كان المعلم "كامل عبد الموجود" رجل نحيل، نظارته سميكة تكاد تحجب عينيه، ومع ذلك يلقبونه بـ"كامل الشامل".
بدأت القصة ذات صباح، حين اجتمعت الإدارة لمناقشة مهام العام الجديد. قال المدير بصوت جاد وهو يعبث بمسبحته:
_إحنا محتاجين حد نشيط، عنده حماس، يتحمل المسؤولية… طبعًا مش هنلاقي غير الأستاذ كامل.
ضحك الوكيل :
_هو مجتهد… يبقى يشيل الحِمل كله.
ومن يومها، صار "كامل" موظفًا متعدد الوظائف. يدخل الفصل ليشرح درس النحو، فيرن الهاتف:
_أستاذ كامل… انزل بسرعة، في لجنة متابعة بتسأل عن سجلات وحدة التدريب."
ينزل مسرعًا، يحمل السجلات تحت ذراعه كحمال كتبٍ أسطوري.
يبتسم لموجهي الوحدة، ثم يركض ثانية إلى الصف. لكنه لا يكمل شرح الدرس حتى يأتي الفراش:
_يا أستاذ… المدير عاوزك حالًا علشان صورة لصفحة المدرسة على الفيسبوك.
فيجد نفسه واقفًا في الفناء، يمسك الموبايل القديم ، محاولًا أن يلتقط صورًا للطلاب وهم "يبتسمون إجباريًا".
وبعدها…
يشرف على الطابور، يكتب تقارير النشاط، ويحرر الأخبار في صفحة المدرسة:
"في إطار الجهود العظيمة التي تقوم بها إدارة المدرسة، وتحت رعاية السيد فلان الفلاني ..و بمباركة السيد علان العلاني ..
وتحت إشراف السيد الدكتور الباشمهندس ....
لكن اسمه لا يُذكر أبدًا.
حتى عندما مرض أحد الزملاء، لم يتردد المدير لحظة:
_ما دام الأستاذ كامل هنا، يبقى مش محتاجين حد تاني. هو يشرح مكانه.
صار "كامل" هو المدرس، والمشرف، والمسئول، والمصور، وحتى المبرمج الذي يصلح الكمبيوتر المتهالك في غرفة المناهل.
وذات يوم، جلس كامل في منزله منهكًا، ففتح ابنه الصغير الكتاب المدرسي وسأله:
"بابا، إنت إيه وظيفتك بالظبط؟"
تنهد كامل وقال وهو يعد على أصابعه:
_مدرس ، وكاتب سجلات، ومشرف، ومصور، ومسئول علاقات عامة، ورئيس وحدة التدريب… يعني يا بني: أنا كوكتيل وظائف.
ضحك الصغير وقال:
_يعني يا بابا أنت سوبرمان، بس ببدلة قديمة وقلم أحمر !."