هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • لو جيت وقلت ف يوم ...
  • تجارب النضج
  • ذو الحجة… شهر النفحات والاستعداد للعيد الأكبر
  • حكم دار عصير الكتب
  • أحاسيس الأبرياء..
  • هُدنة مع العدم
  • تغريد الكروان: ثورة
  • مخاض الكلمات
  • لقاء عابر
  • ذلك الخبر ..
  • دعني أُحبُّك في صمت!
  • حبآ بلا منازع..
  • منك لله يا قابيل - سيرك ولاد الحلو - تيجي نلعب استغماية - خلاويص؟ لسسسه
  • اللامنتمى 
  • المرايا..
  • غرام بالصدفة
  • الصداع النصفي .. والاستخدام الآمن لأدوية العلاج والوقاية
  • النصيب .. تعرفوا معناه ؟!
  • القايمة في مصر
  • لا تُراهِنْ
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شحاتة
  5. سِحر الحجارة

كنت راجع من شغلي ولسَّه داخل البيت، يادوب دخلت الحمَّام آخد دُش على ما مراتي تحضَّر لقمة ناكلها، بَس وأنا تَحت الدُّش سمعتها بتندَه عليا وبتقول لي:

-في حد عاوزك برَّه يا عمَّار.

مديت إيدي وقفلت الدُّش وسألتها:

-حد مين؟

-معرفوش، واحد أوِّل مرَّة بشوفه.

طلبت منها تناولني الفوطة والهدوم، نشِّفت ولبست وخرجت أشوف مين اللي برَّه، ساعتها لقيته واحد في الخمسينات تقريبًا، وقفت قدامه وقُلت له:

-اتفضَل.

-يزيد فضلك، مش الأُسطى عمَّار برضه؟

-أيوه أنا الأُسطى عمَّار، أأمرني.

-قاصدك في شُغلانة، عايزينك بالكرَّاكة تعمل تطهير للترعة عندنا.

-الترعة عندكم! وتطلع فين الترعة دي؟

لمَّا جاوب سؤالي، اتضح لي إني مَعرفش اسم البلد اللي قالها، ولمَّا استفسرت منُّه عن مكانها عرفت إنها في محافظة تانية، وده اللي خلاني مستغرب، أصل كل منطقة بتكون تابعة لناس معيَّنة بتشتغل فيها، عشان كِدَه كل واحد لُه منطقته زي ما بيقولوا، وده اللي خلاني أساله باستغراب:

-والنَّاس اللي ماسكة المنطقة عندكم فين؟

الرَّاجل اتلجلج ومكانش متوقع سؤالي، لكنُّه حاول يتخلَّص من التوتر اللي ظهر عليه وقال لي:

-الاتنين اللي بيشتغلوا في منطقتنا واحد منهم مات الله يرحمه، والتاني عنده ظروف وبيعتذر من فترة، الرواسب اللي في الترعة مبقتش بتخلينا نعرف نروي الزرع بتاعنا، عشان كده أهل البلد كلّفوني أشوف واحد ييجي يطهَّر الترعة. 

كل اللي فكَّرت فيه في الوقت ده إنه رزق وربنا باعته لحد باب بيتي، خصوصًا وإن الفترة الجاية هيكون الشغل نايم، وجايز ربنا عمل كده عشان الحال يفضل متيسَّر.

خلَّصت معاه كل حاجة وحددنا اليوم اللي هبدأ فيه تكريك الترعة زي ما بنقول في شغلنا، بعدها أخد رقمي وأخدت رقمه، وسجلته باسمه، وبالمناسبة كان اسمه الحاج ياسين.

في اليوم دَه وصلت البلد بعد العصر، كُنت راكب في كابينة التريلا اللي شايلة الكرَّاكة والعوامة الحديد بتاعتها، ووظيفة العوامة إنها بتكون فوق المّيَّه وشايلة الكرَّاكة عشان نقدر نطهَّر الترعة من جوَّه، وده في حالة إن عرض الترعة بيكون أطول من معلقة الكرَّاكة، ساعتها سواق التريلا وقف على جنب وسألني:

-هنروح فين بالظبط يا أسطى عمَّار؟

-علمي علمك؛ اللي علينا عملناه ووصلنا البلد، الباقي بقى على أهلها

طلَّعت التليفون من جيبي، طلبت رقم الحاج ياسين، ولمَّا رد عليا قُلت له:

-أنا وصلت البلد يا حاج، أروح عند الترعة منين؟

فضل يوصف لي وأنا بوصف للسواق لحد ما لقينا نفسنا عند الترعة. وقفلت المكالمة معاه بعد ما قال إنه جاي في الطريق، ساعتها اخترت مكان مناسب أنزِّل فيه الكرَّاكة والعوامة، بعدها حاسبت السواق قبل ما يمشي، بعد ما اتفقت معاه إنه يرجع لي بعد أسبوع.

بدأت أجهِّز الكرَّاكة للشغل عشان أنزِّل العوامة في الميَّه، كل ده كنت بعمله وعيني على الترعة، الطحالب والرواسب كانت ملياها بشكل غريب، وكنت بسأل نفسي يا ترى أسبوع كفاية ولا هحتاج وقت أطول.

على ما جهِّزت حالي ونزِّلت العوّامة في الميَّه؛ لقيت الحاج ياسين قدامي ومعاه اتنين من أهل البلد، عرفت منهم إن تنضيف الترعة المرَّة دي هيكون بالجهود الذاتية، وده كان شيء غريب، وكمان بلَّغوني إن في أوضة هقعد فيها الكام يوم اللي هشتغل فيهم.

خلَّصوا كلام وقبل ما يتحرَّكوا؛ لقيت الحاج ياسين بيقول لي يعني لو احتاجت حاجة أتصل بيه، بعدها بقيت لوحدي لمَّا كل واحد منهم راح يشوف مصالحه، في الوقت دَه بدأت أنزِّل الكرَّاكة على العوامة الحديد في الترعة عشان أبدأ شُغل.

الوقت فات بدون ما أنتبه، من وقت ما بدأت شُغل وأنا موقفتش دقيقة، ومحسِّتش بنفسي غير لما الليل دَخل ومبقتش شايف حواليا، وده خلاني أفتح كشَّاف النور الكبير اللي فوق الكرَّاكة عشان أشوف أنا شغَّال فين.

بدأت أشتغل في نور الكشَّاف، كل ما الكرَّاكة تدور ونورها يروح ناحية شط الترعة، ألاقي إن مفيش حد من أهل البلد رايح أو جاي في المنطقة، بَس بدأت أفسَّر دَه بإن مَنظر الترعة واللي فيها هوَّ اللي مخلّي الناس تكره تمشي من جنبها، وإلا مكانش واحد منهم جالي آخر الدنيا عشان آجي أطهَّرها، وكمان على حسابهم وبالجهود الذاتية.

كُنت عايز أواصل شُغل لحد قبل الفَجر، وبعدها أتصل بالحاج ياسين عشان ييجي يوصَّلني الأوضة اللي قال عليها أريَّح كام ساعة، وبعدها أرجع أكمِّل شُغل من تاني، بَس بمجرَّد ما الساعة بقت 12 صباحًا كشَّاف النور انطفى، الدنيا ضلِّمت من حواليا ومكنتش شايف غير نور البيوت اللي طالع من الشبابيك، استغربت الحكاية لأني في العادة بتأّكِّد إن كل حاجة في الكرَّاكة سليمة قبل ما بطلع أي شغلانة.

بعد ما حاولت مع مفتاح الكشَّاف أكتر من مرَّة؛ قُمت من الكرسي وطلعت فوق سطح الكرَّاكة، بدأت أفحص الكشَّاف عشان أشوف إيه حكايته، في الوقت دَه لاحظت إن العوَّامة بتتهَز هزَّة غريبة، زي ما يكون في موج من تَحتها، والحكاية دي كانت مستحيلة لأن مَيِّة الترعة راكدة.

توازني بدأ يختَل، عشان كِده قرَّرت أنزل، وبمجرَّد ما لفِّيت وشّي عشان أنزل لمحت شيء غريب ورايا، وأوِّل تخمين كان في بالي هو إن الشيء ده عبارة عن رجلين بني آدم.

بمجرَّد ما لمحت الشيء دَه حركة الكرَّاكة وقفت فجأة، وساعتها بقى عندي فرصة إني أحُط إيدي في جيبي وأطلَّع التليفون، فتحت كشَّافه عشان أتأكد من الشيء اللي قدامي، ساعتها إيدي ارتجفت من الخوف؛ لأني اتأكدت من إن اللي قدامي رجلين بني آدم فعلًا، بَس رجلين غريبة ومُش طبيعية، لونها بني محروق، لكن تفاصيل كفوفها مكانتش واضحة.

التليفون وقع من إيدي، في الوقت ده مقدرتش أرفع راسي لفوق عشان أشوف مين الشَّخص ده، أوِّل مرَّة حاجة من دي تحصل معايا، معرفش ليه حسيت بتنميل في جسمي، راسي تقلِت وأنفاسي بدأت تتقل بالتدريج؛ لدرجة حسيت إني هتخنق مع الوقت، ولما حاولت أصرخ أو أستنجد بأي حد مقدرتش أنطق.

عيني بدأت تغمَّض، كنت نايم فوق سطح الكرَّاكة وعلى يقين إن في شيء غامض جنبي، إحساس سخيف أوِّل مرَّة أحِس بيه، بَس الإحساس دَه بدأ يقِل بالتدريج، وده بسبب إني بدأت أفقد الوعي ببُطء؛ لحد ما إحساسي بكل شيء تلاشى، ومحسِّيتش بنفسي غير لمَّا سمعت صوت حد بينادي عليا:

-يا أُسطا عمَّار!

فَتحت عيني لقيت الدنيا ضلمة زي ما هيَّ، الصوت اتكرر، ومع الوقت عرفت إن دَه صوت الحاج ياسين، افتكرت وقتها إن التليفون وقع من إيدي جنبي، بدأت أدوَّر عليه في الضلمة لحد ما لقيته، ساعتها فتحت كشافه اللي معرفش إزاي اتقفل لما وقع مني، أوِّل حاجة عملتها هي إني بدأت أشوف الشيء الغامض دَه لسَّه موجود ولا لأ، لكني اتأكدت إن مفيش حاجة جنبي، قلبي اطَّمِّن ورميت نور الكشاف في الناحية اللي الصوت جاي منها، لمحت الحاج ياسين واقف على الشط، قُلت أكيد لمَّا اتأخرت عليه في الاتصال جاب بعضه وجِه عشان يشوفني وصلت لفين، وبالمرَّة يوصَّلني للأوضة اللي قال عليها.

نزلت من فوق سطح الكرَّاكة، وفي اللحظة دي بَس افتكرت إنها كانت دايرة لمَّا طلعت أشوف حكاية الكشاف، لكنها دلوقت مُش شغالة، ومعتقدش إنها تبطَّل من نفسها بدون سَبب، بَس قُلت جايز حصل أي حاجة لمَّا طلعت فوق ورُحت في النوم لمَّا حصل اللي حصل.

دوَّرت الكرَّاكة وبالمعلقة سحبت العوامة الحديد ناحية الشَّط، بعدها قفلتها وأخدت بعضي وطلعت من الترعة عشان أشوف الحاج ياسين، وبمجرَّد ما خرجت لقيته بيبتسم وبيقول لي:

-هو أنت راحت عليك نومة ولا إيه يا أُسطى عمَّار؟

مجاوبتش عليه لأني كنت بفكَّر في اللي حصل معايا، التفاصيل فاتت قدام عيني في ثواني، الخوف اتجدَّد جوايا، عشان كِدَه سألته بصوت مهزوز:

-هي الترعة دي فيها حاجة يا حاج؟

جاوبني بابتسامة غامضة، مكنتش قادر أفهم اللي بيدور في دماغه، ولا عرفت إيه السبب اللي يخليه يضحك بعد ما يسمع سؤالي، عشان كِدَه سألته بنفس النبرة المهزوزة:

-إيه اللي بيضحك في سؤالي يا حاج ياسين؟

في اللحظة دي بدأ يقرَّب منّي بدون ما الابتسامة تفارق ملامحه وقال لي:

-الترعة مالها يا أُسطى عمَّار، ما أنت عارف إنها محتاجة تطهير، ولا نسيت أنت جاي هنا ليه!

-أنا عارف كل ده.

قلت كده وحكيت اللي حصل معايا من بدايته لحد ما فتحت عيني على صوته، ساعتها ابتسامته زادت، ولحد هنا خوفي اتحوِّل من الشيء الغامض اللي في الترعة لخوفي من الحاج ياسين نفسه، إحساس جوَّايا بيقول إن في شيء غريب بيحصل هنا، وإن ابتسامته بتقول إنه عارف اللي بيحصل، وده بيفسَّر منظر الترعة اللي قدامي وسبب إن مفيش حد بيقرَّب منها، عشان كِدَه أهل البلد طلبوا من الحاج ياسين يشوف كرَّاكة من آخر الدنيا، واحد ييجي على عماه وهو مش عارف حاجة ويتفاجئ يلاقي نفسه في مواجهة شيء غامض، كل دَه كنت بفكَّر فيه وأنا شايف على وِش الحاج ياسين لا مبالاة غريبة، حتى بدأ يعطيني ضهره ويتحرَّك ناحية الترعة وهو مبحلق في الضلمة اللي فيها، في الوقت دَه وقفت متمسمر في مكاني، انتظرته ينطق لكنه فضل واقف وهو بيبُص للترعة ودخل في حالة الجمود، وقفت تايه، ومخرجتش من دايرة التوهان اللي دخلتها غير على رنة تليفوني، ولمَّا بصيت فيه عشان أرُد لقيت نفسي بفتح بوقّي وأنا مذهول، لأن اسم المتصل اللي على الشاشة كان الحاج ياسين، في الوقت نفسه اللي كان لسَّه واقف فيه قدامي ووشُّه للترعة!

لمَّا بحلقت في شاشة التليفون ورجعت بصيت من تاني ناحية الترعة؛ لقيت الحاج ياسين اختفى، زي ما يكون فَص ملح وداب، لفيت حوالين نفسي وملقتش له أي أثر، رفعت التليفون على ودني وفتحت المكالمة وقُلت نبرة كلها خوف:

-آلو.

-أنا آسف يا أسطى عمَّار راحت عليا نومة، بَس أنا طالع من البيت جاي عندك، هجيب لَك لقمة تاكلها وبالمرَّة أوصَّلك للأوضة اللي هتقعد فيها عشان تعرف طريقها.

كنت بسمعه وعيني على الترعة، في الوقت دَه ظَهر قدامي من تاني، كان واقف بنفس الطريقة، وشُه للترعة ومبيتحرَّكش من مكانه، وفي الوقت نفسه كنت سامعه بيكلِّمني في التليفون وصوته كله نوم، عشان كده معلَّقتش بكلمة، كل اللي قدرت عليه إني قُلت:

-توصل بالسلامة يا حاج.

بمجرد ما قفلت المكالمة لقيته اختفى من تاني، ولحد هنا بقيت مُدرك إن مُش دَه الحاج ياسين، وإن المكان في شيء غامض، وهو السبب اللي خلَّى الترعة مهجورة ومتراكم فيها الفضلات دي كلها، وهوَّ اللي خلَّى أهل البلد ينفروا من الناحية دي، ودَه طبعًا واضح لأني ملاحظتش حد من أهل البلد بيروح وييجي من ناحية الترعة.

التفكير أكل دماغي، فضلت على الحال ده لحد ما لمحت شخص جاي من أوِّل الطريق، وقبل ما يوصل عندي ملامحه بدأت توضح، ساعتها عرفت إنه الحاج ياسين، كان شايل في إيده حافظ طعام، قلبي كان لسَّه بيتنفض من الخوف، والسبب في كِدَه هو إنه كان واقف بيكلمني من شوية، وبعد كده اكتشفت إنه شيء مجهول، وبناءً على كده مكنتش عارف إن كان هوَّ فعلًا اللي جاي ناحيتي، ولا الحكاية هتطلع زي المرَّة اللي فاتت.

لمَّا وصل عندي لقيته بيقول لي:

-متآخذنيش يا أُسطى عمَّار، النوم غلبني لأني كنت تعبان.

كُنت مركِّز في ملامحه وهو بيكلمني، ملاحظتش عليها نفس الابتسامة الباردة اللي كانت على ملامحه لمَّا كنت بكلمه من شوية، قبل طبعًا ما يتضح لي إنه شيء غامض، ولحد هنا قلبي بقى مطَّمن، عشان كِدَه لساني طاوعني وسألته:

-هي إيه حكاية الترعة بتاعتكم دي يا حاج؟

-مالها الترعة يا أُسطى عمَّار؟

-أنت أدرى بالإجابة.

ساعتها شدِّني من دراعي وقال:

-تعالى نتكلم في الطريق يا أُسطى عمَّار.

اتحركنا من المكان، محبِّتش أحكي عن اللي حصل معايا، قلت أشتري منُّه وأسيبه يتكلم، جايز كلامه يجاوب على الأسئلة اللي في دماغي، لكن اتفاجئت إنه صامت، ودَه اللي خلاني بعد ما مشينا شويَّة قُلت:

-مُش قلت هنتكلِّم في الطريق يا حاج!

ساعتها أخد نَفس عميق وقال:

-عارف إن دماغك فيها أسئلة كتير، أولها إيه اللي جابني من آخر الدنيا لحد عندك، وكمان عايز تعرف سبب الترعة اللي شبه مهجورة.

-ياريت ترسّيني على الحكاية، أنا بسهر أشتغل في نُص الترعة لوحدي بالليل، على الأقل قلبي يكون مطَّمن من ناحيتها.

-الحكاية بدأت من خمس سنين، من بَعد ما حصلت حالة غرق في الترعة، ساعتها أهل البلد اتعاملوا معاها على إنها حادثة غرق عادية، بَس من الوقت دَه وحالات الغرق زادت، الترعة بدأت تاخد شباب البلد واحد ورا التاني، تقريبًا كِدَه أي حد كان بيقرَّب من مَيِّة الترعة كان بيتسحب جوَّاها، حتى الغواصين اللي نزلوا بيدوَّروا على جثثهم في منهم ناس غرقت، دَه غير إنهم مكانوش بيلاقوا الشباب اللي بتغرق، لكن الجثث كانت بتظهر من نفسها بعد كام يوم، الناس بتلاقيها طافية على وِش المَيَّه وراسية جنب شَط الترعة، ولمَّا يسحبوها برَّه المَيَّه بِشَبَك الصيد؛ كانوا بيلاقوا عليها آثار ضرب وكدمات، ومن هنا الناس بدأت تقول إن الجنِّية هي اللي بتسحب الشباب تَحت المّيَّه وتقتلهم.

لحد هنا قاطعت الحاج ياسين وقُلت له:

-تُقصد ندَّاهة بقى مُش جنِّية.

-مُش هتفرق كتير، ربنا يكفينا شرُّهم كلهم. من وقتها ومحدِّش بيقرب للترعة، بَس كانت الأمور عادية، كل كام شَهر الكرَّاكة كانت بتيجي تطهَّر الترعة عشان الناس تعرف تروي أراضيها والحياة تمشي، لحد ما في مرَّة اتفاجئنا إن الكرَّاكة دايرة لوحدها على العوَّامة والسواق مش موجود، انتظرنا يظهر لكنه مظهرش، ولمَّا الوقت فات جَت كرَّاكة تانية سحبت العوَّامة ناحية الشَّط، وبعد كام يوم ظهرت جثة السواق ناحية شَط الترعة وعرفنا إنه غرق، ومن وقتها ومفيش حد نطلبه عشان تظهير الترعة إلا وبيعتذر وبيتحجج، ومبقيناش عارفين نروي الأراضي ولا نشوف مصالحنا.

-يعني سواق الكرَّاكة اللي قُلت مات غرق أصلًا، تقوم تدوَّر على واحد من آخر الدنيا ميعرفش حاجة عن الكلام ده عشان ترميه في الترعة، ويا تصيب والدنيا تمشي، أو يا تخيب ويروح ضحية شيء غامض ميعرفش عنه حاجة.

انتظرته يرُد عليا لكنه منطقش، وساعتها كملت كلامي وقُلت:

-لمَّا وقفت على بابي محبِّتش أرجَّعك زعلان يا حاج، وبرضه قُلت رزق وجايلي، لكن متزعلش منّي أنت ضحكت عليا، كان لازم أعرف الحقيقة، ووقتها أقرَّر يا أقبل يا أرفض.

في اللحظة دي خطواته وقفت وقال لي:

-عدَّاك العيب يا أُسطى عمَّار، بَس حُط نفسك مكاني، لمَّا تبقى كبير البلد والناس بتستنجد بيك عشان مصالحها اللي وقفت، بتبقى عاوز تعمل أي حاجة.

-وأنت برضه حُط نفسك مكاني، وبعدين أنا عرفت إن الترعة مُش أمان من قبل ما تحكي التفاصيل دي.

وقتها بَص لي بذهول وسألني:

-وعرفت إزاي بقى؟

ساعتها حكيت له اللي حصل معايا، لحد ما قُلت له إني فتحت عيني على صوته وهو بينده عليا، ساعتها قال باستنكار:

-بَس أنا لمَّا وصلت لقيتك واقف جنب الترعة، أنا مندَهتش عليك ولا حاجة.

ابتسمت على كلامه ورديت عليه بنبرة كلها هدوء:

-شُفت؛ أنت قُلت بنفسك مندهتش عليا، بَس أنا بَقى سمعتك ونزلت من فوق الكرَّاكة وسحبت العوَّامة للشط وخرجت، ووقفت اتكلمت معاك، وبعدها لقيتك بترن عليا، ولمَّا رديت عليك قُلت إن راحت عليك نومة، كل ده كان بيحصل في نفس الوقت اللي أنت كنت واقف فيه قدامي، ودَه معناه إن اللي كان بيكلمني شيء تاني.

-إيه اللي بتقوله دَه يا أُسطى عمَّار!

-أنا بقول اللي حصل معايا، يعني شُفته بعيني وسمعته بوداني، ودَه معناه إن في شيء مجهول اتجسِّد في هيئتك وظهر لي، جنِّية بقى ولا عفريت الله أعلم.

كلامي خلَّى ملامحه تتقلب، الذهول اتحوِّل لخوف، ومن التغيير المفاجئ في تعابير وشُّه؛ قدرت أفهم إنه بيسمع الكلام دَه لأول مرة، عشان كِدَه سألني باستغراب:

-أنت متأكد من اللي بتقوله ده؟

ردِّيت عليه باستغراب أكبر من اللي حسِّيته في لهجته:

-يعني عاوز تقنعني إنك بعد ما حكيت كل ده مش عارف مين اللي ظهر لي؟

-أنا حكيت اللي أنا وأهل البلد نعرفه، إنما ظهور شيء غامض زي ما بتحكي وإن الشيء ده يتجسِّد في هيئتي دي اللي أوِّل مرَّة أسمعها.

-وأديك سمِعت يا حاج، عمومًا أنا بعد اللي حصل قرَّرت إني مُش هكمِّل الشغلانة دي، ياريت توصَّلني الأوضة اللي قُلت عليها أريَّح جسمي ساعتين، وأوِّل ما النهار يطلع هكلِّم سواق التريلا ولمَّا يوصل هحمِّل العوَّامة والكرَّاكة وآخد بعضي وأمشي.

كمِّل طريقه بدون ما يعلَّق على كلامي أو يناقشني في كلمة، فضلنا ماشيين لحد ما وقفنا قدام بيت من دورين، مكانش بعيد عن الترعة، ساعتها مسك تليفونه ورن على حد، وبعد كام ثانية لقيته بيقول:

-افتح يا حاج زياد إحنا على الباب.

بعدها قفل التليفون، وساعتها خطر على بالي سؤال وقُلت:

-إشمعنى البيت دَه يعني، في بيوت أقرب منُّه للترعة.

بعد ما حط التليفون في جيبه قال:

-لأن دَه أنسب بيت، الحاج زياد مطلَّق مراته وعايش لوحده مع ابنه الصغيَّر، البيوت التانية فيها حريمها، وميصحِّش حد غريب يهرس عليهم.

يادوب ثواني وباب البيت اتفتح، الحاج زياد قابلنا بترحيب مفيش بعد كده، ولقيت الحاج ياسين بيناولني حافظ الطعام اللي في إيده وهو بيقول للحاج زياد:

-الأُسطى عمَّار معاك يا حاج، طلَّعه الأوضة اللي قُلت عنها لحد الصبح.

قال كلامه وسابنا ومشي، بعدها الحاج زياد فتح الباب على وِسعه وابتسم وقال لي:

-اتفضل يا أُسطى، بيتك ومطرحك.

دخلت وأنا باصص في الأرض، وقفت على بُعد خطوتين من البوابة، ساعتها بَس أدركت إني عايز أنام، صداع شديد كان بيضرب دماغي، وبعد ما الحاج زياد قفل البوابة قال لي:

-تحِب أعملك شاي مع الأكل.

بصّيت لحافظ الطعام اللي في إيدي وقُلت له:

-كتر خيرك، أنا بَس محتاج أنام.

أخدني وطلعنا على فوق، ولمَّا وصلنا السطوح فتح باب أوضة، لمَّا بصِّيت فيها لقيتها مترتبة ونضيفة، فيها سرير صغيَّر وكنبة وترابيزة، والشيء المميز اللي فيها هو إني لمحت فيها باب من جوَّه، وفهمت بدون ما أسأل إنه باب حمام، وبعد ما بصِّيت في الأوضة سمعت الحاج زياد بيقول لي:

-إن شاء الله الأوضة تعجبك وترتاح فيها.

هزيت راسي وابتسمت، وبعدها قُلت له:

-دي عال أوي، أتمنى بَس أكون ضيف خفيف عليك.

-ما تقولش كده يا أُسطى؛ أنت صاحب مكان.

بعدها سابني ونزل، دخلت الأوضة وقفلت الباب ورايا، أوِّل حاجة عملتها هي إني حطيت حافظ الطعام على الترابيزة، اللي حصل خلاني أنسى حاجة اسمها الجوع، مفكرتش غير إني أغسل راسي ووشي عشان أعرف أنام ساعتين، وبعدها أقوم أكلِّم سواق التريلا أخليه يجيب بعضه ويجيلي.

الفَجر أذِّن وأنا في الحمام، اتوضيت وصليت وبعدها اترميت على السرير، نِمت بسرعة من الإرهاق اللي كنت فيه، محسيتش بنفسي غير وأنا بفتَّح عيني على صوت خبط برَّه الأوضة.

رفعت راسي من على المخدة، بصيت ناحية الشباك ولمحت نور الشمس داخل من بين خشب الشيش، قُمت من السرير عشان أتصل بسواق التريلا، رنيت عليه ولقيت تليفونه غير متاح، قُلت أنتظر شوية جايز يكون سايق على طريق مفيش عليه شبكة.

صوت الخبط رجع من تاني، في اللحظة دي افتكرت إن الحاج ياسين قال إن صاحب البيت عايش مع ابنه، والصوت كان بيقول إن دَه حد بيلعب كورة، قُمت من مكاني ومشيت ناحيت الباب وفتحته، وزي ما توقعت، شُفت قدامي طفل عُمره حوالي سبع سنين، كان واقف وقدام منُّه كورة، أوَّل ما شافني ابتسم وقال لي:

-صوت الكورة صحَّاك يا عمو؟

ابتسمت ورديت عليه وقُلت:

-أنت عملت فيَّا معروف، لولا الكورة بتاعتك كان زماني لسَّه نايم.

-أبويا قال لي إن عندنا ضيف على السطوح، بَس أنا نسيت وطلعت ألعب بالكورة لأني متعوِّد أطلع ألعب كل يوم.

-ولا يهمَّك يا حبيبي العب واتسبط، أنت اسمك إيه؟

-اسمي علي.

-عاشت الأسامي يا علي، وأنا عمَّك عمَّار.

-أنت بتشتغل إيه؟

ضحكت على سؤاله وقُلت له:

-سوَّاق كرَّاكة.

لما عرف شغلانتي لقيته بيسألني من تاني:

-هو أنا ممكن أسوق الكرَّاكة؟

ابتسمت على سؤاله البريء وقلت له:

-ممكن يا علي؛ كل حاجة بالممارسة والتعوُّد، بَس أنت لسَّه صغيَّر على سواقة الكرَّاكة.

ساعتها نفخ صدره زي ديك الرومي اللي بيحاول يثبت سيطرته في المكان وقال لي:

-أنا مش صغيَّر وعارف كل حاجة، ده أنا حتى عارف بابا طلَّق ماما ليه.

بمجرد ما قال كده حسيت إني في نُص هدومي، كلامه أخدنا لمنطقة مينفعش أدخلها ولا أدوس في طريقها، ودَه لأنه مجرد طفل مش واعي هو بيقول إيه، كل اللي يهمه إنه عاوز يثبت لي إنه مُش صغيَّر وفاهم وواعي للي بيدور حواليه، ويادوب حاولت أهرب من الشبكة اللي اتنصبت حواليا من كلامه، لكن لقيته بيجرجرني ناحيتها من تاني لمَّا قال:

-أبويا قال للناس إنه طلَّق ماما عشان عرف إنها عايزة تتجوز واحد تاني، وإن مفيش راجل يقبل على كرامته حاجة زي دي.

في اللحظة دي حاولت أغيَّر الكلام وقلت له:

-ما توحِّد الله يا علي، كلام إيه اللي بتقوله دَه، مهما حصل هو باباك وهي مامتك، حاول متفكَّرش في حاجة غير كده.

-أنا حبِّيت بَس أقول لك إني عارف السبب الحقيقي اللي خلَى بابا يعمل كده، أصله طلَّقها عشان الدجال.

كلامه الأخير زرع الفضول جوايا وخلاني سألته:

-دجال مين يا علي!

-الدجال اللي ماما راحت له عشان تعمل عمل لبابا وتحطه جوَّه مرتبة السرير.

-أنت واعي للي بتقوله دَه يا علي!

-أنا شُفتها بنفسي وهي بتحط العمل في المرتبة، ولما عرفت إني شُفتها قالت لي أوعى تجيب سيرة لباباك، وقالت لي إنه تعبان واللي بتعمله دَه عشان التعب اللي عنده يروح، بَس بابا مكانش تعبان، دَه بدأ يتعب بعد ما شُفت ماما عملت كده، كان بيروح لدكاترة كتير ومُش بيخِف، لحد ما عمي جاب شيخ في السر وقال إن بابا معمول له عمل، وساعتها أنا حكيت عن اللي شُفته وطلعوا العمل من المرتبة وبعدها التعب راح من عند بابا، ومن بعدها طلَق ماما بَس عمي طلب منه ميقولش السبب الحقيقي.

كنت مذهول من قدرة طفل زي ده على إنه يستوعب الأحداث اللي شافها، وفي نفس الوقت كنت مستغرب إن واحد يطلق مراته ويخبّي السبب الحقيقي، ويقول سبب تاني يمِس شرفها، ودَه اللي خلى فضولي يزيد من تاني وأسأله:

-طيب وماما كانت بتعمل سِحر لبابا ليه يا علي؛ ولا أنت تعرف كل ده ومتعرفش السبب؟

-طبعًا عارف يا عمو، أنا سمعت مرَّة عمتو بتكلم بابا وبتقول له يتجوز تاني، عشان ماما عندها مشاكل في الخلفة، وإنهم خلفوني بعد سنين طويلة ومعادش في فرصة إنها تخلف تاني، وعمتو كانت عايزة بابا يبقى عنده أكتر من ولد، ساعتها أمي عرفت وراحت للدجال تعمل عمل لبابا عشان ميتجوِّزش عليها، ومن وقتها وبابا تِعب لحد ما عرفوا السبب وطلَّق ماما.

اللي سمعته فسَّر لي حاجة استغربتها، وهي إن المفروض الحاج زياد يكون ابنه أكبر من كده بكتير، لكن من كلام علي إنه شرَّف للدينا بعد سنين طويلة من الجواز، وفي نفس الوقت كنت مذهول إنه بيتكلم بطريقة أكبر من سنُّه، بَس قُلت جايز المشاكل والظروف اللي الواحد بيمُر بيها بتخليه ينضج ويفهم حاجات قبل أوانها، وكمان كنت بلعن الدجل والدجالين والسِّحر والسَّحرة، اللي لو دخلوا بيت أو حاجة تبعهم دخلته بتخربه وبتجيب سقفه على الأرض.

التفكير أخدني ونسيت إن علي واقف قدامي، مفوقتش من التوهان اللي كُنت فيه غير لمَّا لقيته بيقول لي:

-عارف يا عمو، أنا شُفت الدجال دَه عندنا في البيت.

حسيت إن كف إيد خشنة عصرت قلبي، وده لمَّا خطر في بالي إن والدة علي جابت الدجال عشان يعمل سِحر وقرف من اللي بيعمله، ولأن من وجهة نظري إن حاجة زي دي صعب تحصل عشان أكيد هتنكشف؛ سألت علي وقُلت له:

-هي ماما كانت بتجيب الدجال البيت ليه؟

إجابته على سؤالي كانت خارج توقعاتي، وده لأنه قال لي:

-مُش ماما اللي كانت بتجيبه، هو اللي كان بيظهر في البيت بالليل، بالأمارة رجليه لونها بني محروق ومالوش كفوف!

حسيت بصعقة كهربا ضربت جسمي، وده ببساطة لأن وصف علي لرجلين الدجال كان نفس وصف رجلين الشيء الغامض اللي شُفته وأنا على سطح الكرَّاكة!

حاولت أفوق من الصدمة، أخدت نفس عميق وبلعت ريقي وسألته:

-وأنت إيه اللي خلاك متأكد إن اللي شُفته يبقى الدجال؟!

-لأني لمَّا شُفته كذا مرَّة لقيته ماسك في إيده حتة قماشة زي اللي ماما حطتها في بطن المرتبة.

قطع كلامنا رنِّة تليفوني، بصيت في شاشته لقيته سواق التريلا، ولمَّا رديت عليه قال لي:

-صباح الخير يا أُسطى عمَّار، معلش كنت على الطريق، وأوِّل ما وصلت لمكان فيه شبكة وصلتني رسالة إنك حاولت ترِن عليا.

ردِّيت عليه الصباح وقُلت له:

-أنا فعلًا رنِّيت عليك وكنت عاوزك تيجي عشان تحمِّل الكرَاكة والعوامة ونرجع.

-بالسرعة دي لحقت تخلَّص، ده أنا لسَّه موصَّلك ليلة امبارح.

-معلش بقى أًصل حصلت ظروف ومش هكمِّل الشغلانة.

-طيِّب ولو فيها رخامة تقدر تنتظرني لبكره الصبح، أصل معايا شغلانة ومش هقدر أعتذر عنها وكلامك فاجئني.

-خلاص ماشي يا أسطى، من هنا لبُكره الصبح مُش بعيد، هنتظرك.

بمجرَّد ما قفلت معاه سمعت صوت حد طالع على السلم، ومفيش ثواني لقيت الحاج ياسين والحاج زياد واقفين قدامي، ساعتها الحاج ياسين بَص للحاج زياد ولابنه وقال:

-سيبنا شوية يا حاج زياد، عايز أتكلِّم مع الأسطى عمَّار في كلمتين.

بعد ما بقينا لوحدنا ودخلنا قعدنا في الأوضة لقيت الحاج ياسين بيقول لي:

-لسَّه ناوي على اللي في دماغك يا أُسطى عمَّار؟

-حُط نفسك مكاني يا حاج، آخد بعضي وأمشي ولا تلاقوا جثتي عايمة جنب شَط الترعة!

-عن نفسي مش عارف أقول لك إيه، كلامك كله على حق، بَس إحنا عاوزين نرتاح من اللي إحنا فيه.

-الراحة اللي بجد إنكم تعرفوا إيه السبب اللي خلَّى الترعة توصل للي هي فيه، ولمَّا تحلو مشكلتها تبقوا تطهَّروها.

-يعني دَه آخر قولك؟

-ومفيش قول بعده يا حاج.

كان لسَّه بيقوم من على الكنبة ولقيت فضولي بيدفعني أسأله سؤال، وفعلًا سألته:

-هي البلد دي فيها دجَّال؟

سؤالي خلاه يتجمِّد في مكانه، بَص لي باستغراب وقال:

-وهوَّ في مكان بيخلى منهم، دَه كل منطقة وفيها شخص ملعون من دول، بَس إيه اللي خلاك تسأل السؤال ده!

-يعني في دجَّال هنا، ووصفك له بإنه من الأشخاص الملعونة يبقى أكيد سيرته مسمَّعة.

-سيرته مسمَّعة وكلها هباب، بَسطاوي الملعون.

قرَّبت منه بخطوات بطيئة وسألته:

-مفيش حد فيكم خطر على باله إن اللي اسمه بسطاوي دَه يكون له علاقة بالحال اللي الترعة وصلت له.

-وإيه علاقة بسطاوي الدجال باللي بيحصل في الترعة، دَه واحد ملعون عايش على السِّحر والشعوذة، بيطلَّق واحدة من جوزها أو يمرِض واحد أو يخلّي واحد ييجي على وشُّه لحد بيت واحدة، يعني جَلب وتفريق ومرض وكلام من دَه والعياذ بالله، لكن الترعة هي اللي فيها جنِّية بتاخد الشباب والكل بيخاف يقرَّب منها.

-ومين بقى صاحب فكرة الجنِّية، بسطاوي الدجال ولا أهل القرية اللي وصلوا للفكرة دي بعد دراسة اللي بيحصل.

-لأ بسطاوي مالوش علاقة باللي بيحصل في الترعة، حتى لمَّا الحكاية بدأت في ناس لجأت له ومرضاش يتدخَّل وقال إنه ميفهمش غير في الشغل اللي متعوِّد إنه يعمله وبس.

-وامتناع بسطاوي عن إنه يتدخَّل في الحكاية مخلَّكوش تشكُّوا إنه عارف اللي فيها ومش عايزه ينتهي لسبب هو بس اللي يعرفه، يعني على الأقل لو كان ساعد أهل البلد في حل المشكلة جايز دَه يغيَّر فكرتهم عنه، وميبقاش في نظرهم شخص ملعون، وامتناعه بيقول إنه عاوز ده يستمر.

-مستحيل نظرتنا عنه تتغيَّر، ده والعياذ بالله بيقولوا إنه لمَّا واحدة بتروح له تعمل سِحر بيطلب منها تعمل معاه حاجات تغضب ربنا، وبيقول إن دي طلبات الجِن اللي معاه.

وهنا عرفت سبب إن الحاج زياد مقالش السبب الحقيقي ورا طلاق مراته، وقال إنها حبَّت واحد تاني وكانت عايزة تتجوِّزه، وشاف من وجهة نظره إن ده شيء محتمل الحدوث، ومن وجهة نظره برضه كان أهون بكتير من إن يتقال احتمال مرات الحاج زياد تكون عملت حاجات تغضب ربنا ومع دجال كمان، بَس دَه كلُّه خلاني أقول:

-بَس أنا واثق إن بَسطاوي ورا اللي بيحصل.

لمَّا الحاج ياسين شاف إصراري سألني:

-إيه اللي خلاك تسأل عن الدجال وليه مُصمم إن له علاقة باللي بيحصل، ما كل مكان فيه دجال واتنين وتلاتة ومفيش عندهم اللي بيحصل عندنا، ولا كل حاجة بتحصل مش قادرين نعرف سببها هنقول إن الدجالين هُمَّا السبب فيها.

-جايز كلامي مُش مقنع بالنسبالك يا حاج، بَس أحيانًا ربنا بيبعت لك الإشارة اللي تمشي وراها عشان تحِل لغز مش عارف توصل لحلُّه.

-ويا ترى إيه هي الإشارة اللي جَت لك يا أُسطى عمَّار؟

-علي ابن الحاج زياد، أظن لمَّا طلعتوا من شوية شُفتوه وهوَّ واقف معايا، كان بيحكي عن إن سبب طلاق والدته إنها راحت للدجال، وإن التعب اللي كان عند أبوه بسبب العمل اللي عملته، بَس قالوا سبب غير ده لأنك عارف اللي فيها، وعارف الدجال بيطلب إيه من أي ست تروح له في شغل، لكن مُش ده اللي خلاني أقول إن الدجال هو السَّبب، في حاجة تانية علي قالها وسط الكلام، وهي إنه كان بيشوف الدجال بيظهر بالليل في البيت وقت ما كان العمل مدفون في بطن المرتبة، وقال إن رجليه كان لونها بُنّي محروق، وهو نفس وصف رجلين الشيء الغامض اللي شُفته على سطح الكرَّاكة، وكمان بيفسر ظهورك ليا في الوقت اللي كنت فيه جوَّه بيتك، في حاجات بتحصل بتقول إن في سِحر ورا الحكاية. 

كلامي خلَّى الحاج ياسين يتخشِّب في مكانه، وبعد تفكير في اللي قُلته رد عليا وقال:

-كلامك دَه لو صدق معناه إن الحرب هتقوم في البلد، ومش بعيد بَسطاوي الدجال يخربها أكتر.

بعد ما قال لي الكلام دَه قُلت له:

-كل اللي طالبه منك إنك تنسى اللي سمعته منّي عن طليقة الحاج زياد، الراجل شكله طيِّب وميستحقّش إن الناس تعمل سيرته لبانه في بوقّها، وجايز ربنا أراد إن آجي هنا وعلي يحكي الكلام دَه عشان يحصل ربط بين اللي بيحصل وبين الدَّجال ويبقى في طرف خيط تمشوا وراه عشان اللعنة دي تنزاح، الطلب التاني بقى؛ هو إني عايز أدخل بيت بسطاوي الدجال.

وشُّه جاب ألوان لأن طلبي كان غريب، بَس لمَّا شُفت الاندهاش على ملامحه كمِّلت كلامي وقُلت:

-أنا غريب عن البلد، يعني بسطاوي الدجال لا عُمره شافني ولا ملامحي عدَّت قصاد عينيه قبل كده، وغرضي من دخولي البيت هو إني هتعامل وكأني زبون جاي من بلد بعيدة وقاصده في خدمة، وهقول إني سألت عن واحد سِرُّه باتع والناس دلَّتني عليه، جايز من كلامي معاه أوصل لطرف خيط يساعدكم، وبكده أبقى قدِّمت المساعدة لكم من غير ما أنزل الترعة في نُص الليل بالكرَّاكة وأعرَّض نفسي للخطر، ولا إيه رأيك يا حاج؟

زي ما يكون سَرَح مع كلامي وراح لدنيا تانية، بَس بعد شوية لقيته بيقول لي:

-لو على دخول بيت بسطاوي بسيطة، أنا هاخدك لمكان قريِّب من البيت وهشاور لك عليه وأنت عليك الباقي.

بمجرَّد ما خلَّص كلامه لقيت تليفوني بيرن، كان سواق التريلا، ولمَّا فتحت المكالمة لقيته بيقول لي:

-الشغلانة اتأجلت يا أسطى عمَّار، جاهز آجي لَك النهارده؟

بعد ما فكَّرت لثواني رديت عليه وقُلت:

-خليها بُكره يا أسطى، هخلص شغلانة بسيطة كده والصُّبح أكون جاهز إن شاء الله.

قفلت المكالمة وقُمت مع الحاج ياسين، وعلى السلم قابلت علي، كان بيبُص لي بصَّة فهمت منُّه إنه بيقول لي متجيبش سيرة الكلام اللي حكاه قدامي، ساعتها ابتسمت له في صمت وأنا بحُط كف إيدي على راسه، وبعد ما اتكلمنا مع الحاج زياد والحاج ياسين قال له إننا رايحين الجامع؛ خرجنا من البيت ومشينا، كُنَّا بنخرج من شارع لشارع، لحد ما لقيت نفسي في مكان على طرف البلد، أرض واسعة والمقابر كانت ظاهرة على مرمى البصر، وفي المكان دَه لقيت الحاج ياسين بيشاور ناحية بيت من دور واحد، كان لوحده في المنطقة ومفيش حواليه بيوت، وساعتها قال لي:

-دَه بيت بسطاوي.

بعدها خبط على كتفي بكف إيده وقال لي:

-رغم إني مش عارف اللي هتعمله هيكون نتيجته إيه؛ بس كفاية إنك بتحاول تساعدنا.

سابني وكملت طريقي لوحدي، ولمَّا وصلت عند بيت بسطاوي خبَّطت على الباب، خبطة ورا التانية لحد ما الباب اتفتح، ساعتها لقيت قدامي واحد عُمره في الأربعينات، كان لابس جلابية وشَعره أسود وجِلد وشُّه شاحب، وكان بيبُص لي بدون ما يرمِش، عينيه كانت ثابته بطريقة غريبة، جسمي قشعر وحسيت بقبضة في قلبي من بصِّته الطويلة ليَّا، معرفش ليه حسيت إنه كاشفني، حاولت على قد ما أقدر أظهر قدامه إني طبيعي، عشان كده قُلت له:

-ده بيت بسطاوي؟

بَص لي بنفس الجمود والثبات، وقال بنبرة هادية:

-اتفضل.

بمجرَّد ما دعاني لدخول البيت أخد جنب عشان يعطيني مساحة أكمِّل طريقي لجوَّه، وبمجرَّد ما دخلت قابلتني ريحة بخور شديدة، معرفش ليه حسيت إنها اتوجدت في اللحظة اللي دخلت فيها البيت.

وقفت قدام باب الشقة وانتظرت، في الوقت دَه حسِّيت بإيد بتدفعني دفعة خفيفة من ضهري، وبعدها قال لي:

-اتفضل ادخل، أنا عايش لوحدي.

برغم كلامه فضلت واقف في مكاني، عطيته فرصة يسبقني لجوَّه، وبعد ما دخل قدامي ودخلت وراه؛ قعدنا في أوضة محتوياتها كانت مُريبة، كان متعلَّق على حيطانها رؤوس حيوانات متحنَّطة، وفي أركان الحيطة لمحت حجارة متعلقة بخيوط، دَه غير ريحة الأوضة اللي كانت هي مصدر ريحة البخور، لأن كان في راكية فَحم على ترابيزة في نُص الأوضة، وكانت من وقت للتاني بتفوح منها ريحة البخور.

عيني فضلت مبحلقة في تفاصيل الأوضة، لحد ما سمعت صوت بسطاوي وهو بيقول لي:

-غريب؟

في اللحظة دي بصِّيت له وقُلت له:

-فعلًا؛ أنا مُش من البلد.

-إيه مُرادك؟

-أخويا واكل حقِّي، وعايز أنتقم.

بَص لي شوية زي ما يكون بيقلِّب كلامي في دماغه وقال لي:

-بسيطة، كل المطلوب منَّك أطَر أخوك، ونشوف طلبات الأسياد إيه، بعدها مُرادك هيتحقق.

-أنت واثق من إنه هيتحقَّق؟

سألته السؤال ده لأني في الأساس ماليش أخ، ولا في حد واكل حقي، بَس معرفش ليه مكنتش مطَّمن لمَّا لقيته بيكمِّل معايا في الكلام، واحد زي ده المفروض يقدر يكتشف إني بخدعه، أو جايز كشف اللعبة وبيكمِّل معايا عشان هوَّ اللي يخدعني في النهاية، كل ده كان بيدور جوَّايا، بس قطع تفكيري لما جاوبني على سؤالي وقال:

-ولو مش واثق إنه هيتحقق، إيه اللي جابك من آخر الدنيا لحد بيتي!

فكَّرت في سبب مقنع وردِّيت عليه:

-مقصدش؛ بَس أنا جرَّبت أكتر من حد ومفيش نتيجة.

-ودَه حصل عشان تيجي لحد عندي وتلاقي النتيجة اللي بتدوَّر عليها.

بصِّيت له واندهشت من الثقة اللي هوَّ فيها وسألته:

-تحِب أجيب لَك أطَر إيه بالظبط.

-ضافر، خصلة شعر، اللي إيدك تطوله، وبعدها الأطر هيروح المكان اللي لازم يروحه.

في اللحظة دي قُمت من مكاني وأنا بقول له:

-النهارده هكون عندك بالأطر.

بمجرَّد ما بدأت أتحرَّك من مكاني حسيت برعشة ضربت جسمي، وده لأني لمحت رجليه وهو قاعد، لونها كان بُني محروق، ومُش دَه وبَس اللي لفت نظري، كفوف رجليه كان مكانها حوافر أشبه بحوافر التيوس، وبمجرد ما أدركت دَه حسيت إن جسمي تلِّج، وقفت متنَّح لدرجة إنه أخد باله وقال لي:

-فيك حاجة يا أستاذ؟

عيني جَت على رجليه من تاني، المرَّة دي لقيت شكلهم طبيعي، زي ما يكون عقلي الباطن خلاني أشوف شيء غير حقيقي بسبب اللي حصل معايا ولمجرَّد إني دخلت بيت دجال، وبرغم كده جاوبت على سؤاله وقُلت:

-أنا بَس كنت بفكَّر هوصل للأطر إزاي.

بعدها قام من مكانه ومشي قدامي عشان يوصَّلني، وعلى الباب لقيتني بقول له:

-نسيت تقول لي طلبات الأسياد إيه.

ساعتها ابتسم وقال لي:

-على ما ترجع لي أكون عرفت منهم، بس تقَل جيبك.

خرجت من بيت بسطاوي، ولمَّا حسيت إني بقيت في أمان اتصلت بالحاج ياسين، حكيت له كل حاجة، وقُلت له إني بقيت متأكد من إن بسطاوي ورا اللي بيحصل في الترعة، ودَه بسبب إني شُفت رجليه بنفس شكل رجلين الشيء الغامض اللي ظهر لي هناك، حتى وإن كُنت شفتها بشكل مؤقت، ولمَّا سألني عن الأطر، قُلت له إني هقُص خُصلة من شَعري، ولمَّا حسِّيت إنه خايف أتأذى بسبب اللي هعمله، قُلت له إني نويت أراقب بيت بسطاوي وأشوفه هياخد الأطر ويروح فين، وبعدها أبقى أطلَّع الأطر ونشوف فيه حل، لأني فهمت من كلامه إن الأطر مش هيكون في البيت.

على آخر اليوم كُنت راجع لبسطاوي بخصلة شَعر من راسي، ولمَّا سلِّمته الأطر قال لي:

-مطلوب عشر بواكي، وبعد ما المُراد يتحقق تيجي لحد عندي وتجيب عشرة زيهم.

كنت عامل حسابي في المبلغ، الحاج ياسين عطاني الفلوس لما عرَّفته إنه قال لي تقّل جيبك، عشان كده طلَّعت الفلوس وحطيتهم قدامه على الترابيزة، بعدها قعدت عشان أشوف إيه الخطوة اللي جاية، في الوقت دَه مد إيده وطلَّع حجر من تَحت الكنبة اللي قاعد عليها، كان زي الحجارة المتعلقة في أركان الحيطان، فيه ثقوب رفيعة، بدأ يسقَّط فيها الشَّعر وبعدها بدأ يكتب عليه حاجات غريبة بقلم لونه أحمر وهو بيهمس بصوت مسموع وبيقول:

"أدخِل صاحب هذا الأطر إلى عالمك، اغمره بمائك الذي له رائحة الموت، اجعل دماءه راكدة كالماء الذي تضع عرشك عليه".

في اللحظة دي فهمت إنه بيتكلم عن الترعة، لكني فضلت ساكت لحد ما خلَّص اللي بيعمله وقال لي:

-مُرادك هيتم خلال أسبوعين، بعدها تيجي تقعد في مكانك دَه وتطلع من جيبك اللي قُلت لك عليه.

خرجت من عنده بعد ما هزيت راسي في صمت، ولما وصلت للحاج ياسين حكيت له كل حاجة، ولحد هنا بقى عندنا يقين إن بسطاوي ورا اللي بيحصل في الترعة، خصوصًا لمَّا جاب سيرة الميَّه في اللي بيقوله، وبالفعل، راقبنا بيته من بعيد، لحد ما الليل دخل وبقينا نُص الليل، الشوارع كانت فاضية وشِبه ضلمة، وساعتها شُفنا بسطاوي وهو خارج من بيته وفي إيده كيس أسود، ومكانش عندي شَك إن الكيس الأسود ده جوَّاه الحجر اللي فيه أطري.

فضلنا وراه من بعيد، كان واخد اتجاه الترعة لحد ما وصل عندها، ساعتها شُفناه بينزل في الأرض وكأنه بيركع لكيان أقوى منه، وبعد شوية لمحنا شيء بيتحرَّك في الضلمة، كان خيال ضَخم، لونه بُني محروق، بدأ يقرَّب من الشط ناحية بسطاوي، اللي أوِّل ما الكيان بقى قدامه رفع إيده وناوله الكيس باللي فيه، وساعتها الكيان أخد منُّه الكيس ونزل به تَحت الميَّه.

لو اللي شُفته بعيني كان في فيلم مكنتش صدقته، لكنه حصل قدام عيني أنا والحاج ياسين، وفي الوقت دَه راقبنا بَسطاوي وهو راجع لحد ما دخل بيته.

بعدها رجعنا على بيت الحاج زياد، ساعتها الحاج ياسين طلب منّي أطلع أرتاح عشان لمَّا النهار يطلع هيجمع أهل البلد ويقول لهم الحقيقة، وبالفعل؛ خبطت على الباب وعلي ابن الحاج زياد فتح، طلعت الأوضة بدون ما أتكلم، وبمجرَّد ما دخلت لقيت نفسي بتخشِّب في مكاني، لأني شُفت حاجة متخيلتش إنها تحصل.

بسطاوي كان واقف قدامي، وبمجرد ما استوعبت دَه لقيت باب الأوضة اتقفل من نفسه، نور الأوضة بدأ ينوَّر وينطفي بدون مبرر، ولمَّا النور استقر بسطاوي رفع جلابيته وهو بيبتسم وقال لي:

-اللي شُفته هو الحقيقة، واللي الناس متعوِّدة تشوفه هوَّ الضلال.

في اللحظة دي رجليه كان لونها بني محروق ومليانة شَعر وكفوف رجليه كان مكانها حوافر، بلعت ريقي من الخوف ولساني منطقش بكلمة، لكن هو اللي كان بيكمل كلامه:

-أوعى تكون فاكر إني مش عارف إنك سواق الكرَّاكة، أوِّل ما وقفت قدامي قرأت اللي في دماغك، وعرفت أنت وصلت لي إزاي، عشان كده خليتك تشوف الحقيقة قبل ما تخرج من عندي. أنا عارف إن معندكش أخ، وقبلت أعمل لك السِّحر وأنا عارف إن الأطر من شَعر راسك، أصل بالإضافة لأني عارف أنت مين، نسيت إنك تداري المكان اللي أخدت منه الخُصلة من شعرك، كان حقك تروح لحلاق محترف عشان تاخد الأطر الوهمي بدون ما يسيب أثر، عشان كده عملت لك سِحر بالموت يا عمَّار، ورغم إنك عارف المكان اللي السِّحر فيه، فأحب أقول لك إنك مش هتقدر تطلَّعه بالكرَّاكة بتاعتك، كان غيرك أشطر، لأن الترعة بوابة الكيان اللي ساكنها بيدخل ويخرج لعالمنا منها، وكل الأسحار اللي اتوكِّل بيها محميِّة بحماية البوابة، الحكاية أكبر من اللي في خيالك يا عمَّار، وبالمناسبة؛ اللي دلَّك عليا راح لمصيره، أما أنا بقى؛ فبظهر وقت ما أحب ومكان ما أحب، مفيش حاجة بتقدر تمنعني، لا أبواب ولا شبابيك، وأنا اللي كنت بتكلمه أول مرة عند الترعة على إنه الحاج ياسين، جيت أشوفك لما وصلني إنك عامل إزعاج في الترعة وكان لازم أظهر لك في شكل حد تعرفه، عشان كده عرفتك بمجرد ما وقفت على بابي، وحابب أقول لك إن سعيك كله في الفاضي، ومحاولتك خلتك ترمي نفسك في التهلكة، انتظر الموت يا عمَّار لأنه خلاص استلم أطرك. 

بمجرَّد ما قال لي كده اختفى من قدامي، لفِّيت حوالين نفسي في الأوضة واكتشفت إني لوحدي، والغريبة إني لقيت نور الشمس داخل من شيش الشباك، الليل اتبخر ومعرفش فات إزاي، ساعتها سمعت رنة تليفوني، كان سواق التريلا، معرفش ليه لما رديت عليه قُلت له إني هكمل شغل وطلبت منه يرجع في الميعاد اللي اتفقنا عليه في البداية، قفلت معاه واتصلت بالحاج ياسين، حكيت له عن اللي حصل معايا، ساعتها بلَّغني إنه جاي في الطريق وطلب مني أنتظره قدام البيت، لكن لمَّا نزلت سمعت الحاج زياد وهو بيندَه على ابنه، كان بيلف عليه في البيت والقلق باين على وشه، ولمَّا سألته عن علي لقيته بيقول لي:

-قُمت من النوم ولقيت البوابة مفتوحة وعلي مش موجود.

في اللحظة دي كان الحاج ياسين وصل، وساعتها طلبت منهم نروح عند الترعة، وفعلًا، لمَّا وصلنا هناك لقينا جثة طفل طافية على الميَّه بين الطحالب، وبمجرد ما شُفناها عرفنا من الهدوم إنها جثة علي.

ساعتها الحاج زياد بدأ يصرخ والناس بدأت تتجمع على صوته، وفي وسط الأحداث دي فهمت كلام بسطاوي لما قال لي إن اللي دلني عليه راح لمصيره، قربت من الحاج ياسين وسحبته من الزحمة وقُلت له:

-دلوقت الحكاية بقت مختلفة عن الأول، بسطاوي لما حس إنه بيتكشف دخل في حرب صريحة مع أهل البلد، بيموِّت اللي بيدِل عليه، والترعة دي فيها القوة اللي بيعتمد عليها، وهي اللي استدرجت علي، وأكيد هي اللي استدرجت الشباب عشان الترعة تبلعهم وحالها يوصل للمنظر ده.

بعد ما خلصت كلامي؛ لقيت الحاج ياسين بيصرخ في أهل البلد، وباختصار قالهم عن اللي شُفناه من بسطاوي ليلة امبارح، ومن هنا أهل البلد قرروا إنهم يطلعوا على بيت بسطاوي ويحرقوه ويخلصوا منه.

بعد ما جثة علي خرجت من الترعة أهل البلد اتحركوا على بيت بسطاوي، اللي كان شايل في إيده جاز واللي شايل شُعلة نار، ولما حاوطنا بيت بسطاوي شُفناه بيبُص علينا من ورا الشباك، وبدون تردُّد كل اللي شايل في إيده حاجة حدفها على البيت، وخلال وقت قصير البيت بقى أخدود نار، واتحول لكتلة فحم بدون ما بسطاوي يخرج منه.

الموضوع كان كبير، تحقيقات وإجراءات، في الفترة دي فضلت قاعد في البلد، وعرفنا إن بسطاوي كان مطلوب في قضايا نصب ودجل في المحافظة اللي كان عايش فيها، قبل ما يهرب وييجي البلد دي من خمس سنين ويقلب حالها، وبالمناسبة، كانت هي نفس الفترة اللي بدأت الأحداث الغريبة دي تظهر فيها هنا.

القضية اتقفلت ومفيش حد اتوجِّه له اتهام مباشر بحرق البيت أو قتل بسطاوي، أصل البلد كلها كانت بتغلي لما الحقيقة اتعرفت، وخصوصًا إن جثة بسطاوي مكانش ليها أثر جوَّه البيت بعد ما الحريقة انطفت، وده بيأكد إنه هرب بطريقة ما قبل النار ما تمسك في البيت، وده شيء مستحيل لأن الناس كانت حوالين البيت من كل ناحية، والكل كان متأكد من إن بسطاوي مخرجش، بس محدش عارف هو راح فين.

في الفترة دي أهل البلد شافوا شيخ مشهور، من اللي بيزور القُرى اللي البيوت فيها بتتحرق بدون سبب عشان يحل مشكلتها، وبيعالج حالات المَس وبيفِك السِّحر والكلام ده، وبعد ما دخل بيت بسطاوي وزار الترعة؛ قال لأهل البلد إن الترعة كان ساكن فيها كيان سُفلي بسطاوي حضَّره، والربط اللي بينهم كان عن طريق طلاسم مكتوبة على حيطان أوضة بسطاوي، والأوضة دي مكانش حد بيدخلها غيره، يعني غير الأوضة اللي استقبلني فيها.

الأغرب من كده إن الشيخ قال إن الكيان ده كان بيتغذى على روح الشباب اللي بيغرقوا في الترعة، وده كان العهد اللي تم بينه وبين بسطاوي، إنه يسكن الترعة ويكون خادم السحر اللي يترمى فيها، في مقابل إنه يستحوذ عليها ويستدرج الشباب اللي يختارها، يعني قَتل مع سبق الإصرار والترصد، وبدون ما يكون في مجرم واحد يتم إدانته، ولحد هنا الشيخ قال إن بسطاوي كان بيعمل أنواع كتير من السحر، وكان بيستخدم الترعة في سِحر اسمه سِحر الحجارة، يعني كان بيعمل الأسحار على حجارة عشان تفضل في قاع الترعة وميكونش في فرصة إنها تطفو، أما الخبر الصاعق بقى اللي عرفناه من الشيخ، هو إن أصلًا بسطاوي مات من زمان وغرق في الترعة، وده بسبب إنه مبقاش عارف يسيطر على الكيان اللي استحضره، لدرجة إنه استدرجه زي ما بيستدرج الشباب وغرَّقه في نُص الليل، واللي اتجسِّد في هيئته هو قرينه، اللي الكيان ده كان بيتحكم فيه عن طريق الطلاسم اللي في أوضة بسطاوي، ساعتها اتفسَّر اختفاء جثة بسطاوي بعد الحريقة، وبالنسبالي الكلام فسَّر ازاي ظهر لي زي ما قال في هيئة الحاج ياسين، وظهر لعلي الله يرحمه في البيت لما كان السِحر موجود، ويا عالم كان بيظهر لمين تاني وفي هيئة مين، ولأنه قرين وماكر، مكانش حد قادر يفهم هو بيعمل إيه، بَس ربنا أراد إن الخيوط تتجمع على إيدي والحكاية تتعرف.

 ولأن زي ما أعرف إن القرين شيطان ماكر؛ أكيد كان بيطلب من الستات اللي بتدخل البيت طلبات تغضب ربنا، وكان بيستغل إن مفيش بعد الكُفر ذنب، يعني اللي داخلة بيت دجال ترتكب كبيرة زي السِّحر مش هيكون بعيد عليها ترتكب كبيرة تانية أنتوا عارفينها، لكن زي ما الشيخ قال إن النار اللي مسكت في بيت بسطاوي حرقت الطلاسم، اللي بالمناسبة مفعولها بينتهي بالنار، يعني وقت الحريقة الطلاسم فسدت وتم انفصال قرين بسطاوي عن الكيان اللي في الترعة، ده غير إن الكيان نفسه غادر الترعة لمجرد إن الطلاسم اللي كانت ربطاه بيها اتحرقت، وده اللي خلى الشيخ يطلب من أهل البلد إنهم يبدأوا في تطهير الترعة بشكل طبيعي.

مع زيارة الشيخ للبلد بدأت أشتغل في تطهير الترعة، أجِّلت رجوعي وكنت مصمم إني أكمل لحد النهاية، أهل البلد كانوا بيتجمعوا عند الترعة ومحدش كان بيروح بيته غير لما أخلَّص شغل كل يوم، مشيت بالكرَّاكة في الترعة بطول البلد، طلَّعت حجارة ياما عليها سِحر من اللي رماه اللي ميتسمَّاش بسطاوي، أو قرينه زي ما بقينا فاهمين، والشيخ كان بيفِك السِّحر اللي بيطلع أول بأول، ومع كل سِحر بيطلع كان في شخص بترجع له حياته الطبيعية، أو واحدة بترتاح من مرض مش معروف سببه، حتى الحجر اللي اتعمل عليه سِحر بالأطر بتاعي خرج واتفك، لحد ما نزِّت معلقة الكرَّاكة في الميَّه ولقيتها طالعة بجثة، حطيتها على الشط وأهل البلد اتجمعوا حواليها، ولأن منظر الجثة بيقول إنها ميِّتة من زمان، ومفيش غريق بيفضل تحت الميَّه طول الفترة دي، فكلنا كنا عارفين إن دي جثة بسطاوي، حتى الشيخ أكد على كلامنا، ولحد هنا بقى معروف إن محدِّش من أهل البلد لطَّخ إيده بدمُّه، بالعكس، هو اللي اتسبب في موت نفسه وفي موت شباب كتير بالسِّحر اللي عمله بدون ما حد يعرف، لأن أهل البلد كانوا فاكرينه دجال عادي زي أي دجال، وميعرفوش إنه حوِّل الترعة لمقبرة حجارة مكتوب عليها سِحر بعد ما خلَّى الكيان اللي حضَّره يسكنها، لدرجة إنها اتلعنت وبقت لعنة على أهل البلد، ولو استمرَّت كانت قضت عليهم، بَس مفيش شَر بيدوم للأبد، في وقت محدد شوكة الشَّر لازم تنكسر فيه.

خلَّصت تطهير الترعة والدنيا رجعت لطبيعتها، الأعمال اتفكَّت والميَّه بدأت تجري زي ما كانت قبل دخول بسطاوي البلد، وقبل ما أمشي زُرت قبر علي واترحَّمت عليه، بعدها سلِّمت على الناس، كانوا بيتعاملوا معايا على إني بطل قومي، وزي ما أكرموني في الضيافة أكرموني في الأجر اللي أخدته، وبرغم إني كنت رافض أي أجر واكتفيت بإني عملت خير ربنا جابه لحد بابي؛ وساعدت في خلاص البلد من اللعنة اللي فيها، لكن إصرارهم كان أقوى من رفضي، عشان كده أخدت الفلوس وحمِّلت الكر

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
إحصائيات متنوعة

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↑1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة ياسمين رحمي
4↓-2الكاتبمدونة محمد شحاتة
5↓الكاتبمدونة اشرف الكرم
6↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
7↓الكاتبمدونة ياسر سلمي
8↓الكاتبمدونة حسن غريب
9↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
10↓-1الكاتبمدونة حاتم سلامة
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑58الكاتبمدونة خالد دومه56
2↑43الكاتبمدونة كريمان سالم70
3↑29الكاتبمدونة عبير محمد119
4↑23الكاتبمدونة غازي جابر79
5↑18الكاتبمدونة ياره السيد112
6↑15الكاتبمدونة آمال صالح21
7↑14الكاتبمدونة عبير مصطفى73
8↑13الكاتبمدونة عبير بسيوني173
9↑12الكاتبمدونة أسماء نور الدين83
10↑12الكاتبمدونة شيماء الجمل129
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1068
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب687
4الكاتبمدونة ياسر سلمي649
5الكاتبمدونة مريم توركان573
6الكاتبمدونة اشرف الكرم566
7الكاتبمدونة آيه الغمري492
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني422
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين416
10الكاتبمدونة سمير حماد 399

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب328545
2الكاتبمدونة نهلة حمودة184317
3الكاتبمدونة ياسر سلمي176064
4الكاتبمدونة زينب حمدي168338
5الكاتبمدونة اشرف الكرم126463
6الكاتبمدونة مني امين115748
7الكاتبمدونة سمير حماد 105385
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي96563
9الكاتبمدونة مني العقدة93479
10الكاتبمدونة مها العطار86756

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة عبير سعد2025-05-23
2الكاتبمدونة هاله اسماعيل2025-05-18
3الكاتبمدونة محمد عرابين2025-05-15
4الكاتبمدونة اريج الشرفا2025-05-13
5الكاتبمدونة هبه الزيني2025-05-12
6الكاتبمدونة مها الخواجه2025-05-10
7الكاتبمدونة نشوة ابوالوفا2025-05-10
8الكاتبمدونة كريمان سالم2025-05-10
9الكاتبمدونة رشا ماهر2025-05-09
10الكاتبمدونة مها اسماعيل 2025-05-09

المتواجدون حالياً

1712 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع