لم تجد ردًا فابتسمت وھنأت نفسھا على فكرتھا بوضعھا المنوم له بالطعام، فلقد خدعت بدور لتحضر لها منومًا لأنها تحس بأرق يمنعها من النوم ليلًا، وطالبتها ألا تخبر أحدًا فرضوان لا يريدها أن تنام ليلًا وهي في توق شديد للنوم والراحة، أخذت مصوغاتھا، ونقودھا وبعضًا من ملابسھا، وتسللت للخارج من بقعة تعلم جیدًا أن الغفر والحراس یغفلون عنھا فطالما كانت بقعتھا السریة لتتسلل منھا لتقطف ثمار التوت التي تعشقھا، لكن حظھا العاثر أوقعھا في غفیر یستكشف المنطقة المحیطة بالمنزل وفي أثناء محاولتھا الھرب أطلق النار علیھا ظانًا أنھا لص، اجتمع الكل على صوت إطلاق النار بینما رضوان یغط في نوم عمیق، حمل الغفیر ونیسة لداخل الدوار ونزل فھد سریعًا لیجدھا غارقة في دمائھا، بینما ذھب غفیر آخر لیوقظ رضوان التي لم تفلح محاولات النداء علیه في إیقاظه وظل نائمًا،
جاء الغفیر نعمان بالحقیبة التي كانت تحملھا ونیسة، فاستنتج فھد أنھا كانت
ستھرب، نزلت صبیحة ورابحة لتفجعا من المشھد؛ فونیسة غارقة في الدماء، صرخ فھد فیھما، وأمرھما بالصعود للأعلى، وأن تظل كل منھما في غرفتھا وألا تنزل إلا في الصباح، أمر النساء بتجھیزھا للدفن، وتنظیف آثار الدماء، كان الفجر قد حل و بدأ نور الصباح في الظهور، أرسل فھد في طلب الطبیب الذي أكد تناول رضوان لكمیة كبیره من المنوم وأعطاه ما یبطل مفعول المنوم واستیقظ رضوان لیجد فھد بجواره والطبیب فقال: خیر حوصل إیه؟ إیه اللمه دي؟
أمر فھد الطبیب بالانصراف: اجعد إكده وفوج یا رضوان.
وأمر بدور بإعداد القھوة له، جاءت بدور تحمل القھوة والدموع في عینیھا لا تستطیع السیطرة علیھا سأل رضوان: واه بتبكي لیه البت دي؟
بكل ھدوء قال فھد: اشرب جھوتك اللاول یا رضوان.
أنھى رضوان القھوة، ثم تنبه لعدم وجود ونیسة فھب واقفًا:
- راحت فین بت المركوب دي، وﷲ لأجیب خبرھا.
- خبرھا جیه خلاص یا رضوان.
نظر له رضوان بعدم فھم، فأردف فھد قائلاً:
- ونیسه حاولت تھرب في العتمه كیه الحرامیه، والغفر ضربوھا بالنار وماتت.
جلس رضوان من صدمته وأخذ نفسَا عمیقًا:
- الحمدلك يا رب.
وسرد لفھد ما كان منھا منذ زواجھما.
تم دفن ونیسة، وصعد فھد لرابحة وصبیحة، لیضعھما في الصورة الكاملة.
مرت أیام على ھذه الحادثة....
أیام لاحظت فیھا رابحة تلك النظرات المختلسة على استحیاء من بدور لرضوان.
وفي جلسة مسائیة لھا مع فھد في الحدیقة:
- عاوزه أقولك على حاجه یا فهدي.
تضایق فھد: جلنا الكلمة دي ما تتجلش غیر وإحنا لحالنا.
- ما إحنا لوحدنا أھو.
- والغفر المنتورین في كل حته دول ما عاجبینكش یا بنت الچازیة.
- یوه بقى ما تفصلنیش، اسمع بس یا فھد باشا.
- جولي یا جدري اللي ما منیھوش مھرب.
- بدور بتحب رضوان.
نظر لها نظرة متفحصة: ھي جالت لك إكده.
ھزت رأسھا نفیًا: لا، ده إحساسي وأنا إحساسي ما یكدبش أبدًا.
- زین.
- زین إیه بس؟
- یا بوي یا رابحه مش عرفتیني آني ھاتصرف، نھملوه بجي الحدیت ده، ونشوفوا المھم.
- اللي ھو.
- فرحنا آني ھاتفق خلاص مع طایع ونحدد میعاد الفرح.
ابتسمت معلنة الموافقة.
تم تحدید موعد حفل الزفاف وأرسلت الدعوات لكبار رجال الأعمال وصفوة القوم.
بجراج الفندق الذي سیقام به حفل الزفاف وقف سالم ونجوى یتحدثان سویًا، ونجوى تشعل سیجارتھا قائلة: دي آخر فرصه بالذوق یا سالم.
نظر لھا مطولًا: تفتكري ھتجیب نتیجه.
زفرت بقوة: لا.
نظر لھا بغیض: أمال ھنعملھا لیه ونعرض نفسنا ننكشف، انتي لما تروحي لطایع آخرك ھتنطردي من الحفله، أنا لو اتمسكت عند ملیكه طایع ھیجیب خبري.
وضعت یدھا على كتفه: لا مش ھتتمسك أنا مرتبه كل حاجه مع المیكب آرتست، ھتمشي الحرس بأي حجه وھتدخلك لیھا تكلمھا، یا تیجي معاك بالذوق، یا تسیبھا وخطتنا تمشي زي ما متفقین.
رن ھاتف نجوى فقالت: یالا البنت بترن أھي.
صعد سالم حیث الطابق الذي تقع به الغرفة الموجودة بھا ملیكة، واتخذ مكانًا لا یراه منه الحارسین، حیث شاھد الفتاه تكلمھما ثم انصرفا، وبعد دقیقه انصرفت الفتاة فدخل الغرفة مسرعًا حیث كانت ملیكة تجلس أمام منضدة الزینة مكشوفة الرأس بدون حجاب، انتفضت فزعة، ما أن شاھدت صورة سالم بالمرآة وھبت واقفة تبحت عن حجاب بینما سالم اقترب مسرعًا ممسكًا كلتا یدیھا: لا، سیبني أشوف اللیل الأسود الغجري ده.
حاولت أن تخلص یدیھا منه فلم تستطع: سیبني یا حیوان، وﷲ لأخلي طایع یجیب خبرك.
أحكم قبضته على یدیھا: اسمعیني لآخر مره، أنا مش باحبك، أنا باعشقك، أنا عمري ما لمست ست أبدًا، عارفه لیه؟ عشانك إنتي، أنا لا یمكن أكون مع غیرك، فاھمه یعني إیه، أرجوكي لآخر مره كوني لیا أنا، كوني ملیكتي أنا وأوعدك مش ھأذي طایع.
نظرت له بكل غل ورفعت قدمھا بقوة لتضربه بین قدمیه، فأفلت یدیھا صارخًا من الألم وھي تقول: اخرس لا عشت ولا كنت، أنا ملیكة طایع، فاھم طایع وبس.
لتدخل فتاة المیكب أرتست وتشھق كأنھا تفاجأت من وجود سالم، وینظر سالم لملیكة نظره توعد قائلًا: إنتي اللي اخترتي.
وھرب.
أمسكت ملیكة ھاتفھا لتھاتف طایع، بینما نجوى تقف أمام باب غرفة طایع تحدثه
- أنت عارف أنا قلبي من ناحیتك عامل إزاي یا طایع، أنا باحبك.
نظر لھا في غیر اكتراث: فات أوانه یا نجوى، خلاص أنا ھاتجوز ملیكه.
أمسكت یده: لا لسه ما فاتش الوقت.
نفض یدھا: الموضوع منتھي یا نجوى، ما تحطیش نفسك في مواقف تجلل منك، أنت عقل تجاري بامتیاز ومش عاوز أخسرك.
قالت بحدة: لا ھتخسرني، یا تكون لیا حب وشغل یا بلاش.
- یبجى مع السلامه، من بكره ھاجیب غیرك.
حاولت أن تقترب منه لتتابع الحدیث، فوجد ھاتفه یرن برقم ملیكه، رد مسرعًا
- نعمین یا روح الروح.
ونجوى تنظر له بغل وحقد
- اهدي، صوتك ماله، بتجولي إیه؟ ازاي ده حوصل؟ أنا ھاطربج الدنیا علیھم.
وھرع غیرعابئ بتلك التي تقف وراءه وبراكین الغیرة والحقد مشتعلة بقلبھا.
غادرت نجوى مكسورة القلب والكرامة، لتركب سیارتھا وترن على سالم لتتأكد أنه مختبئ في صندوق السیارة وتغادر.
بینما طایع ھرع لغرفة ملیكة لیجد رابحة معھا تحتضنھا وما أن دخل الغرفة حتى وجد فھد یدخل وراءه.
بينما ملیكة تبكي: الحیوان دخل الأوضه ومسكني من إیدي.
نظر طایع لھا وغیرته تشتعل وفھد یصرخ في الحراس: دخل كیه وانتوا كیف الحیطه إكده!
أحنى الحارس رأسه: كنا بنجیب حاجات للبنت بتاعة الماكیاج.
صفعھما فھد وطردھما وقبل أن یفكر في توجيه سؤال للفتاة كان طایع یمسك بتلابیبھا: انطوجي، تعرفي سالم منین؟
بكت الفتاة: لا وﷲ ما أعرفه، دي نجوى ھانم اللي قالت لي إن العروسه مغصوبه على الجوازه، وإن ھو بیحبھا وجاي یاخدھا ویھرب بیھا، فأشغل الحراس، عشان نوفق راسين في الحلال.
ألقاھا طایع على الأرض وطردھا وھاتف مركز التجمیل لیرسل غیرھا.
ھدأت ملیكة قلیلًا، تنفس طایع و فھد نفسًا عمیقًا
وقالا بنفس واحد: كله یخلص اللي بیعمله عشان الناس بدأت توصل.
وقالت رابحة: البنت اللي كانت بتعمل لي الميكب تیجي تكمل لي ھنا، أنا مش ھاسیب ملیكه لوحدھا.
ترك فھد وطایع العروستان بالغرفة، وتحول الرواق الذي تقع به الغرفة لثكنة عسكریة برجال مدججة بالسلاح، بعد انتھاء الفتاتین من التزین صعد دیاب العزایزي لتتأبط الفتاتین ذراعیه وینزل بھما السلم، مقبلًا كل فتاة من جبینھا ومُسلمًا یدھا لعریسھا ھامسًا في أذن كل منھما:
- عروستك كأنھا بتي، تودیریھا من تودیري.
أمسك كل منھما ید عروسه مقبلًا إیاھا، وتأبطت كل عروس ذراع عریسھا وبدأت مراسم حفل الزفاف وعلى أنغام حالمة رقصا رقصتھما الأولى، وكل من طایع وفھد متذمران فھما لا یحبان ھذا، ولكنھما فعلاه ارضاء لمحبوبتیھما، بعد انتھاء الرقصة الأولى ھمس كل منھما في أذن عروسه: - إیاك وسطك یتھز، لو حوصل فیھا رجبتك.
جلست الفتاتین كل منھما في كرسیھما ولم تتحركا طیلة الحفل بینما الرجال یرقصون.
بانتھاء الحفل صعد كل منهم لغرفته الخاصة بالفندق، وأمام الباب حمل كل منھما عروسته ودخل الغرفة.
عند رابحه وفھد...
أغلق فھد الباب، ثم أنزل رابحه على السریر مباشره وھو ینظر لھا بشوق ورغبة وخلع الجاكیت ورابحه تنظر له وتقول بهدوء:
- إیه؟! اصبر كده واعقل یا فھدي.
وفھد یبتسم ويفك أزرار قميصه: فھدك خلاص ھیستفرد بالفریسة أخیرًا، وما جادرش استنى دجيجه واحده.
انفجرت في البكاء، فألقى قمیصه الذي كان قد فتح أزراره جانبًا وجلس
بجوارھا:
- واه یا رابحه، بتبكي لیه في لیلة مفترجه زي دي؟
نظرت له بخوف: خایفه منك، ومن اللي هتعمله.
مسح تلك الدموع وقبلھا من جبینھا: خوفتك آني غلطان، ما تزعلیش وقبلھا من جبینھا، بس مشتاج یا رورو، الشوج جاتلني.
ابتسمت: ماشي یا فھدي، بس یعني راعي أني حتى لسه ما غیرتش ھدومي یعني، و بعدين مش لسه فيه صلاة ودعاء وإلا إيه؟!
أمسك یدھا وأشار للحمام: طبعًا، اتفضلي یا بنت الناصري، غیري خلجاتك وآني مستني.
ظلت واقفه،
نظر بتعجب: باه یا بت عمي، واجفه لیه؟
- الفستان.
- ماله؟
- فك الشرايط اللي فیه من ورا، بس تخلیك محترم.
ضحك وقال: أوامرك یا بنت الناصري.
فك لھا شرائط الفستان بكل أدب ومع الشريط الأخیر طبع قبلة في منتصف ظھرھا لتصرخ ھي وتسرع للحمام، بدلت ملابسها وخرجت له ليصليا سويًا وهو إمامها، أنهيا الصلاة، وخلعت الإسدال، وهو يتأملها بقميصها الأبيض الحريري، الذي زادها فتنة، و اقترب منها، فضمها برقة بين ذراعيه، یبثھا شوقه وغرامه وحلق معھا في آفاق الحب، وطار معھا سابحًا في بحار الغرام.
أما طایع وملیكه.....
أنزلھا بداخل الغرفة وقبلھا من جبینھا: مبروك علینا یا ملكة الجلب.
ردت بخجل: ﷲ یبارك فیك یا قلبي.
ثم نظر لھا قائلًا: مسكك جامد الحیوان ده.
ترقرق الدمع في عینیھا: آه.
فأمسك معصمیھا وقبلھما: آسف یا عمري اني ما جدرتش أمنعه یدخلك، بس صدجیني، ھینول عجاب عمره ما كان یحلم بیه.
ابتسمت له: بلاش السیره دي بقي.
احتضنھا: حاضر یا ملیكتي، مش ھتغیري خلجاتك.
دخلت لدورة المیاه لتبدل ثیابھا ھتف من الخارج: مش محتاجه أيتها مساعده.
ابتسمت من الداخل: لا شكرًا.
ارتدت قمیصًا أبیض حریري طویل، بفتحة جانبیة تكشف فخذھا الأیمن، ثم ارتدت الإسدال، لتجده عاري الصدر، فنظرت للأرض قائلة: مش هنصلي.
ابتسم : طبعًا هنصلي.
- طب ممكن تتلم وتلبس حاجه بقى عشان أعرف أصلي وراك.
- حاضر.
وارتدي قميصه، وصلى بها إمامًا، بعد أن أنهيا الصلاة توجهت للحمام.
وقف أمامها: راحه فين؟
- هادخل اقلع الاسدال وألبس الروب.
ففتح لها الطريق، دخلت وخلعت الاسدال وارتدت الروب الخاص بالقميص وخرجت من الباب وھي تربط حزام الروب، فقفز ھو لیقف أمامھا عاري الصدر ممسكًا بحزام الروب: ما تجفلیھوش ما لوش عازه.
وأزال الروب لیسقط على الارض، وتذوب معه ملیكه تحت وطأة حرارة الحب، وتدق طبول الغرام دقاتھا، وترفرف أجنحة كیوبید معلنة أن لا سطوة فوق سطوة الغرام.
قرب الظھیرة أعلنت ھواتف فھد وطایع الرنین، وكان المتصل في كلا الجانبین صبیحة ونواره والدة ملیكة للاطمئنان علیھم، فطمأنهما عليهما وأنهما بخير، وعادا للنوم.
ثم ھاتف طایع فھد لینبهه من أجل موعد الطائرة وقام كل منھما بإیقاظ جمیلته النائمة بقبلات متتالیة، أدت لجولة أخرى من زقزقة طیور الغرام ورفرفة أجنحة كیوبید.
ثم أخذ كل منھم حمامه وارتدوا ملابسھم وانطلقوا للمطار لقضاء شھر العسل وسط جزر المالدیف الساحرة، كان شھر عسل قضوا به أجمل الأوقات، فلقد قاموا بتأجیر جزیرة خاصة، انتهى شهر العسل وحان موعد الرجوع للوطن حین وصولھم للمطار ودع طایع ملیكه لموعد ھام بخصوص العمل، وطلب من السائق عبدالرزاق إیصالھا للمنزل، في حین استقل ھو لیموزین للشركة وفي الطریق قال عبدالرزاق:
- ألف مبروك، الحمدلله على السلامه یا ست الھانم.
- ﷲ یسلمك یا عبد الرزاق، عیالك عاملین إیه؟
- تمام یا ھانم بیدعولك أنت والبیه طایع لیل نھار.
- ربنا یفرحك بیھم یا رب.
ولم تكد تكمل الجملة، حتى قطعت سیارة ضخمة علیھم الطریق، ونزل منھا أربعة رجال أشداء ملثمین مدججین بالسلاح، قاموا بإیقاف السیارة والسیارة المرافقة، وحدث تبادل لإطلاق النار، وتم إرداء الرجلین المرافقین بالسیارة، وأجبروا ملیكة على النزول، وأمسكھا أحدھم من ذراعھا بقوة، وھي تقاوم فما كان منه إلا أن قام بضربھا على مؤخرة رأسھا بكعب مسدسه ففقدت الوعي، وعبدالرزاق یصرخ وھو یحاول التخلص منھم بعد أن جردوه من سلاحه:
- ما ھتاخدوھاش الا بموتي.
فقال أحدھم ببرود: رخيص والطلب أرخص.
وأرداه قتیلًا بطلقة في رأسه.
بدخولھم السیارة قاموا بحقن ملیكة بمادة مخدرة كيلا تفیق في الطریق،
دخلوا فیلا في الصحراوي وادخلوا ملیكة لغرفة ووضعوھا على السریر وخرجوا، لیدخل بعدھا سالم ینظر لھا ممدة على السریر ویبتسم منتصرًا.
بینما طایع یحاول الاتصال بھا وھاتفھا یرن بالسیارة ولا مجیب،
فیتصل على ھاتف عبد الرزاق ولا مجیب، فیشتد قلقه ویھاتف رابحة وفھد علھا تكون حادثتھما ولا نتیجة فھما أیضًا یحاولان الاتصال بھا، أنھى طایع الاجتماع معتذرًا من عملائه واتجه برجاله وسیارته یقودون في الطریق المفترض بعبد الرزاق السیر به، وإذا بھم یفاجئون بالشرطة وتجمع من الناس لیصدم طایع بقتل رجاله وعدم وجود ملیكة بین الضحایا، كاد طایع أن یجن، إلى أین قد تكون ذھبت؟ ھل فرت من إطلاق النار لتختبيء في مكان ما؟ ھل قتلت وألقوھا بعیدًا؟ ھل ما زالت حیة واختطفوھا؟
أغضبه ذلك الخاطر الأخیر أیما غضب ولكنه قرر أن یفند الخواطر الأولى أولًا، عرف نفسه للضابط المسؤول الذي رحب به وطلب من رجاله مساعدة الشرطة في تمشیط المنطقة تمشیطًا دقیقًا بحثا عن ملیكة أو جثتھا، وھاتف طايع فھد لیجري اتصالاته بمن كان یعرفھم والده من رجال خارجین على القانون لیعرفوا من مصادرھم ما قد یكون حدث، جن جنون رابحة ما أن علمت، وأخذت تولو وتصرخ، ثم ما لبثت أن ھدأتھا صبیحة وجمعت نساء الدار لیصلوا ویدعوا أن یجدوا جثة ملیكة إن كانت قد توفیت، أو یجدوھا سلیمة معافاه بدون أن یمسھا سوء.
ببحث رجال طایع والشرطة لم یجدوا جثة ملیكة، وأثناء مغادرة طایع المكان اقترب منه أحد الرجال المتجمھرین بالمكان، حاول رجال الحراسة ابعاده لكن طایع طلب منھم تركه، طلب الرجل من طایع أن یعطیه رقم ھاتفه لیحدثه بشيء ھام بعیدًا عن عیون الشرطة، وقبل أن یلاحظه الضابط أعطاه طایع رقم الھاتف بسرعه وانصرف بالسیارة.
ما ھي إلا دقائق قلیلة ورن ھاتف طایع برقم الرجل الذي قال:
- معلش أنا ما كنتش أقدر أتكلم قدام البولیس، زي ما شفت كده أنا كان معایا أمي ومراتي وولادي الصغیرین في العربیه، ومش عاوزھم یتبھدلوا في التحقیقات وإحنا اللي شفناه من رعب كفایه علینا، مرات حضرتك ما ماتتش، الرجاله اللي كانوا في العربیه أخدوھا واحد منھم ضربھا على رآسھا ودخلوھا العربیه.
حاول طایع الھدوء وسأله: شفت حد منیھم، تجدر توصفه.
- كلھم كانوا متلتمین، بس كانوا زي اللي بیجوا في الأفلام وزي حراسك كده حاجه شكل الحیطه.
- طب والعربیه.
- كبیره فورباي فور سوداء وما علیھاش نمر وقزازھا متفیم، أنا عارف إنھا معلومات ما لھاش قیمه، بس على الأقل تعرف إن مراتك اتخطفت مش اتقتلت، إنت راجل معروف، ممكن حد من أعدائك ھو اللي عملھا، ربنا یكرمك وتلاقیھا، وﷲ أمي ومراتي بیدعو لھا.
- شكرًا.
أغلق طایع الھاتف ورأسه تعصف بھا الأفكار، من قد یفعل ذلك؟ ثم ما لبثت صوره واحده احتلت عقله بالكامل، صورة سالم، في نفس اللحظة رن ھاتفه برقم غریب لیرد: مین؟
ضحكة سقیمة وصلت مسامعه وبعدھا صوت سالم: ملیكه شكلھا حلو قوي یا طایع وھي نایمه متمدده على السریر زي الملاك، فتنة بجد مغريه قوي.
لیصرخ طایع: قسمًا باللي رفع السموات لو لمست شعرایه منیھا لھاخفیك من على وش الأرض.
ضحك سالم بثقة: شعرایة إیه؟ باقولك نايمه قدامي، ده أنا ما صدقت، أنا مش ھاسیب حته فیھا مش ھالمسھا، ملیكه من هنا ورایح ھتكون لیا وبس.
وأنهى المكالمة وسط صراخ طایع: وﷲ لندمك یا سالم.
أغلق سالم الھاتف ثم نظر لملیكه ونظر للھاتف ولمعت في رأسه الفكرة
یجب أن یصور لحظاته معھا لتكون وسیلة لإقناعھا بعد ذلك باستمرار بقاءھا معه، قام بحقنھا بجرعة أخرى من المخدر وجھز الكامیرا وبدأ في التسجیل، اقترب من السریر یملي عینیه بجمالھا ثم قبلھا قبلة طویلة، وبدأ في ما كان يتمناه طوال حياته لكنه توقف، كان یریدھا، كل نبضة من قلبه تریدھا، لكن جسده یأبى الانصیاع، أفكاره الشیطانیة تتراقص في عقله وجسده میت لا روح فیه، جلس بجوارھا وأخذ یبكي منهارًا:
- مش ممكن! دي اللحظه اللي كنت مستنیھا طول عمري، ولما تحصل یبقى بح ما فیش، ازاي ده؟! (وأخذ یصرخ) ازاي؟
ثم لمعت في رأسه الفكرة سینتقم منھا ومن طایع، بما أنه لن یحصل علیھا وجسده لا یتحرك من ناحیتھا فلا داع لیعلم أحد، قام بقص الفیدیو إلى اللحظة التي جثا فوقھا فیھا، ومسح الجزء الذي كان یبكي فیه وأحضر زجاجة عطره وأفرغھا على جسد ملیكة بعد أن أخذ یصول ویجول على جسدھا عل شھوته تصحو في محاولة أخیرة منه، لكن جسده لم یستجب له، قام بلفھا عارية، في ملاءة السریر وحملھا وخرج بھا إلى منطقة متطرفة وألقاھا ھناك.
ثم اتصل بطایع: السنیوره خلاص بصمتي علیھا، وصورتي ھتفضل بینك وبینھا طول العمر، عارف یعني إیه؟ یعني شفایفي لمست كل حته في ملیكه یا طایع، بقينا شركا فيها (وضحك ضحكة ساخرة وأخبره بمكانھا) بسرعه قبل ما حد یلاقیھا ملفوفه كده بالملایه یكمل علیھا.
صرخ طایع صرخة لو كان سالم واقفًا ساعتھا أمامه لصمت أذناه من قوتھا، صرخة حوت براكین غضب الدنیا وحممھا، صرخة رجل كسرت كرامته ودنس شرفه، صرخة روح تفتت بفعل الخسة والدناءة.
لكن خوفه على حدوث الأسوء لملیكته أجبره على لملمة شتات نفسه وحطامھا، و رفع ھامته عالیًا، وشد عوده قائلًا: واللي رفع السموات السبع یا سالم ما ھارحمك، لا حي ولا میت.
وخرج لرجاله مسرعًا، وأمر السائق بالانطلاق وقرب المكان أمر رجاله بالتوقف بعیدًا ونزل ھو یحمل عباءته لیجد ملیكته ملقاة على الأرض، ملفوفة بملاءه حاسرة الرأس، اقترب بسرعة: ملیكه، فوجي یا ملیكه.
تسربت الرائحة إلى أنفه، ھو یعرف تلك الرائحة، إنه عطر سالم المفضل.
اغروقت عيناه بالدموع واحتضنھا بقوة: وﷲ لیدفع الثمن.
قام بوضع العباءة علیھا وحملھا وغادر للمنزل، وحین وصوله أعطاه البواب علبة صغیره وهو يقول: فیه واحد یا بیه جه اداني العلبه دي، وجال دي ھدیه من سالم لطایع، ونبه يا بيه إنك تشوف اللي فيها لوحدك.
أخذ طایع العلبة وھو یحمل ملیكه وصعد بھا لغرفتھا ووضعھا على السریر، وجلس قلیلًا یفكر في ما سیفعله، ثم ھاتف رابحة فقد وجد هاتف فهد مغلقًا، لیطمئنھا أنه وجدھا بدون الدخول في تفاصیل.
نزلت رابحة السلم تهرول فرحة بالخبر، ونسیت من فرحتها وجود رجال برفقة فھد ودخلت المكتب مسرورة لتصطدم بالرجال ھناك، تلعثمت وركضت مغلقة الباب ورائھا، استأذن فھد الرجال وخرج لھا، أمسكھا من ذراعھا بقوة: كنك جنیتي، ما خابراش إن معایا رجاله، وكمان جایه بشعرك أكده.
- آسفه وﷲ آسفه من فرحتي ما درتش، طایع لقى ملیكه، لسه مكلمني حالًا، رن عليك لقى تليفونك مقفول، لازم نروح لھا.
ابتسم واحتضنھا: الحمدلله، روحي جھزي حالك عشان نروحوا لھم.