آخر الموثقات

  • المتحدثون عن الله ورسوله
  • قصة قصيرة/.المنتظر
  • قصتان قصيرتان جدا 
  • سأغير العالم
  • كيف تعلم أنك وقعت في الحب؟
  • التأجيل والتسويف
  • فأنا لا انسى
  • احترام التخصص
  • 2- البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب
  • يعني إيه "الاحتواء"؟
  • يا عابرة..
  • رسائل خلف السحاب
  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  • إيران من الداخل بعد الحرب.. 
  • معضلة فهم الحرب على إيران
  • نصر سياسي ايراني
  • قصة قصيرة/ وصاية الظل
  • ق ق ج/ سرُّ الشجرة والقوس
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة نشوة أبوالوفا
  5. أمل - رواية

الفصل الأول

في بلدة ريفية بقرية من إحدى قرى محافظات الدقهلية تحديدًا قرية كفر عبد المؤمن، أشرقت شمس دافئة تنثر أشعتها على الحقول المرتدية فستانها الأخضر، المتمايلة مع مداعبات نسمات الهواء وتلك الأشجار التي تهتز طربًا لزقزقة العصافير الطالبة لرزقها، فتحت الحاجة أم هاشم كما تُلقب، أبواب نافذة غرفة ابنتها أمل، تحثها على النهوض لتناول إفطارها قبل ذهابها للمدرسة، فأمل طالبة بالسنة النهائية بالمرحلة الثانوية، تململت أمل في فراشها وعادت للنوم ثم تذكرت المدرسة، فأزاحت ذلك الغطاء الذي كان يعانق جسدها وأبعدته في كسل متثائبة، وأبعدت خصلات شعرها الحالك السواد شديد التشابك من على جبينها ومددت ذراعيها محاولة إبعاد آثار النوم من جسدها ونزلت من على سريرها مقبله والدتها ومحتضنة إياها 

"يا أحلى صباح على أحلي أم هاشم في الدنيا كلها"

ضحكت والدتها وهي تحضنها "آه يا بكاشه، بتقولي أم هاشم يبقى عاوزه حاجه على الصبح، مش تايهه عنك أنا، قومي بس افطري وبعدين اطلبي"

توجهت أمل للحمام واغتسلت وتوضأت ودخلت في حربها اليومية مع شعرها في محاولات منها لجعله سهل التمشيط، وأدت فرضها واحتلت مكانها على طبلية الإفطار، فوالدها عبد الجبار لا يقبل إلا بتناول الطعام على الطبلية، رغم وجود الطاولة التي تحتل مساحة مميزه في الصالة، ألقت تحية الصباح على والدها

 "صباح الخير يا حاج"

ليبادرها كالمعتاد منه 

"صباحك زي بعضه، بلا قرف، كلي واخلصي"

ابتلعت غصتها "حاضر يا حاج"

"الهباب الامتحانات دي لسه فاضل عليها كتير عشان نخلص"

فرحت لسؤاله رغم أنه سأله بتبرم وضيق 

"لا قربت خلاص"

ابتسم ابتسامة غامضة "كويس"

أنهت إفطارها وقبل أن تفتح باب المنزل أوقفها بصوت عال 

"اعدلي الطرحه اللي على راسك دي، فيه شعريتين طالعين"

عدلت من وضع حجابها وغادرت، تنفست الصعداء فمجرد وجودها برفقة والدها يوترها، وتوجهت برفقة زميلاتها إلى المدرسة التي تعشقها فهي المكان الذي يسمح لها بالذهاب إليه وذلك بفضل جهود العمدة وزوجته الغالية أزهار فلولاهما ما كان والدها سمح لها بالخروج من المنزل للمدرسة أبدًا.

تسير برفقتهن ناظرة أمامها لا تلفتت لأي كان، استمرت في طريقها للمدرسة متجاهلة الصفير وصيحات الإعجاب المنبعثة من الشباب المحيط بالمدرسة، غير عابئة بالشابين اللذان قد أمسكا برقبتي بعضهما، وكل منهما يريد منع الآخر من النظر لأمل ورفيقاتها، وأنهن يخصنه هو، أنهت يومها الدراسي وعادت للمنزل.

"ماما يا ست الكل"

ضحكت أم هاشم "اخلصي يا أمل عاوزه إيه؟"

اقتربت منها أمل وعانقتها "ربنا يخليكي ليا يا أحلى أم يا ست الكل"

"يا أمل هاتي من الآخر عاوزه إيه؟"

"رحلة"

"نعم! رحلة إيه بقى!"

"رحله مع المدرسة اسكندرية، ربنا يخليكي ليا اقنعي بابا، إنتي عارفه هاموت وأشوف البحر، يوم اتفسح فيه قبل الامتحانات بقى"

قطبت أم هاشم حاجبيها "صعب يا أمل، مش صعب يا بنتي، ده مستحيل، أنا حتى ما اقدرش افاتح أبوكي في حاجة زي دي، كان كدرني ونكد عليا، وإحنا مش ناقصين نكد، هو ما يتوصاش"

"يا ماما!"

"بلا ماما بلا بابا، انسي وخليكي في مذاكرتك، عاوزين مجموع يشرف عشان يقدر العمدة والشيخ نصار يقنعوه تقدمي في الجامعة"

كان الحزن يعتصرها لكن ماذا ستفعل؟ أمام سطوة والدها وجبروته وتعنته 

دخلت غرفتها لتبدل ملابسها، وفجأة اقتحم والدها الباب وأغلقه من الداخل 

بالمفتاح ممسكا إياها من شعرها

"لامه عليك الصبيان يا بنت ال....."

لتحاول التفلت منه ولكنها بالطبع لا تستطيع ذلك

"صبيان إيه بس يا حاج؟ والله ما عملت حاجه!"

وأم هاشم أمام الباب تطرقه 

"ربنا يسترك يا حاج، طب قولي فيه إيه؟"

ليواصل جذبها من شعرها ويصفعها 

"أومال أنا اللي عملت يا بنت ال.....، الصبيان ضربوا بعض من خناقهم عليكِ، يا عديمة التربية، تلاقيك كنتِ مبينه شعرك، وإلا دخلتي القميص في الجيبه ومشيتي تتقصعي"

وواصل الضرب والسباب

ووالدتها تصرخ من الخارج "حرام عليك دي البت الحيله سيبها" 

بينما أمل تصرخ من الداخل "أقسم بالله ما عملت حاجه ولا أعرف أنت بتتكلم عن إيه؟ وروح إسال"

"ما أنا هاسأل" وألقاها على السرير وبصق عليها وفتح الباب وأمسك أم هاشم من ذراعها بقوة حتى تألمت 

" تربيتك الناقصه دي ما تعتبش بره البيت، فاهمه، لا مدرسه ولا زفت"

لتحاول الاعتراض " بس يا حاج"

"ما بسش وإلا قسمًا بالله هادفنكم انتو الاتنين"

صمتت وليس لها سوى الصمت سبيل ودخلت لابنتها تحتضنها وتواسيها، وتخفف عنها ما كان من والدها

"بيعمل كده ليه؟! والله ما بصيت لحد ولا أعرف هو بيتكلم على إيه؟"

"عارفه يا بنتي عارفه، معلش اصبري، ده مهما كان أبوكي وخايف عليكي"

لتستمر في البكاء "خايف عليا يسأل الأول، ويعرف إذا كنت غلطت وإلا لا، مش يبهدلني كده من غير دليل".

قابل عبد الجبار الشيخ نصار في الطريق ليبادره الشيخ بالتحية

" السلام عليكم يا عبد الجبار، عامل إيه؟"

"وعليكم السلام يا شيخ، هاعمل إيه؟ زي ما أنت شايف، مزاجي زفت، البت هتجيب لي العار!"

ليجيب الشيخ وقد ظهر الضيق على وجهه

"لا إله إلا الله، عار إيه يا راجل! دي أمل زينة البنات والكل بيحلف بأدبها"

فرد عبد الجبار وقد انقلبت قسمات وجهه "أدب إيه يا شيخ؟! العيال الصبيان ماسكين في بعض بسببها، والكل عارف إنهم اتخانقوا بسبب أمل بنت عبد الجبار، ده أنا عجنتها ضرب، بنت ال ....، ما هي أمها ما عرفتش تربيها، والله لأربيهم الاتنين من أول وجديد، وبلا مدرسه بلا زفت خلاص ما فيش طلوع"

ليوقفه الشيخ "حيلك حيلك، إيه الجبروت ده! الصبيان اتخانقوا عشان البنت عاجباهم، وما حدش عارف يآخد منها كلمه واحده، وعاوز تمنعها من المدرسه والامتحانات خلاص على الأبواب، يا راجل حرام عليك دي بتطلع الأولى على المحافظة كل سنه ومشرفاك"

ليشير بيده "مشرفاني إيه!، يا ريتني كنت خلفت ولد يشيل اسمي"

ليضع الشيخ يده على كتفه "ما تقولش كده، أمل بميت راجل، خف إنت عليها شويه، إنت خانقها خنقه صعبه، وما بتوريهاش أي حنيه"

بدا التبرم على وجهه فالكلام لا يعجبه

 "حاضر ربنا يسهل"

فسأله الشيخ " طب والمدرسه، والامتحانات"

"لا مافيش مدرسه، هابقى أوديها الامتحانات ونخلص بقى، وأول عريس يجي يآخدها"

فعلا صوت الشيخ نصار "عريس إيه يا راجل يا أبو مخ مقفول، البنت ممتازة في تعليمها، عاوز تدفنها بالحياة، طب تكمل تعليمها وتبقى حاجه تشرفك، وبعدين تتجوز"

 رد بسرعه "إنت على راسي يا شيخ, ولولا محبتك في قلبي، ما كنتش سمحت لك تتكلم أصلًا في الموضوع ده، بعد الامتحانات أول عريس هياخدها وأخلص بقى من حملها ده، سلام عليكم"

وتركه وانصرف.

ليهاتفه العمدة 

"ازيك يا عبد الجبار؟"

"تمام يا عمدتنا، إيه الأخبار؟"

"كله زي الفل، المهندس هشام اللي قلت لك عليه، جاي النهارده، يوصل كمان ساعه كده"

"يشرف وينور، قسمًا بالله غداه عندي"

"لا ما يصحش لازم يبقى عندي أنا العمدة، خليك إنت لبكره"

"ما اقدرش أكسر كلمتك يا عمدتنا، بكره غداه وغداك عندي إن شاء الله، وغدا عمال المستشفى اللي بتتبني كلهم عندي بكره"

"طول عمرك بيت كرم يا عبد الجبار، خساره ما لكش واد يشيل اسمك ويبقى في كرمك"

" ليه بس السيرة دي يا عمده؟ إنت عارف بتركبني العفاريت"

"خلاص يا سيدي، إنت تجيلي بقى تقعد معايا وتستقبل المهندس ونتغدى سوا" 

"حاضر جايلك أهو".

وذهب للعمدة غير عابئ بالمقهورتين الساكنتين بالمنزل، ولا حتى بكلمة، أو خبر من أنه سيتأخر أو يتناول الطعام بالخارج، فهما لا تستطيعان تناول الطعام في غير وجوده فلو فعلتا ذلك؛ لعاقبهما عقابًا شديدًا. 

حضر المهندس هشام وبعد السلامات والتحيات والتعارف، تم وضع طعام الغداء، وبم أن أزهار زوجة العمدة صديقة لزوجة عبد الجبار بينما هي تغرف الطعام تذكرت حب صديقتها لصينيه المكرونه بالباشمل من يدها فأرسلت لها طبقا مع إحدى خادمات الدار، ولتعلمها بوجود زوجها لديهم، فهي تعرف أنه لن يخبرها، ما أن علمت أم هاشم بوجود زوجها لدى العمدة، حتى أشرق وجهها فسترتاح منه طوال الليل، لأنه بالتأكيد سيسهر هناك، تناولت الطعام مع ابنتها.

قرب آذان المغرب هاتفها زوجها 

"أيوه، أنا اتغديت خلاص، اتغدوا بقى، واعملي حسابك بكره عندنا عزومه، للعمده والبشمهندسين اللي بيبنوا مستشفى الكفر وكل الرجاله الفواعليه اللي في المستشفى، يجي خمسين نفر كده"

صدمت "بتقول إيه يا حاج؟!ّ خمسين نفر و بكره! الوقت ضيق قوي"

 رد بسخرية "آه قولي بقى إنك ما عتيش نافعه لحاجه، وهي المحروسه بنتك مش هتساعدك وإلا إيه؟! أنا قلت لك وخلاص اتصرفي ، إحمدي ربنا أصلا إني عرفتك من بالليل، وقلت أقولك تتغدي عشان تبقى بصحتك كده وصالبه طولك، بدل ما كنت سيبتكم من غير غدا لنص الليل، واسمعي أنا متغدي سمك وجبري وكابوريا، فاهماني! القميص الأحمر ماشي، يالا روحي شوفي اللي وراكي"

أغلقت الخط وهي تبتسم ابتسامه اغتصبتها من بين شفتيها محدثة نفسها 

" آه لو عرفت إننا اتغدينا من قبل ما إنت تدينا الإذن!"

وتحولت الابتسامة المغصوبة لدموع مترقرقة في مقلتيها بدخول أمل عليها " إيه يا ماما مالك؟!"

مسحت دموعها "أوعي تغلطي وتعرفي أبوكِ إننا كلنا قبل ما يتصل"

ضحكت أمل ضحكه مستهزئة "ليه هو أنا اتجننت؟ وبعدين إيه ده ؟! هو اتصل يقول اتغدوا، جديده الحركه دي أكيد فيه سبب تاني"

توجهت أمها للدوار الملحق بالدر حيث توجد الطيور التي تربيها 

"طبعًا فيه سبب تاني، عندنا عزومه بكره على الغدا خمسين نفر يا قلب أمك"

ضربت أمل على صدرها "خمسين! يا نهاري"

اقتربت منها أمها مربتتة على كتفها "لا نهاري ولا ليلي، سِني السكينه كويس، عشان نبدأ يا دوبك نلحق"

دخلت أمل المطبخ لتسن السكين وهي تحدث نفسها "يا حلاوة يا ولاد، يا ظهرنا اللي هيتقطم عشان أبويا يتباهي بكرمه"

رن جرس الهاتف الأرضي وهي بالداخل لتنادي على أمها "الحقي يا ماما التليفون بيرن تعالي ردي بسرعه"

فهي من غير المسموح لها أن ترد على الهاتف

جاءت الأم "ألو، مين؟"

"ازيك يا أم هاشم، ها المكرونه عجبتك"

"حبيبتي يا أزهار، هو إنت بتعملي إلا الحلو كله"

"عرفت إن العزومه الكبيره عندك بكره، الصبح هابعتلك بنتين يساعدوكي"

"لا وعلى إيه هاتصرف أنا وأمل"

"دي عزومه كبيره يا أم هاشم"

"ما إنتي عارفه يا أزهار، عبد الجبار مش هيوافق إن حد يعمل الأكل غيري"

"يا ستي هيساعدوكي، يقشروا البصل ويقطعوه، يفرموا الثوم، يقطعوا الخضار ويجهزوه، الحاجات دي وكفايه عليكي الطبيخ وتنظيف الطيور ده لوحده يقطم الظهر، وما لكيش دعوه بعبد الجبار أنا هاخلي العمده هو اللي يقوله عليهم، ماشي يا حبيبتي؟"

"والله ما عارفه أقولك إيه ربنا يخليكي ليا، أهو إنتي شايله عني كتير، وما أنساش أبدًا إن لولاكي كان عبد الجبار قعد أمل من المدرسه"

"بس يا أم هاشم ده إنتي حبيبتي، وأمل زي بنتي، و لو عندي واد ما كنتش سيبتهالك أبدًا كنت جوزتهالوا، بس أمر الله بقى، الواد الحيله يغرق في البحر، امشي يالا جهزي اللي وراكي"

حمدت أم هاشم الله على وجود أزهار في حياتها، فهي تخفف عنها الكثير، أما أمل فصفقت من سعادتها أن هناك من سيساعدهما في الحرب التي ستخوضانها غدًا، فيكفيها الحرب التي ستخوضها الآن في تنظيف الطيور، خاصة أن محلات التنظيف قد أغلقت أبوبها الآن، شمرتا عن ساعديهما واستعانتا بالله وبدأتا الرحلة...

قامتا بغلي الماء وذبح الطيور وتنظيفها من الريش واستخراج الأعضاء الداخلية وجهزتا التتبيلة ونقعتا الطيور، قرب منتصف الليل كانتا قد أنهيتا التنظيف، الديك الرومي والبط والحمام للعمدة والمهندسين، أما الدجاج للعمال. 

دخلت أم هاشم لتنعم بالراحة قليلًا تحت زخات المياه وتزيل عن جسدها العرق ورائحة تنظيف الطيور، انتهت ودخلت أمل هي الأخرى تنعم بالاستحمام.

دخلت أم هاشم غرفتها تمشط شعرها وبدلت ملابسها لذلك القميص الأحمر وهي تبكي بصمت، وتدعو أن يكون مزاج عبد الجبار قد تغير ولا يرغب بها، فهي لا تكره شيئا مثل ما تكره لقاءتهما الزوجية المتسمة بالشدة، الغلظة، القوة والأنانية لم تكد تنهي دعوتها إلا وقد فتح عبد الجبار باب الغرفة، ناظرًا لها بابتسامة راغبة بها أيما رغبة 

"أيوه كده، بابقى مبسوط وإنتي بتسمعي الكلام"

رسمت على شفتها ابتسامة زائفة "طبعًا ربنا ما يحرمني منك"

ليجلس على السرير ويمد قدمه لها لتقوم بخلع حذائه 

"وأهو العمده هيبعت لك بنتين يساعدوكي بكره، يعني مرتاحه من كله، بس اياكي يطبخوا ، يساعدوا بس"

"عارفه يا حاج عارفه"

"أنا داخل أرش شويه مياه عليا"

"طب ثانيه واحده بس أشوف أمل خلصت وإلا لا"

"يووه حتى في الحمام قارفاني البت دي، على فكره أنا هاخليها تروح تمتحن، بس تمتحن بس، عشان خاطر الشيخ نصار ما يزعلش"

"ربنا ما يحرمنا من حنيتك يا حاج"

وارتدت عليها الإسدال وهرعت للحمام لتجد أمل تخرج منه

"الحمد لله إنك خلصتي، أبوكي جه وعاوز الحمام، نظفتيه، وشيلتي هدومك ليزعق"

"متخافيش يا ماما"

ودخلت غرفتها. 

بينما دخلت أم هاشم معركتها الخاصة والتي تركتها متألمة، مكسورة الروح، محطمة الجسد، بينما غط عبد الجبار في نوم عمق غير عابئ بتلك الملقاة بجواره. 

تغلبت على ألمها وقامت لتزيل آثار المعركة من على جسدها وتناولت قرصان من المسكن لتحصل على قسط من النوم قبل ماراثون الطهو بالغد.

استيقظت كعادتها على صوت المؤذن وهو ينبه الراغبين في الصلاة قبل الآذان 

"يا مصلين الفجر، الصلاة خير من النوم، باقي على آذان الفجر نص ساعه، الصلاة يا مؤمنين، الصلاة يا مسلمين"

فأيقظت عبد الجبار الذي دخل لدورة المياه واستحم وارتدى ملابسه وخرج للصلاة وأيقظت أمل وأدتا فرضهما سوية, وجهزتا الإفطار بعد مجيء عبد الجبار من الصلاة تناولوا الإفطار 

"يالا بقى جهزوا الأكل عاوز أكل يشرف، المهندسين من اسكندريه، وإنتي يا بت، إيدك بإيد أمك، على الله الأكل يطلع فيه حاجه وحشه وإلا كده وكده"

ابتسمت أمل حين سمعت اسم الاسكندرية فهي عشقها والبحرحلمها 

"حاضر يا بابا من عنينا إحنا هنشرفك، هي أول مره نعمل عزومه لحبايب بابا، وربنا ما يحرمني منك عشان هتسيبني أروح أمتحن"

رد وهو ينظر لها شذرًا 

"على الله يطمر"

رن جرس المنزل وارتدت أم هاشم الإسدال لتفتح الباب، فأمل

 لا تفتح الباب، فوجدت الفتاتين اللتان أرسلتهما أزهار لمساعدتها،

ألقى عبد الجبار السلام على الفتاتين وخرج، وهو أمام الباب 

نادى على أم هاشم "آذان العصر هابعت الرجاله تآخد اكل العمال وأنا 

والمهندسين والعمده هنيجي هنا"

"حاضر يا حاج كله هيكون جاهز"

وأغلقت الباب ورائه وهي تسحب نفسًا طويلًا ودخلت للمطبخ تحادث الفتاتين

"تعالوا يا بنات، فطرتوا؟"

"كتر خيرك يا حاجه أم هاشم، فِطرنا" 

"والله ما يحصل الأكل محطوط زودوا"

"والله فطرنا إنتي عارفه الحاجه أزهار مش هتطلعنا من غير فطار"

"يبقى تشربوا الشاي، وإلا عاوزين المسيكيفه، على طول باتلخبط في اسمه هو والبتشينو ده"

وضحك الجميع فاقتربت أمل من الموقد "أنا هاعمل لنا كلنا كابتشينو ولماما قهوة مضبوط عشان نفوق كده ونبدأ المطحنه"

اقتربت منها هدى 

"خليك يا أبله أمل هاعمله أنا"

وضحكت شهد "أنا هاشيل الطبيله"

نظرت أمل لهدى "ايه أبله دي؟! أمل بس"

"إزاي إنتي متعلمه ومتنوره"

ضحكت أمل "ده على أساس إنك إيه ؟! ما بتفكيش الخط، هو مش إنتي برضه معاكي دبلوم يا بنتي"

"وهو الدبلوم زي الثانوي؟! ده أنا نجحت بالعافيه"

"بلاش هبل أنا أمل بس"

وبدأن مغامرتهن مع حلل المحشي الكرنب وورق العنب والباذنجان 

والكوسا والبطاطس، غصن في بحار اللحم المعصج من أجل عيون صواني المكرونة بالباشميل والكريب والرقاق, وجاهدن مع الممبار، واقتحمن ساحات الفراخ المشوية وشوربة لسان العصفور, والسلطات البلدي والطحينة والكول سلو فلقد كانت أصناف الطعام منوعة ما بين التقليدي والأصناف الحديثة.

أرسل عبد الجبار من يأخذ طعام العمال من الفراخ المشوية والرز الأبيض بالشعيرية وبطاطس مكعبات بالصلصة وشوربة لسان العصفور والسلطة الخضراء، وقامت الفتيات برص سفره المهندسين والعمدة يتوسطها الديك الرومي ويزينها البط والحمام من الجوانب وصواني المكرونه بالباشمل والرقاق والكريب وأطباق المحاشي والسلطات. 

وبعد تناول الطعام اللذيذ الذي أثنى عليه الجميع، كان للحلو النصيب من أم علي والبسبوسة والكريم كرامل. 

طلب المهندس هشام كوبًا من النسكافيه ذو الرغوة؛ ليأمر عبد الجبار أمل بإعداده فهي مشهورة به، كما طلب منها الخروج للسلام على العمدة فهو لم يرها منذ فترة، وتقديم النسكافيه للمهندس الإسكندراني

هرعت أمل لتبديل ملابسها وارتدت جلبابًا أسود مطرزًا تطريزًا بدويًا و ارتدت حجابًا بلون نبيتي، وحملت الصينية وخرجت بها ملقية السلام وسألت العمدة عن أخباره وطالبها بالحضور لمنزله لتجلس معه قليلًا فهو لا يمل من جلستها ثم دخلت.

أثنى هشام كبير المهندسين على نسكافيه أمل وانصرف الجميع وبدأت الفتيات رحلة غسيل الأواني. 

أما الرجال بعد تناول مشروباتهم توجهوا لمنزل العمدة ليكملوا جلستهم هناك.

عاد عبد الجبار في المساء منتفخ النواجذ والسرور مرتسم 

على محياه لتسأله أم هاشم "الحمد لله، جاي مبسوط ها شرفناك يا حاج؟"

رد ببرود وثقة "وإنتوا تقدروا ما تشرفونيش، روحي نامي"

نامت أم هاشم وهي تحس أن وراء هذا السرور سر غير الوليمة. 

مرت عدة أيام وأمل في ماراثون دراسي تذاكر جاهدة لتحرز الدرجات العليا كما اعتادت لتستطيع إقناع والدها بإكمالها تعليمها، وسط تهكمات من والدها وتكسير لعزيمتها، كانت تجاهد وتستذكر دروسها وحدها، فلم يكن عبدالجبار ليسمح لها بالذهاب للدروس الخصوصية بالطبع، ولم يكن ليسمح لغريب بالدخول للمنزل لإعطائها درسًا مثلًا، وقد كان لها ما أرادت وكُلل الله جهودها وتعبها بالنجاح. 

وباليوم المحدد لظهور النتيجة يرد اتصال هاتفي من الإدارة التعليمية يبشر فيه عبد الجبار بحصول ابنته على المركز الثالث على مستوى الجمهورية

 أطلقت أم هاشم الزغاريد فرحة بتفوق ابنتها وأخذت أمل في القفز ممسكة بيد أمها فرحة بتعبها الذي سهرت من أجله كثيرًا وبنتيجة مجهودها فسعادتها لم تكن لتوصف، أحلامها بالدخول للجامعة ترتسم أمامها مجسدة صورة كبيرة لها وهي تحتضن كشكول محاضراتها بين ذراعيها كما تحتضن الأم وليدها، وهي تخطو أول خطواتها للجامعة، ليكسر عبد الجبار تلك الفرحة حين قال مبتسمًا 

"فرحانين كده بشوية درجات أُومال لما تعرفوا إن البشمهندس هشام هيكتب عليها النهارده وهيتم الفرح بعد شهر هتعملوا إيه؟! هتطيروا بقى"

---

الفصل الثاني

توقفت أمل عن القفز وكسى الوجوم وجه أمها، كادت أمل أن تتكلم و تخرج عن صمتها الأبدي لتصرخ معترضة على ظلم والدها وجبروته في حقها 

لكن ضغطة قوية من يد والدتها أسكتتها ونظرتها كان معناها ادخلي لغرفتك حالًا، دخلت أمل لغرفتها تجر أذيال كسرتها وتحطيم أحلامها ألقت بنفسها على السرير محتضنة وسادتها، مطلقة العنان لدموعها ودفنت رأسها في الوسادة وفكت أسر أحبالها الصوتية وجادت بالصراخ المكتوم.

 اقتربت أم هاشم من عبد الجبار تبتلع الغصة التي وقفت بحلقها عند سماعها لما قاله

"مين يا حاج اللي هينكتب عليها النهارده أمل بنتي؟!"

نظر لها شذرًا "خير هو إنتي عندك غيرها؟ إيه يا أم البت عاوزاني آخذ منك الإذن قبل ما أجوزها؟ ليه خير إن شاء الله؟!"

اقتربت منه تحاول أن تستعطفه " ما قلتش إذن، ربنا يخليك لينا،

 بس مش تعرفنا، كده على طول كتب كتاب والنهارده"

ابتعد عنها "الباشمهندس مكلمني ومتفق معايا من زمان من يوم العزومه من ساعة ما شافها وهي بتكلم العمده وهي عجبته، وإيه بقى! راجل خواجاتي هيعجبك إنت وبنتك ناوي يخليها تكمل تعليمها وهيسفرها بلاد بره كمان، يعني مش هتكمل علامها هنا، ياكش يطمر فيكِ وفيها، بوسي ايدك إني وافقت ، لولا إني عاوز أخلص منها لتجيبلي العار ما كنتش ريحتكم الراحة دي أبدًا"

 تلك الكلمات التي اقتحمت أذنها كانت كفيلة ببعث الراحة في قلبها، أحقًا ستحقق ابنتي حلمها وتكمل تعليمها؟! 

أحقًا ستسافر لتتعلم؟! الحمد لك يا الله. 

اقتربت منه وقبلت رأسه "ربنا ما يحرمنا منك يا حاج"

هرولت مسرعة نحو غرفة ابنتها بينما هو يقول "المأذون جاي المغرب، والعريس جايب الحاجه الساقعه معاه والجاتو للرجاله"

دخلت غرفة ابنتها لتجدها تبكي محتضنة وسادتها فاقتربت منها وأبعدت الوسادة واحتضنتها بسرور

"ما تعيطيش، ربنا هيحققلك كل اللي نفسك فيه، العريس اسكندراني، هتشوفي البحر زي ما كنتي بتتمني، وباشمهندس متعلم ودماغه منوره، واسمعي دي بقى، هيخليكي تكملي تعليمك"

 اكتست ملامحها بالفرح ومسحت دموعها بسرعة غير مصدقة 

"بجد يا ماما!"

احتضنتها بقوة "جد الجد يا قلب ماما، ربنا يسعدك ويكتب لك الخير ويكون قدم السعد عليكي يا رب، لا ومش هتكمليه هنا، هتكمليه بره مصر في أمريكا، قومي كده بقى فرفشي وشوفي هتلبسي ايه تقابلي بيه عريسك بالليل المأذون جاي المغرب"

قبل المغرب ومع انتشار الخبر توافدت الفتيات للمنزل وصدحت الزغاريد وقمن بتشغيل الأغاني وارتدت أمل عباية استقبال بلون عاجي مطرزه بالخرز الذهبي وعلى الوسط حزام يعانق خصرها وحجاب باللون العاجي يغطي شعرها الأسود الذي قامت الفتيات بعملية تصفيفه وكيه ليصبح ناعمًا.

بعد صلاة المغرب جاء المأذون وبدأ في إجراءات العقد وأخذ موافقتها على العريس، وتم العقد وتعالت الزغاريد وطالب عبد الجبار بأن تخرج أمل ليقلدها عريسها هديته لها من الذهب. 

خرجت أمل وهي لا تعلم شكل عريسها لتجد رجلان يجلسان بجوار بعضهما، ذلك الأسمر الذي تلاقت عيناها بعيناه وذلك الأبيض لكنه لم يكن من قام عند دخولها بل ذلك الأبيض الذي اقترب 

منها اقترب منها هشام "ألف مبروك يا ست البنات" وأمسك رأسها 

ليقبل جبينها، فجفلت منه وابتعدت فضحك ووجه الكلام لذلك الأسمر 

"شفت يا صلاح ، مش قلت لك بنوته خام، ما تعرفش حاجه، أهي اتكسفت عشان عاوز أبوس جبينها، تعال سلم على مرات أخوك"

اقترب صلاح ملاحظًا أنها تبادل النظر بينهما فضحك هشام 

"إيه مالك مستغربه؟ بتقولي ازاي ده أخو ده؟ أقولك أنا، أصل أنا طالع أبيضاني وحليوه لجدي أبو أمي الإسكندراني اللي أصله إيطالي، إنما الخنشور ده طالع لجدي أبو أبويا وخد الأصل الصعيدي كله"

وأمسك يدها فجفلت وابتعدت فعاد للضحك ونادى على أم هاشم 

"تعالي يا حماتي لبسي العروسه الشبكه لغاية ما نتعود على بعض"

قلدتها والدتها الأساور والسلسال 

وقال هشام "أنا عارف إن التلفزيون هيستضيفك بكره، ودي حاجه تشرفني بس للأسف أنا مش فاضي بس مش هاحرمك إنك تروحي، صلاح هيجي

 يآخدك إنتي وماما الحاجه هتروحي المقابله وبعدين هتروحي معاه يشتري لك الدبله ويشتري دبلتي أنا كمان، إحنا مقاسنا زي بعض، وبالليل هلبسهالك"

انصرف الكل وبقى هشام في الغرفة جالسًا وحاولت أمل المغادرة لكن نظرة آمرة من والدها جعلتها تتسمر في مكانها، غادرهما عبد الجبار 

"اقعد مع عروستك شويه يا باشمهندس"

ظلت أمل جالسة على طرف الأريكة فاقترب منها هشام 

"ألف مبروك يا عروسه" وأمسك رأسها بقوة لئلا تفلت منه وقبلها حاولت التملص لكنه كان أقوى وضحك

"معلش بكره هتتعودي على كده، أنا عارف إن أبوكِ صعب 

ومشدد عليكي قوي، صدقيني معايا حياتك هتتغير، لا هتتقلب، كلها أيام وهتشوفي، أظن أبوكِ عمره ما كان هيوديكي التلفزيون ولا هيخليكي تكملي التعليم أصلًا، هو ما صدق يخلص منك، وأنا ريحته على الآخر واتكفلت بكل حاجه"

صدمتها كلماته، لكنها الحقيقة ونظر لحجابها "إيه مش حرانه ما حدش هنا غيرنا إقعلي الحجاب"

ترددت فضحك وهو يخلعه عنها "أنا جوزك يا أمل إقلعي"

نظر لشعرها وضحك "شعرك مش ناعم صح؟ باين قوي إنه مكوي، طب كنتي إكويه كويس ولا يهمك هاعملهولك بروتين"

نظرت له بتحد "لو عليه ما كنتش عملت فيه حاجه، البنات وماما اللي صمموا أكويه، وأنا زي ما إنت عرفت ما باقولش لا، أنا باحبه كده كيرلي، ده بيتدفع فيه فلوس عشان يبقى كده، إنت ما شفتش شعر مريام فارس"

ضحك بصوت عال "إنتِ تعرفي الكيرلي ومريام فارس"

 استفزتها الجملة، فنظرت له بتحد "إنت فاهم إيه بالضبط أنا مثقفه جدًا وأعرف حاجات كتير، ربنا يخلي الحاجه أزهار كانت بتجيب لي كتب, وأعتقد إن الدنيا كلها عندها تلفزيون"

ضحك مقتربًا منها "يعني عارفه كل حاجه!" و اقترب أكثر 

حتى جعلها تلتصق بمسند الأريكة ووضع ذراعيه حولها محتضنًا إياها، تملصت منه ووقفت بعيدًا "ما يصحش كده يا باشمهندس"

التقت نظراتهما مع صمت طويل ليقطع هذه النظرات بقوله 

"أنا ماشي، صلاح هيجيلكم الصبح سلام"

وغادر وبينما هي في طريقها لغرفتها مرت من أمام والدها الجالس بالصالة 

" إيه يا وش البوم لحقتي طفشتيه، البشمهندس ما كملش ربع ساعه معاكي، سرك باتع، وشك فقر"

ردت بكسرة وحسرة من تلك الكلمات المنطلقة كالرصاصات الحارقة المخترقة لقلبها ممن يفترض أن يكون أحن الناس عليها 

"هو اللي عنده شغل بدري, وقال يسيبني أنام وارتاح عشان مشوار بكره"

ليزفر والدها "آه وهتطلعيلي في التلفزيون بقى زي الرقاصات، بس يالا أنا مالي! خلاص إنت في رقبته يشيل الليله، امشي من وشي، ربنا يعدي اليومين اللي فاضلين لك هنا دول على خير خليني اخلص"

لينادي على والدتها "إنتي يا حاجه فين العشا؟"

"حاضر يا أخويا خلاص أهو، يا أمل تعالي يا قلبي عشان تتعشي"

بعد تناول العشاء ومساعدة والدتها في غسيل الأطباق دخلت أمل غرفتها، تنسج أحلام أيامها القادمة، وهي تدعو الله بقلب أضنته قسوة والدها عليها، بأن يكون هشام صادقًا فيما يقوله، وألا تكون وعوده لها أوهامًا وسرابًا. 

في الصباح ......

استعدتا للمقابلة وارتدت أمل جيب سوداء وبلوزه بيضاء وطرحه سوداء،

أعلنت أبواق السيارة وصول صلاح فدعاه عبد الجبار للداخل وقامت أمل بإعداد النسكافيه له وتقديمه له وهي مبتسمه. 

ركبت ووالدتها السيارة وانطلقوا كان صلاح يجاذب أمل ووالدتها أطراف الحديث ليسري عنهم وبعد مقابلة التلفزيون اصطحب أمل لشراء دبلتها الذهبية ودبلة أخيه التي صدمت أمل حين علمت أنه سيشتريها من الذهب 

"بس يا أستاذ صلاح الدهب للرجاله حرام، إنت ما تعرفش؟"

ابتسم صلاح " لا عارف، وأنا لما اتجوزت دبلتي كانت فضه، بس أعمل إيه في هشام ربنا يهديه"

نظرت له "حضرتك متجوز! أومال مراتك ما جاتش معاك كتب الكتاب ليه؟"

رد بأسى "ربنا يرحمها، ماتت من سنه هي وبنتي في حادثه"

عقبت والدتها "ربنا يصبرك يا ابني ويعوضك خير"

أخذهما لشراء لوازم الفرح والفستان ومتطلبات لأمل من ملابس وأحذية وحقائب مناسبة لمعيشتها الجديدة وتليق بكونها زوجة للباشمهندس هشام، حتى غربت الشمس وعادوا للكفر محملين بالأكياس الكثيرة وما أن رآهم عبد الجبار 

"يا أهلًا يا أهلًا، كل دي حاجات يا بنت المحظوظه!"

ابتسم صلاح "ما يجيش من مقام أمل يا حاج، بعد إذنك عاوزين بكره نسافر إسكندريه، عشان نشتري لها باقي الحاجات"

"وماله سافروا، بالسلامه"

"بس يا حاج مش هنلحق نخلص الطلبات في يوم ونرجع صد رد محتاجين حضرتك تيجي معانا عشان تنورونا كام يوم، لغاية ما نخلص الطلبات، وأهو بالمره عروستنا تشوف شقتها وتشوف عاوزه تغير فيها إيه؟ هشام مستعجل وعاوز يعمل الفرح بسرعه"

حك عبد الجبار رأسه "نبات كام يوم عشان نخلص، ماشي يا أستاذ صلاح"

ونظر لأمل راسمًا الضيق على وجهه 

"مدوخانا كده على طول وجايبه لنا التعب"

تضايق صلاح من طريقة عبد الجبار مع أمل فأردف 

محاولًا التخفيف 

"تعيش و تتعب لها يا حاج ، يالا سلام عليكم"

اعترض عبد الجبار "يمين طلاق بالتلاته ما يحصل، إيه عاوز تمشي كده وإنت جاي كده كده بكره الصبح تآخدنا يبقى ليه الشحططه ؟ إنت هتبات هنا ونمشي الصبح كلنا مع بعض"

ابتسم صلاح "اللي تشوفه يا حاج حاضر"

دخل صلاح للمنزل، ونادى عبد الجبار على أمل 

"العشا لعمك يا بت"

اعترض صلاح "لا عشا إيه؟ الحمد لله احنا اتعشينا، محتاج أنام بس عشان ارتاح"

"ماشي يا أستاذ، هاتي يا أمل جلابيه لعمك ينام فيها"

الكلمة طرقت أذن صلاح مرة أخرى فتساءل "عمها مين؟"

ضحك عبد الجبار "إنت يا أستاذ، عندنا بنقول على أخو الزوج عم، إنت دلوقتي عمها"

ناولته أمل الجلباب "لو ممكن يا عمي تجيب غيارك أغسله ليك إنت لابسه من الصبح"

شكرها وبدل ملابسه وغط الجميع في نوم عميق من التعب والإجهاد في ذلك اليوم.

استيقظ الجميع لصلاة الفجر وبعد الصلاة تناولوا الإفطار 

وجهزوا ما يحتاجونه للسفر وانطلقوا على بركة الله

حلمي يا حلمي 

جيالك اجري 

خدني في حضنك يا بحر 

اغسل همومي زي السحر

يا تري اللي جاي فرح

و إلا اللي جاي جرح 

يا رب يا عالم باللي في قلبي 

نفسي في إيد تطبطب على قلبي

بدل اللي كسر قلبي 

كان نفسي يكون جمبي

أبويا، عزوتي، سندي 

لكن يا حسرة قلبي

هو اللي جارحني 

هو اللي كاسرني

كانت هذه الكلمات تجول في خاطر أمل في الطريق، تتساءل عما هي مقدمة عليه ، كانت تخشى من هشام، تحسه غريبًا عنها، خائفة، مترقبة للقادم، قلبها غير مطمئن بالمرة رغم إسهاب والدتها في الحديث عن هشام ومميزاته، خاصة حين علمت أن هشام سيأخذها معه للخارج تصاحبه في بعثته وتكمل دراستها هناك، لم يخلو الطريق من مسامرات صلاح للجميع، فقد كان خفيف الظل، مرحًا ، رغم الحزن المرتسم في عينيه.

وصلوا للإسكندرية، هواء القمقم المتوسطي يقابلهم مغلفًا إياهم برائحة البحر، تشهق أمل لتأخذ أكبر قدر من الأكسجين البحري، تود لو تحبسه في رئتيها ولا تخرجه، ها هو يقترب، إنها تراه.

 تهللت فرحًا 

"أهو يا ماما، البحر أهو"

نهرها عبد الجبار "ما تتلمي واقعدي، إيه شغل العيال ده"

ابتسم صلاح لفرحتها وتجاهل تعليق عبد الجبار "سيبها يا حاج، ما هي صغيره برضه، اطمني يا أمل النهارده راحه وبحر، مش هنشتري أي حاجه إلا لما تشوفي البحر، اطمني"

خرجت منها بكل تلقائية "ربنا ما يحرمني منك يا عمي، ويجعلك من جابرين الخاطر"

وصلوا للمنزل، منزل من طابقين فتح صلاح بوابة المنزل لتجد أمل حديقة بسيطة، تخلب الألباب، بها أصناف من الورد البلدي وبضعة مزروعات، واضح أنها تنال عناية جمة، وأرجوحة متوسطة تتسع لفردين وأمامها طاولة وثلاثة كراسي من البامبو الأسود.

أبدت أمل إعجابها الشديد بالحديقة، وكادت أن تطير من سعادتها حين رأت الأرجوحة. 

أحس صلاح بها فقال مبتسمًا 

"اطلعوا بس ارتاحوا من المشوار والغدا هنا في الجو الجميل ده نص ساعه ويكون الأكل وصل أنا موصي عليه"

رد عبد الجبار "والله لولا إنك موصي ما كناش كلنا من بره هيجرالهم إيه يعني يدخلوا يطبخوا"

ربت صلاح على كتفه "لا يا حاج معلش بقى، إتعود اليومين دول على الأكل من بره، أمل والست الحاجه أم هاشم في أجازه اليومين دول"

لم يعجبه الحديث لكنه مجبر على القبول "ماشي يا أستاذ صلاح ماشي"

فتح لهم صلاح باب الشقة بالدور الأول 

"دي شقتي أنا، اللي فوق شقة هشام، بس طبعًا هي

 مكركبه، وهو ما بيقعدش فيها كتير، فالأفضل تقعدوا هنا، المكان هنا أنظف، وأنا وهشام هننام فوق، عشان تبقوا براحتكم"

انبرى عبد الجبار "أمل وأمها يطلعوا ينظفولك الشقه فوق، ماهي هتبقى شقتها برضه"

اعترض صلاح "ينظفوا إيه يا حاج؟! لا ما أرضاش أتعبهم، فيه ست بتيجي كل أسبوعين تنظف فوق ومرتين في الاسبوع هنا، وهي ميعادها بكره، بعد ما تنظفها تنورها أمل والست الحاجه ويتفرجوا عليها"

امتعض عبد الجبار "يالا كنت عاوز أوفر لك"

ابتسم صلاح "تسلم يا حاج، إحنا اللي يهمنا راحه ست الصبايا وست الكل، وإلا أنا مش في مقام ابنك يا حاجه؟"

ردت أم هاشم والدموع تترقرق في عينيها من سعادتها بطريقة صلاح وذوقه في التعامل وحرصه على راحتها وراحة ابنتها 

"يوه مش في مقام ابني ازاي؟ ربنا يسعدك يا رب ويكتبلك الخير يا صلاح يا ابن ...، إلا الست الوالده اسمها إيه؟"

ضحك "اسمها دريه"

فرفعت كفيها تدعو له من قلبها "روح يا صلاح يا ابن دريه،

 ربنا يفتح في وشك أبواب الرزق المقفوله، ويرزقك الخير من حيث لا تعلم ولا تدري، ويحبب فيك خلقه، ويجعلك من جابرين الخاطر يا ابني، ويعوضك كل خير"

كاد صلاح أن يبكي مما لمسه من صدق مشاعرها "ربنا ما يحرمني منك أبدا يا حاجه ولا من دعواتك الحلوه دي، ادعي لهشام كمان يا حاجه"

شقت الدعوة سطح لسانها بعد أن عبرت قلبها 

 "يصلح حالك يا هشام يا ابن دريه قادر يا كريم"

و خرج صلاح ليتركهم ليرتاحوا قليلا قبل وصول الطعام

 ما أن خرج 

حتى قال عبد الجبار "آه يا بنت المحظوظه، واخدينك هو وأخوه على 

كفوف الراحه، على إيه يعني؟ أومال لو كنتي حلوه؟"

احتضنت أم هاشم ابنتها "ربنا يعوضها كل خير، بنتي تستاهل"

تندر عبد الجبار "تستاهل! طب خلصينا عاوز أفرد جسمي شويه وآخد دش قبل الغدا"

بعد ثلاثة أرباع الساعة رن جرس الباب فتحت أم هاشم لتجده هشام 

رحبت به ورحب بها وطلب منهم النزول لتناول الطعام، نادت أم هاشم على أمل فلم تجد ردًا، ذهبت لباب الغرفة وفتحته لتجدها تصلي، 

نادت على هشام 

"أمل لسه بتصلي يا ابني"

رد "خلاص يا حاجه إنزلوا إنتم وأنا هستناها"

ونظر لعبد الجبار "وإلا فيه اعتراض يا حاج؟"

تندر عبد الجبار "اعتراض على إيه؟ اشبع بيها" وضحك

بعد نزولهما أراد هشام أن يسمع بم ستدعو في صلاتها فقال بصوت تعمد أن يكون مرتفعًا "أنا نازل يا أمل خلصي صلاه وحصلينا"

وقف هشام ينظر لها وهي تصلي من زاوية لا تستطيع رؤيته منها، رفعت كفيها تدعو الله 

"يا رب ما تخليهوش يكسرني هو كمان ، يا رب يكون حنين عليا"

 أنهت صلاتها وخلعت الاسدال، وتناثرت تلك الخصلات السوداء في تبعثر، وقفت أمام المرآه لتمشطها وتأسرها برباط؛ لتتفاجأ بهشام أمام الباب 

"أنا قلت آجي استعجلك" واقترب منها وأمسك رباط شعرها وجذبه فانفلت الشعر بحرية ووضع يده بين طيات الخصلات الغجريه ينثرها أكثر بينما أغمضت هي عينيها بتأثير لمسته.

فضحك "عندك حق شعرك كده أحلى بكثير"

ثم أدارها لتواجه المرآة وأمسك بالفرشاة ومشط شعرها بروية، بينما هي تحاول السيطرة على توترها، وربط شعرها وأدارها له 

"تلبسي الطرحه وننزل بقى"

تنفست الصعداء وارتدت حجابها بينما هو ينظر لها مسرورًا بحيائها وتوترها حين يقترب منها وهما علي السلم قالت له 

"هشام ممكن أقولك على حاجه مضايقاني، ولو فيه إمكان تنفذها"

اقترب منها "قولي"

أبعدته عنها برفق "بس إبعد عشان أعرف اتكلم"

ابتسم وابتعد 

"ممكن دبلتك الدهب تغيرها لفضة من فضلك، عشان ده حرام، وأنا ما أرضاش إنك تعمل حاجه حرام"

اقترب منها وقبل رأسها "حاضر يا ست الصبايا، ننزل بقى"

بعد الطعام، طلب منهم صلاح الاستعداد للخروج، واعتذر هشام بانشغاله ووعدهم أنه سيأتي في المساء.

جلسوا في أحد الأماكن المنتشرة على الشاطئ، ولب أمل مأخوذ كلية بالبحر، بعد فترة استأذن عبد الجبار لدخول دورة المياه 

فتنحنحت أمل "ممكن اسأل سؤال؟"

رد صلاح "اتفضلي يا أمل"

"لو أمكن يعني نقرب من المياه، نفسي ألمسها وأحس بيها كده"

ضحك صلاح "وهتنزليها كمان"

نظرت له غير مصدقة "بتقول إيه هانزل البحر! طب احلف"

"والله"

"ده أبويا كان دبحني"

نظرت حولها بتوجس وهي تقولها

تضايق "يدبح إيه هو إنت فرخه؟ بالليل هنشتري ليكي مايوه محجبات، والفجر هنروح شط هادي وهتنزلي براحتك، معلش يعني اللي ليه كلمة عليكي هو هشام، وهشام هيكون معانا"

ردت أم هاشم "ربنا يحميك يا ابني"

بعد مجيء عبد الجبار بقليل وتناوله القهوة

قال صلاح "ها يا حاج عندك مايوه وإلا إنت ما بتنزلش البحر"

استنكر عبد الجبار "مايوه إيه بلا قلة قيمة، طبعًا ما بانزلش"

كان الرد متوقعًا "يبقى خلاص بقى إنت اتفرج وأنا وهشام والجماعه هننزل"

ضيق عبد الجبار عينيه "لا، هشام ليه في أمل وبس هو حر فيها إنما أم هاشم لا يمكن تنزل البحر أبدًا، بلاش مسخره"

جاء هشام وانفرد بأمل على طاولة مجاوره

 أبدى هشام إعجابه بذوق الدبلة الخاصة بها "ما كنتش عارف أن ذوقك عالي كده، وكمان اللبس اللي اشتريته، رائع، صلاح صوره كله"

فاجئته بسؤال "اشمعن أنا يا هشام؟"

ضحك "أقولك، عمليًا أنا باحسبها بعقلي فشوفي يا ستي، حسيت أني بانقذك من أبوكِ، يعني هتفضلي عمرك كله شايلالي الجميل ده، وإنت هترضي بقليلك زي ما بيقولوا، وعشان عارف إن أمنية حياتك تكملي تعليمك وده هأسمح لك بيه عشان عاوزك تشرفيني؛ فهتكوني ممتنه ليا طول عمرك، من الآخر ضامنك في أي حاجه"

نظرت له وقلبها يحس بوجود خطب ما "ماشي"

 

في الفجر ومع إشراقة الخيوط الأولى للشمس توجهوا للبحر، كانت أمل تتطلع للقاء البحر و لمس المياه كطفل صغير يختبر أولى خطواته، ما أن عانقت قدماها الرمال المبتلة بفعل المد و الجزر، حتى أصبحت ضحكاتها تعلو في مرح طفولي، أخذت تضرب الرمال والمياه بقدميها 

نظر لها هشام في سرور "إيه هتلعبي على البر بس؟"

ردت بخوف "خايفه يا هشام، نفسي أنزل وخايف"

تدخل صلاح بالكلام "خايفه ليه؟ معاكي اتنين أستاذه عوم في المالح"

ضحك هشام " أيوه أنا البروفيسور هشام، بروفسيور السباحه يا هانم"

انفجروا في الضحك، مد هشام يده لأمل فنظرت له نظرة مطولة ثم مدت يدها تلمس يده، فضغط على يدها، وشدها مقتحمًا بها عباب المياه، تضحك تارة وتصرخ تارة أخرى حين يرتطم بها الموج، حتى وصل الماء لمنتصف فخذيها فصاحت "خلاص يا هشام كفايه هاغرق"

انفجر صلاح الواقف بجوارهما في الضحك "هتغرقي على البر!"

أمسك هشام يديها الاثنتين وأخذ يسحبها داخل المياه حتى وصل الماء لرقبتها وهي تصرخ تارة وتضحك تارة أخرى 

وفجأة أخذت تصرخ 

"ما فيش رمل تحت رجلي الحقني يا هشام هاغرق"

أمسك بها جيدًا وقادها لمنطقة أخرى أقل عمقًا واستمرت تلعب في الماء وصلاح وهشام يلعبان سويًا ويرشان الماء عليها، أو يختفيان من جوارها فتصرخ باحثة عنهما،. 

أما عبد الجبار فكان يجلس متبرمًا على الشاطئ غير راضٍ عن هذا الانفلات، أما أم هاشم فتناست وجوده واستمتعت بمنظر الرمال والبحر 

ومر اليوم، في نهاية اليوم اقتربت أمل من هشام "لو ما قدمتش ليا في حياتي معاك حاجه تانيه غير اليوم ده فصدقني أنا مبسوطه جدًا، وفعلًا أنا هافضل ممنونه ليك العمر كله"

ابتسم قائلًا " يا ريت يكون كلامك صح"

---

الفصل الثالث

أمضوا خمسة أيام يشترون ما تحتاجه أمل وتم تنظيف الشقة وأبدت أمل إعجابها بها وتم الاتفاق على ألوان الطلاء الجديدة، وتغيير ما رأى صلاح أنه بحاجه لتغيير، فهشام كان مشغولًا. 

في اليوم المقرر لسفرهم فجاءهم صلاح بأن أجازته من شركة

 المحاسبة المالية قد انتهت، وبم أن هشام مشغول في تحضير

 اجراءات السفر وحفل الزفاف فقد أجر لهم سائقًا لإيصالهم.

عند وصولهم قام عبد الجبار بأمر أم هاشم بتجهيز الطعام للسائق 

وبعد تناوله الطعام غادرهم .

حدد هشام موعد الزفاف والسفر بعد أسبوعين، سيقيم حفلًا كبيرًا

 بقرية كفر عبدالمؤمن ثم سيسافر برفقة عروسه إلى الاسكندرية يمضيان أسبوعًا ثم يسافران للولايات المتحدة الامريكية حيث سيكون عمل هشام

 هناك بولاية واشنطن حيث مكان إقامتهم، وقدم لأمل في جامعة

 سياتل الموجودة بحي فرست هيل القريب من سكنهم 

وستدرس فيها الهندسة

لم تخلو فترة الاسبوعين من تعليقات واستفزازات عبد الجبار

 لأمل ولأم هاشم، لكنها لم يكن بيدها سوي الصمت 

حان موعد يوم الحناء، رفض عبد الجبار أن يقيم حفلًا صاخبًا

 كالمعتاد في حنة الفتيات 

"هم عُقدين نور والبتاع بتاع الأغاني وخلصنا"

ضربت أم هاشم على صدرها "عاوز تفضحنا وسط الناس"

نظر لها شذرًا "لا عاوز ألم نقطتي وبس، من غير ما اتكلف قد اللي هالمه مرتين"

غضبت "مرتين إيه يا راجل ده إحنا مجاملين البلد من كبيرها لصغيرها وهيجيلك نقطه بشيء وشويات و إنت ما اتكلفتش حاجه لجهاز البت"

رد بصوت مرتفع "وإنتي بقى عاوزاني أبعترهم على النور، كفايه الغدا والترحيب بالضيوف"

ليرن الجرس ويذهب عبد الجبار ليفتح الباب فيجد رجالًا أغراب لا يعرفهم

"إنتوا مين؟"

"إحنا باعتنا الأستاذ صلاح والبشمهندس هشام عشان النور"

"هو إنتوا هتنصبوا نور الفرح من الوقت"

"لا يا حاج ده نور لحنة العروسه، لسه نور الفرح ليه توزيعه جديده بكره، النهارده نور الحنه"

ليرن هاتف عبد الجبار وكان المتصل هشام 

"صباح الخير يا حاج العمال وصلوا؟"

"صباح النور يا بشمهندس أيوه وصلوا، مش كنت تقول من بدري"

"لا دي مفاجئه لست البنات، ممكن تديهالي أكلمها"

دخل عبد الجبار والغيظ على وجهه "اتفضلي يا ست الحسن"

نظرت له بذهول والدها يعطيها هاتفه المحمول لتتحدث فيه! كيف ذلك؟ إنه من المحرمات أمسكته بيد مرتعشة "مين؟"

ليضحك هشام بعلو صوته "إيه مالك صوتك بيرعش كده ليه؟ أنا هشام" 

تنهدت "هشام! يا ربي! أنا قلت مين اللي عاوزني وفي تليفون بابا"

خرج عبد الجبار من الغرفة "ما تطوليش، اخلصي"

"أيوه يا هشام" زفرت زفرة راحة بخروج والدها

"أيوه يا ست البنات، ها المفاجئه حلوه؟"

"مفاجئة إيه؟! أنا في المطبخ باساعد ماما عشان أكل الضيوف، إنت عارف بابا لا يمكن يخلي حد يحط إيده في الأكل غيرنا"

"لا انسوا إنتي النهارده وبكره ملكه متوجه، ما فيش شغل"

"وماما يا هشام أسيبها تشتغل لوحدها؟!"

"ست الكل على رآسنا وراحتها قبل راحتك، الأكل قبل ميعاد الغدا هيكون واصل وجبات مغلفه من أحسن الشيفات ولا تتعبوا نفسكم"

" قصدك لبكره غدا الفرح"

"لا النهارده وبكره، وأنا عندي كام أمل، لازم أشرفك وارفع راسك، والنور هتشوفي هيبقى عامل ازاي، غير الدي جي بره، هيتبعتلك فرقه حنانه مخصوص وأحلى حنه لأحلى أمل الأكل اللي بتجهزوه ده شيلوه في الثلاجه بالهنا على قلوبكم أنا هاتكفل بكل حاجه"

بكت أمل " إنت بجد يا هشام، أنا مش لاقيه كلام أقوله!"

اكتسى صوته بحزن "يا ريت تفضلي كده على طول، سلام بقى عشان أشوف اللي ورايا أنا كمان"

أغلقت معه الهاتف، وهي مسرورة، تتمنى لو حقًا يكون ما تعيشه واقعًا حقيقيًا وسيستمر، هشام يفعل كل ما يستطيع لإسعادها، نفضت عن كاهلها قلقها، وطعنت تلك الغصة بسكين السعادة وخرجت من غرفتها للخارج مهرولة لتصطدم بوالدها 

"إيه متسربعه على إيه خلي بالك لا التليفون يتكسر"

"آسفه يا بابا، بس كنت جايه أفرحك"

"خير!"

"هشام هيعمل النور والفرقه والأكل وكل حاجه"

 رد ببرود "عرفت، الرجاله بتوع النور بره، وعارف إنه هيعمل الأكل بكره"

ابتسمت هي "لا وأكل النهارده كمان قالي آذان العصر هتلاقي الأكل واصل جاهز ومتغلف على أحسن ما يكون، عشان ما يتعبش ماما"

رد عبد الجبار "آه ماما، افضلوا دلعوا في ماما كده لغاية ما هتتملعن عليا، ماشي يا بنت أم هاشم، أما نشوف آخرتها معاكي ومع سي الباشمهندس إيه؟"

وأعطته الهاتف، ودخلت لتخبر أمها أن تكف يديها عما تفعل وتقيم ظهرها الذي انحنى عملًا، لترتاح، و تفرح بلا هموم أو مسؤوليات ابتسمت أم هاشم 

"ربنا يصلح حالهم هشام وصلاح يا رب، و لا لو كنت خلفت ما كانوا هيبقوا حنينين عليا كده، ولا يخافوا على تعبي كده، إلا ما عملها أبوكِ أبدًا"

 وترقرقت الدموع في عينيها

احتضنتها أمل "خلاص يا ست الكل فكيها"

ومر اليوم في سعادة و فرح والكل يغني ويطلق صيحات الفرحة النسائية الشهيرة المسماة بالزغاريد والتي كانت أم هاشم ماهرة في إطلاقها مهارة عالية فالكل يعرف صوت زغرودة أم هاشم التي طالما صدحت في أفراح الأقارب والأحباب ، فما بالكم واليوم فرحتها هي، ابنتها وحيدتها ستتزوج

 وأية زيجه؟! من إنسان على خلق، ذو عقل متنور، يحبها ويحنو عليها، ويحس بقيمتها كأنثى، و يريد أن يعلي من مكانتها، يفهم أنها في كنفه وأنه سندها، يفهم أنهما يكملان بعضهما البعض، نصفان لا تكتمل بدونهما حياة،

 ناهيك عن ذكر صلاح الذي يعامل ابنتها أحسن معاملة وكأنه أخوها الذي 

لم ترزق به، كان قلبها يدعو أن تستمر هذه الحال للأبد وأن يكون هشام حقًا كما يبدو. 

باليوم التالي حضرت الميكب آرتيست لأمل بالمنزل

 وتم تزيينها كانت كالقمر المضيء في ليلة تمامه كما يقال 

ماكياج هادئ، فستان بسيط مناسب للسفر، مطرز بخيوط فضية

 متلألأه، ناهيك عن ذكر هالة السعادة المحيطة بها، فستتخلص 

أخيرًا من تلك القيود التي فرضها عليها والدها وأدمت حياتها،

 وكادت أن تحطم مستقبلها لولا عناية وفضل من الله عليها،

 بأن وهبها رجلًا متفهمًا كهشام. 

سلمها عبد الجبار على باب المنزل لهشام، الذي نظر لها مطولًا، ثم قال

"والله إنتِ خساره فيا"

ابتسمت لكلمته وتم حفل الزفاف على أتم ما يكون،

واستقلت السيارة بجوار هشام بينما كان صلاح يقودها 

ولم يخلو الطريق من إطلاق زامور السيارة وعمل الحركات

 البهلوانية المسماة بالخمسات بها، كانت أمل سعيدة جدًا 

وصلوا المنزل وصعدا الشقة وعلى باب الشقة قال هشام 

"استني، راحه فين؟"

وحملها وهي تضحك ودخل بها الشقة ثم أنزلها وهي ما زالت تضحك

"حلوه الحركه دي باشوفها في الأفلام"

ابتسم "من النهارده حياتك معايا كلها أفلام، أنا جعان"

ضحكت "يا حرام إيه ما كلتش من الصبح؟"

"لا كلت بس عاوز أحلى" وهرول ورائها 

سبقته لغرفة النوم وهي تجري 

"اهدي اهدي ما تخافيش باهزر والله، يالا بقى غيري الفستان ده زمانك مكتومه فيه، وخدي دش كده وإنتعشي من المشوار، خليكي إنتي في الحمام بتاعنا براحتك وأنا هاطلع الحمام اللي بره"

سلام يا قطه وأخرج ما سيرتديه من الدولاب وخرج خلعت أمل فستان الفرح وتنعمت بالاستحمام المنعش وخرجت من الحمام وارتدت قميص النوم الأبيض الخاص بالزفاف وفوقه الرداء الخاص به وخرجت من الحمام لتجد هشام يفتح في أواني الطعام التي غلفتها أم هاشم والخاصة كما يقولون بحلة الاتفاق وهي الطعام الذي يتناوله العريسان في أول ليلة يقضيانها

 سويًا بمفردهما ويتفقان فيها على مقتضيات سير حياتهما سويًا

"ايه ده؟ ده إنت جعان بجد!"

نظر لها " اللهم صل عل كامل النور، إيه الجمال ده يا ست البنات؟"

أطال النظر لها ثم قال "هتاكلي معايا؟"

ضحكت "أنا واقعه من الجوع أكتر منك، كنت ملبوخه في الفرح وما أكلتش"

جذبها من يدها "طب مستنيه إيه ما يلا، بسم الله"

ورصت الطعام وتناولا العشاء سويًا ، وهو يمازحها 

ويتندران على ما كان في الحفل، ويطعمها بيده و يلامسها

 لمسات حانية، في غير إسراف أو اندفاع، بعد الطعام 

رفعا الاطباق, رتبا المطبخ سويًا واقترب منها 

" مش ندخل ننام بقى؟"

ارتبكت، ولم ينتظر ردًا فحملها بينما وجنتاها تتوردان خجلًا

 منه، دخل الغرفة ووضعها على السرير وخلع عنها الرداء حاول أن يتم الدخول بها لكنه لم يستطع، جلس بجوارها على السرير ينظر بعيدًا عنها لم تكن تعرف ما يجب أن تقول لقد كان يبكي! ويبكي بحرقه 

صوت بكائه آلمها جدًا فهي معتادة على أن الرجال صلب لا يلين،

 لم تر رجلًا يبكي، احتضنته من ظهره فاستدار لها وارتمى

 في حضنها مستمرًا بالبكاء، وهي تربت عليه 

" إيه يا هشام؟! فيه إيه بس؟ مالك؟ استهدى بالله"

استمر في النحيب "مش عارف، مش عارف"

استمرت في التربيت عليه "مش مشكله إيه اللي جرى يعني؟ الأيام جايه كتير"

جفف دموعه "أنا كنت حاطط أملى كله على النهارده، كده الأمل ضاع!"

نظرت له في غير فهم "أنا مش فاهمه حاجه يا هشام، من فضلك فهمني بالراحه، وأنا والله هاستوعبك، أنا مخي كبير، قول فيه إيه؟"

نظر لها 

"أنا من يوم ما كبرت وأنا ما باحسش بانجذاب ناحية البنات، آه بأميز الحلوه من الوحشه، بس ما بيثيرونيش ، فاهماني، كنت باقول عادي، جايز نموي من الناحيه دي متأخر شويه، لكن الموضوع ده فضل على طول"

نظرت له مذهولة فاتحة فاهها

سحب نفسًا طويلًا ثم أكمل حديثه لكن ملامحه بدأ يكسوها الجمود

"للأسف مع المذاكره وموت أبويا، بطلت أفكر في الموضوع ده، وكان همي انجح واشتغل عشان أفرح أمي، ومع دوامة الشغل كمان ما لقتش وقت أروح للدكتور، يشوف حل في الموضوع ده، خدتها حجه عشان ما فيش حاجه تلهيني عن الشغل"

سألت ببراءة "طب وبعدين" 

نظر لها "بكل أسف ليكي إنتي مش ليا، ما فيش أمل، أنا جربت كتير أو حاولت أكتر، بس ما فيش فايده، طبعًا الكل بيسأل الأسئله المعتاده، مش هنفرح بيك! ناوي تكمل نص دينك امتى؟ وللأسف بدأت ناس معدومة الضمير تقول إني انسان منحرف"

نظرت له بشك، ولكنه لم يعر هذه النظرة اهتمامًا وأكمل 

"لغاية ما شفتك، حسيت براحه ناحيتك مش عارف ليه! راحه مش رغبه، ولما عرفت ظروفك قررت أني ارتبط بيكِ، ما هو لازم ارتبط بقى، عشان كلام الناس، وإنت طبيعة ظروفك ما اعتقدش إنك هيهمك حاجه زي دي، بالعكس هتكوني مرتاحه من جانب معين وهتلتفتي لدراستك بعدين شغلك، وأنا مش هاقصر معاكي نهائي، كان عندي أمل إن حاجات معينه فيا تتحرك الليله ناحيتك، بس واضح إن الأمل معدوم"

سألت في براءة "طب إنت رحت للدكتور؟"

 ابتسم "أكيد، رحت عملت فحصوات وتحاليل واكتشفت إن عندي اضطرابات عاليه في الهرمونات وهي دي السبب، وبعد علاجات مختلفه، ما فيش نتيجه زي ما إنت شايفه، لأني اتأخرت في الكشف، غير حاجات تانيه جربتها وعملتها، لا داع لإنك تعرفيها أثرت برضه، كان عندي أمل إن الليلة دي تكون فارقه، بس الظاهر ما فيش أمل"

نظرت له مطولًا وضحكت 

سألها " بتضحكي على إيه؟ عليا يا أمل!"

ردت بسرعة "لا والله أبدًا، ما عشت ولا كنت، أنا أصلي من أول الجوازه ولما لقيتك انسان متفهم كده وبتريحني، حسيت إن أكيد هيكون فيه حاجه مش سالكه، بس يا سيدي مش مشكله، إنت اختيارك ليا كان صح، أنا هافضل ممنونه ليك طول عمري ومش هاعترض"

وضعت رأسها على كتفه "أنا خلاص يا هشام بقيت مراتك، قدام كل الناس، اللي في أوضة نومنا ده يخصنا أنا وإنت وبس، ما حدش ليه فيه والمثل عندنا بيقول أنا راضي و أبوها راضي، مالك ومالنا يا قاضي"

ابتسم هشام وقبل رأسها "مش قولتلك إنت خساره فيا"

أمسكت يده في حنو "لا ما تقولش كده ، احنا ربنا عوضنا ببعض، كل واحد فينا هيشيل عن التاني هم، إنت هتشيل عني قسوة وجبروت أبويا اللي بيفرغهم فيا عشان أنا بنت وربنا ماكتبلوش يخلف تاني من بعدي وخصوصًا إنه كان متجوز قبل أمي و الناس قالت عليه ما بيخلفش، ولما سافر واتجوزها وخلفني وجه البلد كان مبسوط بقى، بس كان أمله في واد وربنا ما أرادش، وهتحقق لي حلمي بإني أكمل تعليمي لا وإيه بره كمان، و أنا هاشيل عنك كلام الناس، يعني منفعه متبادله، وربنا إن شاء الله هيكرمنا"

احتضنها بعطف "وأنا عمري ما هأخر عنك أي حاجه وهاحاول على قد ما أقدر أحققلك كل ما تتمنيه"

وقبلها من جبينها واحتل كل منهما جانبا من السرير واستسلم هشام للنوم غير مصدق بموقف أمل موقنا أنه أحسن الاختيار، وأمل تبتسم في قرارة نفسها وتتحدث بينها و بين نفسها " مش مشكله أهي جات لي على الطبطاب وأهتم بمستقبلي وبس ، وكأنه أخويا، أيوه يا أمل احسبيها بالعقل، وإنت يعني حبه ما كانش مقطع في قلبك قوي، نامي بقى"

--

الفصل الرابع

عند الظهيره رن محمول هشام لم ترد أمل بالطبع، استيقظ هشام

 فنظرت له أمل 

" ده رقم بابا، رد بسرعه، تلاقيها ماما حبيبتي"

رد هشام 

وبعد السلامات أعطى الهاتف لأمل التي طمئنت أمها عليها وأن كل شيء بخير وأنها أصبحت مدام البشمهندس هشام؛ فأطلقت أمها الزغاريد، وطالبتها ألا تنساها وتحدثها دائمًا. 

وبعد أن أغلقت الخط

نظر لها هشام "لما إنتي شفتي الرقم وعارفه إنها الحاجه، سيبتيها ترن كتير ليه و ما ردتيش وإلا كنتي عاوزه تصحيني يا أروبه"

نظرت له ضاحكة مندهشة "يا صباح الفل، إنت عاوزني أرد على تليفون محمول، ده كبيره من الكبائر"

انفجر من الضحك "كبيره من الكبائر ده عند عبد الجبار، هنا تليفوني بتاعك تردي براحتك عليه وتتكلمي من عليه عادي جدًا ، أصلا أنا هاشتري ليكي النهارده تليفون وخط يا قطتي"

احتضنته قائلة "أحلى جوز ده و إلا إيه يا ربي!" 

وقبلته في وجنته "هتصحي يا اتش وإلا هتكمل نوم"

ابتسم "هو بعد البوسه والحضن واتش دي ينفع أنام هاصحي طبعًا عشان أفسح قطتي"

 كانت في غاية السعادة والسرور صعدت على غيوم الفرح ولمست سبل الراحة بعد العناء.

سافرت مع هشام، حياة مثاليه خالية من كل ما يعكرها تعيش مع هشام كالأخوة ويمارسان حياتهما بحب، هو يتفوق في عمله وهي تنال أعلى 

الدرجات، يتقاسمان الأعباء المعيشية، كان لها نعم الرفيق.

مرت الأعوام...

 في أجازتهما كانا ينزلان لمصر ويصلان والدتها التي كانت تذبل كل يوم ولم تعد تقو على مجابهة جبروت عبد الجبار وقسوته واقترب موعد تخرج أمل وحصولها على شهادتها في الهندسة.

في يوم ما...

في غياهب الليل وتحت ضوء قمر مكتمل ونجوم مضيئة في صفحة سماء تزينت وكأنها تتحضر لعرس مهيب في شرفة شقتها المتعانقة مع الهدوء التام في ذلك الحي البعيد عن العمران الغارق في الصمت التي تطل على فراغ شاسع جلست أمل تحتسي فنجانها الثالث هذه الليلة من معشوقتها السمراء ببنها المحوج الفاتح وخلوها من السكر فيكفيها حلاوة مذاقها في فمها، فحليمات لسانها تترجم البن لنغمات حالمة تصل لعقلها مباشره فتعانقها و ترقص معها كأروع رقصه فالص أثناء تناولها قهوتها تبدأ تلك الأصوات العجيبة بالتسلل رويدًا رويدًا من بين طيات عقلها حتى تصل لذروتها بدقات الساعة الواحدة ليلًا، قامت من مجلسها مستجيبة لنداء قد جال صداه في رأسها تزامنًا مع دقات تلك الساعة القابعة كتنين رابض في الصالة ويصل صدى رناتها إلى كامل الشقة متجهة للمطبخ بخطوات ثابته، واثقة الخطى تمشي كالملكة، دخلت للمطبخ، واستلت سكينًا خاصة بتقطيع اللحم تعرفها جيدًا، وتعلم مدى حدتها، إنتزعتها من بين براثن درجها القابعة فيه مقلقة إياها من سكونها، معانقة مقبضها الفضي، وسارت بثبات متجهة

 لغرفة النوم، وقفت أمام باب الغرفة، تنظر لذلك الممدد في سلام ببجامته 

 السوداء، ويديه إحداها تعانق صدره والأخرى ممدة بجواره، تقدمت ناحيته

 فظهرت ومضه في عقلها، تحاول اثنائها عما تأمرها به تلك الهمسات التي استحالت لدقات حرب قبلية

 

"إنه لا يستحق ما أنت مقدمة عليه، إنه زوجك، سكنك، حلالك"

انبرت خلية عصبيه ضربت تلك الومضة فجعلتها هباءً منثورًا، بينما ظهرت ومضة أخرى خارجه من بين عدة خلايا عصبية تهادت في دروب عقلها وناقلاتها العصبية متراقصة أمامها حتى تستجيب لها 

"لم تنهين عذابك معه بالسكين؟ دعي عنك تلك الفضية الحادة، ستخلف الكثير من الدماء ، وربما لطخنا الدم" 

انصاعت لتلك الومضة، معلنة التسليم لها، وعادت للمطبخ معيدة الفضية إلى درجها، وعادت لغرفة النوم وقفت بجواره، تململ في نومه ليراها واقفة، نظر لها، فابتسم ثغرها اقتربت منه، صعدت فوقه، أمسكت ذراعه التي كانت تعانق صدره ومددتها بجواره، واعتلته حاجزة ذراعيه بركبتيها، ومالت عليه ومدت يديها إلى تلك الوسادة المجاورة لوسادته، ووضعتها علي وجهه وضغطت بكل قوتها فزع! وبدأ يحاول الخلاص، لكن كيف الخلاص؟ ويداه محجوزتان بين جسده وركبتيها، وجسده لا يطاوعه، أين قوته؟ 

أما هي فلقد أحست بنشوة شديدة، وكأنها ملكة متوجة على عرش الكون، ممسكة الوسادة، لم يستغرق الأمر طويلًا حتى سكن هشام وسلمت روحه لبارئها استمرت بالضغط بالوسادة قليلا بعد لتتأكد من موته، رفعت الوسادة عنه لتجده والدتها، بينما يقف عبد الجبار مبتسمًا في ركن الغرفة. 

استيقظت فزعة من نومها تستغفر الله وتتفل عن يسارها وتستعيذ بالله من ذلك الكابوس الفظيع. 

هدأها هشام فلقد هرع لها من غرفته عند سماعه لصراخها 

"كابوس يا هشام كابوس وحش قوي"

ناولها كوبًا من الماء 

"خلاص إهدي يا أمل إهدي"

"قلبي مش مطمن يا هشام حاسه فيه حاجه وحشه هتحصل"

وعند أمها دخل عبد الجبار الغرفة فوجدها نائمة فايقظها 

" قومي اصحي"

"إيه فيه إيه؟"

وكزها "ده رد! قومي عاوزك"

"خير يا حاج، حصل إيه؟"

"ما حصلش حاجه قومي إلبسي القميص الأحمر"

نظرت له مستعطفه "أنا تعبانه يا حاج والله، ربنا يكرمك صدقني مش قادره"

نظر لها غير مصدق "بتقولي إيه تعبانه؟! وأنا مالي، تقوليلي تعبانه إزاي، إن شا الله تموتي إنتي تعملي اللي أنا عاوزه وبس"

تمسكت بجلبابه "يا حاج ده أنا عمري ما قلت لك لا أبدًا، والله تعبانه"

أبعدها عنه بعنف وهو يخلع جلبابه " لا ده إنتي عاوزه تتربي وتتأدبي"

و كان ما كان...... 

بكل العنف والقوة ولكن أم هاشم لم تتحمل هذه المرة لقد لفظت أنفاسها بين يديه بعد أن أنهى إشباع غريزته لم يلتفت لها كالعادة وغط في نومه. 

عند الساعة الخامسة فتح عينيه ونظر للساعة المعلقة على الحائط، فوجدها الخامسة ووجد أم هاشم ما زالت نائمة، وكزها بعنف "اصحي يا وليه، ينفع كده ضيعتي عليَّ الصلاة"

 ووكزها مرة أخرى لم يجد إجابه واكتشف أنها سلمت روحها لبارئها 

امتعض قائلًا "على الصبح يا ربي ده الواحد لسه ما شقش رِيقه"

وأجرى اتصالاته وجهز اللازم لدفنها وهاتف هشام ليخبره.

 

كان آخر يوم من اختبارات أمل، أخيرًا انزاح القلق ، وستبدأ بانتظار نتيجة تعبها عادت للمنزل مسرورة وجهزت الطعام، فلقد اقترب موعد وصول هشام، دخل المنزل وجمًا والحزن بادٍ على ملامحه 

هرعت له "إيه مالك يا هشام؟"

صمت قليلًا "الحاج عبد الجبار تعيشي إنتِ"

صدمتها الكلمة، هل حقًا توفي؟ هل حقًا انتهى عهد القسوة والجبروت؟

 هل سترتاح أمها أخيرًا؟ لم تنزل الدموع من عينيها 

"أنا هاكلم ماما اطمن عليها"

أمسك يدها قبل أن تصل للهاتف "ما فيش وقت أنا حجزت خلاص الطياره كمان ساعتين يادوبك نلحق نجهز حاجتنا ونروح المطار" 

 أعدت ما تحتاجه

 وهي تعد الحقيبة قالت لهشام "هشام مش هينفع ماما تقعد لوحدها، أنا هاستني في مصر وإنت ترجع تخلص باقي الورق، وتجيلنا وهي هتعيش معانا ممكن؟"

رد بحزن " حاضر طبعًا إن شاء الله"

أنهت تجهيز الحقيبة وخرجت أمسكها من يديها "إيه ما فيش حتى دمعتين؟!"

نظرت له طويلًا "صدقني أنا زعلانه، مهما كان هو كان في حياتي على طول، بس تواجد بس يا هشام ، مش فاكره له حاجه كويسه، مش فاكره أنه حضني مره، وإلا طبطب عليا مره، وإلا قالي مره كلمة تشجيع، كل حياتي كانت لا، وممنوع وما يصحش، تصدق بالله العمده كان أحن عليا منه ولو بعد الشر العمده اللي مات كنت انهرت، والله من ساعة ما إنت قلت لي الخبر وأنا باحاول يا هشام، باحاول افتكر حاجه حلوه ليه عشان أبكي عليه مش لاقيه، ده من يوم ما اتجوزنا ما رفعش سماعة التليفون بالغلط حتى يقولي عامله إيه؟ و أنا ما جبتش سيرة ماما واللي كان بيعمله فيها والا بيعاملها ازاي، بأمانه ماما ارتاحت والحمد لله من عمايله"

نظر لها بحزن "من ناحية ارتاحت فهي ارتاحت"

وصلا البلد بعد إنتهاء مراسم الدفن والصيوان 

رن هشام الجرس لتفاجأ أمل بعبد الجبار أمامها ارتدت فزعة للخلف 

"بسم الله الرحمن الرحيم"

فقال بسخرية " ايه شفتي عفريت؟!"

أحست أن مخها يتوقف عن العمل ثم بدأت تربط بين حزن هشام الواضح جدًا طوال الطريق وبين وقوف عبد الجبار أمامها و أطلقت الصرخة 

صرخة شقت عباب الليل وأيقظت من كان قد نام من الجيران 

" ماما"

ثم سقطت بين ذراعي هشام، نظر لها عبد الجبار في غير اهتمام 

" ادخلوا بلاش فرجه الناس علينا"

حملها هشام للداخل وعند استيقاظها أمسكت بيده 

"هشام قولي إن ده مش صح، إكدب عليا و قولي ماما كويسه، ماتت يا هشام! ماما ماتت! يا رب يا رب، آه يا قلبي آه يا كسرتي، يا ظهري اللي اتقطم، يا سندي اللي راح، هي يا هشام، هي السند ليا وهي كل حاجه"

والدموع تنهمر من عينيها انهمارًا وتمسك رأسها ألما 

" دماغي يا هشام حاسه إنه هينفجر مش قادره أتحمل، وديني ليها يا هشام، ربنا يخليك وديني"

احتضنها "الدنيا ليل يا أمل ما ينفعش، كلها شويه والنهار يطلع ونروح"

قامت وتوضأت وجلست تقرأ القرآن وتبكي إلى أن مر الوقت وأسندها هشام وذهبا للمقابر، ما أن رأت المقبرة حتى انهارت ولم تتمالك نفسها 

"يا ماما، سبتيني ليه يا ماما؟ يا رب مش معترضه يا رب ، بس مش قادره، قلبي مش متحمل، الصبر يا رب، صبرني يا رب"

احتضنها هشام وبعد فترة طويلة صحبها للمنزل بدخولها المنزل ألقى عبد الجبار في وجهها قنبلته 

"لمي حاجه أمك قبل ما تمشي يا تاخديها معاكي يا تحطيها في المخزن، عشان أنا هاتجوز"

لم تصدق ما سمعت نظرت له فاتحه فاهها ببلاهة ثم قالت

 "سمعني تاني كده قلت إيه؟"

جلس على الأريكة ببرود "قلت لمي حاجه أمك عشان هاتجوز"

"دي لسه دمها ما بردش"

"وأنا مالي! أنا راجل وليا طلباتي، وعاوز اللي ياخد باله مني، وما لكيش دعوه بالذهب ده أنا شاريه بفلوسي، وأنا لسه عايش ما متش"

نظرت له و قالت بغل "إنت ازاي كده؟ إنت لا يمكن تكون أب"

نظر لها ولهشام "خلاص هي ماتت وخلصنا وعاوزه تعرفي آه أنا مش أبوكِ"

نظرت له في غير تصديق، ثم نظرت لهشام، فهز رأسه بنعم

 واقترب منها واحتضنها " أيوه يا أمل عبد الجبار مش أبوكِ، وماما الحاجه أكدت ده ليا لما عبد الجبار قالي الكلام ده"

"يعني إيه؟! أومال أنا بنت مين؟!"

 ثم وضعت يديها على فمها لحظه، وقالت

" يا نهار أسود، أنا بنت حرام" ولطمت خديها 

ثم قالت "لا لا يمكن! أمي ما تعملهاش لا يمكن!"

هدأها هشام بينما عبد الجبار على جلسته لم يتحرك

"لا، لا، اسمعي بس ماما الحاجه كانت متجوزه وحامل في الشهور الأخيره ووالدك مات في حادثه، أهله لما عرفوا إنها حامل في بنت طردوها، وما كانش ليها حد اشتغلت في البيوت ولما عبد الجبار شافها وكان في البلد الكلام طلع عليه إنه ما بيخلفش بعد جوازتين اتجوزهم اتفق معاها يرحمها من خدمة البيوت ويتجوزها بشرط يكتب المولود باسمه عشان يسد ألسنه الناس، وهي وافقت"

نظرت لعبد الجبار بغل "عشان كده طول عمرك كارهني، روح ربنا ينتقم منك"

ولملمت متعلقات والدتها وغادرت لأمريكا وقطعت صلتها به تمامًا.

 كانت أخبار عبد الجبار تصل لأمل من البلد، لقد تزوج بفتاة صغيرة وبعد فتره جاءت الأخبار المفجعة لقد قتل زوجته بعد علمه بنبأ حملها 

واكتشف الطب الشرعي بالطبع أن الجنين الذي كانت الزوجة تحمله ليس من صلبه و انكشف ما كان يخبئه عبد الجبار من عدم قدرته على الانجاب، لقد قتل زوجته بعد علمه بحملها، وتأكده من خيانتها قتلها هي وعشيقها سويًا، لم يتحمل عبد الجبار كسرته أمام الناس وألقى بنفسه من سراي النيابة أثناء التحقيق معه ومات وانتهي عبد الجبار بظلمه و أيامه وذكرياته الأليمة.

مرت فترة... 

صلاح تم ابتعاثه في تبادل خبرات خاص بالشركة لواشنطن، لتكون مشيئة الله بأن يقتل هشام في أحد عمليات القتل العشوائية بأمريكا، فكان بجوار أمل يشد أزرها، فقد هو أخيه الوحيد، وفقدت هي كل عالمها، كانت أمل منهارة حرفيًا، محطمة بالكلية كقطع فسيفساء متناثرة لا تجد من يجمعها، كانت قد بدأت عملها في الشركة برفقة هشام وكان مسؤولي الشركة مبهورين بذكائها وأفكارها، هشام ربما كان زوجها على الورق، لكنه كان لها الأب، الأخ والصديق، صوته وضحكاته ومزاحه معها يملآن أرجاء الشقة، سافر صلاح وأمل لمسقط رأسهم بالصعيد، حيث مقابرهم لدفن هشام، وهناك مكثا حتى الأربعين مع عائلة هشام وصلاح، تجسدت كانت راحة الجميع مع أمل و اندمجت معهم كأنما تربت بينهم.

فاتح العم الكبير صلاح في أمر زواجه من أمل، كاد صلاح أن يستشيط غضبًا لكن العم سيد هدأه 

"يا بني اعجلها إكده، البنيه لساتها صغار، ومليحه، وعلام ومركز عالي، تفتكر هتفضل لحد ميته من غير جواز، وإنت بنفسك حكيت لي إن أمها ماتت وأبوها مات، يعني يتيمه، يرضيك حد لا نعرف أصله ولا فصله يضحك عليها ويتجوزها، و البنيه عشريه كأنها متربيه وسطينا، يبجي نسيبوها للغريب ليه؟ يا صلاح يا ولدي إنت من بعد مرتك وبتك وإنت بطولك، ليه بجي ما نلمش الشامي على المغربي، وجايز ربنا يرزجها منيك بحته عيل، اللي هشام جاله لي إن العيب كان منيه، عشان إكده ما خلفوش، فكر زين يا ولدي، أنا ما أغصبش عليك، بس جلت لك اللي في خاطري، 

وعجلك في رآسك تعرف خلاصك"

ترك صلاح عمه وكلماته تدور في رأسه كثور يدور في ساقية لا يمل و لا يكل، وجدت الكلمات في عقل صلاح ملجأ و ترك صداها في قلبه مكانًا.

وبعد أن صلى صلاة استخاره، أنار الله قلبه وعقله معًا و استقر على مفاتحة أمل في الموضوع بعد إنتهاء عدتها، وأسر لعمه برضاه ورغبته. 

طلب عمه من سيدات العائلة التمهيد لأمل بشتى الطرق بالتلميح حينًا والتصريح المستتر حينًا أخرى، خاصة أنهن طلبن منها أن تظل في بيت العائلة معهن وأخذت أمل أجازة طويلة من عملها، مع أن هذا كان صعبًا لكن مهاراتها وامتيازاتها هناك أهلتها لذلك فلم تكن الشركة تريد خسارتها بعد خسارة هشام، فأمل وهشام كانا عقلية هندسية فذه، ولأن الطرق على المسمار يدخله في الحائط أو كما يقولون "الزن على الودان أمر من السحر"

وافقت أمل 

بعد انتهاء عدتها عقد عليها صلاح في حفل عائلي بسيط، وسافرا سويًا للإسكندرية ليكونا وحدهما في شهر العسل، وكان هذا طلب صلاح،

بعد وصولهما الشقة، جلسا سويًا في الصالة ونظر لها صلاح 

"أنا عارف إن جوازنا جه بسرعه، بس براحتك خالص يعني نتم الجواز براحتنا"

ابتسمت "ماشي حتى نكون اتعودنا على العيشه سوا"

مر يومان بالتمام والكمال وأمل لا تألو جهدًا في التودد لصلاح كما نبهتها العمة الكبيرة سهير

 "يا أمل يا بتي، صلاح شاف كتير، ووحداني من يوم مرته وبته، وإنتي يتيمه، حاجي عليه، وخليه يجرب لك بجلبه يا بتي، ما يريش منك غير الزين، تعوضيه عن وحدته، ويعوضك عن هشام، وآنى عمتهم الاتنين، وخابره ده وخابره ده، وباجولك يا سعدك يا هناك بصلاح، فكري زين، واعملي عيله تكون عزوتك"

وكذلك صلاح 

إلى أن تم المراد بأمر رب العباد وتم الزواج و كانت الصدمة والدهشة من نصيب صلاح حين وجد أمل عذراء، وبعد أن أخذ يتوسل لها لتفهمه، حكت له على ما كان بينها وبين هشام ومن أنهما كانا كالأخوة.

مرت الأيام وأصبحت أمل حامل لتلد صبيًا أسموه هشام ونقلت أمل وكذلك صلاح عملهما لأقرب مكان للصعيد والتم شمل الكل، وعاشت أمل في كنف العائلة، تنعم بحب وحنان عظيمين. 

وعاشت حياتها يتخللها بالطبع عثرات وعثرات وخلافات في وجهات النظر لكن بوجود الاحترام والتفاهم وتقريب وجهات النظر والقليل من التنازل عن التمسك بالرأي استمرت الحياه.

تمت بحمد الله

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب333938
2الكاتبمدونة نهلة حمودة189842
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181442
4الكاتبمدونة زينب حمدي169743
5الكاتبمدونة اشرف الكرم130964
6الكاتبمدونة مني امين116783
7الكاتبمدونة سمير حماد 107804
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي97886
9الكاتبمدونة مني العقدة95008
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91748

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة نجلاء البحيري2025-07-01
2الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
3الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
4الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
5الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
6الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
7الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
8الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
9الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
10الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14

المتواجدون حالياً

671 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع