بصق علیه وتركه وذھب لیجلس مع فھد ورجال الجبل، وبعد فترة جاء أحد الرجال لیؤكد أن سالم قضي نحبه ليقول بهدوء: لازمن أشوفه بعنیا.
تأكد طایع من موته، سأله أحد الرجال: تحب ندفنه یا كبیر.
نظر طایع لجسد سالم: لا سیبوه للدیابه تكمل عشاھا.
ونزل طایع وفھد للنجع.
احتضن طایع ملیكة: خدت بتارك یا حبة الجلب.
أیام مرت على ما حدث لتقع نجوى في قبضه طایع، وبعد أن قامت ملیكة ورابحة بإعطاءھا جزاءھا من الضرب المبرح، قام طایع بتسلیمھا للشرطة في قضیة سرقه، لم تتحمل نجوى الرقیقة مصاعب السجن وانتحرت.
كان غازي يبحث ويستقصي أخبار رابحة وخط سيرها وما تفعله يوميًا بدون أن يثير الشبهة برجال مختلفين يراقبونها من بعيد، وبينما ينفذ ما أمره به صقر يحاول إثنائه عما ينويه.
كان صقر جالسًا في مغارة الجبل الأوسط، وبجواره غازي فقال غازي:
- يا صجر آني ما باتحددش معاك دلجيت لأني دراعك اليمين، أنا دلجيت باتحددت لأني صاحبك، اللي في راسك ده واعر وواعر جوي كمان، رابحه دي مش بس بنت عم فهد بس دي حبيبته، مش متجوزها كديه وخلاص، دي اللي عاشجها من وهم صغار، مكتوب ليها ومكتوبه ليه، ورجاله العبابسه ما يفرطوش في حريمهم، وهي كمان مش بتحبه بس لا عاشجاه وما تطيقيش حرمه تقرب منيه، بالك وانت خابر ماريا الحمرا، هي اللي سلمت سالم ليهم يومها رابحة ضربت ماريا وكانت عتقتلها لولا فهد حجز بينهم، عشان الحمرا باست فهد وحضنته وده مش الرجاله اللي جالولي عليه لا أنا يومها اللي كنت باراجب بنفسي، واللي اتاكدنا منيه أنها حبله، هي ومرت طايع، يعني ما فيش ليك أمل.
نظر صقر له نظرة مطولة: خلصت اللي عنديك.
- ايوه خلصت.
- طب اسمع بجي ناهي الحديت، رابحه ليا ومش هتكون لفهد كتير، اضبط بس الخطه في راسي وانفذ، الصبر حلو.
- يا صجر انت كديه بتحطنا كلنا جصاد المدفع.
- انا عامل حج لانك صاحبي، فماتتمادش بحجك ده.
**
مرت أيام حمل مليكة ورابحة لتنجب ملیكة بنتًا تمت تسمیتھا چازیه ورابحة أنجبت ولدًا أسموه ناصري.
وتقرر إقامه حفل زفاف رضوان على بدور حين يتم الصغيران ثلاثة أشهر، وبم أن صقر يراقب ويجهز فلقد قرر خطف رابحة في ذلك اليوم فستكون أعداد الوافدين للقصر كبيرة وستكون الحراسة بالتأكيد غير منظمه، لفرحة الكل فهم يحبون بدور كثيرًا وكذلك رضوان.
تنكر كل من صقر وغازي ليندمجا وسط الحشود التي أتت تبارك وتهنيء وعاونهما سيدتين من سيدات النجع المواليات لصقر، تسللت السيدتان لغرفة رابحة وباغتاتها، وخدرتاها ثم بمهارة وسرعة وضعتا حول بطنها وساده وكأنها حامل ولفتا وجهها بطرحه ذات ألوان زاهية ووضعا رباطًا حول إحدي عينيها وكأنها مصابه بها.
وخرجتا بها وسط الحشود المشغولة في حلقات الرقص والتحطيب، ومن ورائهم خرج صقر وغازي.
