توجّه إلى مدونة (جدار بيانات المدونات) مرتبة هجائيًا — الرقم يعبر عن الترتيب حسب نقاط الأداء

آخر الموثقات

  • اِنْتَابَتْنِي قشَعْرِيرَةٌ
  • ق.ق.ج/ زيف
  • قصة قصيرة/ إهابُ المطر
  • لا يشعر بك إلا من عاش معاناتك
  • الواجب علينا كثير
كاتب الأسبوع

✍️ كاتب الأسبوع

الكاتب المبدع فاطمة البسريني 📖 حيثيات اختيار كاتب الأسبوع
🔄 يُحدّث كل جمعة وفق تقييم الأداء العام للمدونات

📚 خدمة النشر الورقي من مركز التدوين والتوثيق
حوّل أعمالك الرقمية إلى كتاب ورقي يحمل اسمك ورقم إيداع رسمي ✨
اكتشف التفاصيل الكاملة
لم يتم اختيار مدونة
⭐ 0 / 5

الموت مبقاش يفرَّق بين كبير وصغيَّر؛ ولا مريض وسَليم؛ بالعكس، بقينا في زمن إيد الموت بتقطف عُمر اللي بتطوله، أي نعم مفيش حد بيموت ناقص عُمر؛ لكن حبّيت أقول إن الموت بقى كتير، وإن الشباب بقت بتموت أكتر، وده اللي حصل مع فريد ابن خالتي.

لسَّه فاكر اليوم ده كويِّس، كُنّا يوم سبت، والحكاية بدأت لمَّا أمي صحَّتني من النوم، صوتها مكانش ظاهر من العِياط وهي بتقول لي:

-قوم يا حسين؛ الحق المصيبة اللي نزلت علينا.

قُمت مفزوع من السرير، معرفش إزاي لقيت نفسي واقف قدَّامها على الأرض، عيني كانت لسَّه مزغللة، لكن دَه مَمَنعش إني أشوف عينيها اللي زي كاسات الدَّم بسبب الدموع اللي نازلة منها، أعصابي سابت ورجليّا مَبقتش شيلاني، الفضول كان قاتلني عشان أعرف إيه اللي خلَّى حالتها بالشكل ده، عشان كِدَه سألتها:

-خير يارب إيه اللي جرى؟

-فريد ابن خالتك؛ تعيش أنت!

جسمي تلِّج والدنيا لفَّت بيّا، حرفيًّا حسِّيت إن في حد سحب الأرض من تَحتي، توازني اختَل ومَلقتش قدامي غير إني أقعد على طرف السرير، وبعد ما قعدت فضلت ثواني وأنا بحاول أستوعب اللي سمعته، حالتي كانت من حالة أي حد لمّا يتصدم بخبر صعب عليه، فضلت أقول في سرّي: أنت لسَّه نايم يا حسين؛ دَه كابوس؛ فريد بخير، ولمَّا بدأت أحِس إن اللي بعيشه واقع مُش كابوس، رفعت عيني ناحية أمي وقُلت لها:

-إيه اللي بتقوليه دَه؟

-زي ما سمعت، خالتك اتصلت بيّا، ولمَّا فتحت المكالمة سمعت دوشة وصريخ وعياط، ومن بين كل دَه سمعت صوت خالتك، كانت بتتكلّم بالعافية وهي بتبلَّغني الخبر.

استيعابي للخبر كان صدمة أكبر، لساني اتلجِّم وحسيت إن كل الكلام راح من بالي، اللي قدرت أعمله وقتها إني مشيت ناحية الدولاب، فَتحته وسحبت أوّل طقم قدامي، لبِسته من غير مكوى، وانتظرت أمي اللي راحت تلبس عباية سودة، ولمَّا خلَّصت أخدتها وخرجنا عشان نروح بيت خالتي.

لمّا وصلنا شارع خالتي لقينا زحمة قدام البيت، صوت الصريخ كان واصلنا من بعيد، دغير إننا سمعنا اللي واقف يحوقل؛ واللي واقف يتحسَّر على عُمر فريد ويقول: الله يرحمه كان شاب زي الورد وخسارة في الموت، تجاوزنا كل ده ودخلنا البيت، أوّل ما خالتي شافت أمي اترمت في حضنها وفضلت تعيَّط، أما أنا فعيني بحلقت في باب أوضة فريد، كانت مقفولة ونورها قايد وظاهر من ورا إزاز الباب، قرّبت ومسكت الأوكرة، أخدت نفس عميق عشان أتمالك أعصابي وبعدها فتحت الباب، قلبي مكانش مطاوعني أدخل، لكن إزاي، ده ابن خالتي وصاحب عمري، يعني حقُّه عليَّا إني أرمي عليه نظرة الوداع..

جمِّدت قلبي ودخلت وقفلت الباب ورايا، بصّيت ناحية سريره، كان نايم وممدِّد ومن فوقه ملاية سرير مغطِّياه من راسه لصوابع رجليه، ماكنتش أتوقع إن أوّل جثة أشوفها في حياتي تكون جثّته، تجاوزت رهبة الموقف وبدأت أمشي بخطوات تقيلة ناحية السرير، وقفت قدامه ومدّيت إيدي اللي بترتعش، مسكت الملاية بطرف صوابعي من ناحية راسه، سحبتها ببطء من على وشُّه، مكانش ظاهر عليه أي شيء غريب، كان زي أي إنسان نايم بشكل طبيعي، الفرق الوحيد إن جسمه مبقاش فيه روح، مسكت نفسي وحاولت أسيطر على الحزن اللي جوَّايا، ولأن الشك كان لسّه بيراودني، مديت إيدي ناحية رقبته عشان أشوف النبض، جايز يكون فيه الروح ودخل في غيبوبة لأي سبب، فضلت حاطط إيدي على رقبته وملاحظتش أي نبض، بس لاحظت شيء غريب، جسمه كان دافي زي أي إنسان طبيعي، واللي أعرفه إن حرارة الجسم بتنخفض بعد الموت والجسم بيتخشِّب، عشان كِدَه كان عندي إحساس إنه مُش ميِّت..

سحبت الملاية ورجَّعتها فوق وشُّه، بعدها خرجت من الأوضة وقفلت الباب عليه، مشيت ناحية خالتي اللي كانت مفطورة من العياط، أول ما شافتني قرَّبت منّي وقالت لي:

_فريد مات يا حسين.

طبطبت عليها وحضنتها وقُلت لها:

_فريد عايش يا خالتي، جِسمه دافي والروح لسّه فيه.

بصَّت لي بحسرة وقالت لي:

_بقول لك مات، سمعت صوته بيشهق لمّا صحيت من النوم، دخلت عليه أوضته لقيت عينيه مبحلقة في السقف وبوقه مفتوح، مكانش قادر يجيب النَّفس، وفجاة عينيه قفلت وأنفاسه وقفت، أنا عارفة إن ابني مات.

وإحنا بنتكلم دخل دكتور مشهور عندنا في البلد، كان مسؤول في مكتب الصحة عن تشخيص أسباب الموت والتوقيع على شهادات الوفاة وتصاريح الدفن، ودايمًا بيروح يفحص بعض حالات الوفاة في البيوت، أول ما شُفته جريت عليه وقُلت له:

_فريد عايش، جسمه دافي يا دكتور.

معلَّقش على كلامي، سابني وراح ناحية الأوضة بعد ما خالتي شاورت له عليها، ولمّا فتح الباب دخلت وراه، وبقينا لوحدنا مع فريد، رفع الملاية عن جسمه وبدأ يفصحه بإيده شويّة وبالسماعات شوية، بعدها شَد الملاية وغطّى جسمه من تاني وقال لي:

_البقاء لله، ميِّت من حوالي أربع ساعات، هبوط حاد في الدورة الدموية.

الدكتور أكِّد لي أكتر خبر ماكنتش عايز أسمعه في حياتي، لكن عقلي لسّه مكانش عاوز يستوعب برغم إني شايف جثة فريد قدامي، عشان كِدَه قُلت للدكتور:

_يعني إيه مات، يا دكتور اكشف عليه تاني، حرارة جسمه لسّه زي ما هيَّ.

الدكتور بدون ما يبُص ناحيتي قال لي:

_في الغالب حرارة جسم الميِّت مش بتنزل عن درجة حرارة المكان اللي الجسم فيه، وحرارة الأوضة عالية زي ما أنت شايف، البقاء لله.

كلام الدكتور أكِّد على انتهاء حكاية فريد للأبد، وفي اللحظة دي لقيت نفسي بستسلم للأمر الواقع، مفيش حاجة ممكن تغيَّر اللي حصل، اللي بيموت مش بيرجع، كل ده بدأت أقنع نفسي بيه وأنا باصص للدكتور اللي كان بيحط سماعات الكشف في الشنطة، وبيقفلها عشان يمشي، ولمَّا أقنعت نفسي حسيت إن الصدمة اللي أخدتها بدأت تقِل، ساعتها قُلت للدكتور وهو رايح ناحية باب الأوضة:

-المفروض أعمل إيه يا دكتور؟

-لازم تيجي معايا مكتب الصحة عشان نخلَّص تصريح الدفن، وعلى ما ترجع تكون الجثة اتغسِّلت ويندفن بعد صلاة الضُّهر، إكرام الميِّت دفنه.

خرجت معاه وسط الحزن اللي مالي البيت، الستات اللي لابسين أسود؛ والرجالة اللي مرصوصين قدام البيت والحزن صابغ وشوشهم، خلَّصت تصريح الدفن، ولمَّا رجعت شمِّيت ريحة المِسك مالية الشارع، واللي كنا بنقول عليها ريحة الميِّتين، وقتها عرفت إن فريد اتغسِّل، خصوصًا لمَّا لمحت الخشبة قدام بوابة البيت، أو زي ما كتير من الناس بيقولها عنها: النَّعش.

لمَّا قرَّبت من البيت شُفت واحد من جيران خالتي جاي ناحيتي، راجل كبير وطيِّب اسمه عم أمين، سلِّم عليَّا وقال لي:

-البقاء لله يابني؛ شِد حيلك.

ردّيت عليه الرَّد اللي أي حد بيقوله في الظروف دي، وبعدها سألني:

-خالتك قالت لمراتي إنك رُحت تطلَّع تصريح الدفن.

مدّيت إيدي في جيب الجاكيت وطلَّعت منُّه الورقة وأنا بقول له:

-التصريح معايا وجاهز.

-توكلنا على الله، وأنا بعت ابني يجهّز المقابر وطلبت منُّه يفتح القبر اللي جنب قبر جوز خالتك الله يرحمه.

-كتَّر خيرك يا عم أمين.

مكانش فاضل وقت طويل على صلاة الضُّهر، كل حاجة كانت بتحصل بسرعة، الحركة والصريخ وكلام الناس، زي ما يكون فريد مستعجل يخرج من البيت، لحد ما وصلنا للحظة اللي الكفن خرج فيه من البيت واتحط في النَّعش والغطا اتفرد عليه، بعدها اتقدّم أربعة وكنت واحد منهم؛ عشان نرفع النعش والجنازة تتحرَّك ونروح المسجد، نزلت تَحت دراع من دراعات النعش وأخدتها فوق كتفي، حاولت أرفعها لكن مقدرتش، بصّيت حوالين منّي ولقيت التلاتة اللي بيشيلوا معايا حالهم من حالي، وكأننا بنحاول نرفع صخرة بتوزن كذا طن؛ مُش نعش خشب فيه جثّة شاب وزنه ميجيش سبعين كيلو.

وقفنا مستغربين، الناس بدأت تساعد كل واحد إيده طالت النعش بدأ يساعد معانا، وبرغم كِدَه مكنّاش قادرين نرفعه عن الأرض، لدرجة إن دراعات النعش بدأت تطقطق وكأنها هتنخلع من مكانها. الخوف ظهر على وشوش اللي واقفين، حتى الستات اللي كانت بتصرخ وبتعيَّط لسانهم اتخرس، الكل خاف يقرَّب من النعش وبدأوا يبعدوا عنُّه، بصيت للناس وقُلت لهم:

-إكرام الميِّت دفنه، ومينفعش نبقى رجّالة ومش قادرين نرفع النَّعش من الأرض.

محدِّش علَّق على كلامي، الوحيد اللي قرَّب منّي واتكلّم كان عم أمين؛ لمَّا بَص للناس وقال لهم:

-وحدوا الله يا جماعة خايفين من إيه، ياما شيلنا نعوش فوق كتافنا ومشينا في جنازات، منهم اللي كان طاير؛ ومنهم اللي كان تقيل ومش عايز يوصل، وفريد الله يرحمه واحد منكم، كل الحكاية إن روحه مرتبطة بالمكان ومُش عاوز يسيبه ويمشي، استغفروا ربنا ووحدّوه وارفعوا النعش واتوكلوا على الله.

بعد كلام عم أمين النّاس اتجمّعت حوالين النعش، المرَّة دي رفعناه من الأرض ومشينا، كنت واحد من اللي واخدين دراع النعش فوق كتافهم، ولأني مشيت في جنازات كتير؛ لاحظت إن الجنازة تقيلة، زي ما يكون الناس مربوط في رجليهم حجارة..

وصلنا المسجد مع أذان الضُّهر بالظبط، حطينا النَّعش وصلينا وبعدها صلّينا الجنازة، وأخدنا النَّعش وخرجنا من المسجد وطلعنا على المقابر، وبرغم إن المسافة مش بعيدة؛ لكن قطعناها في وقت طويل، الجنازة كانت تقيلة والنَّعش زي ما يكون مش عاوز يروح، ولمَّا وصلنا وحطينا النعش قدام القبر، والتُربي بعد ما شاف تصريح الدفن دخل جوَّه القبر عشان يستقبل الجثة، وهنا الكل اتفاجئ إن الجثة مش عايزة تدخل القبر، كُنّا بنعافر في الجثة اللي وزنها زاد بدرجة غريبة؛ لدرجة إنها كانت هتقع من إيدنا أكتر من مرَّة، دَه غير التربي اللي مكانش قادر يسحبها جوَّه القبر، في الوقت ده ماكنتش لاقي تفسير للي بيحصل، لكن بدأت أفتكر حكايات عن أموات القبور رفضت تقبلها، وأموات أجسامهم رفضت تدخل في النعوش، وحكايات تانية ماكنتش أتوقع أفتكرها لولا اللي حصل قدامي، لكن ليه؟ كل الحكايات دي كان بيتقال عن أصحابها إنهم جبابرة أو عملوا ذنوب شنيعة في حياتهم، لكن فريد ابن خالتي مُش كده، دَه شخص طيِّب وفي حاله، وفي النهاية قطع شريط أفكاري الأسود صوت عم أمين من تاني وهو بيقول:

-استغروا ربنا، خلّونا نعرف نحُط الأمانة في مكانها.

وسط همس النّاس اللي واقفين بدأت أسأل نفسي: ليه كل ده بيحصل؟ وبمجرَّد ما سألت نفسي رجعت للحكاية من أولها، بالتحديد لمَّا دخلت أوضة فريد عشان أرمي عليه نظرة الوداع، افتكرت لمَّا لمست جسمه ولقيته دافي، وساعتها رن في ودني كلام الدكتور اللي أكِّد خبر الوفاة، لمَّا قال إن درجة حرارة جسم الميّت في الغالب مش بتنزل عن درجة حرارة المكان، ساعتها افتكرت إن درجة حرارة الأوضة كانت مرتفعة، بَس إزاي وإحنا في عِز فصل الشتا!

من هنا بدأت أحِس إن الحكاية فيها حاجة غلط، أكيد في سِر ورا كل اللي بيحصل، حاولت أوصل بتفكيري لأي حاجة ممكن تكون سبب في اللي حصل؛ لكن صوت عم أمين قطع شريط أفكاري للمرَّة التالتة وهوَّ بيقول:

-استغفروا لأخيكم؛ فإنه الآن يُسأل.

