-انتي بتكلّمي مين؟!
-مُش بكلّم حَد.
-ما الغريب إني عارِف إنك مُش بتكلّمي حد.. لَكن أنا بَسمع صوتك كل ليلة وانتي تقريبًا بتقولي نَفس الكلام.
-بقول إيه؟!
-بتصرخي وبتقولي.. الجَبل.. البُحيرة.. الكَبش.. أنا إيه اللي جابني هِنا؟!
***
مكُنتش أتوقّع أبدًا إن أحداث كوابيسي تكون مسموعة لغيري، وأنا اللي كُنت فاكرة إن الأحلام والكوابِيس دي عالَم بيخُص الشَّخص اللي بيعيشه وبَس، لكن اللي اتَّضح فعلًا إنه زي ماهو عارِف كُل حاجة عنّي، قدِر برضو يِعرف اللي بشوفه في كوابيسي، زي ما أكون بدأت لا إراديًّا أعرَّفه كُل حاجة عنّي، حتّى وأنا في عالَم تاني؛ بقولّه عن اللي بشوفه هناك مِن غير ما أحِس.
حواري معاه كان في سابِع يوم أشوف فيه الكابوس دَه، والحقيقة أنا مكُنتِش زعلانة إنه عارف؛ لأنّه ببساطة معدش غريب عنّي؛ لكن كُل اللي كان مخوّفني إن اللي بشوفه يخلّيه يخاف منّي.
أنا غالبًا بنسى بسُرعة، دي مُشكلتي في الحَياة، بَس زي ما تقولوا إن كل مُشكلة بيكون وراها خير إحنا مُش شايفينه، زي مثلًا ما نسياني دَه بيخلّيني أنسى اللي بشوفه في الكوابِيس؛ لكِن معرفش هو ليه اتعمّد يفكَرني، وساعِتها غمَّضت عيني وبدأت أفتِكر الأحداث..
***
الجَبَل...
خَطوة، خَطوة، خَطوة...
كانت الأحداث بتبدأ معايا مِن هِنا، من أوّل صوت الـ 3 خطوات اللي كُنت بَسمَعه، وبَعدَها ببدأ أحِس برِجلي فوق الأرض، بدوس في طريق صَعب، كان عبارة عن صخور أحجامها مُختلفة، وبرَغم كِدَه كُنت بكمّل في الطَريق؛ برغم الألم اللي كُنت بَحِس به، وخصوصًا إني بكون ماشية حافية.
أوّل مرّة ألاحِظ إن ممكن صوت دقّة قَلب حِد تغلِب صوت خَطوِته، أنا برغم من إني كُنت بَدوس على الصخور بعَزم ما فيّا وصوت رِجلي فوقها كان واصِلني، إلا إن صوت دقَة قلبي من الخوف كان أعلَى.
مكُنت عارفة أنا بمشي الطريق دَه ليه، ولا إيه اللي بيخلّيني آجي هِنا، لَكن أنا بَعد ما بَمشي مسافة كانت بتستنزِفني، كُنت بلمَح في في آخر الطريق جَبل.
أنا بَخاف من الأماكِن العالية؛ لكن كُنت مستغربة التناقض اللي جوّايا، حاجة غريبة مُش عارفة تفسير لَها بتحرّكني بدون إرادتي وبتخلّيني أكمّل ناحية الجَبَل، لكن أنا بلاقِي نَفسي بَبكي، إحساسي بالصَّخر تَحت رِجلي كان بيتحوّل لِشوك، قوّتي مكَنِتش بتخلّيني أقدَر أوصَل، وفي نَفس الوقت إحساسي بالعَجز من إنّي أكمّل الطريق كان بيخلّيني أشوف الدُّنيا من حواليّا بلون أسود، مكَنش في استطاعتي غير إنّي أقَف مكاني وابكِي، وأنا بَمِد إيدي ناحية ناحية آخر الطريق وبقول...
-الجَبَل.
وفجأة بقوم من النّوم، المخدّة تَحت راسي مبلولة؛ لأني ببساطة بكتشِف إني بَبكي بجد، وإن ألم رِجلي اللي كُنت حاسّة به في الكابوس موجود فعلًا، وكُنت بخاف مِن نَفسي، بخاف من كل حاجة، وساعِتها كُنت بقعد أبُص للسقف وأفكّر كتير، هو ازّاي أنا بَخرج من الكابوس وهو سايب أثر مادي معايا؟!
***
البُحيرة...
خَطوة، خَطوة، خَطوة...
زي ما تكون سِلسلة مربوطة ببعضها، كل يوم كان الكَابوس بيدخّلني في مرحلة جديدة، لَكن البِداية دايمًا كانت واحدة، كل حاجة بتبتدي من بعد ما عيني تغمّض وأبدأ أسمع صوت الـ 3 خطوات..
لكن في المرّة دي؛ أنا بدأت من وقت ما كُنت بَبكي في الكابوس اللي فَات، المرّة دي؛ إحساسي بالصخور اللي زي الشوك تَحت رِجلي كان أفظَع من المرّة اللي قبلها؛ لدرجة إن رِجلي اتجرَّحِت من الطريق، بصّيت ورايا، كان الطريق اللي مشيته في الكابوس اللي فات مُش موجود، زي ما يكون اللي شوفته قبل كِدَه كان صَفحة واتقلبِت، وبدأت مِن صفحة تانية.
نِسيت الطريق اللي مشيته، وبدأت أبُص على اللي فاضِل، كان لازِم أمشي أكمّل لحد ما أوصل للجَبَل، من تاني فضولي بيغلِبني إني أوصلّه؛ لكن مع أوّل خطوة وأنا بعافِر في الصخور اللي زي الشوك، اتفاجئت بإن باقي الطَّريق متغيّر، أنا بقى في بيني وبين الجَبَل بُحيرة!
لقيت نَفسي بقرّب منها، أنا أوّل مرّة أشوف مَيّه صافية كِدَه، مفيهاش أي حَركة؛ لدرجة إني حسّيت للحظة إن دي مجرّد مِرايَة كبيرة بتعكِس كُل حاجة حواليها، واللي خلّاني أحس دَه هو إن صورتي كانت ظاهرة بوضوح فيها، دا أنا حسّيت إنها أوضَح من مِرايتي اللي في أوضتي.
مُش عارفة ليه حسّيت إن البُحيرة دي خير، زي ما تكون اتوَجَدِت عشان أتخلّص من إحساسي بالشّوك اللي تَحت رِجلي.
أنا كُنت قريّبة جدًا من شَطّ البُحيرة، يِمكن كمان المسافة بيني وبينها متكمّلش خطوة، حسّيت عندي نَفس الفضول اللي كان بيدفعني إنّي أقرَّب من الجَبَل، بيدفعني برضو إنّي أقرّب من المَيّه، وكان تصرّف طبيعي منّي إني أنزِل على الأَرض، وأحاول إمِد إيدي في المَيّه، زي ما فضول أي حد بيدفعُه إنه يتصرّف كِدَه لو هو قريّب من بَحر مثلًا، لكن أنا لمّا مدّيت إيدي، حسّيت جوّايا شعور بالخوف من إنّي ألمِس البُحيرة!
اكتَفيت بإنّي أبُص فيها، أنا أوّل مرّة أشوف ملامحي بالوضوح دَه، لكن لاحِظت إن آثار الكابوس اللي فات سايبة أثرها في ملامحي، كان في طريقين نازلين مِن تَحت عيني، الدموع خَدِت الكُحل في طريقها وهي نازلة، ونِشِفِت وسابتلي الطريقين، زي ماتكون سابِتلي حرية اختيار الطَريق اللي المفروض أمشي فيه، لكن أنا كعادتي حسّيت بالحيرة، الطريقين كانوا مرسومين شّبه بَعض بالظَّبط!
الخوف اللي جوّايا من البُحيرة راح، وبدأ يتحوّل لفضول، والمرّة دي كان عندي رغبة وإحساسي بيدفعني إني ألمِس المَيّه، مدّيت إيدي بدون ما أحسّ بأي رعشة، ولَمَست المَيّه..
دواير، دواير، دواير...
المَشهد كان أقرب للتصوير البطيء، كُل نقطة بتتوِلد كانت بتاخد مساحتها في الحياة وبتِكبر، ودايرة وراها دايرة، بَس اللي كنت ملاحظاه؛ هو إن صورتي المَعكوسة فوق المَيّه؛ واللي بدأت تتموّج مع الدواير، كانت بتِعكسني من جوّايا!
زي ما المَيّه كانت راقدة واتحرَّكت، أنا حسّيت بحاجات كتير جوّايا راقدة اتحرَّكت، خوف، قَلق، أحاسيس كتير متلخبَطة جوّايا ظَهرت في ملامحي اللي حركة المَيّه بتتحكّم فيها؛ لكن أنا لَفَت نَظري حاجة غريبة، كُل ملامحي كانت بتتهز، ماعدا النّاحية اللي فيها الطريق اللي الدّموع رّسَمِته بالكُحل، واللي كان ناحية الجَبَل، وأنا علطول فِهمت إن دي إشارة بتقولّي إن هو دَه الطَريق!
***
الكَبش...
خَطوة، خَطوة، خَطوة...
كان أقصَر كابوس شوفته، لمّا بدأ كالعادة من بَعد ما سِمعت صوت الـ 3 خطوات، كانت صفحة الكابوس اللي فات اتقفَلِت زي اللي قبله، الطَّريق والبُحيرة اختفوا، وبقيت خلاص، واقفَة عند بداية الجَبَل.
مُش عارفة ليه حسّيت إنّي مبسوطة، أخيرًا هحقَّق فضولي القَديم، اللي كان عندي في أوّل الطريق، بصّيت لفوق؛ ولقيت إن قمّة الجَبل بقِت أعلى، ولا يِمكن عشان أنا قرَّبت وحسّيت قد إيه أنا صغيّرة جَنبه، بَس دَه مكَنش حاجِز بيني وبين إنّي أطلع.
بدأت أحِس برهبة مع أوّل خطوة، إحساسي بإن الأرض تَحت منّي بتتحرّك عكس اتجاهي وأنا بَطلع كان مُخيف، لَكن أنا حاسّة إنّي أتقَل من الأوّل، وبحاوِل أسحَب في إيدي حاجة وأنا طالعة، ولمّا بصّيت وانتَبَهت، لقيتني بحاوِل أسحَب كَبش!
صرَخت، ومعرفش هو ظَهر منين ولا وَصل عندي ازّاي، وازّاي أنا جَتلي الجرأة إنّي أسحَبه من قرونه وآخده معايا لفوق!
لكن زي ما أكون دَخلت فجوة زمنية، أنا لقيت نَفسي قطَعت المسافة ناحية قمّة الجَبل، من غير ما أحِس بالوَقت ولا بالمجهود، والغريبة إني طِلعت بالكَبش، واللي كان قدّامي على الأرض، بَس مَيّت!
***
ها..
-مُش هتقوليلي بقى إيه حكاية الجَبَل والبُحيرة والكَبش؟!
رغم إني عارفة إنه أقرَب حد منّي، لكن كُنت بهرب منّه، وكُنت بلوم نَفسي عن إن تفاصيل أحلامي خرَجِت من لِساني بدون ما أحِس!
***
صديقتي...
زي ما تكون آخر حاجة شوفتها في الكابوس هي نهاية الرّحلة؛ لأني بعدَها مشوفتش الكابوس تاني، لكن آثاره بدأت تتعِكس في الواقِع، أنا بقيت مُنعزلة جدًا، كارهة إني أتعامل مع حد أو حتّى أخرج، كُنت بَبكي كتير، وبَبُص للسَّقف وقت طويل جدًا، لَكن زي ما قولت في الأوّل، أنا بَخرج من الكابوس بأثر مادي معايا.
أنا بقيت بَسمَع خطوات وأنا صاحية، هي نَفس صوت خطواتي اللي كُنت بسمعها في الكوابيس، لكنّها بتراودني طول الوَقت وأنا مفتّحة عيني ومستوعبة كل حاجة حواليّا، كانت بتزرع جوّايا الخوف، واللي كان بيخوّفني أكتر، إني كل ما أسمعها؛ أحِس في رِجلي بنفس الألم اللي كُنت بحِس بُه في الكوابيس!
أنا قرَّرت مخلّيهوش يتدخّل في حاجة، واتصلّت بصديقتي ولجأت لها، وهي علطول سابِت اللي وراها وجَت عندي، ولمّا وصلت وقعدِت معايا في أوضتي حكيتلها بالتفصيل، وساعِتها سألتني...
-شوفتي الكوابيس دي ورا بعضها؟
قولتلها على الوَقت، وساعِتها قالتلي...
-إحنا لازِم نروح لشيخ!
كُنت خايفة، لكنّها كانت مُصرّة على رأيها وقالتلي...
-هو لو كابوس وراح لحاله ماشي.. لكن يقلِب حياتِك كده يبقى في حاجة غلط.. ولازِم نعرفها.
***
الشِّيخ...
مُش هعرف أقول عن المَكان لأني معرفش اسمه؛ لكن هو كان قرية بعيدة، البيوت فيها بسيطة، حتّى بيت الشِّيخ كان مبني بالطّين، ودَه اللي خلّاني أخاف منّه، لَكن صديقتي هي اللي كانت وخداني هناك، وهي اللي كانت بتتصرّف في كل حاجة.
إحنا قعدنا في أوضة، وبمجرد ما الشّيخ شافني فهِم القصّة، ولمّا صديقتي بدأت تتكلّم قالّها...
-هي باين عليها كُل حاجة.. ربنا يزيح إن شاء الله!
أنا مكُنتش عارفة إيه اللي ربنا هيزيحه، لكن اللي أنا فهماه كويّس إني مُش كويّسة، وخايفة، حتى خايفة من الشّيخ، ومقدِرتش أخاف من صديقتي عشان جابتني هِنا، لأن لو وصلت للنقطة دي؛ يبقى وصلت للانهيار!
في الأوّل الشيخ طلب منّي أقعد نَفس قعدة اليوجا، قعَدت من غير ما أناقش، بعدَها طلب منّي أغمّض عنيا، وآخد نَفس عميق وأخرّجه بالرّاحة، وأنا بقول مع كل نَفس...
-سلامٌ قولًا من ربٍّ رَحيم.
مُش عارفة ليه لمّا بدأت أنفّذ ده، شوفت تفاصيل الكوابيس قدّامي، أنا كُنت بتفرّج على نفسي بالتصوير البطيء، حتى التفاصيل اللي كانت ساقطة من ذاكرتي شوفتها، بدأت أبكي؛ لكن الشّيخ كان بيمنعني من إني أعمل دَه، وكان بيطلب منّي أكمّل.
الوقت كان قبل صلاة الجمعة، وبعد ما خلّصت اللي الشّيخ طلبه منّي وبدأت أفوق من الغيبوبة اللي كُنت فيها، الشّيخ بدأ يفسّرلي اللي شوفته، فهِمت من كلامه إن الجبل يعني خير، نجاح ممكن يتحقّق، والبُحيرة يعني مَال، لكن تفسيره للكَبش كان أغرب حاجة سمِعتها، لمّا قال إن الكَبش شاب!
علطول افتكرته، لكن حسّيت قلبي بيتقبِض لمّا الشّيخ قال...
-وموت الكَبش فوق الجَبَل معناه إن عُمره قصيّر!
أنا بَكيت غصب عنّي، ومحدّش عارف أنا بَبكي ليه، لكن لقيت الشّيخ بيقول لصديقتي...
-أنا هصلّي الجمعة وأرجع.. وهي هتكون بخير.. لكن خلّيها تكمّل على اللي طلبته منها.. ده وقت كويّس عشان ربنا يزيح.
أنا كمّلت بَس عشان إلحاح صديقتي، ولولا هي كُنت هربت من هِنا، لكن مع كل نَفس كُنت باخده شوفت الكابوس بتفاصيله من تاني، لحد ما بوصل عند آخره، لكن في المرّة دي أنا مكُنتش بسحَب الكَبش وبطلع به قمّة الجَبل، أنا كُنت بسحبه هوّ من إيده!
لحد ما عدّيت بنفس الفَجوة من تاني، ولقيت نَفسي فوق الجَبل، وهو كان واقِف قدّامي، كُنت ببُصّله ومبسوطة إنه واقِف قدّامي، لكن نسيت إنّي في كابوس، كُل حاجة فيه لازِم تكون مُخيفة، وصدّقت دَه لمّا لقيت إيد من دُخان بتقرّب منّه، وبمجرد ما لمَسِته، وقَع على الأرض قدّامي مَيّت، وبعدَها اختَفى!
أنا دخلت في مرحلة انهيار عُمري ما وصلتلها، بقيت أبكي وأصرخ، في اللحظة دي كان الشّيخ بيدخل علينا الأوضة، وأوّل ما شافني في الحالة دي لقيته بيسحب عصاية وبيبدأ يضربني على مفاصلي! وساعِتها الخوف اللي جوّايا زي ما يكون فَصَل روحي عن جِسمي، أنا واقفة شايفة نَفسي وأنا قاعدة في الأرض بَنهار، زي ما أكون في حالة إسقاط نَجمي وقادرة أشوف كُل حاجة من برّه نَفسي، لَكن الأغرب من كُل دَه، إني لقيته ورايا، كان واقِع في الأرض بنفس الطريقة اللي وقع بِها فوق الجَبل في الكابوس قبل ما يِختِفي، وساعِتها برضو، كانت الإيد اللي من دُخان بتسحبه بعيد!
في اللحظة دي، أنا حسّيت برعشة، بعدَها فقدت الوَعي، لكن مكَنش فُقدان وَعي كُلّي، أنا كُنت سامعة الشّيخ وهو بيقول لصديقتي...
-هي خلاص كِدَه بقت كويّسة!
أنا كُنت منتظرة اللحظة دي من زَمان، وهي اللحظة اللي كُنت مسنودة فيها على صديقتي، وإحنا خارجين من بيت الشّيخ!
***
هو...
كُنت خايفة عليه، أو خايفة مقدرش أتحمّل لو جراله حاجة، لو يعني صَدَق إن تفسير الشيخ للكوابيس صَحيح، عَشان كِدَه قرَّرت إني أختِفي من قدّامه وأراقبه من بَعيد بدون ما يِعرفني، لكَن قبل ما أعمل دَه، كان واصِلني منّه رسالة، شوفتها من برّه ومردّتش عليها، كان بيسألني فيها...
-مُش هتقوليلي بقى إيه حكاية الجَبَل والبُحيرة والكَبش؟!
***
تمّت...