آخر الموثقات

  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  • إيران من الداخل بعد الحرب.. 
  • معضلة فهم الحرب على إيران
  • نصر سياسي ايراني
  • قصة قصيرة/ وصاية الظل
  • ق ق ج/ سرُّ الشجرة والقوس
  • قليل من الحياة
  • حين كنت تحبني سرآ
  • رفاهية الضياع
  • وفتحوا المكاتب تخصص جديد
  • يمكن الطريق موحش!
  • الخلل
  • لا أعيش مع بشر
  • اسئلة عقدية خليلية 
  • جرح الكلمات
  • الصالونات الثقافية ...... هل هي بدعة جديدة ؟
  • الحب الصحي
  • المولوية
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شحاتة
  5. خيانة ميت "ماركت مروان 2"

 

"1"

الضَّلمة...

أكتر حاجة وَجعاني إنّي خرجت من الدُّنيا وأنا على خلاف مع "مروة"، أنا عارف إنّها حد غبي جدًا في خلافاته، لكن مكنتش متوقّع إنّها تظلمني الظُّلم دَه كُلّه.

 

والأكتر من كُل دَه، إنّي اتمنعت بعد ما جيت العالم دَه من إنّي أشوفها، رغم إنّي فضِلت فترة طويلة أروح اطّمن عليها، لكن دلوقتي معدتش عارف أعمل دَه، وأنا من خِبرتي هنا عرفت إن دَه مبيحصلش إلا لو الإنسان اللي انت عاوز تروحله معدش بيفكّر فيك!

 

من ساعِتها وأنا مُش عارف إن كُنت قاعد ولا نايم، أنا كُل اللي حاسس بيه نار بتحرق في قلبي، زي ما يكون اتحَكم على قلبي إنه يدخُل جهنّم، يعني في الأوّل كان تفكير "مروة" فيّا هو التصريح بإنّي أروح اطمّن عليها، ودلوقت حذفتني من الذاكرة بتاعتها!

 

ماهي لو تِعرف أنا حالي هنا عامل إزّاي مُش هتقدر تحذفني من جوّاها، يعني كِدَه هي حكمت عليّا بالعذاب مرتين، مرّة لمّا ظلمتني قبل ما أموت، والمرّة التانية لمّا مَنعتني من إنّي أطَّمن عليها.

 

أنا مُش حاسس بالوقت هِنا، يعني مُش عارف أنا مطَّمّنتش عليها من امتى، لكن في الفترة دي مُش فاكر حاجة من الدُّنيا غير لحظاتي الأخيرة فيها، وَقت الحادثة لمّا اتقلَبت بالسَّيارة وجِسمي اتقطّع، مكنش مأثَّر فيّا الألم اللي حاسس بيه، قد ما كان مأثّر فيّا إنّي عارف إن كلها لحظات وهسيب الدُّنيا، يعني هَسيب "مروة"!

 

اللحظات دي حسّيتها وقت طويل، وقت مكُنتش شايف فيه غير ملامحها قُدّامي، والغريبة إنّها في الوقت دَه كانت بتضحك، نَفس ضِحكتها الباردة المُستفزّة لمّا تحب تبيّن إنه مُش فارق معاها حاجة.

-"مُحِب"!

 

أوّل مرة أسمع صوت هِنا، صوت غَريب مكَنش له مصدر واضح، زي ما يكون جاي من كُل الاتجاهات في نفس الوقت.

مكُنتش عارف ألتِفت لأي جِهة؛ لأن هِنا مفيش جِهات، لكن لقيتني بقول...

-أنت مين؟!

 

ولقيت الصّوت بيجاوبني...

-أنا مِرسال.. جايلك من الدنيا.

 

ياااه، الدّنيا!

على طول افتكرت الدُّنيا، وافتكرت أيامي مع "مروة"، أنا لحد دِلوقت مُش مستوعب إنّي اتحكم عليّا إنّي أبعِد عنها للأبد!

ولقيتني بسأل تاني...

-مِرسال من مين؟

 

في اللحظة دي الصوت كان بيتردّد بقوّة، وبيقولّي...

-أنا مِرسال، جايبلك خَبر عن "مروة" مُش منها.

 

أنا كُنت عاوز اتنِفِض من مكاني، النّار اللي بتحرق في قلبي زادِت، لدرجة إنّي حسّيت بقلبي بيطَقطَق زي حتّة خَشب النّار ماسكة فيها، لكن أنا هِنا لا حول ليا ولا قوّة، أنا حتّى جِسمي مش موجود، أنا مُجرّد روح محبوسة هِنا بتتعذّب عذاب محدّش يقدر يتخيّله، لكن لقيت نفسي بقول بصوت مهزوز...

-"مروة"!.. "مروة" مالها؟!

 

أنا حسّيت إن الصّوت بيستهزأ بيّا لمّا ضِحك ضِحكة غريبة، وهو بيقول...

-اطّمن.. هي بخير.. لكن مع حد غيرك يا "مُحِب"!

 

كُنت زي المجنون لمّا سِمعت اللي بيقوله، صَرَخت بعِلو صوتي وقولتله...

-يعني إيه مع حد غيري؟!

 

حسّيت إنّي بكلّم نَفسي، زي ما يكون الصوت ظَهر عشان يِفتَح عليا طاقة من جَهنّم، مُش كفاية اللي أنا حاسس به هِنا، حتّى فقدت صلاحية إنّي أدخل لعالمها اللي هو كان عالمي، التفكير جحيم خصوصًا لما تكون بتفكّر إنّك فجأة اتّاخدت من أحب إنسان على قلبك، أو هو اللي اتّاخد منّك، مُش هتفرق كتير، البُعد أيًّا كان مين السبب فيه موت، خصوصًا إني خرجت من الدنيا، و "مروة" بعيدة عنّي!

 

كان نفسي حد يفسّر لي اللي سمعته، لكن حسّيت إنّ قرون عدَّت عليّا لحد ما الصوت ظَهر تاني، وبدأ يقولّي...

-معادِتش بتفكّر فيك.

 

حسّيت بخضّة زي اللي كُنت بحسّها وانا عايش، ونَفس إحساس الوَجع اللي كان بيشقَّق قلبي، وأنا بقول...

-هي مين اللي معادِتش بتفكّر فيّا؟!

-"مروة" يا "مُحّب".

-مُستحيل.. "مروة" عمرها ما تنساني.

-الحي أبقى من الميّت، وانت دلوقت بالنسبة لها واحد كان موجود في عالمها وراح عالم تاني، عالم البَرزخ يا "مُحب"، الأجساد بتنتهي والروح بتفضل متعلّقة فيه.. انت مجرّد روح ممنوعة من إنها تُخرج من العالم اللي اتكتب عليها تعيش فيه لحد ما ربنا يأذن.

-بَس أنا كُنت بزورها، وبطّمن عليها.

-عشان كانت بتفكّر فيك، دلوقت خلاص.. مكانك بقى لغيرك.

 

مُش عارف هفضل محبوس في العالم دَه لحد امتى، عالم مفيهوش غير ضلمة وتفكير في أكتر حاجة بتعذّبك، وزي ما يكون القَدر اختار أقسى عقاب عشان يعاقبني به، اختار الغيرة!

 

مُش ناسي لمّا تخيّلت إنّي قتلت الويتر لمّا افتكرت إنه بيعاكسها في ماركت مروان، أنا كُنت زي المجنون عليها، ليه دلوقت أعرف إنها بقت مع غيري وبإرادتها، وأنا محبوس هنا لا حول ليا ولا قوة!

 

أنا كُنت بقدر أروحلها عشان كنت لسّه شاغل تفكيرها؟ إيه اللي اتغيّر عشان مخطُرش على بالها، وأفضل هِنا مُش عارف أخرج؟!

 

أنا حاسس بحاجة غريبة، ليه مبفتكِرش من شريط حياتي كُله غير "مروة"؟! يمكن عشان هي حياتي كلها؟! وروحي طلعت وأنا بفكّر فيها، وياترى إيه اللي منتظرني في الضلمة دي، وأنا عارف إن معدش فيه مجال للخروج من هنا للأبد؟!

 

بس أنا مُش هسكت، أنا لو مُت في نظر الناس كلها المفروض إني أفضل عايش جوّه "مروة"، الحب اللي حبيتهولها يستاهل ده، أنا لازم أقدر أروحلها تاني، لازم!

 

الصراع جوايا كان مُميت، لو لسه عايش كنت قتلت نفسي؛ عشان أخلص من الألم اللي أنا حاسس به دلوقت، لكن أنا أصلًا ميّت، هخلص من الإحساس ده إزّاي؟!

فين العالم اللي بعد ده عشان أروحه؟!

 

الخنقة بدأت تزيد، وبحس المكان بيضيق عليّا، ولأوّل مرة بحس بجِسمي من فترة طويلة، بس زي ما أكون سامع صوته وهو بيطقطق، عضمي كله بيدخل في بعضه، لو صرخت بكل قوتي مش هعرف أعبر عن شدة الألم، الجو حواليّا بيسخن، زي ما أكون دخلت فُرن والع من سنين، لكن كل ده مكَنش هاممني، أنا كل اللي بفكر فيه هو إني ازّاي أقدر "أتواصل" مع مروة من تاني، حتى لو عن طريق حِلم.

 

فكّرت أستعين بالصوت لو كلّمني تاني، وانتظرت وقت طويل جدًا لكن مسمعتوش، حاولت أستدعيه بأي طريقة متاحة عندي، بدأت أتكلّم وأصرخ...

-انت فين؟!.. جبتلي خبر عن "مروة"، وسيبتني لعذاب محدّش يتحمّله.. ليه؟!

 

واتفاجئت إن الصوت موجود وبيرد عليّا، وكأنّه مكَنش غايب من مدة طويلة...

-أنا موجود معاك على طول.. مُش بسيبك.

-أنت مُش هنا بقالك فترة.. سمّعتني أسوأ خبر ممكن أسمعه، واختفيت.

-متحسبش الوقت هنا يا "مُحب"، هنا مفيش وقت.. السنة زي الثانية، كُله محصّل بعضه.

-ازّاي اتواصل مع "مروة"؟

-هيفيد بإيه تواصلك معاها؟ هي لا شيفاك ولا حاسة بيك، انت حتى تكوينك بقى غير تكوينها، هي بشر، لسه عايشة على وش الدنيا.. إنما انت انتهيت، جسمك اتحلل.. مبقاش فاضل منك غير روح متعلّق فيها أفكارك وأحاسيسك اللي مخوّفاك، ربطاك بالحاجة اللي كُنت متعلّق بيها في الدنيا بس.. "مروة" مُش هتحس بيك تاني.

-أنا مُش عاوز أسمع الكلام ده، كُل اللي عاوزه تعرف إنها سبب عذابي هنا، وإن حتى الموت خد حياتي، لكن معرفش ياخد حبّها منّي، لازم "مروة" تعرف إنّي موجود.

-أنت فعلًا موجود، بَس موجود هنا يا "مُحب"، واللي موجود هنا مبيبقاش موجود بالنسبة للي لسه هناك.

-اتصرف.. ساعدني إزّاي أتواصل معاها؟

-أنت مش هتقدر توصلها زي الأول إلا لو هي رجعت تفكّر فيك تاني، ساعتها هتاخد تصريح بزيارتها من جديد.

***

 

"2"

مكَنش قدامي غير إني أطلب من الصوت يشوفلي أي طريقة، دا بعد ما قضّيت فترة انتظار من ساعة ما خلّصت كلامي معاه حسّيتها أصعب من اللي شوفته في حياتي كلها، وزي ما تكون الحالة اللي أنا فيها أثّرت فيه، لقيتني بتكلّم وبقولّه...

-كُل دَه مخطَرتش على بالها! لحد دلوقت مش قادر اوصلّها..!

كان بيرد عليا بصوت هادي، وهو بيقول...

-انت شايفني مجرد صوت، بَس أنا عملك الخير، أنا كُل حاجة انت عملتها كويّسة في دنيتك، حلقة الوصل بينك وبين اللي انت بتحبّهم واتمنعت منهم.. أنا لمّا بلّغتك بخبر "مروة" مكنش قصدي انّك تتألّم، لكن هو ده القانون هنا.. لازم كُل واحد هنا يعرف إن اللي كان بيخصّه في الدّنيا معدش بيخصّه.. الدُّنيا غدّارة يا "مُحب"، ومش كُل الناس بتفضل ماسكة في وعودها، فيه ناس لما بيروح الشخص من قدامها بتنسى وعدها له، وفي ناس هنا من قلبك.. عاوز أقولّك إنهم لحد دلوقت مسمعوش الخبر اللي انت سمعته، ولا حسّوا بالعذاب اللي انت حاسس به دلوقتي، بيقضّوا الفترة بتاعتهم في العالم ده مرتاحين.

 

حسّيت إن كلامه طمّن قلبي شوية، فقولتله...

-طالما انت عملي الطيب يبقى تقدر تساعدني.

-هساعدك.. لكن أنا خايف مساعدتي لك تضرّك.

-أنت مُش قولت إنّي انتهيت واتحلّلت، هتضرني ازّاي؟ هو في ميّت بيتضرّر؟

-الميت يا "مُحب" أكتر حد بيتضرّر؛ لأنه مبيفضلش منّه غير الروح.. والروح ضعيفة من غير وعاء يحميها، بُص لحالك وللعذاب اللي انت فيه، وانت تلاقي إجابة سؤالك.

-أنا لازم أروحلها..

-هتروح، بس روحك هي اللي هتتحمل عواقب تصرّفاتك.

أنا مكنتش عارف ليه بيقولّي كده، ولا إيه التصرّف اللي ممكن يعمله واحد ميّت، لكن بما إنه عملي الطيب يبقى كان معايا، وشاركني هواجسي والأحداث اللي مرّيت بيها لمّا كنت بزور "مروة" أول ما جيت العالم ده، أكيد عارف إن واحد مجنون في غيرته زي حالاتي وعنيف ممكن يرتكب أي جريمة، أي نعم الجريمة مش هتبقى ملموسة في الواقع هناك، بس أنا هحس بكل أركانها، هيبقى بالنسبة ليا ارتكبتها بجد، يمكن ده خوفه عليا من الشعور اللي ممكن أعيشه بعد أي حاجة هتقابلني.

 

لكن أنا مُش هاممني أي حاجة، كل اللي هاممني إني أقدر أوصلّها تاني.

 

المكان بيتغيّر من حواليا، الضلمة بتنكسر، أوّل مرة من فترة طويلة أحس إن فيه هوا وإني بتنفس، افتكرت أيام ماكنت عايش، لقيتني واقف في مكان فاضي زي ما تكون صحرا، بس الأرض تحتي مُش كاملة، كانت صخور عايمة في بحر حِمم، والجبال حواليا من كُل ناحية، صخورها كأنها كُتل نار، وأنا واقف فوق صخرة يادوب واخدة رجلي، وبحاول أحفظ اتزاني عشان خايف رجلي تفلت، وأسقط في النار اللي تحت منّي.

 

وفجأة بنزل على ركبي لمّا الصخرة اتهزّت من تحت رجلي، ولقيتني بقرّب من النار، صورتي بدأت تنعكس عليها، وزي ما تكون النار اتحوّلت لمية لونها أحمر، وبدأت أشوف نفسي، ياااه من زمان مشوفتش ملامحي، أنا مُش فاكر شكلي كويس، بس أنا ليه ظاهر بالمنظر ده؟!

 

شعري منكوش بطريقة غريبة، كان عليه تُراب كتير، كأني طالع من تحت الأنقاض، وشي أصفر، عينيا داخلة لجوة، قرّبت إيدي من وشي وبدأت أدقق فيها، جلد إيدي مكرمِش ولمّا بدأت أدقق أكتر في صورتي اللي معكوسة على النار لقيت جلد وشي مكرمِش زي إيدي، بدأت أدقق في هدومي اللي كانت يادوب ساترة جسمي، برغم إنّها كانت مقطّعة ومبهدلة!

 

أنا اتخضيت من منظري، لكن الخضة الأكبر لما بدأت الصخرة اللي أنا واقف عليها تتهز تاني تحت رجلي، كأنها بتعوم في الحِمم اللي هي فيها، كُنت خلاص هسقط في النار، حاولت أتماسك على قد ما اقدر، لكن النار بدأت تبقى زي الزيت المغلي، اللي بدأ يغلي بطريقة مخيفة ويطرطش عليا، كُنت بتحرق وبصرخ، أنا مشوفتش فزع زي ده قبل كده، بدأت أصرخ من تاني...

-أنا إيه اللي جابني هنا؟!

 

ولقيت الصوت بيرد عليا، وبيقولي...

-اهدا.. كُل اللي انت فيه ده حِلم "مروة" شيفاك فيه دلوقت!

 

أنا مكُنتش مستوعب اللي سامعه، بس لقيتني بقوله...

-أنا مُش عاوزها تشوفني في الحالة دي!

-للأسف مش هينفع تشوفك غير كده؛ عشان تبدأ تفكّر فيك من تاني وتشغل بالها، وتحس إنّك بتعاني محتاج حد يدعيلك، يفتِكرك بصدقة المهم إنها تفكّر فيك من وقت للتاني؛ عشان تقدر تتواصل معاها، وتلاقي منفذ تروحلها منّه.

 

وفجأة كل اللي حواليا اختفى، والجبال اللي زي النار والصخور والحِمم، حتى الفزع اللي كُنت حاسس بيه راح، والضلمة رجعت تبلعني من تاني، ومعاها الصوت وهو بيقولّي...

-حلمها بيك خلص، تقدر تروحلها من دلوقت.

 

كلامه الأخير نزل عليا زي المية لما بتروي حلق واحد عطشان، أي نعم إحساس إنّها معادتش ليّا قاتل، بس كفاية إنّي هشوفها تاني قدامي!

 

الضلمة بتنكسر من تاني، وريحة الجو بتتغير، بدأت أحس بريحة الريف، وأسمع صوت ناس بتتكلم، خطوات رايحة جاية، صوت تكاتك ودوشة، حاجات كتير كنت مفتقدها من ساعة ما روحي اتحبست في العالم ده، وفجأة بدأت تظهر من حواليا بيوت، وشارع، وناس، المكان مش غريب عليا، أنا قدام ماركت مروان!

 

الأحاسيس جوايا كانت متلخبطة، كانت أغرب من اللي متعود عليها، مش مصدق إني رجعت تاني، خصوصًا في المكان اللي قابلت فيه "مروة" أوّل مرة، أكتر مكان هي متعلقة بيه، وأنا اتعلّقت بيه عشان هي بتحبه، وأكيد طالما ظَهَرت هنا يبقى هي بتفكر فيا، وهي جوّة.

 

أنا أوّل مرة أحس بجسمي من فترة طويلة، أنا قادر أمشي برغم إني مش حاسس بالأرض تَحتي، بدأت آخد خطوة والتانية، الرعشة بتهزني وأنا بقرّب من باب الماركت، إحساس إني هقابلها بس كان كفيل يخليني معرفش أسيطر على نفسي.

 

دخلت من باب الماركت، وأول حاجة عملتها هي إني روحت عند السلّم اللي بيطلّع على الكافيه اللي فوق، فكرة بس إني لما أطلع هلاقي "مروة" قاعدة على نفس الترابيزة خلّتني أحس إن السلّم مسافة محتاجة سنين عشان أقطعها، لكن أنا كنت عامل زي اللي بيسابق الزمن، كُنت بختصر الوقت وأنا بجري على السلم وطالع، لحد ما وصلت لفوق.

 

كل حاجة كانت زي ما هي، الديكور، الترابيزات، المكان مكنش زحمة، حتى لسه بيقدموا السّكر في صناديق خشب صغيّرة، والساعة اللي متعلقة على الحيطة، لمّا بصّيتلها كان العقرب واقف على واحدة بعد الضُّهر، واللي فاكره إن الساعة كان فيها تاريخ، اللي أول ما شوفته اتصدمت!

 

أنا عرفت من التاريخ إن بين آخر مرة تواصلت فيها مع "مروة"، وبين اللحظة اللي أنا فيها دلوقت يادوب شهر!

 

التاريخ كان صدمة بالنسبة ليا، المفروض إن الزمن منعدم في حياة البرزخ في العالم اللي أنا روحته، طيب ليه أنا حسّيت بالشَّهر ده وكأنه قرون، يمكن عشان أنا بحسب كل ثانية في بُعدي عن "مروة"؟! فعلًا الوقت كان بيعدي عليا في غيابها بطلوع الروح، دا إذا كان بيعدّي أصلًا، كُنت بتخانق معاها كتير على بُعدها عني، وأكيد شهر غياب عنها وأنا روحي محبوسة في عالم تاني مفتقد فيه القدرة إني أعمل أي حاجة لازم يعدّي عليا بالعذاب ده.

 

ولقيتني بوقّف تفكير فجأة، حتى الهواجس الي كانت جوّايا راحت، كُنت قادر اسيطر على خوفي وأنا عيني بتروح ناحية نقطة النور اللي جاية من آخر الكافيه، قلبي بدأ يرتجف، النور ده مش غريب عليا، كان إحساسي عامل زي الأرض اللي اتشقَّقت من العطش، وفجأة نزل عليها المَطر، صوتي كان مخنوق بالدموع وأنا بقول...

-"مروة"!

 

أخيرًا شوفتها بعد غياب شَهر، لسّه زي ما هي متغيّرتش، أنا كنت عارف إنها مختلفة عن كل الناس، كُنت حاسس إنها شعاع نور ماشي على الأرض، وبعد ما خرجت من الدنيا وروحت للعالم التاني بقيت قادر أشوف النور اللي حواليها فعلًا، لكنها قاعدة لوحدها، سرحانة في التليفون، مفيش أي حاجة اتغيّرت، أومال إيه اللي قالهولي الصوت اللي بسمعه هناك ده؟!

 

معقول "مروة" لسه بتحبني؟ لسه بتفكّر فيا؟ وياترى هي بتبص في تليفونها على صفحتي على الفيس بوك دلوقت؟ بتفتكر ذكرياتي معاها؟ ولو لسه بتفكر فيا ليه كنت ممنوع من إني أوصلها؟!

 

بدأت أقرّب منها، مع كل خطوة كنت بحس بشعور مختلف، عيني منزلتش من عليها، لحد ما بقيت واقف قدامها، ولقيت نفسي بسألها...

-ليه يا "مروة"؟!

 

أنا عارف إنها مش سمعاني، ولا حاسة بوجودي أصلًا، مفيش حد بيحس بوجود روح متعلقة بيه وموجودة جنبه، أو ممكن أصلًا يصدق إن فيه حد بيحب حد لدرجة إن روحه بتعافر عشان تيجي الدنيا تشوفه حتى بعد ما صاحبها مات وانتهى.

 

كان نفسي تكون سمعاني وتجاوبني، ليه مفكرتش فيا الفترة دي كلها؟!

 

لكن اللي بيحصل دلوقت على قد ماهو صادم بالنسبة ليا، على قد ما كان بيجاوبني على سؤالي.

 

أنا شوفت الويتر اللي تخيّلت إني قتلته لمجرد إني اتهيّالي إنه كان بيعاكسها، كان جاي ناحية الترابيزة اللي هي قاعدة عليها، كنت فاكره جاي يشوف طلباتها إيه كالعادة، لكن اتفاجئت إنه بيسحب الكرسي اللي قدامها وبيقعد!

 

وساعتها رفعت وشّها من التليفون، وبدأت تبتسم وهي بتقولّه...

-أخبارك إيه النهاردة؟

 

أنا كُنت واقف مذهول، عارف انت الصدمة لما تخليك تلعن الدنيا باللي فيها، وتلعن نفسك، وتلعن روحك اللي متعلقة بحد وبتعافر عشانه في حين إنه بينساك في أيام بسيطة، ويكون مع غيرك؟ ومتعلقة بحد ميعرفش إن الحب لو صادق بيفضل عايش حتى لو الإنسان مات، أهو أنا بقى دلوقت بلعن الدنيا ومافيها، ونفسي أرجع للعالم اللي روحتله من تاني، واتحِبس هناك للأبد، أي إحساس هناك أكيد هيكون أهون بكتير من اللي أنا حاسس بيه دلوقت، وأهون من اللي أنا شايفه قدامي، لكنّي انتظرت شويّة لأن الويتر بدأ يتكلّم، ويرد على سؤالها وبيقولّها...

-أنا بخير، انتي اللي عاملة إيه؟!

-أنا تمام.

-اتأخرتي ليه النهاردة؟

-كان عندي مشوار.

-خير يارب! مش من عادتك انك تروحي مشاوير.

-فيه واحد معرفة متوفي من أكتر من سنة، حلمت به امبارح حلم مش كويس، قولت أكيد هو في ضيقة، ومحتاج حد يطلع على روحه صدقة.. روحت لناس غلابة عطيتهم اللي فيه النصيب، صدقة على روحه ترفع عنه العذاب اللي هو فيه.

 

ياااه، أنا مُش قادر اتخيّل إن اللي بسمعه ده حقيقة، اتمنيت لو كانت هواجس زي الجريمة اللي تخيلت إني ارتكبتها قبل كده، لكن لقيت الويتر بيرد عليها وبيقولّها...

-فيكي الخير.. ربنا يرحمه!

***

"3"

واحد معرفة! أنا بقيت عند "مروة" مجرد واحد معرفة؛ عشان هي سمحت لإنسان ياخد مكاني؟! مستكبرة تقول إني كنت حبيبها! خايفة إنه يزعل ويسيبها؟!

 

دلوقت عرفت ليه الصوت كان بيحذرني إني أرجع، برغم كده كان عندي أمل إن اللي شايفه وسامعه ده يكون هلاوس، كان كل تفكيري إني لو رجعت، واتحبست في العالم التاني مرة تانية، ومقدرتش أرجع هيكون حالي إزّاي بعد اللي أنا شايفه ده؟!

 

إحساس فظيع وأنا شايفه بيبُص لعيونها، وهي بتبتسم بخجل وبتحط وشّها في التليفون، واللي زوّد العذاب اللي حاسس بيه لما لقيت الويتر بيقولّها...

-قوليلي بقى.. هاجي اتقدّملك امتى؟

 

أنا كُنت مستني أسمع منها أي كلمة رفض، لكن لقيتها بتقولّه...

-استنى لمّا أهيّأ الجو في البيت عندنا، وبعدين اقولّك تيجي.

 

مفيش أبشع من كده، إزّاي الناس عندها القدرة اللي تدوس بيها على حاجات مينفعش يتداس عليها، دي حتى كانت بتقولّه إنها راحت تطلع صدقة على روحي يمكن تكون سبب في إنها ترفع عني العذاب اللي أنا فيه هناك! مين يقدر يوصّلّها إنها السّبب في العذاب اللي أنا فيه هناك مش حاجة تانية.

 

أنا حاسس بحاجة مكُنتش حابب إنها تكون موجودة، نفس الكائن العنيف المفترس اللي جوّايا واللي كان بيظهر في وقت ما اكون غيران عليها، كُنت فاكره مات وانتهى، لكن أكيد هو متعلق بحبي ليها، وبما إن حبي ليها مماتش فأكيد هو كمان عايش.

 

كُل خوفي من إنّي أكرَّر الجريمة اللي ارتكبتها قبل كده، ما يمكن اللي حصل كان بينبّهني إن ده ممكن يتكرَّر تاني، ويكون بشكل حقيقي مش مجرد تهيؤات، إحنا يا ما سمعنا عن أرواح انتقمت من ناس لسه عايشة، يمكن في مرّة أوصل إنّي أقدر أعمل كده.

أنا خايف من نفسي ومن غيرتي، وواقف بسأل نفسي سؤال، هي تستحق الحب والغيرة دي؟!

 

وكالعادة دايمًا قلبي بيغلبني، أنا لقيتني بجاوب نفسي، وبقول لو هي متستحقش فاللي في قلبي ليها يستحق!

 

دلوقت عرفت ليه الصوت كان بيحذّرني إني آجي أطمن عليها، ولحد اللحظة الأخيرة تمنيت اللي شوفته يبقى تخاريف، يمكن أنا لمّا قتلت الويتر في خيالي كان إحساس بإني ممكن أعمل كده فعلًا في يوم من الأيام؟

 

الصدمة كانت لسّه مسيطرة عليا، وأنا سامع الويتر بيرد عليها، وبيقولّها...

-خلاص انتي بتيجي هنا كل يوم، وأنا هنتظرك تقوليلي آجي امتى!

 

بعدها قامت من مكانها وابتسمتله وهي ماشية، ابتسامتها له كانت زي النار اللي طلعت من الأرض، وبدأت تاكل جسمي واحدة واحدة، وأنا مفيش في إيدي حاجة غير إني أتألّم وأنا ساكت، كمّلت طريقها لحد السلّم ولقيت نفسي بكمّل وراها، نزلت السلم وأنا نزلت، لحد ما بقينا قدام الماركت في الشارع، وكانت بتتكلّم في التليفون، واللي كان الضربة القاضية بالنسبة ليّا إنها كانت بتكلم الويتر، كانت بتقولّه...

-كنت عارفة إنك هتفضل معايا على التليفون لحد ما أوصل!

 

ياااه، نفس اللي كنت بعمله بالظبط، أنا فاكر إني كنت بفتح عينيا عليها وأغمضها عليها، كانت معايا في شغلي وطريقي، كانت مشاركاني كل تفاصيلي ومشاركها كل تفاصيلها، معقول كل ده ببساطة كده يتنقل لحد تاني؟!

 

فضلت واقف لحد ما شاورت لتوكتوك، ولما وقف قدامها عشان تركب لقيت نفسي بلف من الناحية التانية وبركب جنبها، كُنت بفكّر في طريقة امنعها من إنها تعمل كده، وتقريبًا هي بتفكر فيّا عشان كده لحد دلوقتي، أنا مش قادر ارجع للعالم اللي بقيت فيه، معقول هتحبس في الدنيا هنا طول ما هي بتفكر فيا عشان أشوف أكتر حاجة ممكن أكون بتعذّب بيها؟!

 

أنا كُنت سامع كلامها معاه في التليفون، لحد ما قالّها...

-طيّب هستأذنك دلوقت عشان فيه حاجة مهمة في الشغل.

 

ساعتها قفلت المكالمة معاه وبدأت تقلّب في التليفون، ولقيتها بتفتح النوتس، "مروة" كانت كاتبة مذكرات عنّي، تقريبًا عن الشهر اللي أنا مكنتش عارف أتواصل معاها فيه، ولمحت فيها حاجات مكتوبة زي اعتذار، ياترى بتعتذر عن إيه؟!

 

هي فاكرة لمّا تعتذر إني هكون مرتاح في العالم بتاعي؟ وياترى ممكن ييجي يوم، وتظلمه زي ما ظلمتني، ممكن تطبّق عليه تفكيرها اللي بيدوس على أي حاجة لمجرد إنها ماشية ورا هواجسها؟ هي عملت معايا كده، وكانت النتيجة إيه؟ إني خرجت في يوم الصبح، وفتحت على الطريق والعربية اتقلبت بيّا وجسمي اتقطع، وجيت من آخر بلاد الله في تابوت واتحطّيت جوّه قبر ضلمة، ورغم كل ده مكنش قدامي ساعتها غير صورتها، وبعد ما اتحسبت على العالم التاني بقيت مربوط بالدنيا عشانها، وهي بالبساطة دي بتبيع كل حاجة!

 

كانت لسه بتقلّب في تليفونها، وأنا قاعد جنبها فاكر الطريق اللي كنت بمشي عليه معاها، كُل حاجة بنعدّي عليها كانت بتفكّرني بموقف أو بكلمة أو بحاجة بينا، وفي الآخر لقيتها بتدخل صفحتي على الفيس بوك، لسه نفس الصورة بالشارة السودة موجودة، كانت بتبصّلها بمشاعر جامدة مفيهاش أي تعبير، واتفاجئت بأسوأ حاجة ممكن أشوفها، "مروة" كانت بتعملّي أن فريند!

مُش كفاية إني اتلغيت من الدنيا كلها، قلبها طاوعها إنها تلغي صداقتي! شكلها عايزة تدخل دنيا جديدة، وهي نسياني وناسية أي حاجة منّي، لكن أنا قرَّرت إن دَه مش هيحصل.

 

لكن أنا سامع صوت، صوت مش غريب عليا، الصوت ده كان بيقولّي...

-ارجع عن اللي في دماغك.

 

كان الصوت اللي بيكلّمني، وأنا روحي محبوسة مش عارف أتواصل مع "مروة"، استغربت إزّاي قدر يوصلّي هنا، فقولتله...

-أنت إزّاي بتكلمني دلوقت؟

 

لقيته بيضحك وبيقولّي...

-متنساش إنك جاي الدنيا زيارة وراجع، أنت أصلك هناك مش هنا.. حابب بس اقولّك إن دي زيارتك الأخيرة للدنيا.

 

الكلمة كانت زي الكرباج اللي نزل على صدري، عشان كده لقيتني بقولّه...

-معقول مروة مش هتفكر فيا تاني للأبد؟!

 

لكن الصوت مردّش عليا، اختفى ومكَنش هاممني إنه يختفي أو يظهر، كل اللي يهمّني دلوقت إنّي مع "مروة"، والطريق قرّب يخلص، وكان لازم امنعها بأي طريقة، وهفضل أحاول آجي الدنيا كل ما أقدر عشان أخلي محاولاتها في إنّها ترتبط بحد غيري تفشل، حتى لو هعمل أي حاجة.

 

والطريق انتهى والتوكتوك وقف، ونزلت معاها لمّا نزلت، وطلعت وراها البيت، أنا مُش عارف ليه عملت كده، لكن حالة الجنون اللي أنا فيها كانت هي اللي بتتصرّف مُش أنا، بس حاجة كانت بتدفعني إنّي أعمل كده، وفعلًا كنت على حق، أنا لقيت "مروة" أول ما دخلت البيت لقت باباها قاعد، سلّمت عليه وقعدت جنبه، ولقيتها بتقولّه...

-بابا أنا عاوزاك في موضوع.

 

لقيته بيبتسم وبيقولّها...

-خير يا "مروة".

-أنا فيه واحد عاوز يتقدّملي.

 

أنا زي ما أكون وقعت من فوق جبل على أرض كلها شوك، لكن كان أملي الأخير إن أبوها يرفض، لكن لقيته بيستفسر منها، وبيقولّها...

-مين الشَّخص ده؟

-واحد بيشتغل ويتر في كافيه ماركت مروان.

 

انتظرته يقولّها إنه مُش مناسب أو أي حاجة، لكنّي لقيته بيقولّها...

-تعرفيه من امتى؟

 

ولقيتها بتقولّه...

-تقريبًا من شَهر!

 

شَهر، يعني بمجرد ما اتعرّفت عليه نسيتني؟! دي نفس الفترة اللي روحي اتحبست فيها هناك، ومكنتش عارف أتواصل معاها! ولقيت أبوها بيقولّها...

-طيّب خلّيه ييجي، وإن شاء الله خير.

 

أنا كُنت عارف إنه هيوافق، ماهو لو رافض كان زمانه قالّها الموضوع مرفوض، أنا كُنت متّفق أنا وهي على الجواز برغم كل الظروف اللي حوالينا، كُنت مستعد أعمل أي حاجة، كانت دايمًا خايفة حد من أهلها يعرف قصّتنا، فجأة كده بتحكي مع باباها في إن واحد عاوز يتقدّملها بالسهولة دي؟!

 

الدُّنيا بتضلّم من حواليا، بَس أنا مرجعتش العالم اللي انا روحته، أنا لسّه في بيتهم، لكنّي اتفاجئت بإني واقف في الصالة، وباب أوضتها منوّر قدامي، كان نور غريب، مكنش نور لمبة أو أي حاجة شغّالة، دا نور زي اللي شوفته لمّا كان فيه بينا بوّابة وبدأت أتكلّم معاها، لمّا قالتلي انت إيه اللي عدَّاك من البوابة!

 

بدأت أقرَّب من الباب، ولمحتها نايمة على السرير، ورايحة في سابع نومة، كانت منوّرة زي ما اتعوّدت أشوفها في الفترة الأخيرة، ومكنتش عارف أنا إزّاي لسّه بشوفها كده، المفروض إنّ حد يبيع كل ده بسهولة إنّه ميكونش منوّر، لكن أنا لحد دلوقت مش قادر أشوفها بحاجة غير قلبي.

 

لمّا دخلت من باب الأوضة لقيت باب تاني، كان باب من نور، لمّا بصّيت منّه لقيته بيفتح على أرض لونها أخضر، السَّما فيها صافية، ولمحت "مروة" ماشية فيها، ولقيتني بدخل من الباب وبقرّب منها، أنا جالي إحساس إنها بتحلم بيّا وانّي دخلتلها الحلم، وأقدر اتكلّم معاها، عشان كده قولتلها...

-ليه يا "مروة"؟

 

لقيتها بتلتفِتلي وبتقولّي...

-"مُحب"!

-أيوة "مُحب" يا "مروة"، "مُحب" اللي قِدرتي تنسيه في يوم وليلة، ويكون فيه واحد مكانه.

-متحسبهاش كده يا "مُحب".. انت خلاص مبقِتش في الدُّنيا، والحي أبقى من الميت.. وأنا كده كده هييجي اليوم وهرتبط، دي سُنّة الحياة.

-مين قال إن سُنّة الحياة لازم تتسبّب في أذيّة حد كل ذنبه إنه حبّك؟ ومات وهو بيحبّك! مات عشان خرج في يوم، وكانت الدنيا ضلمة في وشّه لمجرد إنّك كنتي بعيدة عنّه!

-أنت عاوز تقول إنّي سبب في موتك يا "مُحب"؟!

-أنا لو مُت عشانك يا "مروة" ألف مرة مُش هكون زعلان، أنا زعلان من اللي هتعمليه.

-أنا خلاص كلّمت بابا، وهو منتظره.

-الويتر يا "مروة"؟! يعني لمّا اتخّيلت إني قتلته قبل كِدَه مكنش من فراغ؟!

-إيه اللي بتقوله ده! أنا مُش فاهمة حاجة.

-ولا هتفهمي، حد زيّك غبي مستحيل يفهم.

ولقيتها بتقولّي حاجة بمنتهى البرود...

-أنا خلاص يا "مُحب" كلّمت بابا، وهو هييجي وموافقة عليه.

 

ولقيتني خرجت من المشهد فجأة، المكان اللي كُنّا فيه اختفى، رجعت في أوضتها تاني، وهي نايمة رايحة في سابع نومة، كان كُل تفكيري إنّي أمنعها من إنّها تعمل كده، لكن ازّاي؟!

 

الكائن الأسود اللي جوّايا بدأ يظهر، اللي كُلّه غيرة وجنون وعُنف لمّا كان بيحس بغيرة عليها، والمرة دي مسيطرتش عليه، ولا خدت في اعتباري تحذيرات الصوت اللي كان بيحذّرني منها، أنا أطلقت له العنان لدرجة إني شوفته بينفصل عن جسمي، كائن على نفس هيئتي بالظبط لكن مفيهوش رحمة، بتحرّكه الغيرة وبس، كان بيدوّر في أوضتها، وأنا كُنت بحرّكه عن طريق الأفكار اللي كانت بتدور في دماغي، بدأت أفكّر إني آخد "مروة" العالم بتاعي، وكنت بسأل نفسي...

-معقول أخلّي الكائن الشرير اللي فيّا يقتلها؟!

ولقيتني بقول لنفسي...

-لا، أنا هخليها تنتحر.

 

أنا كُنت عارف إن "مروة" كان عندها ميول انتحارية، وحاولت تنتحر قبل كده، وكانت قايلالي إنها محتفظة بحبوب الغلة في دُرج من الأدراج، وكُنت دايمًا بقولّها تتخلّص منها لكنها بترفض، وكنت دايمًا بخاف عليها من إنّها تستخدمها في أي قرار غبي ممكن تاخده، عشان كده عيني كانت عليها على طول.

 

ولقيتني بفكّر في حبوب الغلّة، وممكن تكون شيلاها فين، وكان الكائن اللي جوايا، وانفصل عنّي بدأ يتحرّك ويدوّر في الادراج، ودُرج ورا دُرج لحد ما طلّع كيس مليان حبوب لونها رمادي، عرفت إن دي الحبوب، ولقيتني ببُص على الكومودينو جنبها، على كوباية الماية اللي عارف إنّها بتسيبها جنبها دايمًا عشان لو عطشت بالليل، وبدأت أفكّر في إني أدوّب الحبوب في المايّة، وفعلًا كان الكائن ده بينفّذ اللي بفكّر فيه، ودوّب الحبوب كُلّها في الكوباية، وبعد كده اختفى من الأوضة.

 

ووقفت عيني على "مروة"، وهي بتتقلّب من وقت للتاني، لحد ما لقيتها بتمد إيدها على كوباية المايّة، وبتاخدها وبتشرب منها والنوم في عنيها، ويادوب دقايق، وبدأت تصرُخ من الألم!

 

أنا رجعت فجأة للعالم بتاعي، مكُنتش قادر أشوفها وهي بتصرخ من الألم، ولا كُنت متحمّل أشوفها، وهي في آخر لحظاتها في الدُّنيا، أنا رجعت وأنا كان جوّايا يقين إنها هتحصّلني على هِنا، ودلوقت عرفت ليه الصوت كان بيقول إن دي آخر زيارة ليا في الدّنيا، عشان خلاص "مروة" كلّها شوية وقت وجاية هنا، وبكده معدش ليا حاجة في الدّنيا عشان اتعلّق بيها.

 

الضَّلمة...

الإحساس اللي اتعودت عليه، مفيش جهات ولا وقت، مفيش غير شوية أفكار بيدوروا، أنا رجعت تاني عبارة عن روح مالهاش جسم يحتويها، وكالعادة كُل تفكيري في "مروة"، وياترى هي فين دلوقت في العالم ده؟!

 

لحد ما لقيت الصوت بيتكلّم وبيقولّي...

-اطّمن يا "مُحب".. اللي بتحبّها بقت في العالم بتاعك.

 

كُنت حزين جدًا إنها فقدت حياتها، بَس أكيد كنت هفضل حزين أكتر، وأنا عارف إنها مع غيري، ومستحيل كُنت أسيبها تعمل ده، ماهو قانون حبّي ليها بيقول يا أنا يا مفيش غيري، وأنا قولتلها ده لمّا كُنا عايشين على وِش الدُّنيا، وساعتها قولت للصوت...

-وفي العالم دَه أقدر أتقابل معاها ازّاي؟

-للأسف يا "مُحب".. مش هتقدر تشوفها تاني.

-يعني كُنت بشوفها وهي في عالم غير عالمي.. ولما تبقي في عالمي مقدرش أشوفها!

-ماهو العالم هنا متقسّم درجات يا "مُحب".. اللي بيخلص لحبّه في ناحية.. واللي مبيخلِصش في ناحية تانية خالص، وللأسف مفيش منافذ بين النّاحيتين.. أنا ساعدتك، ودي آخر مرة هتسمعني فيها يا "مُحب".

 

مُش عارف أوصف حُزني، أنا اتمنعت من "مروة" للأبد، لكن ده مكنش أسوأ من إنها تكون لغيري، أنا كده هقضّي حياتي هنا في هدوء، هكون مطّمن إن "مروة" خلاص مُش لحد، بَس برغم اللي عملته ونسيانها ليّا، نفسي لما العالم دَه يخلص، أشوف "مروة" من تاني، وتكون ليّا!

***

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب333771
2الكاتبمدونة نهلة حمودة189588
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181279
4الكاتبمدونة زينب حمدي169711
5الكاتبمدونة اشرف الكرم130943
6الكاتبمدونة مني امين116766
7الكاتبمدونة سمير حماد 107700
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي97821
9الكاتبمدونة مني العقدة94940
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91578

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
2الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
3الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
4الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
5الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
6الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
7الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
8الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
9الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14
10الكاتبمدونة محمد بوعمامه2025-06-12

المتواجدون حالياً

855 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع