من وقت ما سكنت في الشقة دي وبتحصل معايا حاجة مش مفهومة، كل ما أشتري بيتزا وأنا راجع من الشغل بالليل وأسيبها على الترابيزة لحد ما أغسل إيدي ووشّي؛ أرجع ألاقي أجزاء منها متّاكلة وأكياس الكاتشب مفتوحة والكاتشب واقع فوقها..
الحكاية بدأت تلفت انتباهي؛ خصوصًا وإن ده مش بيحصل غير لو كنت راجع ومعايا بيتزا، يعني مثلًا لو كنت راجع ومعايا سندوتشات فول وطعمية وسيبتها على الترابيزة مفيش حاجة بتقرَّب منها.
في البداية فكّرت تفكير ساذج، افتكرت إن الشقة فيها فيران هيَّ اللي بتاكل أجزاء من البيتزا، بدأت أدوَّر في كل مكان، قُلت يعني جايز ألاقي جُحر هِنا ولا هِنا؛ أو ألاقي فَتحة في حيطة؛ ولا عُقب باب مكسور، وساعتها هيكون ده المكان اللي الفار بيدخل منه للشقة، دوّرت في كل مكان بدون فايدة، مفيش جُحر ولا فَتحة أي حاجة تدخل منها، ولحد هنا لقيت تفكيري بيتغيّر وقُلت لنفسي: فار إيه ده اللي مش بياكل غير البيتزا بس؟ لأ وكمان بيفتح أكياس الكاتشب!
إحساس مُش لطيف لمّا تلاقي نفسك مش قادر تفهم أو تفسَّر حاجة بتحصل معاك، عشان كِدَه قعدت على كرسي الترابيزة وأنا مبحلق في البيتزا اللي متَّاكل منها جزء كبير والكاتشب مفرود فوق الباقي منها، وفي النهاية نفسي قفلت منها، حطيتها في العلبة بتاعتها وأخدتها رميتها في الزبالة، وفضَّلت أبات جعان ولا إني آكل بيتزا مش مفهوم إيه اللي بيحصل فيها.
بعد اللي حصل في الليلة دي؛ قررت إني مش هشتري بيتزا تاني، والدنيا بدأت تمشي معايا عادي، ولمّا بجيب أي أكل تاني مفيش حاجة غريبة بتحصل فيه، لحد ما في ليلة فتحت علبة تونة وجبت رغيفين وقعدت آكل على الترابيزة، وفي نُص الأكل سمعت صوت بيهمس في ودني وبيقول:
_البيتزا بالتونة إدمان، ليه معدتِش بتجيب بيتزا يا عادل؟
الأكل وقف في زوري، مقدرتش أبلع غير لما شربت كوباية الميَّه اللي قدامي، ولما قدرت آخد نَفٰسي قُمت من مكاني وبدأت ألتِفت حوالين نفسي وأنا بقول:
_مين اللي هنا؟
كنت بكلّم نفسي؛ لدرجة حسيت إني بخرَّف بسبب اللي كان بيحصل معايا، رجعت قعدت مكاني وأنا بستعيذ بالله من الشيطان ورجعت أكمّل أكلي، لحد ما اتفاجئت إن الطبق اللي قدّامي بيطير في الهوا وبينزل مقلوب على وشُّه وباقي التونة اللي فيه بيطير في كل ناحية، بعدها سمعت حاجة بترزع فوق الترابيزة؛ بالظبط زي ما يكون حد بيخبط بإيده، بعدها سمعت نفس الصوت بيقول:
_أنت ليه بترُد على السؤال بسؤال يا عادل؟
فضلت ألِف حوالين نفسي وأنا بقول في سرّي: "الله يقطع عادل؛ وسنين عادل؛ ويقطع اليوم اللي فكّرت أسكن فيه هنا وأشتري بيتزا".
ويادوب قُلت كِدَه وسمعت الصوت بيقول لي:
_أنت بتبرطَم بتقول إيه؟
لساني اتحرَّك بالعافية وقُلت:
_ما بقولش حاجة؛ أنتِ مين؟
الصوت زعق فيّا من تاني وقال لي:
_يا أخي اللي فيه داء مش بيبطَّله، يعني أقول لَك معدتش بتجيب بيتزا ليه تقول لي مين هنا، وأقول لك بتقول إيه تقول لي أنتِ مين؟ أنا نصيبك الأسود يا عادل.
جسمي قشعر وردّيت وأنا بقول:
_من غير ما تقولي واضح من اللي بيحصل معايا.
_ولسّه يا عادل، طول ما أنت مش بتجيب بيتزا؛ وطول ما أنت بترد على سؤالي بسؤال هخلّي عيشتك طين.
بعد ما الصوت قال لي كِدَه، سمعت رزعة من تاني على الترابيزة، بعدها حسّيت بإيد بتزُقّني، الزَّقَّة مكانتش صعبة لكن خلَّتني كنت هعملها على روحي، فضلت واقف ومش عارف أعمل إيه، أنا راجع من الشغل هلكان زي كل ليلة، وكل اللي عايزه إني آكل لقمة وأنام، بس الحكاية قلبت معايا بِغَم وحاجات ولا في الأفلام.
اتحرَّكت من مكاني ورُحت ناحية الكنبة، ويادوب لسّه هقعد سمعت الصوت بيزعق فيّا وبيقول لي:
_أنت هتقعد؟
جسمي اتخشّب في النُّص، ما بقتش لا قاعد ولا واقف، لكن في لحظات وقفت على حيلي تاني وقلت:
_أنا واقف أهو مش قاعد.
_وهتفضل واقف كِدَه؟
_يعني لا أقعد ولا أقف، أومال هعمل إيه أطير؟ صدَّقيني لو أعرف أطير مش هتأخر.
_في بني آدم بيطير يا غبي؟
_أنا فعلًا غبي، مفيش بني آدم بيطير، ما تقولي بقى أنتِ مين واللي بيحصل معايا ده حِلم ولا عِلم.
_اللي بيحصل معاك عِلم يا غبي.
_الله يكرم أصلِك، بس أنا عملت إيه عشان يحصل معايا كل ده.
_أنت بتنسى بسرعة يا عادل، ما قُلت لك، معدتش بتجيب بيتزا.
_هجيب بس سبيني في حالي.
_ما أنا مش هسيبك في حالك غير لو جيبت البيتزا، مش كفاية كنت بفوّت الأيام اللي بتجيب فيها فول وطعمية.
_خلاص هلبس هدومي وهنزل أشتري.
_عبيطة أنا عشان أسيبك تنزل، عايز تاخد ديلك في أسنانك وتمشي مترجعش.
_صدقيني هرجع، ده أنا حتى هدومي وكل حاجتي هنا.
_انسى يا عادل، في اختراع اسمه تليفون، وفي اختراع تاني اسمه دليفري، كلّم المطعم واطلب البيتزا وبلَّغهم يوصّوا الدليفري ييجي بسرعة.
_حاضر، هتصل حالًا.
مسكت تليفوني وكلِّمت المطعم، طلبت منُّه يجهّز بيتزا حجم كبير ويكتَّر أكياس الكاتشب، وبعد ما سجِّل الأوردر طلبت يبعته دليفري، ولمّا سألني عن العنوان لقيته بيقول لي:
_ما تيجي حضرتك تستلم البيتزا بنفسك يا أفندم؟
زعقت فيه وقُلت له:
_أنت هتمشّيني على مزاجك؟ بقول لك عاوزها دليفري.
قفل معايا بعد ما قال إنها هتوصل بعد ساعة، وخلال الوقت ده قعدت على الكنبة متحرَّكتش من مكاني ولا فَتحت بوقّي؛ لحد ما جرس الباب رن، ورغم كِدَ برضه متحرَّكتش، لحد ما سمعت الصوت بيقول لي:
_ما تقوم اتحرَّك، ولا هتسيب الدليفري واقف على الباب لحد ما البيتزا تبرد!
قُمت فتحت الباب، ساعتها لقيت الدليفري قدامي، معرفش ليه كان واقف بعيد عن الباب بكام خطوة؛ لدرجة إني خرجت برَّه الشقة عشان آخد منُّه البيتزا، لاحظت إنه مكانش واقف على بعضه، زي ما يكون عايز ياخد الحساب ويطير من قدامي، وبعد ما أخدت البيتزا وعطيته الحساب قرَّب منّي وقال لي:
_بالله عليك يا أستاذ، لمّا تحب تطلب بيتزا تاني ابقى عدّي استلمها من المطعم وبلاش تطلبها دليفري.
كلامه قفل دايرة الحاجات الغريبة اللي بتحصل معايا، عشان كِدَه سألته:
_ليه بتقول كده؟
بلع ريقه وهو بيبُص ناحية باب الشقة وقال لي:
_من سنتين حصلت هنا جريمة قتل غريبة، واحد قتل مراته لأنها بتصرف كل فلوسه على أكل البيتزا.
بصّيت له وقلت له باستغراب:
_إيه الكلام الفارغ اللي بتقوله ده؟
_مش كلام فارغ، دي العمارة كانت مقلوبة، أصلهم اتفاجأوا بريحة بشعة خارجة من الشقة، وساعتها اكتشفوا إن جثتها اتحلِّلت جوّه، وطبعًا جوزها كان مختفي ساعتها، بس لمّا جابوه وحققوا معاه اعترف إنه قتلها بسبب مصاريفها الكتير خصوصًا إنها بتصرف أغلب الفلوس على البيتزا، وقال يعني إنه اتخانق معاها آخر مرّة وشيطانه غلبه وخلَّاه يقتلها لمّا عرف إنها طالبة أوردر بيتزا جديد، وطبعًا زي ما حضرِتَك عارف، مفيش حد بيتقتل إلا ولازم يطلع له شبح.
كنت بسمعه وأنا مبحلق، ولمّا لقاني مستغرب قال لي:
_صدقني اللي بقوله حصل، دي حتى كانت بتطلب بيتزا من المطعم بتاعنا، ومن يومها والشقة دي مقفولة؛ لحد ما المطعم اتفاجئ إنك طالب الأوردر على العنوان ده.
شكرته وأخد حسابه وأخدت البيتزا ودخلت، قفلت الباب ورُحت حطيت البيتزا فوق الترابيزة ورجعت قعدت على الكنبة من سُكات، كنت مبحلق في البيتزا اللي كانت بتنقص قطعة ورا التانية، وأكياس الكاتشب اللي كانت بتتفتح وتفضى فوق البيتزا من نفسها، ساعتها بس اتأكدت من كلام الدليفري، يعني لو مكانش بيقول الحقيقة تبقى مين اللي كلمتني ومين اللي بتاكل البيتزا!
بعد شوية سمعت صوتها من تاني وهي بتقول لي:
_كده هرضى عليك من تاني يا عادل، وتقدر تعيش في الشقة على راحتك، أنت خلاص عرفت تمن إنك تعيش مرتاح.
بدون ما أنطق دخلت الأوضة عشان أنام، وفي الحقيقة ماكنتش عايز أنام ولا حاجة، أنا كنت عايز الوقت يفوت بس لحد النهار ما يطلع، وكان لازم أتعامل عادي عشان الدنيا تمشي طبيعي، فضلت نايم على السرير بهدومي وعيني مفتوحة، ولمّا النهار طلع خرجت من الشقة ونزلت، أخدت بعضي ورُحت للبواب، حكيت له عن كلام الدليفري ولقيته بيأكّد عليه، ولمَّا عاتبته قال لي:
_يا أستاذ أنت أوّل ساكن في الشقة بعد اللي حصل فيها، يعني مفيش حد قبلك اشتكى من حاجة، وبعدين لو كل شقة حصل فيها حاجة فضلت مقفولة الناس مش هتلاقي مكان تسكن فيه، ما العفاريت والأشباح في كل مكان.
قفلت معاه الكلام وأخدت بعضي ومشيت، بس بعد ما بلَّغته إني مش راجع تاني، وإني هقعد في فندق لحد ما ألاقي شقة تانية مناسبة، حتى لمّا سألني عن هدومي وحاجتي اللي فوق، ردّيت عليه بكلمتين مفيش غيرهم وقُلت له:
_حلال عليك!
تمت...