًا من والدك، صدقيني ستستمتعين، ربما كنتِ قاتلة محترفة لكنك لم تكتشفي ذلك في نفسك بعد سأساعدك على اكتشافه، ما رأيك؟ هل تكونين الضحية؟ أم الجلاد؟
لكن يجب أن تكوني لي أولًا قبل أن تكوني الجلاد، يجب أن أشبع شغفي بك في ذلك القميص الأسود أولًا مهما كان اختيارك، والآن هل توافقين على أن تكوني ملكتي وساعدي الأيمن.
فهززت رأسي بلا
فقال غاضبًا:
- أنت اخترتِ، لا تنسي هذا، لكن اطمئني لن تموتي بسهوله أبدًا، طريقنا طويل سويًا، ستشاهدين مهارتي في العمل الآن مع هذه الطبيبة الجميلة.
حقن الطبيبة بعقار ما، ذلك العقار شل قدرتها علي الحركة والصراخ لكي لا ينتبه أحد، وحقنني أنا الأخرى بالعقار قائلًا:
- وهذا لك لتشاهدي بهدوء.
ثم نزع قيودنا ومدد جسدينا على سرير وأدار وجهي ناحية السرير المجاور لي لأشاهد ما سيحدث.
سادن اعتدى على الطبيبة أولًا، كنت أشاهد مرغمة حاولت إغماض عيناي لكن حتى رموشي لم تستجب لي، كنت أشاهد ألم الطبيبة في عيناها فوجه الطبيبة كان موجهًا لي، يا ويلي من حجم الألم في عينيها، لن أنسى تلك النظرات أبدًا ما حييت.
بعد أن أنهى الاعتداء عليها، بدأ في عمله والابتسامة مرتسمة على شفتيه، فتح بطنها وأخرج قلبها وكبدها وقرنيتاها ووضعهما في حاوية خاصة، ثم تنكر في هيئة العجوز حسن وأوصل ذراعي بمصل مغذي، وغادر وتركني مع جثة الطبيبة.
كنت مذعورة قلبي قبل جسدي يرتجف خوفًا، استسلمت تمامًا، سلمت أمري بأني سأموت، ويا لها من ميتة بشعة.
بعد فترة لم أعرف مدتها، عاد سادن
- عزيزتي لم أتأخر عليكِ، تخلصنا من أجزاء الطبيبة، الآن يجب أن أنهي عملي معك يا صغيرتي، كنت أتمنى أن أسمع صراخك لأستمتع، لكن ما باليد حيلة ففتاكِ يكثف الحراسة والمراقبة انتظري لأهاتف العاملة لأعرف آخر ما حدث.
هاتف العاملة
وعلم منها أن دالي وجه شكه للعمال في السوبر ماركت حيث اشترت بودرة العصير وأنه لم يعد يشك بها، بل إنه طيب خاطرها وأعطاها مالًا لتأتي بعشاء لأطفالها، أنهى اتصاله معها، ونظر لي:
- الآن هيا لنبدأ في الاحتفال.
حقنني بجرعة أخرى من العقار وخلع عني ملابسي بلا أي شعور ظاهر منه كأنه جماد، أما أنا فكنت أصرخ بلا صوت، كنت أبكي بلا دموع، كنت أموت، أحسست كأنني تحطمت كما قطع الفسيفساء، أضحيت مجرد أشلاء روح، وسأضحو الآن أشلاء جسد، ألبسني ذلك القميص الأسود، وبعد أن ألبسني إياه تحولت نظرته تمامًا من الفراغ إلى نظرة ممتلئة بالرغبة وعيناه تلتهماني التهامًا:
- عزيزتي أخيرًا سأرتوي منك.
في هذه اللحظة فتح دالي باب الغرفة ومعه الشرطة وأمسكوه، احتضنني دالي وناوله أيهم ملاءه ليغطيني بها، كنت غير مصدقه، كنت في عالم آخر، وكان سادن في غاية الغضب، أتذكر صياحه:
- اتركوني أيها الأوغاد يجب أن أنالها، ستكون هي تحفتي الفنية سأفرغ جوفها تمامًا اتركوني.
أمسك أيهم دالي ومنعه من قتل سادن، حملني دالي وتوجه بي للمشفى، اطمئن عليَّ وأنني لم أتعرض للاعتداء، جاءه أيهم ليخبره أن سادن أثناء التحقيق بعد أن فك المحقق يديه غافلهم وابتلع سمًا كان بخاتم يرتديه وتوفي في الحال.
فور انتهاء مفعول العقار أخذت أصرخ وأصرخ وأصرخ بأعلى صوت لي، كنت في حال يرثى لها، دالي كان بجواري وظل هكذا إلى أن تحسنت، ظلت فترة طويلة أتعالج نفسيًا، إلى أن شفيت، أخذني وسافرنا إلى لبنان لأريح أعصابي بين ربوع الجبل، حاول دالي أن ينسيني ما حدث لي وما عانيته قدر ما استطاع، ومرت الأيام علينا، ظللنا هناك لمدة شهر ثم عدنا لمصر وعاد دالي لعمله.
اكتشفت أني حامل..
جهزت عشاءً رومانسيًا لدالي وبعد تناول العشاء قدمت له طبق الحلوى وبجانبه طبق صغير عليه اختبار للحمل وبجواره كرت صغير مكتوب به انتظرني يا أبي،
حملني دالي ودار بي وكانت فرحته لا توصف وكذلك فرحتي، كان يهتم بي جدًا ويدللني ويحنو عليً لينسيني كل السوء الذي مررت به، في يوم الولادة وضعت فتاة غاية في الجمال أصبحت هي محور حياتنا وعشنا في سعادة.
تنهدت لأخرج من ذلك الكم الهائل من الذكريات الصعبة، وتوجهت للداخل، انظر بحب لصغيرتي ولدالي، النائمان بهدوء.
تمت بحمد الله

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
إحصائيات متنوعة

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↑1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة ياسمين رحمي
4↓-2الكاتبمدونة محمد شحاتة
5↓الكاتبمدونة اشرف الكرم
6↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
7↓الكاتبمدونة ياسر سلمي
8↓الكاتبمدونة حسن غريب
9↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
10↓-1الكاتبمدونة حاتم سلامة
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑58الكاتبمدونة خالد دومه56
2↑43الكاتبمدونة كريمان سالم70
3↑29الكاتبمدونة عبير محمد119
4↑23الكاتبمدونة غازي جابر79
5↑18الكاتبمدونة ياره السيد112
6↑15الكاتبمدونة آمال صالح21
7↑14الكاتبمدونة عبير مصطفى73
8↑13الكاتبمدونة عبير بسيوني173
9↑12الكاتبمدونة أسماء نور الدين83
10↑12الكاتبمدونة شيماء الجمل129
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1068
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب687
4الكاتبمدونة ياسر سلمي649
5الكاتبمدونة مريم توركان573
6الكاتبمدونة اشرف الكرم566
7الكاتبمدونة آيه الغمري492
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني422
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين416
10الكاتبمدونة سمير حماد 399

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب328546
2الكاتبمدونة نهلة حمودة184318
3الكاتبمدونة ياسر سلمي176069
4الكاتبمدونة زينب حمدي168338
5الكاتبمدونة اشرف الكرم126465
6الكاتبمدونة مني امين115749
7الكاتبمدونة سمير حماد 105385
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي96564
9الكاتبمدونة مني العقدة93479
10الكاتبمدونة مها العطار86757

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة عبير سعد2025-05-23
2الكاتبمدونة هاله اسماعيل2025-05-18
3الكاتبمدونة محمد عرابين2025-05-15
4الكاتبمدونة اريج الشرفا2025-05-13
5الكاتبمدونة هبه الزيني2025-05-12
6الكاتبمدونة مها الخواجه2025-05-10
7الكاتبمدونة نشوة ابوالوفا2025-05-10
8الكاتبمدونة كريمان سالم2025-05-10
9الكاتبمدونة رشا ماهر2025-05-09
10الكاتبمدونة مها اسماعيل 2025-05-09

المتواجدون حالياً

1865 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع