حطّيت شُنط الهدوم وقعدت على كنبة قريِّبة من الباب، عيني كانت رايحة جاية في الشقّة اللي بدخلها لأول مرَّة. أصل دي الشقة اللي هعيش فيها مع سليم ابني بعد ما انفصلت عن أبوه، وبالمناسبة؛ هيَّ شقّة مفروشة، طليقي أجَّرها عشان تكون مسكن الحاضِنَة، بما إني حاضِنَة لِابنُه.
لمَّا أخدت نَفَسي من السّلم، قمت وأخدت لفّة سريعة في الشقّة ورجعت قعدت مكاني، بعدها سليم قرَّب منّي وقال لي:
_ماما، إحنا هنعيش هنا؟
أخدته تحت دراعي وقعَّدته جنبي وقُلت له:
_أيوه يا حبيبي، قول لي بقى إيه رأيك، عجبتك الشقة؟
_الشقة جميلة يا ماما، بَس ليه بابا مُش هَيعيش معانا؟
حسّيت بنغزة في قلبي من كلامه، سليم مهما كان طفل ومش فاهم حاجة، عشان كده طبطبت عليه وقُلت له:
_بابا هَيعيش في شقّة تانية، بس إحنا اتفقنا سوا إنك هتقضي معاه يوم كل أسبوع.
قمت وأخدته من إيده ودخلنا أوضته، قُلت أشغله في أي حاجة بدل ما دماغه شغلاه بأسئلة كبيرة على سِنُّه، فتحت نور الأوضة وقُلت له:
_إيه رأيك في أوضتك الجديدة؟
وقبل ما يرُد على سؤالي بسؤال، صادِرت عليه وقُلت:
_يلّا بقى نجيب شنطتك؛ عشان نحُط هدومك في الدولاب.
على ما خلَّصت رَص الهدوم كان سليم راح في النوم، حطيته في السرير وغطّيته وقفلت نور الأوضة، خرجت بشويش عشان مَقلِقش نومه، بعدها فتحت شنطة هدومي وطلَّعت بيجامة عشان أنام فيها، وأجّلت رَص هدومي لتاني يوم، على ما أكون ارتَحت من الإرهاق اللي أنا فيه.
أخدت شاور ولبست البيجامة، بعدها دخلت الأوضة اللي المفروض بقِت أوضتي، طفيت النور واتمددت في السرير وأنا بفكّر شَكل الحياة الجايّة هَيكون إزاي. لكن الإرهاق اللي كنت فيه غلب عقلي اللي مكانش عاوز يوقَّف تفكير، اتفاجئت إن عيني بتغمَّض، استسلمت لحد ما جفوني قفلت غصب عني ورُحت في النوم..
مَعرفش فات وقت قد إيه لحد ما حسّيت بإيد بتهزّني في كتفي، في البداية افتكرته حِلم عشان مغيَّرة فرشتي وبنام هنا لأوّل مرّة، لكن بعد ثواني بَس عرفت إنه واقع؛ لأني سمعت صوت سليم ابني وهوَّ بيقول لي:
_اصحِي يا ماما.
فتَّحت عيني بالعافية، الدنيا كانت ضلمة وعيني مشوّشة لأنّي كنت جَعانة نوم، لكن قلقي على سليم كان تأثيره أقوى من أي إحساس مسيطر عليّا، عشان كِدَه قاومت تُقل دماغي وقُمت قعدت وأنا بقول له:
_صاحي ليه يا حبيبي؟ محتاج حاجة؟
فِضِل مبحلق فيّا بدون ما يعلَّق على كلامي، حاولت أكسر الجمود اللي كان فيه وقُلت له:
_ أنت جعان طيِّب؟ تحِب أقوم أشوف لَك حاجة تاكُلها؟
هَز راسه وهو بيعترض على كلامي وقال لي:
_في واحد جوّه في أوضتي وقاعد على سريري!
كلامه طيَّر بواقي النوم من دماغي، مدّيت إيدي وحطيتها على كتفه وطبطبت عليه، بعدها سحبته ناحيتي وقُلت له:
_زمانك كنت بتحلم يا حبيبي؛ عشان دي أوّل ليلة تنام في أوضتك الجديدة، مَش عايزاك تخاف، مَفيش حَد موجود في أوضتك، دَه مجرَّد حلم.
_ أنا مُش بحلم يا ماما، في واحد لقيته قاعد جنبي على السرير وهوَّ اللي صحَّاني من النوم.
حسّيت بمرارة في حَلقي من الخوف، بَس الإحساس اللي حسّيته مكانش ييجي حاجة جنب الخوف اللي قرأته في عيون سليم، لكن مهانش عليّا أسيبه خايف، قُمت من السرير وأنا بقول له:
_أنا هاجي معاك أوضتك، عشان أثبِت لَك إن اللي شُفته مجرَّد حلم، وعشان كمان متخافش من أوضتك اللي هَتعيش فيها الفترة الجاية.
أخدته من إيده ورُحنا على أوضته، مَعرفش ليه حسِّيت إن خطواته تقيلة، زي ما يكون مُش عاوز ييجي معايا وأنا بَجرجَرُه بالعافية، لكن في النهاية دخلنا الأوضة، مدّيت إيدي فَتحت النور وقُلت له:
_فين بقى الشَّخص اللي بتقول عليه؟
عينيه فِضِلت رايحة جاية في الأوضة، وبين لحظة والتانية كانت بتثبَت على السرير؛ قبل ما تبدأ تلِف في الأوضة من تاني وكأنه مصمِّم يلاقي حاجة مش موجودة، وعشان أخلّيه يخرج من المتاهة اللي حسّيت إنه دخلها قُلت له:
_عرفت بقى إنه كان حِلم يا سليم؟
برغم إن الواقع قدامنا بيقول إنه حلم، لكن تأثير الخوف مكانش عايز يروح من ملامحه، عشان كده حطيته في سريره وقعدت جنبه، أخدته في حضني وبدأت أطبطب عليه، وحكيت له شوية حواديت لحد ما راح في النوم.
قُمت من جنبه ومشيت، وقفت على باب الأوضة وأنا ببُص عليه عشان أطَّمِّن إنه راح في النوم، بعدها طَفيت النور ورجعت أوضتي، قعدت في السرير وأنا معنديش رغبة في النوم، دماغي سرحت في كلام سليم، رغم إنه يادوب خمس سنين، لكن مَحصلش وحَكى إنه شاف حِلم أو كابوس، لكنه انطبق عليه المَثل اللي بيقول: "أوِّل ما يِشطَح يِنطَح". سليم بدأ من راس الهَرم، أول حاجة يحكي عنها إنه شاف واحد قاعد جنبه في السرير، لأ وكمان بيقول إنه صَحَّاه من النوم!
النهار طلع وأنا قاعدة مكاني، مكانش ليّا مزاج أقوم أعمل حاجة، حتى هدومي اللي في شنطتي كسِّلت أدخَّلها الدولاب، مفكَّرتِش أقوم غير لمّا سمعت صوت كركبة جاي من أوضة سليم..
أخدت بعضي ورُحت على هناك، لقيت سليم فاتِح دولابه وواقف قدام هدومه اللي يادوب مرصوصة ليلة امبارح، الغريبة إن الهدوم كانت متبهدلة، وقفت مذهولة وأنا بقول له:
_ليه عملت كده يا سليم؟
رد عليّا وهو مبحلق في الدولاب وقال لي:
_مُش أنا يا ماما، دَه هوَّ اللي عمل كِدَه!
وقفت وأنا مُش مستوعبة اللي بسمعه، عقلي كان بينكر كلام سليم، وفي نفس الوقت؛ المنطق بيقول إن سليم مَيطولش يبهدل الهدوم في رَف الدولاب اللي فوق، إلا بقى لو كان فَتح الدولاب وطلع فوق أوّل رَف عشان يطول يعمل كِدَه، وفي نفس الوقت سألت نفسي سؤال: ليه سليم أساسًا بيعمل كِدَه؟ وإشمعنى دلوقت؟
محاولتش أتكلّم معاه في الموضوع، أصل بعض الأطفال لمّا تركّز معاه في حاجة وتقول له: بلاش تعمل الحاجة دي؛ بتلاقيه بيعملها بدافع العِند. بدأت أرتّب الهدوم من تاني، ولمَّا خلَّصت دخلت رصّيت هدومي في دولابي، بعدها اتكلّمت مع سليم وقُلت له:
-أنا هنزل السوبر ماركت اللي تحت العمارة يا حبيبي؛ عشان أشوف حاجة نفطر بيها، وكمان أشتري أي حاجة أعملها على الغدا.
هَز راسه بدون ما يتكلّم، لبست عبايتي ونزلت وقفلت الباب بالمفتاح، ويادوب مسافة السّكة؛ نزلت السوبر ماركت اشتريت الطلبات اللي محتاجاها في السريع وطلعت، دخلت الشقة وأنا قلبي بيدُق، الدنيا كانت هادية، عيني راحت على أوضة سِليم، نورها كان قايد وماكنتش سامعة حركة فيها، قفلت الباب وحطيت الطلبات على الترابيزة ورُحت دخلت الأوضة؛ لقيت سليم قاعد في السرير ومبحلق في مراية الدولاب، نَدهت عليه لكنُّه مَردّش عليّا، قرَّبت منُّه ووقفت قدامه، عينه ماترفَعِتش من على المراية، وكأنّي هوا شّفَّاف قُدّامه، قُلت: مابِدّهاش بقى، مديت إيدي ومَلِّست على شَعره وأنا بقول له:
-مالك يا سليم؟ مُش بترُد على ماما ليه؟
رَفع عينيه ناحيتي ببطء، بَص لي لثواني وبعدها رجع بَص من تاني على المراية، بعدها رفع إيده ناحية صورته المعكوسة في المراية وقال لي:
-شايفاه يا ماما؟
عيني راحت ناحية المراية غصب عنّي، مُش هَنكِر إني حسّيت بالرُّعب، وفي نفس الوقت؛ عقلي كان بيقول لي: دَه خيال طفل، في اللحظة دي كان في صوت تاني جوَّايا بيقول لي: إشمعنى خيال سليم بقى واسع وعنده القدرة يتخيَّل كل ده من ليلة امبارح بَس؟ ولحد هنا لقيتني بطمِّن نفسي وأنا بقول: جايز اللي بيحصل معاه سَبَبُه إن المكان جديد عليه، وجايز حصلت له انتكاسه بسبب انفصالي عن أبوه، وارد جدًا عقله يكون بيلجأ للحيلة دي؛ عشان يخلّيني أرجع لأبوه ونعيش سوا من تاني.
دوَّامة وحسّيت إني وقعت فيها بدون ما أنتبه، لكنّي قفلت باب التفكير في الحكاية دي عشان مَاتفتَحش باب لأي سبب يخلّيني أغيَّر قراري، وفي اللحظة دي قرَّبت من سليم وقُلت له:
-بلاش قاعدة قدّام المراية يا حبيبي، قوم تعالى شوف ماما جابت لَك فطار إيه.
شيلته وخرجت من الأوضة، قعدنا على الترابيزة اللي في الصالة، فَتحت الشنطة اللي فيها الفطار وبدأنا نفطر، ولمَّا خلَّصنا، مسكت الريموت اللي كان متعلَّق على حامل في الحيطة، فَتحت التلفزيون على قناة أطفال وبصّيت ناحية سليم وقُلت له:
-حبيب ماما هيقعد يتفرَّج على التلفزيون؛ لحد ما ماما تدخل المطبخ تشوف اللي وراها.
سيبته ودخلت المطبخ، بدأت أشوف إيه اللي موجود من الحِلل والأطباق والحاجات اللي ممكن أحتاجها، واتأكّدت إن كل الضروريات اللي هحتاجها موجودة، ساعتها عيني وقعت على أنبوبة البوتاجاز، قرَّبت منها وفتحتها، بعدها مسكت ولاعة موجودة على رخامة المطبخ، فَتحت عين من البوتاجاز وولَّعت جنبها، واكتشفت إنها مَولعِتش، قُلت أكيد المُشكلة في العين نفسها، جرَّبت العيون كلها والنتيجة واحدة، لحد ما اكتشفت في النهاية إن الأنبوبة نفسها فاضية.
خرجت من المطبخ وأنا بفكّر هتصرَّف إزاي في أنبوبة مَليانة، لكن قطعت التفكير لمَّا اتفاجئت إن سليم مش قاعد قدام التلفزيون.
رجلي أخدتني لحد أوضته، ساعتها لقيته قاعد في السرير ومبحلق في المِراية من تاني، وبدون ما أتكلِّم؛ قرَّبت منُّه وشيلته وخرجت من الأوضة، حطيته على الكنبة وقُلت له:
-أنت إيه حكايتك يا سليم؟
بَص لي ومَردّش على كلامي، عشان كِدَه كمِّلت وقُلت له:
-مُش أنا سَيباك قاعد في الصالة؟ إيه اللي خلَّاك تدخل الأوضة؟
ساعتها بَص ناحية باب أوضته وقال لي:
-لقيته واقف على الباب، شاور لي وقال لي تعالى، ولمَّا دخلت الأوضة قعدنا في السرير، وبعدها سابني ودخل المِراية قبل ما أنتي تيجي.
حسّيت إن الأرض اختفت من تَحت رجلي، جِسمي اتهَز وأعصابي سابت، بلعت ريقي بالعافية وأنا بدوَّر على تعليق مناسب يخلّيه يقفل باب الكلام في الموضوع ده، في اللحظة دي رجعت لعادة قديمة جدّتي الله يرحمها كانت بتعملها؛ لمَّا كانت بتغطّي مِرايات البيت وتقول: عشان مَفيش حَد منهم يبُص علينا، وساعتها لقيت الحَل، قرَّرت أغطّي مِرايات الدولاب اللي في أوضة سليم، مين عارف؛ جايز كلام جدّتي الله يرحمها صَح وأنا اللي فاكرة إنه مُجرَّد خُرافات.
دخلت أوضتي وبدأت أدوَّر في مجموعة ملايات موجودة في الدولاب، اخترت ملاية قديمة، ولحُسن الحظ إن لونها كان غامق، أخدتها ودخلت المطبخ، وبالمَقص قَطعتها نُصّين، بعدها دوَّرت في أدراج المطبخ على أي حاجة ممكن أثبِّت بيها الملاية في دَرفة الدولاب، الحظ خدمني ولقيت علبة دبابيس ضغط، أخدتها ورجعت أوضة سليم، وعلى كل درفة دولاب حطّيت نُص ملاية وثبِّتّها بدبابيس الضغط، ولمَّا خلصت؛ اتفاجئت إن سليم واقف على باب الأوضة، ساعتها بَص لي وقال:
-بتعملي إيه يا ماما؟
فكَّرت لثواني قبل ما أقول له:
-أنا بغطّي المِرايات يا حبيبي عشان الأطفال لمَّا بتبُص فيها كتير عينيها بتوجعها.
بَصِّته ليّا بتقول إنه مكانش مُقتنع بكلامي، لكنه مِشي معايا من سُكات لمَّا أخدته من إيده وخرجت من الأوضة، طلبت منُّه يقعد قدام التلفزيون لحد ما أشوف هعمل إيه في الأنبوبة الفاضية، ساعتها رَد عليَّا وقال لي:
-ما تخلّي عمو يجيب لِك أنبوبة مليانة يا ماما.
افتكرت إنه يُقصد البوَّاب، لكني استغربت وسألت نفسي وقُلت: هوَّ أصلًا يعرفه منين؟ إحنا يادوب وصلنا ليلة امبارح، وطلعنا بالشُّنط على الشقة بدون ما سليم يشوف البوَّاب، عشان كِدَه سألته:
-عمو مين اللي هَيجيب أنبوبة مليانة يا حبيبي؟
ساعتها شاور لي ناحية الأوضة وقال لي:
-عمو اللي في الأوضة عندي يا ماما!
مَكانش عندي رَد مناسب على كلامه، إصراره على إن في حد معاه في الأوضة كان غريب؛ وماكنتش عارفة أتصرَّف إزاي مع الحكاية دي.
سمعت صوت تليفوني جاي من أوضتي، دخلت أشوف مين اللي بيرن ولقيته كمال طليقي، قفلت الباب عليّا عشان أرُد عليه، ولمَّا فَتحت المكالمة قال لي:
-أخباركم إيه يا عالية؟
-إحنا بخير الحمد لله.
-سليم فين؟
-سليم نايم في أوضته.
-طيِّب لمَّا يقوم من النوم خليني أكلِّمُه.
المكالمة انتهت وأنا حاطَّة إيدي على قلبي، خُفت سليم يخبَّط على الباب أو يدخُل الأوضة، ساعتها كان هيكلّم أبوه، ومش بعيد يقول له على "عمّو" اللي عنده في الأوضة، وبدون شَك كمال هَيفهم كلام سليم غلط، مُش بعيد كمان يقول إني انفصلت عنُّه عشان واحد، وإني استغلّيت وجودي في شقّة لوحدي مع طفل والشَّخص دَه بقى بييجي عندي، دَه غير إن الآيفون بتاع كمال بيسجّل المكالمات بشكل تلقائي، يعني وارد جدًا ياخد كلام سليم ضدّي ويهِد الدُّنيا فوق دماغي، ومش بعيد كمان ياخد منّي حضانة الولد!
حسّيت إني بلِف في دايرة مقفولة، هواجس مُتضاربة وأفكار سلبية بدأت تطاردني، وكل دَه عشان إيه؟ عشان طِفل عنده خمس سنين بيتكلّم عن شَخص هوَّ بَس اللي شايفه!
فَتحت باب الأوضة وخرجت وأنا مقرَّرة أعيش بشكل طبيعي، ولو على سليم؛ مع الوقت هينسى الكلام اللي بيقوله، ولو حكمت هعتذر عن الرؤية اللي اتفقت مع طليقي عليها؛ لحد ما سليم ينسى الحكاية دي.
خرجت الصالة ولقيت سليم قاعد قدام التلفزيون، كان مُندمج مع توم وجيري لأنه بيحب يتفرَّج على حلقاتهم، قعدت جنبه لحد ما الحلقة خلصت وبعدها قُلت له:
-تعالى معايا ننزل للبواب يا سليم عشان نقول له يغيَّر لنا الأنبوبة.
لمَّا بَص لي ومَردِّش عليَّا قُلت له:
-ينفع ماما تنزل تتكلّم مع البواب بدون ما يكون معاها راجل؟ ولا أنت مُش راجل يا سليم؟
لمَّا قُلت له كِدَه اتشجَّع ونزل معايا، اتكلِّمنا مع البواب وقال لنا إنه هَيجيب أنبوبة ويطلع ورانا، وفعلًا؛ مفيش دقايق بعد ما طلعنا ولقينا جرس الباب بيرِن، لمَّا فَتحت الباب لقيت البوَّاب ومعاه الأنبوبة، دخل ركّبها في البوتاجاز وأخد الفاضية، وقبل ما ينزل ناولته حسابه، كل دَه وسليم معايا مسابنيش لحظة.
لمَّا البواب نِزل شمِّيت ريحة حاجة بتتحرق، دخلت أجري على المطبخ، دوّرت في كل حتة فيه مَلقِتش حاجة، لكن مع الوقت اكتشفت إن الريحة مُش في المطبخ..
خرجت من المطبخ ووقفت في الصالة، سليم كان قاعد قدام التلفزيون ومركّز معاه، ودي حاجة بدأت تريَّحني عشان هيبدأ ينشغِل عن الكلام الغريب اللي بيقوله، لكن لفت انتباهي شيء غريب، الريحة كانت طالعة من أوضة سليم، أخدت بعضي ودخلت الأوضة، ومع أوّل خطوة فيها رجلي لزقت في الأرض واتخشِّبت في مكاني، أصل لمَّا عيني راحت ناحية الدولاب؛ مَلقِتش ملايات السرير اللي غطِّيت بيهم المِرايات، دي كانت محروقة وواقعة في الأرض، واللي باقي منها في الدولاب كان يَدوب الأطراف اللي لسَّه الدبابيس مسكاها.
بدأت أقرَّب من الدولاب وأنا خطواتي تقيلة، ولمّا وقفت قدام المِرايات؛ لمحت حاجة غريبة، كان في أثر دخان أسود على المرايات، والأثر دَه كان على شكل كلمات، لمّا دقّقت فيها وقرأتها لقيتها عبارة عن: "الباب اللي هيمنعني من الدخول هَيتحرق"!
لحد هنا أدركت إن اللي سليم بيقوله مش مجرَّد خيال طِفل، وإن الأوضة دي فيها حاجة مش مظبوطة، لكن في ظروفي دي كنت مِتكتِّفَة، ماكنتش عارفة أتصرّف إزاي، كل اللي قِدرت أعمله إني فتحت الدولاب وأخدت هدوم سليم، نقلتها في رف فاضي في الدولاب التاني، وبعدها قفلت باب الأوضة بالمفتاح.
محبّتش أتكلّم مع سليم في حاجة، كل اللي عملته إني فهِّمته إنه هينام جنبي عشان لو احتاج حاجة بالليل، من وقتها وسليم معادش بيجيب سيرة الشخص اللي بيتكلّم عنُّه، وأنا بقيت مرتاحة على كِدَه، حتى لو هعيش هنا وأعتبر إن الشقة ناقصة أوضة، ودَه لحد ما يحصل في الأمور أمور والظروف تتغيَّر.
لكن مفيش حاجة بتكمل، لأني في ليلة صحيت على حركة سليم وهو بيتفزِّز جنبي، قُمت وبصّيت عليه عشان أطَّمِّن، ولمّا مَلقِتش أي حاجة مُش طبيعية، قُلت إنه أكيد بيحلم، ووقتها لقيت نفسي عايزة أروح الحمَّام، نزلت من السرير وخرجت من الأوضة ورُحت الحمّام؛ لكن وأنا خارجة، حاولت أفتح أوكرة الباب بدون فايدة، لكن اتفاجئت إن الأوكرة معَصلَجَة على غير العادة، وفين وفين على ما فَتحِت.
لمَّا خرجت من الحمَّام حسيت ببرودة غريبة في جسمي، وكأن الدَّم اللي في عروقي اتحوِّل بقُدرة قادر لِمَيَّه ساقعة، وده لأني لمحت قدام باب أوضة سليم المقفولة خيال أسود، مكانش ظاهر من ملامحه غير جوز عيون لونهم أبيض، راسه كانت واصلة للسقف، أوّل ما شُفته لساني اتخشّب ولقيت نفسي مش قادرة أتحرَّك، حتى أنفاسي حسيت إنها تِقلِت فجأة ومَبقتش قادرة آخد النَّفَس!
فضلت أبُص له وأنا مذهولة، وبعد شويّة لقيته بيتحرَّك بضهره وبيرجع ناحية باب الأوضة؛ واترعبت أكتر لمَّا لقيته بيعدّي من الباب وهو مقفول وبيدخل الأوضة بضهره ووشُّه ناحيتي، وكأن الباب ده مالوش وجود!
لمَّا اختفى جريت على الأوضة مسكت تليفوني، بعدها شيلت سليم من السرير وخرجت البلكونة، غصب عني لقيت نفسي برِن على كمال طليقي، وبعد رنَّة والتانية المكالمة فَتحت وقال لي:
_خير يا عالية بتتصلي دلوقت ليه؟ سليم جرى له حاجة؟
اتمالكت أعصابي وحاولت أسيطر على خوفي وقُلت له:
_ -أنت لازم تشوف لنا شقة غير دي يا كمال.
لمَّا قُلت له كِدَه اتعصَّب عليَّا وقال لي:
-مُش كفاية عملتي اللي في دماغك وانفصلتي، حقوقك وأخدتيها، طلبتي شقة مفروشة تعيشي فيها مع الولد لأن الشقة اللي مأجَّرها مش عجباكي وقُلت: حاضر، تأمين شقة ودفعت؛ عمولة سمسرة للبواب ودفعت، ودلوقت بكل بساطة عايزة تغيَّري الشقة عشان أدفع كل ده من تاني.
لمَّا لقيته اتعصَّب عليَّا قاطعت كلامه وقُلت له:
-أنت مش فاهم حاجة، الموضوع غير كِدَه.
بدأت أحكي له عن اللي حصل، من أوّل كلام سليم الغريب؛ لحد اللي شُفته لمَّا خرجت من الحمّام، ساعتها نبرة صوته اتغيَّرت وبدأ يتكلّم بهدوء وقال لي:
-الكلام ده مينفعش يتسكت عليه، كده أنتوا في خطر.
قفل معايا المكالمة وقال إنه جاي في الطريق، وطلب منّي نفضل في البلكونة، ولمَّا وصل، دخل على أوضة سليم، فتحها ووقف على الباب وهو مذهول، ريحة الملاية اللي اتحرقت كانت لسَّه مالية الأوضة، وأثر الدخان على المِراية كان لسَّه موجود، دَه حتى الكلام كان ظاهر أكتر من الأوّل، زي ما يكون الشيء اللي في الشَّقة كان مُتعمِّد يخلّيه يظهر، وكأنُّه بيوجّه لِنا آخر تحذير، ساعتها قفل باب الأوضة وطلب منّي ألِم الهدوم في الشُّنط، انتظرني في الصالة؛ لحد ما خلَّصت ولبست هدومي أنا وسليم، بعدها أخدنا ونزلنا، وفي مدخل العمارة، كمال وقف قدام أوضة البوّاب وخبَّط عليه، مسابوش غير لمَّا قام من النوم، ولمَّا باب الأوضة اتفتح والبوّاب خرج بَص لِكمال وقال له:
-مُش حضرتك اللي أجَّرت شقة من كام يوم عشان طليقتك وابنك؟
ساعتها كمال قال له:
-كويّس إنك فاكر.
-خير يا أستاذ، تأمر بأي حاجة؟
-عايز أعرف إيه حكاية الشَّقة اللي أجرتها منَّك.
البوّاب بَص له وهو مستغرب وقال له:
-هي الشُّقق بقت زي البني آدم وبقى ليها حكايات ولا إيه؟
-بقول لَك إيه، بلاش تكتَّر معايا عشان أنا جايب أخري، أنت تعرف إن الشقة فيها حاجة مش طبيعية؟ يعني حد كان ساكن فيها قبلنا واشتكى من حاجة مثلًا؟
البوَّاب رَد بدون ما يفكّر وقال له:
-يا أستاذ الشقق هنا مفروشة كلها، بتتأجّر باليوم والأسبوع أحيانًا، وفين وفين لمَّا ييجي واحد زي حالاتك يعمل عقد إيجار سنة وبعدين يشوف شقة تانية، وكل واحد بيمشي بياخد حكاويه معاه وبابه بيتقفل، أنا لا مؤاخذة بوّاب عُمارة ومطلوب مني أأجر الشُّقق اللي فيها مُش أقعد أحفظ حكايات.
لمَّا كمال سمع رَد البوّاب، قال له إنه هَيسيب الشقة، والبواب رد عليه وقال له إنه هيطبَّق العقد، يعني مفيش رد تأمين طالما المستأجر ساب الشقة قبل ما مُدّة العقد تنتهي، ساعتها كمال وافق وسلِّمه مفاتيح الشقة، دَه طبعًا بعد ما كتب الكلام ده على ضَهر نسخة العقد اللي معاه وبالتاريخ، وخلّى البوّاب يمضي إنه استلم مفاتيح الشقة.
خرجنا وركبنا العربية مع كمال، ساعتها طلب مننا نروح الشقة عنده؛ لحد ما يشوف لنا شقة تانية، وفي الكام يوم دول هيتصرَّف ويقعد في أي مكان تاني..
وفعلًا رجعنا معاه الشقة، وبعد ما طلعنا سابنا ونزل، بعدها بيومين كلّمني وقال إنه شاف شقة مفروشة، ده غير إنه سأل عنها الأوّل، عشان يتأكّد إن مفيش حد بيقول إنه بيشوف فيها أي حاجة مش طبيعية، لكن في المكالمة؛ لقيت نفسي بقول له إني مش عايزة شقق مفروشة، وطلبتها منُّه صريحة وقُلت له: لازم ابننا يتربّى في وسطنا، ساعتها سِكِت شويّة وبعدها قال لي إنه هيرُدّني.
اهتمامه وخوفه علينا هوَّ اللي خلَّاني أطلب دَه، أصل تصرَّفه معانا غيَّر المعادلة لصالحه، وقُلت جايز عشان مكانش في موقف يستدعي إنه يظهِر اهتمامه وخوفه حسّيت إني مش فارقة معاه، المواقف فعلًا هي اللي بتظهِر حقيقة البني آدم، ودلوقت الحكاية دي بحكيها وأنا معاه، وسليم بيتربّى في وسطنا. أما بمناسبة الشقة اللي عيشت فيها كحاضنة لمَّا انفصلنا، فالبواب كان كذَّاب، دَه اللي عرفناه بعد كِدَه، لأن كمان فِضل ورا الشقة لحد ما جاب أخبارها، والحكاية وما فيها إن الشقة من فترة طويلة اتأجّرت لواحد ومراته ومكانش معاهم عيال، وبعد كام شَهر من وجودهم في الشقة، مراته اكتشفت إنه متجوِّز عليها في السِّر، ساعتها بعدِت عنُّه لفترة بدون ما تقول له السبب، أو حتى تلمَّح له إنها عرفت إنه متجّوز عليها؛ لدرجة إنه بقى ينام في أوضة الأطفال لمَّا يأس منها، لكنها طول الفترة دي كانت بتفكَّر إزاي تنتقم منُّه، لحد ما في يوم حَطت له منوِّم في الأكل، ولمَّا أكل ودخل يقيَّل في أوضة الأطفال، دخلت عليه الأوضة ودبحته، ولمَّا روحه طلعت أخدته على البانيو وقطَّعته، وبقت كل يوم تاخد منُّه حتَّة في كيس وترميها في مكان مختلف، وفي النهاية الجريمة اتعرفت والست اتقبض عليها..
الحكاية دي كمال عرفها لمَّا وقف مع صاحب كُشك سجاير على أول الشارع اللي فيه العمارة، كان بيسأله عن الشقة، وساعتها عرف منُّه كمان إن من وقت الجريمة دي والشقة بتحصل فيها حاجات غريبة، مرَّة ساكن يقول إنه شاف واحد مدبوح في أوضة الأطفال، ومرَّة ساكن تاني يقول إنه بيشوف في الأوضة واحد رقبته مقطوعة، لكن أغلب السُّكان قالوا إنهم شافوا فيها أشباح وجِن وعفاريت، وحصلت معاهم حاجات مش مفهومة ومالهاش تفسير. كل ساكن بيدخلها كان بيخرج منها بحكاية شَكل، زي ما أنا دخلتها وخرجت منها بالحكاية اللي سمعتوها دي، أما بالنسبة للبواب؛ فصاحب الكُشك قال إنه عارف بكل الحكايات اللي اتقالت عن الشقة؛ لكنه مُش بيتكلّم عشان الشقة تفضل تتأجَّر، ويفضل ياخد سَمسرتُه من كل ساكن جاي على عماه عايز شقة مفروشة.
وهي دي أغرب حكاية مرَّيت بيها وحصلت معايا في الشقة، شقِّة الحاضِنَة.
تمت...





































