يجلس مسترخيًا، يعانق هدوء البال وراحة الجسد، بينما يتحد مع تلك الخبيثة الملتصقة بين إصبعيه تلثم شفتاه لينساب دخانها مخترقًا رئتيه، مذيبًا جدارهما بينما تلك الابتسامة البلهاء مرتسمة على محياه وشعور الفخر يغزو جنبات روحه الخاوية،
بينما طفلتيه في المنزل تتوقان للقمة تسد رمق الجوع الذي ينهش معدتيهما فيجعلهما تقرقران في غير هوادة و تلك الجالسة تحتضنهما تبث في نفسيهما الطاهرتين الصبر وتمنيهما بقدوم ذاك المسمى والدًا لهما محملًا بما لذ وطاب بينما عقلها يرسم الآمال في ذلك العمل الذي نالته بشق الأنفس بأن تكون جليسة لسيدة مسنة لكي تعيل صغيرتيها وتوفر لهما ما يسد الرمق.
سحب الليل عباءته التي كانت تغطي الكون وتوارى معلنًا فوز خيوط الضياء، بينما يدخل هو منزله لتطالعه تلك التي ما زالت على سجادة الصلاة في لوم يحتل عينيها ليبادر بتبريرات لا تمت لضيق الحال ولا تناسبه.
لم تعد تستمع لما يقول أو تهتم له كل ما يشغل عقلها جوهرتيها وكيف ستعيلهما فكل ما يصل ليديه ينفقه على جلسته مع أصدقاء السوء سواء على المقهى أو في تلك الجلسات المستمرة لانبلاج الصباح، بينما يطالبها بأن تتحمل مسؤولية الفتاتين فهي من أنجبتهما.
دخلت تعيد تذكير صغيرتيها بتعليماتها بعد أن استعارت من الجيران رغيفين من الخبز وقطعة من الجبن لتحتال بهما على جوعهما. همست لهما همسًا بمكان الخبز والجبن خوفًا من أن يسمعها فيجهز عليهما ويترك الصغيرتين بلا طعام فهو لا يبال بهما.
عادت من عملها في السابعة مساء لتجد انه مازال نائمًا لم تبال به أطعمت الصغيرتين ما جادت به عليها السيدة من طعام وهي مسرورة بتلك الابتسامة المرتسمة على وجهي الصغيرتين،
لتنغص تلك الطرقات عليها سرورها،
ها قد وصل داعي السوء ورفيق الشيطان ليوقظ وليفه،
أخبرته أن يتحلى بالصبر ريثما توقظه
استيقظ وخرج ومرت الليلة ليعود في الصباح محمولًا على الأعناق؛ لقد قضى نحبه في عراك.
لم تصرخ أو تبكِ كذلك الصغيرتين لقد شعرت بالراحة،
حاولت ألا تفكر في الهموم القادمة وجلست على الأرض تحتضن الصغيرتين في شعور بالراحة؛ جعل النشوة تسري في أوصالها بينما الكل حولها يواسيها بصوت كان يقتحم مسمعيها وكأنه صوت زغاريد عرس.