آخر الموثقات

  • لو جيت وقلت ف يوم ...
  • تجارب النضج
  • ذو الحجة… شهر النفحات والاستعداد للعيد الأكبر
  • حكم دار عصير الكتب
  • أحاسيس الأبرياء..
  • هُدنة مع العدم
  • تغريد الكروان: ثورة
  • مخاض الكلمات
  • لقاء عابر
  • ذلك الخبر ..
  • دعني أُحبُّك في صمت!
  • حبآ بلا منازع..
  • منك لله يا قابيل - سيرك ولاد الحلو - تيجي نلعب استغماية - خلاويص؟ لسسسه
  • اللامنتمى 
  • المرايا..
  • غرام بالصدفة
  • الصداع النصفي .. والاستخدام الآمن لأدوية العلاج والوقاية
  • النصيب .. تعرفوا معناه ؟!
  • القايمة في مصر
  • لا تُراهِنْ
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة نشوة أبوالوفا
  5. قدرى

قدر كُتب علينا
يوم أن وُلدنا
ندور وندور في الدنيا
نخرج من محنه لنرفل في نعيم أو العكس
لكنه قدر لا مهرب منه
كانت هذه هي أول سطور من مذكرات حبيبتي...
يجري القطار قاطعًا الدروب، مسرعًا حتى أني لا أكاد ألمح معالم الطريق، كل ما يهمني الآن هو الهرب بدون أن يتعرف عليّ أحد، لهذا ارتديت النقاب،
تذكرت سناء صديقتي وهي تعطيه لي قائلة: اختفي لا تدعي أحدًا يراكِ لو أمسكوا بك لقتلوكِ.
سألتُها: من أين أحضرتِ هذا النقاب والعباءة؟
ضحكت سناء رغم الموقف المتوتر الذي كنا فيه: سرقتهما بالطبع، كنت أخطط لنهرب سويًا، لكن لم أسرق إلا واحدًا للآن، كنت أخطط لسرقة الآخر قريبًا، لكن أنتِ الآن أولى، لو كان لديّ نقاب آخر كنت هربت معك، أسرعي الآن، هذه نقودك كل ما كنتِ تدخرين من وراءهم وتخفينه عنهم وكذلك نقودي أنا أيضًا.
اعترضت: لن آخذ نقودك.
أجابتني بحزم: لا ستأخذينها، النقود سندك لتستطيعي النجاة منهم، هيا أسرعي سيري في هذا المبني المهجور، تجدين في نهاية الممر طاولة مقلوبة أبعديها، تجدين بابًا سريًا سيقودك لنفق صغير ومنه للشارع بجوار محطة القطار.
واحتضنتني مودعة: احترسي ولا تأمني لأحد.
تذكرت رعبي وأنا أجري منهم ودخولي النفق وانقطاع أنفاسي حتى خروجي للشارع ووقوفي في ممر جانبي وارتدائي للعباءة والنقاب وقطعي لتذكرة القطار إلى سوهاج لا أدري ماذا كان يدور في رأسي، أيعقل أني سأجد هناك أهلي، يبدو أن صدمة ما فعلت أثرت عليّ، يا ويلي وماذا أفعل في سوهاج؟
ضحكت وماذا كنت أفعل في القاهرة؟ كلها مدن لا أنتمي إليها ولم أكن أعرف من أين جئت بالأساس؟
تذكرت ما مضي من حياتي وأنا متجهة للآتي
- أنا الآن اسمي وردة، وبالطبع ليس هذا اسمي الحقيقي، أما اسمي الحقيقي فبالطبع لا أعلمه، أنا طويلة القامة رشيقة القد كالممثلات، ذات شعر أسود غجري مموج يصل لبعد منتصف ظهري بقليل، سوداء العينين، قمحية البشرة، لا أحد يقاوم جمالي، والدي أنا لا أعرفه، ولا والدتي فلم أذق دفء حضنها، كل ما أعرفه أني منذ وعيت على الحياة وجدت نفسي في الخرابة، نعم إنه المكان الذي كنت أعيش فيه،
الخرابة مكان واسع جدًا في أحد المناطق الأقل من عشوائية، فلم نرتق حتى للعشوائية، حوله سور يحيط بالمكان، ليس سورًا من طوب حاشا لله، لا إنه سور من بقايا المباني، لكنه سور متماسك يصعب تسلقه لوجود قطع الزجاج المكسور والحديد، إلا منطقة مخفية لا يستطيع أي كان معرفتها إلا بعد البحث بدقة متناهية كانت خالية من الزجاج وكأن الله جعلها هكذا لنهرب منها، للخرابة بوابة حديدية كبيرة عنما تخطو بداخلها تجد منطقة واسعة فارغة، وفي أحد الأركان تجد مكان لجلوس الكبيرة وساعدها الأيمن وبعض كبار المنطقة، وتجد فيها أماكن متفرقة، مكان لتجمع الفتيات، ومكان للفتيه، ومكان للكبار.
منذ وعيت وأنا في هذا المكان أعتقد كنت أبلغ أربع سنوات، الكبيرة شكرية كما كانت تأمرنا أن نناديها أحضرتني هنا، شكرية كانت سيدة ممتلئة القوام جدًا لكنها كانت جميلة، ذلك اليوم محفور في ذاكرتي كنت أمسك بيد ناعمة رقيقة إنها أمي الحقيقية بالتأكيد في مكان مزدحم، وفجأة وجدتني في يد الكبيرة
صرخت" أمي، أمي"
فردت بحنو "لا تخافي يا صغيره أمك تشتري لك الحلوى اشربي هذا العصير لنذهب لها."
شربت العصير ونمت ولما أفقت وجدتني في الخرابة كانوا يتناقشون فيما بينهم ماذا سيفعلون بي؟ ولأي قسم سيوزعونني؟ كنت في قمة الخوف وأبكي طلبًا لأمي
نهرتني الكبيرة "اخرسي أيتها المزعجة، لو سمعت صوتك سأكويكِ بالنار"
وقربت النار مني فصَمَتُ تمامًا، وأنا أرتعد خوفًا، ساعتها احتضتني سناء كانت أكبر مني قليلًا "اسكتي وإلا كوتكِ"
لتنطق الكبيرة قائلة "هنا نظام"
قالت موجهة كلامها لي ولأطفال آخرين متفاوتي الأعمار "من يسمع الكلام سيكون حبيبي وفي عيني من يعصي أوامري لن يجد إلا النار"
وأحضرت صبيًا، لا أعتقد أن عمره تجاوز العاشرة وكان بجوارها أسياخ حديدية مفلطحة موضوعة على النار حتى توهجت
"هذا الولد لم يسمع الكلام ولم يطعني، يقول لي حرام أن أسرق"
قالت للولد" آخر مره يا صلاح هل ستسمع الكلام؟"
أجابها مرتعدًا "لا أبي علمني أن السرقة حرام"
ويا ليته ما قالها أمسكت الكبيرة بالسيخ المتقد كالجمر ووضعته على ظهر صلاح فوصل صراخه مداه وأخذنا نحن أيضًا في الصراخ
فصاحت فينا "اخرسوا وإلا مصيركم مثله"
فصمتنا جميعًا ونحن نرتعد وكم منا من تبول على نفسه من شدة خوفه
"هنا لا يوجد أبي ولا أمي هنا أنا الكبيرة وهذا ضرغام يدي اليمنى ومساعدي"
(ضرغام طويل ذو جسد قوي فهو الفتوة يحمل جسده العديد من العلامات
والندوب لديه علامة بارزه في وجهه من آثار قتال)
"كلامنا مطاع من يعصينا يعرف الآن مصيره، لا تعتقدوا أننا لن نعلمكم، ستتعلمون القراءة والكتابة، من نجده متفوقًا سيتعلم اللغات والأصول كل منكم له عمل على حسب قدراته ومهاراته"
أسمتني الكبيرة وردة لأني أذكرها بابنتها التي توفت في مثل سني وقتها، وكانت تحبني وتميزني عن باقي الأطفال، كنت البريمو كما يقولون، تعلمت القراءة
والكتابة، وكان عملي التسول مع سيدة غريبة الشكل تخفي وجهها اسمها لواحظ، كنت أتسول وردية الصباح وأتعلم في المساء، تعلمت الإنجليزية،
عندما أصبح عمري عشر سنوات علموني أصول السرقة بجانب أصول الحياة و الإتيكيت، لا تندهشوا هنا كل فرد له عمل ويتعلم كل شيء يمكن أن يواجه في عمله،
لم تكن الخرابة للتسول فقط كانت عالم كامل متكامل من الإجرام لدينا متسولين ونشالين وهجامين ونصابين للنصب على كل الطبقات بدءًا من الفقراء حتى علية القوم وصفوة المجتمع، لدينا أيضا بنات الليل والدعارة وديلرات المخدرات، وبيع الأطفال وتجارة الأعضاء، خرابتنا كانت عالمًا متكاملًا تحوي كل شيء، ولها قوانين
وأعراف من يخالفها يجد العقاب الرادع، في الخرابة يمنع على أي رجل التعرض لفتاة أو المساس بها عنوة أو حتى برضاها، من يرغب في فتاة مثلًا يجب أن يطلبها من ضرغام، وهو يقرر هل يعطيها له لتكون زوجته وحده لا يشاركه فيها أحد، أم يعطيها له للتمتع بها وتحمل وتنجب فيبيعون الطفل وتصبح هذه مهنتها منجبة أطفال، إما للبيع بغرض التبني أو لتجاره الأعضاء.
الوحيد في الخرابة الذي له الحق بكل البنات هو ضرغام لكن يجب أن يأخذ رأي الكبيرة أولًا، وهي لم تكن لتمنع عنه أية فتاة، إلا أنا كانت الكبيرة تحميني منه وتبعده عني.
تعلمتُ النشل وعندما نضجت عملت بالنصب، أراد ضرغام أن يشغلني بالدعارة لكن كان للكبيرة رأي آخر
"الفتاه جميلة ولبقة وتتعلم سريعًا، لنشغلها بالنصب مؤقتًا حتى نقع على ثري يفضل العذارى، ساعتها نبيعها له بالملايين، أنت تعلم يا ضرغام أن الثقافة والجمال والعذرية ثمنها عالي لدى أولئك الأثرياء من رجال الأعمال الذين يبحثون عن مرافقات دائمات لاستكمال مظهرهم"
فيجيبها "أنتِ تحمينها وهذا سيزيد غرورها وستظن نفسها ذات قيمة، دعيني أنال منها وأكسرها حتى تكتمل سيطرتنا عليها"
لتقول شكرية (لتسكت ضرغام) "نستفيد منها أولًا إن عقلها موزون وأفكارها ذهبية"
كنت أعلم بنيتهم فكنت دائمًا أتميز في مجالي وأعطيهم أفكارًا مبتكرة فما دمت مميزة فلي الخيار فيما أريد ولن أُجبر على شيء، ليس الآن على الأقل، تذكرت سناء صديقتي التي كانت بجواري دائمًا،
سناء صديقتي الوحيدة علموها النشل وعندما نضجت وظهرت أنوثتها قرروا أن تعمل بالدعارة، كانت أول مرة لها مع سائح أجنبي تمتع بعذريتها غصبًا وكان ساديًا أذاقها كل أنواع التعذيب، حتى أني ما زلت أذكر شكلها عندما أحضروها بعد انتهائه منها؛ ظلت في الفراش مريضة لمدة طويلة، فلقد أصيبت بنزيف حاد و استأصلوا لها الرحم، أخبرتني أنها قاومته مقاومة شرسة حتى أنها ضربته على رأسه بالمزهرية فأصابته وهربت لكن ضرغام أمسك بها وأعادها إليه وهذه المرة قيدها في السرير قبل أن يتركها فريسة له ليغتصبها ويتلذذ بتعذيبها، لم تكن تهمهم في شيء بالطبع، لقد دفع السائح مبلغًا كبيرًا ليفعل كل ما يريد، بعدها ألقوا بها للكباريه لتعمل راقصة فلقد كانت بارعة في الرقص، ولم يرحموها كانوا يرسلونها للرجال بالطلب في شققهم فكانت تضع لهم المخدر وتوهمهم بأنها قضت معهم ليلة من الأحلام، طبعًا لم يكن يعلم بهذا أي أحد إلا أنا، فلو علم ضرغام بهذا لقتلها.
كنا نخطط للهرب ونجمع النقود ليكون معنا ما يعيننا ونتريث في ذلك حتى لا يمسكنا ضرغام، فلو فعل كنا لنصير مثالًا وحكاية مما سيفعله بنا، فنحن لا نريد أن نلقى مصير عزة، تلك الجميلة التي رفضت الانصياع لهم وأعلنت العصيان كانوا قد خطفوها، بعد أن قتلوا خطيبها أمام ناظريها ولم تنفع محاولاتهم معها أبدًا، وعندما حاول ضرغام اغتصابها طعنته بسكين وجدتها في طبق الفاكهة، فأطلق عليها خمسة كلاب مسعورة تنهشها نهشًا أمامنا، انتقامًا منها لما فعلته به.
وهكذا مرت الأيام ...
في يوم ما كانت الكبيرة تحس بوعكة صحية، كانت شديده هذه المرة وكنت أنا بجوارها أعتني بها، فمن ضمن مهاراتي التمريض، وجدتها ليلًا تحتضني وتقول لي" تأكدي أن لا أحد يتنصت علينا"
وعندما اطمأنت قالت لي" يا وردة أنا أحضرتك من سوهاج، استغللت انشغال أمك في السوق وهي تتفحص قطعة قماش وأخذتك منها، كنت ترتدين قلادة ذهبية، افتحي الصندوق الموجود تحت السرير تجدينها، خذيها، إياكِ أن يراها ضرغام أو يأخذها منك سأساعدك على الهرب من هنا قبل أن أموت حتى لا ينالك ضرغام وسأ...."
ولم تكمل كلامها وماتت الكبيرة، ماتت لتتركني أتلظى بنيران حقيقة لم تكتمل،
سيصبح ضرغام الآمر الناهي بلا رادع، كان دائمًا يصرح برغبته في نيلي، فكنت أنا الحب كله ولا يمنعه عني سوى الشديد القوي كما كان يقول وها هي ماتت وتركتني لضرغام، لم يُضع ضرغام وقتًا في الإفصاح عن مخططه أبدًا، بعد دفن الكبيرة استدعاني ليبلغني أنى سأكون اليوم ملكه ويده اليمني وسآخذ مكان الكبيرة بجواره وسأكون المتوجة بجواره، وسأكون ملكة على عرش من ذهب، شرط أن أكون له بكامل إرادتي، وافقته لم أكن لأصرح برفضي، لكن طلبت أن يؤجل ذلك تكريمًا للكبيرة "فهل نكون سويًا وكبيرتنا لم تبرد تربتها بعد؟"
رفض وقال" الحي أبقي من الميت يا حلوتي، الليلة إما رضًا فتصيري الملكة أو غصبًا يا وردتي وتبيتي جارية"
سناء فقط كانت تعلم برفضي وأعطتني منومًا لأضعه له وأهرب، انفرد بي، حاولت التحجج بأي حجه لأضع له المنوم في المشروب الذي كان يشربه، لكنه للأسف رآني وصفعني وحاول اغتصابي فضربته بزجاجة المشروب على رأسه فسقط أرضًا ووجدت الدم ينساب من رأسه وهربت سريعًا، قاطع ذكرياتي هذه عامل القطار يطالب بالاطلاع على التذكرة، أصبحنا على مقربة من سوهاج، ذهبت للحمام وخلعت النقاب أبقيت على العباءة والطرحة، عندما عدت لمقعدي نظرت لي العجوز الجالسة أمامي نظرة مطولة تتفرس في ملامحي، فظننت أنها استهجنت خلعي للنقاب، لكن لم تتدخل، وظلت صامته تنظر لي نظرات متقطعة وكأنها تشبه عليّ.
عندما وقفنا للنزول ترنحت العجوز، وكانت تبدو مشوشه، سقطت تلك العجوز أرضًا، بحثت في حقيبتها عن عطر لأنعشها به فوجدت قلم السكري الخاص بها وخمنت أنه انخفاض في مستوى السكر، فأعطيت لها حلوى وجدتها بحقيبتها، بعد قليل استعادت تركيزها وأفاقت وشكرتني
قالت: هل أنت لوحدك يا صغيرة؟
- نعم.
تساءلت: إلى أين أنتِ ذاهبة؟
فصَمُتُ لم أعرف بما أجيب.
قالت بحنو: هل تتمين جميلك وتوصليني لمنزلي، لا تخافي مني أنا عجوز أعيش وحيدة لا أبناء لي، أقيم في نجع النجار يا بنيتي، وأرى أنك وحدك بالقطار هل هناك من أحد ينتظرك بسوهاج؟
- لا.
- إذن أين ستقيمين؟
- في فندق.
فقالت مستنكرة: فندق وحدك! وأنتِ بهذا الجمال، لا يا بنيه لقد انشرح قلبي لكِ، تعالي آنسي وحدتي ولا تخافي مما أنتِ هاربه منه سأجد لك حلًا.
فحاولت الاعتراض وقول أي شيء.
فردت: أنا عجوز حفرت الأيام في قلبي ووجهي تجاعيدها، ولم يخطئني حدسي أبدًا، وأنا أقسم أنك هاربه من شيء أو تختبئين من أحد لا تكابري وتعالي معي.
فطاوعتها فلقد أحسست بالاطمئنان لها، عرفتني على نفسها
- أنا الحاجة خضرا النجار من أكابر النجع، أرملة وحيده ليس لي أبناء، كنت في القاهرة لزيارة الحسين، عندما نصل المنزل سنتحدث عن كل شيء.
وصلنا النجع كل من يقابلنا يلقي علينا التحية لقد كانت محبوبه جدًا كما هو واضح كان الكل يسأل عني فكانت تخبرهم "بأنني الغالية بنت الغاليين"
وصلنا البيت، ڨيلا صغيرة على الطراز القديم، انتظرت أن يستقبلنا أحد ما، خادمة مثلًا.
كأنها أحست بي فقالت: أخبرتك أني أعيش وحدي هنا، على ذكرياتي مع زوجي المرحوم، لقد قُدرنا لبعضنا منذ أن ولدنا وارتبطنا سويًا بعقد الحب الصادق ثم الزواج، ولكنه قُتل غدرًا في أحد الخصومات الثأرية، وتركني وحيدة، رفضت المكوث في بيت أهلي أو أن أتزوج مرة أخرى، طاوعوني على مضض ولا تخلو موافقتهم من إلحاحهم أن أذهب للسُكني معهم في ڨيلتهم المجاورة، ولا خدم لي النجع كله يساعدني.
وضحكت
دخلنا إلى الڨيلا وما لبثنا قليلًا حتى وجدنا الجرس يرن لنجد إحدى النساء تحمل صينية على رأسها فأدخلتها، وضعتها على طاوله الطعام وقالت: بالهناء والشفاء يا حاجه أنتِ وضيفتك القمر، من هذه يا حاجة؟
ضحكت خضرا: لا شأن لك يا مستكة.
ونقدتها مالًا في يديها لم أعرف كم كان المبلغ، وسط محاولات للرفض من جانب تلك المستكة وإصرار من جانب الحاجة خضرا، حتى انتهى الأمر بقسم الحاجة خضرا بالله، وطبعًا لن تسقط مستكة يمين الحاجة خضرا فأخذت النقود.
- هذا الطعام أرسلته أختي منيرة لي.
تناولنا الغداء وقمت أنا بإعداد الشاي وخرجنا لنجلس في الحديقة، شيء ما بداخلي جعلني ألقي كل ما بجعبتي بين يدي الحاجة خضرا، فوجدت مشاعر متضاربة تظهر على محياها لكأنها كانت سعيدة بما أخبرتها به
قالت لي: لماذا رفضتِ عرض ضرغام مع أنه كان سيجعلك مكان الكبيرة؟
قلت لها: لم أستطع أبدًا أن أرتاح في معيشتي بالخرابة، دائمًا كان بداخلي توق لأن أغادرها وأن أترك كل المحرمات التي تعلمتها بها وأتوب إلى الله.
ضحكت وقلت: في الخرابة نحن نتعلم كل شيء طبعًا، ما عدا الدين لكني كنت أُعلم نفسي وأشاهد برامج دينية خلسة عنهم ودائمًا ما كنت أدعو الله أن يساعدني لأهرب من عالمهم ولأتغير.
أريتها القلادة وعندما رأتها انتفضت من مكانها وترقرقت عيناها بالدموع قائلة:
- يا الله أيعقل هذا يا رب بعد كل تلك السنوات، كرمك يا الله، يا بنيتي هل لديك وحمة علي ظهرك بشكل قلب حالك السواد بارز الحدود؟
قلت لها مندهشة: نعم كيف علمتِ؟
- أريني ظهرك.
ودخلنا لأريها الوحمة، وعندما كشفت لها ظهري
تهدج صوتها بالبكاء: يا الله شكرًا يا الله، أخيرًا ارتاح بالي بعد كل تلك السنوات، حقًا إن كرم الله لا حد له، إن تلك الوحمة السوداء التي تحمل شكل قلب دليل قاطع على أنك نور ابنه أختي.
احتضنتني وأنا في قمة ذهولي لا أصدق أبدًا أن أجد أهلي بعد تلك المدة، إن هذا لا يحصل سوى في الأفلام والروايات الخيالية.
تساءلت: هل أبي وأمي على قيد الحياة؟
أجابت وأنا ما زلت في حضنها: والدك توفي يا ابنتي منذ زمن، أما منيرة فليطل الله في عمرها، هيا بنا سنذهب لها.
كنت أسير معها أمسك يدها كطفل صغير لا أستوعب ما حدث أبدًا، إن ما يحدث معي يصلح كمسلسل تلفزيوني، هل حقًا سأرتاح؟ هل أنا تلك النور المزعومة؟ هل سيتقبلني هؤلاء المدعوون بأهلي؟ هل سيغفرون لي الماضي، أسئلة عديدة تتصارع برأسي، ولا إجابات لها، أفقت من دوامة تلك التساؤلات التي تجتاح رأسي على قولها: وصلنا.
نظرت لأجد سور عالي، تتوسطه بوابة كبيره بجوارها لافتة "ڨيلا النجار"
سارع الحراس بفتح البوابة: تفضلي يا حاجه خضرا تفضلي.
دخلنا إلى حديقة غناء، سرنا قليلًا فوجدت الفيلا، ڨيلا مهيبة، إنها ضخمة جدًا،
سارع الخدم لاستقبالنا وإخبار الحاجة منيرة بقدوم الحاجة خضرا ومعها ضيفة.
هلت علينا الحاجة منيرة، إنها فائقة الجمال فيها ملامح كثيره مني أقصد أنا ملامحي فيها الكثير منها، أنا في قمة الارتباك، الموقف صعب عليّ أنا غير مصدقة وكأني أحلم لم أعرف ماذا أفعل؟
احتضنت خضرا منيرة حضنًا طويلًا وكان الاضطراب واضحًا على خالتي خضرا
تساءلت منيرة: ما بك يا خضرا؟
ثم التفتت لي وقالت: مرحبًا بضيوف الغالية.
وسلمت عليّ وقبلتني واحتضنتني، لم أكن أريد الابتعاد عن حضنها لكنها ابتعدت برقة بعد أن نظرت لي نظرة غريبة، فبالتأكيد لاحظت الشبه بيننا، لكنها نحت اضطرابها جانبا فبالتأكيد لم يكن ليخطر على بالها أني ابنتها الضائعة.
- والآن خضرا ما بك؟
- هيا بنا للداخل لا أريد إخبارك هنا.
- حسنًا هيا للداخل، بإذنك ضيفتنا.
- لا ستأتي الضيفة معنا، الموضوع يخصها.
- حسنًا.
دخلنا الغرفة لتبادر خالتي بالقول: لن تصدقيني أبدًا يا منيرة.
- وكيف لا أصدقك يا خضرا! هيا أخبريني ماذا هناك؟ لقد أثرتِ قلقي.
أمسكت يدها: اجلسي أولًا، ما هو أكثر ما كنتِ تطلبين من الله يا منيرة؟
نظرت لي بحذر، فقالت خالتي: تحدثي أمامها.
فقالت: وهل هذا سؤال يا خضرا، عودة نور هو أكثر ما أتمنى وأريد والكل يعلم هذا.
قالت مبتسمه: وإن كان الله استجاب لك!
- حقًا يا خضرا حقًا!
أرتها خضرا القلادة فصرخت: إنها قلادة نور لا يوجد مثلها لقد صنعت خصيصًا لها كيف وجدتها؟
- أنا لم أجدها فقط، لقد وجدت القلادة وصاحبتها، بقدرة الله ورحمته، نور أمامك.
نظرت لي في تيه غير مستوعبة، فطلبت خالتي أن أكشف ظهري واقتربتُ من منيره التي أخذت تتحسس العلامة وما لبثت أن احتضنتني وهي تبكي وتقول: الحمد لله الحمد لله.
وقبل أن أنهل من حضن أمي وحنانها، فجأة وجدت طرقًا على الباب فعدلت ملابسي لتسمح خضرا للطارق بالدخول، لأجد أمامي رجلًا يرتدي الجلباب والعمة الصعيدية يبدو كبيرًا في السن تضايق من منظر بكاء أمي منيرة
وتساءل مقتضب الوجه: ماذا يحدث؟ لماذا تبكين؟
فأخبرتاه بالحقيقة
إنه عمي حمزة النجار فنظر إليّ متمعنًا في ملامحي
وقال: إنها حقًا تشبهك كثيرًا وأنت في سنها يا منيرة، لكن يجب أن نتأكد رسميًا هيا بنا يا فتاة.
وأمر بتجهيز السيارة، سافرنا لأحد المعامل الشهيرة بأحد المستشفيات الخاصة الكبرى وقمنا بعمل تحليل البصمة الوراثية، وعلمنا أن النتيجة ستظهر بعد يومين.
قال عمي: هناك كشف آخر، أتمنى أن لا تتضايقي، لكن من حقي أن أتأكد.
وذهب بي بصحبه أمي وخالتي إلى طبيبه النسائية، فهمت ما يريد ولم أعترض، مع أن ذلك جرح كرامتي، لكني أفهم أهمية الشرف جيدًا، وكانوا جميعًا في قمة الفرح عندما غادرنا الطبيبة التي أكدت لهم ما أرادوا.
عدنا أدراجنا، طوال طريق الذهاب والعودة أمي وخالتي كانتا تحتضناني، وعمي ينظر إليّ بين الحين والحين قائلًا: يا ليتك كنت معنا الآن يا عيسى.
وصلنا الڨيلا فقال عمي: يا نور تعالِ.
دخلنا الغرفة مع أمي وخالتي وطلب مني عمي أن أحكي لهم كل ما حدث معي،
وكل ما أتذكره ولا أخجل أبدًا من أي شيء، قصصت عليهم حياتي كلها بكل ما فيها من عيوب ونواقص، وزلات وعمليات سرقة واحتيال ونصب، وما كان من الكبيرة وضرغام معي.
احتضنني عمي وقال: أنا أحس بصدق حديثك، وأصدق أنكِ ابنه أخي عيسى رحمه الله، والآن أريدك أن تلقي عن كاهلك كل ما يثقله وتعتبري أنك ولدتِ من جديد ولا تخافي أبدًا أنتِ ابنه النجار.
نمت في أحضان أمي وخالتي التي نامت اليوم في الڨيلا مع أنها دائمًا كانت ترفض الإقامة معهم وتفضل الجلوس في ڨيلتها الصغيرة المحتوية على ذكرياتها مع زوجها ابن خالها، يا الله لم أنم أبدًا بهذا العمق والراحة والأمان، مزيج غريب من المشاعر كان يغلفني.
مر الوقت سريعًا بصحبتهم، في هذا الوقت كان الكل يتكهن من أنا؟ ومن أين
جئت؟ ليعلن عمي أنني نور بنت الحاج عيسى، وكانت كل من أمي وخالتي تنتظران طارق ابن عمي بفارغ الصبر لتخبراه عني، كان طارق في القاهرة عندما وصلت، يباشر أعمالًا لشركة العائلة وكانوا ينتظرون قدومه.
كنت في الحديقة مع أمي وخالتي لكن الخدم نادوا عليهما ليخبروهما أمرًا ما، فظللت وحيدة في الحديقة، جذبتني مشاتل الورود البلدي الحمراء ووقفت أشاهدها لحين مجيء أمي وخالتي.
حتى سمعت صوتًا رجوليًا خشنًا يتسائل
- من أنتِ؟
التفتت لأجد نفسي أمام رجل في غاية الوسامة ملامح رجولية مختلطة بوسامة
وجاذبية غير عادية، طويل القامة أسمر اللون والعينين والشعر، أحس أني رأيته قبل الآن.
رددت على سؤاله بسؤال: ومن أنت؟
أجابني مبتسمًا: أنتِ موجودة في بيتي، إذن أنا من يسأل وكرمًا مني سأجيبك، أنا طارق حمزة النجار.
في هذه اللحظة هبت نسمات هواء متلاحقة فطار غطاء الرأس؛ فصرخ طارق ممسكًا بيدي: إنها أنت أيتها اللصة!
وأخذ يهزني يمينًا ويسارًا قائلًا: كيف وصلت لهنا؟ ماذا تريدين؟
هنا ومضت ذاكرتي وتذكرته، إنه ذلك الوسيم الذي سرقته عند ماكينة الصراف الآلي
قلت: هل تريد نقودك؟
صرخ: النقود لا تهمني أيتها الرقطاء.
- بالتأكيد، فلم يكن ذلك المبلغ بالكبير، أنت يهمك أنك هزتك امرأة فأفقدتك تركيزك، أليس كذلك؟ (قلتها بدلال)
استشاط غضبًا: أيتها اللعينة.
كانت أمي وخالتي قد جاءتا تحملان بيديهما طبقًا من الحلوى فهما لم تكفا عن إطعامي منذ وصلت.
صاحت أمي به: طارق لماذا تمسك نور هكذا؟
أجابها متعجبًا: هل تعرفين هذه الساقطة؟!
أبعدتني من بين براثنه: تأدب، وإياك أن تهينها بكلمة واحدة.
صاح مادًا يده ليمسكني: أنت لا تعرفينها، إنها لصة!
صاحت أمي وخالتي في صوت واحد: اصمت واخفض صوتك.
ضيق من عينيه موجهًا نظراته النارية لي: لماذا؟ أي لعبة تلعبها عليكم وصدقتموها؟!
أجابته أمي باسمة: ستعرف كل شيء في حينه إنها أوامر والدك.
- حسنًا.
قالها غاضبًا ووجه كلامه لي: إياكِ أن تمدي يديك على أي شيء هنا، وإلا قطعتها لك.
قلت متحدية إياه: سأضع يدي وآخذ كل ما أريد ولن يقول لي أحد لماذا؟
وأخرجت له لساني
قالت خالتي غامزة لأمي: إنهما كالقط والفأر، هكذا تبدأ كل الحكايات.
تركنا طارق ودخل الڨيلا، أما أمي وخالتي استمرتا بالحديث عن طارق ومحاسنه وهما تغمزان لبعضهما.
مر الوقت وهل الصباح
استيقظت لأجد أني وحيدة في الغرفة، أين ذهبت أمي وخالتي؟
بدلت ملابسي وفتحت الباب ونزلت السلم لأجد طارق أمامي كان سيقول شيء ما لكن رن هاتف هذا الطارق وكل ما قاله: كما تأمر يا حاج.
ثم قال مخاطبًا أمي وخالتي اللتان ظهرتا أسفل السلم: هل لديكما علم بوليمة اليوم؟
- طبعًا يا ولدي، الذبائح تجهز منذ الفجر.
تساءل: ألا فكرة لديك أمي (مخاطبًا منيرة) عن سبب هذه الوليمة المفاجئة.
(لماذا هذا الفظ يقول لمنيرة أمي، إنها أمي أنا، وددت أن أخبره لكن آثرت الصمت احترامًا لأوامر عمي)
أجابته: ستعرف عندما يصل والدك.
عمي ذهب بنفسه لإحضار النتيجة، وهو في الطريق أصدر أوامره لطارق بجمع عائلة النجار كبيرًا وصغيرًا وبجمع كبار عائلات النجع والنجوع المجاورة وكل من له نسب مع عائلة النجار وبالطبع جاء الجميع فمن ذا الذي يرد كلمه حمزة النجار.
وصل عمي حمزة واحتضنني وقبلني من جبيني أمام طارق الذي فغر فاه اندهاشًا
- ماذا تفعل يا حاج؟
ابتسم حمزة: ما كان يجب فعله منذ وصلت هذه الغالية إلى هنا، طارق تعال معي للمكتب.
وأخبره عمي بمن أكون، خرج طارق من المكتب ترتسم على وجهه إمارات التعجب، ناظرًا لي كمن وجد كنزًا: إذن أنتِ نور!
- نعم أنا نور، وهذه أمي، وهذا عمي، وهذه خالتي.
قلتها وأنا احتضن كل منهم لأغيظه
ضحك على فعلتي، وقال طارق فاتحًا ذراعيه: وأنا.
يريد حضنًا هذا الطارق هو الآخر،
صاح عمي بضحك ضاربًا طارق على يده: تحشم يا طارق.
كان الضيوف قد بدأوا في الوصول رجالًا وإناثًا، تناول الحضور طعام الغداء وشربوا الشاي الصعيدي ثم اعتلى عمي شرفة الڨيلا
وقال: أهل نجع النجار، وأكابر البلد، بالطبع يتساءل الكل عن سبب هذه الوليمة المفاجئة، هذه الوليمة بمناسبه أننا وجدنا نور عيسى النجار أخيرًا وقبل أي تكهنات أو تساؤلات لقد تأكدنا من ذلك ومن الغد سنشرع في اجراءات استخراج أوراقها لنثبت نسبها لعائلتنا.
وطلب مني عمي الخروج للشرفة، وقال: ليعرف الجميع هذه هي نور عيسى النجار.
ظللت واقفة بجوار عمي والكل ينظرون لي ويتهامسون
إلى أن قام طارق والشرر يتطاير من عيناه وقال لي: ألا يكفي هذا العرض، ادخلي الآن.
فنظر لي عمي موافقًا فهرعت للداخل، استمر الاحتفال بوجودي طوال الليل،
الرجال بالخارج يستمعون للمادحين والمنشدين والنساء بالداخل يتسامرن وكلهن طبعًا يتهامسن عليّ، عرفتني أمي على سيدات العائلة وبناتها، ارتحت للبعض والبعض الآخر لم ارتح له خاصة تلك الفتاة المسماة بدرية، انتهى الاحتفال، ناداني عمي ونادى طارق وقال: تستيقظان باكرًا لننهي أوراق نور.
فأجبناه بالموافقة وصعد كل منا لمخدعه كنت أنام مع أمي بالطبع
فوجئت بعمي يصعد ورائي: إلى أين يا نور؟
- إلى غرفه أمي، لأنام.
قال مبتسمًا: لا، منذ الآن تنامين في تلك الغرفة.
وأشار للغرفة المقابلة: فيكفيني ما ابتعدته عن غرفتي.
نظرت له بإمارات من عدم الفهم فأخبرني أنه متزوج من أمي بعد وفاه أبي (أمي في خضم فرحتها بي وارتباكها لم تخبرني، فهمت الآن لم يناديها ذلك الطارق بأمي) فدخلت غرفتي ونمت.
في الصباح ذهبنا جميعًا لإنهاء الأوراق وسط إلحاح من أمي وخالتي للذهاب معنا، أنهينا المعاملات الرسمية وذهبنا لشراء ملابس لي، كان طارق ينهي بعض المعاملات وجاء ولما علم بمقصدنا اقترب مني قليلًا وقال بصوت جاد
- تحشمي في انتقاء الملابس.
فقلت له: وأنت ما دخلك بي؟ أمي وعمي فقط لهما الكلمة معي.
فظهرت ملامح الغضب على وجهه: لولا أننا في الشارع لكنت علمتك كيف يكون الحديث معي؟
سمع عمي حوارنا فقال بصوت مرتفع نسبيًا: طارق ليس الآن، اتركها.
أمي وخالتي لم تدعا شيئًا في المحلات لم تشترياه لي ولكن ما حيرني أنهما أيضا كانتا تشتريان اللانجيري الخاص بالعرائس ولما تساءلت قالتا: من أجل عرسك.
ضحكت ولم ألق بالًا لهما وانتقيت بالطبع أفضل الملابس، فلتفرحا بما تريدان.
استلم عمي بطاقتي الشخصية الجديدة، نور عيسى النجار
وذهبنا للبنك مع طارق بدون أمي وخالتي، منعهما عمي من مرافقتنا، فماذا تفعلان بالبنك؟
اكتشفت أن لدي ثروة هائلة بالبنك، وأن لدي نصيب في شركة كبيرة أيضًا، يديرها عمي وطارق، شركه مقاولات من أشهر الشركات على خط الصعيد كله،
باليوم التالي كان هناك افتتاح لمبني ضخم نفذته الشركة وطلب مني عمي أن أذهب معهم ارتديت حلة سوداء عملية وأطلقت خصلاتي الغجرية وراء ظهري
ونزلت لهم ما أن رآني طارق حتى صاح غاضبًا: إلى أين يا نور؟
قلت له ببرود: ذاهبة معكم.
- قررتِ بمفردك.
أجبته بضيق: لا، إنها أوامر عمي.
جاء عمي وما أن رآني حتى قال: ما شاء الله، كالبدر في ليلة تمامه.
- اصعدي وغيري تسريحه شعرك.
قالها لي طارق غاضبًا
- لا لن أفعل.
صاح هادرًا كالرعد: ماذا قلتِ؟ أعيديها لو تستطيعين.
- لا لن أفعل.
وركضت لأختبئ وراء عمي.
قال طارق غاضبًا: يا حاج لن أخرج معها هكذا، يكفي أنها ستأتي لتكون حديث الجميع، أتأتي هكذا مطلقه شعرها؟ لا هذا كثير عليّ يا حاج لا أحتمل..
ضحك عمي وطلب مني أن أجمع شعري فجمعته في ذيل حصان
لكن لم يعجب طارق وكان يسير متبرمًا اسمعه يخاطب عمي قائلًا: قلت لك اجعلها تتحجب.
- ليس الآن يا طارق صبرًا.
افتتحنا المشروع والتقط المصورون لنا العديد من الصور كنت خائفة،
لأني أعلم أن الصور ستنشر في الجرائد وخشيت أن يراها رجال ضرغام،
طمأنني عمي: أتخافين وأنتِ ابنه النجار؟!
عدنا للفيلا وذهبت للنوم فورًا فقد كنت منهكة القوي، في الصباح استدعاني عمي لمكتبه: نور أنت لم تتربي وسطنا ولا تعلمين عاداتنا لكن ستتعودين وتعلمين،
أنت وطارق مقدران لبعضكما من يوم ولادتك، هذه عاداتنا لم تغيرها الأيام ولن تغيرها، بنات النجار لأولاد النجار.
لم أعرف ماذا أقول؟ هل أعترض؟ وهل يحق لي الاعتراض من الأساس
لن أغضب عمي: كما تأمر يا عمي.
فأردف: طارق هو الذي يدير ممتلكاتك، وكما رأيتِ يديرها على أكمل وجه ولم يقصر أبدًا وهذا الحال سيستمر، أرباحك توضع في حسابك دائمًا، زواجك من طارق بعد شهرين، أستطيع أن أزوجكما منذ الغد، لكني أعطيكما فرصه لتتقاربا، وتعتادي قليلًا على طارق، سنعقد القران غدًا وإتمام الزفاف بعد شهرين.
ونادى على من بالفيلا وأعلن الخبر، وانطلقت الزغاريد والأعيرة النارية مصاحبة لدخول طارق الذي اقترب مني قائلًا: مبروك.
في مساء اليوم التالي عقد قراني على طارق بحضور أكابر النجع
بعد عقد القران، قبلني طارق من جبيني قبلة اهتز لها جسدي كله فأنا لم يقربني رجل من قبل أو حتى يقترب مني كنت دائمًا أمنيهم بالإقتراب ولا أدعهم يقتربون مني أبدًا.
بعد أن جلسنا سويًا لتناول عشاءنا احتفالًا بعقد قراننا قال لي طارق
: أصبحت الآن زوجتي يا نور، ما يفرحك يفرحني ما يسوئك يسوئني، لا تخافي أبدًا ولا تحملي للماضي همًا.
في الأيام التالية أخبرت طارق بكل ما يحمله الماضي، فلقد طلب عمي مني ذلك، راجعنا معًا كل من نصبت عليهم أو آذيتهم يومًا وكان طارق وعمي يصحباني لهم ورددنا لكل ذي حق حقه مع تحذير بالغ الشدة والخطورة من عمي بأن لا يتذكر حتى أحدهم اسمي وكأنهم لم يقابلوني يوما.
في أحد تلك اللقاءات كنا ذاهبين لمقابله شاكر الجزار أحد من نصبت عليهم، ولسوء حظه هو، رآني على باب الشركة وتوجه مسرعًا إليّ، ماسكا بيدي ليقبض عليّ، لم أشعر إلا بهذا الرجل وهو يطير مسافة لا بأس بها بفعل اللكمة التي تلقاها من طارق، عقابًا له على إمساك يدي، وطار مع طيران جسده عدد من أسنانه، ولكن طارق اعتذر له بعد ذلك وعوضه.
كنت سعيدة جدًا بغيرة طارق وحبه الذي يظهر يومًا بعد يوم.
أما أنا فارتديت الحجاب وعلمتني أمي الصلاة، فكنت لا أترك فرضًا ولا سُنه كنت أقرأ الكثير من القرآن داعيه الله أن يغفر لي، طارق كان طيبًا جدًا معي، مسرورًا من تغيري وطاعتي والتزامي.
لم أعرف أبدًا طعمًا للسعادة كما فعلت مع طارق، كان حنونًا لأبعد الحدود، نظراته لي كانت تحملني فوق السحاب، كنت أعد الأيام لأصبح زوجته وهو أيضًا حتى أنه طلب من عمي تعجيل موعد الزفاف.
فوافق عمي قائلًا: كنت أعلم أنك لن تصبر.
في الاحتفالات السابقة للزفاف علمت لما كانت بدرية لا تطيقني، بدريه كانت تحب طارق، والكل كان يري ذلك في تصرفاتها وعندما تأكدت من زواجنا الذي سيتم لا محاله، مرضت لفترة ثم أعلن والدها خبر تزويجها، ما دام فقد الأمل في زواجها من طارق، كان عُرسها قبل أسبوع من عُرسنا.
تزينت وارتديت فستان سواريه تحت الملس، فستان أحمر مخملي يصف جسدي جيدًا فانبهرت بي النساء جميعهن ورقصت احتفالًا بالعروس التي كانت تتمني موتي، حتى تحدثت النساء كلها عن مدى حظ طارق بي، وغادرت مبكرًا مع أمي، ولحقنا طارق وعمي، لأجد طارق يتطاير من عينيه الشرر وغاضبًا جدًا، فلقد سلمت عليه أم بدرية وتمنت له السعادة مع القاهرية التي ترقص أحسن من راقصات البندر.
كنت لم أبدل ملابسي بعد، تسمر طارق أمامي عندما رآني بالفستان لكنه تمالك نفسه وقال وهو يعض على أسنانه: أقسم بالله إن كررتها ورقصت في أي تجمع نسائي مرة أخرى، فستنالين عقابًا لا تعرفين مداه يا نور، تحشمي، هذا ما كان ينقصني أتزوج راقصة.
نهره عمي: تأدب يا ولد.
فاعتذر طارق كاتمًا غضبه وتركنا وغادر
أمي كانت تضحك وتقول: يغار عليكِ.
بعد قليل طلب حضوري في الحديقة
نزلت للحديقة متصنعة الضيق: ماذا تريد من الراقصة؟
ابتسم مقتربًا مني: هل ما زلت غاضبة؟ أنا آسف لكن لم أحتمل يا نور، أغار عليك من نفسي، عديني أنك لن ترقصي أبدًا إلا أمامي، لي وحدي وأنتِ بين ذراعي.
وأحاطني بذراعيه واقترب من شفتي وكاد يقبلني
فابتعدت عنه وأنا أضحك، مع أني كنت أتقد شوقًا له، لكن أردت أن ألقنه درسًا
وقلت: لا ليس قبل الزفاف.
فقال متبرمًا: حسنًا لن تفلتي مني.
وركض خلفي ونحن نضحك
فقابلنا عمي الذي قطب حاجبيه قائلًا: تحشما.
وانصرف كل منا لغرفته.
استمرت مراسم العرس أسبوع، تقام الولائم ويرقص الخيل وتجتمع النسوة، بالطبع رفضت الرقص مرة أخرى.
طبعًا أمي كانت تضحك وتخبرهم برفض طارق قائلة: إنه يغار عليها حتى من النسوة.
قبل الزفاف بيومين جاءت مستكة تخبرنا أن هناك منتقبه بالأسفل تريد مقابلتي
نزلنا فوجدت صوتًا مألوفا لدي يقول: أريدك في أمر هام.
ونزعت النقاب فوجدتها سناء
ففزعت في البداية، احتضنتني ثم قالت: لا وقت للأحضان، ضرغام حي يرزق وعلم بمكانك، ومصمم على أخذك من هنا، وإلا سيقتلك، لقد استطعت الهرب بمعجزة لأخبرك لكي تأخذي حذرك.
دخل طارق علينا وأخبرته فقال: ولماذا لا تكون هذه الفتاه شريكة معه، وتعاونه؟ قالها بطريقه يُحقر فيها من سناء
قلت له: لا يا طارق، أنت تعلم قصتي أنا كاملة، لكن لا تعرف قصه سناء، أنا أؤكد لك صدقها.
فرد مجبرًا: حسنًا، لتبق سناء لدينا ضيفة معززة مكرمة وأتمنى يا آنسه سناء..
قاطعته سناء قائلة: مدام من فضلك.
فرد متأففًا: حسنًا يا مدام سناء، أتمنى ألا يصدر منك أي فعل يسيء إلينا، فأنتِ في ضيافتنا محسوبة علينا.
ردت بامتنان: لا تحمل همًا، أنا لا يمكن أبدًا أن أؤذي وردة، أقصد نور.
حل يوم الزفاف، ارتديت فستان زفافي، مذكرتي الغالية، اليوم سأزف لمن سكن القلب، مع أنها كانت مدة قصيرة، إلا أنني أشعر حقًا أني قُدرت له، إن روحي تكتمل فقط حين أكون بجواره...
إلى هنا انتهت مذكرات حبيبة القلب ونور حياتي
الباقي أتذكره أنا جيدًا وكيف لي أن أنساه
احتفلت نور مع النساء إلى أن دخلت لأصحبها لجناحنا وما أن رأيتها حتى تسمرت مكاني، الفستان مكشوف من الصدر على شكل قلب ملتصق بجسدها ينحته نحتًا منفوش من الأسفل كأنها حورية، شعرها رفعته قليلًا يحتله تاج ماسي وكأنها ملكة متوجة، أمسكت يديها وقبلتها من رأسها وحملتها صاعدًا بها لجناحنا، أنزلتها بالجناح، وأغلقت الباب مقتربًا منها راسمًا ابتسامة على وجهي
: لم يعد هناك من مهرب مني يا نوري.
فجأة سمعنا أصوات إطلاق نيران عنيفة متتالية ويرد عليها ليست كأصوات الاحتفالات التي اعتدت عليها، لأجد صوت لم أعرفه ولكن نور فزعت لسماعه
وتبدلت ملامحها، كان الصوت يصيح
- وردة أين أنت يا وردتي؟
ارتعدت نور: إنه ضرغام!
أمرتها بعدم الخروج ونزلت مسرعًا لكن لم تستطع أن تبقى أو تنتظر،
هبطت الدرج ورائي، فور أن رآها ضرغام صاح: عروسي الهاربة، تعود إليّ بفستان زفافها؟
وقال مادًا يده: هيا بنا لنذهب من هنا.
صحت أنا: على جثتي.
هتف ضرغام: إذن فليكن.
وصوب سلاحه نحوي، فوقفت نور حائلًا بيننا لتصيبها الرصاصة فداء لي،
اشتعلت غضبًا واستللت رشاشًا من أحد الرجال وأفرغته في صدر ضرغام والتفت لنور قائلًا: قتلته يا نور، ارتاحي الآن، لا تخافي.
وانحنيت عليها أضمها بين ذراعاي.
قالت بوهن: يبدو أنها النهاية يا طارق وهذه أفضل نهاية.
كانت الدموع تتساقط من عيناي: اصمدي قليلًا حتى نذهب للمستشفى.
التصقت بحضني: لا وقت لدي يا طارق، فقط أمسك بيدي اجعلني بين ذراعيك، ضمني، دعني أسمع نبضات قلبك، أحس بالبرد ضمني يا طارق.
ضممتها بقوة وقلبي يتمزق ألمًا ومن حولنا أمي منيرة وخالتها وسناء وأبي إنهم كل من تحب، جالت نور بيننا ببصرها وعينيها تحمل نظرة الوداع وقالت بصوت خرج ضعيفًا:
- يا الله أشكرك، لم أكن لأتمنى نهاية أفضل، وسط أهلي وبين ذراعي حبيبي، يا الله اقبل توبتي واغفر لي خطاياي ونطقت الشهادة.
وأغمضت نور عيناها للأبد
تمت بحمد الله

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
إحصائيات متنوعة

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↑1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة ياسمين رحمي
4↓-2الكاتبمدونة محمد شحاتة
5↓الكاتبمدونة اشرف الكرم
6↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
7↓الكاتبمدونة ياسر سلمي
8↓الكاتبمدونة حسن غريب
9↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
10↓-1الكاتبمدونة حاتم سلامة
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑58الكاتبمدونة خالد دومه56
2↑43الكاتبمدونة كريمان سالم70
3↑29الكاتبمدونة عبير محمد119
4↑23الكاتبمدونة غازي جابر79
5↑18الكاتبمدونة ياره السيد112
6↑15الكاتبمدونة آمال صالح21
7↑14الكاتبمدونة عبير مصطفى73
8↑13الكاتبمدونة عبير بسيوني173
9↑12الكاتبمدونة أسماء نور الدين83
10↑12الكاتبمدونة شيماء الجمل129
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1068
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب687
4الكاتبمدونة ياسر سلمي649
5الكاتبمدونة مريم توركان573
6الكاتبمدونة اشرف الكرم566
7الكاتبمدونة آيه الغمري492
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني422
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين416
10الكاتبمدونة سمير حماد 399

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب328545
2الكاتبمدونة نهلة حمودة184317
3الكاتبمدونة ياسر سلمي176064
4الكاتبمدونة زينب حمدي168338
5الكاتبمدونة اشرف الكرم126463
6الكاتبمدونة مني امين115748
7الكاتبمدونة سمير حماد 105385
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي96563
9الكاتبمدونة مني العقدة93479
10الكاتبمدونة مها العطار86756

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة عبير سعد2025-05-23
2الكاتبمدونة هاله اسماعيل2025-05-18
3الكاتبمدونة محمد عرابين2025-05-15
4الكاتبمدونة اريج الشرفا2025-05-13
5الكاتبمدونة هبه الزيني2025-05-12
6الكاتبمدونة مها الخواجه2025-05-10
7الكاتبمدونة نشوة ابوالوفا2025-05-10
8الكاتبمدونة كريمان سالم2025-05-10
9الكاتبمدونة رشا ماهر2025-05-09
10الكاتبمدونة مها اسماعيل 2025-05-09

المتواجدون حالياً

1606 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع