آخر الموثقات

  • المتحدثون عن الله ورسوله
  • قصة قصيرة/.المنتظر
  • قصتان قصيرتان جدا 
  • سأغير العالم
  • كيف تعلم أنك وقعت في الحب؟
  • التأجيل والتسويف
  • فأنا لا انسى
  • احترام التخصص
  • 2- البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب
  • يعني إيه "الاحتواء"؟
  • يا عابرة..
  • رسائل خلف السحاب
  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  • إيران من الداخل بعد الحرب.. 
  • معضلة فهم الحرب على إيران
  • نصر سياسي ايراني
  • قصة قصيرة/ وصاية الظل
  • ق ق ج/ سرُّ الشجرة والقوس
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شحاتة
  5. مًس طائف

أوّل مرة أسمع فيها عن المَرض الرَّوحي، فعلًا اللي يعيش ياما يشوف، وخصوصًا؛ لو كانت الحكاية تخصِّني أنا.
كل حاجة في حياتي بدأت تتلخبَط؛ من وقت ما بدأت أحِس بحركة جَنبي وأنا نايمة، وأسمَع صوت بيهمِس في ودني:
-"رباب"!
أيون دَه اسمي، واللي مُش عارفة مين كان بينادي عليّا به، أنا واثقة إنّي مَكُنتِش بحلم؛ لأنّ عيني بتبقى مفتوحة، أي نعم أوضتي بتكون ضلمة في الوقت دَه، خصوصًا إني بكون في نُص الليل، والمفروض إنّي نايمة، لكن بكون واعية لكل حاجة.
بالحق؛ أنا عندي حاجة مختلفة عن كل البنات، من وقت ما كبِرت؛ لقيتني لابسة حلق فضّة، وفيه فَص أزرق، ولحد دلوقت أمّي رافضة إنّي أغيّره، لكن لمّا زميلاتي بدأوا يعلّقوا عليه تعليقات كانت بتضايقني؛ بقيت أشيله لمّا أخرج، وألبِس مكانه حلَق دَهب فالصو، وقبل ما أرجع البيت؛ ألبِس الحلق الفضّة، والحكاية دي عملتها لأوّل مرّة يوم الرِّحلة.
أنا يادوب كمّلت 17 سنة، كُل هَدفي إنّي أدخل الكلّية اللي نِفسي فيها؛ ولأنّي من أسوان والفترة الجاية هَكون عايشة في القاهرة، عشان نفسي أدخل طب، وغالبًا لوحدي عشان الجامعة، محبِّتش أحكي عن اللي بيحصل معايا، خوفت اللي هاقوله يكون حاجز بيني وبين حِلمي، وأتمنع من السَّفر بحجة إنّ أمّي خايفة عليّا، كُنت بفسَّر اللي بدأ يِحصل معايا إنّه بسبب الضغوط اللي عليا في الفترة دي، ومع الوقت كل ده هيختِفي، بَس الحكاية بدأت تزيد، وأنا مَبقِتش عارفة أتحمّل.
*
"رحلة المدرسة".
أنا فاكرة كويّس اليوم دَه، البداية كانت من هنا، يوم ما طلعت رحلة مع المدرسة، لبِست طَقم اشتريته جديد، وبمجرد ما خرجت من البيت لبِست الحلق الفالصو، وده كان أوّل يوم أشيل فيه الحلق الفضّة من ودني، الرحلة كانت عبارة عن زيارة الأماكن الأثرية في أسوان، برغم إنّي تقريبًا روحت أغلبها، لكن قرَّرت أطلع مع زميلاتي، بما إنّها هتكون آخر رحلة.
اليوم بدأ كويّس، كُنّا مبسوطين، لحد ما جه وقت زيارتنا للمسلّة الناقصة اللي في المحاجر، كانت المرَّة الأولى اللي أروح فيها هناك، المسلة في مكانها على الأرض، عشان فيها شَرخ اتسبّب في إنّها مَتِكمَلش، كانت عجباني الرموز والرسومات اللي عليها جدًا، لكن وأنا واقفة قدّامها، بدأت أحِس إن الدنيا بِتبهَت حوالين منّي، وإن زميلاتي اختفوا، أوّل ما فكّرت في اللي بيحصل قولت ممكن من الإرهاق، أنا برضُه مانِمتش اليوم اللي قبل الرحلة، بدأت أندَه عليهم، بَس صوتي مكانش طالع.
إحساس إنّي لقيت نفسي لوحدي في المكان كان مُخيف، واللي كان مُرعب أكتر، هو إنّي لَمحت ديل تِعبان بيتحرَّك في الشَّرخ اللي في جِسم المسلّة، وبعدها راس التِّعبان طِلعت من الشَّرخ، كان تِعبان كوبرا لونه أسود، كانت عينه عليّا، زي ما يكون بيني وبينه تار، لقيت نَفسي بَصرُخ بهيستيريا وبَقَع في الأرض، والدُّنيا ضلّمت.
بدأت أفوق على إيد بتشيلني من الأرض، فتَّحت عيني، ولمّا بدأت أشوف كويّس لقيتها مشرفة الرحلة، وزميلاتي واقفين حواليّا، ولقيت نفسي بقول بصوت مهزوز:
-التِّعبان!
كُنت بشاور بإيدي ناحية المسلة، وهما كانوا بيبصوا ناحيتها، والغريبة إني لقيت المُشرفة وزميلاتي بيقولوا في نَفس واحد:
-مَفيش تعابين ولا حاجة، انتي بتهيّألك.
مُش عاوزة أقولّكم إن الرّحلة اتلغت بسَببي، المُشرفة خافِت يجرالي حاجة من الحالة اللي كُنت فيها، وفي الأتوبيس وإحنا راجعين في الطريق، كُنت حاسة بخمول فظيع، لكن كلام "مريم" زميلتي اللي قاعدة جنبي كان مخلّيني مُش بَستسلم للإحساس اللي أنا فيه.
-أنتي كويّسة يا "رباب"؟!
كُنت بَرُد عليها وأنا حاسّة إنّي في عالم تاني:
-الحمد لله، لسّه كتير على ما نوصل؟
-كلّها 10 دقايق.
أوّل حاجة عملوها هي إنهم وصّلوني لحد البيت، أخدت شنطتي على كِتفي ودخلت، أمّي استغربت إنّي راجعة قبل ميعادي، لكني رميت الشنطة على الكنبة، وقولتلها إنّي مقتولة من التعب، ودخلت جري على أوضتي عشان أنام، بدون حتّى ما أغيَّر هدومي.
وِدَه كان اليوم اللي بدأت أحِس فيه بحد جنبي وأنا نايمة، وبسمع صوته وهو بيناديني!
*
آخر امتحانات ليّا في الثانوية، مُش عارفة أوصف اتحمّلت اللي بيحصل معايا ازّاي، كُنت بتجاهل كل صوت، كل حركة، حتى خوفي تجاهلته، حاولت أظهَر وكأن كل حاجة طبيعية، لحد ما الامتحانات خلِصت، والنتيجة ظَهرت، وحقَّقت المجموع اللي كان نفسي فيه، ولمّا التنسيق نِزِل، عرفت إن من حقّي أقدّم في طِب القاهرة، وفعلًا كتبتها أوّل رغبة في ورقة الرّغبات، وربّنا أكرمني وسافِرت.
*
"الحكاية مَنتَهتش، دي كانت لسّه بتبدأ"
"المدينة الجامعية".
كُنت فاكرة إني لمّا أسافر الدُّنيا هَتظبط معايا، وإن كل حاجة بتحصلّي هَتنتِهي، دي أوّل ليلة ليّا في المدينة الجامعية، ومعايا في الأوضة بنت طيّبة، اسمها "روان"، اتعرّفت عليها وحسّيت إنّي أعرفها من زمان، أنا اختَرت السرير اللي جنب الشّباك، وحطّيت هدومي في دولابي، ورتّبت باقي حاجتي على مكتبي، اليوم فات والليل دَخل، كُانت كل دقيقة بتعدّي بتعرّف فيها أكتر على "روان"، وهي كمان بتتعرّف عليّا؛ لِحَد ما خلاص النّوم بدأ يغلِبني، ولسّه بقولّها إنّي هنام، لقيتها سبقتني وراحت في النوم!
في البداية؛ الدّنيا كانت هادية، ده كان إحساسي بمجرّد ما طفيت نور الأوضة، وقفلت الباب بالترباس، دخلت سريري وغمّضت عيني وحاولت أنام، استغربت إن "روان" راحت في النوم بالسرعة دي، ومع الوقت؛ بدأت أحِس بحركة في الأوضة، رفعت راسي من على المخدّة؛ ومكُنتِش شايفة كويّس من الضلمة:
-"روان".. "روان"!
كُنت بنادي عليها، مُش عارفة هي قامت تدوّر على إيه في الضلمة دي، لكنّها مكَنِتش بترُد، وِدَه اللي خلّاني أمِد إيدي على مفتاح النور اللي جنب سريري، فَتحت النّور، واتفاجأت إنّي لوحدي في الأوضة!
قومت من السرير، عيني كانت على سرير "روان" اللي كان مترتّب؛ ولا كأن حد كان كان نايم عليه، سألت نَفسي هي راحِت فين، جريت ناحية باب الأوضة، واتفاجأت إن الباب مقفول بالترباس من جوّه، طيّب هي ازّاي خرجت والترباس مقفول؟!
لمّا عيني وقعت على مكتبها؛ لقيته فاضي، جريت على دولابها وفَتحته، لكن ساعتها رِجعت لورا؛ لمّا لقيت إن الدولاب فاضي مَفيهوش أي هدوم، دا حتى شنطتها اللي جنب الدولاب مُش موجودة!
بدأت ألِف حوالين نَفسي، مُش فاهمة إيه اللي حصل، أو هي اختَفت فين، ولقيت رِجلي وخداني ناحية شبّاك الأوضة، كان بيِفتح على حديقة المدينة، فتَحت الشّباك وبصّيت منّه، وساعتها شوفتها، كانت ماشية تَحت بين الشَّجر، استغربت هي ازّاي خرجِت من الأوضة، حركتها كانت غريبة ومُخيفة، ولمّا بصّت ناحيتي وأنا في الشّباك، حسّيت بخوف أكبر من اللي كُنت حاسّة به؛ لدرجة إنّي قفلت الشّباك، ورجعت قعدت على سريري وأنا مرعوبة.
النّهار طِلع وأنا في مكاني، لا نوم ولا حركة، وساعتها حسّيت بقلبي اتخلَع من مكانه؛ لمّا باب الأوضة خبَّط، قومت وأنا حاسة إن رِجلي مُش شيلاني، فتحت ترباس الباب، وبعدها فتحت الباب نُص فَتحة وبصّيت برّه، كانت المُشرفة اللي استلمت منها الأوضة، وكان معاها بِنت بشنطتها، وقبل ما انطَق كانت المشرفة بتقول للبِنت وهي بتبُص في الكَشف اللي معاها:
-دي أوضتك، وزميلتك اللي معاكي اسمها "رباب"!
فَتحت الباب وأنا مذهولة، وبسأل نفسي:
-أومال مين اللي كانت معايا امبارح؟! وراحت فين!
لمّا المشرفة سابتنا ومشيت، البِنت دخلت بشنطتها، ابتسمتلي وهي بتعرَّفني بنفسها:
-أنا "روان"، من أسوان، قبلت في طِب.
جِسمي اتخشِّب مكانه، دا نفس اسم البِنت اللي كانت معايا هِنا واختفت! لكن عشان ما أظهِرش حاجة قدّامها رحّبت بِها:
-وأنا "رباب"، من أسوان برضُه، وداخلة طِب أوّل سنة.
-كويّس، يعني هَنروح ونيجي مع بعض.
-أكيد.
*
"أوّل يوم الكلّية".
-أنا جيت متأخّر، كان المفروض أوصل امبارح، بَس حصلت ظروف خلّتني أأجل، عارفة إنه هَيكون يوم تَعب لمّا أوصل، ويادوب أحط شنطتي وأنزل الكلّية.
-مَعلش؛ كل حاجة بأوان، لمّا نِعرف أماكن المحاضرات والسّكاشن ونِرجَع ابقي ارتاحي.
كان دَه حوارنا وإحنا ماشيين في الطريق للكلّيّة، ولمّا وصلنا وعرفنا مكان محاضراتنا، لقيتني مع "روان" في نَفس المكان والسّكاشن، بما إنّ أسامينا بتبدأ بنفس الحرف، وبرغم إنه كان يوم مُرهِق، بَس كُنت مستمتعة إنّه أوّل يوم في الحِلم اللي حلمت أوصَل له، ولمّا لقيت نَفسي فاضية شويّة، فتحت شنطتي طلّعت التليفون واتّصلت بأمّي؛ عشان أطمّنها عليّا، ولمّا خلَّصت المكالمة رجّعت التليفون في الشّنطة، اللي كان فيها الحَلق الفضّة، ورجِعت من تاني أكمّل يومي، مع "روان".
*
"سِكشن التّشريح".
شيء صعب لمّا أوّل تجربة ليك في دراسة الطّب تكون تشريح، ده زي ما النظام الجديد بيحدد المواد اللي بندرسها، وده كان أوّل سِكشن أحضره أنا و "روان".
إحساس مُخيف، وأنت واقِف قدّام جثّة، كانت في يوم من الأيام على قيد الحياة، مُش أنا بَس اللي كُنت حاسّة برهبة، كُل الطّلبة كانت في نَفس الحالة، وكان دايما الدكتور يقولّنا:
-مع الوقت هَتتعوّدوا.
مُش عارفة ليه جالي نَفس الإحساس اللي حَسّيته عند المسلّة، الدنيا من حواليّا بتبهَت، زمايلي بيختفوا، واتفاجأت إنّي لوحدي في المكان، مَفيش موجود معايا غير الجثّة، اللي لقيتها بدأت تتحرَّك، عينها اتفتَحِت فجأة، وبدأت تبُص ناحيتي، وقفت وأنا حاسّة إن الدَّم بقى تَلج في عروقي، رجِعت لورا وأنا رِجلي بترتِعش، لِحَد ما وقعت في الأرض، وساعتها الجثة قَعَدِت، واتفاجأت إن ملامحها اتغيّرت لملامح البِنت اللي لقيتها في الأوضة واختفت، وساعتها ابتسمت وقالتلي:
-"رباب"!
مُش عارفة ليه الصوت كان بنفس الصوت اللي بسمعه بيناديني وأنا نايمة! بَس رَد فِعلي الوحيد هو إنّي صرَخت، وبعدها فَقَدت توازني وِوَقَعت، وبمجرد ما راسي خبطت الأرض، بدأت أشوف زمايلي حواليّا من تاني" حتّى "روان"؛ وعيت عليها وهي بتمِد إيدها تساعدني أقوم، لكن دي آخر حاجة افتكرتها؛ وبعدها غِبت عن الوعي.
*
سرير أبيض، ومحلول متوصّل في إيدي بكانيولا، ده اللي شوفته أوّل ما فتَّحت عيني، وساعتها شوفت جنبي ممرضة، أوّل لمّا فوقت قرَّبت منّي:
-حمدالله على السلامة يا "رباب".
-أنا فين وإيه اللي حصل؟!
-متخافيش، أنتي في مستشفى الجامعة من امبارح.
-أنا آخر حاجة فكراها سِكشن التشريح.
-يمكن عشان حاجة جديدة عليكي، مَتحمّلتيش المنظَر.
-أنا جيت هنا ازّاي؟!
-الإسعاف جابك هِنا، وكان معاكي زميلتك، اسمها "روان".
في اللحظة دي، الدكتور اللي بيشرف على حالتي دخل الأوضة، كان بيطّمن عليّا:
-أنتي حاسّة إنك أحسن دلوقت؟
-الحمد لله.
-طيّب أنا عارف إنّك في أولى طِب، وعاوز أفهّمك إن اللي حصل معاكي ده أعراض صَرَع.
أنا اتصدمت من اللي الدكتور قاله، وقولت:
-صَرَع؟!
-مُش عاوزك تكوني قلقانة، هو بيحصل بدرجات ونقدر نسيطر عليه، قوليلي: هو في حد في عيلتكم عنده نفس الحالة؟!
أنا افتكرت أمّي، لمّا كانت بتحصلّها تشنّجات من وقت للتاني، وقولتله:
-أمّي، كانت بتحصل معاها حاجة زي كده.
-يبقى زي ما توقّعت، الموضوع وراثة، أنتي هَترتاحي كام يوم وهتِمشي على علاج، وبعدها هتقدري تمارسي حياتك بشكل طبيعي، المهم مَتتعرَّضيش لأي حاجة توصّلك للحالة دي.
*
خرجت من المستشفى؛ ورجعت على أوضتي في المدينة، محبّتش أرجع أسوان، وأقضّي الكام يوم راحة هناك؛ عشان أمّي مَتقلقش عليا، ولمّا كُنت بكلّمها في التليفون، مكُنتِش بجيب لها سيرة عن أي حاجة.
لكن الدنيا كانت معايا كانت من سيّء لأسوأ، كان أوّل ما الليل يدخل، والنور ينطفي و "روان" تنام، بقيت أحِس بإيد بتمشي على شَعري، وأنفاس سُخنة قريّبة من وشّي، أنا في حد جنبي!
دا غير إنّي كُنت بسمع الصوت بينادي باسمي، وبيهمس به في ودني، والغريبة؛ إني مبقِتش قادرة أفرَّق ده صوت مين، الصوت القديم اللي كان بيناديني، ولا صوت الجثّة اللي اتكلّمت به، والأغرب من كِدَه، إنّي اكتشفت الشَّبه بين الصوتين، وصوت "روان" اللي لقيتها هِنا واختفت، ولحد دلوقت مُش عارفة هي إيه!
وياريت الموضوع كان لِحَد هنا وبَس، دا أنا بدأت أشوف نَفسي في مكان فاضي، الدنيا ليل، وأنا واقفة على باب مغارة، على بابها شُعلة نار، لكن كانت ضلمة من جوّه، الهوا بيزيد والحرارة بتعلَى، وزي ما يكون الهوا بيزُقّني جوَّه المغارة، ونفس الصوت بينادي عليّا من جوّه، كُنت بقاوم نَفسي عشان مادخُلش، لكن في النهاية دَخَلت!
*
"المغارة".
خيالي كان معكوس على صخرة كبيرة، مكتوب عليها حروف باللون الأحمر، كانت من وقت للتاني بتتشكّل، مرَّة كنت بقرأ منها كلمات واضحة، زي "أنتِ مِلكي"؛ "أنتِ تنتمين إلى عالمي"، "ستحملين طِفلي يومًا ما"!
مكُنتِش مستوعبة اللي بقرأه، ولا مستوعبة الخيال اللي ظَهر جنب خيالي وكأن حد ورايا، كان خيال جايب من سَقف المغارة لحد الأرض، بصّيت ورايا عشان أشوف ده خيال مين، وللأسف مَشوفتش حاجة، بَس كُنت حاسّة فعلًا بوجود الكيان؛ اللي خياله معكوس جنب خيالي!
حاولت أهرب، لكن كانت في إيد بتمنعني، حسّيت إنّي محبوسة في المغارة، إحساس بالعَجز مَنعني من إنّي حتى أًصرخ، أنا معرفش جيت هِنا ازّاي ولا امتى، أنا عارفة إنّي بحلم، لكن الحكاية اتطوَّرت وبدأت أحس بإنّ دَه واقع مُش حِلم.
كُنت مستمرَّة في المحاولة، مهما كان اللي بيمنعني من إنّي أخرج، كانت عندي رغبة إنّي أنتصر عليه، وأخرج من الباب اللي كان قدّام عيني، بَس مُش قادرة أقرَّب منّه، الوقت بيفوت وأنا سامعة نفس الصوت بيهمس في ودني باسمي، وبنفس الإيد اللي بتمشي على شَعري، لِحَد ما حسّيت بهزّة قويّة في المغارة، بعدها خطوتي اتحرَّرت وقدِرت أهرب، خرجت من الباب، لصحرا كلّها ضلمة، وقفت تايهة، مُش عارفة أنا فين، لكن كُنت شايفة أضواء من بعيد جدًا بتلمع، كانت عبارة عن طُرق وشويّة بيوت، ومعرفش هقدر ازّاي أمشي كل المسافة دي، زي ما أنا بالظبط مُش عارفة جيت ازّاي!
فضِلت ماشية لِحَد ما فقدت قوّتي، ووقعت في الأرض مُش حاسّة بنفسي، مكَنش قدّامي غير إنّي أستسلِم للتَّعب، غمّضت عيني، لِحَد ما لقيت إيد بتمسكني من إيدي، وبعدها سِمعت صوت "روان":
-مالك يا "رباب"؟!
فتَحت عيني، لقيت نَفسي قدَّام باب الأوضة، كُنت واقعة في الأرض، مَكُنتش مستوعبة اللي بيحصل، ويادوب كل رد فعلي كان سؤال:
-أنا فين؟!
-أنتي صحيتي وكنتي خايفة، سألتك مالك مردّتيش، بَس قولتيلي إنك عاوزة تروحي الحمّام.
-أنا مكُنتِش في الحمّام!
-أنا وصَّلتِك بنفسي لِحَد هناك.
-أنا كُنت في مكان تاني، مغارة مُخيفة!
-إيه اللي بتقوليه ده يابنتي، بقولّك أنا موصّلاكي بنفسي هناك، وقولتيلي إنّك بقيتي كويّسة وهتِرجَعي لوحدك.
*
كُل يوم بيعدّي كان أسوأ من اللي قبله، كُنت بشوف ملامح زمايلي على ملامح "روان" اللي اختَفت، دا غير إنّي اتعرَّضت لنوبة الصَّرع مرتين ورا بعض، وكل وقت بكون فيه لوحدي؛ بسمع الصوت بيناديني، وبيقول: خلاص الوقت قرَّب، كُنت بلاقي نَفسي في المغارة كل ليلة، بتحِبس هناك؛ بقرأ نفس الكلام، والأغرب من كِدَه إنّي بدأت أشوف الكيان اللي خياله معكوس، بَس كُنت بشوفه على شكل ظِل أسود مُخيف!
في المرّة الأخيرة، لمّا قدِرت أهرب من المغارة زي كل مرَّة، وقفت على بابها وبصّيت ورايا، وساعتها لَمَحت الكيان دَه، بَس مكَنش ظاهر على شَكل ظِل، دا كان كيان أسود، لابس عباية سودة مخيفة، لها زُنط مغطّي وشّه، وكان فيه مسافة بينه وبين الأرض، وكانت جنبه بِنت، كانت "روان"، نَفس البِنت اللي شوفتها معايا في الأوضة أوّل يوم ليّا هِنا، واختَفت!
لمّا فوقت من اللي شوفته؛ لقيت نفسي واقعة في أرضية الأوضة، وزي ما يكون حد بيشيل جِسمي وبيرزعه في الأرض، كانت "روان" بتحاول تفوَّقني، لكن معرفش إيه الدافع اللي جوّايا اللي خلَّاني أمِدّ إيدي؛ وأحاول أخنقها؛ لدرجة إنّها خافِت منّي، صرخِت وجريت من قدّامي، ولقيتها بتطلب الأمن، أما أنا؛ فكُنت مستغربة نَفسي وأنا بَضحك ضحكة باردة، مَكُنتِش حاسة إن دَه أنا، دا كان جوّيا حاجة غريبة هي اللي بتتصرّف بالنيابة عنّي.
*
"أسوان.. سِر الحلق الفضّة".
مُش عارفة ليه أوّل ما رجعت؛ أمّي سألتني عن الحَلق، وبصراحة؛ أوّل مرّة أنسى ألبِسه وأنا راجعة البيت، وبدون ما تعرف فيّا إيه، ولا راجعة دلوقت ليه، مكَنش على لسانها غير حاجة واحدة:
-قومي بينا على الشِّيخة "نعيمة"!
مَسابِتش أي فرصة أسألها مين الشِّيخة "نعيمة"، ولا هَنروح لها نِعمل إيه، ولا إيه حكاية الحَلق دَه، اللي عُمري ما فكّرت أسألها عنّه، ولا أسألها ليه هي كمان لابسة نفس الحلق، كان في اعتقادي إنّ هي بتحب الفضّة، وعيزاني نسخة منها.
مقدِرتش أقاوم إلحاحها، قومت وروحت معاها، أنا حسّيت إن في حاجة مخبّياها عليّا، أمّي مُستحيل تسيب الدّار وتخرج؛ إلا لو الحكاية حياة أو موت.
مشينا لحد ما وصلنا لبيت متطرّف على أوّل القرية، مَبني بالنَّي، لمّا وقفنا قدّام بابه؛ لقيت أمّي بتخبَّط، وبعدها بتزُق الباب وبتدخل، وبتنادي:
-يا خالة "نعيمة"!
في صالة البيت؛ لقيت سِت عجوزة، عمرها تقريبًا يعدّي ال 80 من بدري، لكن كان باين من كلامها إنّها مُدركة كل حاجة، لأنّها أوّل ما شافت أمّي قالتلها:
-ادخُلي يا أم "رباب"!
-شوفي يا خالة الكارثة اللي "رباب" فيها.
كانت أوّل حاجة أمّي قالتها لمّا دَخلنا، كُنت مستغربة كلامها بصراحة، والأغرب من كِدَه كلام اللي اسمها الشيخة "نعيمة"، اللي بصّت ناحيتي وقالت:
-فين حلَقِك يا بنتي؟!
كُنت ببُصّلهم وأنا مُش فاهمة الحكاية، بَس فَتحت شنطتي وخرَّجت الحلق وقولتلهم:
-الحلق معايا!
الشِّيخة طلبت منّي أشيل الحلق اللي في وِدني، الفالصو، وأعطيها الحَلق الفضة، والأغرب من كِدَه، إني لقيتها بتطلب الحَلق بتاع أمّي، ولمّا أخَدِتهم، لقيتها بتسحب ورقة لونها أصفر من وَرق جنبها، وبتمسِك ديك أسود كان واقف على الشّباك اللي وراها، وبتشِد ريشة من ديله، وبتكتب بها كلام على الورقة، بِدَم الدّيك!
الكلام مَكَنش مفهوم، وبعدها لفّت الحُلقان في الورقة، وبدأت تحرَّكها فوق دخان البخور اللي طالع من راكية قدّامها، وريحته كانت مالية البيت، وبعدها؛ فتحت الورقة وعطتنا الحُلقان، وطلبت من كل واحدة فينا تِلبس الحلق بتاعها، ولقيت أمّي بتقرَّب منها، وبتاخد منها الورقة بعد ما طبَّقتها، وساعتها الشيخة "نعيمة" قالتلها:
-الورقة دي، حطّيها مكان الورقة التانية!
مَكُنتِش فاهمة حاجة، لكن أمّي كانت بتهِز راسها كأنّها فاهمة الشيخة بتقول إيه، وقبل ما نِمشي، سمِعت حاجة غريبة من الشِّيخة:
-التِّعبان اللي شوفتيه عند المسلة الناقصة مُش تِعبان، دا كان هو، نَفس اللي راصد أمّك، واللي بيحاول يستدرِجك لِحد ما يتمكّن منك، هيسلّط عليكي كيان يسحبِك لحد عنده.
مُش عارفة إيه اللي جاب في بالي "روان" اللي اختَفت، والمغارة، واتصدمت بمجرّد ما فكّرت فيهم ولقيت الشيخة قالت:
-بالظَّبط، الشيطانة اللي ظهرتلك واختَفت، والمغارة المهجورة اللي بيحاول يستدرِجك فيها، ده العالم الملعون بتاعه!
-أنا مُش فاهمة حاجة.
-أنتي عندك مرض روحي، زي أمّك بالظبط، مصيرك مربوط بها، لازِم تِعرفي إنّه انتَقم من أبوكي، فضِل وراه لِحَد ما انتَحر، دا جِن ملعون راصِد أمّك، والحلق اللي هي لبساه مقروء عليه عزيمة منعاه من إنّه يقرّبلها، بَس دَه مَس طائف، لو مقدرش يوصل للي عاوزها، بيدوّر على أقرب حد لها، يشبهها، والأكتر لو كان الحَد دَه من دمّها، اللي هو أنتي، عشان كِدَه لمّا اتولدتي أنا حصَّنتِك، زي ما حصَّنت أمّك بالظبط، المَس الطّائف مُش حاجة سهلة، دا بيفضل يحوم زي الحيّة حوالين فريستها، ولمّا تيجي الفرصة، بيوصل لفريسته، ويتحوّل لمَس عاشق، اللي الخلاص منّه صعب وشبه مستحيل، وبداية دخوله ليكي، كان من يوم ما خلعتي الحلق، يوم المسلّة!
مكُنتش قادرة أكذّب اللي بسمعه، خصوصًا إنّها متعرفش حاجة عن اللي حصل في الرحلة، ولا المغارة، ولا البنت اللي اختفت، واللي هي غالبًا الشيطانة اللي تقصدها، ما هو أنا لمّا شوفته فعلًا آخر مرَّة؛ كان في إيده "روان" اللي اختَفت!
خرجنا من بيت الشيخة، ورجعنا بيتنا، وأوّل حاجة أمّي عملتها؛ هي إنّها قطعت طرف مرتبة السرير بتاعتها، وطلَّعت منها ورقة، وبعدها حطَّت الورقة الجديدة مكانها، وخيَّطت القَطع عليها، وقالتلي بلهجة تحذير:
-أوعي الحَلق يتشال من ودنك طول ما انتي عايشة، مفهوم!
برغم إنّي مُش بآمن بالحاجات دي؛ لكن من بعد ما عرِفت السِّر، ومبقِتش أشيل الحَلق، وكل حاجة بتحصل معايا اختَفت، بَس كُنت حاسّة بحاجة مرقباني، أنا مُش عارفة ليه أي مكان ببقى فيه، بشوف فيه غراب أسود واقف بعيد، وزي ما يكون بيبُص ناحيتي، مستني لحظة مناسبة ويهجِم عليّا، ولا يمكن عشان بقيت بشوف غربان كتير، بقيت بربُط دَه باللي حصل معايا، ويكون مُجرَّد هاجِس، مُش عارفة!
*
"المدينة الجامعية".
برغم من إني مَبحبّش اسمها، بَس ده كان أمر واقِع، هي زميلتي في الكلية والسَّكن، يِمكن عشان الصدمة اللي أخدتها أوّل ما جيت هنا، وبعدين هي جَت تاني يوم وبنفس الاسم؟ أو يمكن ده حصل عشان اللي راصدني زي ما الشيخة بتقول عاوز يكرّهني في اللي ساكنة معايا، وأحاول أكون لوحدي عشان أبقى بالنسبة له فريسة سهلة!
يمكن تَحليلي ميكونش منطقي، أو يمكن يكون صحيح، لكن قرَّرت مَشغِلش بالي، أنا قرَّرت إنّي مُش هاشيل الحلق تاني، معنديش استعداد أرجع خطوة تاني لِوَرا.
الباب اتفتح، وساعتها شوفت "روان" داخلة الأوضة، كانت شايلة صينيّتين، وبتبتسم وبتقولّي:
-محبّتش نروح نتعشّى في المطعم، قولت أجيب الأكل هِنا، وبعدها أبقى أرجَّع الصواني.
-خير ما عملتي، أنا مهدودة من المحاضرات ومش قادرة أتحرَّك.
-إيه رأيك في التسريحة الجديدة، أنا علطول سايبة شعري، أوّل مرّة أعمل ضفاير.
فعلًا مكُنتش ملاحظة حاجة زي دي؛ لكن لمّا بصّيتلها؛ لمحت في ودنها حلق فضّة، وفيه فَص أزرق، نَفس الحلق اللي أنا لبساه تقريبًا، مكُنتِش قادرة أبلع الأكل، جمَّعت أعصابي وقولتلها:
-أنتي لابسة حلق فضّة؟!
-اسكتي يا "رباب"، الحلق ده أمّي خلَّتني ألبِسه من صغري، ومحلّفاني إني ماشيلوش، مُش عارفة إيه السَّبب، عايزاني نسخة منها، هي كمان لابسة نفس الحِلق، أنا نفسي ألبِس حَلق دَهب زي البنات.
كُنت بسمعها وأنا مصدومة، لكنّها كانت بتكمّل كلامها وبتقولّي:
-بقولّك إيه؟!
-نعم.
-ما تورّيني الحلق بتاعك، يابختك؛ زمانك مُش لابسة حَلَق فضّة زيي!
*

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب333973
2الكاتبمدونة نهلة حمودة189868
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181477
4الكاتبمدونة زينب حمدي169750
5الكاتبمدونة اشرف الكرم130965
6الكاتبمدونة مني امين116784
7الكاتبمدونة سمير حماد 107818
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي97896
9الكاتبمدونة مني العقدة95011
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91759

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة نجلاء البحيري2025-07-01
2الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
3الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
4الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
5الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
6الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
7الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
8الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
9الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
10الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14

المتواجدون حالياً

1043 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع