بطلتنا قمر
في الثالثة والعشرين من عمرها طويلة هي، لن نقول إنها ممشوقة القد صارخة الجمال، بل بطلتنا فتاة متوسطة القوام متوسطة الجمال، تمتلك شعرًا متوسط الطول؛ شعرها أسود فاحم السواد لم تكره شيئًا كسواده، عيناها كشعرها ليل سرمدي.
والآن لنبدأ رحلة قمر
أنت طالق
صمت الكلمة أذنيها، لكن لم تؤثر بها كما فعلت من قبل فهذه هي الطلقة الثانية
مهلًا لنتعرف جيدًا على حياة قمرنا
قمر شاهين الشريف كانت مدللة أبيها وروحه التي تسري بين ضلوعه.
لكنه كان يخشى دائمًا من اللحظة التي سيرحل فيها عن الدنيا ويتركها وحيدة فهو كل ما لها في هذه الحياة؛ بعد أن ماتت والدتها شجن وهي تلدها وأسماها قمر كما اتفقا قبل وفاتها، ماتت بعد أن ضمت قمر لحضنها، ورباها شاهين منفردًا فهو لا أقارب له ورفض الزواج مرة أخرى رغم محاولات جيرانه لدفعه للزواج.
شاهين كان رجلًا ميسور الحال يمتلك محلًا لبيع الأنتيكات، عمل بجد ليكون كل ما فيه حلالًا خالصًا.
نعود لقمر
كبرت أمام عيني شاهين لتغدو فتاة تهفو لها الأنفس، صحيح أن جمالها كان جمالًا وسطيًا لكنها كانت تمتلك روحًا مرحة وجذابة تجعلك لا تود البعد عنها أبدًا، كان كل ما يشغل شاهين هو لمن سيترك قمره؟!
إلى أن جاء اليوم الذي عمل فيه حسن عنده في المحل، أحس شاهين أن حسن ربما يكون هو الرجل الذي سيوكل إليه بمهمة حماية قمر من غدر الأيام ويا ليته ما فعل.
فلنترك شاهين جانبًا ونذهب لحسن
حسن شاب كان يبحث عن عمل وسكن يكون قريبًا من المكان الذي سيعمل به ووجد ضالته عند شاهين.
حسن طليق اللسان كما يقولون، بشوش الوجه تراه وكأنه الملاك لا ينقصه سوى الجناحان، من يراه يقول إنه دمث الخلق مؤدب ومحترم.
حسن الهادي كان يبلغ من العمر عشرين عامًا عندما بدأ العمل عند شاهين وكانت قمر وقتها في ربيعها العاشر، كان حلم أي فتاة في المنطقة بعد أن استقر في العمل لدى شاهين وسكن في غرفة متاحة فوق سطح المنزل.
كان فارع الطول، متوسط البنية، أصفر الشعر، بني العينين شكله خواجتي كما يقولون وكان دائمًا يتفاخر أن أصوله تركية، لا أهل له فكلهم توفوا، توسم شاهين في حسن الرجولة، الصدق والأمانة فجعله ساعده الأيمن في كل شيء حتى في رعاية قمره...
كان يوصلها للمدرسة وسنتر الدروس
حسن رسم الخطة منذ أن استقر في العمل لدى شاهين، لن يجد أفضل من هذه الفرصة، وضع قمر نصب عينيه وسيظفر بقمر وما تمتلكه ويكون هو السيد المطاع (فلتصبر يا حسن) هكذا كان يحدث نفسه (سيكون كل شيء لك يا حسن)
مرت سنواتنا على قمر لم تكن تطيق حسن، إحساس داخلي كان يراودها دائمًا لا تدري مصدره، صرحت لوالدها أكثر من مرة أنها لا ترتاح له هذا الحسن، لكن شاهين كان يطمئنها دائمًا ويقول لها أنها ما زالت صغيرة لا تحسن الحكم على الناس.
إلى أن أكملت قمر عامها الثامن عشر ونجحت في الثانوية بمجموع تسعه وتسعين في المئة، لم تكن الأرض تحتويها من فرحتها كان سينبت لها جناحان من السعادة كان حلمها أن تدخل الجامعة.
لكن أحلامها تحطمت ...
كانت أول مرة يكسر شاهين فيها بخاطر قمر، كان المرض بدأ يتملك من شاهين، البلهارسيا أكلت كبد شاهين ولم يعد يجدي التظاهر بالصحة، لكنها لم تكن تعرف كان أمامها دائمًا قويًا
-أخيرًا سأدخل الجامعة.
-عن أي جامعه تتحدثين؟! لا يوجد جامعه ستتزوجين حسن.
-أبي إنه حلمي!
-لا حسن هو حلمك.
-أنا لا أطيقه.
-ما زلتِ صغيرة ستتعودين عليه.
-لا أريد يا أبي.
-لكن هذا ما أريد، أستعصينني يا قمري؟
-لا يا أبي لن أعصيك أبدًا.
لا خطوبة ولا فترة تعارف فعلى من سيتعرف؟ لقد رباها على يديه
تحدد ميعاد الزواج، ساعدتها الجارات لتكمل ما تحتاجه كل عروس
توالت النصائح ...
ضعي حسن في عينيك، حسن زينه الشباب
ستحبينه بعد الزواج، حسن كلمته على رأسك
لم تكن لتجيب بأكثر من سمعًا وطاعة، كلمات شاهين يتردد صداها في أذنها....
حسن سيكون سندك بعدي، كوني زوجة مطيعة، اثبتي أني أحسنت تربيتك.
تم عقد القران
قبلها حسن أمام الجميع من رأسها، تمنت هي لو أن الأرض تنشق وتبتلعها لم تكن تطيق قربه منها كان جسدها يرتجف من قربه.
حدد موعد الزفاف بعد ثلاثة أيام
بعد عقد القران ازداد المرض فجأة على شاهين وكأنه كتب مع عقد قران ابنته شهادة وداعه للحياة.
كعادتها ذهبت لتوقظه؛ لم يرد
أبي، أبي، أبي
صرخت صرخة اهتز لها البيت، اجتمع الجيران على صراخها يطرقون الباب، هي تصرخ ولا تسمعهم، كسروا الباب، جاء حسن والجيران، لم تتوقف عن الصراخ
كفى يا قمر، كُفي، كفى يا قمر، لم تكن تسمع، لم تكن موجودة معهم، كُفي يا قمر.
إلى أن رفع كفه ولطمها فتوقفت عن الصراخ ولم تنطق، وقعت فقدت الوعي.
حسن أنهى كل الإجراءات ودفن شاهين
انتهى شاهين الشريف
وبدأ زمن حسن الهادي
بعد الدفن تلقى حسن العزاء، قمر كانت في المنزل لا تعي شيئًا، مرت الأيام، بعد أسبوع بدأت الجارات الكلام
لا يجوز أن تظلي بالمنزل وحدك، حسن زوجك، سيأتي ليعيش معك، فلا زفاف بالطبع استعدي
جاء المساء، وجاء حسن، أُغلق الباب
-قمر انظري إليَّ واستمعي جيدًا فأنا لا أعيد كلامي مرتين، لقد وضعك والدك أمانة في رقبتي، كل ما تملكينه من المحل والمنزل باسمك نعم، لكن تحت وصايتي حتى تبلغي سن الرشد، أنا الآمر الناهي في كل شيء، أنتِ ملكي، انزعي عنك هذا الحجاب أريد أن أرى سواد الليل، أنا أذوب عشقًا في شعرك، مجنون أنا بلونه الأسود.
قمر(مرتعبة)
-أرجوك يا حسن، أنا لا أستطيع، أرجوك يا حسن اصبر عليّ أعطني فرصة أتعود عليك.
-فرصة! أنا لا أحب الدلال الفارغ أنتِ لي وسآخذ ما أريد.
حاولت الفرار منه، لكن إلى أين الفرار؟ تملكها بأسوأ ما قد يكون، اغتالها ولم يمهلها، أبدًا لم يصبر عليها، أخذ ما يريد وكسرها.
استيقظت صباحًا محطمة النفس، كما كانت محطمة الجسد، الكدمات الزرقاء تملأها، الخدوش ترسم مسارات على جسدها الغض، لم تتحمل النظر في المرآة أشاحت بوجهها بعيدًا وأخذت حمامًا لتزيل ما بها من أوجاع.
اصطدمت به عندما خرجت من الحمام
-إلى أين يا حلوتي؟ لم نفرغ بعد.
-ماذا تريد؟
-أريد ما هو ملك لي.
واغتالها مرة اخرى بكل قسوة
-هيا هل ستظلين في السرير طوال اليوم؟! أنا جائع هيا انهضي.
نهضت تجر كسرتها
وكانت هذه وتيرة الحياة بينهما
كانت تكرهه بكل كيانها، لم تجد من تشكي له، ولمن تشكي؟ وهي وحيدة لا ملجأ لها.
طلبات حسن أوامر، لا تستطيع أن تعصيه، لا تستطيع أن تؤخر له طلبًا وإلا كان العقاب ضربًا، إهانة نهارًا وذل ليلًا.
لم تكن تخرج من المنزل! لا تستطيع الخروج، حسن يرفض أن تطأ قدماها خارج المنزل، لا زيارات للجارات، لا أحب الثرثرة وتجمعات النساء كان ملخص حياتها هو..... لا
عندما يزورهم أصدقاء حسن كانت التعليمات واضحة، ممنوع منعًا باتًا الخروج من الغرفة، من حظها أن الغرفة كان بها حمام وإلا لكان تركها ماتت ليجلس هو مع أصدقائه.
تجهز لهم كل ما لذ وطاب وتظل هي حبيسة غرفتها، لم يكن يتكلم معها عن العمل أو أصدقائه، في بعض الأحيان كانت تسمعه يتكلم مع أصدقائه في الهاتف
وخصوصًا زين
كل ما تعرفه أن زين إنسان واصل كما يقول حسن
لا تتصوروا أن قمر كان لها هاتف خاص بها، فلماذا تحتاجه؟ إنه من المحرمات كما يرى حسن
أول مره طلقها حسن
كانت عندما تجرأت وسألت كم إيراد المحل، صفعها صفعة جعلتها ترتطم بالحائط مصحوبة
- بأنتِ طالق، أنتِ لا شيء لك، كل شيء تحت أمري حتى أنتِ، سأرميك في الشارع من لكِ غيري؟
إياك أن تعيديها.
ثم أخذها عنوة، فردها لعصمته.
المرة الثانية تجرأت وطلبت منه أن تزور الجيران كان رده
-أيتها الفاسقة تريدين أن تخرجي كما يحلو لكِ، أنتِ طالق والآن إلى أين ستذهبين؟ تكلمي ليس لكِ سواي.
وكالمرة السابقة أخذها عنوة وردها
أنتِ طالق
وكانت الثالثة عندما تجرأت وقالت له لماذا لا أعمل معك في المحل؟
وكانت الطامة الكبرى سيل من الإهانات والضرب لم يتوقف، وأخرج من مكتبه أوراق جعلها توقع عليها بالقوة.
-هذا المحل أخذته منكِ للأبد، هكذا أصبح ملكي والبيت أيضًا لي وأنتِ للشارع، إلى أين ستذهبين؟ ليس لكِ إلا أنا، سأشفق عليك وأردك
صرخت
-كيف؟! إنها الثالثة يا حسن الثالثة!
حسن لم يتوقع هذا كان يهددها بالطلاق دائمًا لأنه يريد امتلاكها بالقوة
ماذا سيفعل؟ هل سيرميها في الشارع؟ لا يستطيع إنها ملكه تعود عليها رباها على يديه
كانت قمر متحسرة على نفسها؛ خمس سنوات مرت عليها في ذل وهوان لم تر يومًا واحدًا جيدًا، وها هي أصبحت مطلقة، لن يستطيع أن يردها الآن، ماذا ستفعل؟ إلى أين ستذهب؟ لا تعرف أحدًا، وهو أخذ منها كل شيء
هل ستعيش معه في الحرام؟ لا يمكن أبدًا يا إلهي ما العمل؟
كانت في الغرفة، دخل حسن الغرفة (ظنت أنه سيأخذها عنوة كما يفعل دائمًا)
صرخت
-لا يا حسن إلا الحرام، لا أريد منك شيئًا سأنزل الشارع وسأعمل يا حسن.
صفعها بقوة قائلًا
-تريدين أن تدوري في الشوارع.
-ماذا سأفعل بعد أن طلقتني؟
-اصمتي الآن ودعيني أفكر.
تركها وخرج يبحث عن حل لمصيبته، الأفكار تتزاحم في رأسه، أخذ المال فلماذا لا يلقيها في الشارع؟ لا،
هل يتركها لغيره يتمتع بليلها الأسود؟ لا
إنها له وحده
ذهب للشيخ الذي أخبره أنها لا تحل له إلا إذا تزوجت من آخر ثم طُلقت بشرط أن يدخل بها دخولًا شرعيًا
يا ويلك يا حسن! ماذا ستفعل؟
مادت الأرض بحسن ظل يدور في الشوارع، إلى أن رن جواله
إنه الزين
-مرحبًا حسن كيف حالك؟ افتقدتك يا رجل لقد عدت من السفر أمس.
-الحمد لله على سلامة وصولك.
-ما بك يا حسن؟ صوتك لا يريحني!
-أنا في ورطة يا زين لا فكاك منها.
-هل تريد نقودًا للبضاعة الجديدة؟ اطلب ما تريد يا رجل لا تستحي مني أنت أخي.
-لا يا زين يا ليت الموضوع موضوع نقود.
-تعال يا حسن، سأنتظرك في الفيلا.
-حسنًا، أنا في الطريق.
ذهب حسن للزين وقص عليه الموضوع كما أراد هو
هي لا تسمع الكلام، دائمًا متنمرة، تعصي أوامري، تمنعني من حقي الشرعي، تريد العيش على هواها بدون رابط ولا حسيب، لا تثق في إداراتي للمال، هي دفعتني دفعًا لتطليقها، لكن لا أستطيع أن أرميها في الشارع يا زين ليس لها أحد سواي، لا حل إلا بزواجها من آخر ويطلقها لكن يجب أن يدخل بها يا ويلي يا زين كيف أدع رجل آخر يتزوجها؟!
-لا عليك يا حسن لنجد أحدًا ما ونعطيه مالًا ونتفق معه ليطلقها.
-لا يا زين هل أتركها لغريب؟ ولنفرض أنه لم يوافق على الطلاق يجب أن يكون شخص أثق به.
(بعد أن ظل صامتًا فترة مفكرًا)
-يا إلهي أنت يا زين!
-هل جننت يا حسن؟!
-لن أجد من أثق به غيرك يا زين، أتوسل إليك ليلة واحدة فقط وتطلقها.
-يا حسن ما تطلبه صعب وهل ستتحمله أنت؟
وتحت ضغط من حسن وافق زين.
أخبرها حسن بما نوى عليه في الهاتف الأرضي، لم يترك لها حرية الخيار إما ما أقول وإما الشارع.
مرت شهور العدة على قمر كأحلى ما يكون، كانت مرتاحة تمامًا من حسن يطرق بابها ويعطيها متطلبات المنزل ويغادر.
أخيرًا كانت الحياة وردية.
انتهت العدة طلب حسن منها أن تستعد للخروج، فاليوم عقد قرانها على الزين وستبيت ليلتها في فيلا الزين ويطلقها غدًا.
ذهبت معه للفيلا
عبارة على باب الفيلا
فيلا زين الرجال الأسيوطي
ضحكت بينها وبين نفسها كيف يكون زين الرجال وهو صديق حسن؟!
عُقد القران، لم ترى زين ولم يرها حتى الآن وافقت ووقعت على وثيقة الزواج وفقط.
ذهب الشيخ والشهود، أخبرها حسن أنه سيسافر الإسكندرية الليلة لتخليص البضائع من الجمارك وسيعود بالمساء ليحضر الطلاق.
وخرج من الباب، جاءتها الخادمة:
-هل تريدين شيئًا سيدتي قبل أن أغادر؟
-لا، شكرًا.
ظلت وحدها، لمحته قادمًا، طويل القامة، عريض المنكبين، أسود الشعر فاحم السواد.
يا إلهي ما هذا؟
ارتجف قلبها فور أن رأته! لكن أبدًا لم يكن كارتجافها عندما تكون مع حسن، إنه شيء لا تفسير له.
لمحها زين
يا إلهي هذه الملاك، إنها جميلة أحس بهالة غريبة في حضورها، هل يعقل ما كان يقوله حسن عنها؟
لا دخل لي إنها مهمة سأنفذها إكرامًا له، وكفى ثم إنها فرصة سأتمتع ليلة واحدة وبالحلال.
-أنا زين، زوجك هذه الليلة فقط، لا تخافي مني أنا لست شريرًا لقد وضعتنا نحن الاثنين في هذه الورطة برعونتك واستهتارك.
(عن أي شيء يتحدث هذا الزين؟!)
هيا لنتناول العشاء.
تناولا عشاءهما
فتح التلفاز فهو يحاول تلطيف الأجواء قليلًا، وجدا فيلما كوميديًا وجلسا ليشاهداه كانا على أريكة واحدة
واندمجا مع الفيلم وأخذت الضحكات تتوالى وكل منهما يسترق النظرات للآخر.
انتهي الفيلم ...
عم الصمت
-فلنصعد لننال قسطًا من النوم.
رن الهاتف قال الزين:
-إنه حسن يبدو أنه يريد الاطمئنان.
ضحك زين ضحكة مغتصبة ممزوجة بمرارة وسخرية
-نعم يا حسن.
-أنا لست حسن هل تعرف صاحب الهاتف؟
-نعم إنه صديقي أين حسن؟
كانت أمامه يعتريها الفضول سألته:
-ماذا جرى؟
أجابها والقلق يسكنه:
-حسن في المستشفى سأذهب له لا تتحركي من الفيلا.
وصل الزين لحسن كانت حالته حرجة قال يطمئنه:
-ستصير بخير يا حسن.
-لا يا زين إنها النهاية، أخبرها أن تسامحني يا زين، لقد كنت أعمى وعاقبني الله، أطلب منها أن تترحم عليَّ، على الأقل حافظت على أموالها.
-اسكت يا حسن.
-لا، يجب أن أخبرك، قمر ونعم الزوجة لن تجد مثلها، أنا كنت متملكًا لها بأقصى درجات التملك، كنت معها وحشًا كاسرًا يا زين، لم أرحمها أبدًا خمس سنوات قضتها في أحضاني، وهي مجبرة عليَّ وهي كارهة لي، وكنت أعلم وكنت أزيدها كرهًا فيَّ، كل شيء ما زال باسمها يا زين لقد مزقت الأوراق التي وقعت عليها، أرجوك يا زين أطلب منها أن تسامحني، اجلبها لي يا زين أريد أن أراها لآخر مرة أتوسل إليك.
اتصل زين بها في الفيلا
-اجهزي حالًا يا قمر أنا في الطريق إليك، المشفى قريب من الفيلا.
أخذها للمشفى رأته ممدًا هناك، ملفوفًا بالشاش كأنه الكفن يحيط به، لم تدري بما كانت تشعر مجرد برود وكفى.
-سامحيني يا قمر، سامحيني لأذهب بسلام.
لم تدري ما تقول؟ بدون إرادة نظرت للزين هز رأسه لها موافقًا.
-سامحتك يا حسن.
أغمض عينيه ورحل حسن.
أعادها زين للفيلا وأنهى اجراءات دفن حسن وأخذ متعلقاته، وأعد العدة للعزاء، أقام له عزاء مهيبًا، حسن كان من أفاضل الرجال هكذا كانوا يقولون، انفض العزاء.
وسط التساؤلات من السيدات كيف ستعيشين وحيدة؟ لقد رحل زوجك
-حسن لم يعد زوجي لقد طلقني وتزوجت زين.
وسط الهمهمات وكلام النساء كان العزاء وكانت هي وحيدة لا تدري بم تفكر؟ تحس أنها في دوامة معلقة في الهواء، انتهى السرادق.
-هيا لقد انتهى كل شيء اركبي السيارة سنذهب للفيلا.
-لا.
كان قد توجه بالفعل تجاه السيارة، تسمرت قدماه لم يتوقع هذه الإجابة سار باتجاهها
-ماذا قلتِ؟
-لا داعي للذهاب معك سأظل هنا.
صمت زين قليلًا
-لن أثور عليك، أنا مقدر لما أنتِ فيه، لكن لا يمكن أن تظلي هنا أنتِ زوجتي.
قالها مؤكدًا على الكلمة
-لقد تزوجتني رغمًا عنك وأنا سأحلك من هذا الزواج.
استعاذ زين من الشيطان وجاهد نفسه كي لا يثور منفعلًا في وجهها
-أنا الزين، زين الرجال الاسيوطي يا قمر، لم يخلق من يجبرني على شيء لا أريده.
وقال بكل هدوء مبتسمًا:
-هيا يا زوجتي (مشددًا على الكلمة) لقد نالنا التعب اليوم وأنا بحاجة للراحة وكذلك أنتِ.
استسلمت قمر لطلبه وركبت السيارة صامتة طوال الطريق.
نزلا من السيارة وتوجهها للفيلا، أغلق زين الباب، سار باتجاه السلم
وقمر ما زالت واقفة عند الباب، فنظر لها قائلًا:
-ما بكِ؟ هيا.
-إلى أين؟
-إلى غرفتنا لنرتاح، هل تنوين النوم هنا؟ قالها ضاحكًا.
ابتسمت قمر قائلة:
-لا أقصد ولكن....
أدرك زين حيرتها واضطرابها
-هيا يا قمر لا تخافي فلنصعد أولًا لننال قسطًا من الراحة، وصدقيني لن تضامي أبدًا وأنت زوجتي، انزعي عنك مخاوفك كلها يا قمر.
صعدت وراءه على السلم وتوجه زين لغرفته وهي وراءه وما زالت في حيرة من أمرها وخوف مما هو قادم، أغلق زين باب الغرفة وقال لها مبتسمًا وبطريقه مسرحية:
-زوجتي الجميلة مرحبًا بكِ في غرفتك.
وتابع قائلًا:
-تعالي يا قمر.
وأجلسها على الشيزلونج وجلس بجوارها
-انسي كل ما كان في الماضي، الماضي دُفن مع حسن ولن يعود أبدًا،
أنا لم أكن أنوي الزواج الآن وأنت تعرفين ظروف زواجنا، لن أقول إني أجبرت عليه، فأنا لا أفعل شيئًا إلا بإرادتي، ولكنه موقف وضعنا فيه سويًا، أستطيع أن أطلقك لو أردتِ ذلك، لكن حقًا أنا أخشى عليكِ من الحياة ومشاكلها مع أني سأكون سندًا لكِ وفي ظهرك، لكن حقًا أود أن تكوني بجواري، بالتأكيد وضعنا الله في هذا الوضع لهدف ما، فلنسر في الطريق الذي أراده لنا الله ولنرضخ لقدرنا، فلا ندري ما تحمله لنا الأيام في جعبتها، فكري في كلامي هذا جيدًا وأعطيني ردك في الصباح، والآن أيتها الجميلة هذه الغرفة كالجناح المستقل تمامًا فهي غرفتان هذه الكبيرة وهناك غرفة أخرى صغيرة بها سرير أيضًا بخلاف الحمام وغرفة الملابس، أنت يا سيدتي ستنامين الليلة في الغرفة الصغيرة وأنا سأنام هنا إلى أن نرتاح وتعطيني قرارك النهائي غدًا، سأحضر لك شيئا لتنامي فيه.
أحضر لها زين منامة وإسدالًا للصلاة وقال:
-هذه الأشياء لزينة أختي الصغرى وهي في مثل عمرك وحجمك تقريبُا.
ونظر لها نظرة طويلة وقال:
-قمر، أنا لم تدخل حياتي أنثى قبلك، أنا رجل يعرف الله جيدًا والآن تصبحين على خير وأحلامًا سعيدة.
دخلت قمر غرفتها الصغيرة وبدلت ملابسها وصلت استخارتها ودعت الله أن يهديها للصواب، وتمددت على السرير وهي تفكر في كلام الزين
هذه أول مرة يكون لي الخيار في شيء، أول مرة في حياتي!
أيعقل أنه سيكون بهذه الطيبة؟ أم أنه يفعل ذلك ليلعب بعقلي،
ولكن لم سيلعب بعقلي؟ كان يستطيع إجباري بالقوة كما كان يفعل حسن، لا، لا، سأترك حسن وكل مراراته وعذاباته وأدفنها.
نامت قمرنا
ورأت فيما يرى النائم أنها تسبح في بحر متلاطم الأمواج لا تقوى على السباحة، توشك على الغرق وتطلب النجدة وظهر لها من العدم زين أمسك يدها، فاستكانت الأمواج تمامًا وأخذها زين بين أحضانه ووصلا للشاطئ يدًا بيد.
في الصباح استيقظت ودخلت الحمام وفي أثناء خروجها وجدت زين أمامها فنظر لها بكل محبة وضحك قائلًا:
-يا الله ما هذه البراءة والجمال إنك تبدين كطفلة صغيرة.
فخجلت وفتحت له الطريق ليدخل الحمام ونزلت لتجهز الافطار وجدت الخادمة بالأسفل
-هل تأمرين بشيء خاص على الإفطار سيدتي؟
-شكرًا يا ....
-صباح، اسمي صباح يا سيدتي، السيد زين أمر بتناول الإفطار في الحديقة.
فنظرت قمر لملابسها ووجدت نفسها لا تزال بالمنامة فصعدت للأعلى كان زين أنهى حمامه وبدل ملابسه.
تنحنحت وقالت:
- لقد نزلت لأحضر الافطار لكن صباح كانت تعده وأخبرتني أنك ستتناول الإفطار في الحديقة فصعدت لأغير منامتي.
فأشار زين للسرير:
-هذه ملابس من ملابس زينه بدلي ثيابك وأنا في انتظارك.
بدلت ملابسها وخرجت، فسألها:
-هل فكرتِ فيما تحدثنا به البارحة أم تريدين فرصة أخرى للتفكير؟
فأطرقت رأسها خجلًا:
-فكرت.
-وماذا قررتِ هل توافقين على استمرار زواجنا وأن تمضي عمرك بجواري؟
صمتت؛ فأمسك ذقنها ورفع رأسها إليه وقال بكل هدوء:
-قمر، أتوافقين؟
فأطرقت برأسها خجلًا:
-نعم أوافق يا زين.
فتهللت أسارير زين:
-على بركة الله.
ثم قال بجدية:
-والآن حرمنا المصون هيا لنتناول الإفطار لأن أمامنا يوم حافل وترتيبات كثيرة، وهناك أمر مهم لا تخرجي من الجناح أبدًا إلا وأنت بملابسك الرسمية أيتها الجميلة.
-حسنًا.
أمسك يدها مقبلًا رأسها:
-الخيرة فيما اختاره الله.
ونزلا الحديقة وتناولا الإفطار، بعد الإفطار نادى زين على صباح وأخبرها أنه استغني عن خدماتها لتسأله في حيرة:
-لماذا يا سيد زين هل اخطأت في شيء؟
-لا يا صباح لقد استغنيت عن خدماتك وكفى، ولا تخافي ستأخذين تعويضًا كبيرًا يعادل راتبك لمدة عام وتوصية بحسن سلوكك وسيوظفك المكتب عند أناس طيبين.
تساءلت قمر بينها وبين نفسها لماذا صرف صباح من العمل؟
-عندما تريدين السؤال عن شيء اسألي فورًا.
وأكمل متابعًا
-صباح كانت موجودة بعقد القران وربما سمعت أو رأت ما دار بيني وبين المرحوم حسن، ونحن اتفقنا على غلق صفحه حسن بكاملها، وأنا عوضتها وسأوفر لها وظيفة ولم أظلمها.
-حسنًا.
-والآن جميلتي هيا بنا.
-إلى أين؟
-إلى الشقاء.
قالها ضاحكًا وأمضى الاثنان اليوم بين محلات الملابس الرسمية والمنزلية والداخلية، ابتاعا كل احتياجات قمر التي تليق بمكانتها كزوجة زين الأسيوطي.
تناولا الغداء في أحد المطاعم الفاخرة المطلة على النيل مباشرة، كانت متعبه جدًا من التسوق ومن إصرار زين على شراء كل شيء من الإبرة للصاروخ كما يقول، لكن فور أن جلست أمام ذلك المنظر الخلاب للنيل حتى استكانت وذهب تعبها أدراج الرياح.
كانت تعيش في حلم
قمر لم يسبق لها أن رأت هذا المنظر الخلاب من قبل كانت مشدوهة بالنيل والمقارنات بين حسن وزين تنعقد رغمًا عنها في رأسها، لم يأخذها حسن أبدًا للتسوق، كان يحضر لها ما يريد هو وقت أن يريد، لم تختر في حياتها معه أي شيء، لم يأخذها مرة حتى للنزهة حتى إنها لم تعرف كيف تختار عندما كان زين يأخذ رأيها فيما يريد شراءه،
كانت شاردة تتزاحم في رأسها، الأفكار، والمقارنات، جماليات المكان.
زين رأى شرودها واندهاشها من المكان فور جلوسها، لقد أسرته حقًا هذه القمر، بريئة كطفلة لم تتجاوز ربيعها العاشر لمعان عينيها يخبره الكثير، حيرتها في اختيار الملابس والاحتياجات تخبره الكثير لقد عانت هذه الملاك الأمرين.
يا إلهي هل كنت غافلًا عن حسن لهذه الدرجة، لقد كان ملاكًا معي ومع معارفه! كيف هانت عليه ليفعل بها ما كان يفعله؟
قمر، قمر، قمر
ناداها ثلاثًا
أخيرًا تنبهت:
- نعم.
ضحك زين:
-يبدو أن منظر النيل أخذك مني.
قالت بعفوية:
-أنا لم أرى هذا المنظر أبدًا يا زين، أنت لا تتصور مدى سعادتي لن تتصور أبدًا.
فأمسك يدها بحنو وقال:
-لقد وعدتك يا قمري لن تجدي معي سوى السعادة والآن هيا أيتها الجميلة تناولي طعامك لنكمل ما ينقصنا.
-يا إلهي يا زين! هل بقي في المحلات شيء لم نشتريه؟
ضحك زين:
-وهل اشترينا أي شيء يا قمر؟!
واستكملا ما يريد زين
وعادا للفيلا وصعدا محملين بالمشتريات، لم يكن من أحد يعاونهما
دخلت غرفتها وألقت نفسها على السرير منهكة القوى لتفاجأ بزين يلقي نفسه بجوارها هو الآخر منهكا ففزعت وجلست
-ما بك قمري؟ لا تفزعي هدئ من روعك.
وقلبه يقفز لفعلتها واقترب منها قليلًا ممسكًا بيدها رافعًا رأسها لينظر في عينيها
-قمر لن أجبرك أبدًا على ما لا ترغبين به، أبدًا يا قمر، لكن استأذنك بالنوم جواري في سريري لتعتادي عليَّ وتكسري خوفك مني لتصير حياتنا طبيعة.
أمسكها من يدها وذهبا للسرير الكبير
-سيدتي الجميلة هل ستنامين بهذه الملابس؟
قالها ضاحكًا
ضحكت هي الأخرى واختارت منامة بلون وردي، تغطيها لم تكن لترتدي شيئا مكشوفًا أمامه ليس الآن على الأقل.
نظر لها مبتسمًا
-كنت أعلم أنك سترتدين هذه المنامة.
أمسك يدها وأجلسها على السرير
-أنا زين الرجال ابن الأسيوطي من سادة أشراف الصعيد، لديَّ عائلة كبيرة، وأهلي كانوا ينتظرون زواجي على أحر من الجمر، ويجب أن نسافر للصعيد ونقيم عُرسًا كبيرا، لا أستطيع إخبار أهلي أنك كنت متزوجه من قبل سيغضبون، وأنا لا أريد أن أغضب أهلي، فلنتفق الآن على ما سنخبرهم إياه،
أنتِ قمر ابنه شاهين الشريف من خيرة الرجال، توفي والدك، وتركك أمانة في رقبة صديقي حسن، الذي أصيب في الحادث وأصر أن يتم زواجنا قبل أن يموت ليطمئن عليك، ولم نتمم زواجنا بعد وسنذهب للصعيد لإتمامه هناك.
-كما تريد.
-الآن هيا لننام.
*
-صباح الورد الجوري على قمري.
-صباح الخير.
-هل أطمع من أميرتي أن تعد لنا مشروبًا ساخنا لنفيق من نومنا لنسافر.
-طبعًا أعطني خمس دقائق وسيصير كل شيء جاهز.
سافرا وكان الطريق قصيرًا رغم طوله بفعل ضحكات زين ورواياته وحديثه معها الذي لم ينقطع، وصلا إلى بلدته، ترحيب به من كل من يمر بجوار السيارة
يا مرحب بالزين، يا أهلًا وسهلًا بابن الأجاويد، وسط رد للترحيب من زين حتى وصلا لفيلا والده فيلا الأسيوطي
سيدة في عقدها الخامس استقبلتهما بالترحاب الشديد
-ولدي أوحشتني يا زين الرجال أطلت الغياب.
لاحظت وجود قمر وارتسمت على محياها أمارات التعجب لكن ما لبثت ان فتحت أحضانها لها
-يا مرحب بضيوف الزين يا أهلًا يا بنيتي.
-قمر يا أمي إنها قمر.
-اسم على مسمى يا ولدي، لكن اعتب عليك لم تخبرني أنك قادم بصحبه ضيوف، وليس أي ضيوف هذه أول مرة تأتينا بضيوف من الإناث أيها الزين.
وقالت الحاجة زهرة لقمر:
-لا تؤاخذينا يا بنيه أنت على العين والرأس لكن أريد أن أفهم ما الحكاية؟
قاطعها صوت الوالد الشيخ الاسيوطي وهو يقول:
-يا حاجة زهرة أستفهمين الحكاية على الباب ماذا تقول عنا ضيفتنا هيا إلى الداخل.
دخل الجميع وفوجئت قمر بفتاة تماثل عمرها تلقي نفسها بين ذراعي زين وتغمره بالقبلات وسط صياح والدها عليها بأن تتأدب
كانت هذه زينة
رحبت زينة بقمر وطلب منها الحاج الأسيوطي بأن تصعد بقمر إلى غرفتها وتؤنسها إلى أن ينتهي الخدم من إعداد الطعام.
نظرت قمر لزين نظرة تبثه فيها خوفها فرد هو عليها بنظره أن اطمئني،
ودخل مع الشيخ الأسيوطي والحاجة زهرة إلى المكتب وأغلق زين الباب بادرت زهره بالسؤال:
-من هذه يا زين الرجال؟ وبأي صفة تحضرها للفيلا من تكون يا ولدي؟
قاطعها الأسيوطي قائلًا:
-صبرًا يا زهرة سيخبرنا زين بكل شيء.
أخبرهم زين بما اتفق عليه مع قمر
-إذن هذه هي زوجتك يا ولدي؟
-نعم يا والدي.
كادت زهرة أن تتكلم فنظر لها الأسيوطي نظرة مفادها أن اصمتي فابتلعت زهرة في جوفها اعتراضها على ما فعله ولدها فلا كلام يقال ما دامت أمرت بالصمت
-وهل سألت عليها جيدًا؟
-بالتأكيد شيخنا الغالي وهل أجرؤ أن أربط اسم الاسيوطي بنسبٍ لا يليق.
-قضي الأمر، إذن عرسك أسبوع وستقيم العروس في غرفة زينة إلى يوم الزفاف وسيعلن الخبر في البلدة والبلدان المجاورة وستذبح الذبائح من اليوم.
نظرت زهرة لولدها واحتضنته وقال الشيخ:
-أين الزغاريد يا زهرة أم تراك كبرت؟
وكانت إجابتها سيلا من الزغاريد تبعه سيول أخرى من الزغاريد بعد أن أعلن الخبر.
كانت قمر مع زينة في غرفتها لتقول زينة:
-لن اسألك من أنتِ؟ سأنتظر أن تخبريني بنفسك ولكن أحس أني أعرفك من زمن وأنا واثقة بأن زين لم يكن ليحضرك هنا إلا إن كان هناك خطب.
قالت قمر:
-أفضل أن تعرفي الموضوع من زين.
أخذت زينة تتجاذب الحديث معها إلى أن انطلقت سيول الزغاريد فانتفضت زينة من مكانها محتضنة لقمر وقالت لها:
-لقد كنت متأكدة أن الموضوع به زغاريد مرحبًا بكِ في العائلة.
نادى الشيخ الأسيوطي على قمر ونزلت قمر مسرعة
-روديك يا بنيتي.
واحتضنها الأسيوطي حضنًا أبويًا دافئًا ذكرها بحضن أبيها شاهين فانفجرت في البكاء فأخذ يربت على كتفها
-لا بنيتي لا تبكي اليوم يوم الأفراح.
واستمرت التهاني.
صعدت قمر مع زينه الغرفة لتنالًا قسطًا من الراحة، بعد قليل دخلت عليهما زهرة الغرفة
-اتركينا وحدنا يا زينة!
خرجت زينة
-اجلسي يا قمر، أنا أبدًا لستُ راضية عما فعله زين الرجال، لكن لا أستطيع أن أكسر كلمة ولدي أو أقلل من قدره، فاستمعي يا بنت القاهرة لنا عاداتنا وتقاليدنا التي لو فكرتِ في الخروج عنها لن يرحمك أحد وأولهم زين، لا تظني أن ولدي سهل المنال كبقية رجالكم بالقاهرة، ولدي زين الرجال اسم على مسمى لا مثيل له، فلا يغرنك عقلك وتظني أنكِ ستستطيعين استمالته وأن تجعليه خاتمًا في إصبعك، كوني طوعه تكن حياتك رغد.
-القول قولك يا حاجة زهرة ستثبت لك الأيام حُسن نواياي.
-سنرى ذلك.
وغادرتها حتى دون أن تقول لها مبروك.
دخلت زينة فلاحظت مدى تغير وجه قمر وانزعاجها فطيبت خاطرها وأبلغتها أن الحاجة زهرة لا يوجد أطيب منها لكنها فقط ما زالت متضايقة مما حدث وكانت تتمنى أن تزوج زين على طريقتها ولكنها بالتأكيد ستتقبل الوضع.
أقيمت الولائم وعلقت الأنوار وأطلقت الأعيرة النارية على مدار الأيام احتفالًا بزواج الزين، لم ترى قمر زين أبدًا هكذا كانت التعليمات إلى أن يحين
يوم العرس كان زين يقيم في المضيفة.
وفي يوم العرس...
وجدت قمر فستانًا معلقًا في غلاف وعلبة زرقاء من القطيفة وجدتهما على السرير في غرفة زينة وعلى العلبة كارت مكتوب على غلافه قمر
فتحته فوجدت ما نصه
"قمري الذي أنار ليلي السرمدي أتمنى أن يعجبك ذوقي فأنا على يقين أنك لم تفكري في الفستان ولا في الشبكة، ففكرت أنا بدلًا منكِ فلا فرق بيننا
زين الرجال"
فتحت غلاف الفستان فهالها ما رأت فستان زفاف أبيض مزين بالخيوط الفضية اللامعة لم تكن حتى لتحلم أن ترتدي مثله، لقد أبهرها الفستان حقًا أما العلبة الزرقاء فكانت تحتوي على طقم ألماسي مزين بفصوص الفيروز الأزرق.
دخلت زينه الغرفة وابتسمت عندما رأت رد فعل قمر على الهدية وقالت:
-هيا، لا وقت لهذا الدلال ستأتي خبيرة التجميل الآن.
زُينت قمر وكانت حقا كالقمر يحيط بها هالة عجيبة من الهدوء والجمال تشد إليها كل من يراها فلا يملك سوى أن يقول سبحان الخلاق ما شاء الله
أول من رآها كانت زهرة فدمعت عيناها واحتضنتها وقالت:
-فليقدر لكما الله الخير.
وألبستها الكردان الذهبي يعانق جيدها بجوار الطقم الماسي، تمت مراسم العرس وصعد زين إلى جناحه مع قمر، وقفت والدته على الباب وحدثته قائلة:
-لا تتأخر يا زين ليس هذا وقت الدلال الرجال ينتظرون.
-حسنًا يا حاجة زهرة اطمئني سيرفع ولدك رأسكم عاليًا.
واستأذن منها وأغلق الباب.
كانت قمر ينتابها الفضول من هذا الحديث ولم تفهم شيئًا.
اقترب منها زين وقبلها من رأسها وقال فليبارك الله لي فيكِ ويرزقنا الخير، بدلت فستانها وصليا سويًا هو إمامها.
لكم كانت سعادتها عارمة، بعد الصلاة قام زين من مكانه وخلع عنه جلبابه بسرعة، ارتعبت قمر خاصة عندما وجدته يخرج سلاحًا أبيض من درج الكومود وفتحه وجرح نفسه
صرخت قمر:
-ماذا تفعل؟
-اهدئ، لا تخافي سترين الآن.
أحضر شاشًا أبيض من تحت الوسادة ومسح به دمائه ضغط على الجرح إلى أن توقف الدم، ثم ارتدى جلبابه وخرج للشرفة مُلوحًا بالشاش المضرج بالدم ودخل.
توالت الأعيرة النارية بكثافة شديدة حتى أن قمر من شدة خوفها من الصوت ألقت بنفسها في حضن زين، احتواها في حضنه وقال:
-لا تخافي أبدًا وأنا بجوارك إنهم يحتفلون بنا لا أحد يعلم أنك سبق لك الزواج، لم يكن أهلي ليقبلون بذلك أبدًا وأنا لا أحب أن أغضبهم أو أن أخرج عن طوعهم،
هيا لنتناول الطعام.
نظر لها:
-هل ستتناولين الطعام بالإسدال يا قمر؟ بدلي ملابسك.
بدلت ملابسها وارتدت قميصًا طويلًا أبيض من الشيفون وفوقه روب طويل وخرجت له.
فتهللت أساريره، واقترب منها أخذها بين ذراعيه، لم تخف أو ترتعد بالعكس كانت تحس أنها جزء منه، أحس هو بسكونها بين يديه فأخذ يبثها شوقه، وذهبا سويًا لدنيا الأحلام على سيمفونيات الهوى والغرام، كانت تطير على السحاب، مشاعر لم تشعر بها أبدًا.
يا إلهي ساعدني، لا أريد الاستيقاظ من هذا الحلم الوردي، كانت هذه كلماتهما معًا.
حقًا كانت هذه هي ليلة عرسها وكأنها عذراء تزف لأول مرة، خمدت قليلًا جمرات الهوى تحت وطأة التعب، ما زالا في أحضان بعضهما يتناجيان الهوى.
الطرقات على الباب أيقظتهما صباحًا، الحاجة زهرة وزينة والأقارب
ذهب ليفتح الباب وارتدت ملابسها وخرجت لهم وانهالت التهاني
والتبريكات انفردت بها زهرة قبل أن تغادر:
-مر يوم يا بنيتي من التسعة أشهر انتظر حفيدي بفارغ الصبر.
نزلت الكلمات على قمر كالسهم الحارق، ودع زين أمه وأهله ودخل لقمر ليجدها جالسة على طرف السرير واجمة عابسة تتزاحم العبرات في عينيها تريد الخروج لكنها تجاهد لتمنعها
-يا إلهي ما بك يا قمر؟
-لقد تحايلت على أهلك بليلة العرس فكيف ستتحايل عليهم في وريثك؟ أنا أرض بور لا أنجب ولن أنجب.
وانهمرت الدموع أنهارًا من عينيها
كيف لم يفطن زين لهذه النقطة لقد تزوجت حسن خمس سنوات ولم ترزق بالولد، أخذها بين ذراعيه وهدأها وسألها:
-أريد أن أعرف ماذا قالت لك الطبيبة أو الطبيب الذي عاينك؟
-لم يعايني أحد.
-ماذا تعنين؟ فمن أين عرفتِ أنكِ لا تنجبين؟
-حسن قال ذلك، دائمًا كان يقول لي أنت أرض بور لن تنبت أبدًا.
-هذا لا يعني شيئًا فليذهب حسن وكلامه للجحيم ما دمت لم أسمع من الطبيب أنكِ لا تستطيعين الانجاب فلن أصدق، عندما نعود للقاهرة سنذهب للطبيب اهدئ ولا تشغلي بالك بهذا الموضوع وانظري إلى يا قمر حتى لو كان هذا الكلام صحيحًا فأنا لن أتركك، أنتِ الآن مني مجرى الروح من الجسد لن نفترق أنتِ لن تكوني أبدًا أرضًا بور ستكونين أرضي التي أبثها حبي واشتياقي.
أمضيا شهرًا في بلدته ثم عادا للقاهرة كانت الفيلا استعدت لاستقبال العروس بخدم جدد.
ذهبا سويًا للطبيبة قبل المعاينة كانت قمر في قمة توترها وانفعالها حتى أنها فقدت وعيها وأفاقت على حضن زين وهو يهنئها
- ألف مبروك يا قمري ألف مبروك يا أحلى أم.
لم تستوعب قمر ما قاله زين نظرت للطبيبة مستفهمة ضحكت الطبيبة وقالت لها:
-صحيح أنت حامل في الشهر الأول أريد أن تنتبهي لصحتك جيدًا وتتناولي أدويتك بانتظام.
فور أن علمت الحاجة زهرة بالخبر حتى طارت إليها في القاهرة وظلت بجوارها لم تكن قمر لتصدق كم الحنان الذي تغدقه زهرة عليها ومدى خوفها عليها وعلى الجنين كانت زهرة تتمنى حفيدًا ذكرًا بالطبع لكنها كانت راضية بكل ما ينعم به الله على ولدها ولم ترض بأن يعرفوا نوع الجنين وخاصة عندما علمت أنهم ثلاثة تواءم لم تنقطعا من البكاء زهرة وقمر.
-يبدو أننا سننقل الاقامة لديكم يا أمي.
وضحك زين.
يوم الولادة كانت قمر في قمة الخوف كانت تتمنى أن تعيش لترى أولادها لكنها كانت خائفة أن تقضي نحبها كأمها وهي تلد، طلبت من زهرة أن تتركها وحدها قليلًا مع زين.
-وهل هذا وقت الدلال يا قمر؟
-أرجوك يا أمي خمس دقائق فقط.
ضحكت زهرة وتركتهما
-زين استمع لي جيدًا حياتي معك أزالت كل حزن وذل أصابني قبلك، حياتي قبلك لم تكن أصلًا بحياة، وجودك هو ما أنار حياتي وجعلني أشعر بكل جميل في الحياة، لست نادمة على يوم واحد قضيته بجوارك، أنا لا أحبك يا زين، أنا أذوب عشقًا فيك بكل جوارحي.
لم يجد زين كلمات بعد هذه الكلمات سوى أن يضمها لتسمع نبضات قلبه التي تهدئ من روعها قاطعهما دخول الممرضة.
-هيا يا سيدة قمر حان الوقت.
ولدت قمر صبيان وفتاة عاشت قمر لتصبح أم الأولاد
أم شاهين وزهرة وعمر.
بعد أن اشتد عود الأولاد، استكملت قمر دراستها لتصبح مهندسة ديكور، افتتح زين لها شركة خاصة، وأصبحت من أهم الشركات في البلاد، لم تقصر قمر أبدًا في حق زين أو أولادها، عاشت قمر الحياة كما يجب أن تكون، حققت كل ما كانت تتمنى بل أكثر مما كانت تتمنى.
ويفتح الله بابًا بعد الضيق لم تظن أنه قد يفتح.
تمت بحمد الله
----
ملاحظة: هذه أول قصة أكتبها في حياتي