-جِبت الحِبر السُّلطاني؟
-جِبته.
-والزّيت؟!
-نَفس اللي قولت عليه.
-والطّفل؟
-كُل حاجة طَلبتها أنا جهّزتها.
***
كَان مَمر طويل وضَلمة، وكان يادوب واخِدني أنا وبَس، لَكن في آخر المَمر كان فيه باب مَفتوح، أنا كُنت ماشي ورِجلي بترتِعش من الرّهبة، زي ما يكون كل ما أقرّب من البَاب بَفقِد تحكّمي في أعصابي؛ لأن اللي كان ورا البَاب أوضة، لَكن كان لون الإضاءة فيها أحمَر، مُش عارف ليه حسّيت إنها مليانة نَار.
لَكن كُنت لازِم أكمّل؛ لأن لمّا وقفت للحظة وبصّيت ورايا؛ لقيت إن المَمر ضَلمة ومقفول، مفيهوش أي مَنفذ أخرج منّه، وكان بَديهي جدًا، إنّي أكمّل لحد باب الأوضة.
مُش عارف أوصِف وأنا بقاوم إحساس الرّهبة اللي عندي، وبنقِل رِجلي من المَمَر عشان أخطّي أوّل خطوة في الأوضة، كان شعور شَبَه إنك رايح تِرمي نَفسك من قمّة جَبل والأرض من تَحتها عبارة عن أخدود نار، ومُش عارف ليه كان واصِلني الإحساس دَه!
لكن في النّهاية بَدخُل الأوضة، بقَف في نُصّها وببدأ أبُص من حواليّا، الأوضة فاضية مفيهاش أي حاجة، حتّى مكُنتش عارف النور الأحمر دَه جاي منين، لَكن فجأة بَسمع صوت حاجة بتترَزَع، جِسمي بيتنِفض وبلتِفت ورايا على الصوت؛ عشان أكتشف إن الباب اتقَفَل، كان إحساس مُميت إني ألاقي نَفسي فجأة محبوس في الأوضة، ولمّا رِجعت أبُص في الأوضة تاني، اتفاجئت إنّي واقِف قُدّام كوبرا، كانت بتبُصّلي وواخدة وضعيّة الهجوم، مكُنتش عارف أهرب إزّاي ولا أروح فين، وأنا محبوس بين أربع حيطان وهي معايا، لَكن كان رَد فِعل تلقائي إني بدأت أرجَع لورا ببُطء وأنا عيني عليها، لكن بمجرّد ما بدأت أتحرّك، لقيتها بتهجم عليّا، وفجأة نور الأوضة الأحمر بينطِفي، ومكُنتش شايف ولا حاسس بحاجة، غير بالألم اللي كان زي صعقة الكَهربا وهي بتغرز أنيابها في رقَبتي!
***
صِحيت وأنا نَفَسي رايح، العَرق كان مغرّق جِسمي وهدومي، وكالعادة أوّل ما فتَّحت عينيا لقيت إيدي رايحة بشَكل تلقائي على رقَبتي في المَكان اللي الكوبرا لَدَغتني فيه، ومكَنش غريب إنّي أحِس في المَكان ده بألم رهيب، ماهو أنا مُش أوّل مرّة أشوف اللي قولتلكم عليه دَه وأنا نَايم، وفي كل مرّة كنت بَقَف قدّام المِرايَة عَشان أشوف رقَبتي مكُنتش بلاحظ فيها حاجة، لَكن إحساس الألم كان موجود!
بَعد ما بقوم من النّوم كُنت بَحِس بنفس الإحساس اللي كُنت فيه في الكَابوس، لدرجة إنّي لمّا بقوم عشان أروح عند المِراية اللي كان بينها وبين السّرير مترين كُنت باخد وَقت، وبحس إن المترين دول مسافة طويلة.
تِكرار الحِلم خلّاني في حالة خوف وقَلق، مكُنتش عارف أسيطَر على نَفسي، كُل يوم "عالية" مِراتي كانت بتسألني...
-مالك يا "أحمد"؟!
وكُنت بحاول أعمل إنّي طَبيعي وبقولّها...
-أنا كويّس.. بَس حاسس بشويّة هبوط!
أنا مكُنتش بكذب، فعلًا كُنت ببقى حاسِس بهبوط رهيب، بَس كُل تَفسيري للحالة اللي بكون فيها إن الخوف من اللي بشوفه ممكن يعمل أكتر من كِدَه!
***
في اليوم دَه بالتحديد، لقيت "عالية" بتكلّمني وبتقولّي...
-أحضّرلك الفِطار؟
كُنت بحاول آخد نَفَسي، وأنا بقولّها...
-استني شويّة.. ماليش نِفس دلوقت.
-لسّه برضو مُش عايز تقولّي بقالَك كام يوم بتصحى في الحالة دي ليه؟!
-ماهو...
-ماهو إيه يا "أحمد" ما تتكلّم!
لَكن اللي خلّانا نِقطع كلامنا إن "ريّان" كان قام من النّوم، وكان خارج من أوضته وجاي ناحيتي، وبيقولّي...
-بابا.. مُش هتاخدني معاك الشُّغل بقى؟!
إحنا من عادِتنا إننا مُش بنتكلّم في مشاكل قدّامه، وده كان اتفاقنا من زّمان، وفي كُل الأحوال مقدَرش أظهر وأنا مَهزوز قدّام ابني، وهي كانت فاهمة كِدَه كويّس؛ عشان كِدَه قَفلِت الموضوع وقامِت تجهّز الفِطار.
***
خرَجت بَعد ما فَطرت ولعبت مع "ريّان" شويّة، كان يادوب الوقت يكفّي إني ألحَق البَاص بتاع الشّغل، ويادوب وصَلت المكان اللي بَركَب منّه الباص قبل ما يبدأ يتحرّك، حتى لَقيت عم "حسن" السّواق بيقولّي...
-انت راحت عليك نومة ولا إيه يا أستاذ "أحمد"؟.. إحنا خلاص كُنّا هنسيبَك ونمشي!
ابتسَمت وقولتله...
-النوم سُلطان يا عَم "حسن".
أنا بَشتغل في شركة بتنقّب عن المَعادِن، وكُنّا بنتجمّع في مكان ننتظر فيه البَاص عشان يوصّلنا مقر الشركة، وبالمناسبة دي أنا من فترة قصيّرة جالي انتداب في موقع تنقيب تبع الشّركة، سافِرت سينا وكُنت بَحضر عمليات التَّنقيب، الموضوع كان مُمتع بصراحة لكن أنا مكُنتش واخِد على جو الصحرا، وصعوبة المَعيشة في المعسكرات اللي الشركة عملاها هناك، وما صدّقت إن انتدابي انتَهى ورجِعت الشركة تاني، لكن رجِعت وفيّا حاجة متغيّرة، وهي إنّي مبقِتش عارف أنام زي الأوّل، لمّا كُنت هناك بدأت أحِس إني مُش طبيعي، كُنت بقوم على إيد بتهزّني من كِتفي وبتصحّيني، ولمّا بفتح عينيا وببُص حواليّا كُنت بلاقي الدنيا فاضية.
آخر ليلة قضّيتها هناك كانت أكتر ليلة مرعبة، وده ببساطة لأني كنت نايم، وبعدها بدأت أفتّح عينيا على صوت حركة في الأوضة اللي أنا نايم فيها، كان صوت حاجة بتزحف، لكن لمّا رفعت راسي وبدأت أبُص حواليّا لقيت إن الأوضة ضلمة، وأنا متأكد إني نِمت وسِيبت النور مفتوح.
ورغم كده قومت من السرير، وبدأت أتحرّك ناحية مفتاح الكهربا، لكن لقيت خطوتي وقفت فجأة غصب عنّي بمجرّد ما سِمعت صوت حاجة بتزحف جنب مني، قلبي وَقَف لمّا لقيت إن الحكاية مُش حِلم، واللي خلّاني أحِس بالرعب، هو إني لمّا وقفت حسّيت حاجة بتزحَف، وبتعدّي من فوق كفوف رِجلي!
كان مَلمَسها ناعِم جدًا، لدرجة إنه خلّى جسمي يقشعر، لكن لقيت نفسي قادِر أسحَب رجلي من تَحته، بعدها جريت على مفتاح الكهربا، فَتَحت النور وبدأت أدوّر في الأوضة اللي مكنش فيها غير السرير اللي أنا نايم عليه، وشمّاعة على الحيطة كنت معلّق عليها الطقم اللي أنا بخرج فيه، لكن مكَنش فيه أي حاجة!
الغريبة كنت متأكد إني سايب نور الأوضة شغّال وأنا رايح أنام، ومعرفش هو انطَفى إزّاي!
في الليلة دي النوم طار من عيني، قرّرت إني ألِم شنطتي، هي أصلًا كلها كام ساعة وماشي، وفعلًا قضّيت الوقت دَه على كافيتيريا قريّبة من السّكن بعد ما سلّمت مفتاحه، وانتظرت باص الشركة اللي هييجي ياخدني عشان أرجع معاه بعد ما انتدابي خِلِص.
أنا اللي وصّلني هِنا هو عَم حسن؛ لأنّ الشركة كلّفته بمهمة توصيلي للموقع، لكن واحنا راجعين لقيته بيقولّي...
-إيه اللي كان مقعّدك على الكافيتيريا بشنطتك؟
قولتله وأنا بحاول أنسى...
-مكَنش جايلي نوم؛ عَشان كِدَه جهّزت شنطتي وقعدت برّه.
-غريبة..
لَفَتت نَظري الكِلمة وقولتله...
-ليه غريبة يعني؟
-أصل أنا بوصّل موظفين كتير لمّا الشركة بتبعتهم هنا.. انت أوّل واحد يقول إنه مُش جايله نوم.. رغم إن الأوضة دي كله بيقول عنها كأن فيها منوّم!
-ماهي بتختِلف بقى من واحد للتاني يا عم "حَسن".
حاولت أنسى اللي حصل في الكام يوم دول، لكن الحقيقة مقدرتش، كان التفسير الوحيد اللي وصلتله إن ممكن ده بسبب إني جيت هنا غصب عني، وإن المكان غريب عليّا، كُنت متوتّر وبشوف اللي بشوفه دَه، وجوايا أمل إن كل ده هينتهي بمجرّد ما أرجع لبيتي وحياتي العادية.
لكن بعد ما رجِعت اتّضحلي إني رجعت بأكتر حاجة قلبِتلي حياتي، وهي الكابوس اللي بقى ملازِمني من ساعة ما سبت موقع التنقيب في سينا!
لمّا وصلنا مقر الشركة نزلنا من البَاص، كُنت ملاحظ إن اليوم اللي افتكرت فيه اللي حصل معايا في سينا هو أكتر يوم كُنت فاصِل فيه عن زمايلي، حتى كلهم لاحظوا إني غَريب، ولمّا دخلت مكتَبي قعدت سَرحان شويّة كده، بعدها دخل "وليد" اللي معايا في المَكتب، كُنت برتاحله في الكلام بحكم إننا عِشرة ومع بعض في مكتب واحد، لقيته بيقولّي من قبل ما يقعد حتى على الكرسي بتاعه...
-مِن ساعة ما جيت من سينا وانت متغيّر!
-تُقصد إيه إنّي متغيّر؟
-يعني.. ساكِت ومُش بتتكلّم كتير.. حاسس إنك في دُنيا تانية.. هو انت فيه حاجة زعّلتك هناك؟!
كُنت محتار، أبدأ أحكي معاه يِمكن يكون عنده تفسير للي بيحصل ولا أسكُت، هي المساحة اللي بيني وبينه تخلّيني أحكيله وأنا مرتاح، ولكن أنا مُش هحكي في مشكلة حصلت معايا مثلًا، ولا أزمة مادية ولا كلام من دَه، ممكن في الآخر يقولي إني مضطرب وبشوف شويّة هلاوس وكده، ودي حاجة كُنت خايف منها بصراحة، لكن لقيتني بقولّه...
-أنا كويّس.. ممكن بَس المَكان هناك الحياة فيه قاسية، والانتداب حصل فجأة ومكُنتش مستعد.. الموضوع بَس شويّة إرهاق.
كان بيبُصّلي وهو مُش مقتنع، هو فاهمني وبيعرفني لو كُنت بحوّر زي ما أنا برضو بفهمه بسرعة؛ عشان كِدَه بصّلي وقالّي...
-ما تقول يا "أحمد" مالك.. إحنا أسرارنا مع بَعض.. الولية مزعّلاك؟!.. الصبح أخليك تتجوّز وتبدأ من تاني.
بصراحة خلّاني أضحك وقولتله...
-لا الموضوع مالوش علاقة بالحكاية دي.. بُص أنا هقولك على الموضوع من أوّله لآخره.
وبدأت أحكيله عن اللي حصل معايا من ساعة ما دخلت الأوضة اللي كُنت فيها لمّا روحت سينا، لحد الكابوس اللي بقى بيطاردني تقريبًا كل ليلة، كان بيسمعني ومستغرب، ولمّا خلّصت كلامي قالّي...
-انت كأنّك بتحكي عن أوضة أنا معِشتش فيها.. أنا طلعت كام مرّة انتداب هناك وجرّبت الأوضة.. دا أنا كُنت بنام هناك نوم رهيب.
-عَم "حسن" وهو بيوصّلني قالي نَفس الكلام برضو.. بَس دَه اللي حصل معايا.
وفجأة اتنفَضت من على الكرسي لدرجة إني وقعت في الأرض، وساعتها "وليد" جرى ناحيتي، ومَد إيده يساعدني عشان أقوم وهو بيقولّي...
-مالك يا "أحمد".. انت يابني بقيت غريب ليه كده؟!
أنا مكُنتش بنطَق، وزي ما يكون بَلَعت لساني، نَفَسي وقف وحسّيت بخنقة ومكنتش عارف اتكلّم، أنا اللي خلّاني أتنِفض من مكاني وأقَع في الأرض إنّي حسّيت بحاجة بتزحف فوق رِجلي وأنا قاعد، نَفس اللي حَصل معايا وخلّاني سِيبت الأوضة، وانتظرت عم "حسن" على الكافيتيريا قبل ما نِرجع من سينا.
لَكن بعد اللي حَصل معايا مقدِرتش أكمّل اليوم، استئذنت واتصلت بـ عم "حسن" عشان ييجي يوصّلني البيت، مكُنتش قادر أمشي لحد الباص لوحدي؛ عشان كده "وليد" سندني وودّاني هناك، وعَرَض عليا إنه يخلّي عم "حسن" يودّيني لدكتور قبل ما يروّحني لكن رَفَضت، كان فيه حاجة غريبة جوّايا مخلّياني عاوز أرجع البيت!
***
"عالية".. "عالية"...
كُنت بَندَه عليها وأنا داخل من الباب، لقيتها جاية بتجري ناحيتي ومخضوضة وبتقولّي...
-مالك يا "أحمد"؟.. إيه اللي رجّعك بدري من الشّغل؟!
-إيه الرّيحة دي يا "عالية"؟!
لمّا سِمعت سؤالي لقيتها بتلتِفت حوالين نفسها، وبتقولّي...
-ريحة إيه؟.. مَفيش غير ريحة الطبيخ.
-ريحة بخور رهيبة.. انتي مُش عارفة إني مُش بحب ريحته!
-بخور إيه اللي بتقول عليه؟.. أنا مُش مولّعة بخور!
لقيت نَفسي بغيّر الكلام، وبقولّها وأنا بشاور ناحية باب أوضة "ريّان"...
-تِعبان!
أنا مَلمَحتش التِّعبان بالكامل، لكن لَمحت ديله وهو داخل أوضة "ريّان"، وساعتها قولتلها...
-هو "ريّان" فين؟!
لقيتها بتبُص ناحية باب الأوضة المقفول، وبتقولّي...
-الواد نايم.
أنا لَفَت انتباهي فعلًا إن باب الأوضة مقفول، يبقى إزّاي التّعبان دَخل الأوضة!
ولقيتني بقولّها...
-بُصّي.. متحاوليش تقنعيني إني بهلوس.. أنا شايف دِيل التّعبان، وهو داخل الأوضة.
-انت من ساعة ما رجعت من سينا وأحوالك غريبة.. لازم تروح لدكتور.
-إيه اللي بتقوليه دَه؟!.. هو انتي شيفاني مجنون؟!
-التّعب مش جنون.. بَس انت فعلًا لازم تشوف حل للمشكلة دي؛ عشان لو أهملتها ممكن تبقى أول طريق للجنون!
مكُنتش عارف كلامها صح ولا غلط، لكن إحنا الاتنين بطّلنا كلام في نَفس اللحظة اللي سمعنا فيها "ريّان" بيصرخ في أوضته!
جرينا ناحية الأوضة وفتحنا الباب، كان "ريّان" قاعِد في ركن السرير جنب الحيطة، وحاطط راسه ما بين رِجليه وبيعيّط، حتّى منتَبَهش لنا لمّا دخلنا وفتحنا نور الأوضة، لكن "عالية" سبقتني وخدته في حضنها، وقعدت تطبطب عليه وسألته...
-مالك.. ليه بتعيّط كِدَه؟!
مكَنش قادِر يتكلّم، وأنا قلبي كان واكِلني عليه؛ عشان كِدَه سألته...
-إيه اللي خلّاك صرخت كِدَه؟!
وساعِتها بَس كان بيرفع راسه ناحيتي، وبيقولّي بصوت مقطّع...
-أنا حسّيت وأنا نايم إن حاجة بتزحف فوقي!
وساعِتها كُنت أنا و "عالية" بنبُص لبعض وإحنا مذهولين، ومُش عارف هي دلوقت هينفع تكذّب اللي أنا قولته واللي سمعاه من "ريّان" ولا لأ، ماهو اللي حَصَل دَه أكبر دَليل على إني مُش بهلوِس!
لكن اتفاجِئت إن "عالية" بتسيب الوَلد وبتقوم، وبتبدأ تدوّر في كل مكان من الأوضة: تَحت السرير وفوق الدولاب وجوّاه، ولقيتني برضو بدأت أدوّر معاها، الموضوع مكَنش على قد الأوضة بَس، دا إحنا قَلَبنا الشّقة اللي قاعدين فيها على إننا نلاقي التّعبان، لكن مكَنش له أثر!
وبعد ما دوّرنا في كُل مكان بدون فايدة، لقيت عاليّة بتقولّي...
-فيه كيس شِيح في المطبخ.. أنا هجيبه وهحُط شيح في كل رُكن، وتَحت كل حاجة.. عشان لو التّعبان لسّه هِنا يهرب من ريحته.. وكمان مفيش حاجة تانية تدخل هنا.
ويادوب هي نُص ساعة وكانت ريحة الشّيح ماليه الشّقة، لكن الغريبة إن ريحة البخور اللي اختفت بمجرّد ما شوفت ديل التّعبان وهو داخل الأوضة رِجعت من تاني، اللي كان أغرب بقى المرّة دي إنّي لقيت "عالية" بتقولّي...
-هي ريحة البخور دي جاية منين؟!
***
نَفس اليوم بالليل...
لسّه ريحة البخور زي ماهي برغم إنّنا قلبنا البيت كلّه، حتى طلعنا على السَّطح ونزِلنا الدّور اللي تَحت ومكَنش فيه مصدر للريحة، دا غير إن "عالية" بطريقتها اتكلّمت مع كام واحدة من الجيران، وعرفِت منهم إن مفيش حد منهم كان مولّع بخور خالص عشان ريحته توصَل عندنا مثلًا.
في الليلة دي؛ اتخانِقت مع "عالية" خِناقة مكُنتش عارف إيه سببها، بَس أنا انفَعَلت عليها وهي بتكلّمني، وهي برضو بدأت ترُد ردود مُش عجباني ودي مُش من عادتها، هي لمّا بتلاقيني متعصّب بتسكُت وتاخُد جنب شويّة لحد ما الدّنيا تروق، وكُل حاجة بترجع لطبيعتها.
كان أوّل مرّة يحصل مابينا كِدَه، لكن قرَّرنا ننهي الخِناق لمّا سمِعنا صوت "ريّان" وهو بيعيّط، إحنا كُنّا فاكرينه بيعيّط عشان خايف من الخِناقة اللي بيني وبين مامته، لكن اللي اتّضح بعد ما روحناله واتكلّمنا معاه إن مُش ده اللي مخلّيه خايف..
