اللي على الحيطة قدامنا كان كلام مكتوب بالطباشير، وبرغم إنه مكتوب بحروف مش مشبوكة في بعضها؛ لكن قدرنا نقرأه، واللي كان عبارة عن كلمتين "منورين المصيدة".
بمجرد ما قرأنا الكلام ده قُمنا من الأرض وبصينا لبعضنا، مكنش حد فينا بيتكلم، بس بعد شوية لقيتني بقول لأيمن:
_معناه إيه الكلام ده؟
بعد شوية تفكير أيمن جاوبني وقال:
_معناه إن الصوت اللي سمعناه والدنيا ضلمة مش تهيّؤات؛ كان في حد موجود فعلًا وهو اللي كتب الكلام ده.
_فكرة إن كان في حد هنا دي مفيش عليها خلاف؛ بس إزاي شاف يكتب الكلام ده في الضلمة؛ في الوقت اللي إحنا مكناش شايفينه فيه؛ ولا حتى كنا شايفين فيه نفسنا.
كل سؤال كنا بنسأله لنفسنا كان بيعجزنا أكتر، وده اللي خلى أيمن يقول:
_ده بقى اللغز اللي محتاج إننا نفسره.
في اللحظة دي لمحنا ربيع خارج من الأوضة بتاعته، بمجرد ما شُفناه مسكنا القضبان الحديد اللي على الباب وبدأنا نهزها بكل قوتنا ونزعق، ندهنا عليه بعلو صوتنا؛ بس كنا بندَّن في مالطا، لدرجة إنه فات من قدام باب الشاليه وتجاهل صرخاتنا؛ كأنها مكانتش مسموعة؛ وكأن إحنا نفسنا مالناش أي وجود.
-تِفتكر هو اللي دَخل الشاليه في الضلمة وكتب الكلام اللي على الحيطة؟
ده السؤال اللي سألته لأيمن، وبمجرد ما سمع سؤالي لقيته سرح بتفكيره لشوية وقت، كان بيبُص في جنينة الشاليه من بين قضبان الباب، وبعد شوية تفكير قال لي:
-والله يا عادل مبقتش مستبعد حاجة، أي احتمال ممكن يخطر على بالك وارد جدًا يكون صح، بس لو افترضنا إنه هو اللي كتب الكلام ده؛ تقدر تقول لي دخل منين وإحنا بايتين جنب الباب طول الليل؛ لحد ما البرد خلى جسمنا ينشف، ولو افترضنا إن في مدخل سري سيف ووليد بيلاعبونا منه، تقدر تقول لي إزاي دخل من الباب ده ووصل لحد هنا في الضلمة وكتب على الحيطة؟
-بصراحة معنديش تفسير؛ ولكن فكرة الباب السري اللي أنت طرحتها دي خلَّتني أفكر في حاجة تانية.
بص لي شوية وسألني:
-حاجة زي إيه؟
-يعني لو افترضنا إن في باب سري فعلًا؛ يبقى وارد جدًا إن يكون واحد من الاتنين هو اللي دخل الشاليه وكتب الكلام ده؛ يا إما سيف يا إما وليد.
-لسه من شوية قايل لك إني مبقتش مستبعد حاجة، وكلامك هيخلينا نرجع لنقطة الصفر، إحنا سمعنا صوت الخطوات في الضلمة ليلة امبارح، يعني مؤكد كان في حد جنبنا ومش قادرين نعرف هو مين، بس هرجع أسألك تاني مين اللي يقدر يشوف ويكتب في الضلمة؟
-مفيش حد يقدر يعمل كده إلا لو كان.
ولحد هنا مكملتش كلامي، وساعتها أيمن قال لي:
-إلا لو كان إيه؟
-أقصد يعني إنه مُش بشري.
-رجعنا تاني لنفس الفكرة اللي أنا طرحتها؛ وهي إن الشاليه ممكن يكون مسكون، وطالما فتحنا الباب ده يبقى هنقول إن الجِن والعفاريت اللي في الشاليه هُما اللي بيلاعبونا، وهُما اللي بيخلونا مُش شايفين سيف ووليد ولا عارفين هُما فين، وبالمرَّة هٌما اللي مسيطرين على ربيع ومخليينه يتجاهلنا بالطريقة دي.
وبعد ما أيمن قال الكلام ده أخد نفس عميق، فهمت منُّه إنه خلاص جاب آخره ومبقاش طايق نفسه، وده كان واضح لما لقيته بيناقض فكرته اللي قالها ومن صوته العالي لما قال:
-يا عادل إحنا في ورطة بجد، أنت مُش شايف الكلمة اللي قدامك على الحيطة؟ مكتوب منورين المصيدة؟ عايز تفهمني إن القضبان اللي نزلت على الشبابيك والبيبان معمولة على شان دور هزار؟ طيب والشرايح اللي اختفت من تليفوناتنا، والتليفون الأرضي اللي الحرارة مقطوعة عنه، عايز تقول لي إن كل ده مش مترتب؟ عايز تفهمني إن الشاليه مسكون وإن الجِن والعفاريت اللي فيه هُما اللي شالوا الشرايح من التليفونات وقطعوا حرارة التليفون الأرضي؟ إحنا في مصيدة بجد يا عادل؛ ومصيرنا مجهول زي ما مصير سيف ووليد بقى مجهول.
شعور سخيف لما تحِس إنك بقيت فار وقع في مصيدة، بتجري في كل الاتجاهات والقضبان محاوطاك، والتشبيه مُش بعيد ولا غريب لأن مينفعش يتقال تشبيه غير ده، دا غير فكرة إنك تكون طالع تتفسح وتنبسط كام يوم تقوم تلاقي نفسك واقع في ورطة كبيرة، شعور يخليك تكره نفسك، كل ده كنت بفكر فيه طول اليوم اللي قضيناه جنب قضبان الباب، وشايفين ربيع رايح جاي ما بين أوضته؛ وبين مكان ورا الشاليه، ومش عارفين هو بيروح هناك يعمل إيه، وطبعًا حسينا باليأس من الطناش اللي كان مصدَّرهولنا، ده اللي خلانا قعدنا قريب من الباب، لحد ما الشمس غابت والليل بدأ يدخل، ساعتها بس لقيت نفسي بسيطر على دماغي والتفكير اللي ماليها؛ لما لقيت أيمن بيحاول يلفت انتباهي لحاجة.
بصيت على إيده اللي كانت بتشاور ناحية قضبان الباب، وسمعته وهو بيقول:
-ربيع جاي ناحيتنا.
كان بيقرَّب ناحيتنا وإيده فيها علبة كرتون، قُمنا من مكانا وانتظرناه يرفع القضبان اللي على الباب، أو يعمل أي حاجة ناخدها فرصة ونخرج من المكان، لكن اتفاجئنا إنه بيفتح العلبة اللي في إيده وبيخرَّج منها لفَّتين، وبيحدفهم ناحيتنا من بين القضبان، وبعدها بيطبَق العلبة اللي في إيده وبياخدها ويرجع ناحية أوضته.
بصيت لأيمن اللي كان بيبُص ناحيتي باستغراب، قربنا من اللفتين وفتحناهم، واتضح إن كل لفة فيها سندوتش، ويمكن دي من ضمن الحاجات اللي أكِّدت لنا إن في حاجة مش مظبوطة بتحصل، وساعتها أيمن أكِّد على تخميني لما قال:
-عرفت بقى إننا في ورطة؟ إحنا محبوسين وبيترمى لنا الأكل من بين القضبان، زي ما نكون جوز أرانب بيتعلفوا لحد ما ييجي ميعاد دبحهم.
بمجرد ما سمعت كلامه جسمي قشعر، وبرغم إحساس الجوع اللي اكتشفت وجوده لما مسكت السندوتش في إيدي، بس لقيت نفسي بحط السندوتش من تاني في الأرض، ولقيت أيمن عمل زي ما عملت، أصل مين اللي هيبقى عنده نفس ياكل وهو في موقف زي اللي إحنا فيه ده، وفي الوقت ده، حصلت حاجة غريبة غير كل اللي بيحصل معانا من أول الحكاية، وهو إننا سمعنا صوت بنت بتتكلم وبتقول:
-لازم تاكلوا، إضرابكم عن الأكل مُش هيفيد بحاجة.
كنا بنلِف حوالين بعض وإحنا بندوَّر على مصدر الصوت؛ واللي بالمناسبة مكانش له مصدر محدد، الصوت كان جاي من كل الاتجاهات في نفس الوقت وبنفس الوضوح، وواحد زي حالاتي وحسب دراسته؛ يقدر يعرف إن مصادر الصوت متوزعة توزيع هندسي مدروس.
مكناش قادرين نلاحظ أي حاجة، خصوصًا إن الليل خلاص بدأ يسيطر على المكان، والشاليه مفصول عنه الكهربا؛ وكمان دقايق ومش هنشوف نعِد صوابعنا في الضلمة، وساعتها أيمن سألني وقال:
_تفتكر صوت مين دي يا عادل؟
_والله علمي علمك؛ اللعبة كبرت أوي وكل تفصيلة بتحصل بقت عبارة عن لغز.
_بس صوتها معناه إنها موجودة في الشاليه، أنت مش شايف صوتها قريب مننا إزاي؟
ساعتها قطعت كلامه وقُلت له:
_أو موجودة في مكان غير هنا خالص وشيفانا عن طريق كاميرا مخفية هنا ولا هنا.
_تاني هنرجع لنقطة هتشوفنا في الكاميرا إزاي طالما الدنيا ضلمة.
_عادي يا أيمن؛ دلوقت في كاميرات عندها المقدرة تصور في الضلمة بدون ما تلاحظها.
_أنا موافقك في كلامك؛ لكن الكلام اتكتب على الحيطة إزاي في الضلمة؟
في اللحظة دي أنا وأيمن قطعنا النفس؛ لأننا سمعنا صوت البنت من تاني وهي بتقول:
_الأسئلة اللي مالهاش إجابات مينفعش تتسأل، وطالما مش قادرين توصلوا لإجابة، يبقى بلاش تفضلوا تلفوا في دايرة مقفولة ومفيش منها مهرب.
لما البنت قالت الكلام ده الليل كان دخل والضلمة كانت طغت على كل حاجة، وزي ليلة امبارح مبقيناش شايفين كفوف إيدنا، ولما لقيت إن البنت بترد على كلامنا وكأنها معانا؛ همست بصوت واطي لأيمن وقُلت له:
_معنى كده إننا متراقبين.
ساعتها أيمن همس ليا وقال:
_مفيش تفسير غير كده.
_بس دي مين وإيه علاقتها بالشاليه؛ إيه علاقتها بالحكاية كلها؟
وقفنا أسئلة لأننا مش قادرين نوصل لإجابة؛ ومش ده بس اللي كان السبب، ده السبب التاني هو إننا سمعنا صوت باب بيتفتح جوَّه الشاليه، كان نفس الصوت اللي سمعناه المرَّة اللي فاتت، صوت تزييق بطيء؛ الصوت كان جاي من ورانا؛ لكن لعنة الضلمة اللي نزلت على الشاليه كانت منعانا نشوف أي حاجة.
بعد صوت التزييق سمعنا صوت باب بيتقفل، وبعدها بلحظات ظهر صوت الخطوات.. اللي حصل ليلة امبارح اتكرر تاني، نفس الخطوات اللي سمعناها قبل ما النهار يطلع ونشوف الكلام الغريب اللي كان مكتوب على الحيطة، في المرة اللي فاتت افتكرنا اللي حصل صدفة، لكن دلوقت لأ؛ لأن صوت الخطوات مكانش عشوائي، ولا دي خطوات حد ماشي وهو مُرتبِك، اللي ظاهر كويس أوي إن ده حد عارف هو ماشي إزاي؛ وبيحط رجله فين برغم الضلمة اللي بالعة المكان.
قضينا الليل وإحنا قاعدين في المكان اللي كنا فيه، سامعين حد ماشي حوالينا، وبرغم كده لا أنا ولا أيمن فكرنا نعمل أي حاجة نوصل من خلالها للشخص اللي بيدخل الشاليه في الضلمة، حتى محدش فينا حاول يتكلم مع التاني؛ زي ما يكون فقدنا رغبتنا في الكلام لأنه مش بيوصلنا لحاجة، كل اللي بيعمله هو إنه بيخلينا نلف حوالين نفسنا.
وفي عز الصمت اللي كنا فيه؛ سمعنا صوت البنت من تاني، كان جاي من كل الاتجاهات وبنفس القوة وبتقول:
-الضلمة شيء مناسب للنوم والاسترخاء، وأنتم لازم تناموا كويس لأن اللي جاي مهم.. إحنا عاوزينكم في كامل قواكم، يعني من الآخر صحتكم تهمنا.
الكلام كان غريب ومش مفهوم، ويمكن ده اللي خلاني أكسر حالة الصمت برغم الضلمة والخوف؛ وأحاول أتأكد من وجود أيمن جنبي لأن الضلمة مكانتش مخلياني شايفه؛ ولما اتأكدت إنه جنبي وصاحي قُلت له:
-معناه إيه الكلام ده؟
رد عليا بصوت واطي وقال:
-أنا مش فاهم حاجة يا عادل.
-دي حرب نفسية، البنت دي بتلعب بأعصابنا، لكن على شان إيه ولحساب مين كل اللي بيحصل ده؟
بعد ما صوت البنت اختفى في الثواني اللي اتكلمت فيها مع أيمن، لقينا صوتها رجع تاني وقالت:
-اللي بيحصل حواليكم مخليكم مش حاسين بالإرهاق اللي باين على وشوشكم، وإحنا مش عاوزينكم توصلوا للمرحلة دي، ولو كنتم رفضتم تاكلوا السندوتشات فأحب أقول لكم إن ده مش هيمنعنا نحافظ على صحتكم.. إحنا لنا طُرق كتير نقدر نعمل بها اللي إحنا عاوزينه.
فات شوية وقت مسمعناش فيه صوتها، بس ضربات قلبي زادت أضعاف، لدرجة إنها بقت بتزلزل جسمي من جوه، وفي اللحظة دي حسيت بالخوف اللي مسيطر على أيمن، طبعًا مكنتش شايفه في الضلمة، لكن صوت أسنانة وهي بتخبط في بعضها من الرجفة اللي هو فيها؛ كان كفيل يخليني أعرف قد إيه هو خايف.
قطعنا النفس لما صوت الخطوات اللي جوه الشاليه قرَّب مننا، ولما حسينا إن الصوت ورانا بالظبط، بدأنا نشم ريحة غريبة، كانت قريِّبة من البنج، عن نفسي في الوقت ده دماغي تقلِت وحسيت إني عاوز أنام، وفعلًا مفيش ثواني ولقيتني بغيَّر قعدتي في الأرض وبتمدد على ضهري، ولأن الدنيا ضلمة أساسًا؛ فالوضع مختلفش كتير لما غمَّضت عينيا، اللي اختلف بس هو إني مبقتش حاسس بحاجة، لحد ما لقيت نفسي بقوم على نور الشمس اللي ضارب في وشي من بين القضبان اللي على الباب، بصيت على أيمن اللي كان نايم ومتسطح على الأرض جنبي، زي ما يكون رايح في غيبوبة، يمكن مصحاش من نور الشمس لأن وشه كان في اتجاه عكس نورها.. حاولت أهزه في كتفه على شان يقوم لكنه كان رايح في سابع نومة، بس ساعتها حسيت بِتُقل في دراعي، قُلت جايز نمت عليه من غير ما أحس؛ وده اللي خلاني أحس فيه بِخَدَلان شديد.
***