آخر الموثقات

  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  • إيران من الداخل بعد الحرب.. 
  • معضلة فهم الحرب على إيران
  • نصر سياسي ايراني
  • قصة قصيرة/ وصاية الظل
  • ق ق ج/ سرُّ الشجرة والقوس
  • قليل من الحياة
  • حين كنت تحبني سرآ
  • رفاهية الضياع
  • وفتحوا المكاتب تخصص جديد
  • يمكن الطريق موحش!
  • الخلل
  • لا أعيش مع بشر
  • اسئلة عقدية خليلية 
  • جرح الكلمات
  • الصالونات الثقافية ...... هل هي بدعة جديدة ؟
  • الحب الصحي
  • المولوية
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شحاتة
  5. قطط بيت مرزوق

البيت المهجور اللي قدامنا مقفول من سنين، قديم ومكسَّر ومليان تُراب والزمن جار عليه، لا شوفنا له صاحب ولا حد بيسأل عنه، كل اللي نعرفه إنه ملك ورثة ومفيش حد منهم بيفتكره، والبيوت اللي زي دي، دايمًا بتكون مادة خام للحكايات، وأنتوا طبعًا عارفين إيه الحكايات اللي أقصدها.

أنا مش مؤمن بوجود الجِن، أو مؤمن بوجوده لكن مش بالشكل اللي الناس بتعتقده، يعني أي نعم موجودين بس لهم عالمهم الخاص وحياتهم، مش عايشين معانا يعني وبيكونوا في السقف طول ما إحنا موجودين، أو بيعيشوا في البيوت اللي بتتهجر سنين طويلة، زي بيت مرزوق اللي قدامنا ده، وزي ما بيتقال عنه.

من وإحنا صغيرين؛ كنا بناخد تحذيرات من أهالينا إن محدش يقرب من البيت ده، يعني لو لعبنا استغماية محدش يستخبى عنده، وكانوا بيقولوا إن حيطانه بتبلع الأطفال اللي بتقرب منها؛ وطبعًا في قناعتي إن الكلام ده من باب التهويل، على شان منقرَّبش منه، أو لو الكورة دخلت من الشباك المكسور اللي على الشارع وإحنا بنلعب، ننسى الكورة وننسى إننا نحاول نجيبها، من الآخر كده؛ أهالينا وصلونا لمرحلة إن البيت ده بيت محظور تمامًا.

بس الكلام ده بالنسبة ليا كان وهم؛ ولا يدخل دماغي بربع جنيه، وكبرت على القناعة دي، لكن في ظاهر تصرفاتي؛ كنت بحاول أمشي زي الناس ماهي ماشية، أصل اللي زي الناس مبيغلبش، وكنت بعمل ده لسبب بسيط، وهو إني مش عاوز وجع دماغ، يعني من الآخر كده؛ مكنتش بقرَّب من البيت، على شان وجع الراس اللي هسمعه من دَه ومن دَه.

لحد ما في ليلة صحيت قلقان من النوم، الوقت كان بعد نص الليل، ودي أول مرَّة كنت أصحى قلقان بصراحة، لكن أعتقد إن السبب هو الحر؛ اللي كان زايد جدًا عن كل ليلة.

رفعت راسي من على المخدة وأنا بقول: "إيه الصهد ده؟ هو أنا نايم في فُرن ولا إيه؟".

بصيت في السقف؛ ولقيت المروحة شغالة عادي، وبرغم كده مكانش لهاش أي تأثير، أي نعم إحنا في عز الصيف وكل حاجة، بس درجة الحرارة دي ميحسِّش بها غير واحد واقف قدام فُرن وفي عز القيَّالة كمان، وده اللي خلاني أقوم أشوف إيه الحكاية.

نزلت من السرير ومكنتش أتوقع إن الأرض حرارتها عالية كده، مكنش عندي قدرة إني أتحملها، رجعت للسرير تاني ورفعت رجليا، وبدأت أدوَّر على الشبشب، لحد ما لمحته عند نهاية السرير، اتحركت فوق السرير لحد ما وصلت عنده، وبعدها نزِّلت رجليا فوق الشبشب بالظبط، وبدأت أتحرك به في الأوضة.

قربت من الباب، ولقيت إن درجة الحرارة عنده مش حَر زي باقي الأوضة، ده اللي خلاني أستغرب، بدأت أتحرك يمين وشمال، وساعتها لاحظت إن درجة الحرارة بتزيد كل ما قربت من البلكونة اللي على الشارع، واللي السرير بتاعي لازق في الحيطة بتاعتها.

بدأت أسأل نفسي وأقول: ممكن الحرارة دي تكون جاية من الشارع؟ 

معطِتش نفسي فرصة أجاوب، لأني سألت نفسي سؤال تاني: إيه اللي ممكن يتسبب في الحرارة دي بعد نص الليل؟

مفكرتش كتير ولا عطيت نفسي وقت أجاوب، اتحركت ناحية باب البلكونة وفتحته، ولما خرجت؛ لقيت إن الحرارة بره أصعب من الحرارة في الأوضة، وقفت في البلكونة وبصيت في الشارع، اللي وقتها كان فاضي مفيهوش صريخ ابن يومين، ومكنتش لاقي سبب يخلّي الجو بالشكل ده، ولما غُلب حماري زي ما بيقولوا، قررت أدخل تاني وأسيبها لنصيبها بقى، لكن لما رفعت عيني من الشارع، كان بيت مرزوق في وشّي، وده العادي لأن البيت قدامنا وفي وش البلكونة بتاعتي، في العادي لما كنت بخرج البلكونة في وقت زي ده، كنت بشوف البيت مجرد كتلة ضلمة وخرابة، لأنه مقفول من سنين طويلة جدًا ومهجور، لكن المرَّة دي في حاجة غريبة، البيت فيه حاجة منوَّرة من جوَّه، ضوء أحمر ظاهر من ورا شيش بلكونته المكسور اللي قدامي، وواضح وضوح الشمس.

اللي شوفته خلاني أنسى درجة الحرارة العالية، لأني بدأت أنشغل بحاجة تانية؛ هو الضوء الأحمر إيه حكايته؟ 

 

الحكاية بدأت تشغل تفكيري جدًا، لدرجة إني بدأت أدوَّر على أي مصدر ضوء خارج البيت، ما يمكن اللي أنا شايفه ده انعكاس لضوء تاني، لكن لأ، مفيش أي ضوء أحمر بره البيت، والضوء فعلًا كان من جوَّه.

لما سرحت في الحكاية؛ لقيت نفسي بحط إيدي وبسنِد على سور البلكونة، اتفاجأت إن السور بارد، أو يعني درجة حرارته عادية زي ما أنا متعوِّد على الجو، يمكن ده خلى انتباهي اتشتت شوية عن اللي بيحصل في بيت مرزوق، والضوء الأحمر اللي ظاهر جوَّاه؛ لأن الفرق الرهيب بين درجة الحرارة اللي حاسسها دلوقت واللي قلقتني من النوم كان حاجة غريب، دا غير إن فرق الوقت بين الدرجتين مش كفاية على شان التفاوت ده يحصل.

بدأت ألمس كل حاجة حواليا؛ حتى الأرض لمستها، الحرارة طبيعية جدًا، والهوا طبيعي، استغربت الحكاية؛ خصوصًا لما لقيت الضوء الأحمر اللي ورا بلكونة بيت مرزوق اتوهِّج فجأة، زي ما يكون في حاجة بتلفت نظري على شان أبُص هناك، ولما بصيت لقيت إن الضوء مالي البيت، في الوقت ده سمعت هاجس جوايا بيقول إن درجة الحرارة دي ما هي إلا فخ وتم استدراجي عن طريقه، وخلاني أصحى من النوم وأخرج البلكونة، بس فخ إيه ومن مين وليه؟!

أسئلة كتير دارت في دماغي وقت ما كنت ببص على بيت مرزوق والضوء الأحمر اللي خارج منه، كان شيء طبيعي إني ملاقيش إجابة، لأني بسأل عن حاجة بشوفها لأول مرة، ماعرفش عنها أي معلومة، دا غير إني مش متأكد إذا كان اللي أنا شايفه وحصل ده حقيقي ولا هلاوس، لكن اللي بقيت متأكد منه؛ هو إن الضوء الأحمر بيزيد ويتوهِّج جوه البيت، لدرجة إني بدأت أشوف تفاصيل المكان جوَّه، الحيطان اللي دهانها واقع والرطوبة واكلاها، العفش المتكسَّر واللي التراب مغطِّيه، مظهر البيت من جوَّه كان متنيِّل بستِّين نيلة، ميفرقش عن منظره من برَّه.

اللي زاد وغطَّى بقى، هو إني بدأت ألمَح خيال بيتحرَّك في البيت، شيء أشبه بالظل الأسود بيتحرَّك في الضوء الأحمر، لأ والأكتر بقى؛ هو إن الظل ده بدأ يبقى اتنين وتلاتة، العدد بدأ يزيد، لحد ما بقى عندي قناعة إن كلها شوية ويبقى عدد لا نهائي من الظلال، كانت كتيرة وأحجامها مختلفة، بس كلها على شكل ظلال قُطط، وبعدها بدأت أسمع صوت قُطط بتعوي جوَّه البيت. 

الصوت كان مخيف، وكنت بسمعه من البيت لأول مرة، برغم إن القُطط داخلة خارجة من بيبانه وشبابيكه المكسَّرة كل يوم، وخصوصًا بالليل، بس بيدخلوا ويخرجوا في صمت، لكن المرة دي بيعووا بصوت مخيف جوَّه، في شيء غريب ومش مفهوم، خلاني أفكَّر في حكاية البيت ده، اللي وجوده في الشارع كان بالظبط زي الصندوق الأسود، زي ما هو شكله قديم ومهجور، أكيد بطنه مليانة أسرار، ورغم إني بدأت أفكَّر تفكير ضد قناعتي بسبب اللي بيحصل قدامي، لكن بدأت أبقى مرِن في تفكيري، وأفكر بدماغ أهل الحتة، وهنا سألت نفسي سؤال، هو الخوف والرهبة اللي كبرنا في الشارع لقيناها مسيطرة على الناس بسبب البيت جاية من فراغ؟

الإجابة اللي على لساني كانت "لأ"؛ بس مقدرتش أنطقها بدون دليل، أي نعم إحنا اتولدنا وكبرنا على تحذيرات أهالينا من بيت مرزوق، لكن محدش قال لنا التحذيرات دي كلها بسبب إيه، ولا هو يعني تحذيرات وخلاص من مبدأ هذا ما وجدنا عليا آباءنا؟!

مكنتش متخيل إني هوصل للوقت اللي فيه أحس بالشغف ده ناحية البيت، ومكنتش لاقي مبرر غير إن الفضول ده بسبب اللي شوفته دلوقت، برغم إن الإضاءة الحمرا اختفت والظلال معادش لها وجود، لكن بدأت أكتشف إن القناعة أحيانًا ما هي إلا رماد بيكون مغطّي على نار موجودة تحته، مستعدة تشتعل لأي سبب.

أنا إزاي أفكَّر في فكرة مجنونة زي دي؟ 

ده السؤال اللي سألته لنفسي، لما سمعت هاجس جوايا بيقول لي: "ادخل البيت، وشوف إيه الحكاية بنفسك، محدش بيتعلِّم العوم وهو قاعد على الرمل بيبُص للبحر من بعيد". بس حسيت بتناقض في تفكيري، لما لقيت نفسي متردد، المجازفة حلوة وكل حاجة، واللي مش بيجازف بيخسر كتير، بس ممكن الإنسان يجازف ويخسر أكتر برضه، أنا مهما كان معرفش إيه اللي ممكن يكون جوَّه البيت، وده اللي خلاني أمسك العصاية من النُص، وفكَّرت إني أجازف بدون ما أقول لحد من أهلي والحكاية كلها تبوظ، بس مش هجازف لوحدي، أنا قررت آخد معايا أحمد صاحبي، معايا في كل حاجة خطوة بخطوة، وأكيد هيكون مُستعِد ييجي معايا في أي مكان.

تاني يوم بعد العَصر، لما الشمس بدأت تغيب، روحت وخبَّطت على بيت أحمد، ولما طلع لقيته بيقول لي:

-أول مرَّة تيجي من غير الكورة يا أيمن!

بصيت حواليا قبل ما أرُد عليه، ولما اتأكدت إن مفيش حد سامعنا قولت له:

-بقول لَك إيه؛ أنا عايزك في طَلعة كده.

-إيدي على كِتفَك، بس الطلعة دي فين؟

بصيت حواليا من تاني زي اللي بيسرق، أو عامل عاملة وخايف يتقِفِش، وبعدها قولت له:

-عاوز أدخل بيت مرزوق.

حسيت زي ما يكون في سِلك كهربا عريان وقع فوق أحمد، وطبعًا حسيت ده من لهجته وهو بيقول لي:

-إيه التخاريف دي يا أيمن؟

-مُش تخاريف، تعالَ هقول لَك سبب طلبي دَه.

مشينا من قدام بيته، وروحنا قعدنا على أول الشارع، وبدأت أحكي ليه اللي حصل معايا ليلة امبارح، يعني إزاي قلِقت من النوم، وإزاي خرجت البلكونة، وحكيت له عن اللي شوفته في البيت جوَّه، وساعتها قال لي:

-بيت مسكون؛ عايز تشوف فيه إيه يعني؟ مسرحية العيال كبرت؟ ماهو لازم تشوف فيه حاجات غريبة.

-اللي شوفته ليلة امبارح خلاني أغيَّر قناعتي تمامًا، أنا مش مؤمن بوجود الجِن ولا العفاريت عمومًا، أو على شان متقولش بقى مذكورين في القرآن؛ وإن كلامي مش صح، خليني أجيبها بطريقة تانية، أنا مؤمن بوجودهم وكل حاجة، بس بوجودهم في عالمهم، لهم حياتهم ودنيتهم اللي ربنا خلقها لهم زي ما خلقهم، وزي ما خلقنا وخلق لنا حياة نعيش فيها، يعني فكرة بقى وجودهم في الحمامات والبيوت المقفولة من سنين دي أنا مُش مقتنع بِها.

-طيب واللي حصل معاك ليلة امبارح ده إيه لما هما مش عايشين معانا؟

-ماهو ده اللي مخليني جاي لَك؛ لأني شوفت حاجات غريبة قدامي وعايز أتأكد إن الكلام اللي بنسمعه عن البيت حقيقة.

-وهتستفيد إيه من وجع القلب؟

-هستفيد إن عقلي هيهدا، ومش كل ما أدخل البلكونة دماغي هتفضل تودّي وتجيب، أنت ناسي إن البيت في وِش بلكونتي؟

-طيب ولو دخلنا وحصل لنا حاجة جوَّة إيه العمل؟

-لو مسكون هيبقى الموضوع بسيط، آية الكرسي والمعوذتين هتمنع أي أذى ممكن يحصل لنا، ولو مش مسكون يبقى يا دار ما دخلك شَر.

-وأنت فاكر يعني لما تدخل العفاريت هتيجي تقول لك أنا أهو!

-بقول لك إيه يا أحمد؛ أنا في حيرة من اللي شوفته ليلة امبارح، هتقعد بقى تلاعبني حاوريني يا كيكا بالكلام، ولا هتيجي ندخل البيت ونتأكد بنفسنا؟

 

ملقتش جواب على كلامي، كل اللي لقيته هو الخوف اللي ظهر في ملامح أحمد، وده اللي خلاني أسكُت ومكمِّلش الكلام، لحد ما هو اللي اتكلِّم...

-في مرَّة سألت أبويا آخر مرَّة كان بيحذَّرني فيها من البيت قبل ما يموت، وقولت له: البيت قديم ومهجور وكل حاجة، ومفيش حاجة بتقرَّب منه غير القُطط، وأكيد يعني لو البيت فيه حاجة تخوِّف كانت القطط خافت منه، بس أبويا رد عليا رَد غيَّر كل تفكيري، لما قال لي: البيت يابني لو كويِّس مكانتش القُطط قرَّبت منه، أنت فاكر إن دي قُطط بجد؟ لولا بس الدنيا اختلفت عن زمان كنت عرفت إن نُص القطط اللي في الشوارع بالليل دي مُش قطط ولا حاجة، دي بتبقى حاجات والعياذ بالله بس بتظهر في شكل قطط، لما تبقى راجع البيت بالليل في وقت متأخر لوحدك، وتلاقي واحد جارك راجع، وتمشي جنبه تتونِّس معاه، وقبل ما يوصل عند بيته يختفي، وتتفاجئ إن في قطة سودة طالعة تجري من جنبك، متعرفش هي ظهرت منين ولا جارك اختفى فين، تحِس إن جارك اتسخَط لقُط أسود في لحظة، وتاني يوم لما تحكي لجارك عن اللي حصل، وتعرف إنه في الوقت ده كان في سابع نومة، ساعتها بس بتتأكد إن لا اللي كان ماشي جنبك يبقى جارك، ولا القُط اللي اتفاجأت به بيجري يبعد عنك يبقى قُط.

كنت بسمع كلام أحمد وأنا مصدوم، مش من الحكاية اللي بتتقال، أنا ياما سمعت حكايات من دي، وكنت بحكم عليها بالخرافة وكده، لكن الصدمة إن ده ممكن يكون حصل بجد، ولحد هنا وقفت تفكير لأن أحمد كان بيكمل كلامه...

-وبعد ما أبويا حكى لي عن شوية حاجات من دي، قال لي سبب تحذيره من بيت مرزوق، زي ما كل الناس بتحذر ولادها، وساعتها قال لي: الجيل بتاعنا شاف اللي أنتوا مش هتشوفوه، إحنا وعينا على البيت ده وهو كان لسه مهجور جديد، لما في يوم بعد الفَجر؛ مرزوق صاحب البيت ومراته وولاده سابوه وهربوا فجأة، بدون مبرر ولا سبب، دا حتى مأخدوش عفشهم، ولا فكروا يبيعوا البيت، سابوه ولا حد هوِّب ناحيته تاني، حتى ولاده وولاد ولاده؛ اللي هُما الورثة، محدش بيقرَّب ناحيته، إحنا مكناش نعرف السبب، لكن بعد ما البيت اتقفل، بدأنا نسمع صوت قطط بتعوي في البيت بالليل لما أهل الشارع يناموا، الصوت كان مزعج لدرجة إننا كنا بنقوم من النوم، على شان نشوف الحكاية إيه، ولما كنا بنخرج، كنا بنشوف قطط لونها أسود مرصوصة على بلكونة البيت، عيونهم لونها أحمر زي ما يكون فيها نار، الغريبة إنهم لما كانوا بيشوفوا الناس خارجة من البلكونات والشبابيك، كانوا بيعووا أكتر، زي ما يكونوا بيقولوا للناس إحنا هنا، ولأن عندنا قناعة إن القُطط السودة غالبًا مش بتكون قُطط، خصوصًا لما بتتصرف تصرفات غريبة، لكنها بتكون حاجات تانية والعياذ بالله، واللي خلانا نتأكد أكتر، إن القطط دي مبيكونش لها أثر بالنهار، وبتظهر بالليل بس، ومن هنا بدأنا نعرف إن البيت مسكون، وإن اللي سكنوه هُما اللي خلوا أصحابه يطفشوا، وكنا مستغربين ليه محاولوش يرجعوا تاني، ويجيبوا شيخ مثلًا يقرأ في البيت ويطرد اللي فيه، لكن معتقدش إن حد يسيب مكانه غير للشديد القوي، ومن وقتها وعرفنا إن القطط اللي في بيت مرزوق مُش قطط، واتأكدنا إنه مسكون، وبقينا نكبر دماغنا من الصوت اللي بنسمعه كل ليلة، لكن دلوقت الدنيا عمار، والحياة مبقتش زي الأول، أي نعم القطط لسه بتظهر في البيت أو قريب منه بالليل، وأي نعم عددها مش كتير، بس ده ميمنعش إنهم موجودين جوَّه، أخدوا البيت بوضع اليَد، ولازم الكل يخاف على ابنه على شان شقاوته متخليهوش يدخل البيت ويحصل معاه حاجة.

 

بلعت ريقي بعد الفيلم الطويل اللي سمعته من أحمد، وبعدها قولت له:

-أنت عارف كل الكلام ده وساكت؟

-عاوزني أعمل إيه يعني؟ أمشي أحكيه على ربابة مثلًا؟

-لأ مش قصدي كده طبعًا، بس برغم اللي عرفته، لسه عندي فضول أعرف إيه سبب اللي حصل، إحنا كده بنتكلم في نتيجة اللي حصل مش السبب اللي خلاه يحصل، ماهو لو عُرِف السبب بَطُل العجب.

 

في نهاية الكلام القرار كان إننا ندخل البيت بعد نُص الليل، وفعلًا؛ خرجنا بعد ما أهالينا ناموا، وأخدنا بعضنا وروحنا ناحية بيت مرزوق، مكنش عندنا مشكلة ندخُل منين، في أكتر من مكان ندخل منه، شباك مكسور أو باب درفته طايرة، المشكلة هي إننا هنعمل إيه لما ندخل.

 

على شان الوقت ميضيعش في الفاضي، قررنا ندخل، فتحنا كشافات تليفوناتنا دخلنا من شباك مكسور وقريِّب من الأرض، ولقينا نفسنا في أوضة، كان فيها كذا كورة من اللي بيدخلوا جوَّه ومحدش بيدخل وراهم، وكراكيب كتير في الأرض، فضلنا واقفين في نفس المكان، لحد ما قلبنا اطَّمن إن مفيش حاجة حصلت، بعدها بدأنا نتحرَّك ونخرج من الأوضة، لحد ما لقينا نفسنا في صالة البيت، في اللحظة دي حسينا بحاجة بتجري من حوالينا في الأرض، ضربنا الكشافات تحت رجلينا، ومشوفناش غير كراكيب وتراب وحاجات قديمة، بس ده صوت رجلين قُطط، مخالبها بتخربش في الأرض وهي بتجري، عن نفسي جسمي اتهَز ومبقتش عارف أسيطر على أعصابي، توازني اختَل، مديت إيدي أسنِد على أيمن، ولقيت نفسي بسنِد على الفراغ، لدرجة إني كنت هقع في الأرض، مسكت نفسي بالعافية وصلَبت طولي، بدأت أبُص حواليا؛ ولقيت إني لوحدي، أحمد مالوش أثر، زي اللي اتبخَّر أو الأرض انشقِّت وبلعته، في اللحظة دي بدأت ألمح ضوء أحمر بيظهر قدامي، حاجة كده زي ما تكون لمبة حمرَّه نوَّرت، واللمبة بقت اتنين وتلاتة، الحكاية زي ما تكون في أكتر من لمبة بتنوَّر واحدة ورا التانية، بس مع الوقت أدركت إن دي عيون قُطط منوَّرة بالنور الأحمر، واللي خلاني أتأكد، إني بدأت أشوف في الضلمة خيالات على شكل قُطط، دي غير إني سمعت صوتهم لما بدأوا يعووا قدامي.

 

مقدرتش أتحرك من مكاني، لأول مرة أحِس إن الخوف اللي بيخليك تجري، هو نفس الخوف اللي ممكن يمسمَرك في الأرض مكان ما أنت واقف، في اللحظة دي؛ سمعت صوت غريب، مكنتش قادر أحدد هو صوت إيه، لكن النبرة كانت بين صوت المواء وصوت البشر العادي، حاجة كده بين البينين، والصوت كان بيقول:

-أفعال الشخص يا أيمن بترميه للتهلكة، وأنت عمرك ما فكَّرت في البيت ده؛ وطول عمرك حدودك معانا بلكونتك، ودلوقت أنت واقف قدامنا، وجوَّه العالم بتاعنا، لكن الموضوع بعيد عنَّك، كل الحكاية إن في واحد من ورثة مرزوق بيفكَّر في البيت، ومن وقت اللي حصل وهو متحرَّم عليه وعلى نسلُه إنهم يدخلوا هنا، واللي رجليه هتشيله منهم ويدخل هنا مش هيطلع تاني، أصل اللي حصل مش بسيط، وعلى شان متبقاش مستغرب؛ فالحكاية ببساطة هي إن كان في واحدة من العشيرة عايشة في البيت ده، وإحنا مش بنتجسِّد غير في شكل قُطط سودة، وبنعيش كافيين خيرنا شرنا طالما محدش بيأذينا، بس اللي حصل من مرزوق كان السبب، هو اللي بدأ الحرب، لما شاف قدامه قطة سودة في مدخل البيت وهي بتولِد، وساعتها ضربها بخشبة وهي في نُص الولادة، قال يعني اتصرَّف كده من باب إن القُطط هتكتر وهيبوظوا البيت، وهي أخدت الضربة من هنا وماتت، وده مكانش سبب في موتها وبس؛ لأ، دا اللي في بطنها ماتوا جواها، واللي كانوا اتولدوا ماتوا من الجوع، مرزوق كان فاكرها قطة، لكن ميعرفش إنها بنت من بنات العشيرة، على شان كده العشيرة حكمت على مرزوق وولاده بالموت، وفي ليلة لما ظهر مارد في البيت على شان يبدأ ينتقم، ظهر في شكل قُط حجمه ضخم، مرزوق شافه وصرخ، وساعتها مراته قامت من النوم وأولاده، والانتقام محصلش، لأن الشخص لازم يكون لوحده على شان الانتقام يتِم، بس بعد اللي مرزوق شافه مستنَّاش، دا أخد مراته وولاده وطفِش من البيت في فجريِّة اليوم ده، ومن وقتها، وإحنا ساكنين البيت، منتظرين مرزوق يرجع على شان ننتقم، لكن بعد ما مرزوق مات، الحكم اتغيَّر، وبقى محكوم على نسله ميدخلش البيت، لأننا مش بننتقم غير من اللي اعتدى علينا وبس، على شان كده كان لازم نلفِت نظر حد من الشارع، ونستدرجه هنا على شان يعرف حقيقة اللي حصل، ولو شاف حد من ورثة مرزوق جاي ناحية البيت، ينصحُه يبعد، على شان الحُكم ميتغيَّرش لو حصل جديد.

 

بعد ما سمعت الكلام ده، الأضواء الحمرا اللي كانت منوَّرة قدامي بدأت تنطفي واحدة ورا التانية، لحد ما اختفوا تمامًا والصالة رجعت ضلمة من تاني، ساعتها بس حسيت إني بقيت حُر الحركة، وساعتها الخوف اللي ثبِّتني في مكاني، خلاني أبدأ أجري من الصالة ناحية الأوضة، وأنا بندَه بصوت واطي على أحمد، لكنه مكانش له أثر.

 

كل اللي في بالي هو إني إزاي هخرج وأسيب أحمد جوَّه، دي ندالة، وبعدين أنا اللي خليته ييجي معايا، ولما فقدت الأمل إنه يرُد عليا، قررت أخرج من البيت وأصحِّي أهل الشارع، وأحكي لهم الحكاية، وأخليهم يساعدوني في إننا ندوَّر عليه، لكن لما خرجت من نفس الشباك اللي دخلنا منُّه، لقيت أحمد مرمي في أرضية الشارع قدام البيت، نزلت على ركبي وبدأت أهِز فيه، وفين وفين على ما بدأ يفوق، ولما استرَد وعيُه قولت له:

-أنت خرجت إزاي وإمتى، دا أنت كنت جوَّه معايا!

 

ساعتها قال لي بصوت مبحوح:

-أنا مدخلتش معاك يا أيمن، بمجرد ما حطينا رجلينا جوَّه الشباك، شوفت قُط ضخم عينيه بتنوَّر أحمر، خوفت وخرَّجت رجلي تاني وأنا بندَه عليك، بس أنت كنت في عالم تاني، لا سامعني ولا حسيت بيا وأنا بشدَّك من التي شيرت، دا غير إني مكنتش قادر أشدَّك وأنت ماشي، زي ما تكون في قوة غريبة بتشدَّك جوه البيت، وساعتها القُط اللي شوفته عينيه نوَّرت وهو بيبُص ناحيتي، في اللحظة دي فقدت الوعي، ومحسيتش غير وأنت بتقوِّمني دلوقت!

 

في الوقت ده فهمت اللي حصل، أحمد اتمنع من الدخول؛ لأنهم اختاروني أنا، على شان يوصلوني رسالة أوصَّلها لشخص معرفش عنه حاجة غير إنه بدأ يفكَّر في ورثه، اللي هما استولوا عليه بحكم من عشيرة بنت من بناتها قتلها مرزوق، ودي مهمة معرفش بصراحة هقوم بها إزاي.

 

بعد ما شيلت أحمد من الأرض، وبدأ ياخد نفسه، حكيت له عن اللي حصل معايا، وهو اقتنع بكل كلمة قولتها لسببين، لأنه كان مقتنع جدًا بكل كلمة أبوه قالها عن البيت، والسبب التاني إنه شاف بعينه القط الضخم اللي عينيه بتنوَّر أحمر، واللي أنا بالمناسبة مكنتش شايفه، زي ما يكون أحمد بس اللي شافه على شان يفضل برَّه البيت، في الوقت اللي حد منهم خلاني أتخيل إنه داخل معايا جوَّه البيت، على شان أتشجَّع وأدخل عندهم، ويوصَّلوني الرسالة اللي عايزين يخلوني أعرفها، لمجرد إني أقرب واحد للبيت.

 

محدش في الشارع يعرف اللي حصل معانا، زي ما خرجنا من بيوتنا دخلنا تاني قبل ما الناس تقوم من النوم، بعدها الدنيا كانت ماشية طبيعية، كله واحد بيشوف أكل عيشه واللي وراه بدون ما يقرَّب من البيت، دا غير الحاجات العادية اللي بتحصل وبنشوفها كل ليلة، قط أسود داخل وقُط تاني خارج، المشهد كان مألوف تمامًا، لحد ما في ليلة كنت واقف في البلكونة، وكنت متعمِّد إن عيني متجيش ناحية البيت. لمحت شاب غريب عن الشارع، كان ماشي بيبُص على البيوت، لحد ما وصل عندنا، يعني بقى واقف بين بيتنا وبيت مرزوق، في اللحظة دي بدأ يقرَّب من البيت، غصب عنّي لقيتني بندَه عليا وبقول له:

-لو سمحت.

 

ساعتها بَص ناحيتي ومتكلِّمش، لكنه بَص تاني للبيت ومد إيده في جيبه وطلَّع تليفونه، وفتح كشاف التليفون ونوَّر الأوضة اللي شباكها مكسور على الشارع، في اللحظة دي بدأ يرجع بضهره ورا زي ما يكون مش مستوعب اللي هو شايفه، وساعتها بس حسيت إني عملت اللي عليا لما حاولت أتكلم معاه وهو كبَّر دماغه، وحسيت برضه إن القدر اتدخَّل على شان ميدفعش تمن ذنب ميعرفش عنه حاجة ولا ارتكبه، أنا كنت عارف هو مين وشايف إيه، دا أكيد من ورثة مرزوق اللي هُما قالوا لي عنه، وأكيد شاف اللي خلى جدُّه يهرب هو ومراته وولاده وميرجعوش البيت تاني، دا غير طبعًا إن الشخص ده عمل نفس اللي عمله جدُّه، أخد بعضه وطار من قدام البيت، ومن الشارع كله، ومن ساعتها مرجعش، ولا حد من ورثة مرزوق ظهر تاني، ومبقاش يظهر في البيت غير القطط السودة اللي إحنا متعوِّدين عليها! 

 

تمت...

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب333824
2الكاتبمدونة نهلة حمودة189699
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181342
4الكاتبمدونة زينب حمدي169726
5الكاتبمدونة اشرف الكرم130949
6الكاتبمدونة مني امين116770
7الكاتبمدونة سمير حماد 107758
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي97844
9الكاتبمدونة مني العقدة94969
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91618

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
2الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
3الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
4الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
5الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
6الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
7الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
8الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
9الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14
10الكاتبمدونة محمد بوعمامه2025-06-12

المتواجدون حالياً

2549 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع