إيدي بدأت تتمد تحت السرير وهي بترتعش، والحقيقة مش إيدي بس اللي كان حالها كده.. جسمي كله كان بيتنفض زي الفرخة اللي مدبوحة وبتطلع في الروح، مكنتش مصدَّق اللي قدام عيني، لكن سحبت إيدي قبل ما توصل للحاجة اللي خلتني أتنِفض من جوايا، أصلها كانت سكينة عليها آثار دَم، والأرض تحت منها كانت متلطخة دم برضه، ولما استوعبت اللي بيحصل، سحبت إيدي على شان دي فيها بصمات وحوار كبير أنا هلبسه بدون ذنب، أو على الأقل؛ هضيَّع البصمات اللي المفروض توصلنا للقاتل، دا لو افترضنا إن وليد جرى له حاجة، والسكينة دي كانت هي أداة الجريمة.
حاولت أقوم من الأرض، رجلي مكانتش شيلاني وأعصابي كانت هربانة مني، لدرجة إني كنت بزحف على إيدي ورجلي وبرجع لورا، وعيني كانت مبحلقة في السكينة، وفضلت على الوضع ده لحد ما خرجت من الأوضة، بعدها قاومت حالة الخوف اللي كنت فيها، وسندت بإيدي على الحيطة ووقفت بالعافية، في اللحظة دي بدأت أندَه على أيمن وسيف، صوتي كان مبحوح وطالع بالعافية، ده اللي خلاني أتأكد إنهم مش سامعيني، بس لما نزلت تحت؛ لقيتهم بيبصوا ناحيتي وهما مذهولين، ساعتها قربوا مني ولقيت أيمن بيسألني:
-إيه اللي حصل يا عادل؟
بلعت ريقي أكتر من مرَّة على شان أقدر أتكلم، وبعدها قُلت:
-سكينة.. في سكينة عليها دَم تحت سرير وليد.
كانوا بيبصوا لبعضهم باستغراب، زي ما يكونوا مش مستوعبين اللي بيسمعوه، أصل وجود السكينة والدم مالوش غير معنى واحد، وهو إن وليد اتقتل، أو على الأقل اتصاب إصابة شديدة، واللي عمل كده بيحاول يوصل لنا رسالة.
محدش فينا نطق بعد اللي قُلته، كل الحكاية إن توازني اختَل من الصدمة وكنت هقع على الأرض، لكن أيمن سنَدني لأني حرفيًا مكنتش قادر أقف، بس كنت واعي لسيف وهو طالع يجري ناحية الأوضة فوق.
سندت على كِتف أيمن لحد ما وصلت لأقرب كنبة، قعدت وبدأت آخد نفسي، وفي الوقت ده ملامح أيمن كان باين عليها الصدمة أكتر مني، كأن هو اللي شاف السكينة مش أنا.
وهما يادوب دقيقتين، ولقينا سيف نازل وهو بيبُص ناحيتي بصة غريبة، بس أنا مكنتش قادر أتكلم، لسه صوتي كان مكتوم جوايا والرعشة مسيطرة عليا، على شان كده أيمن هو اللي اتكلم وسأله:
-في إيه يا سيف؛ شُفت إيه فوق؟
كان بيجاوبه وهو بيبُص ناحيتي:
-قلبت الأوضة فوقاني تحتاني؛ وبصيت تحت السرير، لا في أثر لسكينة ولا دم من اللي عادل قال عليهم.
في اللحظة دي نطقت وقُلت:
-يعني إيه؛ أنا بخرَّف مثلًا؟ ولا اتجننت وبقيت أشوف حاجات مش موجودة؟ أنا شُفت السكينة والدم بعيني وواثق من اللي بقوله.
ساعتها سيف وجَّه لي الكلام وقال:
-ماشي هنصدقك؛ تقدر بقى تقول هما فين؟
في اللحظة دي أيمن اتدخل وقال:
-مش يمكن بيتهيأ لك يا عادل؟ على شان وليد اختفى ومش عارفين هو فين، لسه لحد دلوقت مش عارفين إن كان خرج وهيتأخر وتليفونه فصل ولا في حاجة حصلت.. لسه محدش فينا عارف حاجة.
مكنتش عارف أجادل، كلامه منطقي؛ لكن أنا واثق إني شُفت السكينة، بس لقيت سيف بيكمل على الكلام وبيقول:
-أنا بدرس طب وعارف الحالة دي كويس يا عادل؛ الصدمة بتسبب اضطرابات وهلاوس، مخاوفك من إن وليد يكون جرى له حاجة، خلَّتك تتخيَّل إنه حصل معاه شيء مش كويس؛ لدرجة إنك شُفت أداة الجريمة، عقلك الباطن هو اللي شاف، مخاوفك خلَّت عقلك يعطي إشارة للعين إنها تشوف حاجة مش موجودة، عامل بالظبط زي ما تكون في مكان مهجور وضلمة، وتبدأ تفتكر العفاريت والجن والشياطين، ساعتها بتحس بخوف، وبتبدأ تتخيل حاجات بتتحرك حواليك، وتسمع أصوات مش موجودة، رغم إن كل ده مبيكونش حقيقة، لأن حواسك وقتها بتكون واقعة تحت تأثير مخاوفك وعقلك الباطن.
كلامه كان مقنع أكتر من كلام أيمن، لكن في سؤال برضه محدش جاوبني عليه، وده اللي خلاني أسألهم وأقول:
-طيب حد يقدر يفهمني وليد راح فين؟
السؤال المعضلة؛ اللي محدش فينا عارف إجابته، وده اللي أكد عليه أيمن لما قال:
-بقول لكم إيه، هو أكيد مجالوش نوم وخرج لما نمنا شوية، والبوابة برَّه كانت مفتوحة والبواب وابنه كانوا في الأوضة، وزمانه قعد في مكان وعجبه وتليفونه فصل شحن وهو مش واخد باله، وبعدين يعني دا مكملش خمس ساعات مختفي، زمانه هنا ولا هنا، وهنلاقيه داخل علينا دلوقت.
قطع كلامنا عم صفوت البواب، لما دخل علينا وهو بيجري زي ما يكون وصله خبر مصيبة، في اللحظة دي قلبنا وقع في رجلينا، أصل اللي جه في بالي وقتها، إنه جاي يبلغنا خبر مش كويس عن وليد، يمكن يكون شافه واقع هنا ولا هنا في الجنينة، لكن لما وصل عندنا لقيناه بيقول لسيف:
-يا دكتور سيف، أنا لازم أنزل البلد حالًا.
ساعتها بس أخدنا نفسنا، لما لقينا سبب خوفه بعيد عن اختفاء وليد، ده اللي خلانا كبرنا دماغنا منه، وسيبناه لسيف اللي سأله:
-ليه يا عم صفوت؛ إيه الحكاية؟
-أم ربيع مراتي تعبت فجأة، وأخدوها على المستشفى، وبحاول أرن عليها تليفونها مش متاح، أصل الشبكة في البلد عندنا بعافية حبتين.
-أومال عرفت منين لما الشبكة بعافية عندك في البلد؟
-واحد من الجيران كلمني من رقم غريب، قال إنه بيتكلم من الكابينة اللي على أول البلد، وحاولت أتصل بالرقم مش بيجمع.
-أكيد مش هيجمع يا عم صفوت، لأن الكابينة دي اتصال بس مفيهاش استقبال، المهم؛ لما أنت تروح البلد مين اللي هيحرس البوابة؟
-ماهو أنا يا دكتور هسيب ربيع ابني مكاني، وهروح يومين تلاتة أطمن على الجماعة وأرجع.
في اللحظة دي سيف قال له:
-بس ربيع ابنك أخرس يا عم صفوت، يعني لا هيعرف يجيب طلب، ولا هنقدر نستفيد به زي ما بتكون أنت موجود.
-يا دكتور سيف اعمل معروف، بقول لك الجماعة في المستشفى، وأنا مش هغيب كلها يومين تلاتة.
بعد ما سيف فكَّر شوية؛ لقيناه بيقول له:
-طيب استنى أعطي خبر لوالدي؛ ماهو لازم يبقى عارف إنك رايح البلد.
بعد ما سيف قال الكلمتين دول، أخد بعضه وراح لركن بعيد، طلَّع تليفونه من جيبه وبعد ما قلِّب فيه شوية حطه على ودنه، واتكلم مكالمة مش طويلة وبعدها قفل التليفون ورجع، وقال لعم صفوت:
-ماشي يا عم صفوت، أبويا وافق على 3 أيام، تروح تطمن على الجماعة في البلد وترجع.
وبعدها عاد عليه الكلام وهو بيأكد على اللي قاله...
-هما 3 أيام يا عم صفوت، أنت عارف الدكتور عبد التواب بيدقق في المواعيد.
ساعتها عم صفوت شكره وطار على برَّه، بس قبل ما يخرج سيف ندَه عليه وقال له:
-استنى يا عم صفوت.
بعدها حط إيده في جيبه وطلع مبلغ وقال...
-خد دول معاك، أكيد هتحتاج فلوس.
البواب أخد الفلوس وهو طاير من الفرحة، تقريبًا كان بيشكر سيف بسرعة 50 كلمة شُكر في الثانية، بس بعد ما سيف أعطاه الفلوس خرج معاه برَّه، لمحناه من الشباك وهو واقف يتكلم مع البواب قبل ما يمشي، وتقريبًا كان بيقول لربيع ابن البواب حاجة، وده كان طبيعي لأنه لازم يأكد عليه على شان يفتَّح عينه كويس لحد ما أبوه يرجع.
سيبناه يكمل الحوار بتاعه لأننا مالناش فيه، ولقيت دماغي من تاني بتاخدني للتفكير في غياب وليد، ياترى راح فين وإيه اللي يخلي تليفونه مقفول؟!
بتفكروا في إيه؟
ده كان سؤال سيف اللي خلص كلامه مع عم صفوت ورجعلنا، بصراحة مفيش حد فينا رد، عن نفسي يعني مكنتش بفكر، أو على الأقل مش عارف المفروض أفكر في إيه، وأكيد أيمن كان حاله من حالي، بس ساعتها جه في بالي سؤال، وبدون تردُّد سألته لسيف:
_بقول لك إيه يا سيف؛ تفتكر ممكن وليد يكون خرج فين؟
وبدون تردد جاوبني:
_وأنا هعرف منين يا عادل؛ علمي علمك.
_مقصدش إنك تعرف هو فين، أنا أقصد يعني إيه الأماكن اللي قريبة من الشاليه ينفع الواحد يقعد فيها، يمكن قعد في مكان ونسي نفسه.
_ما أنت جيت هنا قبل كده وعارف؛ مفيش غير كافيهات عادية، وكلها مقفولة في الوقت ده على شان ده مش وقت مصيف.
بس أيمن قطع كلامنا وهو بيقول:
_إحنا هنقضيها تخمينات وافتراضات؟! أنا شايف إننا نخرج نلِف عليه، يمكن قاعد في مكان هنا ولا هنا، وساعتها نخلص الحوار المهبب ده، دي إيه الأجازة المنيلة دي!
وقفنا نبُص لبعض شوية، نظرة كل واحد فينا كانت بتقول إن ده اللي المفروض يتعمل، وبدون ما حد فينا يعلَّق على الكلام أو يناقشه، بدأنا نتحرك ناحية باب الشاليه، ومنُّه على برَّه، لكن وإحنا فايتين من قدام أوضة البواب؛ وقبل ما نخرج من البوابة، كان ربيع ابن البواب واقف، معرفش ليه كان بيبُص لنا البصة الصامتة الغريبة دي، بصة كلها كُره واستغراب زي ما يكون شاليه أبوه وإحنا قاعدين فيه، ده اللي خلاني أميِّل على أيمن بعد ما خرجنا من البوابة وأقول له بصوت هادي:
_هي إيه حكاية ربيع ده؟
_ماله؟
_مش ملاحظ نظراته؟
_فُكك منه يا عادل، هو أول مرة يشوفنا، وبعدين هو له ظروفه وفاقد النُطق، ممكن دي تكون طبيعته وميكونش قصده حاجة يعني.
بس ساعتها جه في بالي سؤال مفاجئ، معرفش فكرت فيه إزاي وقُلته لأيمن:
_أنت متأكد إن الواد ده أخرس؟
_هتأكد منين يعني هروح أبُص في بوقه؟ إيه يابني الأسئلة الغريبة دي؟ شيل نظرية المؤامرة دي من دماغك دا شكله واد غلبان.
سيف لاحظ إننا ماشيين جنبه؛ لكن بنتكلم كلام جانبي، وده اللي خلانا قطعنا كلامنا وقُلت له:
_مفيش حاجة يا سيف، إحنا بنتكلم عن وليد، يارب نلاقيه على خير.
قلبنا المنطقة حتة حتة، الكافيهات مقفولة والشاليهات مقفِّلة، الشوارع فاضية مفيهاش صريخ ابن يومين، على شان كده أخدنا بعضنا وطلعنا على البحر، قُلنا جايز يكون قعد قدام البحر وانسجم ولا حاجة.
وبرغم إن المنطقة ضلمة جدًا لكن مأخدناش وقت لحد ما طلعنا على البحر، المسافة كانت يادوب شارع وبعدها البحر، وهناك لقينا الشط فاضي، لا في حد رايح ولا حد جاي، وعلى مرمى البصر من الناحيتين، مكناش شايفين حاجة ولا سامعين غير صوت الموج، حتى عمدان الإنارة في المكان كانت مطفية، المنطقة في الشتا هنا تقدر تقول عليها مهجورة خصوصًا بالليل.
ملقناش أثر لوليد؛ ولما عرفنا إن مفيش لازمة من وجودنا على البحر؛ أخدنا بعضنا ورجعنا على الشاليه، وفي الطريق وإحنا راجعين؛ محدش فينا كان بيكلم التاني، الخوف كان ساكن جوه كل واحد فينا، زي ما تكون الأرض انشقت وبلعت وليد، وده سبب كفاية يخلينا ساكتين وخايفين، خصوصًا بعد ما قلبنا المنطقة ومكانش له أثر.
لما وصلنا الشاليه، دخلنا ولقينا أوضة البواب مقفولة، وده معناه إن النوم غلب ربيع، وساعتها سيف أخد بعضه وراح خبَّط على باب الأوضة، خبطة ورا التانية ورا التالتة، وهو بينادي:
_ربيع، يا ربيع.
بس زي ما يكون بينده على صنم أو حيطة، الواد زي ما هو أخرس ومش بيتكلم شكله كمان مش بيسمع، ده اللي خلى سيف يرجع عند البوابة ويقفلها بنفسه، وبعدها كملنا طريقنا ودخلنا الشاليه.
كان عندي أمل لما نرجع نلاقي وليد موجود، ده اللي خلاني أندَه بصوت عالي بمجرد ما دخلت وقُلت:
_وليد.. يا وليد.. أنت رجعت؟
لكنه مردش عليا، اللي رد هو أيمن لما قال لي:
_أنت بتنده على مين يا عادل؟
_جايز يكون رجع وإحنا برَّه.
رميت تليفوني على الترابيزة وقعدت، وبعدها أيمن رمى تليفونه جنب تليفوني؛ وقعد على الكرسي اللي جنبي، بعدها سندت دماغي على ضهر الكرسي وغمضت عينيا، بس ساعتها دماغي تقلت وبدأت أروح في النوم، في اللحظة دي شُفت ربيع ابن البواب وهو بيبُص لي من ورا باب حديد زي القضبان، معرفش إن كان هو اللي محبوس وراه ولا أنا اللي محبوس وراه، كان بيبص لي نفس البصة اللي كلها كُره، بس ده كله اختفى لما سمعت صوت حد بيصرخ، اتفزعت من على الكرسي؛ واتفاجأت إن أيمن اتفزع زيي بالظبط، تقريبًا دماغه تقلت ونام هو كمان، بصينا لبعض وإحنا مستغربين، بس لما فُقنا وركزنا في الصوت، لقيناه صوت سيف، كان بيصرخ في أوضته، أخدنا بعضنا وطلعنا نجري على فوق، مكناش قادرين نصلُب طولنا من الخوف اللي جوانا، اتكعبلنا كذا مرة وإحنا طالعين، لحد ما وصلنا عند أوضته، بابها كان مفتوح، وقفنا قدامه وإحنا مبحلقين فيها، لأن حالها مكانش يفرق كتير عن حال أوضة وليد لما اكتشفنا إنه اختفى.
دخلنا الأوضة اللي منعرفش مين بهدِلها بالطريقة دي، بصينا يمين وشمال وسيف مكانش له أي أثر، بس لقيت نفسي بفتكر اللي شُفته تحت سرير وليد، وبمجرد ما افتكرت نزلت بصيت تحت سرير سيف، على شان أحِس بنفس الإحساس اللي حسيته قبل كده، لأن اللي كان تحت سرير سيف سكينة طبق الأصل من اللي شُفتها واختفت، وكان عليها دم برضه!