كاتب الأسبوع

✍️ كاتب الأسبوع

الكاتب المبدع أشرف الكرم 📖 حيثيات اختيار كاتب الأسبوع
🔄 يُحدّث كل جمعة وفق تقييم الأداء العام للمدونات

📚 خدمة النشر الورقي من مركز التدوين والتوثيق
حوّل أعمالك الرقمية إلى كتاب ورقي يحمل اسمك ورقم إيداع رسمي ✨
اكتشف التفاصيل الكاملة

آخر الموثقات

  • متمردة على التاريخ
  • عُقدة الصوف الأحمر
  •  الصبر… هل تعرف معناه حقًا؟
  • ليال بلا أحلام
  • الوقوف حول القضايا هم وطني مشترك
  1. المنصة
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شحاتة
  5. عُقدة الصوف الأحمر
⭐ 0 / 5
البوصلة الشمسية

الحياة ضَرَبِت فرامِل مرَّة واحدة، فجأة كل شيء في حياتي وَقَف محلَّك سِر، وماكنتش أعرف إيه السبب اللي يخلِّي دَه يحصل.

الحكاية بدأت من عند خطوبتي؛ أكتر حاجة اتمنّيت إنها تحصل في حياتي، ودَه لمَّا فَتحت عيني على صوت المُنبّه لمَّا رَن كالعادة، مدّيت إيدي ناحية التليفون وعملت غفوة لخمس دقايق، بعدها حطيت راسي على المخدّة من تاني، وفي الرَّنَّة التانية؛ قُمت قعدت في مكاني زي ما بعمل كل مرَّة، كَنسِلت المُنبِّه لأني خلاص مش هَنام تاني، ساعتها لمحت إشعار رسالة على الواتس آب، مَشِّيت صابعي على الشاشة من فوق لِتحت عشان الرسالة تظهر وأقرأها من برَّه، كانت مِن سَعد خطيبي، بحلقت فيها وأنا بقرأ المكتوب: "آسف يا سناء؛ إحنا مُش هينفع نكمِّل مع بعض".

قرأت الرسالة أكتر من مرَّة وأنا مش مصدَّقة، حكايتي مع سعد مكانتش حكاية عاديَّة، مش خطوبة صالونات ولا واحد دخل بيت يدوَّر فيه على بنت الحلال وخلاص، دَه إحنا اتخطبنا بعد معافرة عشان أهالينا يوافقوا لأننا بنحب بَعض، لدرجة إني افتكرت الرسالة مجرَّد مقلَب، عشان كِدَه رنّيت عليه، ولمَّا رَد عليَّا قُلت له:

-إيه الرسالة دي يا سعد؟

أخد كام ثانية لحد ما رَد عليَّا وبعدها قال لي:

-زي ما قرأتي بالظَّبط يا سناء.

في اللحظة دي أخدت الصدمة، حسِّيت إني راهِنت على الحُصان الخسران وحاربت عشان شخص خذلني، وبرغم اللي قاله كُنت عايزة أعرف سبب قراره المفاجئ، على الأقل أكون فاهمه السبب، عشان كِدَه قُلت له:

-أنا مش هناقشك في قرارك ولا هسأل إن كان صَح ولا غلط، أنا بَس عاوزة أفهم، إيه اللي يخلّيك تاخد قرار زي ده بالرغم إن مَفيش حاجة حصلت؟

اتردِّد للمرَّة التانية وأخد وقت لحد ما رَد عليَّا وقال لي:

-من فترة وأنا مُش مرتاح معاكي، جايز ماكُنتش بحاول أظهِر دَه، بَس خلاص كِدَه، مَعدّتش قادر أكمِّل.

قفلت المكالمة بدون ما أتناقش معاه، لقيت نَفسي في لحظة بتعامل وكأنه مجرَّد صفحة واتقلبت، شيء عابر اتوَجد في حياتي لفترة من الزَّمن وتلاشى، فجأة لقيته مش فارِق معايا، وعملت بمبدأ اللي باعك بيعه.

صوت الخبط اللي على باب أوضتي خلَّاني أقفل صفحة التفكير في اللي حصل، أخدت شَهيق عميق عشان أرجع لهدوئي، ومع الخبطة التانية سمعت صوت أمي وهي بتقول لي:

-قومي يا سناء، الوقت اتأخَّر وهتتأخَّري على شُغلك.

قُمت وبدأت يومي عادي، ولا كأن في حاجة حصلت، خرجت من الأوضة وبدأت روتيني اليومي، وبعد ما فَطرت مع أمي، لبست هدومي وأخدت بعضي وخرجت عشان ألحَق شُغلي.

وصلت الشُّغل وأنا عيني مقفولة من الصداع، وبعد ما قعدت على مكتبي؛ لقيت العامِلَة داخلة عليَّا بالقهوة، حطَّتها على المكتب قدّامي وقالت لي:

-صباح الخير يا أستاذة سناء.

-صباح النور يا أميرة؛ جيتي في وقتِك.

-القهوة أم وِش اللي بتعدِل الدماغ.

-تسلم إيدك، ماتعرفيش فيروز متأخَّرة ليه النهار ده؟

-الغايب حجّته معاه يا أستاذة، زمانها في الطريق والدنيا زحمة.

كنت بسألها عن فيروز زميلتي وأنا بمِد إيدي ناحية فنجان القهوة، مسكته ورفعته ناحية بوقّي وأخدت أوِّل شَفطة، في اللحظة دي حسّيت بحاجة بتخبط في رجلي، زي ما يكون قُطَّة بتتمسَّح فيَّا، جِسمي قشعر وأعصابي سابت؛ لدرجة إن فنجان القهوة اتهَز من إيدي، وساعتها أغلب القهوة وقعت على المكتب.

حطيت الفنجان وقُمت وأنا مفزوعة من مكاني، رميت عيني تَحت المكتب وبصِّيت، اتفاجئت بقُطة سودة راسها كبيرة، كانت رافعة عينيها ناحيتي وبتبُص لي، ولمَّا ركّزت معاها لثواني فَتحت بوقّها وأنيابها ظَهرت زي ما تكون عاوزة تهجم عليَّا.

في اللحظة دي أميرة العامِلَة بصَّت ناحيتي باستغراب وقالت لي:

-مالك يا أستاذة سناء؟ إيه اللي حصل؟

شاورت ناحية القُطة اللي كانت لسَّه بتبحلق فيَّا وفاتحة بوقّها وقُلت لها:

-في قُطة سودة تَحت المكتب.

لمَّا قُلت لها كِدَه جَت ناحيتي وهي بتقول لي:

-قُطة! دَخلت من أي داهية المنيِّلة على عينها دي؟

لمَّا قرَّبت مشيت بعيد عن المكتب، وسَّعت لها المكان عشان تتعامِل، وقفت أراقبها، لاحِظت إنها أخدت وقت وهي بتبُص تَحت المكتب، وفي نفس الوقت لا لمحتها بتحاول تحرَّك القُطة من مكانها، ولا حتى لاحظت إن القُطة نفسها خرجت من تَحت المكتب، عشان كِدَه قُلت لها:

-حاولي تخلّي القُطة تمشي يا أميرة، بَس خلّي بالك لا تخربِشِك.

لمَّا خلَّصت كلامي وقفت وبصَّت لي وبعدها سألتني:

-فين القُطة اللي بتتكلِّمي عنُّها دي يا أستاذة؟

كلامها صَدَمني، أنا شُفت القُطة بعيني، دَه غير إني لسَّه حاسَّة بخبطتها في رجلي، وفي نفس الوقت ماشُفتهاش بتهرب!

قرَّبت منها وبصّيت تَحت المكتب؛ وفعلًا لقيت المكان فاضي، القُطة مكانش لها أي أثر، بَحلقت فيها وأنا مُش مستوعبة اللي حصل، وفي نفس الوقت مكانش عندي رَد مُناسب، لكنها رفعت الحَرَج عنّي لمَّا قالت:

-زمانها جِريت كِدَه ولَّا كِدَه.

كُنت عارفة إنها بتقفل الموضوع بطريقة لطيفة عشان ماتحرجنيش، لكن الموقف كلُّه اتقَفَل لمّا سمعت صوت فيروز بتقول:

-صباح الخير يا جماعة؛ أخباركم إيه؟

كُنت سرحانة في حكاية القُطة ونسيت أرُد على كلامها، وفي نفس الوقت انتبهت لصوت أميرة وهي بتقول:

-هاروح أعمِل لِك قهوتك يا أستاذة فيروز، وأنتي يا أستاذة سناء، هَجيب لِك قهوة غير اللي وقعت.

قعدت مكاني بهدوء، سحبت منديل من العلبة اللي قدامي وبدأت أمسح القهوة اللي وقعت على المكتب، وساعتها فيروز قالت لي:

-مالك يا سناء؟ حاسَّة إن فيكي شيء مُش تمام!

حاولت إني مَظهرش في صورة مهزوزة قدامها، توِّهت في الكلام وقُلت لها:

-مافيش حاجة، شويِّة قهوة وقعوا على المكتب وأميرة هاتعمل فنجان تاني.

قعدت على مكتبها من غير ما تعلَّق على كلامي، لكن بعد كام ثانية قالت لي:

-الطريق النهار دَه زحمة أوي، دَه غير إن الشُّغل في الشركة بقى مُقرِف.

بصِّيت ناحيتها وقُلت لها:

-إيه الجديد يعني؟ الطُرق ودايمًا زحمة، والشُّغل مُتعِب في أي مكان، مُش في الشركة عندنا بَس.

بدأنا نحرق الوقت بالكلام وشُرب القهوة وإحنا بنشتغل، وفي نُص اليوم لقيت عم رأفت أمين المخزن داخل المكتب وجاي ناحيتي، إيده كان فيها ورقة، وبعد ما سلِّم علينا قال لي:

-وقَّعي هنا يا أستاذة.

رفعت راسي ناحيته وسألته:

-أوقَّع على إيه؟

-دَه سند استلام من المخازن إنِّك استلمتي كُرسي المكتب الجديد، اللي حضرتك قاعدة عليه دلوقت، وبما إن الكُرسي بيندرج تحت بند الأثاث في الشركة، والأثاث بند من بنود المخزن، يبقى لازم توقَّعي باستلامه عشان ينضاف لعدد الكراسي اللي في الشركة، وفي حالة إنه انكسر لا سَمَح الله أو ضاع، يبقى لازم...

قَطَعت كلامه وقُلت له:

-يبقى لازم نعمل لجنة، واللجنة تعمل لجنة، وبعد ما نحقق في ضياع الكرسي نكتشف إن نَمل حرامي الحلَّة أخد الكرسي وهرِب من الشركة. ارحمني يا عم رأفت هات أمضي لَك الورقة، مهما كان أهون من الكرسي القديم اللي كلُّه مسامير وبوَّظ هدومي كلّها.

قلَبت الكلام هزار وبعدها وقَّعت الورقة وأخدها ومشي، وبدأت أكمّل في الشُّغل اللي ورايا، في الوقت دَه بدأت أحِس بنفس الإحساس؛ جِسم قُطَّة بتتمسَّح في رجلي تَحت المكتب!

في المرَّة دي ماقُمتش مفزوعة زي المرَّة اللي فاتت، فضلت مبحلقة في الفايل والأوراق اللي قدامي، حاولت أقنع نفسي إن كل دَه بسبب التوتّر اللي حسِّيت بيه بعد ما اتكلِّمت مع سَعد، لكن كل ما الوقت كان بيفوت، إحساس إن في قُطَّة بتتمسَّح في رجلي كان بيتحوِّل لحقيقة أكتر، وكأنُّها بتتحدَّاني عشان أصدَّق وجودها.

تجاهلت الإحساس دَه وكمِّلت شغل، سلِّمت شُغل خلص وفتحت في شُغل تاني، لحد ما فيروز قامت من على مكتبها وأميرة دخلت تاخد آخر فناجين قهوة على المكاتب، ساعتها عرفت إن دَه وقت الانصراف.

قفلت الفايل اللي في إيدي وقُمت من مكاني، بصِّيت تحت المكتب، القطة كانت قاعدة ورافعة راسها ناحيتي وأنيابها ظاهرة، الرعشة اللي في جسمي زادت، ساعتها مسكت شنطتي وشاورت لفيروز اللي كانت بتلِم حاجتها عشان تمشي، وبعدها أخدت بعضي وخرجت من المكتب.

طول الطريق وأنا راجعة البيت كُنت باخد أنفاسي بصعوبة، دماغي كانت شغَّالة زي الطاحونة، ماكنتش عارفة إيه اللي بيحصل معايا، يقين جوَّايا بيقول لي: في شيء غلط، ودَه كان واضح بعد قرار سَعد اللي مالوش مُبرّر، والقُطة اللي تقريبًا مافيش حد شافها غيري.

بعد ما وصلت البيت وغيَّرت هدومي؛ قعدت أتغدَّى مع أمي، كُنت باكُل في صمت؛ ولمَّا لاحظت سكوتي حاولت تفتح معايا كلام فقالت لي:

-لمَّا تكلِّمي سَعد قولي لُه ييجي يتغدّى معانا يوم الجمعة.

وقَّفت مَضغ الأكل وبَلَعته زي ما هوَّ، بعدها أخدت نَفَس عميق وقُلت لها:

-أنا وسَعد سيبنا بعض.

لمَّا أمي سمعتني ضربت بإيدها على صدرها وقالت:

-يالهوي! سيبتُوا بَعض إزاي وإمتى؟ وإزاي ماعرفش حاجة زي دي؟

-دَه اللي حصل، لمَّا قُمت من النوم لقيته سايب لي رسالة فيها الكلام ده، ولمَّا كلِّمته قال لي إنه بقالُه فترة مش مرتاح، وفي كل الأحوال أنا مش هاتمسِّك بحد باعني.

-ولمَّا أنتي شايفاه متغيَّر من فترة، ليه ماقُلتيش، على الأقل كنت هدخل في الموضوع وأتصرَّف، ولا أنتي عملتي فيه حاجة ومش عايزة تقولي.

-أنا ماعملتش أي حاجة، ولا حتى في خلافات ما بينّا، هوَّ اللي بدأ ياخُد جَنب مع نفسه، وبعدين أنا مش أوّل ولا آخر واحدة خطيبها سابها.

في اللحظة دي أمي قالت بنبرة استسلام كلها حُزن:

-يابنتي اسمها خطوبة واتحسبت عليكي.

لمَّا لقيتها مصمِّمة تخليني في كفّة الضحيَّة ردّيت عليها بنبرة حادّة وقُلت لها:

-للمرَّة التانية هقول لِك: أنا ماعملتش حاجة، وفي نفس الوقت مُش مسئولة عن قراراته، كل واحد حُر.

خلَّصت كلامي وسيبت الأكل وقُمت، دخلت أوضتي وقفلت الباب عليّا، فَردت جسمي على السرير وحطّيت راسي على المخدّة، حاولت أهرب من كل اللي بيحصل وأنام، لكن اللي حصل العكس، النوم هوَّ اللي هِرِب من دماغي، وبعد أكتر من محاولة نوم فاشلة؛ قُمت قعدت على السرير، الوقت كان بيفوت ببطء، حسِّيت بملل رهيب، لكن المَلل دَه انتهى بمجرَّد ما سمعت صوت خرفشة تَحت السرير! 

ماعرفش ليه افتكرت القُطة السودة، نزلت من السرير وقعدت في الأرض، رفعت ملاية السرير وأنا بحاول أتأقلم مع اللي ممكن أشوفه، بصِّيت بحذر، مالمحتش غير ديل قطة لونه أسود، أما باقي القُطّة؛ فكانت متدارية ورا شنطة هدوم ليَّا تَحت السرير!

بعد ما القطة حسَّت بوجودي؛ دَخلت بكامل جسمها ورا الشنطة، حتى ديلها دخل وراها، حاولت أهزم الخوف اللي حسّيت بيه لمجرَّد إني فكَّرت إن نَفس القُطة ظَهرت تحت سريري، قاومت رعشة إيدي ومدِّيتها ومسكت شنطة الهدوم، سحبتها بشويش عشان ما أستفزِّهاش وتخربشني أو تعمل فيَّا حاجة، لكن المفاجأة إني لمَّا سحبت الشنطة مالقتش وراها القطة!

نَفس اللي حصل في المكتب اتكرَّر تحت سريري! في الوقت دَه حسِّيت إن ظهور القُطة مش صدفة، مافيش صدفة بتحصل مرِّتين بنفس التفاصيل دي!

قُمت من الأرض وأنا حاسَّة بدوخة من التفكير في اللي بيحصل، ولمَّا وقفت؛ لمحت ظِل أسود على الحيطة اللي في ضَهر السرير، كان خيال القُطَّة وهي قاعدة، بصِّيت ورايا ولمحتها قاعدة في الشِّباك، عينيها مبحلقة فيَّا، كان على وشّها ابتسامة غامضة، بصِّيت لها وأنا في حالة ذهول، وفضلت على الحال دَه لحد ما سمعت صوت بيقول: "بلاش تدخُلي في حالة صدمة، عاوزاكي من هِنا ورايح تتعوِّدي على وجودي".

ماكنتش مصدَّقة ودني ولا مستوعبة إن الصوت كان خارج من القُطَّة، دخلت في حالة جمود رهيبة، ما اتحرَّكتش غير لمَّا سمعت باب الأوضة بيتفتح، بصِّيت ناحيته ولقيتها أمي، تجاهلت وجودها ورجعت بصِّيت ناحية الشباك من تاني؛ ساعتها كانت القطة اختفت، في اللحظة دي أمّي قالت لي:

-واقفة كِدَه ليه يا سناء؟

كُنت لسَّه مبحلقة في الشباك، عقلي شارد في مَنظر القطة وهي قاعدة بتبُص لي، وفضلت على الحال ده لحد ما أمي كرَّرت سؤالها، ساعتها بصِّيت ناحيتها وقُلت لها:

-ماشُفتيش القطة اللي كانت على الشباك؟

لمحتها وهي بتبُص لي باستغراب بعد ما سمعت كلامي، وبعد ثواني من الصمت كأنها بتفكَّر في اللي قُلته سألتني:

-قُطة إيه اللي بتتكلّمي عنها؟

-ما أنا قُلت لِك، القُطة كانت على الشباك.

-يابنتي أنا فَتحت الباب ودخلت؛ لقيتك واقفة مبحلقة في الشباك ومكانش في قُطط موجودة.

ماعرفش ليه كان عندي إصرار إني أصمِّم على كلامي، عشان كِدَه قُلت لها:

-كانت قُطَّة سودة، واتكلِّمِت معايا.

أمي بلعت ريقها ولمحت جسمها بيتهز بعد ما سمعت كلامي، وساعتها قالت لي:

-قُطة سودة إيه بَس اللي بتتكلِّمي عنها؟ وبعدين هوَّ في قُطط بتتكلّم؟

لثواني حسيت إني دخلت في حالة من اللا وعي، كأن في شيء غيِّب عقلي عشان أقول الكلام دَه، لكن أمّي حاولت تقفِل الموضوع لمَّا قالت لي:

-أكيد نفسيِّتك تعبانة بسبب اللي حصل بينك وبين سَعد خطيبك.

سابتني وخرجِت من الأوضة وقفلت الباب وراها، وأنا ما صدَّقت إنها تمشي من قدّامي، في اللحظة دي بصِّيت من تاني ناحية الشباك؛ لقيت القطة قاعدة في نفس مكانها، دقَّقت في عينيها اللي نِنَّها كان مشقوق بالطول، وفي نظرتها العميقة ناحيتي، وكأن عينيها بتخترقني عشان تشوفني من جوَّه وتشوف خوفي، وساعتها نطقت من تاني وقالت: "انكتب لمصيرك إنه يرتبط بيَّا، وزي ما أنا روح هايمة في القبور والخرابات، روحِك هيَّ كمان هتكون هايمة معايا، وفي وجودي مافيش مكان لأي حاجة تانية".

دوَّامة من الذهول بلَعتني جوَّاها، فضِلت أبُص للقُطَّة في صمت، لحد ما الشريط اتعاد من البداية، باب الأوضة اتفتح تاني، وللمرَّة التانية سمعت صوت أمي:

-هاتفضلي واقفة مبحلقة في الشباك كتير يابنتي؟

كل شيء كان بيتعاد بالتفصيل، لمَّا بصِّيت لأمي ورجعت بصّيت للشباك من تاني كانت القطة اختفت، اللي اختلف المرَّة دي إني انتبهت لأوّل مرَّة إن الليل دَخل، مَعرفش إزاي الوقت دَه كلُّه فات في لحظات، زي ما أكون دخلت فجوة زمنية وخرجت منها على توقيت تاني، ساعتها أمي قالت لي:

-ما توجعيش قلبي عليكي يا سناء، مالك يابنتي ما تقولي فيكي إيه؟

الصمت كان أسلم حاجة في الوقت دَه، ابتسمت عشان ماتحسِّش إن في شيء مش طبيعي، أصل مُش هاجيب لها سيرة القُطة أو أي حاجة حصلت، ودَه لأني متأكِّدة إن نتيجة كلامي دلوقت هتكون نفس نتيجة كلامي اللي فات، فاختصرت كل دَه وقُلت لها:

-كُنت واقفة سرحانة وبفكَّر شوية. أنا كويِّسة يا ماما ماتقلقيش.

أمي أخدت كلامي وشبطِت فيه وقالت لي:

-بتفكَّري في خطوبتك اللي باظت؟

-أنا مش أوِّل ولا آخر واحدة خطوبتها تبوظ، وبعدين كل شيء نصيب.

اتكلمنا شوية عن الخطوبة اللي اتفركِشت وسابتني وخرجت، ولمَّا بقيت لوحدي رجعت للدوامة من تاني، سؤال وجودي كان بيدور في راسي: إيه اللي بيحصل بالظبط في حياتي؟

كُنت بكرَّر السؤال في دماغي ورجلي وخداني ناحية المِراية، وقفت قدامها أبُص في ملامحي، كل شيء كان طبيعي، لكن وأنا بتأمَّل وشِّي؛ لمحت علامة لونها أحمر في رقبتي.

قرَّبت أكتر من المِراية، بحلقت في العلامة اللي كانت عبارة عن دايرة مرسومة بخط رُفيَّع، أما في الخط نفسه اللي الدايرة اترسمت بيه؛ لمحت أكتر من عُقدة. رفعت إيدي ناحية رقبتي ولمست العلامة، كانت بارزة عن الجِلد حاجات بسيطة، افتكرت في البداية إنها حاجة جلديّة، جايز خربِشت نفسي أو حاجة جَت عند رقبتي بدون ما أنتبه، لكن الغريبة إني ماحسِّيتش بأي ألم، كأنها مجرَّد وشم مطبوع على جِلدي برغم ملمسها البارز.

رجعت بالتفكير لورا وبدأت أفكَّر لو يعني كنت لمحت العلامة دي قبل كِدَه، حاولت أفتكر أي سبب ممكن يخلّيها تظهر، بَس لقيتني بلِف في دايرة، كل محاولة تفكير بتوصَّلني لنفس النقطة: العلامة دي بشوفها لأوّل مرَّة، واللي خلَّاني أتأكِّد من كلامي؛ إن أمي نفسها وقفت تتكلّم معايا شوية ومجابتش سيرتها.

فِكرة إن العلامة ظَهرت فجأة خلَّتني أخاف أكتر، كانت طوبة جديدة في حيطة الأحداث الغامضة اللي بدأت تتبنى حوالين منّي، وقفت كتير قدَّام المِراية وأنا بحاول أفهم سببها، ولمَّا يأست وماقدِرتش أوصل لحاجة؛ فتحت تليفوني وبدأت أكتب وصفها على جوجل وأبحث عن سببها، والنتيجة اللي ظهرت قدّامي كانت أسباب عادية، طَفح جِلدي؛ حِزام ناري مثلًا، أسباب أعرفها كلها، وأعرف كمان إنها بتسبِّب ألم، على عكس العلامة اللي ظَهرت دي.

ماعرفش ليه بقيت فاقدة إحساسي بالوقت، بعد ما فضلت رايحة جاية شويَّة ما بين السرير والمِراية؛ سمعت حركة أمّي في الصالة، ولمَّا بصّيت ناحية الشبّاك لقيت النهار طالع، والغريبة؛ إني لا حسِّيت بإرهاق ولا كان عندي رغبة في النوم، زي ما يكون السبب اللي نزع منّي شعوري بالوقت، أخد معاه رغبة جسمي في إنه ينام ولو لوقت بسيط.

وقفت قدّام المِراية للمرَّة التانية، العلامة كانت موجودة، حتى شكلها مَختلَفش عن آخر مرَّة شُفتها، ولمَّا حسِّيت بخطوات أمّي جايَّة ناحية أوضتي، سبقتها ومشيت ناحية الباب وفَتحته، كان كفاية إنها تدخل عليَّا مرّتين تلاقيني واقفة شاردة، المرَّة التالتة هيكون فيها حوار دماغي مكانتش رايقة ليه.

لمَّا خرجت من الأوضة لقيتها قدَّامي، ابتسمت لي وقالت:

-صباح الخير يا سناء، اغسلي وشّك لحد ما أجهِّز الفطار.

خلَّصت روتيني الصباحي، بعدها فطرت ولبست هدومي وطلعت على شغلي، ولمَّا وصلت؛ لقيت فيروز موجودة في المكتب، لمَّا شُفتها قُلت لها:

-صباح الخير.

-صباح النور، من ساعة ما اتأخَّرت امبارح وأنا خارجة من بدري النهار ده.

كلامها خلَّاني أبُص في ساعة تليفوني، وفعلًا، لقيتني متأخَّرة ربع ساعة بحالها، واتضح لي برضه إني ما أخدتش بالي إني اتأخَّرت، عشان كِدَه قُلت لها:

-الطريق كان زحمة.

ردِّيت رد عشوائي، الحقيقة إني زي ما فقدت إحساسي بالوقت، كنت فاقدة إحساسي بالطريق، لدرجة إني مأخدتش بالي إن كان زحمة ولا لأ، ولا حتى فاكرة شُفت إيه وأنا جاية.

قعدت على كرسي المكتب وحطيت شنطتي، ومفيش ثواني وحسِّيت بجسم القُطة وهي بتتمسَّح في رجلي، جسمي اتنفض وسحبت رجليّا، وبرغم كِدَه حاولت أسيطر على نفسي عشان فيروز ماتحسِّش بحاجة.

لمَّا بصِّيت جنب رجلي؛ لمحت ديل القُطة، رميت عيني تَحت المكتب، شُفتها قاعدة نفس القعدة ورافعة راسها ناحيتي وبتبحلق فيَّا، لكن رفعت عيني من عليها لمَّا سمعت صوت أميرة العاملة بتقول لي:

-صباح الخير يا أستاذة سناء.

اتفاجئت إنها واقفة قدامي ومفيش في إيدها فنجان القهوة بتاع كل يوم الصُّبح، دَه غير ملامحها اللي بتقول إنها عايزة تبلَّغني بحاجة ومُتردِّدة، حاولت أخلِّيها تنطق فقُلت لها:

-خير يا أميرة، عاوزة تقولي إيه؟

فضلت ساكتة شويَّة وكأنّها بتفكَّر تبدأ منين، بعدها قالت لي:

-الأستاذ سامي المدير عمَّال يزعق وزرابينه طالعة، وسأل عليكي قبل ما تيجي، ودلوقت باعتني أقول لِك إنه عاوزك ضروري.

كلامها أخدني من دوّامتي لدوَّامة تانية، أصل المدير ما بيوصلش للحالة دي إلا لو في كارثة، وطالما باعت أميرة مخصوص عندي؛ يبقى أكيد الكارثة دي تخصّني.

قُمت من مكاني وتجاهلت القُطة اللي تحت المكتب، أخدت بعضي ومشيت بدون ما أعلَّق على كلام أميرة، حتّى ما علَّقتش على بصِّة فيروز ليَّا لمَّا حسِّيتها عاوزة تسألني إيه الكارثة اللي أنا عملتها.

خرجت ومشيت ناحية مكتب المدير، ولمَّا وصلت خبَّطت على الباب، ومن صوته لمَّا قال: "ادخُل" عرفت قد إيه هوَّ متعصَّب.

فتحت الباب وأنا إيدي بترتعش، دخلت وأنا رجليَّا بتتهز، بصِّيت ناحيته ولقيته مركِّز في ملف قدامه، أما تحت مكتبه؛ فاتفاجئت إن القُطة موجودة، كان بتبُص لي نَفس البصَّة، وقبل ما أفكَّر إني آخد أي رد فعل؛ لقيت الأستاذ سامي بيرفَع وشُّه من الملف وبيبُص ناحيتي، وساعتها خلع النضارة بتاعته وحطَّها قدامه، في اللحظة دي قام من مكانه وقال لي:

-أنتِ بتشتغلي معانا بقالِك قد إيه يا أستاذة سناء؟

لِساني تِقل ومَعرفتش أجاوب سؤاله، لأني عارفة إن الأسئلة اللي من النوع ده ما هي إلا باب هَندخُل منُّه للمشكلة، ولمَّا فضِلت ساكتة قال لي بنبرة كلها غضب:

-كمان مُش عارفة بقالِك قد إيه شغَّالة معانا؟

قاومت تُقل لساني وقُلت له:

-أنا معاكم من حوالي سبع سنين.

-عظيم، وأظن دي فترة كافية إنك تتقِني شُغلك، لأن أكيد عملتي الشغل ده بدل المرَّة أَلف، وعلى رأي المثل: "التِكرار بيعلِّم...".

قطع كلامُه لحد هِنا وبَص لي، وبعدها كمِّل وقال...

-الشُّطَّار، مش هيَّ الشُّطَّار برضه يا أستاذة سناء ولا عندك رأي تاني؟

كان بيوبَّخني بطريقة غير مباشرة، ومكانش فارق معايا دَه قد ما كنت عاوزة أعرف ليه بيوجِّه لي الكلام دَه، ودَه اللي خلَّاني أتجاوز حالة التوتّر اللي سيطرت عليَّا وسألته:

-ممكن أعرف أنا عملت إيه يا أستاذ سامي؟ وليه حضرتك بتتكلّم معايا بالطريقة دي؟

-حقِّك طبعًا تعرفي، ومن غير ما تسألي أكيد كنت هقول لِك.

كان بيكلِّمني وإيده رايحة ناحية الملف، رفعه من على المكتب بعصبيَّة وقال لي:

-مُش دَه ملف مشروع "سولاريس" اللي كان معاكي؟

ناولني المَلف وبصِّيت فيه، توقيعي كان موجود من ضمن التوقيعات، هزِّيت راسي وأنا بأكِّد على كلامه وقُلت له:

-فعلًا الملف كان معايا وسلِّمته امبارح.

-إيه رأيك بقى إن شُغلك غلط، والأرقام مش مطابقة لأرقام موازنة المشروع، ودَه اتسبِّب في إن مالك المشروع زعل وسحب المشروع من الشركة.

لمَّا قال لي كِدَه عرفت قد إيه المشكلة كبيرة، كلامه معناه إني ضيَّعت مشروع على الشركة، ودي في حد ذاتها كارثة، لكن حاولت أدافع عن نفسي وقُلت له:

-أنا مراجعة البند اللي اشتغلت عليه رقم رقم، وكلمة كلمة، أنا دايمًا بعمل شُغلي على أكمل وجه.

-أكيد مُش هبعت لِك من بين زمايلك وأتكلِّم معاكي بشكل عشوائي، تقرير الـ "IT" أكِّد إن الغلطة من الـ "USER" بتاعك.

كان بيتكلِّم وبيناولني ورقة الـ "IT"، قرأتها ولقيت إن الخطأ فعلًا في الجزئية اللي أنا مسئولة عنها، ودَه لأن الأرقام فعلًا كانت غلط، ومعرفش حصلت إزاي رغم إني مراجعاها أكتر من مرَّة زي ما بعمل في كل شغلي، وساعتها الأستاذ سامي قال لي:

-للأسف؛ لحد امبارح بس كنتي من أكفأ الموظفين والكل يشهد بكده، لكن إهمالك في شغل مهم زي ده ضيَّع مجهود زمايلك وحطّني في موقف محرج، وضيَّع من الشركة مشروع بملايين.

لمَّا لقيت إني كِدَه أو كِدَه شايلة الليلة؛ قرَّرت أدافع عن نفسي حتى لو مش فاهمة الخطأ حصل إزاي، ساعتها قُلت له:

-دي أوِّل مرَّة أغلط فيها.

-غلطة عن غلطة تفرق، ودي مش مجرَّد غلطة عادية، دي كانت سبب في ضياع مشروع وعميل مُهم، أحيانًا الغلطة الأولى بتكون الأخيرة، عشان كِدَه حبِّيت أبلَّغك إن الشركة أخدت قرار وقفِك عن العمل وتحويلك للتحقيق.

خرجت من مكتبه بدون ما أتكلِّم لأن مكانش في حاجة تتقال، خصوصًا بعد ما عرفت إني اتوقفت، رجعت المكتب ولمّيت حاجتي في شنطتي، ساعتها فيروز قالت لي:

-على فين يا سناء؟

حكيت لها عن اللي حصل، كانت بتسمعني وهي مذهولة، لأنها عارفة شُغلي، وعارفة كمان إن مَفيش حد يقدر يلعب في السيستم ويغيَّر في الأرقام، دَه يعني لو افترضنا إن في حد تعمَّد يعمل ده عشان يحطّني في مشكلة، وخصوصًا إن مَفيش عداوة بيني وبين حد، ولأنها عارفة إن القرار طالما طلع لازم يتنفِّذ قالت لي:

-لازم تقدّمي تظلّم في القرار ده.

ردّيت عليها وأنا بقفل شنطتي وقُلت لها:

-أكيد هعمل دَه، بس أنتي عارفة، لازم التحقيق ياخد مجراه وبعد كده أقدِّم تظلّم، وحلّيني بقى على ما حد يبُص فيه، دَه لو اتقبَل أصلًا.

في اليوم دَه؛ أمّي اتخضَّت لمَّا لقيتني راجعة بدري، وساعتها سألتني عشان تعرف إيه السبب، ولأن الموضوع مَينفعش يستخبى قُلت لها، ساعتها بصَّت لي بحسرة وقالت لي:

_يا عيني على بختك يابنتي، إيه اللي جرى؟ امبارح خطوبتك والنهار دَه شُغلك.

ماكنتش حِمل كلام كتير، حرفيًّا اللي فيّا كان مكفّيني وفايض، عشان كِدَه قصَّرت في الكلام ودخلت أوضتي، قفلت على نفسي وقعدت على السرير بهدوم الخروج، دماغي كانت شاردة في اللي حصل، حاولت أوصل للسبب اللي خلَّى حياتي اتقلبت في ساعات، وفي نفس الوقت، عيني كانت رايحة جاية عشان أشوف القُطة السودة، واللي كان جوَّايا يقين رهيب إنها هَتظهر.

الوقت فات بدون ما القطة تظهر، الملل خلَّاني أقوم من السرير وأروح ناحية المِراية، ساعتها لمحت العلامة اللي في رقبتي، واللي مفيش حد علَّق عليها لحد دلوقت، وده كان تأكيد زيادة على إن العلامة زيَّها زيّ القطة، مَفيش حد بيشوفهم غيري.

أخدت بعضي ورجعت للسرير من تاني، فردت جسمي عليه وقرَّرت أبحلق في السقف، ومع الوقت، سمعت صوت القُطة في الأوضة، بصيت ناحية الصوت وساعتها شُفتها، كانت قاعدة في ركن الأوضة وبتبحلق فيّا، وبمجرَّد ما لمحتها نزلت من السرير، وبعد كده مكانتش فاهمة إيه اللي حصل..

رجليّا داست في أرض طين، لدرجة إن الطين من كُتره دخل بين صوابع رجلي، بحلقت في الأرض ولقيت حوالين مني بركة طين عيني مكانتش جايبة آخرها، رفعت عيني وبصَّت حوالين نفسي؛ كنت بحاول أفهم إيه سِر بركة الطين، لكني اتفاجئت بلُغز أكبر..

حيطان أوضتي مكانتش موجودة، كان مكانها ضلمة فاردة جناحتها على مَد بصري من كل ناحية، رفعت عيني لفوق، كنت فاكرة إني هبحلق في السقف زي ما بعمل كل مرّة، لكن لقيت نفسي ببُص في سما يتيمة مافيهاش نجوم، منظرها عتمة وسوادها غريب، وسؤال واحد كان بيدور في دماغي بدون إجابة: إزاي خرجت من أوضتي للعتمة دي؟

في اللحظة دي افتكرت الفجوة اللي خلّتني أفقد إحساسي بالوقت، الفجوة اتطوَّرت وبقت بتاخدني لأماكن مش مفهومة، وبرضه بدون ما أفهم ده بيحصل ازاي.

بدأت أنقل رجليّا في الطين، خطواتي كانت تقيلة، توازني والعدم كانوا واحد، ماكنتش عارفة إن كنت بتحرّك ولا ثابتة في مكاني برغم إني بنقل رجليّا، وده لأن العتمة من حواليّا مَنعتني أحدِّد ده.

فردت دراعاتي على الجنبين، أطراف صوابعي لمست شيء خِشن، بس الضلمة كانت حاجز بيني وبين إني أشوفه، وعلى امتداد بصري، ظهر نقطتين باللون الأصفر.. في البداية، النُقطتين كان حجمهم صغيَّر، ومع الوقت بدأوا يكبروا، وده مكانش له غير معنى واحد: إنهم بيقرَّبوا، لحد ما اتفاجئت إن القُطة السودة بتظهر قدَّامي في الضلمة، كان حوالين رقبتها حاجة بتلمع باللون الأحمر، لمَّا دقَّقت فيها لقيتها شبه العلامة اللي في رقبتي، ضربات قلبي زادت وجسمي اتنفض، في اللحظة دي القُطة بدأت تقرَّب منّي أكتر، فبدأت أمشي بخطوات عكسية وأرجع لورا.

بعدها لفّيت وشّي وبدأت أجري، وقتها عيني كانت بدأت تاخد على الضلمة وبدأت أشوف طشاش، ساعتها اتفاجئت إن حوالين منّي شواهد قبور، وبرغم إن دَه أكتر موقف صادم بالنسبالي؛ لكن مقدرتش أقف، كُنت حاسَّة بخطوات القُطة من ورايا وهي بتطاردني، عشان كِدَه كُنت بجري بعِزم ما فيَّا، وفي نفس الوقت حسِّيت إن الطريق اللي بين القبور دَه مالوش أوِّل من آخر، لأن فات وقت كتير وأنا بجري وشواهد القبور حوالين منّي.

فجأة صوت خطوات القُطة اختفى، وفي اللحظة دي كنت وصلت لمرحلة من الإرهاق مَنعتني أكمِّل جري، وقفت وبدأت أبُص حوالين منّي، المشهد كان عبارة عن قبور في الأرض وفي كل قبر شاهد، رجلي أخدتني لحد ما دخلت ورا قبر ووقفت ورا الشاهد بتاعه؛ ودَه لأنّي لمحت عيون القُطة من تاني، بَس المرَّة دي مكانتش لوحدها، دَي كانت جاية ناحيتي وفي خيال وراها، وبعد ثواني الخيال بدأ يظهر وملامحه توضح، وساعتها لقيتها أميرة العاملة!

كانت رابطة القُطة بطوق أحمر حوالين رقبتها وماسكة طرف الحَبل، وبتتمشّى معاها وسط القبور، فضلت أراقب المشهد وأنا بسأل نفسي: إيه اللي لَم الشامي على المَغربي؟ وطالما في رابط بينها وبين القُطة ليه مشافتهاش لمَّا ظهرت لي تَحت المكتب؟ وفي عِز ما كُنت مركِّزة في اللي بيحصل؛ لقيت أميرة بتقرب من شاهد القبر اللي أنا وراه، ومن مسافة قريّبة، وقفت تبحلق في الشاهد، وكأن عينيها قادرة تخترقه وتشوفني وأنا في حالة من الهَلع.

بعد شويَّة أخدت القُطة وكمِّلت طريقها، فضلت مراقباها لحد ما الضلمة بلعتها في بطنها، ولأنّي ماكنتش عارفة أنا فين ولو مشيت هوصل لإيه؛ فضلت واقفة ورا الشاهد من غير ما اتحرَّك، وساعتها حسّيت بإيد بتمسكني من كتافي.

فَتحت عيني لقيت القُطة قاعدة فوق صدري، كانت ضاغطة بإيديها اللي قُدّام على كتافي، فضلت أبُص حوالين منّي لحد ما استوعبت إني في أوضتي، وإني رُحت في النوم ومابقتش دريانة بنفسي، وإن كل اللي شُفته دَه كان كابوس بَشع، وأكيد سببه إن القُطة قعدت فوق صدري وأنا نايمة!

حاولت أرفع إيدي عشان أخبط القُطة؛ لكن اتفاجئت إن جسمي عطلان، مافيش حاجة كانت بتتحرّك فيَّا غير عيني، حاولت أتجنب عيون القُطة اللي بحلقت فيّا، وبوقّها المفتوح وأنيابها اللي ظاهرة وكأنّها خلاص قرَّبت تنهش لحمي، ومع الوقت أنفاسي بقت بطيئة، حسّيت إن الهوا تقيل والأوضة مبقاش فيها أوكسجين، ولمَّا الخنقة اللي أنا فيها بدأت تزيد عيني زغللت، لدرجة إنها بدأت تغمَّض غصب عنّي، ساعتها سمعت باب الأوضة بيتفتح، ومع صوت الباب القطة اختفت من فوق صدري، ومع اختفاءها كل شيء رجع طبيعي، إلا حالة الهلع اللي كنت فيها؛ لأنها فضلت مسيطرة عليّا، وفي اللحظة دي اتفاجئت بأمّي قدَّامي وبتقول لي:

-مالك يا سناء؟ بتصرخي ليه يابنتي؟

حرفيًّا ماكنتش فاكرة إني نطقت أساسًا، ومعرفش على أي أساس أمي دخلت الأوضة وبتسألني السؤال دَه، بس رجعت وقُلت في نفسي: أكيد مش هتدخل وتسأل من فراغ، وفي نفس الوقت، جاوبت بناءً على قناعتي وقُلت لها:

-بَس أنا ماصرختش.

بصَّت لي باستغراب وقالت لي:

-يعني أنا بخرَف يابنتي وبسمع حاجات محصلتش؟ جايز كنتي بتحلمي ولا حاجة وصرختي وأنتي مُش دريانة.

وقبل ما تعطيني فرصة أرد عليها كمِّلت وقالت...

-أكيد بعد اللي حصل في خطوبتك وشغلك شُفتي كابوس ولا حاجة، ماهو اللي حصل مش سَهل برضه.

في اللحظة دي حكيت لها عن القُطة اللي فتحت عيني ولقيتها فوق صدري، وساعتها قالت لي:

-أكيد جاثوم، استعيذي بالله قبل ما تنامي.

ماكنتش مقتنعة بكلامها، دَه اللي خلَّاني علَّقت وقُلت لها:

-جاثوم إيه اللي هيخليني أشوف قُطة فوق صدري؟

-ماهو اللي بيعمل الجاثوم دَه "الوسواس الخنّاس" اللي بيتسلَّط على البني آدم وهوَّ نايم، ولأننا مش بنقدر نشوفه في هيئته الحقيقية، بيتجسِّد في هيئة حيوان أسود، قُطة بقى ولا كلب مش هتفرق، المهم إنه جاثوم.

ماكنتش مقتنعة بكلام أمّي، عشان كِدَه حكيت لها كل اللي شُفته لمَّا نِمت، وكمان حكيت لها إني شُفت القُطة تَحت مكتبي، وفي مكتب المدير لمَّا طلبني عشان أروح له، وطبعًا حكيت كل ده لأن القُطة هيَّ محور الأحداث، مركز الجاذبية اللي كل التفاصيل دي بتدور حوالين منها، ساعتها اتفاجئت بكلام أمي لما قالت:

-كِدَه في حد عامل لِك حاجة.

ولأن كلامها كان مُبهم مافهمتش منُّه حاجة، عشان كِدَه سألتها:

-حد مين وحاجة إيه؟

-حد عامِل لِك عمل.

لمَّا سمعت اللي قالته اتعصَّبت، لكن حاولت أمسك نفسي في الكلام وأنا بقول لها:

-كلام إيه اللي بتقوليه دَه؟ 

-تقدري تقولي ظهور القُطة السودة اللي بتشوفيها دي معناه إيه؟

-دلوقت بتتكلّمي عن القُطة باعتبار إنها واقع، ولمّا قُلت لك إني شيفاها على الشباك أنكرتي كلامي!

-طيِّب خطوبتك اللي اتفركشت من غير سبب، وشغلك اللي راح في يوم وليلة، كل دَه معناه إن في حاجة معمولة، وبدليل كمان إن مفيش حد بيشوف القطة دي غيرك، دَه غير العلامة اللي في رقبتك واللي أنا واقفة قدامك أهو ومش شيفاها، كل ده ومش قادرة تفهمي إن في حاجة غريبة قلبت كيان حياتك؟

لُمت نفسي إني حكيت لها تفاصيل اللي بيحصل، كل اللي كنت عاوزاه إني أخليها تبطّل كلام في الجاثوم، لكنها أخدت كلامي وسافرت بدماغي في مكان عُمري ما توقَّعت أروح عنده أو أفكَّر فيه، وساعتها قُلت لها:

-ومين بقى اللي هيعمل لي العمل اللي بتقولي عليه؟

-دوَّري مين أخد أطرك وعمل عليه.

-زي ما أكون اتكلِّمت معاكي عشان أتوه أكتر، عاوزاني أدوَّر على إبرة في كومة قَش، دَه غير إني ماعرفش مين اللي ممكن يعمل اللي بتقولي عليه دَه، أنا مليش عداوات مع حد.

-يابنتي هوَّ اللي عاوز يأذي حَد محتاج يكون في عداوة بينهم؟ 

سؤالها خلَّاني أعيد تفكيري من تاني وبرضه ماوصلتش لحاجة، عشان كِدَه قُلت لها:

-فعلًا معرفش مين ممكن يعمل حاجة زي دي، دَه لو افترضت إن اللي بتقوليه صح.

ساعتها قالت لي بنبرة واثقة:

-ربنا خلاه يظهر قدّامك وأنتي برضه مش عايزة تشوفيه.

لمَّا فكَّرت في كلامها وموصلتش لحاجة كملت وقالت...

-أكيد اللي اسمها أميرة هي اللي عملت لك العمل.

ولمَّا شافت الصدمة من كلامها على وشّي قالت:

-زي ما بقول لك، بدليل إنها ظهرت لِك في الكابوس وهي ماسكة القُطة اللي بتقولي عليها.

بعد ما فكَّرت في كلامها لثواني سألتها:

-ودي بقى هتاخد أطري إزاي؟

-دي أكتر واحدة ممكن تاخد أطرك، مش بتعمل قهوة في الشغل؟ زمانها أخدت اللي باقي من فنجانك وعملت عليه.

من وقت ما الأحداث الغامضة دي بدأت معايا وأنا حاسَّة إني اترَميت في بير ضلمة، كل اللي بعمله إني بنزل لِتحت وجسمي بيخبط في الحيطان، وبرغم كِدَه مش بوصل للقاع، يعني من موضوع خطوبتي لشغلي لكلام أمي؛ لسيرة السِّحر والأعمال اللي اتفتحت بدون مناسبة.

مسكت دماغي من الصداع، تفكيري بدأ يشتغل في منطقة ماكنتش أحِب أروح لها، وهي إن دَه ممكن يكون سِحر فعلًا؟ بس ليه؟ ولو كانت أميرة العاملة هي اللي عملت دَه زي ما أمي قالت، وده يعني عشان ظهرت ماسكة القُطة في الكابوس، يبقى عملته ليه؟ دَه أنا حتى مُش بقصَّر معاها.

صوت أمي خلَّاني فصلت تفكير لمَّا قالت:

-إحنا لازم نروح لحد يكشف عليكي ويشوف إيه الحكاية بالظبط.

مَقدرتش أعترض على كلامها، خصوصًا إنها قالت لي لو مَلحقناش المشكلة في بدايتها هَتكبر، عشان كِدَه في اليوم دَه طاوعتها ورُحت معاها لشيخة قالت إن اسمها ثُريَّة، ولمَّا قعدنا مع الشيخة بصَّت ناحيتنا وقالت:

-مين فيكم اللي عليه القول؟

أنا وأمي بصِّينا لبعض، بعدها رجعت بصّيت للشيخة وقُلت لها:

-في حاجات غريبة حصلت معايا.

لمَّا معلَّقتش على كلامي وفضلت تبُص لي؛ فهمت إنها عاوزاني أتكلّم، عشان كِدَه قُلت لها كل حاجة، من وقت رسالة خطيبي والقُطة اللي ظهرت تحت مكتبي؛ لحد الكابوس اللي شُفته، وبعد ما أخدت كل التفاصيل طلبت منّي أقوم أقعد جنبها، وبعد ما قعدت، مسكت إيدي الشمال وغمَّضت عنيها، كانت بتضغط عليها بعنف من وقت للتاني، وفي نفس اللحظة كانت بتقول كلام بصوت واطي لكن بنبرة عنيفة، بعدها فتحت عينيها فجأة وبرَّقت لي، قلبي وقع في رجلي وأنا شايفة عينيها مفتوحة على آخرها وبتلمع، وبعد شوية صمت قالت:

-كل اللي بيحصل معاكي سببه عمل اتلَف حوالين رقبة قُطة سودة، القطة دي عايشة في المقابر، ومن وقت ما اتعقد لِك حوالين رقبتها وحياتك اتقلبت، وكل ما تتحرَّك حياتك هتتقلب أكتر؛ لأن مصير حياتك اتربط بيها، وخادم السِّحر بدأ يظهر لِك في شكل القطة.

بمجرَّد ما سمعتها جسمي قشعر، وده لأني افتكرت الكلام اللي خرج من القُطة لمَّا ظهرت لي على شباك أوضتي وقالت إن مصيري اتربط بيها، ولأني ماكنتش قُلت للشيخة عن التفصيلة دي وأنا بحكي لها؛ لقيت نفسي بقتنع بكلامها، لكن مكانش عندي تعليق على اللي قالته، لكن أمّي ردّت عليها بنبرة كلها خوف وقالت:

-والعمل يا شيخة، إحنا عشمانين إنِّك تحلّي المربوط وتخلَّصي المشكلة.

-مَتقلقيش.. كله بأوانه.

في اللحظة دي ردّيت عليها وقُلت لها:

-والأوان دَه إمتى؟

-أنا هبعت واحدة من اللي بتشتغل معايا تدوَّر على القُطة في المقابر، لازم نوصل للي اتعقد حوالين رقبتها عشان أقدر أفكُّه.

-والحكاية دي هتاخد وقت قد إيه؟

-ما قُلت كله بأوانه، جايز تلاقي القُطة من أوّل يوم، وجايز بعد شهر، ربِّك لوحده هو اللي يعلم.

خرجنا من عندها بعد ما سيبت رقم تليفوني، عشان تكلّمني لمَّا اللي هتبعتها المقابر تلاقي القُطة، وبعد ما رجعنا البيت تليفوني رن، ساعتها عرفت إنه رقم الشئون القانونية في الشغل، ولمَّا ردّيت عليهم قالوا لي إن عندي تحقيق بُكره الصبح.

تاني يوم الصبح أخدت بعضي ورُحت على الشركة، دخلت مكتب الشئون القانونية من برَّه برَّه، وفي التحقيق حاولت أثبت إن اللي حصل غير مقصود، وإن أكيد في خطأ حصل في السيستم لأني مراجعة الشُّغل كويس، وساعتها عملت تظلُّم وقدِّمته لأن دَه من حقّي طالما التحقيق اتفتح حسب لوايح وقوانين الشركة.

بعد ما خرجت من التحقيق قابلت أميرة العاملة في الطُرقة، كان جوّايا غضب رهيب من ناحيتها، حتى لمَّا كلِّمتني بصِّيت بعيد عنها وتجاهلتها..

أخدت بعضي وخرجت وأنا حاسَّة إني بهرب من نظرات الموظّفين، رجعت البيت وانتظرت مكالمة من الشيخة أو من الشغل، بَس الانتظار دَه مكانش يوم أو اتنين؛ بالعكس، دَه كان شهرين بحالهم، في كل دقيقة فيهم كنت بموت ألف مرَّة، ودَه لحد ما وصلني اتصال من رقم غريب، ولمَّا ردّيت سمعت صوت الشيخة اللي قالت:

-مِسكنا القُطة، ودلوقت أنا في انتظارك عشان نفِك المربوط.

بمجرَّد ما قفلت معاها المكالمة أخدت أمي ورُحت، وهناك شُفت القُطة مربوطة في رِجل الكنبة اللي الشيخة قاعدة عليها، لمَّا بصِّيت لها لقيتها طبق الأصل من القُطة اللي ظهرت لي.

لمَّا قعدنا؛ الشيخة فكَّت القطة ومسكتها من جِلد ضهرها ورفعتها جنبها على الكنبة، ساعتها مدَّت إيدها ونَتشِت فَتلة لونها أحمر مربوطة حوالين رقبتها، بعدها سابت القُطة اللي نزلت في الأرض وخرجت تجري برَّه الأوضة، في الوقت دَه الشيخة رفعت الفتلة قدامها، كان فيها أكتر من عُقدة، وساعتها قالت لي:

-مُش دي شبه العلامة اللي بتشوفيها على رقبتك؟

كانت شبهها فعلًا، لدرجة حسيت إن العلامة اتشالت من رقبتي واتفردت في إيد الشيخة على شكل فتلة فيها شويّة عُقد، ولمَّا سألت الشيخة عنها قالت:

-العقدة الأولى لوقف الحال، والعُقدة التانية عشان خطوبتك تتفركش، والعقدة التالتة عشان تسيبي شغلك، وباقي العُقد عشان يحصل لك مشكلة في كل حاجة تقابلك في طريقك، الفتلة دي من أطرِك، واللي عمل السِّحر اختار أسوأ طريقة، جاب قُطة شاردة من المقابر وعقد السِّحر حوالين رقبتها عشان يبقى صعب إن حد يلاقيها.

لمَّا سمعتها لقيتني بقوم من مكاني غصب عني، رجلي أخدتني ناحيتها، بحلقت في الفتلة وحسّيت بصدمة، دي كانت فتلة صوف من تيشيرت أحمر عندي، واللي اتنتش في الشُّغل بسبب مسمار في كرسي مكتبي القديم، وساعتها خيط التيشيرت كَر وشَبك في المسمار والتيشيرت باظ.

لمَّا رجعت بالذاكرة للمشهد ده، سألت الشيخة مين اللي عمل كِدَه، لكن الشيخة قالت إن مش مسموح لها تكشف سَتر اللي عمل السِّحر، وإن اللي مسموح لها بيه هو إنها تبطِله وبَس.

أخدنا أكتر من ساعتين عند الشيخة؛ لحد ما قالت إن السِّحر اتفك، وخلال الساعتين عملت حاجات غريبة وقالت حاجات أغرب ماكنتش فاهماها، ولا حتى عاوزة أفهمها، دَه غير إنها فكَّت العقدة اللي في الفتلة الصوف عُقدة عُقدة، وبعد ما خلَّصت قالت لي:

-عُقدِتك اتحلَّت، بَس بلاش تجيبي سيرة، عشان اللي عملها لو أخد خبر مش بعيد يعملها تاني.

خرجنا من عند الشيخة بعد ما أخدت اللي فيه النصيب، ولمَّا رجعنا بيتنا، دخلت أوضتي وقفلت الباب عليَّا، فتحت الدولاب وطلَّعت التيشيرت الصوف، لأني كُنت لسَّه محتفظة بيه، بصّيت في القَطع مكان المسمار وفضلت أفكَّر مين اللي عمل كِدَه، وفي نفس الوقت صورة أميرة العاملة كانت قدام عيني زي ما شُفتها في الكابوس مع القُطة، بعدها وقفت قدام المراية، ولأوّل مرَّة من وقت اللي حصل العلامة اللي في رقبتي متكونش موجودة، في اللحظة دي أدركت إن الحكاية فعلًا خلصت.

تاني يوم صحيت على رنة تليفوني، كان رقم الشئون القانونية، ولمَّا ردّيت عرفت إن التظلُّم اللي قدِّمته اتقبل، ودَه لأنهم اتأكّدوا امبارح بس إن الخطأ كان بسبب مشكلة في السيستم، وبلَّغوني إني أروح الشركة عشان أستلم شغلي.

بلَّغت أمي بالمكالمة، بعدها غيَّرت هدومي وأخدت بعضي ومشيت، وصلت الشركة وخلَّصت الإجراءات واستلمت شغلي، ولمَّا دخلت المكتب، اتفاجئت إن مكتب فيروز فاضي، مسكت تليفوني وطلبت رقمها، بس للأسف لقيته مقفول، في اللحظة دي أميرة العاملة دخلت بالقهوة وهي بتقول لي:

-نوَّرتي المكتب يا أستاذة سناء، الشركة كانت ضلمة من غيرك.

طنِّشت كلامها لأني ماكنتش طيقاها وقُلت لها:

-فيروز مجاتش النهار ده؟ هي تعبانة ولا إيه؟

ساعتها حطَّت القهوة قدامي على المكتب وقالت لي:

-الأستاذة فيروز مُش تعبانة ومعادتش جاية تاني.

رفعت وشّي ناحيتها وأنا مستغربة كلامها وسألتها:

-يعني إيه معادتش جاية؟

-يعني اترفدِت من الشُّغل.

فضولي دفعني إني أستفسر عن الحكاية، ولمَّا سألتها عن السبب قالت لي:

-حصلت مشكلة في شغل كانت عملاه، ولمَّا اتحقق فيها اكتشفوا إنها بتاخد رشوة من شركات عشان الشغل يرسى عليهم، والشركة اكتفت برفدها، الحكاية دي حصلت في الشهرين اللي كنتي غايبة فيهم.

لمَّا خلَّصت كلامها فضلت تبُص لي، حسِّيت إنها عاوزة تقول حاجة، عشان كِدَه سألتها:

-في حاجة يا أميرة؟

-بصراحة كِدَه عاوزة أقول لِك على حاجة، وماكنتش قادرة أتكلم فيها والأستاذة فيروز موجودة.

كلامها كان غامض، عشان كِدَه قُلت لها:

-اتكلمي يا أميرة.

-من قبل ما تسيبي الشركة بشويَّة، دخلت المكتب وعرفت إنك أخدتي إذن وروَّحتي لمَّا التيشيرت الصوف بتاعك باظ بسبب مسمار الكرسي، ساعتها شُفت الأستاذة فيروز واقفة جنب الكرسي وبتسحب الفتلة الصوف الحمرا اللي ملفوفة حوالين المسمار، وبمجرَّد ما شافتني خبَّت الفتلة، وأنا عملت نفسي مش واخدة بالي، أنا خايفة تكون عملت لِك عليها حاجة وكانت السبب في اللي حصل معاكي.

الدنيا دارت بيَّا لمَّا سمعتها، مسألتهاش ليه خبَّت عليّا الحكاية دي، مهما كان هي مجرَّد عاملة في الشركة وماتقدرش تحُط نفسها في مشكلة مع حد، لكنّي قُلت لها:

-وتفتكري فيروز هتاخد الفتلة الصوف تعمل بيها إيه؟

-تِعمل كتير يا أستاذة سناء، ماتنسيش إنها لسَّه ما اتخطبتش وأنتي مخطوبة وخطيبك بيحبِّك، والمدير بيثق في شغلك لكنُّه بيخلّي ناس تانية تراجع وراها الشغل، وحاجات كتير أنتي ماتعرفيش النفوس فيها إيه من جوَّه، بَس لو كانت عملت حاجة تبقى أخدت جزاءها.

معلَّقتش على كلامها، ساعتها سابتني وخرجت من المكتب، في اللحظة دي افتكرت ظهورها في الكابوس، وفسَّرت اللقطة اللي أخدت فيها القُطة ومشيت إنها مجرَّد إشارة لإني هسمع منها تفسير اللي حصل معايا، دَه غير إن كل الأسباب اللي قالتها منطقيّة، وربنا وحده أعلم النفوس مخبّيَّة إيه.

لمَّا رجعت البيت؛ لقيت سَعد قاعد مع أمي، عرفت إنه جاي يعتذر عن الرسالة اللي بعتها، حتى لمَّا عرَّفنا السبب اللي خلّاه يعمل كده ماكنّاش مستغربين، ودَه لأنه قال لي:

-بدأت أشوفك في كوابيس وأنتي ماسكة قُطة سودة وبتتمشّى بيها في المقابر، ومن وقتها بدأت أحِس بعدم راحة من ناحيتت، لكن امبارح بَس حسِّيت إني فُقت من اللي أنا فيه، وجاي دلوقت عشان أقول لِك إني مقدرش أستغنى عنِّك.

ولأننا كنّا عارفين اللي فيها قبلنا اعتذاره، أصل اللي حصل كان غصب عن الكُل، بَس طبعًا أنا وأمي محدش فينا فتح سيرة السِّحر والكلام ده، وحبّينا إنها تكون صفحة واتقفلت.

من يومها وكل حاجة رجعت لطبيعتها، حتى فرحي على سَعد قرَّب، دَه غير إني اترقّيت في شغلي، ومكتب فيروز بقى عليه واحدة تانية اتعيّنت من فترة قريبة، وبرغم إن الحكاية انتهت؛ لكن أخدت درس عُمري، مابقتش أسيب أي حاجة تخصّني وأمشي، حتى لو قشرة لِب مكان أكلي، ولو كان في بالي إن كل ده هَيحصل، ماكنتش سيبت فتلة الصوف ملفوفة على مسمار الكرسي ومشيت، ده غير إني بقيت آخد حذري من كل اللي حواليّا، خصوصًا لو كان قاعد في حاله وبيبتسم مع كل كلمة بقولها، زي ما كانت فيروز بتتعامل معايا.

تمت...

أحدث الموثقات تأليفا
أمل صبور الأكثر وعيًا وقوة وذكاء

رأيتُ حُلماً أخشى أن يتحقّق

الكبير

يداك الساخنتان…

حين تكون الكلمة إنسانًا… ويصبح المعنى حياة

احببت آله

حفلة على حافة الألم 

سماتنا الجميلة 

الوقوف حول القضايا هم وطني مشترك

زهرتك تهوى.
أكثر الموثقات قراءة
إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة غازي جابر
2↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
3↓الكاتبمدونة حسين درمشاكي
4↓الكاتبمدونة ايمن موسي
5↑1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
6↑1الكاتبمدونة اشرف الكرم
7↓-2الكاتبمدونة محمد شحاتة
8↓الكاتبمدونة هند حمدي
9↑4الكاتبمدونة نجلاء البحيري
10↓-1الكاتبمدونة حاتم سلامة
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑20الكاتبمدونة اسراء كمال180
2↑14الكاتبمدونة هبه الزيني145
3↑14الكاتبمدونة محمد بن زيد171
4↑11الكاتبمدونة عبد الحميد ابراهيم 109
5↑8الكاتبمدونة جهاد غازي137
6↑8الكاتبمدونة جاد كريم182
7↑8الكاتبمدونة جهاد عبد الحميد235
8↑6الكاتبمدونة ايمان صلاح55
9↑6الكاتبمدونة محمد التجاني134
10↑5الكاتبمدونة محمد خوجة39
11↑5الكاتبمدونة عبير عبد الرحيم (ماعت)59
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1129
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب711
4الكاتبمدونة ياسر سلمي681
5الكاتبمدونة اشرف الكرم631
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري515
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني440
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين434
10الكاتبمدونة حاتم سلامة415

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب372367
2الكاتبمدونة نهلة حمودة230249
3الكاتبمدونة ياسر سلمي207913
4الكاتبمدونة زينب حمدي180753
5الكاتبمدونة اشرف الكرم151441
6الكاتبمدونة مني امين121664
7الكاتبمدونة سمير حماد 121358
8الكاتبمدونة حنان صلاح الدين113858
9الكاتبمدونة فيروز القطلبي112274
10الكاتبمدونة آيه الغمري108726

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة ليلى سرحان2025-12-12
2الكاتبمدونة اسماء خوجة2025-11-08
3الكاتبمدونة مريم الدالي2025-11-05
4الكاتبمدونة محمد خوجة2025-11-04
5الكاتبمدونة جيهان عوض 2025-11-04
6الكاتبمدونة محمد مصطفى2025-11-04
7الكاتبمدونة حسين العلي2025-11-03
8الكاتبمدونة داليا نور2025-11-03
9الكاتبمدونة اسراء كمال2025-11-03
10الكاتبمدونة علاء سرحان2025-11-02

المتواجدون حالياً

7139 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع