(مقدمة )
في شرايين المدينة، تجري دماء نابضة بالحياة، تنبض بحكايات لا حصر لها، وتروي قصصاً عن زمن غابر وحاضر يعج بالأحداث، ومستقبل يموج بالأمل والطموح. قلب المدينة هو ذلك المركز النابض، حيث تتقاطع الأزمنة وتتلاقى الحضارات، وتتداخل الأصوات وتتلاقى الأنفس.
هنا، في قلب المدينة، ينبض التاريخ بكل ثقله، شاهداً على عصور خلت، وحضارات تعاقبت، تاركة وراءها آثاراً خالدة تحكي حكايات أمجاد ضائعة وأمجاد مكتوبة. تُحاكي المباني العتيقة بألسنتها الصامتة حكايات عن أزمنة غابرة، بينما تُطلّ ناطحات السحاب الحديثة برؤوسها المرفوعة، كأنها تهمس بأسرار مستقبل واعد.
في قلب المدينة، تتلاقى الحضارات وتتداخل الثقافات، مكونة فسيفساء غنية بالألوان والزخارف. تُسمع هنا أصوات من كل حدب وصوب، تتحدث لغات مختلفة، وتروي حكايات متنوعة، وتُعبّر عن ثقافات غنية. في هذا التنوع، تكمن جمال المدينة وفرادتها، فكلّ ثقافة تُضفي لمستها الخاصة على المشهد، وتُثري النسيج الاجتماعي للمدينة.
في قلب المدينة، تتداخل الأصوات وتتلاقى الأنفس، مكونة لوحة إنسانية ساحرة. هنا، يلتقي الناس من كلّ الطبقات والأعمار والأديان، يجمعهم فضاء واحد، ويؤلفهم هدف واحد، هو العيش بسلام وأمان. في هذا التلاقي، يتعلم الناس من بعضهم البعض، ويتسامحون مع اختلافاتهم، ويُصبحون أكثر قدرة على فهم العالم من حولهم.
قلب المدينة هو رمز للحياة بكلّ ما فيها من تناقضات وتحديات وجمال. هو مكان مليء بالصخب والضجيج، لكنّه أيضاً واحة للسكينة والهدوء. هو مكان مليء بالمخاطر والأمل والفرص. هو مكان مليء بكل المشاعر وعكسها..
في قلب المدينة، تُكتب حكايات جديدة كلّ يوم، وتُرسم لوحات فنية ساحرة، وتُنشد قصائد خالدة. هو مكان لا ينام، ولا يتوقف عن التطور والتغير. هو مكان حيوي وديناميكي، يموج بالحياة والنشاط.
قلب المدينة هو روح المكان، هو جوهره وكيانه. هو المكان الذي تلتقي فيه كلّ العناصر، وتتفاعل مع بعضها البعض، لتخلق شيئاً فريدًا من نوعه. هو المكان الذي ينبض فيه قلب الحياة، ويُسمع فيه صوت الأمل.
أكتب حكاية وراء حكاية عن أشخاص من لحم ودم ..
أحلام وأوهام وطموح وجموح ..
حكايات تروى عنهم ومنهم..
حكايات من قلب المدينة.. قلب المدينة
حكايات
رواية : محمد سعد شاهين
الفصل الأول
عيادة الطبيب (حامد عبد الوهاب)في حي قديم مكتظ بالسكان. العيادة مزدحمة بالمرضى، ورائحة الدواء تفوح في الهواء.
(تدخل سهام وأمها إلى عيادة الطبيب. حيث يجلس خلف مكتبه، يرتدي معطفه الأبيض وينظر لهما من خلف عدسات نظارته السميكة)
الطبيب: (بابتسامة عريضة) أهلاً وسهلاً بكم ! تفضلي يا سهام ..
سهام: (بخجل) صباح الخير يا دكتور.
أم سهام: (تتقدم) صباح الخير يا دكتور، ابنتي سهام تعاني من آلام في المعدة منذ يومين.
الطبيب : (ينظر إلى سهام باهتمام) حبيبتي سهام، ماذا تشعرين؟
سهام: (بصوت خافت) أشعر بألم في معدتي، خاصة بعد الأكل.
الطبيب : (يضع يده على معدة سهام برفق) لا تقلقي يا عزيزتي، سأفحصك الآن.
(يقوم الدكتور بفحص سهام، بينما تراقبه أمها بتوتر)
ينظر للأم نظرة معناها أن تبقى فى جلستها بينما تتقدم (سهام ) خلف ستارة الكشف .
الطبيب : (يبتسم) لا داعي للقلق يا سهام، حالتك ليست خطيرة. سأعطيك بعض الأدوية لتخفيف الألم، وستكونين بخير في غضون أيام قليلة.
شعرت (سهام) بتوتر وهو يضع يده على معدتها ..
كانت يده قد امتدت لأجزاء من جسدها بحركة بدت عفوية ، مما جعلها تشهق فى دهشة ، فأشار لها بأنه لم يتعمد ذلك..
سمعت شهقتها والدتها :
- ماذا بك يا سهام؟
سهام (تخفى توترها) : لا شىء يا أمى .
خرجت سهام من وراء الستارة :
- شكرًا لك يا دكتور.
قالتها وهى تتجه نحو باب الحجرة.
الطبيب : (بمغازلة) على الرحب والسعة .. لكن تذكري، إن احتجت أي شيء، لا تترددي في الاتصال بي. وتلك الأدوية استمري فى تناولها حتى أراك الأسبوع القادم .
سهام: (ببرود) شكرًا يا دكتور.
أم سهام: (تنظر إلى ابنتها بعتاب) سهام! ماذا بك ؟
الطبيب: (يضحك) لا تقلقي عليها يا أم سهام ..إنها هرمونات الأنوثة ..توتر وقلق ثم فرح وسعادة وكل هذا فى وقت واحد ..
أم سهام: (بصوت منخفض) أعرف يا دكتور، ولكننى دائما قلقة بشأنها ..شكرا لحضرتك..
الطبيب : (بصوت لزج) لا تخافي، سأعتني بسهام كأنها ابنتي.
غادرت سهام الغرفة ومازالت تشعر بنظراته تخترق جسدها..
‐----------------
مطعم شعبي شهير في حي قديم بالمدينة، يعج بالزبائن بسبب أسعاره المناسبة وجودة طعامه
يجلس الحاج (هشام ) على مقعد الكاشير، بينما تدخل أمينة حاملة صينية مليئة بالطعام، ومن بعيد يظهر مفتش الصحة وهو يقترب من المطعم..
الحاج هشام: (يتنهد) يا أمينة، لا أعرف ماذا أفعل. مفتش الصحة يجعل حياتي جحيماً. في كل مرة يأتي، يجد عيبًا جديدًا ويطلب رشوة حتى يغض النظر.
أمينة: (بقلق) لا تقلق يا حاج، سنفكر في حل. لا يمكننا الاستمرار هكذا.
[يدخل (علاء الأسيوطى) مفتش الصحة المطعم، مرتديًا معطفه الثمين، وعلامات التكبر على وجهه]
علاء: (بصوت عالٍ) مرحباً بكم! أين صاحب هذا المكان؟
الحاج هشام : (يقترب منه بحذر) أنا هنا يا باشا.
علاء: (يتفحصه بنظرة ازدراء) حسناً، لقد جئت اليوم للتأكد من أن مطعمك يلتزم بجميع معايير الصحة والسلامة. ورؤية شهادات الصحة لكل العاملين بالمطعم.
الحاج هشام: (بابتسامة متكلفة) بالتأكيد يا سيدي، مطعمنا نظيف وملتزم بجميع القوانين.
علاء: (يتجول في المطعم، متظاهراً بالفحص الدقيق) سأرى ذلك.
[يقترب علاء من طاولة بها بعض الأطباق المتسخة]
علاء: (بصوت عالٍ) ما هذا؟ أطباق متسخة على الطاولة! ألا تعلم أن هذا مخالف للقانون؟
الحاج : (بحرج) يا سيدي، هذه مجرد أطباق من الزبائن، سنقوم بغسلها على الفور.
علاء: (يهز رأسه بإنكار) هذا ليس كافياً. سأضطر إلى كتابة مخالفة لك اليوم.
الحاج : (بصوت منخفض) لكن يا سيدي، لا داعي لذلك. يمكننا حل الأمور بطريقة أخرى.
علاء: (يبتسم ابتسامة خبيثة) ماذا تقصد؟
الحاج هشام: (يخرج من جيبه مبلغًا من المال ويقدمه لعلاء) هل تقبل هذا كهدية صغيرة؟
علاء: (يأخذ المال ويخبئه في جيبه) حسناً، هذه المرة سأتغاضى عن الأمر. لكن تذكر، لا تكرر ذلك مرة أخرى.
الحاج هشام: (بابتسامة خفيفة) شكراً لك يا سيدي. لن أكررها بالتأكيد.
[يغادر علاء المطعم، تاركًا الحاج هشام وأمينة في حالة من الإحباط]
أمينة: (بغضب) لا أصدق ما حدث! كيف يمكنه أن يفعل ذلك؟
الحاج: (بأسى) للأسف، هذه هي الحياة يا أمينة. لا يمكننا إلا شراء ذمته،
فلا يمكننا تحمل مخالفاته.
أمينة: (بفكرة مفاجئة) لديّ فكرة!
قالتها وهى تبتسم فى غموض..