اللحظات الأخيرة مُش دايمًا بتكون مُخيفة، أنت مُمكن تكون بتسعى إنك توصل لآخر الطريق، حتى وإن كان الطريق ده هو حياتك.
أنا اسمي "شيماء" وبيقولولي يا "شَامَة"، وزي ما يكون فعلًا ليّا نصيب من اسمي، أنا عندي شَامَة في وشّي لونها أحمر، كُنت زمان بتضايِق منها، لكن مع الوقت اكتشفت إنّها حاجة كده زي ما تكون علامة مميّزة، لا وبقف اتفرَّج عليها في المِراية كتير.
كان كُل ما يتقدّملي حد ويشوف الشّامة اللي في وشّي ألاقيه بيغيّر رأيه، في الأول الموضوع كان مأثّر فيّا، لكن دلوقت معدش فارق معايا، أنا بقى عندي قناعة إن كل واحد هياخد نصيبه ورزقه من غير ما ينقصه أي حاجة، حتى لو كانت العادات عندنا إن البنت لازم تتخِطب بمجرّد ما تخلّص الإعدادية.
قرَّرت اجتهد في دراستي، أنا دلوقت في تانية ثانوي، ونِفسي أدخُل أي كلّية من كلّيات القمّة، دخلت علمي، مبقاش في حياتي حاجة غير المدرسة والمذاكرة، لحد اليوم اللي استئذنت فيه من حصّة العربي عشان انزِل الحمّام، ولمّا نزلت وقبل ما اطلع الفصل تاني مُش عارفة إيه اللي خلّاني أقف قدّام المراية، مكُنتش عايزة أشوف وشّي ولا أنا بهتم أصلًا بالكلام ده، لكن حاجة غريبة بتخلّيني أعمل كده، زي ما تكون حاجة بتتكلّم جوّايا وبتقولّي...
-ركّزي في المراية!
أنا حسّيت إن الدنيا بتضلّم من حواليا، كُل حاجة بتختفي ومعدتش شايفة غير المراية قدّامي، واللي اتفاجئت إنها مش بتعكس الحَمّام من ورايا، دي كانت بتعكس مكان تاني!
التفتت ورايا عشان أشوف المكان اللي ظاهر في المِراية، لكن لقيت الدنيا طبيعية، التفتت للمراية تاني ولقيتها برضو بتعكس نفس الصورة!
المكان كان عبارة عن كهف، قاعد قدّامه واحدة ست ملامحها مُش باينة، هدومها كلّها ألوان زي ما تكون بدويّة، قدامها راكية نار، وكان في واحدة قاعدة قدّامها ضهرها ليّا، مكنتش أعرف بيعملوا إيه، فضل ابُص للمراية وانا مُش فاهمة اللي بيحصل، لكن فجأة لقيت السّت اللي ضهرها ليّا بتلتِفت، واتفاجئت إنها أمي!
أنا رجعت بضهري لورا وانا بَشهق، لكن لقيتها بتكلّمني وبتقولي...
-النهاردة اليوم الأوّل يا "شَامَة".
بعدها المِراية رجعت لطبيعتها، كُل حاجة كانت ظاهرة فيها اختفت، وانا حسّيت إني كُنت في غيبوبة، معرفش أنا شوفت اللي شوفته ده ليه، وليه أمّي ظهرتلي في المكان ده؟ وليه بتقولي النهاردة اليوم الأوّل!
فتحت الحنفية عشان أغسل وشّي، وبعدها خرجت عشان اطلع الفصل، لكن لمّا وصلت اتفاجئت إن حِصّة العربي خلصت واللي شغّالة دلوقت حصّة الكيميا، بقيت واقفة مستغربة ازّاي فات الوقت ده كلّه، أنا استأذنت في أوّل الحصة، ازّاي في دقايق الحصّة خلصت واللي بعدها بدأت!
دخلت الفصل وقعدت مكاني، ولقيت زميلتي اللي جنبي بتقولّي...
-انتي اتأخّرتي ليه كده يا "شيماء"؟!
كان أفضل رد إني أسكت، ماهو أنا معنديش تفسير للي حصل، كل اللي عايزاه إن اليوم يخلص وأروح البيت عشان أشوف أمي.
الوقت عدّى عليّا بطلوع الروح، لحد ما الحِصص خلصت ووقت المِرواح جه، طلعت من المدرسة على البيت، أوّل ما وصلت لقيت أخويا الصغيّر بيلعب قدام الباب، ندهت عليه وقولتله...
-هي ماما فين يا "علي"؟
كان مشغول في اللعب لكنه قالّي...
-ماما في المطبخ.
وسابني وراح يكمّل لعب، وانا دخلت البيت، وعلطول روحت على المطبخ، ولقيت أمّي أوّل ما شافتني بتقولّي...
-حمدالله على السلامة يا "شَامَة".
حطّيت شنطتي في الأرض وقولتلها...
-الله يسلّمك.
ولقيتها لاحظت إن فيّا حاجة غريبة عشان كده سألتني...
-مالك.. حصل حاجة النهاردة؟!
ردّيت وقولتلها...
-حاجة زي إيه مثلًا؟!
-يعني.. حد ضايقك.. حصلت مشكلة في المدرسة.
-ليه بتقولي كده؟
-شكلك بيقول إن في حاجة.
ولقيتني اتردّدت وقولتلها...
-لا أبدًا مفيش حاجة.. أنا بس تعبانة شويّة.
سِيبتها وخرجت من المطبخ وخدت شنطتي، روحت على أوضتي أرتاح شويّة، لكن لقيتها جاية ورايا وبتقولّي...
-أبوكي هيرجع من الشغل بعد ساعتين.. ارتاحي الشويّة دول.. الغَدا هيجهز على ما هو يكون رجع.
وسابتني وقفلت باب الأوضة وراها وهي خارجة، وانا اتمدّدت على سريري حتى من غير ما اغيّر هدومي، كان كل تفكيري ليه شوفت دَه في المِراية؟!
لكن بدأت احِس بنفس الإحساس، حاجة من جوّايا بتخلّيني اقوم من السرير واروح اقف قدّام مِراية السّراحة، ونفس الصوت كان بيقولّي...
-ركّزي في المِراية!
كُنت ببُص في المِراية وبركّز، ومش عارفة ليه بنفّذ اللي بيطلبه منّي الهاجس اللي بيجيلي، ومن تاني الدنيا بتضلّم، ومعدتش شايفة قدامي غير المِراية، كان ظاهر فيها نفس المكان، نَفس السّت بهدومها الملوّنة، وبرضو كانت قدّامها واحدة ضهرها ليّا، ولمّا التفتت تاني لقيتها أمّي، وبرضو قالتلي نفس الكلام...
-النهاردة اليوم الأوّل يا "شَامَة".
غمّضت عيني عشان أوقّف التفكير اللي بدأ يستنزف قوّتي، وفضلت واقفة لحد ما سمعت خبطة على الباب، فتحت عيني ومن تاني لقيت كل حاجة طبيعية، وسمعت الخبطة من تاني، وبعدها صوت أمي وهي بتقولّي...
-الغَدا جاهز يا "شَامَة".
ازّاي الوقت بيعدّي بسرعة كده في الدّقايق اللي بشوف فيها اللي بيحصل في المِراية؟!
خرجت من الأوضة عشان الغَدا، كان أبويا قاعد وجنبه أخويا، وأمي لسّه بتجيب شويّة أطباق من المطبخ، قرَّرت اساعدها زي كل يوم لكن لقيتها بتقولّي...
-اقعدي انتي شكلك مُرهق.
أوّل ما قعدت لقيت ابويا بدأ يتكلّم معايا وبيقولي...
-أخبارك إيه يا "شيماء".. ولا بتحبّي اسم "شَامَة" أكتر؟
ابتسمت ابتسامة خفيفة وقولتله...
-سواء الاسم ده أو ده فهو في الآخر أنا.
-شكلك تعبان أو بتفكري في حاجة.. انتي عندك مشكلة؟!
لحد دلوقت مُش فاهمة ليه أمي طلبت منّي أرتاح لحد ما الغدا يجهز وليه مخلّتنيش أساعدها وقالتلي اقعدي؟ وليه أبويا بيقولي شكلي مُرهق؟ هو انا فيّا حاجة غريبة ومُش شايفاها؟!
لأول مرة ميكونش ليّا نِفس إني آكل، الرغبة انعدمِت عندي بطريقة عمرها ما حصلت، حتّى همّا لاحظوا كده، دا حتّى لقيت "علي" أخويا بيقولّي...
-انتي ليه مُش بتاكلي يا "شَامَة"؟!
حاولت آكل على قد ما اقدر عشان ميقلقوش، ومدخُلش في أسئلة زي ليه مُش بتاكلي؟ إيه اللي حصل؟ في مشكلة مخبّياها علينا ولا إيه؟! كفاية إنهم ملاحظين إنّي غريبة النهاردة، أنا كمان بعد اللي حصل معايا حاسّة إنّي غريبة!
مكُنتش متقبّلة الأكل، عشان كِدَه قومت وسيبته، والغريبة انّهم مضغطوش عليا عشان آكل بالعافية، دخلت أوضتي، كُنت حاسّة بصداع رهيب وبتكسير في جسمي، زي ما اكون خدت دور برد فجأة، حسّيت برغبة شديدة في النّوم، لدرجة ان الرغبة دي كان معاها هبوط كُنت هقع منّه في الأرض، بالعافية وصلت للسرير، اتمدّدت، وبمجرد ما راسي لمست المخدة، حسّيت اني بتنقل لعالم تاني!
قرية؛ بيوتها كلها من طين، شوارعها ضيّقة، والغريبة إن البيوت على شكل مقابر، كان كُل بيت لُه شاهِد، والنّاس رايحة جاية في الشّوارع، مفيش حد فيهم بيكلّم حد، مفيش أي صوت ممكن تسمعه هنا، والغريبة إن لِبسهم كلّه لونه أبيض، مغطّي أجسامهم كلّها، حتى كفوف إيدهم ورجلهم، ومفيش باين منهم غير راسهم وبس.
مشيت وأنا مُش عارفة دخلت القرية دي ازّاي، ولا قادرة أفهم ليه النّاس فيها عاملة كده، الكُل ماشي في حاله، البيوت كلّها مقفولة، مفيش ولا باب مفتوح، واللي لاحظته إن البيبان كانت من نفس الطوب اللي البيت مبني منّه!
فضلت ماشية فترة طويلة، لأول مرّة أحس إني في شارع مالوش آخر، دا غير إني مش عارفه بدايته كانت منين، لحد ما لقيت واحدة قاعد على مصطبة بيت، أوّل مرّة من ساعة ما جيت هِنا أشوف حد قاعد، عشان كِدَه لفَتِت نظري، بدأت أقرّب منها، لكن كُنت كل ما اقرَّب بحس إنّي أعرفها، ولمّا قرَّبت أكتر بدأت ملامحها تظهر، ولقيت نفسي بجري ناحيتها وبصرخ من الفرحة وبقول...
-سِتّي!
كانت ملامحها باهته وشكلها متبهدل، لكن انا ازّاي قابِلتها؟! دي ميّته من خمس سنين!
بدأت أقرّب إيدي منها وانا خايفة، حطّيتها على كتفها وبدأت أهزّ فيها بالراحة وانا بقولّها...
-سِتّي.. انتي عارفاني؟! أنا "شَامَة"!
أنا حسّيت إنّ ستّى صامتة أكتر من كُل الناس اللي رايحة جاية هنا، فضلت أهزّ فيها واكلّمها لكن مفيش فايدة، لحد ما فقدت الأمل إنّها ترد عليّا، سِيبتها وبدأت أكمّل طريقي وانا مُش فاهمة أي حاجة من اللي بيحصل، لكن بعد ما مشيت كام خطوة سِمعت صوتها وهي بتقولّي...
-النهاردة اليوم الأوّل يا "شَامَة".
جِسمي اتنفض وخطواتي وقفت فجأة، ومع الخضّة اللي خدتها كُنت بلتِفت ناحية سِتّي، لكن لقيتني بقوم من النوم، التكسير اللي في جِسمي زايد، حرارتي عالية، وفي رعشة مُش مخلّياني أعرف اتمالك أعصابي، ولقيت عيني بتروح ناحية المِراية، وساعتها لقيت صورة ستِي معكوسة عليها، بنفس الصورة اللي شوفتها عليها في الحِلم، كُنت بدقّق في صورتها اللي لسّه ظاهرة قدامي على المِراية، لكن اتفاجئت بيها بترفع وشّها ناحيتي فجأة وبتقولّي...
-مكَنش حِلم يا "شَامَة"!
مكنش في قُدّامي غير إني أحكي لأمي، انتظرت لحد ما ابويا خرج آخر النهار يقعد على القهوة واخويا طلع يلعب قدّام البيت، وساعتها لقيت أمي قاعدة في الصالة، أوّل ما شافتني لقيتها بتقولّي...
-تعالي.. احكيلي مالك!
قعدت جنبها وانا مُش عارفة ابدأ منين، لكن بدأت من أوّل اللي حصل معايا في حمّام المدرسة، حكيتلها على اللي شوفته في المِراية، وعن إنّي شوفتها وهي بتقولي إن النهاردة أوّل يوم، وإن اللي شوفته دَه اتكرَّر معايا هِنا، دا غير إني شوفت ستّي في مكان مُش فاهمة هو إيه، وإنّها كرَّرت نفس الكلمة، ولقيتني بسألها...
-هي ستّي مُمكن تكون عايشة في عالم تاني غير اللي احنا فيه؟
لقيتها بتبُصّلي وبتقولّي...
-سِتّك مرتاحة في تُربتها يا "شَامَة".. اللي بيموت لا بيرجع ولا بيعيش في أي عالم تاني.
-أومّال إيه اللي انا بشوفه دَه؟! أنا أوّل مرة يحصل معايا كِدَه.
لقيتها سِكتت شويّة وقالت بعدها...
-هي رؤية الميّت خير.. لكن مش في كُل مرّة.. وكمان إن الكلمة تتكرَّر 3 مرات ممكن يكون مقصود منها حاجة.
لقيتني اتوتّرت وقولتلها...
-حاجة زي إيه؟!
قالتلي...
-سِتّك الله يرحمها كانت بتقدر تِحس بحاجات محدش بيحس بيها.. زي مثلًا كانت بتقول إن فلان هيموت وفعلًا بيموت.. حد غايب ومفقود الأمل إنه يرجع ولو جه على بالها كنا بنلاقيه راجع.. كان زي ما يكون عندها قدرة على التنبّؤ باللي هيحصل.. لكن في الفترة الأخيرة اكتشفنا انّها كانت بتكلّم نفسها كتير.. الله يرحمها بقى.. رغم انّ تقريبًا كان ليها كرامات.. لكن لمّا كبرت في السّن بدأت تكلّم نفسها.. دي حال الدنيا.
بعدها أمي طلبت مني آخد أجازة من المدرسة لو كنت محتاجة راحة، لكن أنا رفضت، أنا مقرّرة إني هشغل نفسي في دراستي، لكن لقيتها بتقولي...
_ادخلي ارتاحي.. شكلك تعبانة.. ولو صحيتي وكنتي لسه كده هنشوف دكتور نروحله.
كان إحساس جوايا إني مش محتاجة دكتور، أنا حاسه بخوف رهيب مش عارفة جالي منين، اليوم فعلًا بالنسبالي مخيف، أحاسيس غريبة كنت بحس بيها، حاسه إن الهوا اللي بتنفسه متغيّر، لدرجة إنه بيحرق صدري، ومن ساعة ما صحيت من الحلم اللي شوفت ستّي فيه وانا حاسّه بريحة كبريت حواليّا.
الليل دخل وكل اللي في البيت ناموا، لكن أنا كنت صاحية، نور الأوضة مطفي عليا والباب مقفول، زي ما انا متعوّدة اعمل كل ليلة قبل ما أنام.
كنت مغمّضة عيني وحاسه بكل حاجة حواليّا، نَفَسي كان بيروح وريحة الكبريت بتزيد، بدأت افتَّح عيني، حسّيت إن الضلمة في الأوضة بقت أكتر من الأول، والغريبة إني كنت بلمح خيالات رايحة جاية قدامي، كُنت بفرُك عنيا من وقت للتاني، لكن الخيالات كانت لسّه موجودة، الحاجة الوحيدة اللي اتغّيرت هي إنها بعد ما كانت باهتة كانت بتوضح واحدة واحدة، لحد ما لقيت قدّامي مجموعة ستّات لابسين عبايات غريبة لونها أسود، معرفش ظهروا منين، كانوا واقفين صف جنب بعضهم، أنا حسّيت إن جسمي دخل فريزر من الخوف، حاولت اتحرك بس كنت فاقدة السيطرة على جسمي، كانوا بيبصوا ناحيتي بدون ما يتحركوا، عينهم متثبّتة عليا، كانت مخيفة، لونها أبيض وممسوحة، فضلت ابصّلهم والرعب ماليني وجسمي رافض يتحرك، لحد ما آخر واحدة في الصف ناحيتي بدأت تقرّب منّي، ولقيتها بتمدّلي إيدها، وأنا بدون إرادتي لقيت إيدي بتتمد وبتروح ناحيتها!
بمجرد ما مسكت إيدي، لقيت جسمي بيستجيب معاها!
أنا قومت بدون إرادتي، ولقيت فجأة ظهرت في إيدها عباية زي اللي همّا لابسينها، وبدأت تلبّسهالي، أنا بعد ما لبستها حسّيت إني شايفة في الضلمة بوضوح، استغربت ازاي قادرة اشوف كل حاجة ومفيش أي نور، لكن لقيت نفسي ببُص في المراية، واتفاجئت إن عيني بقت نفس لون عينهم!
ومشيت معاهم، قرّبنا من باب الأوضة، السّت اللي قرّبت منّي ومسكت إيدي كانت جنبي، والباقيين كانوا ورانا، وبمجرد ما فتحت باب الأوضة كنت مستعدة أصرخ عشان حد يخلّصني من اللي بيحصل معايا، لكن اتفاجئت لما الباب اتفتح بمكان غريب!
مغارة، النّور اللي منوّرها كان نور شُعلات والعة، النار اللي طالعة منها مكنتش بتتحرك، ببساطة عشان مكنش في هوا في المكان، الدنيا خنقة، ومكنش في غير ريحة الكبريت، وقفت مش فاهمة إيه المكان ده ولا أنا جايه هنا ليه، لكن لقيت السّت اللي كانت مدّت لي إيدها بدأت تتكلّم وتقولي...
_اللحظة اللي هتفرق في حياتك كلها حانت يا "شَامَة".
كان صوتها غريب، مش صوت واحدة ست أبدًا، نبرة غليظة ترعبك من جوّه أول ما تسمعها، لكن أنا هستغرب ليه؟! دا شكل عيونهم ولونها لوحده يرعب أكتر من كِدَه، واللي لقيت عيني بقت نفس عيونهم قبل ما آجي هنا، ولقيت لساني بيتحرَّر أخيرًا وبقول...
_لحظة إيه اللي ممكن تفرق في حياتي؟!
التفتت لي فجأة وكانت بتبصلي وعينها في عيني وهي بتقول...
_هتقابليها يا "شَامَة".
_هقابل مين؟!
_هتقابلي اللي هتعطيكي مفاتيح كتيرة لأبواب مش أي حد يقدر يفتحها.
كنت حاسة إني بسمع ألغاز، وكل ما كان الوقت بيعدّي عليا هنا كنت بتخنق أكتر، ولقيتني بسأل...
_مين اللي هقابلها؟
ولقيتها بتغمض عينها وبترفع راسها لفوق، وبعد شوية فتحت عينها تاني ويصتلي وقالت...
_أم شلاشل!
بمجرد ما قالت الاسم لقيت اللي واقفين وراها غمضوا عيونهم، وأجسامهم بقت بترتعش، حسيت إن في رهبة خدتهم بمجرد ما سمعوه، وانا حسّيت بخوف، الاسم أنا فكراه، دول كانوا بيخوّفونا بيها واحنا صغيرين!
أم شلاشل! الجنّية المرعبة اللي كانوا بيقولوا إن اللي بيفضل صاحي بالليل ويخرج الشارع بتظهرله وبتخطفه ومبيرجعش تاني!
كل التفكير ده دار في لحظة في دماغي، ولقيتني بقول بصوت كله خوف...
_أم شلاشل الجنّية المرعبة؟!
أنا لقيت عنيها بتقلب للون الأحمر، دا غير إن اللي واقفين وراها صرخوا صرخة مكتومة وحسيت زي ما يكونوا خايفين، ولقيتها بتكلمني بلهجة حسّيت إنها تحذير وبتقولي...
_كلنا بنلزم حدودنا في حضرة أم شلاشل.. انتي دلوقت في مملكتها.. انتي وقع عليكي الاختبار من لحظة ولادتك يا "شَامَة".. وجه اليوم اللي كان متحدد فيه العهد.
كنت بسمع ومش فاهمة هي تقصد إيه فسألتها...
_أنا مش فاهمة عهد إيه؟!
ولقيتها بتحط إيدها على كتفي وبتقولي...
_عهد الكرامات يا "شَامَة".
الكلمة كانت مرعبة بالنسبالي، أنا معرفش حاجة عن كرامات والكلام ده، ومعرفش إيه اللي مخلّيني أدخل في الحاجات دي وانا عمري ما شغلت بالي بيها، أنا كُل هدفي إني ادخُل كلّية قمّة.
كُنت بتمنّى إني أكون بحلم واصحى واخلص من اللي أنا شايفاه دَه، حرارة المغارة بدأت تزيد، ريحة الكبريت اللي مالية المكان كانت مش مخلّياني اتنفّس كويس، وفجأة لقيت النار اللي في الشُّعلات بدأت تتحرَّك، وزي ما تكون في عاصفة جاية من بعيد، صوت هوا مُخيف كان بيخبط بين حيطان المغارة، لدرجة إن الرَّمل اللي في الأرض كان بيطير والمكان اتملى غُبار، مكُنتش شايفة حاجة حواليّا، حسّيت إنّي جوّه إعصار ترابي عازلني عن كل حاجة، حاولت اصرُخ لكن حسّي بهاجس جوايا بيمنعني من إني أصرخ، غمّضت عيني وحطيت إيدي على وداني ونزلت على ركبي في الأرض، الدُّموع كانت هتنزل من عيني، لحد ما لقيت الدنيا حواليّا بدأت تهدا، ومع الوقت كُل حاجة سمعاها وحاسة بيها راحت، بدأت أرفع راسي، وافتح عيني واحدة واحدة، ولقيت قدّامي واحدة واقفة، لمّا بصّيتلها حسّيت انّها من برَّه العالم ده، نَفس الشخصيات اللي بتظهر في أفلام الفنتازيا، الشَّعر الأصفر، العيون الزّرقه، ولابسه فستان حرير بيفرِش الأرض من وراها، بصّيت حواليّا عشان اتأكّد إني في المغارة، لقيتني فعلًا لسّه فيها، لكن السّتات اللي كانوا معايا قبل ما تحصل العاصفة اختفوا، وهي زي ما تكون فهمت أنا بفكّر في إيه، عشان كده لقيتها بتقولّي...
-هُمّا كان دورهم يوصّلوكي هنا بس.
ولقيتها بتمدّلي إيدها، رفعت إيدي ناحيتها وساعدتني إني أقوم من الأرض، ولمّا وقفت لقيتها بتقولّي...
-جزء كبير منّنا مبيكونش ملكنا يا "شَامَة".. إحنا مجيناش الحياة باختيارنا.. كُل مخلوق في الكون دَه بينطبق عليه نَفس الكلام اللي بقولهولك.. محدّش اتخلق بإرادته.. كُل واحد جاي يلعب الدّور اللي اترسمله.. ويا إما ينجح فيه.. أو مينجحش.
لقيتني بسأل نفسي هي إيه الألغاز اللي بقيت بسمعها ومش فاهمة منها حاجة دي؟! لكنها كانت بتكمّل كلامها وبتقول...
-في حاجات بتبقى مفروضة علينا إننا نعملها.. ومبيكونش قدامنا اختيار إننا نُرفض أو نقبل.. لأن امتناعنا عنها ممكن يكون فيه أذى لينا ولغيرنا.
ولقيتني بسألها عشان أعرف أبدأ كلامي معاها منين وبقولّها...
-انتي مين؟!
واتفاجئت لمّا لقيتها بتقولّي...
-انتي في حضرة أم شلاشل!
أنا قلبي اتنفض من مكانه، ولقيت دماغي بدأت تقارن بين الصورة اللي اترسمت عنها من الحكايات اللي كُنا بنسمعها واحنا صغيّرين وبين شكلها اللي انا شايفاه قدّامي دلوقت، لكن لقيتها بتجاوبني على سؤال كنت لسّه هسأله وبتقولّي...
-أنا مقدرش اظهرلك في شكلي الحقيقي يا "شَامَة".. لازم تعرفي إن كل عالم له طبيعة مختلفة عن التاني.. له مخلوقاته اللي شكلها بيكون ملائم لطبيعة العالم اللي هي عايشة فيه.. لازم تعرفي إن مفيش حاجة اسمها مخلوق شكله قبيح.. يمكن البَشر بيشوفوا دَه قُبح لإنهم مُش متعوّدين إنهم يشوفوا غير الحاجات اللي مألوفة بالنسبالهم.. لكن مُمكن الحاجة اللي بتكون حسب مقاييس البشر قبيحة.. تكون هي الجَمال المُطلق في عوالم تانية.
أنا مبقاش عندي قدرة إني اتحمّل ألغاز أكتر من كده، عشان كِدَه سألتها وقولتلها...
-أنا مُش عارفة انتي ليه بتقوليلي الكلام دَه.
-أنا بقولّك كده عشان انتي اتكتب عليكي طريق لازم تمشيه.. ولازم تعرفي إن لون عينك اللي اتغّير قبل ما تيجي هنا مكَنش صدفة.. لو لاحظتي انك كنتي قادرة تشوفي في الضَلمة.. ومن اللحظة دي انتي هيبقى ليكي قدرة إنك تشوفي حاجات كتير.. تشوفي اللي مُمكن يحصل قبل ما يحصل.. تشوفي مخلوقات ممنوع على البشر إنهم يشوفوها.. إلا الناس اللي بيبقى ليهم كرامات.. زيّك كِدَه يا "شَامَة".
ولقيتني بقولّها...
-أنا ماليش كرامات!
لكنها طلبت منّي انزل في الأرض، كُنت مستغربة ازّاي بنفذ طلبها بدون إرادتي، لمّا قعدت في الأرض لقيتها بتقعد قدّامي، ولقيت دايرة بتترسم حوالينا في الأرض معرفش مين رسمها، دي اترسمت من نفسها، مكَنِتش دايرة بس، دا انا كمان لقيت نجمة خماسية بتترسم في الرمل، ولما النّجمة اترسمت كنت انا وهي في نُص النجمة، وبدأ يطلع شمع أحمر من الأرض عند كل طرف من أطراف النجمة، وبدأ يولع من نفسه، واتفاجئت لقيت كتاب بينزل من سقف المغارة، جلدته لونها أسود، وبينزل على الأرض بيني وبينها، ولمّا بقى في الأرض كان بيتفتح من نفسه، كانت أوراقه لونها أصفر، ومكتوب فيا بلون أحمر كلام مش مفهوم وفي رموز مرسومة، الصفحات كانت بتتقلّب من نفسها، لحد ما وقفت على صفحة فيها صورة كيان بَشِع، كانت جنّية ليها لسان أفعى مشقوق من الطرف، حتى الضَّفاير اللي عملاها كانت عبارة عن أفاعي، وكان ليها قرن واحد في جبهتها من قدّام، نُص جسمها من فوق كان طبيعي، لكن رجليها من تحت كانت غريبة، زي رجلين المعيز وكُلّها شعر ولونه أسود، وكان ظاهر من ورا رجلها إن ليها دِيل، كان زي ديل الأفعى!
أنا جِسمي كان بيترعش، وهي لاحظت كِدَه، ولقيتني بسألها وانا عيني على الصورة وبقولها...
-مين اللي في الصورة دي؟!
ضِحكت ضحكة كانت بتهزّ المغارة وقالتلي...
-أم شَلاشِل.
أنا دماغي كانت بتلِف، أومال اللي قاعدة معايا دي مين؟!
لقيتها بتقرّب إيدها مني وبتحطها على راسي، وبإيدها التانية بتقلب صفحات الكتاب لحد ما وصلت لصفحة مكتوب فيها كلام داخل في بعضه، وبدأت تقرأ، مكُنتش فاهمة ولا كلمة، لكن حسّيت بجسمي بيسخن وزي ما يكون في زيت مغلي بيتنقّط في ودني، مكُنتش قادرة أصرخ، حسّيت إن حاجة مسكت لساني فجأة أوّل ما فكّرت في كِدَه، ولقيت عيني بتقفّل غصب عنّي، معدتش شايفة حاجة، ومع الوقت حسّيت انّ الجوّ بتغيّر ومش ثابت، شويّة بَرد وشويّة حر نار، لدرجة انّي حسّيت إني بتبَستر، الألم كان بياكل في جِسمي، لكن مع الوقت لقيته بيقِل، حتّى الصّداع بدأ يروح، حسّيت إنّي قادرة استوعب واحس بالمكان من حواليّا تاني، لحد ما كل حاجة سِكتِت فجأة، بدأت افتح عيني، في البداية كل حاجة كانت مشوّشة، لكن لمّا بدأت الرؤية توضح قدّامي لقيتني شيفاها، أم شَلاشِل، لكن مكنِتش بنفس الصورة اللي شوفتها فيها أوّل ما جيت المغارة، دي كانت بنفس الصورة اللي كانت موجودة في الكِتاب!
أنا كُنت مستغربة نفسي، معرفش ازّاي كُنت مُتقبّلة شَكلها وهي قاعدة قدّامي كِدَه، دا حتى المغارة من حواليّا لمّا فتحت عيني مكنتش زي ما هي قبل ما اغمّض، دا انا لقيت حيطان المغارة كلّها مخلوقات غريبة، شكلها مُخيف وقصيّره، من طول شِبر لحد مترين تقريبًا، وكان كل واحد شكله مُختلف عن التّاني، الشيء المشترك الوحيد بينهم هو اللون، كان لونهم أسود، وعيونهم يا إما لونها أصفر وفيها نِن أسود، يا إما لونها أحمر كلّها.
الذهول كان مسيطر عليّا ومش عارفة انطَق، وهي لاحظت كِدَه، ولقيتها بتقولّي...
-مكَنش ينفع تشوفي اللي انتي شيفاه دلوقت قبل ما عهد الكرامات يتم.
كان صوتها مُختلف عن الأول، أنا لقيته شبه فحيح الأفعى، حتى وهي بتتكلّم لسانها كان بيطلع لبرّه وكانت مُخيفة جدًا، بَس انا مُش خايفة، لكني ردّيت عليها وقولتلها...
-ازّاي مكُنتش شايفة كُل دَه؟!
في اللحظة دي كان الكِتاب اللي على الأرض بينا بيتقفل، وبينزل مخلوق من اللي كانوا في السَّقف وبيشيله وبيطلع للسقف تاني، وبييجي مخلوق تاني بيشيل الشَّمع الأحمر اللي كان والع على أطراف النّجمة وبيطفيه وبياخده وبيمشي، ومخلوق تاني بييجي بيمسح الدايرة والنجمة الخماسية، كُنت مستغربة من اللي شيفاه، لكنها قالتلي...
-أظن كِدَه انتي عرفتي مين اللي نزّل الكتاب من فوق.. ومين اللي حطّ الشَّمع وولّعه.. ومين اللي رسم الدايرة والنّجمة اللي فيها.. كُل ده كان محجوب عنّك.. حتّى شَكلي الحقيقي كان محجوب عنّك.. العهد فتح البيبان اللي مقفولة قدّامك.. وشال الحِجاب اللي على عينك.. النهاردة اليوم الأوّل يا "شَامَة" في حياتك الجديدة!
كِدَه أنا فهمت ليه كنت بسمع الكلمة دي في اللي شوفته، أنا حتّى حاسّة انّي متقبّلة كُل حاجة شيفاها قدّامي وكأنّي متعوّدة عليها، ولقيتها بتتكلّم من تاني وبتقولّي...
-من النهاردة يا "شَامَة" انتي حلقة وصل بيني وبين ناس كتير موجودين في العالم بتاعك.. ولمّا تخرجي من هنا مش هتشوفي الناس كلها زي بعضها.. في ناس هتلاقيهم متعلّمين بعلامات.. أنا أقدر أخلّيكي تشوفي الموت قبل ما يحصل.. والحوادث قبل ما تتعمل.. هتلاقي نفسك عندك طاقة تعملي حاجات كتير مكنتيش تتخيّليها.. بس الإخلاص يا "شَامَة".. لازم تكون مخلصة ليّا.. ولازم تعرفي إن أي محاولة منك عشان تنقضي عهدك معايا روحك هي اللي هتكون التَّمن اللي هيندفع مقابل العهد.
كلامها خلّاني اترِعب، يعني انا اتفرضت عليا حاجة يا إما أعيش حياتي بها يا إما اموت! كُنت لسّة رايحة انطَق عشان اقولّها تعفيني من العهد وإني أضعف من إنّي أكون الشَّخص ده، دا غير إنّي مش عارفة أنا هعمل ده ليه وهستفاد إيه منّه، لكن لقيت إيدها بتتمدّلي، كانت ضوافرها طويلة ولونها أسود ومخيفة، لكن كان فيها سلسلة، وانا برضو بدون إرادتي لقيتني باخدها منها وبلبسها في رقبتي، وبعدها قالتلي...
-السلسلة دي هتفكّرك بالعهد علطول.. اوعي تفكري تنقضي العهد يا "شَامَة".
***
الحمد لله...
أخيرًا صحيت من النوم، وخلِصت من الكابوس اللي مكنش عندي أمل إنه يخلص، أوّل حاجة فكّرت فيها ازّاي اتخلّص من الخوف اللي حاسة بيه بسبب الكابوس ده، وبتمنى كمان إن اللي حصل معايا في حمام المدرسة وشوفته في المِراية يكون كابوس أو هلاوس، أنا نفسي أعيش حياة طبيعية وهادية مفيهاش مشاكل.
قرَّرت اقوم من السرير عشان ابدأ يومي، كان جِسمي مكسّر، حاولت بكل قوتي عشان اقوم، ولمّا نزلت على الأرض مشيت لحد السّراحة، وقفت قدام المِراية، لكن أول ما عيني جت على صورتي المعكوسة فيها لقيتني برجَع لورا وانا ايدي بتقرّب ناحية رقبتي وجسمي حسّيت إنه فيه شوك من الخوف.
السّلسلة!
رقبتي كان فيها السّلسلة اللي خدتها من أم شلاشل في الكابوس، لحظة، كابوس إيه؟! دا على كِدَه اللي حصل معايا ده كان حقيقة؟!
مدّيت إيدي على السلسلة عشان أشيلها، لكن حسّيت بصدمة في إيدي زي ما يكون اتصعقت بصاعق كهربا، كُنت كل ما احاول اشيلها كانت نفس الصدمة بتحصل، أنا كُنت بمسك نفسي عشان ما اصرخش وحد يسمعني، وفي الآخر قرَّرت اخرج من الأوضة.
رفعت لياقة البيجامة للآخر عشان السلسلة متبانش، هي شكلها غريب، عبارة عن قلب على شكل وش فيه قرن وطالع منه لسان أفعى مشقوق من الطرف، هي نفس صورة أم شلاشل اللي شوفتها في الكتاب وظهرتلي بعد ما قرأت اللي قرأته عليا، وطبيعي لو حد شافها هيسألني ده إيه، وانا عشان مُش فاهمة حاجة ومش مستعدة أدخل في مشاكل داريت السلسلة لحد ما اشوف حل.
أنا كُنت عارفة إن السلسلة مُش هتتخلع بسهولة، ويمكن مش هتتخلع إلا بموتي، دا لو اعتبرنا إن كده بنقض العهد.
خرجت من الأوضة وأوّل ما أمّي شافتني قالتلي...
-صباح الخير يا "شيماء".. اغسلي وشّك على ما اكون حضّرت الفطار.. لازم تفطري قبل ما تروحي المدرسة.
كُنت سمعاها لكني مردّتش، أنا كُنت واقفة ببُص للخيال الأسود اللي ماشي ورا أمي! ولقيت امّي بتقولّي من تاني...
-أنا بقولّك صباح الخير يا "شيماء".. مُش سمعاني!
-ها.. لا سمعاكي.. صباح النور!
سابتني ودخلت المطبخ، والخيال ده كان متابعها كأنه جزء منها، وفجأة لقيت ابويا صاحي وخارج من أوضته، أوّل ما شافني صبّح عليا وقالّي...
-شكلك النهاردة كوّيسة.. انتي عندك أي مشكلة أو حاسّة بحاجة؟!
-لا.. الحمد لله معنديش مشكلة!
وشوية و "علي" أخويا قام من النوم، والفطار جهز، وقعدنا على السفرة عشان نِفطر، أنا حاولت أتعامل عادي وآكل، برغم اللي كُنت شيفاه مش عادي وغريب، أنا شوفت سِتّي قاعدة معانا بالكفن بتاعها على ترابيزة السّفرة، والخيال الأسود اللي متابع أمّي كان وراها برضو!
ولقيت حاجة بتهمس في ودني وبتقولّي...
-اللي بتشوفيه دلوقت مش أول مرة يحصل.. الوضع ده موجود من فترة.. سِتّك جاية تاخد أمك.. وموجودة معاكم في البيت.. والخيال الأسود دي علامة بتكون ملازمة الواحد في أيامه الأخيرة.. علامة بيتعلّم بيها الإنسان عشان ملك الموت ينهي مهمّته بسرعة.
أنا حسّيت إن الأكل وقف في زوري، قومت من على الكرسي فجأة وروحت عند أمي، فضلت أحضن فيها وأعيّط، كلّهم كانوا مستغربين من اللي بعمله، ولقيت أبويا بيقولّي...
-مالك يا "شيماء".. بتعملي مع أمك كده ليه؟!
مكنش عندي رد اقوله غير إنّي قولتله...
-لا أبدًا مفيش.. بس أنا تخيّلت حياتنا من غيرها ممكن تكون عاملة ازّاي!
لقيته ساب الأكل وبيقولّي...
-إحنا لسه الصبح إيه لازمة الكلام ده؟!
ولقيت "علي" أخويا بيقولّي...
-متقوليش على أمي كده!
لكن الأغرب من كل ده، إنّ ستّي اللي شيفاها قاعدة معانا بكفنها كانت بتبُصّلي وبتبتسم ابتسامة غريبة!
قومت من على السّفرة ودخلت أوضتي عشان أغيّر هدومي واجهز للمدرسة، خلّصت بسرعة وخدت شنطتي وخرجت، مُش عارفة اوصف ازّاي اتحمل اللي انا شيفاه قدامي وانا ماشية في الشارع، تقريبًا نُص النّاس اللي شيفاهم وراهم خيال أسود، وفي ناس الخيال دَه كان لونه أبيض زي الدّخان، ولقيت نفس الصوت بيهمس في ودني وبيقولّي...
-اللي الخيال اللي معاه لونه أبيض ده معناه إن خلاص ساعته قرَّبت أوي!
لدرجة إني شوفت واحد منهم وقع مات فجأة وهو كان واقف بيضحك!
افتكرت كلام أم شلاشل لمّا قالتلي إنك هتشوفي الموت قبل ما يحصل، لكن أنا مكُنتش قادرة أتحمل ده، ازّاي أعيش وأنا شايفة الموت بيتجسّد قدّام عيني ورا كل واحد يومه الأخير قرّب!
لمّا وصلت المدرسة ودخلت الفصل اتصدمت إن واحدة من زميلاتي وراها خيال لونه أبيض، صرخت وخرجت من الفصل وانا بجري، مكانوش عارفين أنا بجري ليه، لحد ما في واحدة من المدرسات مسكتني وانا بجري في الطُّرقة ودخّلتني أوضة الأخصائية الاجتماعية، كُنت مُنهارة، طلبوا المُمرضة اللي جت وعطتني حقنة مهدّأة، واتصلوا على أبويا اللي جه استلمني من المدرسة، ولمّا فوقت لقيت نفسي في البيت، بدأت أحكيله.
حكيتله من أوّل اللي شوفته في مراية حمّام المدرسة، لحد اللي حصل وشوفته قبل ما اطلع اجري من الفصل، مكنش مصدقني، كان فاكرني اتجننت، لدرجة اني اضطريت أورّيله السّلسلة، ولقيته بيقولّي...
-انتي ازّاي تشتري سلسلة زي دي؟!
ولسّه بيمد إيده عشان يخلعها من رقبتي ولقيتني حسّيت بصدمة كهربا شديدة، حد أبويا لقيته بيصرخ وبيسحب إيده بسرعة وهو بيقولّي...
-إيه ده؟!
ومن هنا بدأ يصدّقني، أمي كانت منهارة من العايط، أنا حكيت كل حاجة ماعدا اللي شوفته على أمي، مكنتش حابة أخلّي الحزن يتمكن منهم، وقولت يمكن ييجي الفرج من عند ربنا، ولقيت أبويا بيقولّي...
-إحنا لازم نشوف حد من اللي بيفهم في الكلام ده يتصرّف في اللي بيحصل.
الأيام كانت بتعدّي، كُنت عارفة اللي هيموت واللي هيحصل واللي هيتعب، وكنت شايفة سِتّي موجودة في البيت قريّبة من امّي باستمرار، لحد اليوم اللي قولت فيه لأبويا إني عايزة الموضوع ده ينتهي بأي طريقة، ولقيته بيقولي...
-أنا كلّمت واحد صاحبي هيجيب شيخ وييجي بكره.. ربنا يجعل في إيده الشّفا.
في الليلة دي قبل ما انام، لقيت باب أوضتي بيتقفل من نفسه، ولقيت النور بيبهت، ونفس العاصفة اللي حصلت في المغارة بدأت تحصل في الأوضة، وللمرة التانية برضو بغمّض عيني غصب عنّي، ولمّا الدنيا هديت فتَّحت، ولقيتها!
كانت أم شَلاشل، بنفس الصورة اللي كانت مرسومة بيها في الكتاب، لقيتها بتقرّب مني ولسانها طالع بطرفه المشقوق، وبتقرّب إيدها اللي فيها مخالب لونها أسود منّي وبتمسكني من رقبتي وبتقولّي...
-أنا حذّرتك من إنك تنقضي العهد.. انتي حلقة الوصل بيني وبين العالم هنا.. أي محاولة منّك انك تنهي اللي عملته علاقتك بالعالم ده هتنتهي!
إيدها كانت خنقاني معرفتش أتكلم، لكن بعد ما قالتلي كده لقيت لسانها بيقرّب من وشي، وبدأ يلمس رقبتي، كانت بتضغط على رقبتي بشدة لدرجة اني خلاص حسّيت إني هفقد الوعي!
وفعلا وقعت في الأرض مش حاسّة بنفسي، ولمّا فوقت ملقتش حد معايا في الأوضة، لكن انا كُنت حاسة بألم رهيب في رقبتي، قرَّبت من مراية السّراحة وبدأت أبُص على رقبتي، اللي لقيت فيها خربشة مكان ما كانت ماسكاني!
خرجت من الأوضة أشوف أبويا، لكني ملقتوش، لكن اللي لقيته صدمني، الخيال اللي كان متابع أمي لونه بقى أبيض! وشوفت ستّي بالكفن بتاعها قاعدة لازقة في أمّي، والأغرب من كده، إن "علي" أخويا، كان وراه خيال أسود!
أنا وقعت في الأرض، وساعتها لقيت أمي وأخويا بيجروا ناحيتي، في اللحظة دي لقيت أبويا داخل البيت ومعاه شيخ، أول ما شافني في الأرض شالني ودخّلني أوضتي.
أمي جابتلي كوباية مايه وفضلت واقفة جنبي وانا نايمة، والغريبة حتى في وجود الشيخ كانت سِتي بالكفن جنب أمي برضو، أنا من ساعة ما شوفتها وهي ملازمة لأمي خصوصًا بعد ما خيالها بقى لونه أبيض بقت قريّبة منها جدًا، لكن صوت الشّيخ لفت انتباهي وهو بيقولّي...
-إيه اللي بيحصل معاكي بالظبط يا "شَيماء"؟!
حكيت له بالتفصيل، أي نعم أبويا اتكلّم معاه بس تقريبًا كان عايز يسمع مني أنا، ولمّا خلّصت كلامي حسّيت بالحيرة على وشّه وهو بيقولّي...
-أنا كنت فاكر الموضوع غير كده.. علاجك مش عندي.. ومش أي حد يقدر يعالجك.. بس اطّمني.. أنا أعرف واحدة بتعالج الحالات اللي زي دي وأصعب من كده كمان.
ولقيت أبويا بيقول للشيخ وصوته كله قلق...
-يعني هي ملهاش علاج؟!
ولقيت الشّيخ بيطمّنه وبيقولّه...
-اللي عندها مش مَس ولا سِحر.. دي مرصودة من جِن تَحت الأرض عاوزها تكون أداة في إيده.. وكويس إننا اكتشفنا الموضوع بدري.. السّت اللي هتعالجها دي من البَدو.. عايشة في العريش.
أبويا خد بيانات السّت من الشّيخ، كان اسمها "ميمونة"، ولقيته بيقولّي...
-من الفَجر هنتحرك نروح العَريش.
الليل فات وكلّنا صاحيين، كان الشيخ مشي، حتّى أبويا طلب منّه يرقيني أو يقرأ عليا قرآن لكنه رفض، وقال إنه خايف أي حاجة من دي في الوقت الحالي تضرّني، لكن بعد ما الموضوع ينتهي ممكن يعمل ده من باب التَّحصين.
وفعلًا مع الفَجر أبويا كان جايب عربية، وخدني ومشينا، أمي وأخويا فضلوا في البيت، المشوار طويل عليهم ومش عارفين إحنا هنقعد قد إيه هناك.
طول الطريق مكنتش بتكلّم، أكتر من 7 ساعات وانا سرحانة، لحد ما وصلنا العريش، كنت اي حد بشوفه من العربية وبشوف وراه الخيال اللي لونه أسود أو أبيض كُنت بغمض عيني عشان مبقتش قادرة أشوف ده، دا لدرجة إن على آخر الطريق السواق اللي معانا كان ظاهر وراه خيال أسود! وكان صوت بيهمس في ودني وبيقولّي...
-ارجعي عن اللي هتعمليه.. متنسيش إن حياتك هتكون التمن.. احفظي العهد يا "شَامة"!
العربية وقفت لمّا وصلت القرية اللي الشيخ قال عليها، وبدأنا نسأل عن "ميمونة"، الناس كلها كانت عارفاها، كله كان بيشاور على خيمة قريبة من جبل في الصحرا، كانت عايشة فيها.
وصلنا الخيمة، وبمجرد ما العربية وقفت قدامها لقيت واحدة سِت قاعدة، انا لفت نظري وجه الشّبه ما بين السّت اللي كنت بشوفها قاعدة في المراية وملامحها مش باينة وبين السّت اللي قاعدة، كانت نفس الهدوم ونفس طريقة القعدة بالظبط، نزلنا من العربية وقرّبنا منها، ولقيت ابويا بيسألها...
-حضرتك الشيخة "ميمونة"؟
لقيتها بترفع وشّها وبتبُص ناحيتي انا وبتقولّي...
-كويس إنك جيتي بدري يا "شَامَة"!
أبويا رجع ورا من الصدمة، ازّاي هي عرفت اسمي؟! بس انا قولت يمكن في تواصل بينها وبين الشيخ وهو بلّغها يعني، وانا مكنتش قادرة اتكلّم بعد اللي شوفته، لكن أبويا رد عليها وقالّها...
-انتي حد قالّك إننا جايين؟!
لقيتها بتبُص ناحيته وبتقول...
-اللي قالّي مش بشر يا ولدي.. اللي بيتكلّم جوّانا كان معرّفني من زمان.. إن في بنت اتولدت ووقع عليها الاختيار من شيطانة.. بسبب الشّامة اللي في وشّها!
بعدها دخّلتنا الخيمة وقعدنا، وبدأت تتكلّم وتقول...
-مُش كل شامَة بتكون مجرد لون يابنتي.. في شامة بتكون منفذ للعالم السّفلي.. وبيكون سهل اختراق صاحبها من أي جِن أو شيطان.. بيعتبروها علامة مميّزة في البني آدم.. وإنهم من خلاله يقدروا يعملوا حاجات مش مسموح إنهم يعملوها رغم إنهم عندهم القدرة يعملوا حاجات كتير.. بس قوانينهم بتحرّم حاجات.. فبيسخّروا بعض الناس اللي بيختاروهم عشان يعملوا ده.. بعد ما يعملوا معاهم عهود!
كُنا بنسمع واحنا ساكتين ومصدومين من اللي بيتقال، لكنها كانت بتكمّل كلامها وبتقول...
-العين على أم شَلاشِل.. شيطانة ملعونة.. ليها أغراض قانون الجِن بيحرّمها.. عشان كِدَه اختارتك.. ومنحتِك قوّة ملعونة.. انتي مع الوقت كنتي هتبقي صورة بشرية منها!
أنا جِسمي اتنفض، لكنها قالتلي...
-علاجِك عندي.. بس هتفضلي هِنا أسبوع.
ولقيت أبويا بيرد عليها وبيقولّها...
-هنقعد الفترة اللي تقولي عليها.. وهدفع اللي تقولي عليه.
لقيتها اتضايقت منه وقالتله...
-رد فلوسك يا ولدي.. دي حرب قديمة بيني وبينها.. وآن الأوان ننتصر عليها.
قضينا الأسبوع، كان أصعب أسبوع شوفته في حياتي، مكُنتش قادرة أستحمل الألم اللي بحس بيه في جسمي وهي بتقرأ عليا قرآن، وأحيانًا بتقرأ حاجات تانية بصوت واطي مش مفهوم منها حاجة، دا غير مايّة البير اللي جنب الخيمة بتاعتها، واللي طلبت مني استحمى منها 3 مرات في اليوم!
في الفترة دي كنت كل ما انام اشوف كوابيس، إني مربوطة بحبال في مكان عالي وتحتي نار، والحِبال بتتفك واحدة واحدة، وبمجرد ما خلاص هقرّب اقع في النار اصحى مفزوعة، دا غير إني كُنت بشوف إيدين لونها أسود بتمسكني من رجلي وبتحاول تسحبني لمغارة ضلمة، كُنت بصرخ، لدرجة اني كُنت بقوم من النوم مفزوعة وانا بصرخ فعلًا، حرارتي كانت بترتفع، وكنت بحس بألم فظيع في جسمي، وبحس بحد بيضربني، لدرجة اني بقوم مفزوعة أحيانًا وبحس بحد بيسحب روحي، لكن كل مرة كنت بقوم بلاقي "ميمونة" جنبي، بمجرد ما بشوفها كان كل ده بينتهي!
لحد اليوم الأخير، كانت "ميمونة" بتقرأ عليا قرآن كتير عن كل مرة، وكانت بتقول في سرها كلام معرفش عنه حاجة، بس كنت بسمع أحيانا حاجة زي (حرق ورقة العهد)، وفي اليوم ده طلبت منّي استحمى من البير 7 مرات، اليوم كان مرهق جدًا، لدرجة اني نمت على نفسي من التعب بالليل، وساعتها شوفت نفسي في المغارة، كانت أم شَلاشل في صورتها البشعة مربوطة بسلاسل، والنار والعة فيها، كانت بتصرخ صرخة فظيعة، كان أقل وصف أقوله لمّا سمعتها إني كنت بموت من الرعب!
في اليوم ده صحيت قبل الفجر، عشان خلاص المفروض إننا خلّصنا وهنرجع، لكن لما صحيت لقيت السّلسلة اللي مكنتش قادرة اشيلها من رقبتي مخلوعة ومرمية جنبي من نفسها!
وساعتها "ميمونة" قالتلي...
-اللي شوفتيها بتتحرق دي مش "أم شَلاشل".. دا العهد اللي هي عملته بينك وبينها.. دلوقت تقدري تعيشي حياتك وانتي مطّمنة.. بس احذري انّك تبُصي لنفسك في المِراية من بعد المغرب.. وخصوصًا للشّامة اللي في وشك.. المِرايات يابنتي بوّابات الشياطين والجِن بيدخلوا منها لعالمنا.. ولو حصلك حاجة تاني.. مش عارفة ساعتها هكون عايشة ولا لا!
في اليوم ده رجعنا من العريش، كنت حاسة اني طبيعية، بشوف الناس عادي، مفيش أي خيالات، أبويا كان مبسوط، حتّى السّواق مكنش ظاهر حواليه حاجة زي ما شوفته واحنا جايين، لكن مكنتش اتخيّل، اننا لما نوصل عند بيتنا، هنلاقي في زحمة وصريخ، وهشوف اخويا مرمي في الأرض بيعيط، واعرف انّي أمي وقعت فجأة ماتت من دقايق بس!
تمَّت...
**