الفصل الثاني
لقب الجبالي في عالم المخدرات والسلاح بلقب العقرب
النجع كلهم رجاله يعاونونه بدون أن يجرؤ أحد على مجرد التفكير في خيانته، الجبالي يغدق عليهم جيدًا بنقوده وعطاياه، لا يحتاج أحد منهم إلى شيء إلا ويجده عنده قبل أن يفكر حتى في طلبه منه، رجاله وعيونه منتشرون في النجع لمعرفة كل كبيرة وصغيرة، المهم ألا يقرب أحد منهم لطريق المخدرات، لا يريد رجالًا لا عقل لهم، يريد رجالًا بكامل وعيهم، يكفيهم الخمر عندما يريدون الفرفشة على حد قوله،
الجبالي حلم فتيات النجع بأكمله والنجوع المجاورة لكنه لا يلقي بالًا لهن، لم تأسر قلبه أنثى بعد، كأبطال الأفلام "طول بعرض اسم الله عليه" هكذا يقولون، طويل القامة عريض المنكبين أسود الشعر، أسود العينين له جسد رياضي، ذو شنب.
قام الجبالي من مجلسه، مبتسمًا وفاتحًا ذراعيه لاحتضان رشوان، فهو أخوه الكبير:
-يا مرحب بالرجاله ها إيه الأخبار يا رشوان؟
احتضنه رشوان بقوة:
- كله تمام يا كبير.
قال الجبالي وقد رسم الجدية على ملامحه:
- يالا يا رجاله دسوا البضاعة لحد ما يجي المعلمين يستلموا نصيبهم.
في الليل جاء التجار، ومن بينهم ضرغام العبابسي، صاحب أكبر نصيب في هذه العملية.
رحب الجبالي بضرغام قائلًا:
- يا مرحب بزين رجال العبابسة.
- يا مرحب بيك يا صجر.
- خابر يا ضرغام بيه، آني مبسوط إننا هنفتحوا شغل مع بعض، وكان نفسي فهد بيه يكون معانا.
- لا فهد ما لوش في المخدرات، ولا يعرف من أصله إني عاتاجر فيها.
- أباه، كيف ده؟
- زي ما باجولك يا جبالي.
وجلسا سويًا يتسامران إلى أن أنهى الرجال تحميل البضاعة،
وغادر ضرغام، ليقوم بتخزين البضاعة، ثم توجه لإمضاء عقود شراكة مع شركة جديدة.
***
بينما فھد مرابض عند المشفى ينتظر أن يعرف أي خبر عن الچازية ورابحة، رابحة التي كانت صغيرته ولم يكن يفترق عنها، وكم حزن لاختفائها، أراد الذھاب لدورة المیاه، فذھب لذلك العامل بالاستقبال
وقال: اسمك إيه يا خوي؟
- عُمر يا عمده.
- طب يا عُمر آني جاصدك في طلب.
- أؤمر يا عمده، كل اللي تقول عليه أنفذه.
- أنا رایح الحمام، لو حد من الجماعه اللي جم مع عمران بيه خرج رن لي بس.
- حاضر یا باشا، بس ما قولتلیش تقربلھم إیه؟
- إیه یا عُمر؟ كده ھازعل منيك، ما تتدخلش في اللي ما لكش فیه، وآني هاراضيك.
- حاضر یا باشا على راسي، عنيا ليك يا عمدتنا.
بينما فهد في دورة المیاه، ويغسل يديه، أخذت ذكرياته التي جمعته مع رابحة تطوف بمخيلته وهو يتذكر شكلها بالضفائر، ويتذكر خالته الچازيه التي كانت تحبه كثيرًا، وكانت صديقة مقربة لوالدته صبيحة، لينتشله رنين الهاتف برقم عُمر فيسرع
للرد:
- إیه یا باشا فتحت علیا لیه؟
- يا بوي عليك يا عمر، یخربیت إكده ھاشحنلك اخلص.
- الست الصغیره خارجه أھي.
- عطلھا یا عُمر أنا جاي أھو.
فیسرع عُمر للاصطدام برابحه ثم یعتذر منھا، ويتمنى لوالدتها السلامة.
وكان فھد قد وصل مشیرًا لعُمر، فاعتذر عُمر مرة أخرى منھا، وتركته منصرفة.
أخرجت ھاتفھا لتطلب أحد سیارات أوبر لكن الھاتف كان قد انتھى شحنه، تأففت وأشارت لإحدى سیارات التاكسي ولم تنتبه لشكل السائق المریب، فعقلھا لم یكن معھا، كانت في عالم آخر، خائفة، مذعورة على والدتھا، منتظرة لنتیجة التحالیل، متخوفة منھا، فشكل السائق لم یكن مریحًا أبدًا، لقد بدا قلقًا جدًا، لم تنتبه إلى أن السائق سلك طریقا مھجورًا في ھذا الوقت من اللیل وفوجئت به یوقف السیارة
نظرت حولها لتجد أن ھذا لیس المكان المنشود قالت في توتر:
-أنت وقفت لیه؟ فیه حاجه في العربیه؟
لیلتفت لھا مشھرًا سلاحًا أبیض في وجھھا وهو ينظر لها بكل رغبة:
- لا في حاجه فیا أنا، انزلي یا حلوه بالھداوه كده بدل ما أغتك وإلا أخلي وش القمر ده شوارع، خليكي حلوه كده واسمعي الكلام، نخلص كل حاجه بالرضا، لا من شاف ولا من دري، بدل ما نخلصها بالغصب وأتوايكي في أيتها مطرح، وبرضه لا من شاف ولا من دري، انزلي يا أموره.
كانت تنتفض من خوفھا، وترجوه أن یأخذ ما معھا من نقود وذھب ویتركھا لحال سبیلھا، تنظر حولها فلا تجد من تستنجد به، فتعود لترجوه، ليبتسم كاشفًا عن أسنانه الصفراء القبيحة، ويقول:
- ما أنا ھاخد كل حاجه.
وھو یضحك ضحكات مقیته ناظرًا لھا بنظرات قذرة ملیئة بالشھوة والرغبة نزلت من السیارة وھو یتبعھا:
-امشي قدام شویه، في الخرابه اللي ھناك دي.
نزلت تقدم قدمًا وتؤخر أخرى، وھي تبكي وتتوسل إليه أن یتركھا، بدخولھما الخرابة أمسكھا وألقاھا على الأرض وھي تقاومه وتحاول أن تمسك بأي شيء لتدافع عن نفسھا، ارتطمت یدھا بحجر وضربته به فاستشاط غضبًا وھجم علیھا بضراوة یصفعھا:
- آه يا قطة والله لأدفعك ثمن الخبطه دي غالي قوي.
ومزق ملابسها وبدأ يتلمس جسدها وهي تحاول التملص منه أو أن تصل لذلك الحجر القريب منها لتضربه، فلن تجعله يتمكن منها أبدًا، لأن تموت مرافعة عن شرفها خير لها من أن تحيا بعار يقتلها ويلطخ سمعة عائلتها، وفجأة سمعت صوت طلق ناري ووجدته یجثم على صدرھا، جاحظ العینین فاقدًا للروح، ثم وجدت جسده یزاح عنھا، وید تمتد لتمسك بیدھا وتساعدها على النھوض، نظرت لذلك البطل الذي أنقذھا....
طوله الفارع، جسده القوي، لكنھا كانت مضطربة وخائفة، نظرت لذلك المسجي على الأرض مرتعبة، فقال ذلك الشاب:
-ما تخافيش، كلب وراح.
تلعثمت الكلمات في فمھا:
- بس .... ده .... مات.
- في ستین داھیه، مالكیش دعوه إنتي باللیله دي، تعالي معایا.
لم يترك لها مجالًا للرد، أمسك یدھا وانقادت له، كانت تحس باطمئنان عجیب، وهدوء أعجب یكتنفانھا، كانت تحس بالانتماء لھذا الجبل الواقف أمامھا، أدخلھا السیارة، وأغلق الباب ثم ھاتف أحدھم
- فیه مصلحة عاوزین نخلص منھا و بسرعة ف.......
وأملاه العنوان
ودخل السیارة وانطلق بھا، ألقى نظرة علیھا، كانت بلوزتھا قد تمزقت وھي تمسكھا بیدیھا لتداري نفسھا، أوقف السیارة بجانب أحد المولات وزفر زفرة طویله وقال:
- ما ينفعش تروحي بهدومك دي كده، ما یصحش حد یشوفك بالشكل ده، ما تخافيش، خلیكي في العربیه، اقفلي الباب، وأنا ربع ساعة وأكون ھنا.
مدت یدھا تتشبث به:
- لا متسبنیش.
نظر في عینیھا وابتسم ليطمئنها:
- ما تخافيش.
ونزل، غاب قلیلًا وعاد، أعطاھا كیس:
- الكیس ده فیه بلوزه بدل اللي اتقطعت دي، وطرحه ودبابیس كمان، العربیه إزازھا متفیم، اطمني، أنا ھاقف بره حواليكي، وانتي غیري ھدومك واعدلي طرحتك، ولما تخلصي نادیلي.
ردت باستسلام:
- حاضر.
وقف بالخارج یتذكر ما حدث، فعندما رآھا تخرج ھاتفھا وتتذمر ثم تشیر للتاكسي وھو یسیر ورائھا، فلم يرتح أبدًا لمظهر ذلك السائق، حمد الله أنه قد قاد سيارته خلف التاكسي.
سمعھا تنادیه:
- یا .... یا .... أنا خلصت.
ابتسم ودخل السیارة:
- بيتكم فين؟
أملته العنوان الذي یعرفه بالطبع، أحس بھا ترتعش، فنظر لھا متأملًا جمالھا الھادئ الأخاذ وملامحھا الجذابة، ثم أوقف السیارة وأخرج من جیوب جاكت البدلة متعلقاته وخلعه وناولها إیاه:
- البسي ده شكلك بردانه.
- شكرًا بس.
- من غیر بس، اسمعي الكلام.
واستأنف القیادة
- أنا عارف إني مش علشان أنقذتك هاتدخل في تصرفاتك، بس معلش الفضول هيموتني ممكن أعرف ما طلبتیش عربیه من أوبر أو كریم توصلك أضمن لیه؟
ردت بسرعة:
- والله كنت ھاعمل كده، عمو أصلًا ما رضيش يسيبنبي أنزل أجیب اللي إحنا محتاجینه إلا لما قولتله إني هاركب أوبر أو كريم، بس لقیت التلیفون فصل شحن.
- یبقي كنتي تنقي حد على الأقل كبیر في السن وإلا شكله ثقه، السواق اللي انتي كنتي راكبه معاه ده أصلًا شكله لوحده شبھه.
- ما كنتش مركزه وﷲ، أنا قلقانه على ماما جدًا ودماغي بتودي و تجيب، وخوفي عليها مخلي مخي مش معايا.
- حصل خیر، الحمد لله إني شفتك، وشكیت في السواق.
- بس ده مات، و....
- قلت لك ما تفكریش في الموضوع ده.
كنا قد وصلا:
- ده البیت.
- أیوه.
-طب اتفضلي، ھاتي اللي إنتي محتجاه وأنا مستنیكي ھاوصلك المستشفى.
- بس كده كتیر، شكرًا لحضرتك، أنا ھاشحن التلیفون لسه وھاتأخر.
- قلت ھاستناكي، یالا انجزي، مش هاتحرك قبل ما أرجعك لأهلك المستشفى واطمن.
نظرت له وابتسامة جزلى قد سكنت محياها، وهدوء عجيب قد سكن قلبها، ثم نزلت من السيارة وصعدت الشقة ووضعت الھاتف على الشاحن، وھي متعجبة من استكانتھا لھذا الغریب وإحساسھا بالأمان معه، نظرت من نافذتھا لتجد سیارته ما زالت مكانھا ولم یغادر، دب السرور في قلبھا، وبينما هي تلملم ما تحتاج إليه في المشفى، رأت أمامها صورة فهد عندما كان صغيرًا فهي تحتفظ بها بدون أن تدري أمها، فأنبت نفسها، كيف ترتاح لذلك الفتى وتنسى فهد، الذي لم يكن يفترق عنها منذ صغرهما، وابتسمت حين تذكرت ما كان يفعله لو طلب أحد الصبية اللعب معها، كان يتذمر ويفور غضبًا صارخًا رابحه دي حجي آني، ما حدش يلعب معاها غيري، وينظر لها ويسألها: رايده تلعبي مع غيري، فتجيبه: لا.
ضحكت، ثم أقنعت نفسها أن لا سبيل أبدًا للقاء بفهد، فهذا من سابع المستحيلات.
أما فھد فرن ھاتفه
- اطمن یا كبیر المصلحه قضیت، وخدنا الحلوه ھدیه وحلوان.
- شوفوا الورج اللي فیھا اللاول، جایز تكون مش بتاعته، لو مش بتاعته تترد لصاحبھا، وتشوفوا الكلب ده مین ومنین، ولو لیه حد في رجبته، ولو العربیه بتاعته ثمنھا یروح لأھله وتتكفلوا بیھم، ھم ما لھمش ذمب.
- تمام یا كبیر.
انتھت من تجمیع ما تحتاجه وأحضرت شاحن الھاتف لتكمل شحنه بالمشفى، نزلت لتجده واقفًا یستند على السیارة، كانت الإضاءة تغمره، بالرغم عنھا وجدت نفسھا تتأمل في تفاصیله بنظرات تحاول سرقتھا، لكيلا یلاحظھا، أما ھو فقد كان یحدث نفسه (معجول مش فاكراني یا رابحه، معجول البعد نساكي فھد، بس ھي معذوره، كانت لساتھا صغار برضك، آني الكبیر الواعي، بس جلبھا حاسس، آني خابر زین، عیونھا حاسه آني ناظرھم)
بادرت بالقول حيت اقترابها من السيارة:
- باتعبك معایا، مش عارفه أشكرك ازاي.
- ولا أي تعب، اتفضلي، وشكر إيه أنا عملت الواجب، اطمني الرجاله الجدعه ما خلصتش لسه من الدنيا.
- بس برضه ما قلتليش الراجل اللي مات ده هتعمل ايه فيه؟ ممكن كده تبقي مشكله ولو حد شافنا هنلبس قضية.
- قلت لك ولا كأن حصل حاجه، اطمني المكان متطرف بعيد، وما فيش فيه كاميرات مراقبه، ومحدش شافنا، وأهو كلب وراح، اللي زي ده ما يتسألش عليه، وأنا أصلًا هاروح أبلغ فيه إنه قطع الطريق عليا وحاول يسرقني، هو شكله أصلًا سوابق، وأنا دافعت عن نفسي، ومسدسي مترخص.
- بس كده ممكن تتحبس.
ابتسم:
- ولا هاخد حتى خمس دقايق، اطمني انتي بس، وما تفكريش غير في ماما.
وفي الطریق كانت صامته، وھو كذلك، بينما كان یسترق عدة نظرات لھا بدون أن تلاحظ، وھي أیضًا كانت تفعل ذلك.
بعد فترة كسر حاجز الصمت بسؤال قد أجابته عنه مسبقًا لكن لم يجد ما يقوله سواه: -هي الوالده عندها إيه؟
- هي ماما تعبت فجأة ومش عارفین مالھا، لسه نتیجة التحالیل ما ظھرتش.
- ربنا یطمنك علیھا.
- یا رب.
- أنت لازم تطلع معایا، عشان عمي عمران یشكرك على الواجب اللي عملته معایا ده.
اضطرب قلیلًا فھو لا یرید من عمران معرفة أنه قد علم أي شيء الآن لكيلا يهرب بهما مرة أخرى:
-معلش استسمحك، لازم اطلع على القسم ابلغ وأكيد هاقعد هناك شويه عشان التحريات وكده، مش هينفع أتأخر في البلاغ أكتر من كده.
انتابتھا الخیبة، ودت لو تخبره أنھا ترید رؤیته مرة أخرى، لكنھا لم تستطع، كانت تخشى أن تنزل من السیارة لتفترق عنه، كانت تتخوف أن یكون ھذا لقائھما الأول والأخير، لكنه نفض ذلك التخوف عنھا عندما ابتسم قائلًا:
- لو ممكن تدیني رقم تلیفونك، عشان ابقي اطمن على الوالده یعني، وآجي أزورھا.
كادت تطیر فرحًا لكنھا ارتدت وجھًا باردًا في محاولة منھا لإخفاء سعادتھا، لكن تلك العینیان الناعستان كشفتا فعلتھا:
- اتفضل.
وأملته رقمھا، كانا قد وصلا أمام المشفى فنزلت سریعًا ونسیت تمامًا أن تأخذ رقمه، ولم تتذكر ذلك إلا بعد أن صعدت أمام باب غرفة والدتھا، دخلت الغرفة ووجدت والدتھا ممددة على السریر في ھدوء وسكینة، وبجوارھا یجلس عمران محتضنًا كفه في كفھا.
ما أن رأى رابحه حتى ھتف: إیه یا بتي جلجتیني علیكي، تلفونك كل ما أرن یجولي قد یكون مغلقًا.
- معلش یا عمي فصل شحن، ماما نایمه عادي كده وإلا واخده منوم.
- لا یا بتي الدكتور ادھا منوم وجال مش ھتصحي إلا بكره.
- طیب كویس، عشان أحكیلك اللي حصل وما تسمعوش.
لیتوتر عمران:
- فیه إیه یا بتي انطجي؟
- ھاحكیلك بس بشرط.
- یا بوي یا رابحه، كفایه عليّ حرجه جلبي على أمك، انطجي یا بتي.
- أنا لما نزلت جیت اطلب أوبر أو كریم لقیت التلیفون فصل شحن.
قاطعھا:
- واه، ما طلعتیش طلبتیھم من تلفوني لیه؟
- یا عمي ما تقاطعنیش بقي عشان ما اتلخبطش، ربنا یخلیك.
- حاضر هاسكت واصل لغاية ما تخلصي حديت.
فقالت بكلمات متسارعة متلاحقة:
- قلت خلاص، إحنا مش متأخر قوي، أوقف تاكسي، وشاورت لواحد، وركبت وخدني من طریق مھجور، وفتح علیا مطواة ونزلني وخدني خرابه وكان عاوز یغتصبني.
ھب عمران من مكانه فزعًا یحتضنھا:
- یا واجعه مربربه، إنتي ملیحه، جدر یعملك حاجه، انطجي ما تخافيش.
أمسكته من كتفیه:
- اطمن یا عمي، وﷲ ما آذاني، لو كان طال مني حاجه كنت موت نفسي أشرف لي، ھاكملك أھو، ضربته بحجر ایدي وصلتله، اتجنن وهجم عليا، وفجأه سمعت صوت ضرب نار ولقیته وقع على صدري قاطع النفس، ولقیت حد شاله من علیا، وأنقذني، وقالي ما لكیش دعوه وانسي اللي حصل ووصلني للبیت، وفضل مستنیني وجابني المستشفى.
لیقول عمران بعد أن تنفس الصعداء:
- ألف حمد وألف شكر ليك يا رب، إنه حفظك ليا ولامايتك، وھو فین ابن الأصول الشھم ده، عشان نجازوه على اللي عمله ده.
- للأسف كان مستعجل، عشان يبلغ عن السواق ويخلي مسؤليته ومش هيجيب سيرتي خالص طبعًا، هيقول إن السواق ده قطع عليه الطريق وكان عاوز يسرقه وهو دافع عن نفسه، أنا ادیته رقم تلیفوني عشان یكلمنا، بس نسیت آخد رقمه.
نظر لھا بغضب:
-أدیتیه رقم تلفونك لیه؟ آمال تلفوني أنا فین؟
لتتلعثم:
- أصل كنت متلخبطه یا عمو بقي ومش عارفه ولا مركزه.
- ماشي یا بت الناصري.
- بت الناصري، ما بتقولھاش إلا لو إنت زعلان مني.
لیجیب مقطبًا حاجبیه:
-إیوه زعلان، وزعل واعر كمان، غلطانه یا بت الناصري، والغلط راكبك من ساسك لراسك، كنتي طلعتي اتحددتي من تلفوني، و إلا كنت آني رحت جبت الحاجه، تجدري تجولیلي دلجیت لو كان حوصل لك حاجه، كان إیه العمل؟
لتقترب منه وتقبل رأسه:
- آسفه یا بابا.
لیحتضنھا:
-مسكتیني من یدي اللي بتوجعني یا بت الچازیه، عارفه إني بألین لمن تجولیلي بابا بتاعة المصاروه دي.
لتضحك رابحة:
- إحمد ربنا إن ماما نایمه، لو سمعتني أنت عارف مش هنخلص.
لیبتسم ناظرًا للچازیة:
- عارف، ما تجبلش أبدًا إنك تجولیلي یا بابا، وعتجول، عمران كیه أبوكي إنما إنتي بنت الناصري.
وابتسم بألم:
- عمرھا ما نسیت حبھا لیه، وھیفضل في جلبھا لحین ما یأذن ربنا لیھم باللجا.
نظرت له متعجبة:
- أنا وﷲ باستعجب منك، أنت مش بتتضایق إزاي یعني؟ متجوزھا، وأنا عارفه إنك بتموت في التراب اللي ھي بتمشي علیه، نظرة عينك ليها فيها لمعة عاشق ولهان، لو شفت وشك بيفرح إزاي لما هي بتكون مبسوطه، وإلا لما بتتوجع إنت بتبقى عامل ازاي، وبقالكم أكثر من عشر سنین مع بعض، وكل واحد فیكم في أوضه، وأنا شایفه حبك لیھا وعنیك اللي بتعشقھا.
- آدیكي جلتي حبك لیھا، مش حبھا لیك، أمك ما عشجتش غیر ناصري، وجوازنا ده بس عشان كلام الناس، ما یجولوش غریب داخل على الحریم، وده عھد آني ادیته لیھا، إني ما أقرباھاش واصل، وعشان إكده وافجت على إننا نتجوز، عشان انجدھا بس من ضرغام، یا بتي عمك ضرغام واعر، وما كانش ھیسیبھا تعیش معاه كیه ما ھي معایا كده، وھي ما تجدرش تكون لراجل غیر ناصري.
احتضنته رابحة:
- إنت جبل.
ثم أردفت:
-بس إنتوا دایمًا بتقولوا على عمي ضرغام ده إنه صعب، بس أنا مش فاكراله حاجه وحشه خالص، بالعكس كل ذكریاتي عنه وعن ابنه فھد حاجات حلوه.
ضحك عمران:
- عشان ھو الحج یتجال كان بیحبك جوي، وفھد كمان ما كانش یكلم حد من البنته إلا إنتي، ودایمًا كان یجول، رابحه دي ملكي آني وبس.
ضحكت رابحه، ولا تدري لماذا قفزت فجأة صوره ذلك الوسیم الذي أنقذھا لمخیلتھا؟
**
بينما كانت رابحه تنتظر على أحر من الجمر، أن تظهر نتيجة تحاليل والدتها وتطمئن عليها، وأن يتصل ذلك الوسيم الذي شغل عقلها وقلبها سويًا رغم كل الاضطرابات بهما، كانت تنظر للهاتف لتتأكد أنه يلتقط الإرسال جيدًا.
كان فهد قد اتفق مع عمر أن يتابع مسألة ظهور نتيجة التحاليل، وفور صدورها هاتف فهد وأبلغه بالنتيجة، ليسأله فهد والحزن يسكنه:
-عُمر إنت متأكد من النتيجه؟
فأجاب عُمر:
- عيب يا عمده أنا هاضحك عليك، النتيجه لسه طالعه حالًا من المعمل، حتى الدكتور المتابع الحاله لسه ما شفهاش، بس المعمل طبعًا عارفين وبلغوني.
- شكرًا يا عُمر، أنا جاي ليك أهو وهاراضيك.
- عيوني يا كبير أيتها خدمه.
كان ضرغام قد أنهى توقیع الأوراق الھامة واستقل سیارته وفي الطریق ھاتفه فھد وبصوت حزين قال:
- السلام عليكم يا بوي.
- وعليكم السلام، صوتك ماله يا ولد.
- یا بوي مش عارف أجولك إیه؟
- انطج یا ولد، إیه إدسوا منیك إیاك، وهربوا تاني.
- لا یا بوي، بس...
- إنت لسه هتبسبس يا فهد، بس إیه، انطج.
- نتیجه تحالیل الخاله چازیه ظھرت و....
- یلعن أبو كده انطج یا ولد.
- الخاله طلع عندیھا اللھم عافینا سرطان صدر یا بوي، و المحروج اللي ما يتسمى ده في مرحلة متوخره كتیر وما ھینفعش فیھا علاج، واللي ما یتسماش ده منتشر في جسمھا، ومن الآخر كده بتودع، ومستنين السر الإلهى يطلع.