كاتب الأسبوع

✍️ كاتب الأسبوع

الكاتب المبدع أشرف الكرم 📖 حيثيات اختيار كاتب الأسبوع
🔄 يُحدّث كل جمعة وفق تقييم الأداء العام للمدونات

📚 خدمة النشر الورقي من مركز التدوين والتوثيق
حوّل أعمالك الرقمية إلى كتاب ورقي يحمل اسمك ورقم إيداع رسمي ✨
اكتشف التفاصيل الكاملة

آخر الموثقات

  •  الكرامة كل حاجه 
  • بساتين الذكرى
  • قالت عيناكَ
  • شام لاجئة استوطنت قلبي - الفصل الثامن عشر
  • ق ق.ج/ وميض إدراك 
  1. المنصة
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شحاتة
  5. عمارة الأرواح
⭐ 0 / 5

اسم الشارع لوحده كفاية إنه يقفِل الواحد، حتى لو كان مجرَّد اسم مُستعار النَّاس اتعوِّدت تقوله، لكن دايمًا كل واحد في حياته لازم يعمل حاجة على الأقل غصب عنُّه، وبيصبَّر نفسه بالمقولة المُعتادة: "إيه اللي رَماك على المُر؟".

الحكاية بدأت لمَّا جَت لي شغلانة جديدة، ودَه بعد ما قعدت فترة طويلة من شُغلي اللي فات، وعشان توفير المواصلات والوقت؛ فكان لازم آخد شقَّة إيجار في مكان قُريِّب، بَس للأسف؛ الإيجارات كانت مولَّعة وهتاكل جزء كبير من المُرتَّب، بَس بعد ما لفِّيت كتير وسألت ناس أكتر؛ لقيت شقَّة بسعر ما كنتش أحلم بيه، العيب الوحيد اللي فيها إن شارع العمارة كان اسمه شارع المقابر، ودَه لأن الشارع عبارة عن صَف بيوت وعماير، والناحية التانية كان سور طويل لمقبرة قديمة.

في اليوم دَه رِجعت وقُلت لِمريم مِراتي:

-أخيرًا لقيت شقَّة بِسعر أقل من اللي كنت عامل حسابي عليه.

الفَرحة مَابقتش سَيعاها، لكن لمَّا سألتني عن مكانها وجاوبتها حسِّيت إن وشَّها انطَفَا، لدرجة إنها أخدت ثواني لحد ما علَّقت على كلامي وقالت:

-شارع المقابر! إيه الفال دَه يا خالد؟

حاولت أتجاوز الموقف وألطَّف الدنيا، ابتسمت وقُلت لها:

-دَه مُش اسمه الحقيقي على فكرة، الشارع لُه اسم تاني، كل الحكاية إن النَّاس بتقول عنُّه كِدَه عشان كل البيوت والعماير اللي فيه وشَّها لمقبرة قديمة موجودة هناك.

-يعني أنت كِدَه بتطمِّني ولا بتخوِّفني من المكان أكتر؟

-ما تكبَّريش الموضوع يا حبيبتي، النَّاس عايشة هناك وزي الفل، وبعدين مش أحسن ما المُرتَّب يتصرف في الإيجار ولا المواصلات، اعتبريها مرحلة مؤقتة لحد ما الدنيا تُظبط.

ربِّنا قدَّرني وقدِرت ألِم الموضوع، دَه أنا كمان استلمت الشُّغل الجديد واتنقلنا في الشَّقة اللي أجَّرناها، وفي أوِّل يوم فيها؛ صحينا قبل الفجر على صوت واحد بيشتري الخُردة والنَّحاس القديم، ساعتها مريم بصَّت لي وقالت:

-شكلنا كِدَه كل يوم هنصحى من النجمة على صوت البيَّاعين.

قُلت في بالي: يا فتَّاح يا عليم، بعدها بصِّيت لها وأنا ببتسم وقُلت لها:

-صباح الخير يا حبيبتي، البيَّاعين في كل مكان مش هنا بَس، وبعدين كِدَه أو كِدَه المنبِّه كان هيرِن بعد ربع ساعة عشان أقوم للشغل.

-بَس مافيش بيَّاعين بيندهوا على خُردة ونحاس قديم قبل الفَجر يا خالد.

قالت الكلمتين دول وقامت. حسِّيت إنها قايمة على آخرها، وأنا عملت نفسي مش واخد بالي؛ عشان اليوم يعدِّي وماتقلِبش بخناقة على الصُّبح. 

بعد ما فطرت وجهِّزت نفسي، أخدت بعضي ومشيت، رجعت آخر اليوم والصداع ماسك دماغي، قعدت وانتظرت مَريم تحضَّر الغدا؛ ولمَّا قعدنا نتغدَّى لقيتها بتقول لي في نُص الأكل:

-الجيران اللي جَنبنا دول مُزعجين جدًا.

بصِّيت لها وقُلت لها:

-مُزعجين إزاي يعني؟

-طول النَّهار بيخبَّطوا في الحيطة اللي مابينّا وبينهم؛ لدرجة حسيت إن الحيطة هاتتهَد.

-معلش يا حبيبتي؛ جايز يكونوا بيوضَّبوا في شقتهم ولَّا بيعملوا حاجة، إحنا نفسنا لمَّا نقَلنا كُنّا مِكركبين الدنيا وعندنا خَبط ورَزع، الجيران لبعضيها.

ماعرفش ليه حسِّيت إني بحاول أعدِّي أي كلمة منها، جايز عشان المنطقة تُقبض القلب فعلًا، فِكرة إن الواحد لمَّا يبُص من شبّاك أو بلكونة يلاقي قبور قديمة في وشُّه حاجة تجيب اكتئاب، ودايمًا صورة الموت بين عينيه.

خلَّصنا أكل وقُمنا، واليوم فات في هدوء، ولمَّا الوقت اتأخَّر دخلنا ننام، لكن بمُجرَّد ما حطينا راسنا على المخدة سمعنا صوت خَبط!

الصوت كان جاي من الحيطة اللي بين شقتنا وشقة الجيران، قُمت من السرير وخرجت من الأوضة، مشيت في الصالة ناحية الحيطة وأنا مركِّز مع الخبط، ما بين الخبطة والتانية كان بيفصل نفس عدد الثواني تقريبًا، فضلت واقف على أمل إن الخَبط يُقَف، لكن الوقت فات بدون فايدة؛ لحد ما سمعت صوت مريم من ورايا وهي بتقول لي:

-اللي بيحصل دَه اسمه قِلِّة ذوق، حتى لو بيشتغلوا في شقّتهم مافيش حد المفروض يعمل الإزعاج دَه في نُص الليل.

كان عندها حَق في كلامها، عشان كِدَه قُلت لها:

-كلامك مظبوط، جايز لسَّه فاكرين إنهم لوحدهم والشقة هِنا فاضية، لازم يعرفوا إنها سِكِنِت وبقى فيها ناس من حقّهم يرتاحوا. عمومًا؛ هاروح أخبَّط عليهم وأتكلِّم معاهم.

أخدت بعضي وفَتحت باب الشَّقة وخَرَجت، مشيت ناحية شقّتهم لحد ما وقفت قدام الباب، نور الشَّقة كان ظاهر من ورا إزاز الشُرَّاعة، أخدت نفس عميق وبعدها رفعت إيدي ناحية جَرس الباب ورنِّيته، انتظرت شوية عشان حد يفتح، لكن صوت الخبط فِضِل مكمِّل ومفيش حد فَتَح الباب، الدّم بدأ يغلي في عروقي وانفَعَلت، المرَّة دي رفعت إيدي ناحية الباب وبدأت أخبَّط، لكن بعد كام خبطة النور اللي ظاهِر من ورا إزاز الشُّرَّاعة انطفا، وفي اللحظة دي صوت الخبط اختفى. فضلت واقف مكاني وأنا مُنتظر إن حد يفتح الباب؛ لكن برضه مفيش حد عبَّرني.

أخدت بعضي ورجعت على شقتي، دخلت وقفلت الباب ورايا، وساعتها مريم قالت لي:

-ناس ما بتجيش غير بالعين الحَمرَة، يعني كان لازم تروح تخبَّط عليهم عشان يوقفوا صوت الخبط؟

ردِّيت عليها وقُلت لها:

-مافيش حد فَتح أصلًا، لمَّا رنِّيت الجَرَس وخبَّطت على الباب نور الشقة انطفا وصوت الخبط وَقَف.

-أكيد عرفوا إنهم عاملين إزعاج وحد من الجيران جاي يشتكي؛ عشان كِدَه حسُّوا على دمُّهم.

كلامها كان منطقي، عشان كِدَه قُلت لها:

-كل شيء جايز.

استغلّينا إن الدنيا بقت هادية ودخلنا ننام، ويادوب دقايق والإزعاج بدأ من تاني..

المرَّة دي مكانش خبط في الحيطة اللي بين الشقّتين، دَه كان صوت حد بيحرَّك عَفش الشَّقة، استغربنا الحكاية لأننا ساكنين في الدور الأخير ومافيش فوقنا حَد، دَه اللي خلّى مَريم تقول لي:

_مين اللي بيحرَّك عفش شَقّته في الوقت دَه؟

ردّيت عليها وأنا بحاول أدوَّر على سبب وقُلت لها:

_عِلمي علمِك، وبعدين إحنا آخر دور ومافيش حد فوقنا أساسًا.

خرجنا من الأوضة للمرَّة التانية، وقفنا في الصالة وإحنا بنفكَّر صوت العَفش اللي بيتحرَّك دَه جاي منين، ومع الوقت عرفنا إنه برضه جاي من ناحية الحيطة اللي بين شقتنا وشقة الجيران، ساعتها مَريم قالت لي بانفعال:

-دول ناس مافيش عندهم ذوق ولازم تشتكي لحارس العمارة عشان يشوف حَل معاهم.

حاولت أهدِّيها عشان ماتفتحش سيرة المنطقة والشارع وتبدأ تلومني، بعدها أخدت بعضي من تاني وخرجت من الشقة، وقفت قدام باب شقتهم اللي لقيت نورها ظاهر من ورا إزاز الشُّرَّاعة، زي ما يكون اللي في الشَّقة طَفَا النور المرَّة اللي فاتت وبطَّل إزعاج مؤقَّتًا لحد ما مشيت، وبعدها رجع يكمِّل اللي كان بيعمله.

رفعت إيدي وبدأت أخبَّط على الباب، خَبطتي كانت شديدة لأنّي كنت جايب أخري، وبعد كام خبطة صوت تحريك العَفش اختفى، فضلت مَبحلق في الشُّرَّاعة، ساعتها لمحت خيال حد جاي ناحية الباب، وبرغم إن حَركته كانت بطيئة انتظرت لحد ما يفتح، لكن اللي حصل غير كِدَه، الخيال وقف عند الباب وفضل ثابت لثواني، بعدها النور انطَفَا زي المرَّة اللي فاتت.

رجعت أخبَّط على الباب من تاني، لكن مفيش حد فَتح، رجعت شقتي وأنا بلعن قِلَّة الذوق اللي تخلّي الناس تتعامل مع جيرانها بالطريقة دي، ساعتها مَريم قالت لي:

-ردُّوا عليك؟

ردّيت وأنا متنرفز وقُلت لها:

-الناس دي مافيش عندهم بربع جنيه ذوق، تخيّلي أبقى واقف قدام الباب وبخبَّط وألمح خيال حد بيقرَّب، وبعدها النور ينطَفَا والباب مايتفتِحش! زي ما يكونوا قاصدين إنهم يتجاهلوا اللي بيخبَّط عليهم.

-خلاص ماتزعَّلش نفسك، الصُّبح وأنت نازل اتكلِّم مع الحارس واحكي لُه كل حاجة، أكيد هوَّ هايعرف يتكلِّم معاهم.

ماعرفش ليه حسّيت إني أخدت قرار خطأ لمَّا فكَّرت أسكُن هنا، بَس مفيش حاجة كانت بإيدي، كل بَرغوت وعلى قد دَمُّه، الظروف وشُغلي الجديد ومُرتَّبي أجبروني على كِدَه.

فضلت قاعد في الصالة وأنا سرحان في شريط حياتي، كُنت عارف إن مَريم مش هتطوِّل في الشقة دي، وكنت بفكَّر إزاي أستعِد للحظة اللي هَتقول لي فيها إنها عايزة تمشي من المنطقة، أصل البداية هِنا مش مُبشِّرة بأي حال من الأحوال، وجيران بالشكل دَه أكيد هَايعملوا مشاكل كتير، ومُش بعيد يطلعوا أصحاب الشقة ومش مأجَّرينها، والمشاكل معاهم هاتيجي على دماغنا إحنا.

قَطعت حبل تفكيري لمَّا سمعت مَريم بتقول لي:

-هاتفضل قاعد كِدَه يا خالد؟

رفعت وشِّي ناحيتها وقُلت لها:

-يظهَر إننا مُش هانرتاح هنا.

-قوم بَس ننام دلوقت والصُّبح كلِّم الحارس وأكيد هايشوف حَل معاهم.

دَخلنا نِمنا وقُلت: الصَّباح رَباح، لكن بعد شويَّة صحينا من النوم على صوت نَفس البيَّاع، في المرَّة دي أنا اللي كُنت متنرفز؛ لمجرَّد إن البداية هِنا بتقول: إن اللي بيحصل ده هيكون عَرض مُستمر. 

في المرَّة دي خرجت البلكونة، عيني ضربت في مشهد المقابر القديمة، قلبي اتقبض لمَّا شُفتها في الضلمة، لكن بعدت عيني عنها وبصِّيت في الشارع؛ لأن صوت البيَّاع كان لسَّه موجود، ساعتها لمحت واحد ماشي وساحب وراه عربيَّة كارَّو بحمار، كان عليها خُردة ونحاس قديم، وبرغم إنُّه كان قرَّب يخرج من الشارع؛ لكن صوته كان واصلني لحد فوق.

وقفت أسأل نفسي: مين دَه اللي بيعدِّي قبل الفَجر يشتري خُردة ونحاس قديم؟ ومين أصلًا اللي صاحي في الوقت دَه عشان يشتري منُّه؟

ماكنتش قادر أوصل لسبب واضح للي بيحصل، فضلت واقف في البلكونة لحد ما سمعت أذان الفَجر، بعدها لبست هدومي وخرجت، وقدام باب الشقة؛ لمحت باب شقة الجيران مفتوح، الإضاءة في الشقة كانت هادية، قرَّبت من الباب وأنا بقول:

-صباح الخير.

وقفت لثواني ومفيش حد رَد عليَّا، علِّيت صوتي أكتر وقُلت:

-يا أهل الله ياللي هنا.

في اللحظة دي سمعت صوت خطوات بتقرَّب، ومافيش ثواني شُفت واحد كبير في السِّن، كان ماشي بخطوات بطيئة، حركته كانت نفس حركة الخيال اللي لمحته ليلة امبارح ورا شُرَّاعة الباب، فضلت منتظر لحد ما وصل عندي، وقف قدَّامي وفضل مبحلق لي، لمَّا دقَّقت في عينيه لقيت عليهم طبقة مَيَّه بيضا، انتظرته يتكلِّم معايا لكن حسِّيت إني واقف قدَّام تمثال خشب، لحد ما قطعت دايرة الصمت اللي لفَّت حواليّا وقُلت له:

-صباح الخير يا حاج.

كُنت بكلِّم نفسي، الراجل زي ماهو مكانش شايفني؛ برضه مكانش سامعني، لكنّي عملت محاولة تانية وقُلت له:

-أنا خالد؛ جاركم الجديد، آسف لو هَزعجك بكلامي، بَس أستسمحك لو بالليل يعني مايكونش في خبط ولا تحريك عفش من مكانه، ليلة امبارح ماعرفتش أنام وأنا زي ما أنت شايف بقوم لشُغلي من الفَجر.

لمَّا خلَّصت كلامي مأخدش أي رد فعل، لقيت إن الوقت هيفوت بدون فايدة، عشان كِدَه لفِّيت وشي ومشيت، لكن مع أوِّل خطوة سمعت صوت الباب بيترزع، بصِّيت ناحيته لقيته مقفول والشَّقة ضلمة.

كبَّرت دماغي وأخدت بعضي ونزلت، وفي المدخل؛ لقيت البواب بيكنُس السلالم، صبَّحت عليه وقُلت له:

-صباح الخير يا عم حسين.

-صباح النور يا أستاذ خالد، يارب تكون مرتاح في الشَّقة.

كانت فُرصة مناسبة إني أفتح معاه الموضوع، عشان كِدَه قُلت له:

-والله يا عم حسين مش هَكذب عليك، الشقة كويِّسة وإيجارها على قد إيدي، بَس جوَّها مُش مُريح.

-قصدك يعني عشان العمارة في شارع المقابر، ولمَّا بتبُص من الشبابيك والبلكونة بتشوف المقبرة القديمة قدَّامك؟

-مُش دَه وبَس اللي بقصده، أقصد أصحاب الشقة اللي جنبنا، المدام بتاعتي لمَّا رجعت امبارح من الشُّغل، قالت لي إنهم نازلين تخبيط طول اليوم، قُلت عادي جايز حاجة طارئة وهيخلَّصوا، لكن في نُص الليل صوت الخبط صحَّانا من النوم، وبعد شوية سمعنا صوت عَفش بيتحرَّك عندهم، ولمَّا قابلت صاحب الشقة وأنا نازل دلوقت لقيته راجل كبير في السِّن، صبَّحت عليه ووقفت أتكلِّم معاه ولكن لا حياة لمن تنادي، كأني كنت بكلِّم نفسي.

لمَّا خلَّصت كلامي عم حسين ساب اللي في إيده وقال لي:

-لو على الشقة اللي جنبك ماتحمِلش هم خالص، سيب موضوعهم عليَّا، أنا هاعرف أتصرَّف معاهم.

لمَّا قال لي كِدَه بالي ارتاح، لكن قبل ما أسيبه وأمشي افتكرت بتاع الخُردة اللي بيفوت كل ليلة قبل الفجر، عشان كِدَه سألته:

_إيه حكاية بتاع الخردة اللي بيعدّي كل ليلة ده يا عم حسين؟

بَص لي باستغراب زي ما يكون بيفكّر في كلامي وبعدها قال لي:

_بتتكلم عن إيه يا أستاذ خالد؟

_بتاع الخردة، معقول مش بتسمع صوته؟ دي تاني ليلة ليّا هنا وصوته واصل لحد عندي فوق.

فكَّر في كلامي شوية وبعدها قال لي:

_أيون افتكرت، دا واحد بتاع خردة مش من هنا، ماتشغلش بالك بيه؟

_وهوَّ الطبيعي إنه يزعج الناس قبل الفجر حتى لو مش من هنا؟

_هَنعمل إيه بَس في عقول الناس، ربنا يهديه.

_على أي حال، ياريت تكلّم أصحاب الشقة اللي جنبنا في الموضوع اللي قُلت لك عليه.

سيبته ومشيت عشان شغلي، ولمَّا رجعت الشقة في ميعادي، لقيت مريم مجهِّزة الغدا على الترابيزة ومنتظراني، دخلت غيَّرت هدومي وقعدت على السفرة، وفي نُص الأكل قُلت لها:

_إيه الأخبار النهاردة؟

_زي امبارح، صوت الخبط ماتقطعش طول النهار.

_غريبة! ده أنا كلِّمت البواب عشان يتكلّم معاهم، يعني المفروض يكون الموضوع ده انتهى.

_أومال إيه الخبط اللي واجع راسي طول النهار ده؟

_جايز لسَّه ماتكلِّمش معاهم.

_وبعدين عايزة أعرف إيه اللي مستدعي إنهم يخبَّطوا طول النهار، الواحد لو بيعمل حاجة يخبَّط شوية وانتهينا.

_عندك حق، بس تصدَّقي، الصبح وأنا خارج شُفت باب الشقة مفتوح، ولما ندهت عليهم خرج لي واحد عجوز عينه مليانة مَيَّه بيضا، لمَّا اتكلِّمت معاه ماردّش عليا، وبعد ما لفيت وشّي عشان أمشي قفل الباب.

_أنت بتقول فيها؟ أنا طلعت أكنِس قدام باب الشقة، وبرضه شُفت باب شقتهم مفتوح، وقفت شوية لحد ما لقيت واحدة ست كبيرة في السن، وقفت تبُص لي شوية، ولمَّا صبَّحت عليها فضلت تبُص لي من غير ما تتكلّم، وبعدها قفلت في وشّي الباب.

_غريبة أوي حكاية الشقة دي والناس اللي فيها.

_ماعرفش إيه أخرتها معاهم.

_مافيش قدامنا غير إننا ننتظر البواب.

في الليلة دي حصلت دوشة جديدة، فجأة وبدون مقدمات سمعنا دوشة أطفال قدام الباب، ومع صوت الدوشة سمعنا لعب كورة قدام الشقة، لدرجة إن الكورة كانت بتخبط في الباب.

قُمت وفتحت باب الشقة، ساعتها شُفت جوز أطفال بيلعبوا كورة، وفي نفس الوقت شُفت باب الشقة اللي جنبنا مفتوح، في اللحظة دي قُلت لهم:

_بلاش لعب دلوقت يا حبيبي أنت وهوَّ.

بمجرَّد ما اتكلِّمت معاهم أخدوا الكورة ودخلوا جوَّه وقفلوا الباب وراهم، استغربت من الناس دي، اللي كل ما نكلم حد فيهم يدخل الشقة ويقفل الباب بدون ما يرُد علينا.

لما دخلت الشقة حكيت لمريم عن اللي حصل، ساعتها قالت لي:

_إزاي أصحاب الشقة اتنين كُبار في السن وعندهم جوز أطفال؟

سؤالها خلَّاني أتنَّح، فعلًا ماينفعش بأي حال من الأحوال إن يكون عندهم أطفال، عشان كِدَه قُلت لها:

_بقول لك إيه، أنا هانتظر البواب يتكلّم معاهم ومش هشغل دماغي بيهم.

في الليلة دي ماسمعناش أي دوشة، لكن قبل ما ننام بشوية شمّينا ريحة بخور جامدة، قُمنا طلعنا البلكونة، الريحة كانت مالية المكان، منظر القبور القديمة في الضلمة مع الريحة خلَّى قلبي يتقبض، وشُفت نفس الشعور في ملامح مريم.

حاولنا نوصل لمصدر الريحة لكن بدون فايدة، دخلنا من البلكونة وبعد شوية قرَّرت أنزل أشوف البواب، وقدام باب الشقة لقيت الريحة قويّة، وقفت مستغرب لأن الريحة في المكان كانت أقوى من الشارع.

أخدت بعضي ونزلت، وفي المدخل اتكلمت مع البواب وقُلت له:

_عملت إيه مع أصحاب الشقة اللي جنبي يا عم حسين؟

بَص لي بكل ثقة وقال لي:

_اطمّن يا أستاذ خالد، اتكلمت معاهم والموضوع انتهى.

كلامه خلَّاني أستغرب، عشان كِدَه قُلت له:

_اتكلمت معاهم إمتى وإزاي، أنا ماسمعتش حد بيتكلم قدام الباب.

_باب إيه وشباك إيه اللي بتتكلم عنهم يا أستاذنا؟ أومال التليفون لازمته إيه؟

ماحبّتش أشغل نفسي بتفاصيل أكتر، بَس افتكرت ريحة البخور اللي مَلَت الدنيا فجأة وقُلت له:

-ماتعرفش ريحة البخور دي جاية منين؟

وبدون ما يفكَّر قال لي:

-يا أستاذنا أنت ساكن في شارع المقابر، واللي قدامك دي مقبرة قديمة، وفي واحد في الشارع هنا ابن حلال كل فترة بيعمل راكية بخور وريحتها بتفوح كِدَه؛ عشان الأرواح اللي في المقابر تهدا وتبقى مرتاحة.

ماحبِّتش أعلَّق على كلامه اللي أنا أصلًا ماكنتش مقتنع بيه، طلعت الشَّقة بعد ما طمِّني إن مشكلتي مع الجيران انتهت، دَه كمان قال لي بكل ثقة: حُط في بطنك بطِّيخة صيفي، ولمَّا قعدت مع مريم حكيت لها عن اللي حصل، دَه كمان قُلت لها على مصدر ريحة البخور وفضلت تضحك.

في الليلة دي كل حاجة اختفت، إزعاج الجيران؛ صوت بتاع الخُردة والنحاس، والدنيا بدأت تمشي زي ما كُنّا عاوزين، لدرجة إننا بدأنا نحِس إننا مُش ساكنين قدام مقابر قديمة، ولا في شارع بيتقال عنه شارع المقابر، ده إحنا كمان مابقيناش حاسّين بالجيران اللي في الشقة اللي جنبنا وكأنها مُش ساكنة.

لكن بعد شَهر تقريبًا؛ قُمنا من تاني قبل الفَجر على صوت بتاع الخُردة والنحاس، ومن اللحظة دي الأحداث بدأت تعيد نفسها، مريم كانت بتتصل بيَّا في الشغل وبتشتكي من الإزعاج اللي رجع يحصل في شقة الجيران، دَه غير إننا شُفناهم من تاني قدام الشقة، وبرضه حاولنا نتكلم معاهم وكان ردُّهم علينا نظرات صامتة، دَه أنا كمان رجعت أشتكي لعم حسين البواب من تاني، وكان ردُّه عليَّا نفس الرد،، قال إنه هيتصرَّف ويحل المشكلة.

وفي نفس الليلة شمّينا ريحة البخور من تاني، ومن بعدها كل دَه اختفى، لحد هنا بدأت أربط بين شكوتي لعم حسين البواب، وبين ريحة البخور والأحداث اللي بتختفي بعدها، كُنت محتار والفار بيلعب في عبّي، ومريم كان حالها من حالي، لكن مكانش في مشكلة حقيقيَّة عشان نتكلّم فيها، لحد ما الأيام فاتت وبدأت أتعرَّف على الجيران بالتدريج، ولفت نظري إن باب الشقة اللي جنبنا أساسًا مُش بيتفتح، وإن ظهور الناس اللي ساكنين فيها مرتبط بالإزعاج اللي بيكون طالع من الشقة، ساعتها اتكلِّمت مع واحد من الجيران وإحنا راجعين من صلاة الجمعة، واتفاجئت إنه بيضحك وكأن الحكاية عادية بالنسبة له لمَّا قال لي:

-أنت ما تعرفش؟

سؤاله خلَّى الشك يسيطر على تفكيري، ساعتها قُلت له:

-أعرف إيه بالظبط؟

-الشقة اللي جنبك حصلت فيها حريقة من سنين طويلة، كان ساكن فيها راجل كبير في السن ومراته، ومعاهم أحفادهم لأن ابنهم ومراته كانوا مسافرين برَّة وسايبين معاهم العيال، كلهم اتكلوا على الله في الحريقة، ربنا يرحمهم بقى، ومن وقتها بنسمع صوت خبط وتحريك عفش في الشقة، حتى ابنهم لما رجع بعد الحادثة قفل الشقة على حالها ومارجعش تاني، ولمَّا قُلنا للبواب يشوف حَل في الحكاية دي جاب شيخ، والشيخ بعد ما قرأ قدام الشقة قال له إن أرواحهم مش هاتهدا غير على نوع بخور معيَّن، ومن وقت للتاني كل ما يظهروا يروح يجيب البخور ويطلع فوق السطوح وينزل المبخرة ناحية شباك المنور اللي في الشقة عشان دخان البخور يدخلها.

-إيه اللي أنت بتقوله ده؟

-دي الحقيقة عشان تريَّح دماغك وتعرف أوِّلها من آخرها.

-أومّال ليه البواب مقالش الكلام ده؟

-وهيقول ليه يا أستاذ خالد؟ واحد بيستفيد من كل شقة ساكنة، والشقة دي مفيش حد بيطوّل فيها، جايز لأنها لازقة في الشقة اللي فيها الأرواح.

-طيِّب وإيه علاقة بياع الخردة والنحاس القديم بريحة البخور؟ ماهو برضه بيختفي بعد ما ريحة البخور تملا المكان!

-أوّل ما سكنت في الشارع كنت بسمع صوته قبل الفجر وبرضه كنت بستغرب زيك كده، لكن بعد ما عرفت حكايته مابقتش أستغرب.

-وده إيه حكايته كمان إن شاء الله؟

-كان ساكن في أوضة فوق سطح العمارة زمان، وحصلت بينه وبين واحد مشكلة واتخانق معاه قدام العمارة وهو بيجهّز نفسه قبل الفجر عشان يسرح بالعربية الكارّو، وساعتها اتقتل في الخناقة، ومن وقتها برضه وهوَّ بيظهر من وقت للتاني، وبرضه الشيخ اللي قرأ قدام الشقة لمَّا البواب قال له على حكايته قال إن البخور هيخلّي روحه تهدا.

مكانش عندي رد على كلامه، لكنه كمّل كلامه وقال لي:

-على فكرة، الناس دي ماتت من زمان، وتقريبًا دول من أواخر الناس اللي اندفنت في المقابر القديمة اللي قدامنا قبل ما يقفلوها.

قُلت في سرّي: روح يا شيخ ربنا يطمّن قلبك، بعدها سيبته يطلع شقته وانتظرت البواب يرجع من الصلاة، ولمَّا واجهته بالكلام اعترف بكل حاجة، دَه غير إنه قال لي: إنه اضطر يعمل دَه بتعليمات من صاحب العمارة، لأن الحادثتين اللي حصلوا فيها خلّوا الناس تقول عنها عمارة الأرواح، وبعدين الشيخ اللي زارها قال إن اللي بيحصل فيها مجرَّد مزاولة من روح الناس اللي اتحرقت في الشقة اللي جنبي، وروح بيّاع الخردة اللي كان ساكن فوق سطوحها واتقتل قدامها، يعني مفيش خطورة على الناس اللي ساكنة فيها، خصوصًا وإن كل واحد قافل على نفسه شقته ومشغول في حاله.

ماقدرناش نقعد في العمارة بعد ما طلع جيراني عبارة عن أرواح ناس ماتت مقتولة في حريقة، وكمان بياع الخردة والنحاس القديم اللي اتقتل قدام العمارة كان ساكن فوق سطوحها، يعني حظنا وقع في أقرب شقة للناس اللي ماتت! عشان كِدَه سيبناها في أقرب فرصة ومشينا، نقلنا في شقة تانية، مكانتش بعيدة برضه عن الشغل، لكن إيجارها كان أعلى شوية، بس اتأكدنا من تاريخها قبل ما نسكن، عشان حظنا ما يقعش مرة تانية في عمارة وتطلع هي كمان عمارة الأرواح.

تمت...

أحدث الموثقات تأليفا
 الكرامة كل حاجه 

بساتين الذكرى

قالت عيناكَ

اطمن ..

خذ الروح منى 

سذاجة العصفور

الدنيا دوّارة… حقيقة لا مجاز

قاسيتي .. 

لسانُ الضاد

لماذا نعيش ؟
أكثر الموثقات قراءة
إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة غازي جابر
2↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
3↓الكاتبمدونة حسين درمشاكي
4↓الكاتبمدونة ايمن موسي
5↑1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
6↑1الكاتبمدونة اشرف الكرم
7↓-2الكاتبمدونة محمد شحاتة
8↓الكاتبمدونة هند حمدي
9↑4الكاتبمدونة نجلاء البحيري
10↓-1الكاتبمدونة حاتم سلامة
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑20الكاتبمدونة اسراء كمال180
2↑14الكاتبمدونة هبه الزيني145
3↑14الكاتبمدونة محمد بن زيد171
4↑11الكاتبمدونة عبد الحميد ابراهيم 109
5↑8الكاتبمدونة جهاد غازي137
6↑8الكاتبمدونة جاد كريم182
7↑8الكاتبمدونة جهاد عبد الحميد235
8↑6الكاتبمدونة ايمان صلاح55
9↑6الكاتبمدونة محمد التجاني134
10↑5الكاتبمدونة محمد خوجة39
11↑5الكاتبمدونة عبير عبد الرحيم (ماعت)59
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1128
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب710
4الكاتبمدونة ياسر سلمي681
5الكاتبمدونة اشرف الكرم630
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري515
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني440
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين434
10الكاتبمدونة شادي الربابعة415

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب371950
2الكاتبمدونة نهلة حمودة229792
3الكاتبمدونة ياسر سلمي207535
4الكاتبمدونة زينب حمدي180714
5الكاتبمدونة اشرف الكرم151116
6الكاتبمدونة مني امين121601
7الكاتبمدونة سمير حماد 121035
8الكاتبمدونة حنان صلاح الدين113756
9الكاتبمدونة فيروز القطلبي112149
10الكاتبمدونة آيه الغمري108454

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة ليلى سرحان2025-12-12
2الكاتبمدونة اسماء خوجة2025-11-08
3الكاتبمدونة مريم الدالي2025-11-05
4الكاتبمدونة محمد خوجة2025-11-04
5الكاتبمدونة جيهان عوض 2025-11-04
6الكاتبمدونة محمد مصطفى2025-11-04
7الكاتبمدونة حسين العلي2025-11-03
8الكاتبمدونة داليا نور2025-11-03
9الكاتبمدونة اسراء كمال2025-11-03
10الكاتبمدونة علاء سرحان2025-11-02

المتواجدون حالياً

392 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع