من وقت ما واحد من أصحابي اقترح اقتراح غريب؛ وهو إننا نروح بيت الرعب في الأجازة؛ والتلاتة الباقيين وافقوا على الفكرة؛ وأنا حاسس بقلبي مقبوض، مُش عارف حسيت ده بسبب المُسمّى المُخيف؛ بيت الرعب، ولا عشان الكابوس اللي بيتكرر معايا من كام يوم؛ لما شُفت نفسي بجري في شوارع غريبة؛ وحواليا مخلوقات مخيفة.
وقتها افتكرت أحداث الكابوس، وده اللي خلّاني اتردّدت أروح معاهم، والتردد وصل لمرحلة الرفض، وبدأت أسمع منهم تريقة؛ زي "أنت بتخاف يا وحيد؟"؛ "العيال الصغيّرة بتدخل بيت الرعب دلوقت"، وكلام كتير عشان يخلّوني أغيّر رأيي، لكنّي أصرّيت على موقفي، ولمّا سألوني عن السبب قُلت لهم: "أصل شُفت كابوس مُخيف، وبعدها اقترحتوا نروح بيت الرعب، حصل عندي ربط بين كلامكم والكابوس وده سبب الخوف اللي عندي".
ساعتها واحد منهم قال: "يعني لو حلمت إنك شيلت مادة؛ مش هتدخل امتحانها عشان الكابوس؟".
معرفتش أجاوب، وعجزي عن الإجابة كان الثغرة اللي قدروا يقنعوني من خلالها، لما واحد منهم رد وقال: "شُفت بقى؛ عدم ردك معناه إنك مش هتعطل حياتك عشان حلم، هتدخل الامتحان عادي، لكن هتيجي عند يوم عايزين نخرج فيه وهتخليه يبوظ عشان كابوس ممكن أي حد فينا يحلم به".
محبّتش أجادل، لكن كنت مُصمم على رفضي، وساعتها واحد منهم قال: "إيه السبب إنك شُفت الكابوس ده؟".
السؤال كان غريب؛ عشان كِدَه ردّيت وقُلت: "مفيش سبب معيّن".
مكانش مُكتفي بالإجابة، لأنه كمل كلامه وقال: "أقصد مثلًا مشيت في مكان ضلمة ومقطوع بالليل؛ ضَربت قُطة سودَة أو أي حيوان أسود، عملت أي حاجة من دي".
عصرت دماغي؛ يمكن أفتكر إني عملت؛ وملقِتش إني عملت حاجة من اللي قال عليها، وبعد ما أكدت له إن كل اللي قاله محصَلش قال لي: "خايف ليه بقى؟ ما أنت في السليم أهو".
كلامه كان غريب، وده اللي خلاني أعلَّق وأقول: "تقصد إيه بإني في السليم".
"أقصد إنك معملتش حاجة من المحظورات، يعني لا ضربت حيوان أسود ولا دُست في مكان مقطوع وضلمة بالليل، يعني متجاوزتش حدودك مع العالم الآخر، تبقى خايف من إيه! وبعدين إيه علاقة كل ده ببيت الرعب؟ كل الحكاية إنه ترفيه مختلف نكسَر بُه الروتين".
حاصروني بكلامهم، حاولت أهرب من تاني لأن كان جوايا خوف غريب، اتحججت إننا لما ندخُل هنشوف جثث ومُجسّمات للشياطين وقتلة متسلسلين، ده غير إنهم بيظهروا بطريقة مفاجأة على تأثير الإضاءة والأصوات المرعبة، وده اللي خلّى واحد منهم يقول: "أنت قُلت بنفسك؛ مجسّمات؛ يعني مُش حقيقة، حاجات كلها معمولة على الإيد، انجِز بقى يا وحيد إحنا عايزين نروح بُكره بالليل؛ ده أنت غريب يا أخي!".
محبّتش أطلع جبان قدامهم، اضطريت أوافق، في الليلة دي رجعت على بيتنا، وساعتها لقيت أخويا الكبير بيقول: "مُش هتنزل تصطاد معايا يا وحيد؟".
رديت عليه وقُلت: "لأ؛ ماليش مزاج النهاردة".
"غريبة؛ أول مرة ألاقي ملكش مزاج للصيد".
"مُرهق شوية ومحتاج أنام".
لما سابني ونزل دخلت أوضتي، قفلت الباب ورايا وروحت ناحية السرير، ساعتها حصلت حاجة غريبة، وهي إني لما عدّيت قدامي مراية التسريحة لمحت صورتي عليها، لكن اللي حصل هو إني اتحرَّكت من قدامها وصورتي فضلت معكوسة عليها زي ما هي!
بلعت ريقي ورجعت كام خطوة لحد ما وقفت قدام المراية، وبرغم إن ملامحي كانت جامدة من الخوف؛ لكنها في المراية كانت بتبتسم ابتسامة مخيفة، رفعت إيدي ناحية وشي؛ عشان أتأكد إن كنت ببتسم ولا لأ؛ واتفاجأت إن إيدي مترفعتش في المِراية، وكأن اللي جوَّه المراية ده شخص تاني غيري؛ كل الحكاية إن تفاصيله نفس تفاصيلي وهدومه نفس هدومي!
جسمي اتخشِّب في بعضه من اللي بيحصل قدامي، فضلت واقف متنَّح قدام المراية؛ ومبحلق في صورتي اللي بتبتسم لي؛ لحد ما لقيتها نطقت فجأة وقالت: "توصل بالسلامة يا وحيد!".
قلبي اتهَز وجسمي اتنفض، الصوت كان صوتي أنا، والشكل شكلي أنا، والهدوم نفس هدومي، وزي ما صورتي اللي جوّه المراية كانت بتتصرف من نفسها، برضه اتكلمت من نفسها.
اتفاجأت إن رجليا مُش شيلاني، في اللحظة دي لقيتني بنزل في الأرض، في الوقت نفسه اللي صورتي كانت واقفة في المراية زي ما هي، وبتبتسم بخُبث.
قاومت لحد ما قدرت أقف من تاني، وأول حاجة عملتها هي إني بصيت للمراية، واتفاجأت إن صورتي طبيعية، حاولت أستجمع أعصابي، مشيت لحد السرير بالعافية، ولمّا وصلت اترميت فوقه، النّوم أخدني، محسِّتش بنفسي غير وأمي بتقول لي: "أنت هتقضّيها نوم ولا إيه يا وحيد؛ وبعدين أنت ليه نايم في هدوم الخروج من امبارح؟".
فتحت عيني وبصيت حوالين منّي؛ شُفت أمي بتروَّق في الأوضة، ولقيت إني فعلًا نايم بهدوم الخروج من امبارح، ساعتها سألتها: "هي الساعة كام دلوقت؟".
"إحنا بعد العَصر، هو أنت مش المفروض خارج مع أصحابك النهاردة بالليل؟".
على ما قُمت من النوم وأكلت لقمة وغيرت هدومي؛ كان الليل قرَّب يدخل وأصحابي وصلوا، نزلت معاهم وطلعنا مدينة الرعب، وهناك وقفنا طابور طويل وكان كل مجموعة أصحاب بيدخلوا سوا، وساعتها واحد من أصحابي قال: "الناس طوابير أهي أنت بس اللي مكبّر الموضوع".
ودخلنا، معرفش ليه الخوف كان مسيطر عليا، في الوقت اللي كنت سامع أصحابي بيضحكوا عادي، مشينا كام خطوة جوه البيت، مكنتش ملاحظ غير أضواء لونها أحمر وأزرق بتنوّر وتنطفي، وسامع صرخات وضحكات مرعبة بتيجي من كل مكان، وفي البداية كان في كام مُجسّم لجثث بتظهر من توابيت على جنب الممر، لحد ما النور انطفى زي كل مرة لكنه مرجِعش تاني، في اللحظة دي صوت أصحابي اختفى من جنبي، مكنتش شايفهم ولا شايف نفسي، وده اللي خلاني ندَهت عليهم وصوتي كان بيرتعش، في اللحظة دي النور رِجِع، ولقيتني ببُص حوالين مني باستغراب، لأن أصحابي وتوابيت الجثث اختفوا من حواليّا، ولقيت نفسي في عالم مُرعب مُش بيت رعب بس، كنت في شوارع زي اللي شُفتها في الكابوس، بيوت من طابق واحد لكن لها أبواب عالية، ارتفاعها كان بتناسب مع أطوال المخلوقات اللي ماشية حواليا، واللي أنا كُنت بالنسبة لهم قزم، كانوا بنفس شكل المخلوقات اللي شُفتها في الكابوس، أجسامهم كلها شُعر وأسنانهم خارجة من بوقّهم، وصوابع إيدهم بتنتهي بمخالب زي السكاكين.
معرفش إزاي وصلت هنا! ولا أصحابي اختفوا فين، مكنتش لاقي إجابة على أسئلة كتير، وفي اللحظة دي لقيتهم بدأوا ينتبهوا لوجودي، بدأوا يقربوا مني ويتجمعوا حواليا، وساعتها واحد منهم قال: "متفكرش إن تجاوزك في حق عالمنا هيعدّي بالساهل يا وحيد".
افتكرت كلام أصحابي معايا عن التجاوز في حق العالم الآخر، ولما اتأكّدت إني متجاوزتش في حقهم قُلت: "محصلش؛ أنا لا دُست في مكان ضلمة ومهجور ولا أذيت حيوان أسود".
ساعتها واحد من المخلوقات دي رد عليا وقال: "ده جزء بسيط من المحظورات، جايز متجاوزتش في حق العالم ده؛ لكنك تجاوزت في حق عالم الجِن المائي، أوقات الصيد بالليل يا وحيد، لما كنت بتتسلّى برمي الطوب في الميَّه، ساعتها نطقنا على لسان أخوك وحذّرناك عن طريقه أكتر مرة؛ لكن أنت تماديت، واللي بيتجاوز في حقنا ومش بيسمع تحذيرنا لازم يتعاقب حسب قوانين العالم عندنا".
معرفش ليه بصّيت لفوق، وساعتها لمحت السما وكأنها زي سطح الترعة اللي بنصطاد فيها. لدرجة حسيت إن العالم اللي أنا فيه وكل الأماكن اللي حواليا دي موجودة في قاع الترعة اللي كنت برمي فيها الطوب وأنا بصطاد كل ليلة.
كانت أول مرة أحِس بالخوف ده، وده اللي خلاني نطقت وقُلت: "آخر حاجة فاكرها إني دخلت بيت الرعب مع أصحابي؛ إزاي جيت هنا؟".
"أنت لسّه مع أصحابك فعلًا؛ هُما شايفينك؛ لكن أنت مُش شايفهم لأنك برضُه هنا، هُما شايفين قرينك؛ اللي خليناه يتفق مع قرين واحد فيهم ويقترح فكرة بيت الرعب، لأن بيوت الرعب بوابة من بوابات عالمنا، وحلفاءنا من الجِن اللي بيسكنوا الدُّمى والمُجسّمات؛ واللي كان منهم جِن ساكن المُجسمات اللي في بيت الرعب قدر ينقلك عندنا بالاتفاق مع قرينك؛ قرينك اللي كان واقف قدامك في المراية بيقول لك: توصل بالسلامة يا وحيد"؛ لأن موافقتك على دخول بيت الرعب كانت بداية سَفَرَك لعالمنا عشان تاخد عقابك، شُفت قد إيه إحنا عالم قوي ومترابط، حتى لو اختلفت أنواعنا بنتّحد وبنساعد بعض لما اللي يتجاوز في حقنا بيكون بَشَري ".
حسيت إن أطرافي كلها مشلولة، قيود خفية اتلفّت فجأة حوالين جسمي، مكنتش قادر أستوعب وأنا شايف واحد منهم بيمد إيده ناحية وشّي وبيحط صابعه قدام بوقّي، وبعدها حسيت الرؤية شوّشت حوالين مني، ومحسّتش بنفسي غير ودماغي بتخبط في الأرض.
"وحيد؛ فوق يا وحيد".
كنت سامع صوت أصحابي، لكني مكنتش قادر أرُد عليهم، راسي كان فيها ألم شديد مكان الخبطة اللي أخدتها لما وقعت في الأرض، ومن اهتزاز جسمي؛ عرفت إنهم شالوني وبيجروا بيا، وعيي مكانش حاضر بالدرجة اللي تخليني أعرف إيه اللي بيحصل بالظبط، لكني غيبت شوية، وبعدها فتحت عيني ولقيت كل حاجة حواليا لونها أبيض، لفيت بعيني في المكان، لقيت أصحابي، وأمي، وأخويا، وكان في طبيب واقف بيتكلم معاهم، كنت سامعه وهو بيقول لهم: "هو فقد النطق تحت تأثير صدمة سببها الخوف، تقريبًا مقدرش يتحمل اللي شافه في بيت الرعب؛ ولما فقد الوعي وسقط في الأرض الخبطة أثّرت عليه أكتر في حكاية النطق، مقدرش أحدد هو هينطق تاني إمتى لكن الحالات دي بتبقى حسب ظروفها ودرجة التَّحسُّن".
كنت شايفهم وسامعهم؛ ومش قادر أنطق وأرُد عليهم، ولا قادر أقول لهم إني شايف النسخة التانية منّي، اللي كانت بتبسم لي بخُبث في المراية، واللي كنت سامعها بتقول لي: "ميعرفوش إنك وقعت في عالمنا مش في بيت الرعب، مفيش حد بيدخل عندنا وبيشوفنا على حقيقتنا وبيعيش يا وحيد، ولو أخدتنا به رأفة بنخليه ينسى حاجة اسمها الكلام إلى الأبد، زي ما عملنا معاك كده؛ أخدت عقابك على تجاوزك في حق عالمنا؛ وإحنا رأفنا بِك وسيبناك عايش، لكن بدون ما يبقى عندك القدرة إنك تجيب سيرة دخولك عالمنا وإنك شُفتنا على حقيقتنا".
لسه فاكر اللي حصل وزيارتي لعالمهم وكأنها امبارح، برغم إن فات عليها سنين طويلة، كنت خلالهم مبقدرش أتكلم غير مع نفسي، لكن مع غيري كنت بحِس إني أخرس وفاقد القدرة على النُطق، ولسه برضه بروح جلسات علاج بدون فايدة، والدكاترة لسه بيقولوا نفس الكلام، مفيش وقت محدد هرجع أتكلم فيه، الكل لسه عنده أمل ومصدّقهم؛ إلا أنا، لسّه مصدّق قريني؛ اللي دايمًا يظهر لي ويقول: "مفيش حد بيدخل عالمنا وبيشوفه على حقيقته وبيعيش، ولو عاش بيفقد النُّطق للأبد؛ عشان مايحكيش عننا حاجة يا وحيد!".
تمت...





