قرَّبت منّه وبدأت أسأله...
-بتعيّط ليه يا "ريّان"؟
كُنت منتظر إنّه يقولّي خايف من صوتكم العالي أو أي حاجة من دي، لكن لقيته بيقولّي...
-أنا شوفت تِعبان في أوضتي.. كان طويل وواصل لحد السّقف.. شكله مُخيف أوي.. وكان قدّامه في الأرض حاجة فيها نار، وطالع منها دُخان!
أنا كُنت ببلع ريقي بصعوبة، و"عالية" كانت بتخبَط بإيدها على صدرها، وباين على وشّها إنها مصدومة لكنّها متكلّمتش، بَس أنا بدأت أتكلّم معاه وأقولّه...
-انت كُنت بتحلم؟
كان بياخُد نَفَسه بصعوبة، وبيقول وهو بيعيّط...
-لا.. أنا مكُنتش نايم.
-يعني انت شوفت دَه وأنت صاحي؟
كان بيكمّل كلامه بصوته اللي كُنت سامعه بالعافية بيقولّي...
-أيوة.. ومُش عارف ليه كانت أوضتي منوّرة باللون الأحمر!
في اللحظة دي عرفت إن اللي بشوفه مُش مجرّد هلاوس، يعني إن يحصل معايا كِدَه في الأوضة اللي كُنت فيها في سينا، وأشوف التِّعبان وهو داخل أوضة "ريّان"، ويتكرّر اللي حصل معايا في الشّغل، وريحة البخور اللي بتظهر بدون ما نعرف هي حاجة منين، وفي الآخر ألاقي "ريّان" بيحكيلي إنه شاف حاجة تفاصيلها تكاد تكون هي الكابوس اللي بشوفه، أكيد دَه مُش حاجة طبيعية!
***
تاني يوم في الشّغل...
-الموضوع مُش طبيعي يا "وليد"..
-تُقصد إيه؟!
-يعني اللي "ريّان" قالهولي وحكيتلك عنّه دَه أكيد مُش صدفة.. أنا حاسِس إن فيه حاجة غريبة بدأت تِظهر وتأثَر على حياتنا.. والغريبة إن تأثيرها بيزيد كُل يوم.. دا غير إن ابني ومراتي بدأوا يحسّوا بيها هما كمان!
-اللي بتحكيه دَه معناه إن فيه حاجة غلط.. أنا مِن رأيي يا "أحمد" نشوف حد من اللي بيفهموا في الكلام دَه ونروحله.. أكيد هيقولّنا إيه الحكاية بالظَّبط.
-أنت عارف إن أنا ماليش في السّكة دي!
-بُص يا "أحمد".. إحنا مُمكن ميكونش لِنا في سِكَك كتير.. بَس لمّا يتفِرض عليك طريق لازِم تمشيه.. خصوصًا لو كان الموضوع متعلّق بإنك تنجو من حاجة ممكن تدمّرلك حياتك.
قولتله وأنا مخضوض من كلامه...
-مُش فاهِم تُقصد إيه؟
-اللي أقصُده إنك زي ما قولت الموضوع بيزيد معاك.. ووصل لمراتك وابنك.. هتستنّى إيه؟.. لما الموضوع يتطوّر أكتر وتحصل كارثة، وترجَع تقول ياريت؟!.. هو طريق يا صاحبي، ولازِم توصَل لنهايته وانت واقِف على رِجلك.
-طيب انت تعرف حد من اللي بيفهموا في الكلام دَه؟!
-لا أنا مُش عارف حد.. لكن عَم "حسن" السّواق يِعرف النّملة بتخبّي بيضها فين.. أنا في السّر كِدَه هتكلّم معاه وهظبّطه، وأخلّيه يشوفلنا حد كويّس نروحله بدون ما حد يِعرف.. انت عارف إن المواضيع دي حسّاسة.
كُنت مُقتنع بكلامه وعارف إنّ له طريقته مع عم "حَسن"، اللي عارف إنه مُش بيعمل حاجة لله تعالى وأكيد هياخُد مصلحة منّنا، لكن مكَنش فارق معايا، المهم الموضوع يفضَل سِر، والكابوس اللي أنا فيه دَه ينتهي.
***
دَه كان الحوار اللي دَار بيني وبين "وليد" قبل ما نطلع من الشّغل، لكن لمّا وصلت البيت لقيت مُشكلة قدّامي، أوّل ما دَخَلت لقيت "عالية" بتعيّط، ولمّا سألتها إيه اللي حصل قالتلي...
-إحنا اتسرَقنا!
مكُنتش فاهِم حاجة؛ عشان كِدَه سألتها...
-اتسرَقنا ازّاي؟!
-سِلسِلتي اللي في الدولاب مُش لاقياها.
-طيّب ما تشوفي يِمكن غيّرتي مكانها وناسية!
-أنا مُش بخرُج بها انت عارف.. وبعدين أنا لسّه شيفاها من يومين في مكانها.. وإيدي متمدّتش عليها بعدها.. هتكون راحِت فين يعني؟!
_طيّب انتي ملاحظتيش صوت في البيت أو حركة؟.. يمكن حد دَخل ويعرف مكانها!
_بوّابتنا على طول مقفولة، وباب السّطح مقفول.. دا غير إني مُش بسيب باب الشّقة مفتوح غير وأنا قاعدة في الصالة.. مفيش حاجة من دي.
كانت حكاية جديدة وزادِت على الحكايات اللي احنا فيها، وطبعًا من وقتها و "عالية" متنكّدة أكتر من النكد اللي إحنا عايشين فيه، وده ببساطة مش عشان إنها مُش لاقية السلسلة، دي واخداها من ضِمن ميراثها من أمها الله يرحمها، وبتعتزّ بها جدًا، ومستعدة تِخسر أي حاجة إلا هي.
في الليلة دي قضّيت وقت طويل أدوّر هِنا وهنا، بصراحة مجاليش نوم لأن الوضع اللي بقينا فيه مش طبيعي، لكن في الآخر ملقِتش حاجة، وبعد ما لفّيت كتير لقيتها بتقولّي...
_ريّح نفسك.. أنا دوّرت في كل ده.. مالهاش أثر!
فضِلت صاحي لحد الميعاد اللي بمشي فيه، غيّرت هدومي وخرجت من غير فِطار، بصراحة مكنش ليّا نِفس آكل، ولا "عالية" كانت في مود يخلّيها تعمل حاجة، لحد ما وصلت المكان اللي بَركَب منّه الباص، وبرضو وَقَفت بين زمايلي وحاسس إني في دنيا تانية، لحد ما الباص وصَل وركبنا، ولمّا وصلنا مقرّ الشركة ودخلت مكتبي لقيت "وليد" موجود، هو بييجي مع بَاص بيجيب موظفين من منطقة تانية، لمّا شافني حَس إن شكلي مُش مظبوط، أنا عارف إنه كان باين على ملامحي؛ عشان كِدَه كان لازم أحكيله عن اللي حصل ليلة امبارح، وبعدين هو بقى عارف الليلة كلّها.
ويادوب خلّصت كلامي معاه، ولقيت عم "حسن" داخل المكتب، وبيروح ناحية "وليد" ويقرّب منّه، وبيتكلّم معاه بصوت واطي جدًا، وبعدها سابه ومشِي بعد ما اداه ورقة، استغرَبت من اللي حَصل بما إنها أوّل مرّة يحصل كده قدّامي، ولمّا بقينا لوحدنا لقيت "وليد" بيقولّي...
_عم "حَسن" شاف لنا واحد نروحله.. هو كلّمني في السّر لأني قولتله إني مش عاوز حد يعرف بالموضوع؛ لأن الحكاية تخُص واحد يهمّني ومجِبتش سيرتك.. كِدَه أحسن خلّي الموضوع ما بينا.. هو سابلي رَقَمه في الورقة دي.
ولقيته بيمسِك تليفونه وبيطلب الرّقم، ويادوب ثواني ولقيت المكالمة فَتَحِت وبيقول...
_آلو.. الشيخ "فتحي".. أنا "وليد" اللي جايلك من طَرَف "حسن" السّواق.. كان فيه موضوع كِدَه مستعجِل.. وكُنّا محتاجينك.
وبعدها سِكت لمدة ثواني كِدَه وقال...
_خلاص.. هَنجيلَك بعد الشّغل على طول طالما أنت موجود.
وقَفَل المكالمة وقالّي...
_هنروح بَعد الشّغل على طول.. هناخُد تاكسي عشان محدش يعرف إحنا رايحين فين.
***
لمّا الشغل انتهى خرجنا وخدنا تاكسي، وبمجرّد ما ركِبنا "وليد" قال للسّواق على العنوان، كان في حي شَعبي معروف، ولمّا وصلنا سألنا عن البيت، ووصلناله بسهولة.
لقينا الشيخ في انتظارنا، دخلنا وقعدنا في أوضة بابها من برّه البيت، كان بيقابل فيها ضيوفه، كان باين منها إنها أوضة عادية جدًّا، مفيهاش حاجة غريبة زي ما بنسمع بيوت الشيوخ دي بتكون فيها حاجات غريبة.
الشيخ كان كلامه مُريح، كان مُبتَسِم، دا حتى كان بيتكلّم وعينيه مركّزة معايا، زي ما يكون كان عارف إن الموضوع يخصّني، واللي خلّاني أتأكّد من ده هو إنه بعد ما اتكلّم معانا شويّة سألني وقالّي...
_ها.. قولّي بقى.. بتشوف إيه؟
حسّيت إن سؤاله خلّاني أرتَبِك، لدرجة إني خدت وقت على ما بدأت أتذكّر الأحداث اللي مكَنِتش بتروح من قدّام عيني.
حكيتله من أوّل ما الأحداث بدأت معايا من ساعة ما كُنت في سينا، لحد حكاية السلسلة اللي اختَفت ومُش عارفين نوصلّها.
كان بيسمَعني وبيغمّض عينيه من وقت للتاني، كأنّه كان بيربُط كلامي ببعضه، وبعدَها قالّي حاجة غريبة...
_انت موضوعَك دَه لازِم يتشاف في التليفزيون!
بصّيت أنا و "وليد" لبعض كده شويّة، وبعدين قولتله...
_تليفزيون إيه؟
ضِحِك وهَز راسه كده وقالّي...
_تليفزيون الجِن!
ومِن تانِي لقينا نَفسنا بنبُص لِبَعض وبنرجَع نبُص للشّيخ تاني، وساعِتها كان لسّه بيضحك وبيقولّنا...
_المَندَل.. تليفزيون الجِن.
***
أنا وافِقت إني أروح لشيخ عشان يساعدني ألاقي حل في الحاجات اللي بتحصل معايا في الفترة الأخيرة، خصوصًا إن الموضوع كان بيزيد بشكل مخيف، لكن من جوّايا مكُنتش هعمل حاجة أنا مُش مقتنع بِها، عشان كده سألت الشّيخ وقولتله...
_أنا أسمع عن المَندَل.. بَس مُش فاهم هو إيه.. لكن أوّل مرة أسمع حكاية تليفزيون الجِن دي.
كانت لسّه ابتسامة الشيخ على وشّه زي ماهي، مكُنتِش عارِف هو دي طبيعته، ولا كان بيبتِسم لأني مُش فاهم، لكن على أي حال بدأ يرُد على كلامي ويقول...
_إحنا مُش العالَم الوحيد في الكون.. فيه عوالِم كتير غيرنا.. مُش عاوز أصدمكم وأقولّكم إننا بالتطوّر اللي إحنا فيه دَه متأخّرين بالنسبة لهم.. عشان كِدَه مبنعرَفش نتواصل معاهم.. لأن تطوّرنا مش قادِر يوصل لمستواهم.. لكن ممكن دَه يحصل في يوم من الأيام مستقبلًا.. بس دَه مُش موضوعنا.
كُنا مستغربين الكلام، لكن كان لازِم نسمع للآخر، وبدأ الشيخ يكمّل كلامه...
_الموضوع بالظبط زي كاميرات المراقبة.. هما عندهم إمكانية رصد أي حدث حتّى لو انتهى.. يقدروا يسترجعوه وكأنّك بتسترجع تسجيل كاميرا بالظبط.. وساعتها بنشوف اللي حَصل بالظبط صوت وصورة عن طريق وسيط.. وبنعرف الموضوع إيه بالظبط.
وساعِتها قولتله...
_وأنت بقى بتقدر تشوف الكاميرات اللي بتقول عليها دي ازّاي؟!
بصّلي شويّة كده، وبعدين قالّي...
_مُش أنا اللي بشوف.. لا أرواحنا ولا شفافيّتنا تسمحلنا نعمل دَه.. الوسيلة الوحيدة اللي بنتواصل بها مع العوالم دي هي روح شفّافة.. زي ما قولتلك كِدَه.. وَسيط.. نِقدَر نخلّي روحه مستعدة تستقبل رسايلهم.. وتشوف اللي حصل وتنقله.
_ومين بقى الروح دي؟!
_طفل.. "ريّان" ابنك!
أنا لقيت نَفسي بَقَف غصب عني وببُص ناحية "وليد"، وبعدها بصّيت للشيخ وقولتله...
_أنا مقولتش اسم ابني!
لكن هو كان بيبُصّلي، وبيقولّي...
_هُمّا قالولي اسمه.
بصّيتله باستغراب وقولتله...
_هُمّا مين؟
_اللي هيساعدونا.. وبعدين هو أنسَب طفل.. لأنه شاف في الواقع نفس اللي أنت شوفته في الكابوس.. ولسّه هَيشوف تاني.. دا غير إن روحه شفّافة لسّه.. يعني هيكون التواصل عن طريقه سهل جدًا.
قلّبت الكلام في دماغي وبصّيت ناحية "وليد"، ولقيته بيهز راسُه كده عشان أوافِق، وده اللي خلّاني أقول للشيخ...
_ماشي.. بس إيه المطلوب؟
_حِبر سُلطاني أحمر.. زيت زيتون.. ومَيّه.. والطِّفل.. وهتيجي تاخُدني بُكره بالليل.. عشان الموضوع دَه لازم يكون في البيت عندك!
***
أنا عانيت كتير لحد ما قدِرت أقنع "عالية" توافِق إن الشيخ ييجي يشوف إيه سبب اللي بيحصل معانا في الفترة الأخيرة، وخصوصًا لمّا قولتلها إن الشيخ محتاج "ريّان" في الموضوع، لكن بعد كلام كتير ونقاشات...
_أنا فهِمت كل حاجة من الشّيخ.. ولو مش مطّمن مكُنتِش وافِقت.. أنا مش هوافِق على حاجة تأذي ابني!
وأخيرًا اقتَنَعِت، خصوصًا لمّا سمعنا صرخة "ريّان" في أوضته وإحنا بنتكلّم، قومنا نِجري واحنا رِجلينا مُش شيلانا، ولمّا دخلنا أوضته شوفنا أكتر حاجة مكُنّاش نتخيّل إنها تِحصل، كان "ريّان" متعلّق في الهوا، كان زي ما يكون طاير، والغريبة إني كل ما كُنت أحاول أقرّب منّه؛ ألاقي حاجة بتزُقّني لِوَرا، كُنت واقِف عاجِز، وكانت "عالية" بتبكِي جَنبي؛ لِحَد ما "ريّان" وَقَع فوق السرير، ولقِيت نَفسي بَجري ناحيته، في المرَّة دي الحاجة اللي كانت بتمنعني مَمَنعتنيش، أخدتُه في حُضني، ولقيت "عالية" بتقعد جنبه، ولمّا اتكلّمنا معاه قالّنا إنه شاف في أوضته نَفس اللي شافه قبل كِدَه، واللي هو نَفس الكابوس بتاعي! وبَعدها شاف الكُوبرا، دا حتّى قالّنا إن هي اللي كانت ملفوفة حوالين جِسمه من شويّة ورفعاه في الهوا!
والليلة عدّت وإحنا ساكتين، وتاني يوم في الشّغل أوّل ما وصلت طلبت من "وليد" مينساش ييجي معايا نجيب الشّيخ، وبمجرّد ما خرجنا من الشّغل خدنا تاكسي وروحنا، وكُنا مأكّدين عليه بالتليفون عشان مَينساش.
لكن قبل ما نروحله كان لازم أجهّز الحاجة اللي طَلَبها منّي، عدّينا على مكتبة بتبيع أدوات كتابة وأحبار، ولمّا طلبت من صاحبها حِبر سُلطاني أحمر بصّلي شويّة كده وقالّي...
_أنت محتاجه في إيه؟!
استغربت سؤاله وقولتله...
_هو كل حد بيشتري منّك حاجة بتسأله محتاجها في إيه؟
_لأ..بَس الحِبر دَه مُش بينطِلِب كتير.. يعني لو محتاجه في كتابة ممكن تاخد أي نوع حِبر تاني.. وأرخَص.
بصّيت ناحية "وليد" كده، وبعدها قولت لصاحب المكتبة...
_هو الحِبر دَه ممنوع ولا حاجة؟!
_مُش ممنوع ولا حاجة.. كل الحكاية إنه من أصفى أنواع الحِبر وشفافيّته عالية.. بس أي نوع تاني يِغنِي عنّه.. إلا بقى لو محتاجه في حاجة غير الكتابة.
كلامه خلّاني أقلَق كِدَه، وقولتله...
_حاجة زي إيه؟!
_يعني.. أكيد أنت عارف بتشتريه عشان إيه.
_هو موضوع كِدَه مفيش داعي أتكلّم فيه.. لكن أنا محتاجه ضروري.
_أنا معنديش منّه غير حبّارة واحدة بس.. حظك حلو.
واشتريتها منّه، لكن حسّيت إنه كان رافِع سعرها جدًا، لكن مكَنش في مجال إني أتكلّم معاه في حاجة؛ عشان كِدَه دفعت الفلوس، وخدنا الحِبر ومشينا.
كان حظّنا حلو؛ لأننا لمَحنا محل عطارة جنب المكتبة، عدّينا عليه واشترينا زيت الزيتون البِكر، ورجعنا للتاكسي اللي كان منتظرنا، وبعدها روحنا على بيت الشّيخ.
كان منتَظرنا قدّام البيت، وبمجرّد ما التاكسي وقف قدّامه رِكِب معانا ومشينا، وروحنا على بيتي.
***
من أوّل ما نزلنا من التاكسي، ودخلنا الشارع بتاعنا وأنا حاسس إن كُل حاجة غريبة، إحنا لمّا دَخلنا الشارع كان الليل دَخَل، وبمجرّد ما وصلنا البيت وداخلين الشّيخ وقَف عند البوابة شويّة كده، وبعدها دَخَل ورانا!
كُنت سايِب خبر لـ "عالية" إني جاي في الطريق ومعايا "وليد" والشّيخ؛ عشان تبقى عاملة حسابها، ولمّا دَخلنا البيت لقيت الشّيخ وَقَف شويّة في الصالة وبيبُص حواليه وفي السّقف، وبعدها بدأ يبُصّلي، فقولتله...
-اتفضَّل هنا يا شيخ.
أنا كُنت بقولّه اتفضل عشان يدخل أوضة الضّيوف، لكن لقيته بيقولّي...
-لا.. أنا هقعُد في الأوضة دي.
كان بيشاور بإيده ناحية باب أوضة "ريّان"، وجِه في بالي على طول إن اختياره لها مُش صدفة، هو أكيد شايف حاجة إحنا مُش شايفينها.
لمّا دخلنا الأوضة، وقعدنا لقيت "وليد" بيقولّي...
-هو جَو الأوضة حَر ليه كده؟
أنا فعلًا كُنت ملاحظ ده، كان جوّها مختلف عن الشّقة كلّها، عشان كده قولتله وأنا مستغرب...
-مُش عارف.. هقوم أفتَح الشّباك بتاعها.
لكن اتفاجئت إن الشّيخ بيقولّي...
-مَتفتَحش شبابيك.. هي كده كويّسة!
بصّيت ناحية "وليد" وبعدَها قعدت في مكاني، وانتظرت لحد ما الشّيخ يخلّص اللي كان بيردّده في سِرّه، وقالّي...
-الحاجة اللي طلبتَها جاهزة؟
لقيتني على طول بَعطيه الحِبر السُّلطاني والزّيت، وبعدَها قولتله...
-لحظة أخلّيهم يجهّزوا المَيّه.
خَد منّي الحاجة، وكان بيتأكّد منها كِدَه وقالّي...
-وهات الطِّفل وانت جاي!
خرجت من الأوضة، ورجعت بعد كام دقيقة وفي إيدي المَيّه ومعايا "ريّان"، والشّيخ أخّد منّي المَيّه، وحطّها في الأرض وقعد قدّامها، وبعدها حط فيها شويّة زيت من اللي طلبهم، وشويّة لقيته بيطلّع من جيبة ورقة لونها أصفر وفاضية ومعاها ريشة، غالبًا هي ريشة دِيك، وبدأ يكتب يحطّها في الحِبر، ويكتب بها على الورقة حروف ورموز مفهمتش منها حاجة، ولمّا خلَّص لقيته بيطبّق الورقة، وبيطلب من "ريّان" يمسِكها ويقفِل كَف إيده عليها كويّس، وبعدها كان بيقولّه...
-عايزك تقعُد قدّامي.. وتبُصّلي.
أنا كُنت ملاحظ الخوف على "ريّان"، لكنه كان بينفّذ اللي الشّيخ بيطلبه منّه، ولمّا قعد لقيت الشّيخ بيحط إيده على راسه، وبيبدأ يقرأ في قُرآن بصوت واضِح، وبعد شوية بدأ يتمتم في سرّه، أنا كُنت خايف لايكون بيقول حاجة مُش كويّسة، لكن مقدرتش أتدَخّل.
بعد شويّة لقيت "ريّان" بينام، توازنُه كان بيختَل ومُش مركّز، ولمّا جيت أتدخّل الشيخ شاوِرلي بإيده؛ ففهِمت إنه عاوزني أرجَع مكاني، دا حتى "وليد" شدّني من إيدي، وهَمس في وِدني وقالي...
-خلّيه يشتغل براحته!
كانت عيني على "ريّان" اللي كان في عالَم تاني، مُش هقدر أنكِر إنّي كُنت مرعوب عليه، لحد ما لقيت الشّيخ بعد ما خلّص اللي بيقوله في سرّه بيقولّه...
-شايِف إيه؟!
حسّيت إن جِسم "ريّان" بيرتِعش ومكَنش بيتكلّم، دا غير إنه كان مغمّض عينيه، يعني المفروض هو مُش شايِف حاجة!
-شايِف إيه؟!
كان بيكرَّر سؤاله تاني، وفِضِل يكرَّره مرّة ورا مرّة لحد ما لقيت "ريّان" بيقولّه...
-مَمَر طويل.. في آخره باب حَجَر.. عليه تِعبان كبير!
رغم إن "ريّان" هو اللي كان بيتكلّم، لكن الصوت مكَنش صوته، بَس الشّيخ كان بيبُص ناحيتنا، وبعدها بيكمّل كلامه...
-تِقدر تقولي التّعبان دَه عامل ازّاي؟
بَعد كام ثانية كِدَه نَطَق وقالّه...
-تِعبان ضَخم.. راسُه كبيرة.. أنا واقِف قدّامه دلوقت، وهو عاوز يِهجم عليّا.
-تِقدَر تشوف اللي ورا الباب الحَجَر وتقولّي عليه؟
كان جِسم "ريّان" بيرتِعش أكتر وهو بيقول...
-حاولت أقرّب.. التّعبان هَيهاجمني.. بَس فيه سِلسلة مرميّة في الأرض قدّام الباب!
أنا على طول جَت في دماغي السّلسلة اللي ضاعت، لكن مكّنش دَه المهم دلوقت، أنا كنت مركّز مع اللي الشِّيخ بيقوله...
-لو خلّيت التّعبان يعطيك فرصة تقرّب من الباب.. تِقدر تقولّي وراه إيه؟
وساعِتها "ريّان" قالّه...
-أقدَر.
مُش عارف فات وقت قد إيه، والشّيخ بيقرأ كلام في سرّه وإيده على راس "ريّان"، وبعدها قالّه...
-قولّي بقى.. الباب وراه إيه!
-وراه لون أصفر بيِلمَع!
بعدها صوت الشّيخ بدأ يِعلى بالقرآن، وبعد شويّة لقيت "ريّان" بيفوق من الغيبوبة اللي كان فيها، وأوّل ما حس بِنا حواليه لقيته بيجري ناحيتي وهو خايف، حَضَنته وطَبطَبت عليه، لَكن لقيت الشّيخ بيقولّي أغرب حاجة مُمكن أسمعها في حياتي...
-البيت بتاعك تَحته مقبرة!
أنا كُنت زي المصدوم من اللي بَسمعه، حتّى "وليد" بَصّلي وكأنه مُش مصدّق الشيخ، وبَعد ما بدأت أستوعب اللي سمعته قولتله...
-مقبرة إيه اللي تَحت البيت يا شيخنا.. ما تصلّي على النبي!
لكنّه كان بيتكلّم بكل ثقة وبيقولّي...
-أنا عارف بقول إيه.. تليفزيون الجِن عُمره ما بيكذب.. أنا حضّرت خادم على الطفل عشان يساعده يروح هناك، ويقولّنا اللي هو شايفه.
ردّيت على كلامه بطريقة فيها شويّة سُخرية كده، وقولتله...
-وهو شاف بقى المقبرة؟!
-شاف اللي قالّنا عليه دلوقت.. انت الموضوع بدأ معاك في سينا.. الرَّصد اللي على المقبرة قِدِر يتواصل معاك عن طريق الرَّصد اللي في موقع التنقيب اللي كُنت فيه.. الموضوع دَه معروف.. بمجرّد ما يلاقي الباب اللي بيدخلّك منّه، وبيبدأ يعلن عن وجوده.. عن طريق إن يحصل في المكان حاجات غريبة.. تشوف زاحف أو حيوان أسود فيه.. تِشِم ريحة البخور اللي انت مكُنتش عارف هي جاية منين.. يِخفي أي دَهب موجود.. السلسلة مثلًا.. واللي هي دلوقت تَحت قدّام باب المقبرة.. أكتر من حاجة قولتها كانت خلّتني أشُك في الموضوع.. لكن مكَنش ينفع أقولّك غير لمّا أتأكّد.
-طيّب وهتصرّف إزّاي.
لقيت الشّيخ بيبُصّلي كِدَه، ورجعِتله نفس الابتسامة اللي كان بيبتسمها وبيقولي...
-قصدك هنتصرّف إزّاي!
كان لازم أسمَعله عشان أنا معرفش أي حاجة في الكلام دَه، ولقيته بيقولّي...
-أنا هفك الرَّصد اللي على المقبرة.. وهشوف نَاس تصرَّف الحاجة اللي موجودة.. وكُل دَه في السّر.. بَس أنا ليّا النُّص.. وانتم ليكم النُّص.
برَغم إن اللي بَسمعه دَه مكُنتش أتوقّع إنه يحصل حتى في الحِلم، وفُرصة لو إن كلام الرّاجل دَه لو صَدَق هتغيّر حياتي، لكن أنا مكُنتش مطّمنله، وخايف لو اتلاعِبت به يِعمِل أي حاجة، مُمكن يبلّغ الحكومة، أو يِعطي خَبر للنّاس اللي بيقول إنه هيصرّف عن طريقهم الحاجة دي، وساعِتها مفيش حاجة مضمونة، عَشان كِدَه قرّرت وبدون تفكير إنّي أمشي وراه، واهو لمّا أفوز بنُص اللي في المَقبَرة أحسَن ما أجازِف في حاجة مُش فاهمها وتضيع منّي كلّها؛ عشان كِدَه قولتله وبدون تردّد...
-أنا موافِق.
لقيته بيهِزّ راسه، وبيبتٍسِم وبيقولّي...
-على بركة الله.. مُش هنعمل أي حاجة غير لمّا أعطي النّاس خبر يجهّزوا نفسهم.. وبعد كِدَه نبدأ الحَفر.. وعلى فكرة المقبرة تَحت الأوضة اللي احنا فيها دي.
وبعدها الشّيخ استئذن إنه يمشي، وهو بيقولّنا...
-في بينّا تليفون بُكره.. هقولّكم هنعمل إيه بالظبط.
***
خرجت مع "وليد" والشّيخ لحد باب البيت برّه، وساعِتها لقيت "وليد" بيقولّي...
-خلّيك انت.. أنا هوصّله ونتقابل بُكرة في الشُّغل نتكلّم.
لمّا مشيوا دخلت البيت وقفلت ورايا، وطبعًا لقيت "عالية" منتظراني؛ عشان تِعرف الحِكاية إيه، وأنا طبعًا مقدرش أخبّي عليها حاجة زي دي، فقولتلها...
-عايزك تركّزي معايا ومتستغربيش من اللي هقوله.
بصّتلي باستغراب كِدَه، وقالتلي...
-انت بتقول كده ليه! هو الشّيخ قال إيه؟!
-قال إن كل اللخبطة اللي حصلت دي عشان فيه مقبرة تَحت البيت عندنا فيها دَهب.. وإن الرَّصد اللي عليها حَب ينبّهنا لوجود المقبرة، ودي الطريقة اللي بيلجأ لها عشان يخلّي أصحاب البيت يعرفوا.
-وانت مصدّق دَه يا "أحمد"؟!
-ومُش هصدّق ليه.. ياما سمِعنا عن حاجات زي دي، والنّاس عدَّت الفَلنكَات بسبَبها.. يبىقى لمّا ربّنا يبعتها لحد عندنا مُش هصدّق؟!
-طيّب وانت ناوي على إيه؟!
-ناوي على اللي أي حد مكاني هيعمله.. هنحفر، ونوصل للمقبرة، وناخد الدَّهب اللي فيها.
-بالبساطة دي؟!
-الشّيخ هيعمل كُل حاجة.. هيفِك الرَّصد، يشوف النّاس اللي هتاخد الحاجة.. وهيبقى بالنُّص.
-الرّاجل دَه نصّاب يا "أحمد".. يعني حتّى لو كلامه صح، فحكاية إنه ياخُد النُّص ده كتير.. ده بيتنا والمقبرة دي تَحته.
-وانتي فاكرة إن من غير الشّيخ دَه هنقدر نعمل حاجة؟! هنفضل عمرنا كلّه مُش عارفين نوصّل للمقبرة.. دا غير إن لو حس إننا هنغدر بيه هيبلّغ الحكومة، أو النّاس اللي بيتعامل معاها دي يكون لها طريقة تانية تاخد بها اللي في المقبرة غصب عنّنا، ونطلع من الليلة كلها فاضيين.. خلّينا نطلع باللي نِقدر عليه.. كِدَه كِدَه النُّص هيخلّينا نعدّي.
-طيّب وصاحبك؟!
-قصدك "وليد"؟.. دا زميل شغل وصديقي.. ولازم هيتراضى طبعًا.
***
تاني يوم في الشُّغل...
-انت ليه سلّمت دَقنك للشيخ يا "أحمد"؟
أنا كُنت متوقّع إن "وليد" هيسألني السؤال دَه، وكانت إجابتي عليه جاهزة، نَفس اللي قولته لمّا "عالية" سألتني ليلة امبارح، وفعلًا لقيته مقتنع بوجهة نَظري.
واليوم فات عادي، وعلى آخر اليوم لقيت تليفون "وليد" بيرِن، ولمّا شاف اللي بيتصل بيه لقيته بيبُص ناحيتي وبيقولّي...
-دا الشّيخ!
ولقيتني بقولّه...
-طيّب كلّمه شوفه عايز إيه.
ولمّا فَتَح المكالمة وبعد ما سلّم عليه لقيته بيسمع بَس من غير ما يرُد، وبعد دقيقتين كِدَه لقيته بيقولّه...
-أوك.. خلّاص تمام.. أنا هبلّغه.
وبعدها المكالمة اتقفلت، ولقيته بيقولّي...
-بيقولّك جهّز نفسك.. هو ظبّط الأمور كلّها، والحَفر هيبدأ من الليلة!
ولقيتني بقولّه...
-بالسّرعة دي؟!
-ماهو قالّي إن النّاس اللي هتاخد الحاجة طلبت منّه إن الموضوع يخلص في السريع؛ عشان الدُّنيا الفترة دي هادية، ويقدروا يتصرفوا في الحاجة.. وشايف إن دي فُرصة ومنضيّعش وقت.
-طيّب بُص.. أنا عايزك موجود.. انت فاهمني طبعًا.
-أنا فاهمك متخَفش.. أنا هكون معاك لحد ما الموضوع يخلص خالص.
***
في البيت بالليل، الدُّنيا كانت مقلوبة، كُنت استأذنت بدري وروّحت، طلَّعت كل حاجة من أوضة "ريّان"، وجهّزتله أوضة تانية ينام فيها، والشّيخ كان مبلّغنا إنه هَييجي بالناس بتوعه الساعة 12 بالليل، لكن اتفاجئت بـ "عالية" بتقولّي إنها هتاخُد "ريّان" وتروح عند أختها؛ عشان مُش هينفع تكون موجودة في الجَو دَه، وأنا وافِقت على اللي هي عايزاه، لأن دَه اللي لازم يِحصل.
وفي الوقت اللي الشّيخ حدّده لقيت جرس الباب بيرِن، فتَحت ولقيت الشّيخ واقِف ومعاه 3 أشخاص معاهم أدوات حَفر، وكان معاهم "وليد"، ولمّا دخلوا لقيت الشّيخ طلب منّي إنه يدخل الأوضة الأول لوحده.
لمّا دَخل قَفَل وراه الباب، وغاب حوالي نُص ساعة كِدَه، وبعدها فَتح الباب وخَرَج، وقال للناس اللي معاه...
-يلا يا جماعة.. تقدروا تحفروا.
أنا كُنت خايف صوت الحَفر يزعِج الجيران، لكن اكتشفت إن النّاس دي بتعمل الموضوع بطريقة غريبة واحترافية، مكَنش حد حاسس بيهم، وبينجزوا بطريقة رهيبة، فاكتَشفت إنهم مش أوّل مرّة يعملوا الموضوع ده ومتمرّسين فيه، لدرجة إنهم في أول يوم حفروا تقريبًا 3 متر، وكانوا بيطلّعوا الأنقاض من الأوضة، وبيوزّعوها بطريقة غريبة في البيت، لقيت نَفسي بسأل الشّيخ وبقوله...
-هُما هيحفروا قد إيه؟
ولقيته بيقولّي...
-هيحفروا 8 متر!
-بَس كِدَه البيت مُمكن يُقع.
-متخَفش.. هُمّا عارفين بيعملوا إيه كويّس.
وبعدها ضِحك بصوت عالي شويّة كِدَه، وقالّي...
-وبعدين يا راجل كلّها يومين تلاتة ويبقى معاك ملايين، وخايف على البيت؟!
أنا عملت نفسي بضحك، وبصّيت ناحية "وليد" اللي سألني...
-أومّال "ريّان" ومراتك فين؟!
-عند أختها.. هتقعد هناك لحد ما نخلّص.
-خير ما عملت!
لحسن الحظ إن تاني يوم كان الجمعة أجازة من الشُغل، والنّاس اللي بتحفر لمّا قامِت من النّوم بعد ماخدوا فترة راحة من مجهود ليلة امبارح بدأوا حفر من أوّل النهار، الشّيخ كان عاوز يخلّص الموضوع الليلة دي، الناس كانت بتبذل مجهود كبير، وعلى آخر النهار لقيت واحد من اللي في الحفرة دي بيقول...
-الباب يا شيخ.. وفيه سلسلة قدّامه.
كان على لساني أقولّه يجيب السلسلة، لكن لقيت الشّيخ بيقولّه...
-سيب كُل حاجة زي ما هي.. متلمِسش أي حاجة زي ما انت عارف.
كان فيه حَبل نازِل في الحُفرة، ومربوط في عمود خرسانة كان في نُص الصالة، كانوا بيستخدموه وهما طالعين نازلين في الحُفرة، ولمّا وصلوا الباب طلعوا من الحُفرة واحد ورا التاني، وبعدها الشّيخ قالّهم...
-دوركم كده خلّاص يا رجالة.. فيه تليفون بينّا لمّا الموضوع يتم زي كل مرة.
فهمت من كلامه معاهم إن دي شغلتهم، ومش أوّل مرة يتعامل معاهم، وبدون أي كلام أو نقاش خدوا حاجتهم ومشيوا، وبعدها الشيخ قالّنا...
-أنا هاجي بُكره آخر النهار، وهيكون معايا ناس.. وانتم ممنوع حد فيكم ينزل الحفرة مهما حصل.
وبعد ما قالّنا كِدَه سابنا ومشي، ولقيت "وليد" بيقولّي...
-أكيد الناس اللي هتيجي معاه هما اللي هياخدوا الحاجة اللي في المقبرة.
قولتله وأنا متأكد من اللي قالهولي...
-دا أكيد يعني، أومال هَيجيب مين غيرهم.
كُنت مُرهق جدًا، فقولت لـ "وليد" إني هريّح شويّة، وطلبت منّه هو كمان يرتاح؛ عشان نقوم الصّبح نروح شغلنا عادي ونرجع، مُش عايزين نغيب ولا حد يلاحِظ حاجة.
ودخلت أنام شويّة، وبعدها صحيت قلقان مُش عارف ليه، لكن لقيت نَفسي بدوّر على "وليد" مكَنش موجود، قولت يِمكن يكون خَرَج، قعدت في الصّالة والدنيا مقلوبة من الحَفر، وبعد شويّة سمعت صوت في الأوضة، قومت ودَخَلت عشان أشوف الصوت جاي منين، لقيت الحَبل اللي طالع من الحُفرة بيتهز، وبعدها لقيت "وليد" طالع منها!
أنا بصراحة لقيتني بقولّه، وأنا مليان غَضب...
-إيه اللي نزّلك تَحت؟!
-كُنت عايز أشوف كلامهم صح ولا لأ.. فيه باب حَجَر فعلًا عليه نقوش.. ولقيت دي قدّامه.
وكان بيمدّلي إيده بالسلسلة اللي ضاعِت من "عالية"، ولقيتني باخدها منّه وبرميها من تاني في الحُفرة وبقولّه...
-هو مش الشّيخ قال محدش ينزل، ولا يقرّب من حاجة!
-يعني هَيجرى إيه يعني؟
-معرفش هيجرى إيه.. بَس دي حاجة إحنا مَنفهَمش فيها، ولازم اللي يتقالّنا نسمعه.
في الوَقت دَه لقيت تليفوني بيرن، كانت "عالية" بتبلّغني إن "ريّان" حرارته مرتفعة جدًا وبيخرّف!
أنا حسّيت إني هتجَنن لمّا سمعت اللي قالتهولي، طلبت من "وليد" يفضل في البيت على ما أروح أشوف ابني فيه إيه، وأودّيه مستشفى وأطّمن عليه، ولمّا وصلت بيت أخت "عالية" خدت الوّلد وطِرت على المستشفى، وهي جَت معايا، وبعد ما كَشَفت عليه الدكتور قالّنا إنه عنده حُمّى، وإنه محتاج محاليل ويفضل تَحت الملاحظة لحد ما حالته تتحسّن، كلّمت "وليد" وقولتله على اللي حَصل، وطلبت منّه يروح الشغل في معاده عادي، ويبلّغهم إني مُش جاي عشان ابني تعبان، وفضِلت في المستشفى لحد تاني يوم العَصر، كُنت ملاحِظ إن حالة ابني مُش بتتحسّن، لكن اضطرّيت أسيبه وأمشي؛ عشان أكون في البيت على المعاد اللي الناس هتكون موجودة فيه، وبعد ما وصلت البيت بشويّة لقيت الجرس بيرِن، ولقيت الشّيخ جاي ومعاه اتنين كان باين عليهم الهِيبة، والشّيخ دَخل وهمّا دخلوا وراه حتّى متكلّموش معانا، بَس لقيت الشّيخ بيقولّهم...
-هَنفتَح دلوقت.. شوفوا الحاجة وقولوا تساوي كام.
لكن بمجرّد ما الشّيخ قرّب من الحفرة لقيته بيبُصّلنا كده وبيقولّنا...
-هو فيه حد مِنكم نِزِل تَحت؟!
أنا حسّيت بتوتّر كِدَه، وقبل ما أتكلّم لقيت "وليد" سابِقني بالكلام، وقالّه...
-لا مفيش حد نِزل!
أنا لقيت إن الشّيخ برضو متمرّس في الموضوع، لأنّه مِسك الحَبل ونِزل بكل سهولة، وفضلنا منتظرين في الأوضة لحد ما فات ساعة، كُنا في الساعة دي بنسمع صوته أحيانًا، وهو بيتكلّم كأنّه بيزعّق لحد تَحت، لحد ما حسّينا بهزّة في الأرض كده، بعدَها لَمَحت تِعبان بيجري في الأوضة وبيهرب، والغريبة إنه دَخل في الحيطة، وعدّى منها مُش عارف ازّاي، مكُنتش عارف أنا بَس اللي كُنت شايف دَه ولا همّا كمان شايفينه، لكن محدّش اتكلّم وقال حاجة.
بعدها الشّيخ خرج من الحفرة وكان مليان تُراب، ولقيته بيناولني السّلسلة وبيقولّي...
-دلوقت تِقدر تِاخد السلسلة بتاعتك!
بصّيت لـ "وليد"، وأنا باخُد السلسلة وقولتله...
-ومكَنش ينفع آخدها قبل كِدَه؟
-أنا مش محذّركم محدش ينزل الحُفرة.. اللي ينزل يبقى انتهى!
حسّيت بابتسامة سخرية على وِش "وليد"، زي ما يكون بيقول إنه نِزِل ومِسك السلسلة وطلع، وواقف أهو مفيهوش حاجة، لكن أنا خَدت السلسلة ومتكلّمتش!
وبعدها الشيخ قال للناس اللي معاه إنهم يقدروا ينزلوا، وطلب منّنا إحنا كمان ننزل، ولمّا نزلنا لقيت كمية حجارة مكسورة، وفيه باب يادوب الواحد يعدّي منّه وهو على إيده ورجله، كان بعده مَمَر حسّيت إنه شَبه الممر اللي كُنت بشوفه في الكوابيس، وفي نهايته كان فيه أوضة، ومكُنتش مستغرب إن الناس دي معاها حاجات كانت بتنوّر أحمر، عشان الدنيا تَحت طبعًا ضلمة، فكان المَشهد بالظبط، زي ما كنت بشوفه في الحِلم.
مشينا في الممر اللي كان ميزيدش عن 3 متر لحد ما وصلنا الأوضة، وبعدها دخلنا وكُنّا قادرين نُقف فيها، وساعتها سألت الشيخ...
-هو ليه مُش منوّرين بنور أبيض؟
-مينفعش.. كان فيه رَصد على المقبرة، والجِن بيغضب من النّور الأبيض.. وإحنا بنتعَب على ما بنخلّيه يسيب المَكان.. لحد ما نخلّص، وناخد الحاجة.. وهو بعدها ممكن يِرجع.. ولمّا بيلاقي الحاجة مُش موجودة بيمشي، ويسيب المكان خالص.
المقبرة كان فيها كمّية دَهب كبيرة، تماثيل وأواني، وكان فيها تابوت فيه موميا، أنا أوّل مرّة أشوف منظر زي ده، لدرجة إني كُنت مخضوض، واللي خلّاني أتخَض أكتر، هو المبلغ اللي واحد من الاتنين اللي مع الشيخ قال عليه!
كانت المُشكلة اللي بفكّر فيها، هي إزّاي الحاجة دي كلّها هتطلع من هنا قدّام الناس برّه، ولمّا سألت الشيخ قالّي...
-إحنا عملنا اللي علينا.. الباقي بقى شُغلهم.. هُما عارفين بيعملوا دَه إزّاي.. متشغِلش بالك!
وخرجنا من المقبرة، وبرضو الشّيخ حذّرنا من إن حد فينا ينزل لوحده، والناس مشيت والشيخ مِشي معاهم، وساعتها طلبت من "وليد" يروح الشغل في معاده ويعمل زي ما قولتله، وأنا قفلت البيت وروحت؛ عشان أطمّن على "ريّان" اللي لقيت حالته إلى حد ما بتتحسّن!
لكن وأنا في المستشفى لقيت "وليد" بيكلّمني، وبيبلّغني إن الشّيخ لسّه مكلّمه، وبيقولّه النّاس هتبدأ تطلّع الحاجة من النهاردة، وإننا هنستلم جزء من نصيبنا اللي المفروض إنه نُص المبلغ، وطبعًا كُل دَه هيكون كاش عشان أي تعامل مَصرفي هيكون عليه علامات استفهام كبيرة.
خرجت من المستشفى بعد ما اتطمّنت على حالة "ريّان"، ورجعت البيت، ومن بعد المغرب النّاس وصلت، وكُنت أنا و "وليد" في انتظارهم.
في الوَقت دَه كانوا خرَّجوا جزء كبير من محتويات المقبرة في الصّالة، كانت كُل حاجة بتخرج بتتصوّر وبتتسجّل، وبعد نُص الليل بدأوا يخرّجوا الحاجة دي قطعة قطعة، ويحتفظوا بِها في عربية كانت واقفة في مكان بعيد، وطبعًا الحاجة دي كانت بتُخرج والدنيا نايمة ومفيش ولا مخلوق موجود، دا غير إنهم بيخفوها في كرتونة أو كِيس أسود، في الليلة دي استلمنا كرتونة مليانة رُزَم من الأخضر، وعرفنا إن لسّه في كرتونتين كمان، وإن الموضوع هيخلص كله في 3 أيام، دا غير إنّي عرفت إنهم مش هياخدوا المومياء نفسها، دا يادوب بَس إنهم هياخدوا الزئبق اللي فيها، ولمّا يخلصوا هيقفلوا المقبرة عليها، وعرفت من الشّيخ إن الزئبق دَه لوحده بملايين.
الموضوع كان بيتم ببساطة جدًا، وده بِسَبب إن الناس دي كانت بتعمل شغلها باحترافية عالية أوي، محدّش في المنطقة حّس بِنا، كان الموضوع بيخلص قبل الفَجر، والدنيا بترجع لطبيعتها عادي، بنروح شغلنا الصّبح وبعدها بروح أطَّمن على ابني، وبعدين نكمّل الشُّغل بالليل لحد تاني يوم قبل الفَجر، لحد ما ال 3 أيام خلصوا، وفعلًا كانت المقبرة بعدهم فاضية من كل حاجة، إلا الموميا اللي اتّاخد منها الزّئبق بس.
الموضوع انتَهى بإن المقبرة اتقفلت، والنّاس اللي جَت حفرت هي نفسها اللي جَت رَدَمِت الحُفرة، دا حتى همّا برضو اللي اشتغلوا في البيت لمّا حبّيت أبلَّط الأرض تاني، عشان مفيش أي حد غريب يشوف الموضوع ويشُك فيه، وبعدها "عالية" رِجعت هي و "ريّان"، وعطيتها السلسلة بتاعتها، واتفقنا إننا هنبدأ نغيّر حياتنا لكن واحدة واحدة؛ عشان الدنيا متبقاش مكشوفة، ماهو برضو متنساش "من أين لك هذا" اللي النّاس هتفكّر فيها.
أنا بالمناسبة عطيت لـ "وليد" مبلغ محترم كان مبسوط به، لكن بعد يومين وصلت الشُّغل وهو مجاش، ولا كان مبلّغ إنه هيغيب، ولا نعرف إيه سَبب غيابه، أنا في اليوم دَه رنّيت عليه كتير، وزمايلنا في الشُّغل رنّوا عليه، وهو كان عايش في شقّة لوحده لأنه كان منفصل، لكن في اليوم التاني، عرفنا إن الجيران لمّا لاحظوا غيابه فتحوا باب الشَّقة، ولقوه مَيّت بطريقة غريبة، كان مخنوق ووشّه أزرق!
مع الأيام التحقيقات أثبتت إن مفيش أي شُبهة جنائية، يعني لا كَسر في باب شَقة، ولا في شبّاك، ولا أي أثر إن فيه حد اعتدى عليه، وكان التفسير الوحيد إنه انتَحر، لكن إزّاي دَه يحصل، مَكَنش عندي أي تفسير.
لكن معرفش ليه كانت كلمة الشّيخ بترِن في وداني دايمًا لمّا كان بيحذّرنا من إننا ننزل المقبرة، مُش عارف ليه كان عندي إحساس إن اللي عمله "وليد" يومها هو اللي ورا اللي حَصل، لكن طبعًا أنا مقدرش أحكي في الكلام ده!
بَعد اللي حَصل مع "وليد" كُل حاجة اتقلَبِت، المشاكل بدأت تزيد بيني وبين "عالية"؛ لدرجة إنها كانت دايمًا بتطلب الطلاق على أتفه سَبب، وأنا كمان كُنت بتخانق معاها على حاجات مُش مستاهلة، على الرغم من إن المفروض اللي يحصل هو العَكس، إحنا بقى معانا ثروة هتغيّر حياتنا، بَس عاوز أصارحكم أنا بدأت أحِس إن معايا لعنة مُش ثروة.
بدأت أحِس دَه لمّا بدأ "ريّان" يتكلّم بالليل مع حَد في أوضته، ولمّا كُنا بندخل عليه بنلاقيه واقِف سرحان، ومبيردّش علينا لما بنتكلّم معاه، إلا بَعد ما يفوق من الغيبوبة اللي كان فيها، وبعدها بيطلع على سريره، وينام بدون ما يرُد علينا.
كان بيروح في نوبة نوم غريبة، ومع الوقت الموضوع بدأ يزيد، بدأ يتكلّم مع حد في أوضته بالليل، ولمّا كُنّا بندخل عليه كالعادة بنلاقيه بيعيّط وخايف، ولمّا خدناه ينام معانا في أوضتنا، كُنّا بنصحى في نُص الليل، وبرضو بنلاقيه في أوضته، وبيعمل اللي بيعمله كل ليلة!
وفي آخر مرة سألته فيها لمّا لقيته كِدَه، جاوبني وهو بيعيّط وقالّي...
-التِّعبان بيظهرلي في الأوضة.. وبعد كِدَه بيتحوّل وبيبقى راجل أسود طويل راسه عند السّقف.. وبيقولّي انت هتيجي معايا!
أنا مقدِرتِش أتحمّل اللي سمعته، وكانت أوّل حاجة فكّرت فيها إني أروح للشّيخ، وآخد "ريّان" معايا وأحكيله اللي سمعته عشان يشوف حل، لكن لمّا روحت بابني تاني يوم اتفاجئت إن الشّيخ ساب المَكان ومِشي فجأة، ومحدّش يعرف هو راح فين، مكُنتش مستغرب ماهو أكيد المبلغ اللي خَده نَقله في حتة تانية، وخرج من الحي الشَّعبي اللي هو كان فيه، وتقريبًا كدَه إنه بيشتغل في الموضوع، بيفتح مقابر وبياخد اللي فيه النصيب، لكن شكله كِدَه عِرِف المرّة دي يستغل الموضوع كويس وعلى حسابي!
مَكَنش قدّامي إلا إني أشوف شيخ تاني، فضِلت أسأل لحد ما حد أعرفه دلّني على شيخ وقالّي إنه كويّس، ولمّا روحتله وخدت ابني معايا، والشّيخ بدأ يقرأ عليه لقيت إن "ريّان" بيصرخ وبيقول كلام غريب زي: مُش جاي، مُش عايز أشوف اللي بيحصل دَه، ولاحظت إن الشّيخ بيبُصّلي وهو مستغرب وبيقولّي...
-هو ابنك شاف تليفزيون الجِن؟!
أنا حسّيت بِرَعشة في جِسمي لمّا سمعت الكلمة، لكن عملت نَفسي مُش فاهم وقولتله...
-يعني إيه تليفزيون الجِن؟!
-يعني حَد استخدم ابنك في إنه يفتَح المَندَل عن طريقه؟! ويخلّيه يحكِي اللي بيشوفه؛ عشان يعرف سِر أو يوصل لحاجة كُنتم عاوزين تعرفوها؟!
مكَنش قدّامي غير إني أقول للشيخ الحقيقة؛ عشان يقدر يساعد ابني، لكن مقدِرتش أجيب سيرة المقبرة فقولت للشيخ...
-كانِت سلسلة مراتي ضايعة، وجيبنا شيخ عشان نِعرف فين السلسلة.. وقال إنه محتاج طِفل في الموضوع، واختار ابني.
-طيّب أحِب أقولّك إن انت ضيّعت ابنك.. لأن الشّيخ اللي قالّك كده شكله استغلّك لمّا حكيتله الحكاية، وكان عايز يتأكّد من خلال ابنك إن اللي فهمه من كلامك صَح ولا لأ.. والشّيخ دَه من اللي عرفته بيشتغل في حاجات ممنوعة.
أنا حسّيت إن جِسمي اتملا شوك لمّا سمعت كلامه، وقولتله...
-تُقصد إيه بكلامك دَه؟!
-أقصُد إن لو اللي في بالي صَح.. يبقى الرَّصد اللي كان موجود رِجع للمكان اللي كان عليه ولقاه بقى خرابة، وساعتها هينتِقم.. وأوّل وأكتر حَد هينتقِم منّه طبعاً هو الطّفل؛ لأن هو اللي شاف تليفزيون الجِن، وهو اللي اتحضّر عليه الخادِم اللي نَطَق على لسانه، وقال على كل حاجة!
مَكَنش عندي حاجة أفكَر فيها غير إن ابني يبقى كويّس، افتكرت اللي حَصل مع "وليد"، والطريقة الغريبة اللي مات بِها، وبدأت أشك إنه أول واحد اتأذى لأنه نِزِل الحفرة، معقول يكون هو كان أوّل اللي الرَّصد انتقم منّه، والدّور بعد كده على ابني!
ولقيتني بقول للشّيخ...
-أنا مُستعد أعمل أي حاجة؛ عشان ابني يبقى كويّس.
ولقيت الشّيخ بيقولّي...
-الموضوع مُش سَهل زي ما أنت فاهم.. ابنك اتلبَس، ودي بداية صَرَع.. وربنا يقدّرنا ونِلحقه.
وبدأ يقرأ عليه قرآن، وطلب منّي إني آخد ابني وأروح عنده على طول؛ لأن الموضوع مطوّل وهياخُد وقت، لكن أنا كُنت شايف إن الحكاية بتسوء، ومفيش أي تَحسُّن مع "ريّان"، كان بيعيّط طول الليل وبيحاول يدخل أوضته بأي شَكل، حتى إنه كان بيخبط على الباب بتاعها؛ لدرجة إنه كان هيكسره.
ومع الوقت الحالة بدأت تسوء أكتر، دا كان بيصرُخ لحد ما يروح في غيبوبة، وفين وفين على ما بيقوم منها، الحياة اتقلبت لجحيم فعلًا، لفّيت به على مستشفيات ودكاترة، ومفيش حاجة كانت بتجيب معاه نتيجة، حتى علاج الشيخ برضه مكَنش بيأثر فيه، واللي في كُل مرّة كان بيلوم عليّا؛ عشان اللي أنا عملته.
من ناحية تانية، كان فيه نفور غريب بيني وبين "عالية"، مَكَنش حد فينا طايق التاني، وكان عندها إصرار غريب إنها تتطلّق، وخصوصًا بعد اللي وصل له "ريّان" بعد ما اضطريت إني أقولّها على الكلام اللي قاله الشّيخ، وإن حكاية تليفزيون الجِن، أو فَتح المَندَل اللي استخدمنا فيها "ريّان" دي هي السَّبب ورا كل اللي بيحصل معاه.
لكن في ليلة صحيت على صريخ "عالية"، قومت وأنا مرعوب، وطلعت أجري من الأوضة، ولمّا خرجت لقيت باب أوضة "ريّان" مفتوح ولقيتها جوّه، وكان "ريّان" واقِع في الأرض ميّت بنفس الطريقة اللي عرفت إن "وليد" مات بِها.
وقعت في الأرض من الصدمة، وأنا بنهار وبعيّط، معرفش إزّاي دَخَل أوضته رغم إني قافِلها بالمفتاح، لكن أنا لقيت إن باب الأوضة مكسور من عند الأوكرة، ومعرفش إزّاي طفل قِدِر يجيب القوة دي ويكسر باب أوضة!
الأيام بَقِت كلّها أسود في أسود، وبعد ما "ريّان" مات كان إصرار "عالية" على الطلاق أكبر من كل مرة، ومكَنش قدّامي غير إني أعملّها اللي هي عايزاه، وفعلًا النصيب بينا انتهى!
حسّيت إني جَلَبت لعنة عليّا، وإنّي خسرت كل حاجة في مقابل فلوس مُش هتعوّضني اللي راح منّي، يعني خسرت ابني ومراتي، وأعز زميل وصديق ليّا، وبقيت عايش لوحدي في البيت، لكن مكُنتش عايش مرتاح، بقيت عامل زي الزومبي من قِلّة النوم؛ لأن عينيا كل ما كانت بتغمّض كُنت بشوف شَخص لونه أسود بيحاول يخنُقني، كُنت بحاول أقاومه لكن مكُنتش بَقدَر؛ لدرجة إني بقوم من النّوم وأنا مخنوق وبحاول آخد نَفَسي بالعافية.
مع الوَقت بقت تجيلي حالة عصبية غريبة، كنت بحِس بألم في راسي بيخلّيني أجري في البيت زي المجنون، ومَاكنتش برتاح غير لما أخبط راسي كذا مرّة في الحيطة ورا بَعض!
لفّيت على دكاترة كتير، والكل بقى يقول إن عندي حالة صَرَع، بقيت آخد كمّية مهدّئات عشان أعرف أنام، لكن برضه مَكَنش فيه فايدة، أنا تقريبًا مَبقِتش أعرف حاجة اسمها نوم، كان كُل حاجة أرَق وتَعب وإحساس مُميت، يمكن الاحتضار يكون أسهَل منّه.
لحد الليلة دي لقيت نَفسي بقوم من على السرير وأنا في حالة شَبه الغيبوبة، كُنت بتحرّك وشايف اللي كل حاجة حواليّا، لكن بتحرّك بدون إرادتي، خرجت من أوضتي على الصالة، ولقيت باب أوضة "ريّان" الله يرحمه مفتوح، والغريبة إن الأوضة كانت منوّرة بنور أحمر، معرفش إزّاي رِجليا خَدتني وروحت على هناك، ولمّا دَخلت لقيت نَفس الشَّخص اللي بيطارِدني في كوابيسي اللي بقت تمنعني من النوم موجود، كانت ملامحه مُش واضحة أوي، لكن جِسمه كان ضخم ولونه أسود وراسه كانت عند السَّقف، ولقيتني بدون إرادتي برضُه واقِف قدّامه، وساعِتها كان بيمسِكني من رقبتي بإيده وبيرفَعني من على الأرض، ومُش عارف إزّاي السَّقف اتحوّل من فوقي لحاجة زي المِراية أو الشّاشة، كُنت شايف وِشّي فيها وهو بيتحوّل للون الأزرق مع كل ثانية بتعدّي كُنت بتخِنق فيها.
بعدها لقيت نفسي بَسقط في الأرض، والشَّخص دَه بيختِفي، لكن لسه السَّقف زي ماهو، أنا شايف نَفسي ووشّي لونه أزرق، كُنت بتشنِّج وجِسمي بيرتِعش، وحاسِس إن فيه حاجة بتزحَف حواليّا، لكن مكُنتش قادِر أشوف هي إيه، أنا كُنت مستوعب كُل لحظة ألم عدّيت بِها وحاسس بكل تفاصيلها، لكن مُفتَقِد القدرة إني أعبّر عن الإحساس دَه، لحد ما خلاص، كُل حاجة بدأت تشوّش من حواليّا، وحسّيت إن حياتي كانت لَقطة على شاشة تليفزيون، قَبل ما ينطِفي!
***