أعتقد دلوقت إني أخدت الإذن، واتسمح لي بالكتابة، مُش هقول الإذن من مين؛ لكنكم هتعرفوا ده لما تقرأوا يومياتي اللي هبدأ أنشرها، يمكن مع كل كلمة هكتبها هحِس بألف خوف، لكن أنا اتأمرت بإني أكتب.
ده نَص البوست اللي كتبته على حسابي في فيس بوك، وكعادتي يعني كتبت تحته اسمي "ليلى زايد/كاتبة الرعب" بعد علامة الهاتشاج، عشان أتفاجأ بكمية تفاعل رهيبة، مكنتش أتوقع إنها تحصل، تقريبًا كده ناس كتير عندها فضول إنها تعرف سبب البوست الغريب ده، وده اللي خلاني أنشر الخمس يوميات اللي فيهم خلاصة الحكاية.
"1"
الحكاية مكنش لها تفسير، وبما إني بكتب قصص اجتماعية ورومانسية، فاللي بيحصل بالنسبالي كان شيء مُخيف، خصوصًا وأنا مُش عارفة بيحصل ليه، ولا إيه السبب، يمكن الغموض كان هو أكتر حاجة مخوفاني، لأن الإنسان عدو المجهول، وبيخاف من كل شيء غامض.
خلوني مطوِّلش في المقدمات، وأروح علطول لنقطة البداية، لما قومت مفزوعة من النوم؛ بسبب كابوس بيحصل لي للمرة الأولى، لما حلمت إني بجري في الأرض بتاعتنا، الدنيا ليل، لكن كان في ضوء مخلّي الضلمة مش مسيطرة على المكان، بس الضوء ده كان من نار معرفش مصدرها، أنفاسي كانت سريعة، والعَرَق نازل من كل مسام جسمي، مكنتش متعوِّدة على الجري، يمكن ده السبب اللي خلاني أشوف الموضوع مُرهِق، لكن كنت مُجبرة أكمِّل، لأن صوت الخطوات اللي ورايا؛ كان بيجبرني إني أعمل ده.
خطوة كانت بتسلِّم التانية، لكن طاقتي متحمِّلِتش، وده كان سبب في إن خطواتي تبقى بطيئة، وبالتالي؛ الخطوات اللي ورايا بدأت تقرَّب منّي، كنت زي الغزالة اللي بيطاردها أسد، ولما تحِس بخطواته قريّبة؛ تبُص وراها عشان تشوف هو فين وتحاول تهرب منه، لكن كنت ببُص ورايا بدون ما أقدر أشوف مين اللي بيطاردني، الحكاية كانت صوت خطوات وبس، وشيء جوايا بيقول لي: اهربي.
لكني في الآخر استسلمت، ولو مكنتش عملت ده، كنت هستسلم غصب عني، لأني خلاص؛ ثواني وهقع من طولي بسبب التعب، وقبل ما قوتي تنهار، وأستسلم للسقوط على الأرض؛ لقيت إيد بتمسكني من شعري، ملمسها خِشن، طالع منها صَهد، كل ده كان بيحصل من غير ما أقدر أشوف إيد مين دي، بالرغم من إني بلتِفت ورايا وأنا بحاول أفلِت منها، لكن محاولاتي المستمرة بالهرب كانت فاشلة، الإيد كانت أقوى منّي.
مع الألم اللي حسيته فجأة، سمعت صوت قريِّب من صوت القماش وهو بيتمزِق، وفي لحظات؛ قدرت أربط بين الصوت والألم، وبين فروة راسي اللي كانت بتخرج مع الإيد اللي بتشدّها، لدرجة إني في ثواني بس، كنت واقفة ببُص لشعري اللي بقى بعيد عني، وطاير قدام عيني في الهوا بدون ما تكون في حاجة مسكاه، مع العلم إني كنت على يقين إن عمره ما هيتعلَّق في الهوا من نفسه، وإن الإيد اللي حسيت بيها بدون ما أشوفها هي اللي مسكاه كده.
مكنتش قادرة أستوعب إن في سيل دَم نازل من راسي على وشي، وده ببساطة لأن شعري طلع بجلِد فروة راسي، الدم كان عامل تشويش على عيني، وبين الصدمة اللي كنت فيها؛ والخوف، مقدرتش أعبر عن الوجع اللي حسّيت به، اللي كان مسيطر على عقلي؛ هو إني ليه بجري في الأرض بتاعتنا بالليل، وإيه اللي بيطاردني وعمل فيا كده.
في اللحظة اللي شعري فيها سقط فجأة، وبقى قدامي على الأرض؛ صحيت مفزوعة، هو ده كان السبب، اللي خلاني أقوم وأنا بلتِفت حوالين نفسي وبصرخ، لقيت نفسي لوحدي في الأوضة، السريرين اللي جنب سريري فاضيين، وبطريقة لا إرادية، إيدي راحت على شعري، واتضح لي إني بتأكد من وجوده، وكأني بشوف اللي حصل كان حقيقة؛ ولا مجرد كابوس.
آخر حاجة توقعتها؛ هي إني أكون بصرُخ بدون ما أحِس، لأن باب الأوضة اتفتح فجأة، ولقيت أمي داخلة بتجري عليا، وبتقولّي:
-بسم الله الرحمن الرحيم، بتصرخي ليه يا "ليلى".
اكتشفت إن قدرتي على الكلام كانت معدومة، لأني لما بدأت أجاوبها لقيت لساني تقيل، الكلام بيطلع منه بالعافية وأنا بقول لها:
-كابوس فظيع يا أمي، كنت بجري في الأرض بتاعتنا، الدنيا ليل لكن كان في ضوء نار معرفش جاية منين، كان في حد بيجري ورايا أنا مُش شيفاه، وبعدها إيد مسكتني من شعري، لدرجة إنها خلعت شعري بفروة راسي ووقعوا في الأرض.
تعبيرات ملامح أمي اتغيرت فجأة وهي بتقول لي:
-استعيذي بالله من الشيطان، هو نوم النهار وحِش وكله كوابيس، يابنتي الليل سَكن ربنا خلقه للنوم، وأنتي قالبة ليلك نهار ونهارك ليل.
-ما أنتي عارفة إني بسهر أكتب.
-والكتابة جابتلِك إيه غير الكافية، اذكري ربنا وقومي دا مجرد كابوس، كنتي بتقعدي تعيطي على أبطال قصصك لما كنتي بتكتبي رومانسي، وتخلصي المناديل في الفاضي، وسيبتي الهم ده وبقيتي بتكتبي رعب، وأهو أنتي بدأتي تشوفي كوابيس.
حسيت إن دي كانت فرصة قدام أمي؛ عشان تقولي الكلام اللي نفسها تقوله من زمان، ده اللي خلاني أتجاوز لحظة الضعف اللي أنا فيها، عشان أقفل قدامها الطريق اللي ممكن من خلاله تأنِّب فيا كل شوية، ومكَنش في قدامي غير إني أغير الكلام؛ فقولت لها:
-أخويا وأختي فين؟
-أختك في المطبخ، وأخوكي بعته مشوار لخالك، خليكي أنتي زي البطة الراقدة كده.
محبِّتش أعلَّق على كلامها، لكنّي قومت من السرير، بعد ما مدِّيت إيدي تحت مخدتي، وأخدت التليفون، حطيته في جيبي ودخلت الحمام، وكالعادة يعني؛ كنت بسلّي نفسي في الحمام وأنا فاتحة الفيس بوك، بقرأ تعليقات المتابعين على قصصي، وبعدها كنت بغسل وشي، وقدام مراية الحوض، لمحت دم في منبت شعري، مدّيت صوابعي أتأكّد من اللي شيفاه، ولقيت إن صوابعي بقى عليها دم، افتكرت الكابوس وفروة راسي اللي اتخلعت، ولقيتني بصرُخ، مع صرختي، غطا قعدة الحمام اترزع، والمراية اللي فوق الحوض اتهزَّت، في اللحظة دي؛ سمعت خبط على باب الحمام، فتحت ولقيتها أمي اللي جت على صوتي، وأول ما شافتني سألتني وقالت:
-بتصرخي ليه تاني؛ إيه الحكاية؟
-فروة راسي كلها دم!
أمي كانت بتبُص لي في ذهول، وبعدها قالت:
-هو فين الدم ده؟
وبمجرد ما قالت لي، بصيت في مراية الحوض تاني؛ عشان أتأكد إن كان اللي شوفته حقيقة؛ ولا هلاوس من تأثير الكابوس، ولقيت إن مفيش دم في فروة راسي ولا حاجة، لكن شوفت حاجة أصعب من كده، هي إن ملامح وشّي اللي ظاهر في المراية؛ مُش ملامحي، دي كانت ملامح كيان مشوَّه، جلد وشد واقع وعينه بارزة والنِّن بالطول!
"2"
أصعب شيء؛ هو إنك تكون مُضطر تسكُت؛ عشان تقفل الباب على اللي قدامك، وأنت عارف إنه هياخد كلامك ويجادلك بُه، وإنك تمثِّل الاقتناع بإن الحكاية كانت شيء عارِض وانتهى، بالظبط زي ما أقنعت أمي إن دي هلاوس من تأثير الكابوس، وعشان أثبت لها كلامي، بدأت أمارس يومي عادي، خرجت وقعدت معاها هي وأبويا في الصالة، هزَّرت مع أختي، اتصلت بأخويا واتكلمت معاه، واليوم بدأ يفوت قدامهم وكأنه يوم عادي، لكن كان في كواليس محدش شايف اللي وراها غيري، وهي إني مكنتش مطَّمنة، واللي زوِّد شعوري بعدم الاطمئنان، هو إن اليوم قرَّب ينتهي بدون ما أفكَّر أقرَّب من اللاب توب وأكتب أي حاجة، أنا كنت متعودة أكتب يوميًا، لكن النهاردة الحكاية مختلفة، مَفيش شغف، حتى أمي لاحظت وقالت لي:
-غريبة يعني؛ أول مرَّة تقعدي معانا وقت طويل، من غير ما تقعدي بوزِك في بوز اللاب توب.
معرفتش أجاوبها بإيه، لكن فعلًا كل أفكاري كانت ممسوحة، وكأن في حاجة منعاني من الكتابة، ولأني مكنتش عايزة الموضوع يبقى غريب، رديت عليها وقولت لها:
-اطمني، أنا كنت قايمة أصلًا عشان أكتب دلوقت.
مَنتظرتش كتير، قومت ودخلت أوضتي قعدت على سريري، فتحت اللاب توب عشان أبدأ روتيني المعتاد؛ الكتابة، لكن الأفكار رفضت إنها تتجمَّع، وصوابعي كانت عاجزة عن إنها تكتب حرف، عقلي وصوابعي كانوا متمرّدين عليا، أو عشان أكون دقيقة في التعبير، كانوا بينفذوا أمر هاجس جوايا وهو بيطلب منّي أبطَّل كتابة، أو بطريقة تانية، بيطلب منّي أغيَّر لون كتابتي، عشان أكتب حاجات تانية، أشياء مرعبة، معرفش هيكون مصدر إلهامي فيها إيه.
الإنسان مبيقدرش يجادل نفسه، لأن نفسه هي اللي هتنتصر عليه، عشان كده استجبت للرغبة اللي جوايا، قفلت اللاب توب، وقومت من السرير، محبِّتش أخرج من الأوضة، عشان أمي هَتستلِمني، المتنفس الوحيد قدامي، هو إني أقف في شباك الأوضة، فتحت الإزاز والشيش، ونسيت إن الشباك بيفتح على الأرض، مَفتكرتش حاجة زي دي غير لما شوفت الأرض والدنيا ليل، ساعتها حسيت بتفاصيل الكابوس بتتعاد قدامي من تاني، واقتداءً بالمثل اللي بيقول: الباب اللي يجيلك منه الريح؛ سدُّه واستريح، قرَّرت أقفل الشباك وأرجع من تاني لسريري؛ لكن وأنا بقفل الشباك، اتفاجأت بحد واقف في الأرض، في البداية افتكرته أخويا، لكن تراجعت عن تفكيري؛ لما سمعت صوت أخويا بيتكلم مع أمي في الصالة، وأيقنت إن ده شخص تاني، معرفش ليه كان واقف يبُص لي، بس لما بدأت أدقَّق فيه؛ عشان أعرف مين هو، اتضح لي إنه عبارة عن كتلة سودة، شيء هلامي أسود مالوش تفاصيل!
"3"
الهروب مُش حل، بالعكس؛ ممكن وأنت بتهرب تدخل طريق يوصَّلك لمتاهة أكبر، ده اللي خلاني أفضل واقفة في الشباك، عيني على الشخص ده، أو الكيان الغريب اللي مش مفهوم، أنا لحد دلوقت مكنتش عارفة أسمّيه إيه بالظبط، لحد ما سمعت حد بيقول لي:
-"ليلى".
جسمي اتنفض لما سمعت حد بيندَه اسمي، لكن اكتشفت إنه أخويا، وأوّل ما بصيت له قال لي:
-مالك يابنتي، شوفتي عفريت ولا إيه؟
-لا خالص، أنت محتاج حاجة يا "عبد الله"؟
-أنا بطمن عليكي بس، ما هو أنتي مبتعمليش في حياتك غير 3 حاجات، يا نايمة، يا بتكتبي، يا في الحمام، مشغولياتك كتير بصراحة.
-أنت جاي تتنمر عليا؟
-أدعي عليك بإيه وأنت فيك كل العِبر، أتنمر إيه هو أنتي ناقصة؟ بس غريبة، واقفة في الشباك مُش بتكتبي كالعادة.
-بغيَّر جو، ومفيش فكرة جديدة، قولت يمكن لما أقف كده تجيلي فكرة.
كنت بكلمه وعيني رايحة جاية ما بينه وبين الأرض، بالتحديد على الشخص اللي شوفته واقف تحت، واللي اكتشفت إنه اختفى بمجرد ما أخويا دخل وبدأ يكلمني، ولما الحوار بيني وبينه انتهى، بصيت عليه تاني، عشان ألاقيه واقف في مكانه عادي متحرَّكش، وكأن أنا اللي مكنتش شيفاه.
المرة دي قرَّرت أهرب، قفلت الشباك، قولت يمكن هواجسي مخلياني أتخيَّل اللي شيفاه، بس عرفت إن مفيش هروب، لأني بعد ما قفلت الشباك ورجعت عشان أقعد على سريري، وأفتح اللاب وأبدأ أكتب أي حاجة، اتفاجأت به في الأوضة، واقف جنب سريري!
عارفين اللحظة اللي كل وظايف الجسم بتتوقّف فيها، اللي هي المرحلة اللي بتسبق الموت بلحظة بس، لما كل أعضاءك تتوقف وتدرك للحظة واحدة إنك خلاص مُت، وبعد اللحظة دي بتموت فعلًا، أنا مرّيت بالحالة دي بمجرد ما شوفته، حسيت بشلل وعجز، وكل شيء ممكن يسلب الإنسان الحركة، لكني موصلتش لمرحلة الموت، أنا فضلت في الحالة دي وحاسة بنفسي وأنا بقرَّب منه، بدون ما رجلي تمشي خطوة واحدة على الأرض، كأني كنت طايرة في الهوا، لحد ما وقفت قدامه، وشوفته كتلة سودة مطموسة الملامح، لا ليها تفاصيل ولا ريحة، كل اللي قدرت أستشعره هو إن القُرب منه زي القُرب من فُرن والع، الصهد خارج من كل حتة فيه.
محدش يسألني عملت إيه واتصرفت إزاي، لأني كنت زي عجينة الصلصال قدامه، بيشكّلني زي ما هو عاوز، قدر يخليني أقرَّب منه، وشاور لي على اللاب توب، فاتحرَّكت بدون إرادتي وفتحته، وقال لي أول كلمة أسمعها منه وهي:
-اكتبي.
جسمي قَشعر، ولأني مكنش عندي أفكار أكتبها، لقيتني بسأل نفسي وبقول: أكتب إيه؟
اتضح لي إنه سامعني وأنا بكلِّم نفسي، عشان كده جاوب على سؤالي وقال:
-عارف إنك افتقدتي القدرة على الكتابة، وهتفضلي مفتقداها علطول، لأني عاوز كِدَه، لكن من هنا ورايح، هَتكتبي اللي أنا عاوزك تكتبيه وبس.
في اللحظة دي بس، جَت في دماغي فكرة قصتي المشهورة اللي كلكم عارفينها، واللي هي أول قصة رعب كتبتها "جِني الأرض"، ودي كانت بداية طريقي الجديد، اللي عمري ما كنت أتوقع أبدًا إني أمشي فيه، أو إني في يوم من الأيام، هتحول من "ليلى زايد" كاتبة الرومانسية، وأكون "ليلى زايد" كاتبة الرعب اللي قدامكم دلوقت.
"4"
التحفيل عادة عند أمي، اللي بمجرد ما بدأت أكتب رعب، وهي بدأت تريقتها عليا، كلام من نوعية أصل الرومانسية مش جايبة همها، الرعب مش لايق على واحدة هطلة زيك، بطلي تقعدي في الحمام كتير عشان متتلبسيش.
كل تفكيرها هو إني فاشلة في كتابة الرومانسي، عشان كده قررت أغير لون كتابتي، ودي حاجة مستحيل إنها كانت تحصل بإرادتي، محبتش أحكي لأمي عن اللي بيحصل معايا، وإني لما بنام بشوف نفسي في أماكن غريبة، يمكن مش موجودة أصلًا في عالمنا، كنت بروحها وبشوف فيها كائنات عمري ما أتخيل إنها موجودة، وبشوف حاجات تشيِّب شعر راسي، وأقوم من النوم أكتبها بتفاصيلها كأني عيشتها بجد، وأوقات بسرَح بطريقة غريبة، وأحِس إني مٌش موجودة في الدنيا، وقتها بكون بسمع صوت الكيان اللي ظهر لي، وهو بيحكي لي تفاصيل حكاية أنا نفسي كنت بموت في جلدي من الخوف وهو بيحكيها، وبعدها يطلب مني أكتب اللي سمعته وأعمل منه قصة وأنشرها، أنا كنت زي الآلة الكاتبة اللي هو بيكتب عليها، وكنت بنفذ رغبته بدون أي مقاومة.
اليوم كان بيفوت وألاقي نفسي كاتبة قصتين وتلاتة، انعزلت أكتر ما كنت منعزلة، مكنتش بعمل حاجة غير إني بستجيب لصوته اللي دايمًا في ودني، بيحكي وأنا أكتب، والشوية اللي بيسمح إني أنام فيهم، كان بياخدني لعالم غريب، أشوف فيه تفاصيل أكتبها لما أصحى مفزوعة، أنا مبقيتش أنا، اعتبروني لسانه اللي بيحكي، أو صوابعه اللي بيكتب بيها، كل كلمة في قصة قرأتوها عندي هو اللي حكاها لي.
أنا قررت أكتب يومياتي؛ وأحكي فيها التفاصيل دي، بعد ما هو اللي أذن لي إني أعمل ده، حتى الفضفضة كانت بناءً على رغبته هو، مُش هنكر إن جالي متابعين جُدد، والعدد زاد، وبشوف تعليقات مُبهجة وإعجاب باللي بكتبه، لكن الحقيقة ردود أفعالكم على شيء أنا دوري فيه زي البوسطجي، أنا كنت في حياة كل أبطالها بيحبوا بعض، بيتكلموا ويفكروا في بُكره، ولقيتني فجأة دخلت دُنيا ضلمة، كلها أصوات ترعِب ومشاهد تخوِّف، وفيها قصص وأحداث لو عيشت عمري كله مكنتش هصدق إنها موجودة.
"5"
خلوني في اليومية الأخيرة أقول لكم على حاجة؛ من بين المتابعين اللي تابعوني عشان قصص الرعب، لقيت شخص دايمًا بيكومِنت عندي وبيقول إنه معالج روحاني، ومن كُتر ما الجملة دي كانت بتتكرر قدامي، جَت لي فكرة معرفش إن كانت صح ولا لأ، عشان كده اتردِّدت إني أنفذها، لحد ما الكيان ده هو اللي أذن لي، وده مُش غريب لأنه بيقرأ أفكاري وهواجسي وكلامي مع نفسي.
بعد ما تعِبت من التفكير في الحال اللي وصلت له، اتشجَّعت وبعت رسالة للمعالج الروحاني، لكن مقدرتش أقول له على حكايتي بالتفصيل، بس سألته سؤال واحد، وهو إن ممكن حد من الجِن يستخدم إنسان ويخليه يعمل حاجة هو مش عاوز يعملها، زي مثلًا يقول حاجة معينة أو يكتبها.
رد المعالج الروحاني صدمني؛ لما بعت لي الرسالة دي بالنَّص...
"الجِن مُش بيتعرَّض للإنسان إلا عشان ينتقم، والانتقام بيكون رد فعل للاعتداء، وانتقامهم بيكون عن طريق المَس والعياذ بالله، بيبدأ الإنسان يشوف خيالات، أو يسمع أصوات، والحقيقة دي مش بتكون أوهام، دا تأثير وجود الجِن بالقُرب من الإنسان، طاقتهم بتشوِّش على طاقة الإنسان، عشان كده بيبدأ يشوف حاجات خارج نطاق استيعابه، أما بالنسبة لسؤالك، وأنتي طبعًا كاتبة رعب وعارفة ده كويس، إن ممكن الجِن يسخَّر الإنسان عقابًا على الاعتداء اللي الإنسان بيعمله في حق الجِن، زي مثلًا ممكن يخليه يحكي حاجات غريبة والناس تقول عليه مجنون، أو في شيطان لابسه، وطبعًا في كل الحالات، الممسوس بيبان وكأنه مجنون بالظبط".
الرسالة خلَّت جسمي قشعر، لدرجة إني اكتفيت بالريآكت اللي عملته عليها بدون ما أرُد، بس سألت سؤال في نفسي، هو إيه الاعتداء اللي أنا عملته عشان يحصل معايا كده؟
أنا مَنسيتش إحساس إيده لما مسكتني من شعري وأنا بجري في الأرض، ولا الألم اللي حسيت به ساعتها، وده اللي اتأكدت منه لما الحكاية اتكررت تاني، لكن المرة دي كنت في أوضتي، قاعدة قدام اللاب توب بعد ما قرأت رسالة المعالج الروحاني، عشان كده بصيت ورايا، وشوفته وهو ماسكني من شعري، وبيطلب مني أنزل الأرض، بالتحديد تحت شباك المطبخ.
معرفش أنا هروح هناك أعمل إيه، وفي وقت زي ده، الساعة 2 بعد نُص الليل، وتحت شباك المطبخ، في مصرف صغيَّر الأرض كانت بتتروي منه زمان، لكن دلوقت المَيَّه اللي فيه راكدة، بس مكنتش أقدر أرفض طلبه، عشان كده قومت وخرجت من أوضتي، ومشيت في الصالة لحد باب الشقة، والغريبة؛ إن أمي كانت قاعدة في الصالة هي وأختي، ولا قالوا لي رايحة فين ولا جاية منين، عشان كده كنت على يقين إنهم مُش شايفينّي.
نزلت تحت، في المكان اللي طلب منّي أروحه، رفعت عيني على شباك المطبخ اللي كان نوره مفتوح، عشان أشوف نفسي وأنا برمي زيت مغلي بعد ما خلصت تحمير شوية بانيه، أنا فعلًا فاكرة الموقف ده كويس، والزيت نزل جنب المصرف، عشان في اللحظة دي أسمع صرخة مرعبة، وألمح في الضلمة كتلة سودة بتتنفِض، في نفس المكان اللي الزيت نزل فيه، بعدها حسيت بإيده بتمسكني من شعري تاني، في المرَّة دي شوفته في شكل تاني غير الكُتلة السودة اللي بشوفه فيها، ملامحه كانت مشوَّهة، جِلده محروق والعَضم باين من تحته، وبعينه البارزة اللي ننّها كان بالطول، في اللحظة دي أدركت إن الزيت اللي رميته بالليل من شباك المطبخ، هو السبب في إنه يتشوِّه بالطريقة دي، ويحوِّل شكله من شيء بشع لشيء أبشع، وقدرت أعرف إن الملامح اللي شوفت نفسي عليها في مراية الحمام، كانت هي ملامحه اللي اتشوهت، بكل تفاصيلها مفيهاش أي اختلاف.
في اللحظة دي بس؛ أدركت أنا ليه بيحصل معايا كده، وإني اتمسِّيت؛ انتقامًا منّي بسبب اعتدائي عليه بدون قصد، لكن عرفت إن مفيش عندهم حاجة اسمها قاصد أو مُتعمِّد، انتقامهم في الحالتين قاسي، لأن مفيش انتقام أقسى من إن الإنسان يعيش مسلوب الإرادة، يغيَّر حياته، ويتمنع من كتابة الحاجة اللي بيحبها، ويكتب حاجات هو بيكرهها كنوع من أنواع العقاب، عشان كده أنا بكره كتابة الرعب، لكن بكتبه غصب عني، لأنه أصدر حكمه عليا للأبد، بإني هعيش أكتب الحاجة اللي أنا بكرهها.
أتمنى تكونوا عرفتوا أنا ليه بكتب رعب، وكل قصصي موضوعها بيتكلم عن انتقام الجِن من البشر اللي اعتدوا عليهم، يمكن بتسألوني السؤال ده كتير، يمكن هو بيطلب مني أكتب التفاصيل دي في القصص، كنوع من التحذير؛ عشان محدّش يتعدَّى عليهم، أو يأذيهم بدون ما يحِس، لأنهم مبيرحموش في انتقامهم.
بعد ما عرفت سبب اللي بيحصل معايا، طلعت عشان أكتب قصة هو حكالي تفاصيلها وأنا تحت، وللمرة التانية، عدّيت من قدام أمي وأختي بدون ما يلمحوني، عشان كان عندي حاجات كتير لازم تتكتب، أو بمعنى تاني، عشان أمتثل للمَس، العقاب الأبدي اللي محكوم عليا بُه.
كانت معكم "ليلى زايد"، كاتبة الرعب، اللي لأول مرة تعرفوا إنها بتكتب نيابةً عن "جِني الأرض"، لأني معرفش اسمه، عشان كده مكَنش قدامي غير إني أسمّيه بالاسم ده.
تمت...