ليسأل أحد الغفر واحدة من السيدتين:
- خبر إيه ؟ مالها الحامل غميانه وإلا إيه نشيعوا نجيبوا لها الدكتور.
فشكرته قائلة: لا لا دكتور ولا حاجه، هي بس إكمنها ضعيفه، هنروحوها الدار ترتاح هبابه وتاخد الدوا ونيجو بالليل عشان نتفرجوا على الرجص.
وأكملتا سيرهما وتنفس صقر وغازي الصعداء من خلفهما، وبسرعة وضعاها في السيارة وغادروا.
دخلت مليكة غرفه رابحة وهي تحمل الچازيه تبحث بعينيها عن رابحة، لم تجدها ووجدت الصغير ناصري وحيدًا يبكي، فظنت رابحة ذهبت لدورة المياه الملحقة بالغرفة، كانت صغيرتها نائمة وضعتها بجوار الصغير ثم حملته هو لتهدهده كي يكف عن البكاء وانتظرت قليلًا لكي تخرج رابحة من الحمام، لكن مر الوقت ولم تخرج، واستيقظت صغيرتها، فنادت:
- رابحه، رابحه يا حبيبتي إيه هتنامي في الحمام، اطلعي بسرعه الناصري بيعيط والچازيه صحيت، مش هاعرف أشيلهم الاتنين.
لم تجد ردًا فوضعت الصغير بجوار ابنتها وتوجهت لدورة المياه، فلم تجد فيها أحدًا، فنادت على والدتها: يا ماما، يا ماما.
جاءت نوارة: مالك يا بتي؟
- هي رابحه بره؟
- لا ما ناظرتهاش.
- أومال راحت فين؟ أنا داخله لاقيه الناصري بيعيط، كنت فاكرها في الحمام بس مش فيه.
- واه، اصبري.
ونادت: يا صبيحه، يا صبيحه.
دخلت صبيحه: نعم يا نواره، رايده إيه يا ست الكل؟
- شفتي رابحه؟
- رابحه ، لا، هانادم على فهد جايز معاه.
وأرسلت إحدى الفتيات تنادي فهد، الذي جاء ضاحكًا: خير؟
ليجد مليكة ونوارة وصبيحة في الغرفة، بحث بعينيه لم ير رابحة.
فقال: خير اللهم اجعله خير متجمعين كلاتكم هنيه أومال رابحه فين؟
ردت مليكة: ما إحنا جيناك نسالك.
قطب جبينه: كيه ما فاهمش؟
- أنا جيت اقعد معاها بعيد عن الدوشه اللي بره، ما لقتهاش ولقيت الناصري بيعيط، سكته، كنت فاكرها في الحمام، بس مش فيه.
- باه أومال هتكون راحت فين؟
- مش عارفه.
في طريقه أمر خادمات الدار أن يجبن كل شبر بالقصر يبحثن عن رابحه، وخرج للرجال بالخارج وأمرهم بالبحث في كل أنحاء الحديقة للبحث عن رابحه.
بعد فترة لم يجدها أحد منهم، دب القلق لنفوسهم وبدأ الذعر والخوف يبسطان خيوطهما على الجميع.
جاع الناصري فأرضعته مليكة وهدهدته حتى نام.
في تلك الأثناء كان صقر وصل للجبل وحمل رابحة صاعدًا بها، لتفيق رابحة وتجد نفسها محمولة وفي مكان غريب فصرخت وقامت بحركة مفاجئة ليختل توازن صقر ويتركها من بين يديه، لتسقط صارخة وتحاول الفرار منه وبينما هي تركض اصطدمت قدمها بصخرة لتتدحرج لمسافة طويله ثم ترتطم رأسها بقوة بصخرة لتفقد الوعي.
ركض صقر نحوها ليجدها ملقاة على الرمال، فحملها ليلاحظ الدماء النازفة من رأسها، فنادى على غازي بلهفة قائلًا:
- شيع جيب الدكتور يا غازي بسرعة.
وأدخل رابحه للمغارة حيث غرفته ومددها على السرير ووضع بُن على جرح مؤخرة رأسها ليمنع النزيف.
لم يمر الكثير إلا وكان الطبيب قد حضر، وقام بعمل اللازم، سأله صقر:
- يعني إكده بجت زينه؟
- بإذن الله.
- يبجى بإذن الله تنورنا هنيه لحد ما تفوج وأتاكد أنها مليحه.
- بس يا كبير.
- بس إيه، هتاخد اللي يرضيك ويعوضك عن وجتك.
أحضر سلاسل حديدية تنتهي برباط جلدي وقام بربط قدمها في قدم السرير، جلس بجوارها ينظر لها ويتأمل في ملامحها الفاتنة التي طالما لرآها في منامه، وذلك الشعر الأسود الغجري، لقد كان يظنها جنية تأتيه في الحلم، والآن تأكد أنها حقيقة وأمر واقع، أخيرًا استطاع أن يحضرها، ولم يتبق إلا أن يسيطر عليها ويجعلها له، قرر أن يحاول معها باللين أولًا وإن لم تطاوعه وتلين معه سينالها قوة واقتدارًا، وخرج يجلس مع الرجال بالخارج.
بعد فترة استيقظت رابحة، تشعر بألم كبير في مؤخرة رأسها، فتحت عينيها، ثم جلست على السرير تحسست مؤخرة رأسها لتجد أنها مضمدة، نظرت حولها لتجد أنها في مكان يبدو منحوتا في الجبل، ووجدت قدمها مربوطة بقيد جلدي يمتد منه سلسة حديدية مربوطة في قدم السرير، تعجبت مما هي فيه ونادت
- يا اللي هنا، انتو يا اللي بره.
جاء صقر مسرعًا: نعم يا نوارة العين.
نظرت له بتوجس: إنت مين؟ وأنا في؟ و قبل أنا فين؟ أنا مين؟
نظر لها مذبهلًا: واه انتي مين؟
- آه أنا مين؟ أنا مش فاكره حاجه ودماغي واجعاني، وأنا مربوطه كده ليه؟
- واو واه، إنت يا ولد يا اللي بره دخلي الدكتور بسرعه.
جاء الطبيب فأمسكه صقر من تلابيبه وقال: شوف مالها بدل ما يبجى آخر يوم في عمرك.
اقترب الطبيب: ممكن تقعدي.
جلست وأخذ يسألها: إنت مين؟
- باقولك مش عارفه.
- طب إحنا في يوم إيه، سنه كام؟
نظرت له في بلاهة: ما أعرفش.
- طب فاكره حاجه عن والدك، والدتك، أي حد.
- لا.
فنظر لصقر قائلًا: دي فقدت الذاكره يا كبير من الخبطه.
- يعني إيه؟
- يعني مش فاكره حاجه.
- واصل.
- أيوه.
- طب تعال معاي،(ونظر لها) هبابه وجايلك يا غاليه.
وخرج لخارج المغارة برفقه الطبيب وقال له: بالراحه إكده وفهمني.
- يا كبير الخبطه واضح إنها أثرت على المخ، وهنتأكد طبعًا لو عملنا إشاعه، بس الواضح إنها عندها فقدان للذاكره يعني كل اللي تعرفه في حياتها قبل النهارده نسيته.
- واللي نسيته ديه ما هتفتكروش.
-لا ازاي، هنخليها تفتكره بإذن الله، هاديها دوا محفز للذاكره، وأنت تحكيلها عن حياتها، إن شاء الله تفتكر.
- إنت ما عتديهاش حاجه واصل، آني رايدها إكديه.
- بس حتى من غير دوا هي ممكن ترجعلها الذاكره، ممكن لو اتخبطت أو شافت حاجه من اللي فات فتفتكر، دي حاجه بأمر الله.
- سيب أمر الله لله، المهم طبعًا إنت عارف.
- عارف طبعا اللي حصل هنا أنساه، ولو جبت سيرته لمخلوق هتخلص عليا أنا وعيلتي نفر نفر، اطمن يا كبير أنا حافظ.
- عارف بس بافكرك بس ليجيك انت كومان فقدان في الذاكره.
ضحك الطبيب، وغادر برفقة أحد الرجال.
نظر صقر لغازي وقال: ضحكت لي الدنيا يا غازي خلاص، ورابحه جتني على طبج من دهب.
- كيف ده؟
- مخها اتعطل، ومش فاكره أيتها حاجه.
- بتتكلم جد.
- جد الجد كمان.
ضحك غازي: والله وباضت لك في الجفص يا كبير، عيش واتهنى بجي.
- دعواتك يا غازي.
- ربنا يعينك على نار الجلب يا كبير.
دخل صقر لرابحة في الغرفة ليجدها جالسة على طرف السرير صامته،
شعرت بقشعريرة حين اقترب منها وجلس بجوارها ينظر لها بحب وقال:
- ألف سلامه عليكي يا رابحتي.
- رابحتك؟! ده اسمي.
- اسمك رابحه، وإنتي مرتي وحبه جلبي.
نظرت له بشك: وحد يربط مراته وحبة قلبه في السرير كده؟
- هافكك أهو، بس تعجلي وما تحاوليش تهربي تاني ولا تجولي طلجني، عشان ما تتخبطيش ويحصلك اللي حوصل ده.
- ليه؟
- ليه إيه؟
- ليه هربت منك، وقلت لك طلقني، انت عملت إيه؟
- مظلوم يا جمري، انتي بتغيري عليّ غيره واعره جوي، وشفتي ماريا الحمرا وهي بتبوسني، جامت جيامتك وطلبتي الطلاج، ورمحتي مني في الجبل فوجعتي وحوصل اللي حوصل.
- ازاي يعني؟ يعني هي ما باستكش.
- بوسه خوجاتي بوسه سلام، يعني لو كانت باستني بجد، كنت هاحكيلك، انتي فاجده للذاكره، كان ممكن أجول أي كلام وخلاص.
- طب فكني.
قام بحل رباط قدمها، وجلس بجوارها علي السرير، وضمها بين ذراعيه فانتفضت
ليقول: مالك كنك لدغدك تعبان؟
- ما اعرفش، أنا تعبانه وعاوزه أنام، وفيه مليون سؤال في دماغي.
- كل اللي عاوزه تعرفيه اسألي عنيه.
- إحنا متجوزين بقالنا كتير؟
- سنتين.
عندنا ولاد.
صمت قليلًا متصنعًا الحزن: ولد مات بعد ولادته .
فبكت، ربت على ظهرها وحاول أن يحتضنها فأبعدته: أنا مش طايقه نفسي ما تلمسنيش.
فقال: حاضر آني خابر إنك مضايجه، وعاذرك في كل اللي تعمليه.
- أنت ليه بتتكلم كده؟ مش زي كلامي، وأنا أعرفك منين؟ عرفتك ازاي يعني؟
- أنا صعيدي، وانتي متربيه في البندر، وعرفتك وانتي في كليتك، اتجابلنا جدام باب الجامعه، كت عاخبطك بعربيتي، وسمعتيني من المنجي يا خيار، وعرفنا بعض ومن يوميها وإحنا حبايب.
- أهلي فين؟
- ما لكيش أهل مجطوعه من شجره، يتيمه أمك وأبوكي ماتوا بعد جوازنا.
- طب معلش ممكن تسيبني وتطلع بره أنا تعبانه وعاوزه أنام وحقيقي مش طايقه أي لمسه.
- طبعا يا حب العمر، براحتك و شوجك، آني هاسيبك براحتك لو عوزتي حاجه نادمي عليّ.
- حاضر.
تمددت على السرير، تشعر بمشاعر غريبة، لا تدري لماذا لا ترتاح لذلك المدعو زوجها، وضعت يدها على بطنها وأخذت تبكي ذلك الصغير الذي لا تذكر عنه أي شيء، إلى أن غلبها النوم ونامت.