لما بصيت في دراعي على شان أشوف إيه الحكاية؛ لقيت حتة مجروحة قد راس الدبوس وحوالين منها أحمر، كأني كنت مركِّب كانيولا وباخد محاليل، واللي زوِّد تأكيدي أكتر هو إني لاحظت آثار لاصق طبّي على الجلد حوالين سِن الحُقنة.
اتوتَّرت وجسمي اتنفض وهواجس كتير دارت في عقلي؛ كل اللي في بالي هو إننا اتحقنّا بمادة مخدرة، أو مادة سامة تأثيرها بيظهر على المدى البعيد، إحنا بدأنا الحكاية وتفكيرنا إن كل ده مقلب بايخ وزايد عن حده، لكن من بعد قضبان الحديد واللي بيحصل ده التفكير اختلف تمامًا؛ فكان من العادي إني أفكَّر بالطريقة دي، وهو إن في حد فعلًا عاوز يخلص منِّنا، لكن هو مين وإيه السبب؟ وياترى سيف ووليد فين؟
زقِّيت أيمن في كتفُه؛ لأني لاحظت إنه غرقان في النوم ومش دريان بحاجة، كنت عايز أخليه يشوف الآثار الغريبة اللي في دراعي، كنت بهِز فيه وكأني بهِز في جثة ميِّت، لدرجة شكِّيت إنه مات بجد، لكن بعد شوية لقيته بيتحرَّك حركة بسيطة، وبعدها عينه بدأت تِرمش، وساعتها زعقت فيه:
-فوق يا أيمن؛ فوق شوف إيه اللي حصل.
رفع دماغه بصعوبة من فوق الأرض؛ وبصعوبة أكتر بَص لي وقال بصوت كله نوم:
-في إيه يا عادل؟
-قوم يا أيمن شوف إيه اللي بيحصل.
من حركته وهو بيقوم من الأرض عرفت إن جسمه مكسَّر، لأنه سَنَد على دراعاته بالعافية على شان يقدر يقوم، وبعد ما قعد جنبي في الأرض مديت دراعي ناحيته وقُلت:
-شايف ده؟
دقَّق في دراعي شوية وقال:
-إيه ده يا عادل؛ أنا عندي صداع شديد وعيني مزغللة ومُش شايف كويس.
-قُمت من النوم لقيت دراعي خدلان، وبعد شوية لاحظت مكان حقنة فوق الوريد.
ساعتها أيمن دقَّق في دراعي على شان يقدر يتأكد من اللي بقوله وقال:
-ده اللي أنت بتقول عليه مظبوط.
في الوقت ده رفع دراعه وبَص عليه؛ على شان يلاقي نفس الآثار موجودة عنده، وقفنا نبُص لبعض وإحنا مُش فاهمين حاجة، كل شوية الحكاية بتتعقد أكتر والخيوط بتتشابك، لدرجة إني نسيت اللي إحنا فيه ده بدأ إزاي، دا غير الخوف اللي كان جوايا؛ واللي كان برضه باين في عين أيمن وسببه واضح جدًا، نتيجة طبيعية للتفكير اللي كان بيدور في دماغنا وقتها، وإن دي ممكن تكون آثار حقن بمادة مش مفهومة ولا مفهوم الغرض منها.
قطع تفكيرنا صوت البنت اللي ظهر من تاني، لكن المرة دي كانت بتشرح لنا سبب التوهان اللي كان مسيطر علينا وبتقول:
-متخافوش؛ اللي في إيدكم مكان حَقن بمحلول تغذية وريدية، لأن زي ما بلَّغتكم؛ صحِّتكم تهمنا، وإضرابكم عن الأكل بيعرض صحتكم للخطر ودي حاجة إحنا مُش هنسمح بيها، ولما اتخدَّرتوا امبارح ركِّبنا في دراعاتكم المحاليل لأنكم أضربتم عن الأكل.. هي دي كل الحكاية.
عارفين الخوف من العوالم الموازية والسُفلية وكل اللي بنسمع عنه ده؛ ميجيش حاجة في الخوف من إنك بتتعامل مع عصابة محترفة؛ حاجة كده زي المافيا، ده التفكير اللي فكَّرت فيه لما حسيت بخوف أكبر من اللي كان عندي؛ لمجرد إحساسي بإننا واقعين في إيد حد بيعمل حاجة إحنا مش عارفينها؛ بس هو عارفها كويس، ومخطَّط لكا حاجة فيها، الصغيرة قبل الكبيرة.
وقفت تفكير لما صوت البنت ظهر من تاني وقالت لنا:
_دلوقت ربيع هيجيب لكم سندوتش زي امبارح، نصيحتي لكم إنكم تاكلوا، لأن امتناعكم عن الأكل مش هيفيد.
في نفس الوقت لقينا عيوننا بتروح من بين قضبان الباب ناحية أوضة ربيع، وفعلًا لقينا باب الأوضة بيتفتح وربيع بيخرج منه وشايل في إيده علبة كرتون؛ نفس اللي كانت في إيده ليلة امبارح، كان شيء غريب جدًا إن خروجه من الأوضة يصادف كلام البنت، وقفنا مذهولين لحد ما وصل ووقف قدام قضبان الباب، ساعتها حط العلبة في الأرض وسابها ورجع ناحية الأوضة.
مش محتاج أقول لكم إن صوتنا اتنبح وإحنا بننده عليه، لكن النتيجة مختلفتش عن المرات اللي فاتت.
حسيت بجوع شديد، وده اللي خلاني أجري ناحية القضبان وأمد إيدي أجيب العلبة، وبعدها فتحتها وطلَّعت منها السندوتش وشيلت الورق اللي حواليه، ولسه بقرَّبه من بوقي لقيت أيمن بيقول لي:
_تعرف يا عادل زمان كانوا بيعرفوا الخيل العربي من المغشوش إزاي؟
استغربت كلامه؛ إيه اللي خلاه يفتكر حاجة زي دي في وسط اللي بيحصل لنا، لكن فضولي كان عاوزه يكمّل كلامه؛ وده اللي خلاني أقول له:
_إزاي يا أيمن؟
_كانوا يحُطّوا الأكل قدام الخيول ويضربوها، واللي تاكل بعد الضرب متبقاش خيل عربي، لكن اللي تاخده عزة نفسه ويمتنع عن الأكل يبقى خيل عربي أصيل.
_عارف عيبك إيه يا أيمن؟ إنك عامل زي الواحد اللي لو حد قال له أنت كلب هيغضب؛ لكن لو قال له أنت عندك وفاء الكلاب أو دهاء الكلب البوليسي هيفرح، رغم إن المعنى في النهاية واحد.
_قصدك إيه بكلامك البايخ ده؟
_قصدي إنك فسّرت الأكل على إنه مذلة؛ مفكرتش إن الخيل مأكلتش لأنها فاهمة اللي بيدور حواليها، لكن لو مش فاهمة وحياتها مهددة أكيد هتاكل، على الأقل يبقى عندها فرصة تعيش لحد ما تفهم إيه اللي بيحصل، وبعدها تموت مش هيفرق معاها، كده أو كده الموت جاي مفيش منّه مفر، سواء هنا أو في أي مكان تاني.
دي كانت الحقيقة؛ كنت حاسس إني لازم أكمّل وأنا مركّز على شان أقدر أفهم اللي بيحصل حواليا، أنت لما تترمي وسط غابة لازم تبقى فايق لأن الغفلة ساعتها بفورة، أنت مُش ضامن إيه اللي هيظهر لَك وإمتى، زي ما أحنا كمان مش عارفين إيه اللي هيحصل بعد ساعة.
في اللحظة دي قُمت من مكاني، بدأت ألِف حواليا زي ما يكون في حاجة تايهة مني، وساعتها أيمن بَص لي باستغراب وهو بيسألني:
_بتدوَّر على إيه يا عادل؟
_هكون بدوَّر على إيه يعني؛ بفكر في طريقة تخلينا نخرج من هنا.
_معتقدش هنلاقي؛ متنساش إننا جربنا قبل كده وملقناش، الشاليه اتحوّل لزنزانة مفيش فيها غير طاقة بقضبان يدخل لنا منها شوية هوا، غير كده مفيش.
_طيب وأنت شايف إيه يا أيمن؟
_شايف إن الطريقة الوحيدة هي أننا نكسر قضبان الباب أو شباك من الشبابيك، لكن للأسف ملقناش أي حاجة نستخدمها في كسر القضبان.
_يبقى نستسلم ولا نحاول تاني؟ جايز نلاقي حاجة هنا ولا هنا.
_معتقدش يا عادل؛ اللي خطَّط اللعبة دي مسابش مجال للصدفة ودارس كل حاجة كويس، وأكيد مسابش أي أداة نستخدمها.
_يعني هنفضل محبوسين زي الفراخ كده؟
_هو مفيش غير حل واحد.
_إيدي على كتفك.
_الضلمة يا عادل.. لو حاولنا نمشي ورا صوت الشخص اللي ماشي في الضلمة ونمسكه، ساعتها حاجات كتير هتنكشف.
_بس هنعمل ده إزاي إذا كنا مش بنشوف صوابعنا ساعتها، دا حتى التليفونات فاصلة ومش قادرين نشحنها عشان نشغَّل الكشافات.
_ما هو ده اللي هيجنني، ونفسي أعرف إزاي الشخص ده شايف يمشي. ومتقولش عفاريت تاني، العفاريت مش هتعطينا محاليل.
كلام أيمن مخلانيش أتراجع عن اللي بفكر فيه، بدأت أتحرك ناحية الشبابيك وأهِز في القضبان؛ كنت حاسس بحالة من الجنون ومش قادر أسيطر على غضبي، وزي ما تكون عدوى واتنقلت لأيمن، لأني اتفاجئت إنه بيتصرف نفس التصرف بتاعي، صرخنا؛ ندهنا بعلو صوتنا على ربيع اللي كنا بنشوفه بيتحرك من وقت للتاني في الجنينة وكأنه تمثال حد بيجرُّه بحبل، لحد ما طاقتنا نفذت، وانتهت المحاوله برجوعنا لنفس المكان بتاعنا تاني، قدام قضبان باب الشاليه في الدور اللي تحت.
بس لما نزلنا حسينا بقبضة قلب غريبة؛ لأن كان في ريحة بِنج في المكان، أو ريحة اسبراي مخدِّر، مكنتش قادر أحدد بالظبط، وده اللي خلاني أقول لأيمن:
-واخد بالك من الريحة؟
وبدون ما يفكر أو يحاول يتأكد لقيته بيقول لي:
-واخد بالي من ساعة ما نزلنا.
-ده بيأكد إن كان في حد هنا لما إحنا طلعنا فوق.
رديت عليه وقُلت له:
-أو جايز في مصدر مخفي للريحة دي، يعني بخاخات مختفية هنا ولا هنا.
كنت بسمعه وأنا بلِف حواليا وبضرب عيني على كل ركن في المكان، لعل وعسى يعني ألمح أي حاجة، لكن كل ده طلع على مفيش كالعادة، أخدت خطوتين لوار وكان ضهري لقضبان باب الشاليه، ساعتها اتفاجئت إن الريحة بتزيد، كملت رجوع لورا ولقيت الريحة بتزيد أكتر، لحد ما وصلت عند قضبان الباب، في الوقت ده بس لقيت إن الريحة جايه من برَّه الشاليه مش من جوَّه.
لما لقيت الحكاية كده شاورت لأيمن؛ ولما وصل عندي قُلت له:
-ريحة المخدِّر من برَّه مُش من جوَّه.
-وأنت شايف ده تفسيره إيه؟
-مش لاقي تفسير، بس الإجابة هتلاقيها عند الشخص ده.
كنت بكلمه وبشاور بإيدي ناحية ربيع اللي خرج من أوضة البواب وكان ماشي رايح ورا الشاليه، ساعتها بس لقيتني بفتكر حاجة أخدت بالي منها من وقت ما كنا هنا المرة اللي فاتت، وساعتها قُلت لأيمن:
-مُش واخد بالك من حاجة؟
-حاجة زي إيه؟
-إزاي الشبابيك اللي بتبُص ورا الشاليه اختفت واتبنى مكانها حيطان.
ساعتها أيمن ضرب بكف إيده على جبهته وقال:
-تصدق المرة اللي فاتت كان في شبابيك فعلًا؛ تفتكر ليه يا عادل؟
-مفيش تفسير غير إن اللي عمل الحركة دي مش عايز اللي في الشاليه يشوف اللي بيحصل وراه، حبسنا جوَّاه وفصلنا عن العالم، ومنعنا نبُص في الناحية اللي عايز يخفيها.
-تقصد إن سيف عمل كل ده؟
-مقلب بايخ أوي؛ وبعدين هستبعدُه ليه؟ نسيت إنه طلب مننا نيجي هنا في عز الشتا؟ ونسيت الإبر اللي مكانها لسه في دراعتنا؟ مين يقدر يعلق لنا محاليل وإحنا متخدرين غيره؟ سيبك بقى من إزاي عمل كده في الضلمة.
-ومتنساش برضه إنه اخفى وحصل معاه نفس اللي حصل مع وليد.
-أنا بحُط كل الاحتمالات قدامي.
-يبقى الحل إننا نمشي ورا خطوات الشخص اللي بيظهر في الضلمة، ولما يقع في إيدنا كل حاجة هتبان وقتها، وهنعرف إن كان سيف ولا ليد، ما هو وارد برضه إن وليد مشارك مع سيف؛ بالدليل إنه اختفى معاه زي ما قُلنا في البداية.
-والدَّم اللي كان على السكاكين معناه إيه؟
-مش لازم يكون معناه إن حد فيهم اتأذى، وارد جدًا يكون دم فرخة ولا أرنب، اللي هيعمل كل ده مش هيغلب في شوية دم.
مكانش قدامنا غير إننا ننتظر، وفعلًا؛ بمجرد ما الليل دخل والضلمة فرضت سيطرتها على المكان، ومبقاش حد فينا شايف التاني ولا شايف صوابع إيده، سمعنا صوت تزييق الباب، كنا قاعدين في نفس المكان اللي بنكون فيه كل ليلة، لكن المرة دي بالنسبة لنا كانت مختلفة، لأننا كنا متربّصين بالشخص اللي بيدخل الشاليه في الضلمة، على شان كده كنا مركزين مع صوت الخطوات اللي بيقرب مننا بعد ما سمعنا الباب بيتقفل، ولمَّا الصوت قرَّب وحسينا إن الشخص ده واقف قدامنا، لقيت أيمن بيقوم من مكانه وهو مندفع برغم إنه مش شايف حاجة، حسيت بإيده وهي رايحة ناحية المكان اللي فيه الشخص ده، وبعد اللي حصل في الضلمة، عرفنا إنه كان واقف قدامنا بالظبط لكن مكناش قادرين نشوفه، لأن بمجرد ما أيمن مد إيده حسيت إنها خبطت في حد، بس ساعتها سمعنا صوت غريب، كان صوت واحدة ست بتصرخ، وبعدها سمعنا صوت خطواتها وهي بتبعد، لكن المرَّة دي كانت بتجري من المكان؛ ومكانتش مجرد خطوة عادية.
بعد اللي حصل ده؛ لمحنا نور كشاف عربية نوَّر وانطفى في أقل من ثانية، نفس اللي حصل قبل كده من ليلتين، لكن المرة دي الموضوع كان غير متوقع إنه يتكرر، فمكناش مركزين معاه ومقدرناش نشوف حاجة، بس بعد كده سمعنا صوت عجلات حديد بتتحرَّك في الجنينة، كانت بتقرَّب من الشاليه، لكن فصلنا تفكير في كل ده؛ لما سمعنا خطوات بتقرَّب مننا، كانت خطوات واثقة وبطيئة وصاحبها عارف هو رايح فين بالظبط، وبعدها سمعت صوت خبطة جني.
***