دخل الرجال غرفهم
وكان عمار في غاية السرور فهكذا سيتزوج زهرة التي يحبها والتي كان خائفًا أن يزوجوها من رضوان فوجود المصراوية حل المشكلة،
المهم الآن أن يكون ما في رأس الجد مماثلًا لتخطيط والده وجلس يصلي ويدعو أن تكون زهرته من نصيبه.
رضوان لم يكن يهمه من سيتزوج المهم أن يتزوج.
أما جسار كان غاضبًا لماذا يتزوج هو بالمصراويه
ثم حدث نفسه (ما تعرفش راي الجد هيبجي ايه يا جسار)
في الدور الثالث...
دخلت وجيدة غرفتها في الجناح وحمدت الله أنه أقر قلب دياب وأن لديه أولاد.
وكذلك حسيبة شكرت الله أن دياب نجى من بطش والده، فهذا ما يهمهما ويشغل بالهما يكفي أن يكون دياب سعيدًا سالمًا فهما لم تريا منه إلا كل الخير
ولكن درية حية المنزل الرقطاء كانت النيران تأكلها وكانت تحدث نفسها
(متجوز يا دياب) وضربت على فخذيها
(يا بوي ده أنا اللي كنت باحط الدوا بيدي في وكل وشرب وجيده عشان ما تخلفش فأبوك يجوزك ليا آني، ولما جوزك حسيبه بردك عملت معاها أكده، واتجوزتك، بس ربنا ما رادش أني أخلف، ودلعتك وهننتك وجدت صوابعي شمع ليك، وكت وراك في كل حته تروحها عشان ما تبعدش عن نظري، تطلع متجوز لا وعنديك ثلاث عيال والله يا دياب لاحرج جلبك عليهم وعلى مرتك المصراويه وآني دريه واللي أحطه في راسي يتجال عليه يا رحمن يا رحيم)
وهكذا جلست درية تعقد جلسة مباحثات طارئة مع شيطانها ليتفتأ ذهنها عما ستفعله.
خرج دياب من القصر يتنفس الصعداء غير مصدق أنه قد نجا من بطش أبيه، غير متصور لما حدث، يلعن جبنه وتقاعسه عن الاعتراف بتلك الحقيقة التي أخفاها لسنوات طوال، يأكله ندمه على ما تسبب فيه لزوجته وأولاده، يضحك عليه شيطانه بباب "لو" فلو كان اعترف منذ زمان ما تكبد الشقاء ليغلق ذاك الباب بمشيئة الله وتوقيت القدر، فكل شيء بميعاد، استنشق نفسًا عميقًا، نفس الحرية والخلاص من قيود البعد والهجران، وزفره بقوة ليخرج معه آهات طالما سكنته، لم يكن حتى يجرؤ أن يبوح بها.
هاتف نوال بكل شوق:
- كيفيك يا حبة العين والجلب؟
- مش معقول! ده أنت لسه مكلمني من كام يوم مش مصدقه أنك بتكلمني تاني بسرعه كده، إيه الحاج جري له حاجه بعد الشر عنه.
ابتسم:
-أهي طيبتك وحنيتك دي اللي مخلياني دايب في عشجك دوب، لساتك بتسألي على أبوي وخايفه عليه مع كل اللي إحنا فيه بسبب خوفنا منيه.
- يا غالي ده الحاج الخير و البركه، أبوك وواجب عليك تراضيه، وما تزعلوش، وهيجي يوم بإذن الله ويرضى عننا وآوان البعاد ينقضي، بس كله بأمر الله لسه الميعاد ما جاش.
- خلاص يا نوال زمن البعاد خلص، آني جايلك.
- إيه جايلي! طب احلف، إزاي؟ هي مراتك مش جايه معاك سابتك إزاي؟ هي عيانه وإلا إيه؟
- واللي خلج الخلج جاي، ومش إكده ده أنا عاكلمك وآني في الطريج، آني جلت لأبوي على كل حاجه وهاتيجوا تعيشوا معاي.
لم تصدق ما سمعته أذناها:
- بجد وإلا بتهزر.
- وده موضوع نهزروا فيه خبري العيال إني جاي.
انتهت المكالمة وهي غير مصدقة، أيعقل أنها تحلم، لا لم تكن تحلم لقد هاتفها فعلًا، إنه حقًا قادم، أيعقل يا الله أن يكون آوان اللقاء الدائم وسكينة القلوب قد حانا، ولكن كيف ذلك؟ ما الذي حدث؟ كيف سيأخذهم؟ هل وافق الحاج فارس؟ وكيف ستكون حياتهم هناك؟
دخلت دلال من الباب متجهمة الوجه ويبدو عليها الغضب
أخرجها ذاك التجهم والغضب المرسومين على وجه ابنتها من دهشتها وتعجبها وتساؤلاتها التي لن تجد إجابتها سوى عند زوجها، لتقول:
- إيه يا بت بطني مالك؟ بتتخانقي مع دبان وشك ليه؟
- ولا حاجه يا ست الكل انطردت من الشغل ومن بكره هالف السبع لفات عشان أدور على شغل تاني، ويا عالم بقي هالاقي شغل امتى، ربنا يتولانا.
ضحكت نوال:
- مش مهم، خلاص مش مهم، أيام الشقى والبهدله راحت خلاص.
في هذه اللحظة دخل سامي ولطفي
بينما تنظر دلال لوالدتها بحيرة من ردة فعلها المعاكسة تماما لذلك الخبر الذي ألقته على مسامعها:
- مالك يا ماما للدرجة دي الخبر صدمك ومش عارفه تعبري فبتضحكي، باقولك انطردت.
فابتسمت نوال:
- طب قوليلي الأول، انطردتي ليه؟
جلست على الأريكة قائلة:
- ما هو اعتبريني انطردت، صحيح أنا مشيت بمزاجي بس كان لازم أمشي، بدل ما يمشوني هم، اسمعي يا ستي، سياده البيه ابن المدير فاهم اكمني فقيره هارضى أبيع نفسي ليه وهددني إنه هيتهمني بالسرقه لو ما طاوعتوش، فكل اللي عملته إني فكرته إن المحل مليان كاميرات وشغاله وبما إنها شغاله فأنا عاوزاها تصور مشهد حلو، وبصيت للكاميرا وبأعلى صوتي قلت الكلام اللي هو قاله عشان أبوه يشوفه ما أنا كنت عارفه إنه في الدور التاني ولازق في الكاميرات يراقب، وبعدين يا ست الكل قلعت الشبشب واديته فين يوجعك والناس خلصوه مني بالعافيه ومشيت.
احتضنها سامي ولطفي:
- عشت يا دودوو احنا هننزل دلوقتي نكمل عليه هو فاهم إن بنات الناس لعبه.
احتضنتهم نوال:
- هي دي تربيتي، أبوكي لما يعرف هيفرح بيكي، أول ما يوصل هاقوله.
- لا إله إلا الله ، مالك يا ماما، مين اللي هيوصل؟
ردت نوال بثقة:
- أبوكي يا عيون ماما.
فتحت دلال عيناها اندهاشًا:
- بتهرجي!
وصاح لطفي وسامي فرحًا
فابتسمت نوال:
- أيوه افرحوا يا ولاد، مش بس كده أيام الشقى والتعب راحت خلاص، هتبقوا في حضن أبوكم على طول، وهتعيشوا وتتنعموا بعز جدكم.
تشبثت دلال بذراعها كطفلة صغيرة:
- ماما وربنا بتتكلمي جد!
فقالت نوال:
- ودي حاجه فيها هزار، يالا بقي جهزوا هدومكم وحاجتكم.
ردت دلال:
- يا ما انت كريم يا رب، بس يا قلبي هدوم إيه اللي هناخدها معانا، هو احنا عندنا هدوم تنفع عند الناس الكبره دول؟
فوضعت نوال يدها على ذقنها متسائلة:
- صح يا بنتي ده احنا هنبقي وسطيهم شكل الخدامين، لما أبوكي يجي نقوله ونشوف هيعمل إيه؟
انشغلوا في تحضير الطعام وترتيب المنزل كي يكون ملائمًا لاستقبال الغالي الذي طال انتظاره، يتوسلون لتلك الدقائق أن تهرول حتى يحين موعد اللقاء، كل منهم يمني نفسه بالقادم، ويبني قصورًا من الأحلام.
دق جرس الباب
هرولت نوال مسرعة تستبق الكل، لتفتح الباب وتلقي بنفسها بين ذراعي حبيب الروح، تروي ظمأها لتلك الضمة التي طالما اشتاقت لها، كحاله هو الآخر شعر أن روحه قد ردت له وعادت تسكن جسده، الآن فقط أحس بأنه كامل، سيطر على مقاليد شوقه، وكبح جماح رغبته بها، وهمس بأذنها قائلًا:
- عاشجك كيه أول يوم، كفايه جدام العيال إكده.
ترقرقت الدموع في عينيها مبتسمة وتركت حضنه
ليفتح ذراعيه ويحتضن ولديه قائلًا:
- واه بجيتو رجاله طولي ربنا يحميكم يا سندي وعزوتي.
وأخذ الصبيان في تقبيله واحتضانه.
أخذ يضحك قائلًا:
- طب هملوني أسلم على ست البنته، وإلا أنتي ما رايداش تسلمي عليّ يا حبه جلب أبوكي.
كانت تقف تراقبهم، وهي تدعو الله ألا يكون حلمًا كسائر أحلامها التي طالما تمنت فيها وجوده وسطهم، لكنها حقًا لا تحلم، إن وجوده الآن بينهم حقيقة واقعية، إنه حقًا يقف هناك والدها الوسيم زينة الرجال الذي طالما منت نفسها بحضنه لها و بقربه منها، بالرغم من أنها كانت تظهر غير ذلك لغضبها منه، فلماذا لا يعطيها و أخويها حقهم فيه،؟ لماذا يحرمهم من قربه وحنانه وأمانه وماله؟ كانت قدماها متيبستين لم تقو على الحراك، كان يشعر بها وبكل ذلك الاضطراب المعتمل في صدرها ليقترب منها محيطًا إياها بذراعيه لتنفجر في بكاء هستيري.
ربت عليها:
- ليه البكا عاد والله ما أفارجكم تاني واصل يا بتي.
بصوت متهدج من أثر البكاء قالت:
- أنت مش عارف أنا كنت محتاجاك قد إيه ولا أنا كان نفسي في الحضن ده إزاي.
احتضنها بشدة:
- خلاص يا بتي زمن الفراج ولى ومهيعودش تاني، يالا بجي أني جعان جوي، الطريج طويل وما رضيتش أحط الزاد في خشمي إلا معاكم.
ردت نوال:
- ثواني والأكل يبقي قدامك.
تساءل دياب:
- عتوكليني إيه يا ست الستات؟
- لقمه كده على ما قسم مسقعه ورز بشعيريه.
- لا، أول وكل لينا سوا ما يبجاش من غير زفر، إلبسي خلجاتك انتي والعيال هنتعشوا بره بسرعه آني واجع من الجوع.
دخل الأولاد لتبديل ملابسهم لينظر دياب لـنوال نظرة تفيض شوقًا واقترب منها قائلًا:
- همي غيري خلجاتك بسرعه.
فقالت بدلال:
- تعالا معايا.
فرد بكل رغبة:
- آني لو جيت معاكي مش ههنطلعوا، ادخلي.
وجلس في الصالة إلى أن ينتهوا،
أخذ يتأمل الأثاث البالي والدهان المتقشر والشروخ التي ترسم لوحات سيريالية في الجدران، ويتحسر على ما فيه أولاده، دخل المطبخ ليجد صينية المسقعة، وحلة الأرز بالشعيرية تتربعان على عرش الموقد، فتح الثلاجة المتهالكة ولم يجد فيها إلا طبق الجبن والقليل من الطماطم ولم يجد بها أي لحوم أو دواجن.
أخذ يلعن نفسه وتجابنه فلو كان قرر إخبار والده منذ زمن ما كان أولاده عاشوا في هذا الفقر المدقع.
خرج الولدان من غرفتهما نظر لهما دياب نظرة مطولة وصمت واحتضنهما.
خرجت دلال ترتدي بنطلون من الجينز الأسود وبلوزه قصيره باللون الأحمر.
فتجهم وجهه:
- أنتي عتخرجي إكده؟
نظرت لنفسها:
- أيوه يا بابا يا سكر ده أنظف طقم عندي والله.
خرجت نوال ترتدي عباءة سوداء تبدو جديدة قائلة:
- أهو لبست لك أجدد حاجه عندي، العبايه دي عبايه العيد الصغير بتاع السنة اللي فاتت كنت عايناها لو جالنا مناسبه يعني، بس ما فيش مناسبه أحلى من دي.
لاحظت تجهمه فسألته:
- إيه يا أبو الرجاله مين قلب مزاجك؟
رد محتدًا:
- اللبس بتاع بتك ده ما ينفعش واصل، لافيها عبايه حشمه من عنديك لحد ما نشترولها لبس حشمه.
نظرت دلال له متعجبة:
- عبايه هاخرج معاك بعبايه!
فقال ممسكًا أذنها:
- يا بت نوال كل اللي فات تنسيه كنه ما حصلش، من النهارده كله هيبجي حاجه تانيه، البسي عبايه من عند أمايتك، وهنزل في السريع إكده نشتروا لكل واحد فيكم طجم جديد قبل ما نروحوا ناكلوا وبكره نكملوا.
صاح الكل فرحًا
فاستطرد:
- اللي ليه حاجه ضروريه اهني يجيبها، احنا مش هنباتو هنيه وجيبوا أوراجكم المهمه.
تساءلت نوال:
- أومال هنبات فين؟
وضع ذراعه عليها:
- في أحسنها فندج في البلد يا روح الروح.
تعالت أصوات الصياح من السعادة
ليضع يديه على أذنه ضاحكًا:
- بس عاد صنجتوني.
ثم قال لـنوال:
- هاتي مفتاح الشوجه عشان نسلموها لصاحبها.
فردت:
- حاضر من عنيا.
وجمعوا ما يحتاجون، وأغلقوا الشقة وتوجهت نوال للشقة المقابلة فهي شقة صاحب المنزل، فتحت لها الباب روحية زوجة صاحب المنزل
بادرت نوال بالسلام:
- السلام عليكم.
ردت روحية:
- أهلا نوال، إيه يا حبيبتي جايه تدفعي المتأخر اللي عليكي.
فلمحت دياب لتقول:
- ومين البيه ده يا اختي، انتوا تعرفوا الأشكال النظيفة دي منين؟
تأبطت نوال ذراع دياب قائلة في زهو:
- ده البيه دياب جوزي اللي كنت باحكيلك عليه وتقوليلي كدابه.
عقدت الدهشة لسانها ثم تغلبت عليها لتقول:
- اللهم صل علي النبي اتفضل يا بيه اتفضل.
وفتحت الباب على مصراعيه
رد دياب:
- نادميلي على جوزك.
ضيقت عينها وقطبت جبينها متعجبة:
- نا.... إيه يعني إيه؟
فقالت نوال موضحة:
- روحي اندهيلي الحاج خضر، وخلصينا.
فردت روحية:
- طب شرفنا جوه يا سعادة الباشا.
فرفع كف يده بأن لا:
- معهلش في وجت تاني مستعجلين ورانا مصالح هنجضوها.
فأدارت روحيه رأسها للداخل وصاحت:
- يا خضر، يا خضر تعال كلم سعادة الباشا.
ليطل خضر متعجلًا وهو يرفع بنطلون بيجامته الكستور لكيلا يسقط منه مستفهمًا:
- سعادة الباشا مين؟ هو احنا نعرف باشاوات يا هابله؟
وما أن رأى دياب حتى تهللت أساريره وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة كشفت عن أسنانه التي نخرها السوس وتساقط معظمها ليقول والفضول يحتله عن سبب تشريف هذا الثري له:
- اتفضل يا باشا أيتها خدمه، أؤمرني.
فلكزته روحيه بمرفقها في جانبه:
- ده البيه جوز نوال جاي يدفع المتأخر.
فحك رأسه كأنه يتذكر مقدار ما تدين له به:
- وماله متأخر على الست نوال إيجار ثلاث شهور، وأنا والله يا باشا ما كنت بكلمها ولا بطلبهم.
نظرت له نوال نظرة معناها أيها الكاذب
تأفف دياب مخرجًا محفظته الجلدية:
- رايد كام يعني المبلغ كلاته جد إيه؟
ففرك يديه استعدادًا لامساك النقود ألف وميتين جنيه يا باشا.
فعد دياب النقود وناوله إياها:
- اتفضل آدي الجرشينات وآدي مفتاح الشوجه مش لازمنا وكل اللي فيها ما يلزمناش اتصرف فيه وبيعه وطلع ثمنه لله.
لتضيف نوال:
- بس خشي بسرعه خدي الأكل اللي على البوتجاز، صينيه مسقعه وحله رز بالشعيريه يستاهلوا بقك.
لينزلا الدرج تاركين خلفهما روحية وخضر غير مصدقين.
أغلقت روحية الباب والسرور يعتريها:
- هنجيب بتاع الروبابيكا الصبح ونبيع كل حاجه وهنطلع بقرشين حلوين.
وافق خضر على كلامها وهز رأسه:
- قال نطلعهم لله قال ما إحنا برضه لله.
وأخذ يضحك حتى اهتز كرشه.
خرجوا من مدخل المنزل ليجدوا "حوده" الميكانيكي واقفًا أمام السيارة الفارهة (بارادو) من تويوتا ذات الدفع الرباعي واضعًا يده على الباب، ليمنع دياب من الركوب قائلًا:
- لا معلش ما فيش ركوب إلا لما أعرف أصل العباره إيه.
ونظر لنوال قائلًا:
- إيه يا أم دلال، مش أنا طالب منك إيد السنيوره، إيه هتجوزيها لثري عربي بقى وتعيشوا وتديني صابونه، ده أنا كنت مشغل الواد سامي والواد لطفي مكرمه بس عشان خاطر عيون دلول اللي عليها العين، إيه هتخلوا بيا وتزحلقوني، ده ما يحصلش أبدًا دي فيها حق عرب.
تضايقت نوال وعلت نبرة صوتها:
- إيه يا حوده هو أنا كنت عشمتك بحاجه، وإلا قلت لك شور البت في إيد أبوها لما يبقى يرجع.
هز رأسه مصدقًا على كلامها:
- تمام يا ست الكل وأنا مستني أبوها، أومال مين بقى الثري العربي ده؟ وراحين معاه على فين؟
فأمسكه دياب من تلابيبه قائلًا بغضب:
- الثري العربي ده يبجي أبوها، وبتي اسمها دلال هانم مش دلول، وولادي اسمهم سامي بيه ولطفي بيه، وتعتبر أنك لا شفتهم ولا عرفتهم جبل سابج.
فحاول حوده تخليص نفسه:
- أنا مش فاهم حاجه ومش راكب في دماغي الكلام ده.
قالت نوال:
- امشي من هنا يا حوده، لو حطك في دماغه هيبهدلك إنت مش عارف إنت بتكلم مين؟
حاول حوده تصنع القوة:
- أنا ما يهمنيش حد!
وأخرج سلاحًا أبيض من جيبه الخلفي
فعاجله دياب بلكمة قوية أسقطته أرضًا وركب الجميع السيارة
ونوال تضحك قائلة:
- حوش اللي وقع منك.
وقاد بهم دياب خارج الحارة ملقين وراء ظهورهم أيامًا لم يروا فيها إلا الشقاء والفقر المدقع ممنين أنفسهم بالراحة القادمة.
وصلوا أمام أحد المولات المليئة بالماركات العالمية
أدخلهم دياب إلى أحد المحلات التي يعرفها ويتعامل مع مالكها دائمًا.
فور رؤية ماجد مالك المحل لدياب هب من جلسته فرحًا:
- يا أهلًا وسهلًا بالعمده الغالي أؤمر يا باشا، نورتنا المحل كله تحت أمرك.
- أخبارك إيه يا ماجد؟ رايدين خلجات زينه، أحسن خلجات عنديك، طجم لكل واحد من عيلتي الحلوه دي وبكره نكملوا الباجي.
نظر البائع لهم متعجبًا كيف تكون هذه الأشكال عائلة هذا العمدة؟! لكنه بالطبع نادى على عماله وأفهمهم مركز دياب، وأن يتعاملوا مع العائلة معاملة طيبة، تعجب العمال أيضًا لكن هذا عملهم.
قال دياب بصوت مرتفع وهو يجلس بجوار ماجد:
- عبايه يا دلال، عبايه.
ضحكت دلال:
- حاضر يا كبير اللي تؤمر بيه على راسي.
وخرج الجميع بملابس جديدة ووضع دياب الملابس القديمة في كيس ونادى على عامل الجراج وأعطاها له ومعها مبلغ من المال.
أتبع العامل ذلك الفعل بدعوات له ولعائلته بالسعادة والستر والصحة.
ابتسم دياب فرحًا واستقلوا السيارة لمطعم يحبه ويقدم أفخر أنواع المشويات وتناولوا عشاءهم في سعادة بالغة، ثم أخذهم لفندق شيراتون الذي يرتاده دائمًا وحجز للولدان غرفة ولدلال غرفة وغرفة له ولمحبوبته نوال، ثلاث غرف متجاورات.
صعد كل منهم لغرفته ونبه دياب عليهم بأن أي شيء يخطر على بالهم فليطلبوه فورًا من خدمة الغرف
- كل اللي نفسه تشاوره على حاجه يطلبها يا عيال.
ودخل أولاده إلى غرفهم، انتظر إلى أن أغلقوا أبوابهم وفتح باب غرفته، همت نوال بالدخول فأمسك يدها: -على فين يا عروسه؟
ضحكت بنعومة:
- داخله الأوضه.
غمز بعينيه:
- كده لحالك ما يصوحش.
وحملها ودخل الغرفة وأغلق الباب بقدمه
وأجلسها برقة على السرير:
- يا بوي مشتاج يا نوال، مشتاج والشوج جاتلني.
ردت بخجل:
- طب ... أنا ... مش جاهزه.
تقطب جبينه:
- أباه، معذوره إياك.
- لا بس .... مش جاهزه يا ديب.
ضحك ضحكة عالية:
- ما يهمش اجهزي بعدين آني ما جادرش، بسم الله.
وخلع جلبابه وانقض على السرير ليعزف على قيثارة الرغبة والشوق، ويحاول إرواء عطشه الشديد لها الذي استبد به حتى لكأن روحه أضحت صحراء جرداء، لكنه الآن يرويها بكل حب وشوق، أخيرًا حانت لحظة لقاء الأحبة، أخيرًا سيكمل نقص روحه وهي بين ذراعيه، حتى أنهكهما اللقاء وتوسدت صدره ليغطا في نوم عميق لم ينعما به منذ مدة طويلة جدًا، أخيرًا استعادت شعورها بالأمان والسكينة، أخيرًا شعرت باستقرارها بجوار مليك فؤادها.
استيقظت نوال فوجدت الظهر قد ولى والساعة اقتربت من الثالثة عصرًا،
ابتسمت وهي تنظر لرفيق روحها بحب ثم قالت:
- دياب يا ديبو، اصحي بقي بلاش كسل، اصحي بقي.
ضحك دياب: حد يبجى في حضنه الجمر ده ويصحى، آني بالشكل ده ما هاصحاش آني هادسك في حضني إكده وناموا تاني.
- لا اصحي بقى العيال زمانهم صحيوا من بدري يقولوا علينا إيه؟
- يجولوا إن أبوهم مشتاج لأمهم ورايد يطفي الحريجه اللي في جلبه.
ضربته ضربة خفيفة:
- اتلم يا راجل بقى يالا فوق كده وخذ لك دوش.
تجهزا وهاتفا الأولاد في غرفهم ليستعدوا، ليتقابلوا أمام باب الغرفة
فقال دياب وهو يحتضنهم:
- ها شجيتوا ريجكم يا ولاد وإلا لساكم على عشا إمبارح.
قالت دلال بغير فهم:
- عملنا إيه يا بابا؟
ضحكت نوال:
- قصده غيرتوا ريقكم فطرتوا يعني.
ابتسمت دلال:
- آه طلبت فطار الصبح.
ضحك سامي:
- إحنا كمان فطرنا لا مش فطرنا، ده لطفي باشا ما بطلش أكل من امبارح.
رفعت نوال حاجبيها:
- ما بطلش أكل من امبارح، ليه يا ابني انت كان لسه في بطنك مكان ده انت إمبارح واكل أكتر من كيلو كباب وكفته لوحدك غير البطاطس والطحينه والسلطات، نفسي أعرف بتودي الأكل ده فين؟!
ضحك لطفي وهو يفرك بطنه:
- يا نونو يا عسل السهره طولت بقي قدام القنوات إمبارح وكنت باتسلى.
قال سامي ممسكًا لطفي من كتفيه:
- تتسلي يا مفتري، ده طلب من المطعم يبعت يجيبله بيتزا من بيتزا هت حجم عائلي بمستلزماتها، وصحي من النوم محسسني إنه ما كلش بقاله سنه وطلب برجر، ومش هاجيب سيرة الشوكلاته اللي كانت ماليه ثلاجة الفندق واللي الحمد لله اتنسفت.
أخذ دياب في الضحك حتى دمعت عيناه:
- سبحان الله كيه جدك الكبير لطفي الله يرحمه كان على طول جعان ولا يبانش عليه الوكل، وأنت يا سامي كيه جدك الكبير سامي لجمته قليله.
قالت دلال وهي تتشبث بذراعه:
- وأنا بقى زي مين؟
فاحتضنها قائلًا:
- انتي يا حبه عين أبوكي كيه جدتك دلال زينه وما فيش في حلاوتها ولا جمالها ولا عجلها، وبما إن الكل فطر يبجوا يالا بينا نلحجوا وجتنا ونشتروا طلباتكم.
أخذوا في شراء كل ما خطر على بالهم من أفخر الثياب وكل ما يلزمهم كما اشتروا حقيبة كبيرة لكل منهم وضعوا بها ما اشتروه.
نبه دياب جيدًا على دلال أن البيجامات التي اشترتها للنوم فقط ولا تفكر في إرتدائها خارج غرفتها قائلًا: -الجصر فيه شباب وخدامين، جدك يجتلك لو شافك إكده.
فرفعت يدها بالتحية العسكرية:
-حاضر يا بابا أوامرك.
أسبوع مر عليهم يتسوقون ويمرحون ويفعلون كل ما تمنوه يومًا ما أو خطر على بالهم، وهاتفوا الجد ليعلموه أنهم في الطريق