قابلتها صدفة؛ لما نزلت أتمشى بالعربية بالليل؛ لأني كنت مخنوق، قولت يعني أشوف الدنيا وكده، وبالمرة أتعشى في أي مطعم.
وفي شارع هادي، لقيتها ماشية على الرصيف لوحدها، معرفش إيه اللي جذبني لها، يمكن طريقة مشيتها، أو الطقم اللي هي لبساه، لقيت نفسي بقرَّب منها بالعربية، وبفتح الشباك اللي ناحيتها، وبضرب كلاكس.
التَفَتِت ناحيتي، كانت جميلة جدًا، قولت أتعرَّف عليها، وبالمرَّة أعزمها على العَشا، جايز توافق، فضلت وراها لحد ما اقتنَعِت وركبت معايا، لأني قولت لها إني مخنوق؛ ورايح أتعشى في مطعم، ولو قبلت تتعشى معايا؛ هيكون دافع إني أتجاوز الخنقة اللي أنا فيها، لأن الواحد بيرتاح لما يفضفض لحد مايعرفوش، وقولتلها كمان لو عايزة تسيبيني بعد العَشا مُش هعترض؛ وكنت مبسوط إني هقضّي سهرة سعيدة.
وفعلًا؛ وصلنا مطعم شيك وهادي، دخلنا وكانت ماشية جنبي، غزال على حق، ولما الويتر شافنا داخلين من الباب، قرب مننا وقال:
-نورت يا فندم، تحِب تقعد على أي ترابيزة؟
رديت عليه وقولت:
-لأ أنا عاوز كابينة.
بص لي باستغراب كده وقال لي:
-تحت أمرك، اتفضل.
شاور لي ناحية كابينة في مكان هادي جدًا، وأخدتها ودخلنا، قولت كده اكتملت أركان السهرة السعيدة، مطعم هادي وبنت جميلة وكابينة لطيفة، قعدنا وقفلنا باب الكابينة، ومن العادي إن الويتر مش هييجي غير بعد شوية، نكون يعني قررنا هنطلب إيه، فتحنا المنيو، على شان نختار هنتعشّى إيه، لكن اتفاجأت إنها خجولة جدًا، حتى لما سألتها اختارت إيه، حطّت المنيو على الترابيزة قدامها وقالت لي:
_اطلب لي زي ما هتطلب لنفسك.
وبعدها مدَّت إيدها وهي مشبّكاها قدامها، وابتسمت ابتسامة خجل؛ ووشها في الأرض، قولت فرصة إني أعمل جو رومانسي، ولَّعت الشموع اللي على الترابيزة، ومديت إيدي قفلت نور الكابينة، وساعتها بس؛ حسيت إن قلبي هيقف، وعايز الأرض تتشق وتبلعني.
شكلها في ضوء الشموع كان مرعب، ودانها طويلة، وعينيها لونها أحمر، وبشرتها زي ما تكون من دخان أبيض، لكنها كانت محتفظة بنفس ابتسامتها الخجولة، برغم إنها في اللحظة دي كانت ابتسامة مرعبة.
صرخت من المنظر اللي شوفته، وغصب عني؛ مديت إيدي فتحت نور الكابينة، على شان أشوف الكرسي اللي كانت قاعدة عليه فاضي، معرفش اتبخَّرت وراحت فين، لكن واضح إن صرختي كانت عالية، لأن الويتر فتح باب الكابينة ودخل، وسألني:
-أنت كويس يا فندم؟ في مشكلة عند حضرتك؟
بصيت حواليا وأنا مش فاهم اللي بيحصل، وقولت وأنا بفكر هي اختفت فين:
-لأ، مفيش مشكلة ولا حاجة، مشوفتش الآنسة اللي كانت معايا؟ تكون خرجت أو حاجة؟
ساعتها بصّ لي بصة غريبة، تقريبًا نفس البصة لما طلبت منه كابينة، وقال لي:
-آنسة مين يا فندم؟ حضرتك كنت داخل المطعم لوحدك!
بصّيت له وأنا متنَّح، ومش لاقي حاجة أقولها، لكنه سألني:
-حضرتك اخترت هتتعشى إيه؟
فضلت ساكت، ببحلق في المنيو اللي قدام الكرسي اللي كانت قاعدة عليه، ولقيته في مكانه، برغم إنها كانت مسكاه في إيدها، ولما سابته، حطته في مكان مختلف عن اللي هو فيه دلوقت، ساعتها بس؛ أدركت إن وارد جدًا يكون مفيش حد كان معايا، وأكيد ده سبب استغراب الويتر، لما طلبت كابينة بدل ترابيزة.
برغم إني مكنتش مستوعب اللي حصل، لكن بما إني دخلت المطعم كان لازم أتعشى، طلبت وجبة عشوائية من المنيو، وأكلت على السريع وخرجت، وكنت مُدرك تمامًا، إن اللي جت معايا لحد هنا، ودخلت معايا الكابينة على شان تشاركني العَشا؛ مكانتش إنسانة، وتأكدت من إدراكي ده؛ لما بصيت في الكابينة وأنا خارج من المطعم بعد ما حاسبت، ولمحتها جوَّه، قاعدة في مكانها على الكرسي، وبتبتسم نفس ابتسامتها الخجولة! ساعتها بس؛ عرفت إنها هتكون
سهرة سعيدة فعلًا لو ماكنتش قابلتها.
***