"يا عم قول يا باسط، شقة إيه اللي مسكونة بالعفاريت، ماعفريت إلا بني آدم".
لما اتنقلت للفرع اللي الشركة فتحته من فترة؛ عملت فيها سبع البرمبة، وطلبت أسكن في الشقة اللي الشركة مأجراها؛ على شان يعني أسعار الإيجار غالية؛ وفي ناس مبتقدرش تدفع إيجار سكن، لكن اللي اكتشفته بمجرد ما وصلت، هو إن الناس كلها ساكنة على حسابها، وسايبين الشقة، اللي حسب معلوماتي يعني، إنها كبيرة وفاضية.
مكنتش مستغرب، أصل المثل بيقول: كل واحد ينام على الجنب اللي يريحه، وأنا الجنب اللي يريحني؛ هو الجنب اللي يخليني أوفَّر فلوسي.
في اليوم ده بالليل، أخدني سواق من الشركة؛ على شان يوصّلني للشقة، وفي الطريق لقيته بيقول لي:
_ما تسمع كلامي يا أستاذ "سامر"، تعالَ أشوف لك مكان تاني غير الشقة دي.
_بقول لك إيه يا عم "درغام"، ده أول يوم ليا في الفرع هنا، وأنا منقول غصب عني، مش هيبقى نقل تعسّفي ومرتبي يروح في إيجار كمان. وبعدين مالها الشقة يعني، عيبها إيه؟
_مسكونة، مفيش حد دخلها وعمَّر فيها.
_يا راجل بلاش كلام فاضي، دي زمان الشركة هي اللي عاملة الحوار ده؛ على شان الناس تقول مش عايزين الشقة، وتفسخ عقدها وتوفر إيجارها. شركتنا وأنا عارفها.
_يابني مفيش حد سكنها إلا وقال إنها مسكونة.
_إشاعة، والزن على الودان أصعب من السحر، الناس بتسمع وبتصدق، وطالما صدقوا لازم يخافوا.
_والله على كيفك، كل واحد مقضيَّاه دماغه.
وصلنا عند العمارة اللي فيها الشقة، وعم "درغام" عمل معايا دقّة نقص، لأنه بعد ما وقف بالسيارة، قال لي إن آخره هنا، وإنه لو كان بودُّه يعني يوصلني بالشنطة لحد فوق، بس مش هيقدر يدخل الشقة، واضطرِّيت آخد شنطتي واطلع على السلّم، لأني اتفاجأت بالبواب وهو بيعطيني مفتاح الشقة بيقول لي إن الأسانسير عطلان، وبيبُص لي بصة كده وكأنه بيقول: الخير على قدوم الواردين، بالمفهوم العكسي طبعًا، وبعدها سألني سؤال وقال:
_هتعمَّر في الشقة؛ ولا هيبقى زيك زي غيرك؟
عملت نفسي من بنها وقولت له:
_مش فاهم تقصد إيه.
_مفيش؛ أصل كل ما حد من الشركة عندكم ييجي الشقة؛ يومين ويسيبها، والشقة على طول فاضية، زي ما تكون الشركة مأجراها في الفاضي.
_لا اطمّن، طول ما أنا في فرع الشركة هنا، هتصطبح بوشّي كل يوم.
أخدت المفتاح وشنطتي وطلعت، كنت بجُر الشنطة على السلم من التعب، لحد ما وصلت الدور الرابع، اللي فيه الشقة، اتشاهِدت وكأن حد أنقذني من الغرق، وبعدها طلَّعت المفتاح فتحت الباب ودخلت.
فعلًا الشقة زي ما اتوصفت ليّا، كبيرة وجاهزة من كل حاجة، حتى كل أوضة كان فيها جوز سراير ودولاب، وكرسي لزوم القعدة، بس أنا كنت مركز مع السرير، لأن الإرهاق قاتلني وكنت جعان نوم، حطيت شنطتي جنب السرير؛ وطفيت النور واترميت فوق السرير بهدومي، وقولت ترتيب هدومي والشنطة وأي حاجة تتأجل لبكره.
عيني بدأت تغمَّض؛ الشقة هواها مًنعش، معرفش إيه السُّمعة الهباب اللي طالعة عليها دي، ومع الوقت بدأت أروح في النوم، لكن فتحت عيني فجأة وأنا بتنفض، لأني سمعت صوت حاجة بتزيَّق، لكن في ضلمة الأوضة، مكنتش قادر أشوف حاجة، بس سألت نفسي سؤال، إيه اللي ممكن يعمل صوت زي ده، ولقيتني بجاوب على نفسي، يمكن صوت في الشارع، أو يمكن مفيش حاجة أصلًا والصوت ده كان في الحلم، جايز ليه لأ، ما أنا برضه مغيّر مكان نومي ومش متعوِّد على كده، ضروري أحلم بأحلام مزعجة.
قررت أكبر دماغي؛ ورجعت أنام، بس الصوت رن من تاني في وداني، المرَّة دي صحيت، وقولت أقوم أشوف في إيه؛ جايز فار ولا حاجة، نزلت من السرير وفتحت نور الأوضة، لكن الغريبة إني لقيت باب الدولاب مفتوح، قفلت عيني وفتحتها أكتر من مرَّة، مش معقول فار هيفتح باب الدولاب، أو هيتفتح من نفسه مثلًا، ثم إني سايب شنطة هدومي جنب السرير، إزاي دخلت الدولاب؟!
يمكن أنا دخلتها ومكنتش مركّز من التعب اللي كنت فيه؟ وسيبت باب الدولاب مفتوح وناسي!
كل شيء جايز، مش لازم أستسلم للهواجس اللي جوايا، وعلى شان أأكد لنفسي أكتر، غمضت عيني وفتحتها، واتفاجأت إن الدولاب مقفول، وشنطتي جنب السرير زي ما هي!
إيه الاشتغالات دي بقى؟ شيء غريب؛ هو أنا للدرجادي بيتهيَّأ لي؟
_لأ مش بيتهيَّأ لك.
حسيت إن في مرزبَّة حديد نزلت فوق دماغي، مكنتش مصدق وداني، أنا متأكد إن مفيش غيري في الشقة، فين وفين على ما قدرت أتحرك من مكاني؛ وأبُص ورايا، على شان أتفاجأ بحاجة غريبة فوق الكرسي اللي في الأوضة.
اللي شوفته؛ كان عبارة عن شخص متغطي بملاية لونها أبيض، عارفين أفلام زمان، لما كانوا بيظهروا الأشباح على هيئة أشخاص متغطّيين بملايات بيضا، كان نفس المنظر بالظبط، بلعت ريقي من الخوف، وأنا واقف متخشِّب وعيني متثبِّتة على الشخص ده، انتظرته يتحرك أو يقوم من مكانه، لكنه كان زي التمثال، حتى لاحظت إنه مش بيتنفِّس.
كل اللي فكرت فيه؛ هو إن ده شخص من اللي بيشتغلوا في الشركة، وتقريبا عرف إن حد جاي الشقة؛ فقرر يعمل فيه المقلب ده، وجايز متعوِّد يعمل كده مع كل اللي بيسكنوا هنا؛ على شان يطفشوا ويسيبوا الشقة، ويقعد فيها على راحته، ليه لأ، كل شيء وارد.
في وسط تفكيري؛ افتكرت إنه من ثواني بس كان بيقول لي إني مش بيتهيَّأ لي، ده اللي خلاني بصِّيت له بتركيز وقولت له:
_أنت مين؟
انتظرته يجاوبني، لكنه منطقش، دا غير إنه كان صامت وثابت مبيتحرَّكش، بدأت أقرَّب منه بخطوات بطيئة وأنا بكرَّر سؤالي، لغاية ما خلاص؛ كلها خطوتين وأوصل للكرسي اللي هو قاعد عليه، وكنت لسه بسأله:
_أنت مين؟
كان مستمر في صمته؛ وكنت مستمر في كلامي...
_ما أنت هتقول أنت مين، أصل كلها خطوتين؛ وهشيل الملاية دي من عليك، وساعتها هعرفك، وهتتفضح في الشركة كلها.
خلصت كلامي وأنا واقف قدامه، وكنت خلاص مقرر إني هنفذ اللي فكّرت فيه، بدأت إمد إيدي ناحية راسه، وأنا متوقع إنه هيعلن عن نفسه لما يتأكد إنه خلاص انكشف، لكن جموده كان غريب، مكنتش متوقع إن شخص على وشك إنه ينكشف يكون بالجمود ده، بس خلاص؛ إيدي كانت قربت تمسك الملاية من فوق راسه، وفعلًا مسكتها وشديتها فجأة من فوقه.
من الصدمة اللي أخدتها جسمي ارتعش؛ والملاية وقعت من إيدي، كنت متوقع ألاقي شخص تحت الملاية، لكني ملقتش تحتها حاجة، زي ما يكون الشخص ده اتبخّر في اللحظة اللي شديت فيها الملاية.
بس ده مستحيل، كان في حد تحت الملاية، تفاصيل الجسم وكل حاجة بتقول كده، دا غير إن الملاية مستحيل تتجسّد بالشكل ده من نفسها.
غمضت عيني وأنا بقول لنفسي:
_دي تهيّؤات، أنا بشوف تهيّؤات، أيون تهيّؤات.
لكني حسيت بصعقة في جسمي، لما سمعت الصوت من تاني، بس المرَّة دي كان جاي من ورايا؛ وهو بيقول:
_لأ مش تهيّؤات
بصيت ورايا، على شان أشوف الملاية اللي وقعت مني في الأرض، وهي واقفة جنب الدولاب وفي شخص متجسّد تحتها، بلعت ريقي وأخدت نفس عميق، وحاولت أستجمع أعصابي، وقولت بنبرة تداري الخوف اللي جوايا:
_أنت هتلاعبني ولا إيه؟ أنت مين بقول لك؟
كان في نفس الجمود اللي كان عليه وهو قاعد على الكرسي، بس أنا قررت أعمل اللي عملته تاني، وارد جدًا يكون خرج من تحت الملاية بسرعة بدون ما آخد بالي، شخص زي ده وبيعمل الحركات دي، أكيد عامل حسابه ومتدرَّب على شان محدش يكشفه، لكنه دلوقت هيروح فين، هو واقف قدامي، الدولاب من وراه وأنا من قدامه، مهما كان متدرَّب مش هيقدر يفلِت منّي المرَّة دي.
كرَّرت اللي عملته في المرَّة الأولى، شدّيت الملاية من فوقه، وللمرَّة التانية؛ الملاية كان تحتها فراغ، ومعرفش الشخص اللي بيكون تحتها ده بيختفي فين!
ساعتها بس بدأت أحِس إن في حاجة مش طبيعية، لأني واعي ومُدرِك ومُش بحلم، على شان كده بدأت ألتِفت حواليا، يمكن ألمَح حاجة أفهم منها اللي بيحصل، لكن الأوضة كانت فاضية، مفيهاش حد غيري، الملاية كانت لسه في إيدي، لما انتبهت لها؛ بدأت أحِس زي ما تكون في قوَّة بتسحبها من إيدي، ومن الرعشة اللي هزَّت جسمي؛ مقدرتش أقاوم القوة دي، سيبت الملاية من إيدي، ووقعت على الأرض، لكنها مفضلِتش ثابتة، دي بدأت تزحف زي ما يكون في حد جاررها وراه وماشي، لحد ما وصلت عند الكرسي، وساعتها بدأت تتسلَّق عليه، لحد ما طلعت فوقه، وفجأة اتجسِّدِت من تاني، زي ما يكون في حد ظهر تحتها من العدم؛ وقاعد على الكرسي ومغطّي نفسه بالملاية، لما شوفت المنظر ده قدامي؛ جسمي اتلبّش في بعضه، الخوف خلاني أتمسمَر في الأرض، خصوصًا لما باب الأوضة اترزع، واتقفل من نفسه، وعرفت إني اتحبست مع حاجة مش مفهومة.
أحيانًا؛ الخوف بيخلي الواحد يعمل حاجات ضد الشعور اللي حاسس به، لقيت نفسي للمرَّة التانية بسأل الشيء الغريب اللي قدامي، وبقول له:
-لآخر مرة هسأل أنت مين؟
في المرَّة دي؛ لقيته اتحرر من جموده، وقام من على الكرسي، وبيقرَّب ناحيتي، كان إحساس مخيف وأنا شايف ملاية بيضا متجسّد تحتها شخص مش معروف، أو شيء مش مفهوم، وبتقرَّب مني، وقبل ما يوصل عندي، لقيته بيكرر عليا نفس سؤالي:
-لآخر مرة هسأل أنت مين؟
بلعت ريقي من الخوف، وقولت:
-أنت هتزاولني ليه؟ قول أنت مين، شبح ولا جِن، ولا إيه حكايتك؟
في الوقت ده؛ حسيت إنه اتحوِّل لصدى صوت، بيردد اللي أنا بقوله، لأنه عاد عليا نفس الكلام اللي قولته بالحرف، زي ما يكون ريكوردر وبيلقط كلامي وبيعيده، كل الحكاية إن الصوت متغيَّر بس، وقفت مذهول مش عارف أعمل إيه، خايف أسأله تاني؛ لأني تقريبًا عارف نتيجة السؤال، هيعيده عليا، لكني اتفاجأت إنه بدأ يدور حواليا في شكل دائري، زي ما يكون بيحاصرني، في البداية حركته كانت بطيئة؛ وبدأت تزيد بشكل تدريجي، لحد ما وصلت لأقصى سرعتها، ومن شدة السرعة، حسيت إني متحاوط بدايرة بيضا كبيرة بلون الملاية، في اللحظة دي؛ حسيت بصداع شديد، وزغللة في عيني، حتى مقدرتش أتحمل الهوا الشديد اللي كان نتيجة دورانه، حطيت إيدي على ودني من شدة الصداع، وغمضت عيني من الخوف وبدأت أًصرخ.
بمجرد ما صرخت، الهوا اللي كنت حاسس به اختفى، حسيت بعدها بهدوء شديد، ساعتها بس فتَّحت عيني، كنت خايف أتفاجأ بحاجة تانية، لكن لقيت الأوضة فاضية، والباب مفتوح، مبقتش عارف اللي بشوفه ده حقيقة ولا تهيؤات، فجأة حاجات بتحصل، وبعدها الدنيا ترجع لطبيعتها، ولا كأن في حاجة حصلت، مبقتش عارف المشكلة فيا ولا في الشقة، ولا إيه الحكاية بالظبط، بس فجأة رن في وداني كلام عم "درغام" السواق، إن الشقة مسكونة، معرفش كنت ناسي الحكاية دي إزاي، ولا عدم إيماني بالخرافات خلاني أنسى، أو مهتمِّش، أيًا كان السبب اللي خلى الكلام يروح من بالي، لكن شكله حقيقي، واللي دخلوا هنا قبلي وسابوا الشقة في نفس اليوم؛ مكانوش بيقولوا أي كلام وخلاص، الشقة دي فيها حاجة، ساكنها كيان مش معروف هو إيه، ولا معروف سبب وجوده هنا، ويمكن ظهوره ليا تحذير، على شان أمشي، محدش عارف لو تجاهلت التحذير ده؛ إيه اللي ممكن يحصل، جايز الحكاية تتطوَّر، يمكن يأذيني مثلًا.
استغلّيت فرصة إنه اختفى، وإني كنت نايم بهدوم الخروج، وشنطتي زي ما هي جنب السرير؛ وقولت أخلع من الشقة المهببة دي، مديت إيدي وأخدت الشنطة، ويادوب لسه بتحرَّك على شان أمشي، ولقيته ظهر من العدم على باب الأوضة، الملاية مغطّياه كالعادة، وقفت متخشِّب في مكاني، زي ما يكون بيقول لي: مانتش خارج؛ أو نهايتك هتكون في الشقة دي، محاولتش أتكلم، لأني عارف إنه هيعيد عليا كلامي، كل اللي عملته هو إني وقفت أبُص له، لكني اتفاجأت إن هو اللي بيكلّمني:
-رايح فين يا "سامر"؟
اترعبت لما لقيته بيكلمني باسمي! وطبعًا مش هسأل هو عرف اسمي منين، دي حاجة معروفة يعني، دا أكيد عفريت أو جِن، بس فكرة إن كيان زي ده يكلّمك باسمك شيء مرعب، لقيت إيدي بتسيب الشنطة غصب عني، وبقول له:
-أنا هسيب الشقة، مش هقعد فيها ثانية واحدة.
-وأنت فاكر إن الخروج من هنا عادي كده؟
-قصدك إيه؟
-مش في مثل بيقول: دخول الحمام مش زي الخروج منه.
-بس أنا مكنتش قاصد آجي هنا، كل الموضوع كان غصب عني، اتنقلت نقل تعسّفي، والإيجار غالي، ومكنش قدامي غير إني أسكن في شقة الشركة.
بمجرد ما قولت شقة الشركة، وحسيت إني ارتكبت جريمة في حقه، بدأ يصرخ فيا ويقول لي:
-الشقة دي مش بتاعة حد غيري، فاهم يا "سامر"؟ دي شقتي وبس.
بعدها اختفى من قدامي، أو على شان أكون دقيق في كلامي، اختفى من تحت الملاية، وهي وقعت في الأرض، كان لازم آخد قرار سريع وأخرج من الشقة، مسكت شنطتي وبدأت أجري ناحية باب الأوضة، كنت مرعوب وأنا عارف إني هعدّي من فوق الملاية، لكن مكنش قدامي حل تاني، وبمجرد ما وصلت عند الباب، وبرفع رجلي على شان أنُط من فوقها، ولقيتها اتحرَّكت فجأة، زي ما يكون حد سحبها بسرعة وخرَّجها في الصالة برَّه، وزي ما يكون متعمّد إنه يحطها في طريقي ناحية باب الشقة، زي ما يكون عاوزني أفقد الأمل، ويفهمني إن الطريق للخروج مقفول، وفعلًا ده اللي حصل، بمجرد ما كملت طريقي، ولقيته بيتجسد من تاني تحت الملاية، وبيقوم من الأرض، لكن المرَّة دي؛ لمحت من تحت الملاية كفوف رجلين بني آدم زينا، لكن لونها كان أحمر، زي ما يكون الدم مكتوم ومتجلَّط فيها، أعصابي سابت من الخوف، ونفسي بدأ يقف، والخوف سيطر عليا أكتر، لما بدأت أشوفه وهو بيخرج منه خيالات لونها أبيض، كل خيال كان بيخرج بيتحوِّل لشخص متجسد تحت ملاية بيضا، وفي ثواني، لقيت منه نُسَخ كتير في الصالة، كانوا عاملين دايرة حواليا، مبقتش عارف أتصرف إزاي ولا أعمل إيه، وبرغم إن بيني وبين باب الشقة كام خطوة، لكن مكنتش قادر أتحرَّك خطوة واحدة من مكاني، لحد ما الدايرة بدأت تضيق عليا، كانوا بيقربوا مني، كلهم نسخة طبق الأصل من الكيان اللي ظهر لي أول مرة، لدرجة إني مبقتش عارف أحدد مين الأصل، ومين النسخ اللي خرجت منه.
لما الدايرة ضاقت عليا، وحسيت إنهم خلاص هيبلعوني جواهم، نزلت على ركبي في الأرض من الخوف، معملتش ده عن عمد، لكن حرفيًا رجلي فقدت قدرتها على إنها تشيلني؛ وَقَعت، ومن الرعب اللي كنت فيه، سيبت شنطتي، وغمضت عيني وحطيت إيدي على وشي وبدأت أصرخ.
كنت على نفس وضعي مستمر في صراخ هيستيري، أول مرة أعمل حاجة زي دي؛ لكن اللي بيحصل أكبر من إني أتحمله، الإنسان ضعيف، وأبسط شيء يدافع عن نفسه به، هو إنه يعبر عن خوفه حتى لو هيصرخ، معرفش فات وقت قد إيه على الوضع اللي أنا فيه ده، ولا أعرف إيه اللي بيدور حواليا، لكن فجأة لقيت إيد بتمسكني، ساعتها جسمي اتنفض واتحوِّل للوح تلج، وحسيت بزلزال بيهزّني، لكن وقتها سمعت صوت بيقول لي:
-اهدى يا أستاذ "سامر"، أنا عمك "درغام" السواق.
رفعت وشي وأنا مش مستوعب اللي بيحصل، فتحت عيني؛ ولقيت فعلًا عم "درغام" جنبي، والبواب واقف على باب الشقة، شنطتي كانت على الأرض جنبي، مكنتش قادر أمِد إيدي ناحيتها، لكن عم "درغام" طلب من البواب ياخدها، وهو حاول يقوّمني من الأرض، كنت حاسس إن جسمي زي الصخرة، بتتحرك بالعافية، لكن قاومت الحالة اللي أنا فيها وقومت، اتسندت على دراعه ومشيت ناحية باب الشقة، لحد ما خرجنا.
نزلت السلم بالعافية وأنا ساند على إيد عم "درغام"، ويادوب وصلت المدخل، وقعدت على دكة البواب، اللي كان نازل ورانا بالشنطة، ساعتها بس بدأت آخد نفسي، وحسيت إني اتولدت من جديد، ولما عم "درغام" حس إني بقيت كويس قال لي:
-مش قولت لك بلاش؟ ليه مسمعتش كلامي؟
رديت عليه بالعافية وقولت له:
-وأنا أعرف منين إن الشقة كده، أنا افتكرته كلام، بس مش كل الناس بتقتنع غير لما تجرب بنفسها، وأنا واحد من الناس دي.
-الساعة بقت 11 الظُهر، وأنت مجيتش الشغل، كلمناك على التليفون كتير ومردّتش، وبعتوني أشوفك؛ ليكون جرى لك حاجة، جبت نسخة مفتاح من البواب، وطلعنا لقيناك على وضعك كده في أرضية الصالة، وبتصرخ.
-التليفون سايبه من امبارح في الشنطة، وبعدين خلاص يا عم "درغام، متفكرنيش الله يخليك.
-طيب ارتاح لحد ما أجيب العربية، أصل أنا راكن ورا العمارة، لأن مفيش مكان فاضي قريب، وآخر النهار هكون شوفت لك سكن كويس، مع ناس شغالة معانا، متحملش هم.
فضلت قاعد مكاني، وسابني وخرج على شان يجيب العربية، لفت نظري البواب، اللي واقف صامت، لا بيتكلم، ولا حتى له أي رد فعل على اللي بيحصل، حسيت إن وراه سر، أو على الأقل عارف سبب اللي بيحصل، بما إنه يعني بواب العمارة، وخصوصًا لما افتكرت كلامه اللي قاله وأنا باخد منه المفتاح، ساعتها قررت أسأله، وقولت له:
-أنت تعرف سبب اللي بيحصل في الشقة، مش كده؟
بصّ لي ومنطقش، ده اللي خلاني أكمل كلامي وأقول له:
-ماهو أنا مش عايز البرج اللي فاضل في نافوخي يطير، على الأقل أعرف سبب اللي بيحصل، وكلامك امبارح بيقول إنك تعرف.
-بص يا أستاذ، أنا واحد خايف على أكل عيشي، يمكن لو قولت اللي أعرفه، الكلام يوصل لصاحب الشقة، وساعتها يفتكر إني بوقف حالها، ويعمل لي مشكلة ويقطع عيشي.
-ياعم قول، مفيش حد معانا، وبعدين أنا هخرج من البوابة دي، ومش هعتّب هنا تاني.
ساعتها بس البواب قرَّب مني، وبدأ يحكي بصوت واطي، زي ما يكون خايف الحيطان نفسها تسمعه، وقال لي:
-أنا هنا من حوالي خمس سنين، لكن كان في بواب موجود قبلي، كان ماسك العمارة من ساعة ما اتبَنَت، ولما استلمت منه، كان بيحذرني من الشقة دي، وبيقول لي يعني ما اتدخَّلش في أي مشكلة تخصها، ولا ليا دعوة باللي يسكن، ولا ليا دعوة باللي يمشي، ولولا الراجل الطيب "درغام"، ولولا إني عارف إنك فوق، وممكن يجرى لك حاجة؛ مكنتش اتدخلت. لأن البواب اللي قبلي، قال لي قبل ما يمشي عن سبب تحذيره ليا من الشقة دي، حكى لي القصة، كانت ورث لشاب وحيد أمه وأبوه، وبعد ما ماتوا، عمه طمع فيها، وبدأ يعطي للواد حبوب من اللي هي بتعمل هلاوس وتهيؤات، بدون ما الواد ياخد باله، كان على ما أعرف يعني؛ بيحطها في العصير اللي بيشربه، والواد مع الوقت بدأ يتخيّل حاجات، ويشوف ناس غريبة في الشقة، ويكلم ناس مش موجودة، والكل بقى يقول عليه مجنون، وساعتها عمه استغل الفرصة دي، وكان عايز يبقى وصي عليه وعلى الشقة، ويبقى هو اللي يتصرف فيها، لكن اللي حصل كان أكبر من كده، الواد غاب فترة، ولما بلغنا الشرطة والشقة اتفتحت، لقوا الواد شانق نفسه بملاية سرير بيضا؛ ومتعلَّق في السقف، وبعد التشريح عرفوا إنه عمل كده تحت تأثير الحبوب اللي بياخدها، الكل قال إنه كان مدمن، والحبوب هي اللي عملت فيه كده، لكن البواب اللي قبلي، قال إنه كان بيشوف عمه وهو طالع عنده كل يوم، ومعاه نفس العصير، ومرة شافه وهو بياخد شريط حبوب من واحد قدام العمارة، وبيحطه في العصير قبل ما يطلع، لكنه مقدرش يتكلم، على شان مفيش إثبات على اللي بيقوله، من وقتها، عمه أخد الشقة، وكل ما يأجرها لحد يسيبها ويطفش، لحد ما أجرها للشركة بتاعتكم، على شان يضمن إن الإيجار مينقطِعش، بس كل ما حد يسكن فيها، يقول إنه بيشوف شبح متجسد تحت ملاية، ويحذره على شان يسيب الشقة، الواد من كتر التهيؤات اللي كان بيشوفها انتحر، ومن ساعتها روحه ساكنة الشقة، وبتطرد أي حد يسكن منها. أقول لك على حاجة يا أستاذ، الشقة دي لو حد دخلها هيشوف تهيؤات لحد ما يتجنن، أنا نفسي لما بدخلها لأي سبب، بشوف تهيؤات وبتخايل بحاجة بيضا، على شان كده مدخلتش لما طلعت وفضلت واقف على الباب.
على ما البواب حكى الحكاية، كان عم "درغام" السواق وصل بالعربية، معرفش إن كان اللي قاله حقيقة، ولا جزء من الحقيقة وهو كمّل عليه من عنده، لكن اللي أعرفه، هو إن كلامه كان مطابق لكل حاجة حصلت معايا فوق، دا حتى قال إن الواد انتحر، شنق نفسه بملايه سرير بيضا، وكفوف الرجلين اللي ظهرت من تحت الملاية، كان فيها دم متجلط، نفس حالة اللي بيتشنق والدم يتجمع في رجليه، يبقى وارد جدًا يكون اللي بيقوله هو السبب الحقيقي.
قبل ما أخرج من البوابة، البواب أكد عليا ما أجيبش سيرة عن اللي سمعته منه، بس أنا وعدته إنه سر، وإن وعد الحُر دين.
خرجنا من العمارة، وعم "درغام" أخدني على شقة بيسكن فيها ناس من الشركة، لأن حالتي مكانتش تسمح بالشغل، وقال لي إنه هيبلغ الشركة بأني مريض، على شان تغيير الجو وكده، وإني هنزل من بكره، والحمد لله، خرجت بأعجوبة من الشقة اللي البواب قال عليها إنه لما بيدخلها، بيشوف فيها تهيؤات، لكن أنا كنت واثق إن كل اللي حصل معايا وأنا جوه كان حقيقة، مش مجرد تهيؤات.
---
ملحوظة: الشركة فسخت عقد إيجار الشقة، مع عم الشخص اللي انتحر، لأن الشقة فضلت فاضية، والشركة اعتبرتها عين مؤجرة بدون فايدة، وتكلفة في الفاضي.
***