بصّيت ناحية القبر اللي التربي كان خرج منُّه ومعادش فيه غير الجثة، ومفيش ثواني ولقيت ابن عم أمين بيقفل باب القبر، طوبة ورا التانية لحد ما الباب اتقفل تمامًا، وبعدها فَرد عليه طبقة أسمنت، وبعد ما خلَّاها متساوية طلَّع حتة خشبة رفيَّعة من جيبه، مسكها وحفر في الأسمنت اسم فريد وتاريخ وفاته.

النَّاس بدأت تمشي واحد ورا التاني، ويادوب دقايق ومعادش فاضل غيري أنا وعم أمين وابنه، وبعد ما فضلنا ندعي شويَّة لقيت عم أمين بيحط إيده على كتفي وبيقول لي:

-يلَّا يابني نتوكل على الله، الدعوات هتوصَّله من أي مكان هتدعي منُّه.

أخدنا بعضنا ومشينا عشان نستقبل العزا قدام البيت، فضلت قاعد مع الناس لحد ما الليل دخل، وساعتها الناس مشيت واحد ورا التاني؛ لأن الطقس قلب فجأة والدنيا بدأت تمطَّر، لكن أنا وأمي قرَّرنا نبات مع خالتي كام ليلة، أصل مينفعش نسيبها في الظروف دي، خصوصًا إنها مقطوعة مة شجرة ومالهاش غيرنا، ده غير كمان إن أبويا واللي كان مسافر الخارج لمَّا اتصل وعرف بالخبر، طلب من أمي تفضل جنب اختها.

لمّيت الكراسي اللي قدام البيت وحطيتها في جنب، بعدها قفلت بوابة البيت ودخلت، أمي كانت بتصبَّر خالتي بالكلام، وأنا فضلت قاعد ودماغي شاردة في كل الأحداث اللي حصلت، والوقت فات لحد ما أمي وخالتي ناموا في مكانهم، ومع الوقت عيني بدأت تروح ناحية أوضة فريد الله يرحمه، ساعتها سألت السؤال من تاني: ليه حرارة الأوضة عالية دونًا عن البيت كله؟

قُمت من مكاني وبدأت أمشي ناحية الأوضة، وقفت على بابها، ريحة الغُسل كانت لسَّه فيها، لكن نورها المطفي مَنعني أشوفها كويس، مدّيت إيدي وفتحت النور، ساعتها ريقي نِشف في حلقي وكأنّي بَلعت معلقة شَبَّة، بصّيت للسرير وأنا مذهول والخوف بينهش في جسمي، وبرغم كل دَه بدأت أقرَّب منُّه وأنا مبحلق في فريد اللي كان نايم وممدِّد قدامي!

فضلت أقرَّب لحد ما وصلت للسرير، وخلال الكام خطوة دول كنت بقول لنفسي: أنا بحلم ولا بتهيَّأ لي ولا إيه اللي بيحصل بالظبط! أومّال مين اللي دخل النعش واتصلَّى عليه واندفن واتقفل عليه باب القبر؟

اتردِّدت كتير أمِد إيدي ناحيته، ولأني كنت خايف لتكون عيني بتخدعني، قرَّرت آخد القرار وأمِد إيدي عشان أشوف لو كان موجود قدامي ولا لأ، ولمَّا لمسته حسيت بزلزال هَز جسمي، أسناني خبَّطت في بعضها؛ لأني لمسته بجد ووجوده قدامي كان حقيقة وجسمه طبيعي وحرارته طبيعية، فضلت أهِز فيه وأنا بقول له:

-قوم يا فريد الناس فاكرة إنك ميِّت.

حرارة الأوضة بدأت تزيد، وفي اللحظة دي حرارة جسمه بدأت ترتفع، الخوف سيطر عليّا أكتر، سحبت إيدي ووقفت زي التمثال، كنت ببحلق في لون جلده اللي بدأ يتغيَّر للون الرمادي، بعدها بدأت تظهر فيه شقوق لونها أحمر، كأني واقف قدام جذع شجرة اتحرق وانطفى لكنُّه لسَّه والع من جوَّاه، ساعتها قُلت بصوت عالي:

-فريد، إيه اللي جرى لَك رد عليّا!

كرّرت كلامي أكتر من مرَّة، وفي كل مرَّة صوتي كان بيعلى أكتر من المرَّة اللي قبلها، لحد ما اتفاجئت بإيد بتشدّني من دراعي، بعدها سمعت صوت أمي وهي بتقول لي:

-وحِّد الله يا حسين وتعالى معايا، بلاش يابني تفضل في الأوضة دي.

بصّيت ورايا ولقيت أمي بتحاول تخرَّجني، وفي نفس الوقت خالتي كانت واقفة على باب الأوضة والدموع مغرَّقة عينيها، حسّيت زي ما أكون لسَّه فايق من غيبوبة، بدأت أستوعب كل حاجة حوالين منّي، ريحة الميِّتين اللي لسه ماسكة في الأوضة رجَّعت لي وعيي، ورجعت من تاني أبُص في السرير، كان فاضي وفريد مكانش له أثر، لكنّي شُفته بعيني ولمسته بإيدي، عشان كِدَه قُلت لأمي بصوت مهزوز:

-فريد كان هِنا، أنا شُفته ولمسته و...

مقدرتش أكمّل لمَّا تخيَّلت اللي حصل في جسمه، لساني تِقل والكلام رفض يخرج، لكن أمّي أصرَّت تخرَّجني برَّه الأوضة وهي بتقول لي:

-وحِّد الله وأخرج من الأوضة دي وبلاش تدخلها تاني.

مسابتنيش غير لمَّا قعدت في الصالة، بعدها قفلت باب الأوضة بالمفتاح وأخدته معاها، فضلت قاعد مكاني ودماغي مشغولة باللي بيحصل، وفي نفس الوقت عيني فضلت على أمي وخالتي، كنت عايز أحكي عن اللي شُفته في الأوضة، لكن عملت حساب خالتي واللي هتعمله عشان ابنها، حطيت لساني في بوقّي ومَنطقتش، ومع الوقت دماغي بدأت تتقل، عيني غمَّضت غصب عني، محسِّتش بنفسي غير لمَّا فتَّحت عيني على صوت أمي وهي بتقول لي:

-النهار طلع يا حسين، قوم افتح البوابة ورُص الكراسي قدام البيت وشغَّل القرآن، أكيد النّاس هتبدأ تيجي عشان العزا.

خرجت وفتحت البوابة ووزَّعت الكراسي من تاني قدام البيت، بعدها شغَّلت القرآن وقعدت في الشارع؛ عشان أكون في استقبال الناس اللي هتبدأ تيجي.

أول الناس اللي حضرت كان عم أمين، خرج من بيته وقعد جنبي وسلِّم عليّا، بعدها قال لي:

_الله يرحمه، مكانش عاوز يسيب المكان ويمشي، بس نعمل إيه في الموت بقى، هازم اللذات.

رفعت عيني ناحيته وقُلت:

_الحكاية مش كِدَه، إحساسي بيقول إن في سِر ورا اللي حصل.

_السر الوحيد اللي بيسيبه الميِّت في المكان سيرته الطيِّبة، إنما الأسرار اللي بالك فيها غيبيات، ربنا وحده أعلم بيها.

_لكن موت فريد كان غريب من بدايته، يعني إيه واحد ميِّت وفي الشتا وجسمه يفضل دافي؟ ويعني إيه برضه أوضته حرارتها تبقى عالية في وقت زي ده؟ ده غير إني شُفته ليلة امبارح.

عم أمين بص لي وقال وهو مستغرب:

_مين ده اللي شُفته يا حسين يابني؟

_فريد، لمّا دخلت أوضته ليلة امبارح لقيته نايم ممدد فوق السرير، مديت إيدي ولمسته، جسمه كان لسّه دافي، وفجأة لون جلده اتحوّل للون الرمادي زي الخشب اللي انحرق وانطفى، لكن النار كانت لسّه خامدة جوَّاه.

_إيه اللي بتقوله ده يابني؟

_زي ما سمعت كده يا عم أمين، فريد جسمه شقَّق وخرجت نار من الشقوق، ولما صرخت اتفاجئت بأمي بتشدّني عشان أخرج من الأوضة، وساعتها جثة فريد اختفت من فوق السرير.

_اختفت عشان مكانتش موجودة غير في خيالك وبس، مفيش ميِّت بيرجع، ومفيش جثة بتدخل القبر وبتخرج منُّه تاني.

_واللي شُفته ده معناه إيه؟

_اعتبره حلم من أحلام اليقظة، زي ما بنحلم باللي ماتوا وإحنا نايمين، أحيانًا روحهم بتزورنا وتخلينا نشوفهم في حالة مش ولا بُد، عشان نفهم إنهم محتاجين صدقة أو دعوة، أو بيفكّرونا بتقصيرنا معاهم لأننا بطَّلنا نزورهم. اللي حصل معناه إن روح فريد بتطلب منَّك تتصدَّق عليه، وبتقول لك: مَتقطعش عنُّه الزيارة.

قفلت باب الكلام معاه، مش لأن اللي بيقوله غلط لا سَمح الله بالعكس؛ الراجل قال حاجات بديهيَّة اتربّينا عليها وكل الناس تعرفها، لكن حسّيت إنها بتتقال في توقيت مش بتاعها، قصدي يعني إني كنت منتظر منُّه تفسير غير ده للي حصل معايا..

اليوم فات طبيعي، ولمّا الليل دخل ودخلت البيت لقيت أمي وخالتي عايزين يناموا، كل واحدة فيهم دخلت أوضة، ومكانش قدامي غير إني أنام في الصالة، طلبت من أمي تعطيني بطانية أتغطّى بيها، خرجت من الأوضة ومعاها بطانية تقيلة، أخدتها وطفيت نور الصالة ومددت فوق كنبة وفردت البطانية فوقي، عيني فضلت مفنجلة ومبحلقة في السقف لوقت طويل، وفضلت على الحال ده لحد ما حسّيت إن جفوني تقلوا وبدأوا يقفلوا غصب عني.

مقدرتش أقاوم التعب والإرهاق، قفلت عيني ورُحت في النوم، ومع الوقت اتسرسب لودني صوت تزييق باب، الصوت كان بطيء ومخيف، خلَّاني أفتح عيني بنفس البُطء، الصالة كانت ضلمة زي ما هيَّ، مصدر الضوء الوحيد كان أوضة فريد، اللي النور كان ظاهر من ورا بابها اللي اتفاجئت إنه متوارب، في اللحظة دي افتكرت صوت التزييق اللي صحيت عليه، قلبي اتقبض لمَّا لقيت الباب مفتوح والنور قايد، إزاي؟ دَه أنا أمي قافلة الباب بالمفتاح قدَّامي وواخده المفتاح معاها!

رفعت راسي وقُمت بنُصّي الفوقاني من على الكنبة، بصّيت بتركيز جوَّه الأوضة، ساعتها لمحت خيال بيتحرَّك في النور اللي جوَّه، رفعت البطانية من فوقي وقمت، نزلت من على الكنبة ومشيت ناحية الأوضة، وخطوة ورا التانية لحد ما وقفت قدام بابها، جسمي اتخشِّب في بعضه لمَّا حسّيت بصَهد خارج منها، بالظبط زي ما أكون واقف قدام فُرن والع من ساعات، واتصدمت أكتر لمَّا لمحت حد واقف في الأوضة وضهره ناحيتي، لمَّا دقَّقت فيه شوية عرفت إنه فريد، خطواتي أخدتني ناحيته غصب عني، معرفش أساسًا اتحرَّكت من مكاني إزاي وقتها، بَس في النهاية اتفاجئت إني واقف جوَّه الأوضة وبيني وبينه يادوب خطوتين، وزي ما اتحرَّكت بدون إرادتي؛ لساني كمان نطق بدون إرادتي وقُلت:

-فَريد!

حسيت إني بكلِّم جماد، فضل واقف وضهره ناحيتي بدون ما يتحرَّك، ساعتها كمِّلت كلامي وقُلت له:

-إزاي بشوفك هنا وأنت ميِّت وشايفك بعيني وباب القبر بيتقفل عليك؟ ده أنا بنفسي اللي طلَّعت تصريح الدفن بتاعك.

في اللحظة دي بدأت يتحرَّك ببطء لحد ما وشُّه بقى ناحيتي، كان طبيعي، ملامحه مكانش فيها حاجة غريبة؛ ولا لون جِلده كان متغيَّر زي ما شُفته على السرير آخر مرَّة، بَص لي وقرَّب منّي خطوة واحدة مفيش غيرها، كانت كفيلة تخلي أعصابي تسيب ورجلي تهرب من تحت منّي، بعدها ابتسم لي ابتسامة باهتة وقال لي:

-تصريح الدفن دَه مالوش لازمة، أنا لازم آخد تصريح منُّه عشان أندفن بجد!

جسمي كله جاب ميَّه من الخوف رغم إننا في عز الشتا والجو بَرد، مخّي كان زي خليِّة النحل من كُتر التفكير في كلامه، ولأني مقدرتش أفهم قصده سألته وأنا بتلجلج:

-قصدك إيه بالكلام ده مُش فاهم!

-قصدي إن تصريح دفني الحقيقي مش من مكتب الصحة؛ لأ، تصريح دفني الحقيقي معاه، أنا مَدخلتش القبر أصلًا يا حسين!

بمجرَّد ما قال كده هيئته بدأت تتغيَّر، جلده بدأ يتحوّل للون الرمادي، وعينيه اتحولت للون الأسود تمامًا، ساعتها بس حسيت إن جسمه هوَّ مصدر الحرارة اللي في الأوضة، لأن الصهد كان خارج من تَحت الهدوم اللي كان لابسها.

لمَّا لقيت الحكاية كِدَه بدأت أرجع لورا، اكتشفت إني معنديش القدرة عشان أهرب، رجليَّا كانت تقيلة وحسيت إني وَتد مدقوق في الأرض لحد رقبته ومش مسموح له يتحرَّك من مكانه، مكانش قدَّامي غير إني أغمض عيني لأن إيديه كانت بتتمد ناحية رقبتي، ولمَّا لمستني حسيت إني بتحرق بالنار، صرخت من شدة الألم وأنا بقول له:

-أنا متأكد إنك ميِّت، ومفيش ميِّت بيرجع.

فضلت أكرَّر كلامي وإيده طابقة على رقبتي، الألم كان بيزيد مع الوقت، وفضلت على الحال دَه لحد ما لقيت إيد بتسمك هدومي وبتشدني من ضهري، ساعتها كل شيء اختفى، إيد فريد والألم اللي في رقبتي، بصيت ورايا ولقيت نفس المشهد بيتعاد من تاني، أمّي بتشدّني وخالتي واقفة في الصالة، بَس المرَّة دي مكانتش بتعيَّط، دي كانت مستغربة كلامي واللي بيحصل منّي، سيبت كل ده وبصيت ناحية أوضة فريد، واتصدمت لمَّا لقيت الباب مقفول والأوضة ضلمة من ورا الإزاز، مخي كان هينفجر لأني مبقتش مستوعب اللي بيحصل؛ لأني كنت واثق إن فريد كان واقف قدامي!

بصّيت لهم وأنا مذهول ومش فاهم إيه اللي بيحصل، بعدها رجعت بصيت ناحية الأوضة، اكتشفت إنها ضلمة والباب مقفول، ده غير إني كنت واقف برَّه قدامها، يعني لا دخلتها ولا رجلي عتِّبت فيها، ومعرفش إزاي دخلتها وشُفت فريد واتكلّم معايا وقال لي الكلام الغريب اللي قاله، معرفتش أسيطر على أعصابي، إيدي اتمدَّت ناحية باب الأوضة وبدأت أخبَّط وأنا بقول بهيستيريا:

_افتح الباب يا فريد، أنا عارف إنك جوّه.

حسيت بإيد أمي بتمسكني من دراعي وبتضغط عليه وهي بتبعدني عن الباب وبتقول:

_كفاياك بقى يا حسين؛ فريد مات وشِبع موت.

قعدت على الكنبة وأنا شٍبه فاقد النُطق، وأمي وخالتي قعدوا قدامي، اللي حصل منّي قلب كيان البيت أكتر ما هو مقلوب بعد موت فريد، ولأني مش فاهم اللي بيحصل اكتفيت بالصمت، قعدت في مكاني لحد ما سمعت أذان الفَجر، في الوقت دَه أمي وخالتي ناموا مكانهم على الكنب، أخدت بعضي وخرجت من البيت بكل هدوء، وإن جيتوا للحق؛ ماكنتش عارف أنا خارج أعمل إيه ولا رايح فين، وقفت قدّام البيت محتار والدنيا برد، ومفيش دقايق ولقيت عم أمين خارج من بيته، كان طالع عشان صلاة الفجر، ولمّا فات من قدّامي قال لي:

_صباح الخير يا حسين يابني، كويّس إنك رايح تصلّي الفجر، نروح سوا بقى.

اتحرجت أقول له إنّي ماكنتش خارج عشان صلاة الفجر أصلًا، وإني هربان من شيء ملعون بيحصل معايا من وقت موت فريد، مشيت جنبه من سُكات، صلينا ورجعنا ووقفنا شوية قدام بيت خالتي، ساعتها عم أمين قال لي:

_قلبي مش مطَّمن يابني من ساعة ما قُلت إنك شُفت فريد بالشكل ده، إحنا لازم نعمل صدقة جارية على روحه، ربك وحده أعلم بسِر عباده.

استغلّيت إنه فتح الكلام وقلت له:

_حاسس إن الموضوع بعيد عن إن روحه بتطلب صدقة عشان تكفّر عن ذنب كان بيعمله في السر، كل ما الوقت يفوت على موته بشوفه في شكل مخيف، وأنا بَس اللي بشوف ده، خالتي وأمي مش بيشوفوه رغم إنهم بيكونوا موجودين في اللحظة اللي بكون شايفه فيها. قلبي حاسس إن الحكاية فيها شيء غامض.

لَضَمت الكلام في بعضه وبدأت أحكي له عن آخر مرّة شُفت فريد فيها، حتى قُلت له عن الكلام اللي دار مابينّا، كان بيسمعني وعينيه مبحلقة فيَّا لحد ما خلَّصت كلام وبعدها قال لي:

_دي حاجة تمخوِل النافوخ، اللي بتحكي عنّه ده شيء مش بنشوفه غير في الأفلام والمسلسلات. يعني إيه اندفن ومندفنش؟ ويعني إيه تصريح الدفن اللي محتاجه مش بيطلع من مكتب الصحة وإنه محتاج تصريح دفن من حد معيّن مش مفهوم هوَّ مين؟

_عرفت بقى إن الحكاية غريبة، وصدّقني يا عم أمين أنا مزوِّدتش كلمة عن اللي سمعته.

مد إيده وطبطب على كتفي وقال لي:

-ادخل البيت يابني من البرد، كلها ساعتين والنهار يطلع وربنا يحلّها.

سابني وراح على بيته، وأنا عملت نفسي إني داخل البيت، مشيت لحد البوابة ببطء لحد ما اتأكّدت إن عم أمين دخل بيته وقفل البوابة وراه، بعدها رجعت للشارع تاني، أصل كنت واخد قرار محبّتش أجيب سيرته عشان عارف إنه هيعارضني، والقرار باختصار إني هاخد بعضي وأروح المقابر أزور فريد، وفعلًا أخدت بعضي ورُحت على هناك، ولمَّا وصلت عند القبر مصدَّقتش اللي عيني شافته..

باب القبر كان مشرَّخ، زي ما يكون اتهَد وحد جمَّع الطوب بتاعه جنب بعضه من تاني، بدأت أقرَّب وأنا مرعوب، خصوصًا إني كنت شايف ضوء أحمر ظاهر من ورا الشروخ اللي في الباب، مصدَّقتش نفسي، وفضلت أقول في بالي وأنا بقرَّب: عملت إيه يا فريد يخلّي كل دَه يحصل معاك؟

قاومت خوفي ومدّيت إيدي ناحية باب القبر، وبمجرَّد ما لمسته الطوب بتاعه انهار والقبر انكشف، ساعتها اتفاجئت إن جثة فريد قاعدة قدامي بالكفن وضهرها ليَّا، بالظبط زي ما يكون حد قاعد على الأرض، وقدَّامه حاجة بيبص فيها، والأغرب إني سمعت صوته، كان بيهمس بكلام غريب، أي حد مكاني في الوقت ده كان ممكن قلبه يقف من الخوف، يعني بعد اللي حصل معايا في الأوضة أقوم ألاقي دَه في القبر؟ جثة فريد قاعدة وبتتكلم أو بتقرأ في حاجة وبتقول كلام مش مفهوم!

إحساسي بإني بقيت واقف على شفا حفرة من الجنون كان إحساس بَشع، أصل في لحظة تخيَّلت إن كل اللي بيحصل ده مش بيحصل غير في خيالي أنا وبَس، والدليل على كده إني مرة شُفت حسين ممدد على السرير بعد موته واتفاجئت إنه مش موجود، دَه غير اللي حصل ليلة امبارح؛ لمَّا دخلت أوضته واتكلمت معاه، واتفاجئت في النهاية إني واقف قدام الأوضة وبابها مقفول، وجايز بعد اللي شايفه بعيني في القبر ده يطلع القبر مقفول والجثة نايمة فيه زي ما اندفنت.

بمجرَّد ما التفكير دَه خطر في بالي لقيت الجثة بالكفن بتاعها بتتحرَّك، كانت بتلِف وشها ناحيتي، اتسمَّرت في مكاني وأنا بحاول أحبس خوفي جوَّايا، أخدت نفس عميق عشان أسيطر على الرعشة اللي ضربت جسمي، ويادوب لحظات وبقيت وجهًا لوجه مع جثة فريد؛ اللي جلد وشَّها كان ظاهر باللون الرمادي، وبعينيها اللي باللون الأسود، في الوقت دَه ابتسم لي نفس الابتسامة الباهتة اللي ابتسمها لمَّا ظهر لي في الأوضة وقال لي:

-مش كل الناس ينفع تشوف الحقيقة يا حسين، وأنا اخترتك عشان أنت اللي تشوفها، والحقيقة إني مش هندِفن وارتاح غير لمَّا آخد التصريح منُّه، اعمل حاجة يا حسين، زي ما طلَّعت لي تصريح الدفن من مكتب الصحة؛ لازم تجيب لي تصريح دفن منُّه.

بمجرَّد ما كرَّر كلامه عليَّا لمحت من وراه ظل أسود، كان شيء ضخم مالي القبر، وبمجرَّد ما ظهر القبر من حواليه اتملا بضوء أحمر، في اللحظة دي ظهرت شقوق في جلد وِش فريد وظهر من الشقوق نفس الضوء، كل ده كان بيحصل وهوَّ بيصرخ، وفي نفس الوقت الخوف خلَّى رجليَّا تهرب من تَحت منّي، فقدت الإحساس بيهم وقوّتي انهارت، وقعت في الأرض والرؤية من حواليَّا بدأت تشوِّش، معرفش ليه كان عندي إحساس إن في قوَّة بتضغط على جفوني عشان تقفلها، قوَّة غريبة مكانش عندي القدرة إني أقاومها، وفي لحظات مابقتش حاسس بأي حاجة حواليّا..

مافتحتش عيني غير على إحساس مَيَّه نازل على وشّي، بصيت حوالين منّي لقيتني نايم في الأرض قدّام القبر والمطر نازل مغرَّق الدنيا، سندت على دراعاتي عشان أقوم، ولمَّا قُمت بصيت ناحية القبر، كان مفتوح وفاضي والجثة مش موجودة، بصّيت حوالين منّي بجنون، لدرجة حسيت إني مشيت بدون ما أحِس وفقدت الوعي قدّام أي قبر فاضي، بّس لمَّا ركزت شوية شُفت قبر جوز خالتي، ولمّا اتحرَّكت من مكاني لقيت نفسي بَدوس على كَسر طوب، واللي كان عبارة عن أنقاض باب قبر فريد اللي وَقع في الأرض!

جريت في المقابر وأنا بحاول أتوازن على قد ما أقدر، جثة فريد مش موجودة والقبر فاضي! شيء مُش بيحصل غير في الأفلام ومفيش حد بيقتنع بيها، وأنا لمَّا أروح البيت وأقول على اللي حصل أمي وخالتي مش هيصدَّقوني، ومش بعيد بعد اللي حصل منّي قدامهم يخليهم يفتكروا إني عملت حاجة في الجثة، جايز يفتكروا إن صدمتي في موت فريد خلتني أتجنن، ودفعتني أعمل حاجة مش منطقيّة، زي إني رافض فكرة موته مثلًا ورُحت نبشت قبره وطلَّعت الجثة، وودّيتها أي مكان محدّش يعرفه.

رجليّا كانت بتخبط في بعضها وأنا بجري؛ لدرجة إن كل كام خطوة كنت بتعرَّض لإني هنكفي على وشّي، وفي نفس الوقت ماكنتش عايز الطريق يخلص وأوصل البيت؛ عشان ماكنتش جاهز لرد فعل خالتي وأمي، ولا عندي رد على أي كلام هسمعه منهم، ويادوب وصلت الشارع وخطر على بالي عم أمين، جريت على بيته ورنّيت الجرس، وانتظرت لحد ما البوابة اتفتحت ولقيته قدّامي، بَص لي من فوق لِتَحت وهوَّ مبحلق في هدومي المبلولة، وفي وشّي وشعري اللي اختلطوا بالطين اللي مَلا شوارع المقابر لمَّا الدنيا مطَّرت، وساعتها سألني وهوَّ مستغرب:

-إيه اللي مبهدلك كِدَه يا حسين يابني؟

حاولت على قد ما أقدر آخد نَفسي اللي انقطع من الجري وقُلت له:

-الحقني يا عم أمين، بعد ما سيبتني ودخلت البيت؛ أخدت بعضي وطلعت على المقابر عشان أزور فريد.

بعد ما قُلت له إني زُرته؛ حكيت له بالتفصيل عن اللي حصل هناك، كان بيسمعني وعينيه مفتوحين على آخرهم من الذهول، وبعد ما خلَّصت كلامي سألني:

-يعني إيه اتفاجئت إن القبر فاضي والجثة مش موجودة؟

-دَه اللي حصل؛ يعني أنا هألِّف من دماغي؟

سكت شويَّة وهو بيبُص لي وبعدها قال لي:

-أنت متأكِّد من كلامك دَه يا حسين؟ أصل لو الجثة مش موجودة هيكون فيها سين وجيم وحكاية كبيرة، والعين هتكون عليك لأن لسَّه مفيش حد راح هناك غيرك.

-أنا عارف كل ده، بَس مش هفضل أتفرَّج على كل اللي بيحصل وأنا ساكت، خصوصًا إن الحكاية بتزيد مش بتنتهي، وبعدين يعني إيه متأكّد من كلامي؟ يعني مثًلا أنا اللي ممرمَغ نفسي في الطين كِدَه بمزاجي؟

-طيِّب اهدا وانتظرني ثواني، هغيَّر هدومي وأطلع معاك.

انتظرته لحد ما غيَّر هدومه وحَط عباية صوف على كتافه لأن الجو كان بَرد، وفي نفس الوقت ماكنتش قادر أروح أغيَّر هدومي؛ عشان مش هخلص من أمي وخالتي لمَّا يشوفوا منظري، هيسألوني كنت فين وإيه اللي عمل فيك كده؛ فاضطرّيت أمشي جنبه بحالتي دي وأنا جِسمي بيتنفض، ولمَّا وصلنا المقابر ودخلنا عند القبر بقيت في نُص هدومي، لأني لقيت القبر مقفول وبحالته، الباب زي ما هوَّ واسم فريد وتاريخ وفاته مكتوبين، وده معناه إن لا الباب اتشرَّخ ولا انكسر ولا القبر اتفتح من أصله، نفس اللي حصل بالظبط لمَّا لقيت نفسي واقف قدام أوضة فريد واتهيَّأ لي إني دخلتها واتكلّمت معاه.

مقدرتش أتحمّل نظرات عم أمين ليَّا، لأنه وقتها بَص لي وقال لي:

-أظن دلوقت اتأكّدت إن اللي بيحصل معاك ده مش بيحصل غير في خيالك أنت وبس، كل الحكاية إنك رافض فكرة موت ابن خالتك وأعز صديق لك.

ساعتها افتكرت كلمة سمعتها من فريد؛ لمَّا قال لي إنه اختارني عشان أشوف الحقيقة اللي مش كل الناس تقدر تشوفها، عشان كِدَه ردّيت عليه وقُلت له:

-فريد قال لي إن محدش هيشوف دَه غيري.

-فريد مات يا حسين، واللي بيموت لا بيقول ولا بيعيد، عقلك اللي بيخلّيك تشوف كل ده هوَّ اللي بيقول لك، وأنا هقولها لك مرَّة تانية، لو حاسس إنه مش مرتاح في قبره اعمل له صدقة جارية، بعدها ضميرك هيرتاح من ناحيته وكل ده هيختفي، وبعدين احمِد ربنا إنك مدخلتش بمنظرك المبهدل دَه على خالتك وأمك، وقلت لهم اللي سمعته منك، كان زمان أمه راحت فيها، وبعدين يلا بقى عشان وقفتنا هنا مالهاش لازمة.

يادوب بدأنا نتحرَّك وسمعنا حاجة بتُنكش من ورانا، اتمسمرنا إحنا الاتنين في المكان، بعدها بصينا ورانا نشوف إيه الحكاية، صوت النكش كان بيزيد، وقفت في مكاني وعم أمين بدأ يروح ناحية قبر فريد لأن الصوت كان طالع منُّه، بعدها قرَّب ودنه من الباب للحظات وبَص لي وقال لي:

-في صوت جوَّه القبر.

أخدت نفس عميق وكأن حِمل تقيل انزاح من فوق كتافي، أخيرًا حاجة أنصفتني في دايرة الأحداث اللي بتحصل معايا، عشان كِدَه قُلت له:

-فريد عايش، وكل اللي بيحصل ده بيأكد إن روحه بتحاول توصَّل رسالة عشان نيجي عند القبر ونفتح عليه.

عم أمين بَص لي وقال لي:

-بتقول عايش، يبقى روحه بتوصَّل رسالة إزاي؟ يابني الروح مش بتخرج من الجسم غير بالموت.

-أومّا تفسَّر بإيه وجود صوت في القبر؟

-إحنا ناخد بعضنا ونروح لغفير المقابر، نحكي له وهوَّ يتصرَّف.

أخدنا بعضنا ورُحنا للغفير وجيبناه معانا عند القبر، وفي الطريق كان بيحكي عن ناس اندفنت وبعدها اكتشفوا إنها عايشة، وحالات كتير بعد ما اندفنت وشبعت موت وفتحوا عليها القبور لقوا الكفن في مكان تاني، وده معناه إنهم اندفنوا بالغلط وفشلوا إنهم يخرجوا وماتوا جوَّه، وحكايات كتير لحد ما وصلنا عند القبر، وساعتها الغفير اتأكّد بنفسه من الصوت وبدأ يفتح الباب، ولمَّا القبر اتفتح اكتشفنا إن الجثة في مكانها، ده حتى لونها بدأ يغيَّر لأنها بدأت تتحلّل بالتدريج زي أي جثة، وساعتها الغفير راح يجيب طوب وأسمنت ورمل عشان يقفل باب القبر من تاني!

مكانش في تفسير للصوت، خصوصًا إن كلنا سمعناه، وبعد ما الغفير قفل الباب وكل حاجة رجعت زي ما كانت مشينا من المقابر، وفي الطريق لقيت عم أمين بيقول لي حاجة مَجتش في بالي، وهي إننا نروح لشيخ من اللي بيعرفوا في الجِن والأرواح والكلام ده، أكيد هنلاقي عنده تفسير للي حصل، ولأن الحكاية غريبة وكنت عايز أفهم وافقت.

رجعت على البيت بعد ما اتفقت معاه إننا هنروح بعد صلاة العِشا، ولمَّا دخلت البيت هربت بالعافية من أمي وخالتي لمَّا شافوا منظر هدومي، قلت لهم إني رُحت أزور فريد واتزحلقت في المقابر، بعدها أخدت مفتاح بيتنا ورجعت، وهناك أخدت شاور وغيَّرت هدومي، واستغلّيت فرصة إني بعيد عن أوضة فريد ونمت شويَّة لأني كنت فصلت، صحيت بعد المغرب، أخدت بعضي ورجعت بيت خالتي، ومع أذان العِشا خرجت من البيت وقابلت عم أمين، وبعد ما صلّينا في المسجد أخدني ورُحت معاه بيت الشيخ اللي قال عليه، وبعد ما قعدنا مع الشيخ وحكيت له كل حاجة من أوّل اللي بدأ يحصل في الأوضة؛ لحد الصوت اللي سمعناه في القبر، طلب منّي اسم فريد بالكامل واسم أمه، وبعد ما قُلت له غمَّض عينيه وبدأ يتكلّم مع نفسه بصوت مش مسموع، وبعد شويَّة فتح عينيه وقال لي:

-كل اللي شُفته وسمعته حقيقة أنت بَس اللي كان مسموح لك تشوفها؛ لحد ما ترتيب ربّنا خلّى عمك أمين يسمع بودانه عشان يجيبك هنا، ابن خالتك مَندفنش، وعشان مَتستغربش من كلامي يبقى لازم أوضَّح لك، الدفن معناه إن الجسم يتحط في القبر والروح تطلع للي خلقها، وابن خالتك اندفن وكل حاجة؛ لكن روحه لسَّه متعلَّقة، وده معنى تصريح الدفن اللي قرين ابن خالتك ظهر لك وطلبه منّك عشان روحه تطلع وتستقر.

ردّيت عليه وأنا بستفسر أكتر عن كلامه وسألته:

-والظّل الأسود اللي شُفته في القبر ده معناه إيه يا شيخ؟

-دَه الكيان اللي حابس روحه ومانعها تطلع.

في اللحظة دي عم أمين رد بنرفزة على الشيخ وقال له:

-كلام إيه ده؟ يعني إيه كيان يمنع الروح إنها تطلع؟

-زي ما الديون بتمنع الروح من إنها تطلع وتفضل متعلَّقة وبتعلَّق حساب صاحبها، وزي ما حاجات كتير بتكون سبب إن ده يحصل.

دخلت في الكلام ما بينهم عشان أفهم أكتر وسألت الشيخ:

-والكيان اللي بتقول عليه دَه مانع روحه تطلع ليه؟ وإيه علاقته بفريد أصلًا؟

-كِتاب يابني، اتقرأ فيه بالغلط وفتح باب هلاك على اللي قرأه، والباب ده دخل منُّه كيان مُظلم هو اللي اتسبّب في موت ابن خالتك لأنه معرفش يتعامل معاه ولا يصرفه، وبالتالي استحوذ على جسمه وروحه، الكيان دَه حضر في أوضته عشان كده حرارتها كانت عالية، أصلهم من نار والصهد دليل على وجودهم، كمان مواصفات العين اللي قلت عليها نفس مواصفات عيونهم، وكل اللي حصل في الدفنة وعند القبر كان بسبب الكيان ده، وتصريح الدفن اللي قرين ابن خالتك كان بيطلبه منَّك معناه إنك تسعى تنهي الموضوع عشان تخلَّص روحه من سيطرته عليها، وساعتها تصعد وترتاح وكل ده يخلص.

-والكتاب دَه ألاقيه فين؟

-دَه دورك أنت بقى، أومّال قرين ابن خالتك لجأ لَك ليه، بس طالما الأوضة حرارتها عالية يبقى الكتاب فيها.

بعد ما الشيخ خلَّص كلامه كلِّفني ألاقي الكتاب وأرجع له، ساعتها خرجنا من عنده أنا وعم أمين وكل واحد رجع على بيته، وفي الليلة دي وبعد ما أمي وخالتي ناموا قبل الفجر بشويّة، قدرت أوصل لمفتاح أوضة فريد بعد ما دوَّرت عليه، ولقيته متعلَّق على مسمار ورا باب الأوضة اللي أمي نايمة فيها، أخدت المفتاح وفتحت الأوضة ودخلت وقفلت الباب ورايا، كانت لسَّه حرارتها عالية، وكنت واخد قرار إني مش هخرج غير والكتاب معايا، وبما إنه كتاب، فأوّل مكان قرَّرت أدوَّر فيه هو المكتب والمكتبة اللي في الأوضة، بَس دوَّرت كتير بدون ما ألاقي أي كتاب غريب، أغلبها كانت كتب الجامعة وكام كتاب بيتكلموا في موضوعات عامة، لكني ميأستش وقرَّرت أعيد المحاولة من تاني، بصّيت في المكتبة مرَّة تانية على الكتب، ساعتها لفت انتباهي إن في كتابين من كُتب الجامعة ليهم نفس الكعب؛ نفس البيانات؛ نفس كل حاجة، استغربت ليه فريد الله يرحمه اشترى نسختين من نفس الكتاب.

الفضول أخدني وسحبتهم من المكتبة، عشان أتفاجئ إن في كتاب منهم كتاب جامعي عادي، وإن الكتاب التاني هوَّ الكتاب اللي الشيخ قال عليه؛ واللي فريد الله يرحمه شال جلدته وحط له جِلدة كتاب عادي، وجايز عمل ده عشان خالتي متاخدش بالها وتعمل معاه مشاكل.

فَتحت الكتاب وبدأت أقلِّب فيه، ورقه كان أصفر وكله صور ورموز وطلاسم غريبة، حتى أغلب الكلام اللي مكتوب فيه مش مفهوم.

اتعمّدت إني مقرأش أي حاجة، قفلت الكتاب وأخدت بعضي وخرجت من الأوضة، قفلت الباب ورجّعت المفتاح مكانه عشان محدّش يحس بحاجة، بعدها قعدت على الكنبة واتفاجئت إن باب أوضة فريد مفتوح، لكن المرَّة دي مكانش هوَّ اللي قدامي، دَه كان نفس الظل الأسود اللي ظهر في القبر، بمجرّد ما شُفته قلبي وقع في رجلي، لكن صوت أذان الفجر اللي ظهر خلّى كل ده يتلاشى، ولقيت باب الأوضة مقفول وكل حاجة رجعت طبيعية.

أخدت بعضي وطلعت على المسجد، انتظرت لحد ما عم أمين وصل، أوّل ما شافني قال لي:

-مدخلتش المسجد ليه؟

رفعت إيدي بالكتاب وقلت له:

-عشان معايا دَه، ومش عارف هينفع أدخل بيه بيت ربنا ولا لأ.

أخد منّي الكتاب وحطه ورا الجزامة اللي قدام المسجد، وبعد ما دخلنا وصلينا تحية المسجد حكيت له عن اللي حصل، وبعدها قلت له:

-خايف الكيان ده يعمل حاجة في الكتاب.

ساعتها رَد عليّا وقال لي:

-لو كان يقدر يعمل حاجة كان منعك تاخده، أعتقد إنه مالوش عليك سلطان لأنك مقرأتش حاجة من الكتاب، واللي أكيد القراءة فيه بتعطيه سلطه يتحكّم في اللي قرأ.

وفعلًا، لمّا خرجنا من المسجد لقينا الكتاب مكانه، أخدناه وطلعنا على بيت الشيخ، وهناك الشيخ فتح الكتاب وهو بيقول إنه هيشتغل وقت طويل، والشغل ده كان عبارة عن إنه جاب راكية فحم وحط فيها بخور ريحته نفَّاذة، كانت أوّل مرَّه أشم ريحته، بَس قلت أكيد من اللي بيستخدموه في شغلهم، بعدها فتح الكتاب على صفحة معيَّنة وفضل مغمَّض عينيه وهو بيقول كلام في سرُّ، ساعة بحالها على الحال ده؛ شُفت فيهم فريد ابن خالتي بيظهر في الأوضة وبيختفي، مرَّة ملامحه بتكون طبيعية، ومرَّة في الصورة المخيفة اللي شُفته فيها، ده غير إن الظل الأسود كان بيظهر ويختفي، حتى الكتاب نفسه من وقت للتاني كان بيتهز بطريقة غريبة في إيد الشيخ، لحد ما الكتاب اتقفل من نفسه، بعدها الشيخ فتح عينيه وقال:

-الحمد لله، دلوقت ابن خالتك أخد تصريح الدفن اللي طلبه منَّك، والعلاقة بينه وبين الكيان اللي حابس روحه انتهت، وروحه هتصعد بأمر الله وتستقر.

محبِّتش أسأل ليه أو إزاي، ولا كان عندي فضول أدخل في حاجة ماليش فيها، كل اللي همِّني إن روحه ارتاحت واللي عايزه حصل، بَس كان في بالي سؤال واحد مسألتش غيره للشيخ، وساعتها قلت له:

-ليه فريد ممكن يعمل حاجة زي دي؟

ساعتها الشيخ رد عليّا وقال لي:

-ناس كتير يابني بتأذي نفسها بدون ما تقصد، بتشتري الكتب دي وتقرأها وتقول عادي، أو بيفتكروها كُتب مُحرَّفة وأي كلام، لكن بعض الناس حظها بيقع في كتب حقيقية، ولو مالهومش خبرة في التعامل مع اللي بيحضر بيبقوا فتحوا على نفسهم أبواب الهلاك، الفضول يابني هو اللي بيعمل دَه، هوَّ الشيطان اللي بيدفع الإنسان لمصير عُمر الواحد ما يحب يروح له برجليه.

بعد ما الشيخ خلَّص أخد الكتاب وقال إنه هيخلص منُّه بطريقته؛ ودَه عشان أذاه ميطولش حد تاني، بعدها مشيت أنا وعم أمين؛ اللي طمّني وقال إني إن شاء الله مش هشوف حاجة تاني، وفعلًا، رجعت البيت والدنيا مشيت بشكل طبيعي، ليلة ورا التانية وأوضة فريد مقفولة وضلمة ومفيش حاجة بتظهر فيها، حتى درجة حرارتها بقت طبيعية، وفضلنا هناك لحد ما وصلنا ليوم الخميس، واللي كان ميعاد زيارة المقابر، رُحنا نزور فريد ورجعنا ومفيش أي حاجة غريبة حصلت، بعدها رجعنا بيتنا عشان نشوف حياتنا اللي بقيت كارهها بعد موت ابن خالتي وأعز أصدقائي، دَه أنا حتى مبقتش كاره الحياة وبس، دَه أنا كمان بقيت أكره حاجة اسمها الفضول، لأن لولا هوَّ ماكنتش خسرت ابن خالتي؛ ولا كرهت الحياة نفسها.

تمت...

أحدث الموثقات تأليفا

اِنْتَابَتْنِي قشَعْرِيرَةٌ

مدونة ايمان صلاح

الكاتب: ايمان صلاح محمد عبد الواحد

رقم التوثيق: 30113

عدد المشاهدات: 4

تاريخ التأليف: 2-12-2025


الواجب علينا كثير

مدونة اشرف الكرم

الكاتب: م. اشرف عبد الصبور الكرم

رقم التوثيق: 30109

عدد المشاهدات: 6

تاريخ التأليف: 2-12-2025


الذي يضعُ الوسادةَ للعابر

مدونة سحر حسب الله

الكاتب: سحر حسب الله عبد الجبوري

رقم التوثيق: 30106

عدد المشاهدات: 6

تاريخ التأليف: 2-12-2025


همس الضوء

مدونة نجلاء البحيري

الكاتب: نجلاء محمود عبد الرحمن عوض البحيري

رقم التوثيق: 30105

عدد المشاهدات: 8

تاريخ التأليف: 2-12-2025


تاميكوم… منصة تتنفس الإبداع والشفافية

مدونة نجلاء البحيري

الكاتب: نجلاء محمود عبد الرحمن عوض البحيري

رقم التوثيق: 30104

عدد المشاهدات: 12

تاريخ التأليف: 1-12-2025


ريفيو لرواية فانتازيا للكاتبة رحاب منصور

مدونة هند حمدي

الكاتب: هند حمدي عبد الكريم السيد

رقم التوثيق: 30103

عدد المشاهدات: 6

تاريخ التأليف: 1-12-2025


لا يشعر بك إلا من عاش معاناتك

مدونة يوستينا الفي

الكاتب: يوستينا الفي قلادة برسوم

رقم التوثيق: 30110

عدد المشاهدات: 3

تاريخ التأليف: 1-12-2025


يعشقن الورود

مدونة ايمان صلاح

الكاتب: ايمان صلاح محمد عبد الواحد

رقم التوثيق: 30107

عدد المشاهدات: 8

تاريخ التأليف: 1-12-2025


كتب التراث بين التلخيص والاختصار 

مدونة خليل السيد

الكاتب: د.خليل السيد خليل محمد

رقم التوثيق: 30094

عدد المشاهدات: 8

تاريخ التأليف: 1-12-2025


سرب الصمود: قافلة تشق عباب الطوق

مدونة محمد خوجة

الكاتب: محمد بن الحسين بن ادريس خوجه

رقم التوثيق: 30093

عدد المشاهدات: 10

تاريخ التأليف: 1-12-2025

أكثر الموثقات قراءة
إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة غازي جابر
2↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
3↑1الكاتبمدونة حسين درمشاكي
4↓-1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
5↓الكاتبمدونة ايمن موسي
6↑2الكاتبمدونة محمد شحاتة
7↓الكاتبمدونة اشرف الكرم
8↑1الكاتبمدونة هند حمدي
9↓-3الكاتبمدونة آمال صالح
10↓الكاتبمدونة خالد العامري
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑37الكاتبمدونة اسماء خوجة173
2↑36الكاتبمدونة عبد الحميد ابراهيم 149
3↑35الكاتبمدونة اسراء كمال233
4↑20الكاتبمدونة حسين العلي93
5↑19الكاتبمدونة محمد خوجة67
6↑19الكاتبمدونة سلوى محمود167
7↑18الكاتبمدونة جلال الخطيب131
8↑12الكاتبمدونة منى كمال206
9↑8الكاتبمدونة محمد كافي88
10↑6الكاتبمدونة سحر أبو العلا39
11↑6الكاتبمدونة نجلاء لطفي 52
12↑6الكاتبمدونة جاد كريم197
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1124
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب710
4الكاتبمدونة ياسر سلمي681
5الكاتبمدونة اشرف الكرم621
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري515
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني439
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين434
10الكاتبمدونة شادي الربابعة415

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب367197
2الكاتبمدونة نهلة حمودة225037
3الكاتبمدونة ياسر سلمي203666
4الكاتبمدونة زينب حمدي179605
5الكاتبمدونة اشرف الكرم148004
6الكاتبمدونة مني امين121104
7الكاتبمدونة سمير حماد 119565
8الكاتبمدونة حنان صلاح الدين111005
9الكاتبمدونة فيروز القطلبي110090
10الكاتبمدونة آيه الغمري106112

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة اسماء خوجة2025-11-08
2الكاتبمدونة مريم الدالي2025-11-05
3الكاتبمدونة محمد خوجة2025-11-04
4الكاتبمدونة جيهان عوض 2025-11-04
5الكاتبمدونة محمد مصطفى2025-11-04
6الكاتبمدونة حسين العلي2025-11-03
7الكاتبمدونة داليا نور2025-11-03
8الكاتبمدونة اسراء كمال2025-11-03
9الكاتبمدونة علاء سرحان2025-11-02
10الكاتبمدونة عبد الحميد ابراهيم 2025-11-02

المتواجدون حالياً

15697 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع