اللي يعيش ياما يشوف، واللي يسافر يشوف أكتر، وواحد زي حالاتي؛ غاوي رحلات وسفاري ومغامرات، وبلاقي نفسي وبحقق ذاتي لما بسافر وبعمل الحاجة اللي بحبها.
أنا ياما اتعرضت لمخاطر، ودي حاجات وارد إنها تحصل في الصحرا والأماكن المفتوحة، يعني ممكن تتفاجئ بعقرب معدّي من جنبك، لو لدغَك هتقول عن نفسك يا رحمن يا رحيم، أو حيَّة سامة بتقرَّب منك ومن حركتها تفهم إنها ناوية تعمل معاك الواجب، وطبعًا لدغتها مش هتختلف كتير عن العقرب، كله بيقطع تذكرة سفر للآخرة، دا غير بقى ديب ممكن يهاجم المخيم بالليل، وحاجات كتير بنكون عاملين حسابها قبل ما نطلع، يعني اتعوِّدنا عليها.
بس أنا من فترة مطلعتش أي طلعة من اللي بحبهم، لأن معتز صديقي الوحيد؛ واللي بيشاركني كل حاجة مشغول، وأنا محبِّتش أتقَّل عليه وأطلب منه إننا نطلع؛ قولت أصبر لحد ما يفضى براحته، بس صبري مطالش كتير، يادوب يومين بالظبط ولقيت معتز بيكلمني وبيقول لي:
_إزيك يا أسامة، فينك يابني مختفي ليه، يعني لو أنا مسألتش أنت تطنِّش؟
رديت على كلامه وأنا ناوي في نهاية المكالمة أفكَّره نشوف أي رحلة سفاري نطلعها لما يبقى فاضي، حتى قولت له:
_مش هتفضى قريِّب بقى؟
_ياعم أنا بكلمك على شان أقول لك إني فضيت مخصوص وكلِّمتك، ماهو العرض ده محدش يقدر يفوِّته.
_عرض إيه اللي بتتكلم عنه؟
_رحلة أسبوع في سينا، فندق من اللي قلبك يحبهم، تخييم في مكان جديد ومختلف متحاوط بالجبال، حفلات بقى وشَوي وأغاني وهيصة، وهتبقى مَردغانة يا معلم.
انتظرت شوية كده وبعدها قولت:
_هي الرحلة دي إمتى؟
_هنتحرك الخميس بالليل، يعني بعد يومين بالضبط، جهز نفسك؛ أنا دفعت الاشتراكات وكل حاجة، المصاريف هناك بقى عليك يا معلم.
في الميعاد بالظبط؛ كنت واقف أنا ومعتز قدام الأتوبيس اللي هيطلع بالرحلة؛ واللي كان عليه اسم شركة السياحة، وبالمناسبة هي شركة اسمها معروف، وده اللي خلاني واثق من إنها هتكون رحلة زي ما الكتاب بيقول.
حطينا شنطنا في خزنة الأتوبيس، وبعدها ركبنا، ولما الدنيا بقت تمام الأتوبيس اتحرك. وعرفنا إننا هنوصل الفندق بعد الفجر، ده اللي قاله مشرف الرحلة، دا غير إنه اتكلم عن شوية حاجات تخص الرحلة والبرنامج بتاعها، ومعلومات عن الفندق، ولما وصل للتخييم قال إن هيرافقنا دليل من أهل سينا، بالتحديد من قبيلة الترابين، وده شيء طبيعي، لأن مش أي حد يقدر يمشي في الصحرا، لأنها بتبلع الغريب عنها، بيتوه لحد ما الجفاف والرياح يخلصوا عليه، دا لو مخلَّصش عليه أي حيوان مفترس مثلًا.
برغم الهيصة اللي في الأتوبيس عيني غفلت، نمت نوم مُريح، كأني نايم على السرير في بيتنا، ساعتها شوفت نفسي في مكان واسع، واقف قدامي بنت جميلة، وشها بدر منور، وجسمها مرسوم زي الغزلان، كانت بتمِد لي إيدها، ومع أول خطوة مشيتها ناحيتها، حسيت بحاجة خبطتني في كتفي، اتفزعت ورفعت راسي، ولقيت الأتوبيس واقف، الإيد كانت إيد معتز، بصيت له وأنا متضايق من جوايا إنه صحَّاني من الحلم وقولت له:
_في إيه؛ الأتوبيس عطل؟
_يا أخي فال الله ولا فالك، أتوبيس إيه اللي عطل، قوم إحنا وصلنا الفندق.
معرفش الوقت فات إزاي، وإيه اللي خلاني نمت النوم ده كله، والأغرب إني محسِّتش بالدوشة اللي حواليا، زي ما أكون أخدت منوِّم، كل ده مخلانيش أعبَّر عن ضيقي من معتز وأقول له:
_بتصحيني أنت في أوقات ميصحِّش إنك تصحيني فيها.
بص لي وهو بيضحك وبيقول لي:
_أنت كنت بتعمل إيه في الحلم بالظبط؟
_سيبت بنت زي القمر؛ علشان أصحى على وش خنشور زيك.
_آه يا نمس؛ أوعى يابني تكون ناوي ترجع من الرحلة دي بعروسة.
_عروسة مين ياعم، دا حلم بس.
_طيب قوم ياسيدي الناس بتنزل والأتوبيس هيفضى، يلا ناخد الشنط وندخل الفندق نلحق أوضة كويسة.
نزلنا وأخدنا الشنط، وكان أول انطباع عن الفندق إنه مُريح نفسيًا، تصميمه بسيط وألوانه هادية، وأنا برتاح للحاجات اللي زي دي.
دخلنا وكان لازم نستريح شوية من الطريق، أخدنا مفتاح أوضتنا وطلعنا، طبعًا ده بعد ما عرفنا ميعاد الغدا امتى، على شان نكون موجودين، دا غير إن برنامج أول يوم بيبدأ بحفلة مع دخول الليل.
وصلنا أوضتنا، وكل واحد فينا اترمى على السرير زي القتيل، عن نفسي روحت في النوم، كأني مكنتش نايم طول الطريق في الأتوبيس، بس بعد شوية؛ بدأت أسمع صوت حركة في الأوضة، زي ما يكون حد بيتمشَّى، وبرغم إني سامع ووعيي حاضر، مكنتش قادر أرفع دماغي ولا أفتح عيني، راسي كانت تقيلة جدًا، زي ما تكون اتحولت لحجر كبير صعب عليا إني أحرَّكه.
أسئلة كتير كانت بتدور في راسي، كلهم بنفس المعنى تقريبًا، هو معتز صاحي ليه؟ وياترى بيعمل إيه كده؟
فضلت أكرر الأسئلة دي وأنا مش لاقي إجابة، لحد ما صوت الخطوات قرَّب منِّي، حاولت أنطق وأسأل معتز هو بيعمل إيه، لكن لقيت لساني أتقل من راسي، زي ما يكون اتعَقَد وفقد قدرته على النطق.
استسلمت بدون إرادتي، كل حاجة جوايا كانت بتقول لي ركز مع الصوت ده، لحد ما حسيت بإيد بتملِّس على راسي، ولأني في وعيي وحاسس بكل حاجة، قدرت أعرف إن دي مش إيد معتز، دي إيد ملمسها ناعم جدًا، حاولت بكل طاقتي إني أفوق من الغيبوبة دي وأرفع راسي وأفتح عيني، لكن مع كل محاولة كانت الإيد بتضغط على راسي، بتعجِّزني على شان مقومش، والغريبة إني بستسلم، قدرتي على المقـ.ـاومة مكانتش موجودة، لحد ما سمعت صوت حركة تانية، وبعدها صوت خطوات، ومعاها إحساسي بالإيد اللي ضاغطة على راسي اختفى، الخطوات بدأت تقرَّب منّي، وبعدها سمعت صوت معتز بيقول لي:
_قوم يا عم هو أنت جاي تقضيها نوم ولا إيه، مش كفاية النوم اللي نمته في الأتوبيس؟
حسيت إن التُّقل اللي فوق راسي اختفى، في اللحظة دي بس قدرت أرفع دماغي، وبصيت لمعتز وقولت له:
_هو أنت كنت صاحي من شوية؟
بص لي باستغراب كده وقال لي:
_لا أنا لسه قايم حالًا، بتسأل ليه؟
_مفيش؛ أصل بقالي فترة سامع صوت حد بيتحرك في الأوضة.
هز راسه كأنه بيقلِّب كلامي في دماغه وقال لي:
_بقالك فترة آه؛ وطول الفترة دي مفكرتش تفتح عينك تشوف مين اللي بيتحرك، ومنتظرني أصحِّيك على شان تسألني، لا فالح يا أسامة.
_على فكرة مش بهزَّر، أنا حسيت باللي قولت لك عليه، حاولت أفتح عيني أشوف إيه اللي بيحصل، بس مقدرتش.
_طيب قوم ياسيدي، زمانه حلم زي اللي حلمت به في الأتوبيس، يمكن البنت إياها اللي حلمت بيها في الطريق؛ جاية تطمن أنت وصلت بالسلامة ولا لأ.
بصيت له وأنا عارف إنه بيسِف عليا، وقولت له:
_ماصدقت طبعًا تلاقي حاجة تسِف عليها.
_أسِف ليه شايفني شريط بايظ؟ سيبك بقى من الكلام ده وقوم، الغدا لسه عليه ٥ دقايق، وأنا واقع من الجوع.
قومت وأنا ماليش نفس للأكل، بس كنت مضطر أنزل معاه، دي رحلة وأي حد موده بيكون مش كويس بيأثر على الباقي.
نزلنا وأكلنا؛ وبعدها اتجمعنا في ريسيبشن الفندق، المشرف كان بيتكلم معانا، وطلب مننا نكون موجودين الساعة ٨ بالليل قدام الفندق، لأن في حفلة موسيقى وشَوي، ودي على حساب الشركة، هدية منها للمشتركين في الرحلة وكده، دا غير إنه بلغنا إن من بكره الصبح الدليل هيكون وصل، على شان نبدأ رحلة السفاري والتخييم في الصحرا وسط الجبال.
قضيت الوقت وأنا سرحان مع نفسي، حتى في الحفلة باليل مكنتش مندمج مع حد، بس كنت مركز مع معتز، اللي شكله اتعرَّف على كام بنت، لدرجة إنه لما لمحني قاعد مع نفسي سابهم وقرب مني وقال:
_مش هتقوم تتعرَّف ولا اكتفيت بالبنت اللي في الحلم؟
كبرت دماغي من كلامه، وهو مطوِّلش، سابني ورجع لهم على طول.
الحفلة خلصت، والمشرف قال لنا إن الأتوبيس هيكون جاهز الصبح بدري؛ والدليل هيكون موجود، وإننا هنتحرك لمنطقة بعيدة حوالي ٤٠ كيلو عن الفندق. كلها جبال ومناسبة للتخييم والتسلُّق.
بعد الحفلة كل واحد طلع على أوضته، ولقيت معتز اترمى على السرير زي القتيل، البيه من كتر الرقص مبقاش قادر يصلُب طوله، أما أنا بقى؛ كنت في عالم تاني، مستغرب اللي حصل معايا، أنا شخص مش بيؤمن بالصدفة، وإن كل شيء له سبب، يعني إن الحكاية تتكرر معابا مرتين، مرة في الأتوبيس ومرة في الأوضة، ويكون وعيي حاضر وحاسس وفاقد القدرة على إني أتحرك، ده شيء في حد ذاته يخليني أخاف.
قضيت الليل صاحي، كنت مركّز لدرجة إني كنت سامع صوت عقرب الساعة ثانية بثانية، الساعة دخلت على اتنين صباحًا، ساعتها صوت عقرب الساعة اختفى، برغم تركيزي معاه وحركته اللي لسه مستمرة قدام عيني، بس اختفاء صوت العقرب، حل محله صوت تاني، صوت خطوات ماشية بهدوء زي صوت عقرب الساعة بالظبط، عيني جابت الأوضة من يمينها لشمالها، مكنتش قادر ألمح أي حد بيتحرك، ومعتز مرمي زي الحبل المرخي على السرير، ومفيش في الأوضة غيري.
الصوت بدأ يقرَّب ناحيتي، ومن تاني حسيت بملمس الإيد الناعم على وشّي، قلبي ارتجف وبلعت ريقي من الخوف، حاولت أنطق وأقول مين اللي في الأوضة، لكن لساني اتعقد من تاني، بس المرة دي سمعت صوت بيهمس في ودني وبيقول:
_أنت جيت في وقتك يا أسامة.
كان صوت بنت، مقدرتش أحدد إن كان صوتها جميل ولا لأ، الموقف نفسه مخيف، وطول ما في خوف، أي إحساس بأي شيء جميل بينعدم، وبعدين مين اللي ممكن ينبسط بصوت طالع من حد هو مش شايفه؟
زي ما يكون معتز بينقذني من حاجة مش عارفها، لأنه بمجرَّد ما اتقلِّب كأنه خلاص هيصحى، كل اللي حاسس به اختفى، وأول ما أدركت الحكاية دي، قومت من مكاني وهزِّيته من كتفه وقولت له:
_معتز؛ قوم اصحى.
ساعتها رفع راسه وقال لي وهو بيتَّاوب:
_هي الساعة كام؟
_الساعة اتنين وربع.
_الضُّهر؟!
_ضُهر إيه يا عم؟ الفجر لسه مأذِّنش.
_أومال بتصحيني ليه يابني آدم؟
مقدرتش أجاوبه، لكني قولت له:
_مش جاي لي نوم.
_طبعًا؛ واخد الطريق نوم، ولما وصلت قضيتها نوم، ودلوقت عايز تقعدني جنبك، سيبني أنام يا عم.
بعد الكلمتين دول؛ رفع المخدة وحط راسه تحتها، زي ما يكون بيقول لي: إنسى إني أقوم دلوقت.
فكرت أهرب من الأوضة، أو بمعنى أصح؛ أهرب من قعدتي لوحدي، ملقتش قدامي غير إني أنزل الريسيبشن، فتحت باب الأتوبيس ونزلت، لكن معتز كان نايم زي أهل الكهف، محسِّش بيا وأنا خارج. نزلت تحت وقعدت في الريسيبشن، الدنيا كانت هادية، يادوب تلاتة ولا أربعة هما اللي موجودين، لكن كده أفضل مليون مرة من إني أقعد لوحدي.
قبل ميعاد السفاري بربع ساعة، أخدت بعضي وطلعت على فوق، ولما دخلت الأوضة لقيت معتز صاحي، ساعتها بص لي وقال لي:
_كنت فين يا أسامة؟
ملقتش قدامي غير إني أقول:
_مكانش جاي لي نوم، قولت أتمشى شوية.
معلَّقش على كلامي، كل اللي عمله هو إنه كمِّل لبس هدومه وقال لي:
_طيب يلا اجهز، الأتوبيس زمانه قرب يتحرك.
جهزت نفسي ونزلت معاه بدون نقاش، الرحلة كانت متجمعة عند الأتوبيس، كلهم بلا استثناء، كل اللي اتغيَّر هو إن كان في شخص لابس بدوي، وبدون ما أسأل عرفت إنه هو الدليل اللي هيطلع معانا.
لما الأتوبيس اتحرك، مشرف الرحلة قعد زيه زينا بالظبط، لأن الدليل اللي اسمه سالم هو اللي كان واقف جنب السواق، وبيدلُّه على الطريق اللي كان عبارة عن مَدَق في الصحرا بين الجبال.
كانت أول رحلة تخييم أحضرها بالطريقة دي، كل الرحلات كانت في أماكن قريبة وطُرق عادية، لكن المكان اللي رايحينه طريقه غريب، وده اللي خلاني أسأل الدليل وأقول له:
_لو سمحت، هو إحنا هنخيِّم فين؟
لما جاوبني حسيت إن الأتوبيس كله نزل عليه سهم الله، زي ما يكون اللي في الرحلة اتصدموا وأنا أولهم، لأن المكان كان معروف إن حصلت فيه كام حادثة من زمان، الغريبة إن الحوادث دي عبارة عن اختفاء، ناس اختفت في الجبل ومن وقتها مظهرش لهم أثر، ولا حتى جثثهم ظهرت، ومن وقتها ونادرًا لو سمعنا إن حد خيِّم في المكان ده.
لما سالم شاف إن وشوشنا اتغيَّرت قال لنا:
_مالكم خايفين ليه؟ المكان أمان طالما هتلتزموا باللي بقوله، ساعتها هترجعوا بالسلامة زي ما هتروحوا بالسلامة.
الأتوبيس وصل لمكان التخييم؛ والمكان كان عبارة عن دايرة كبيرة حواليها جبال عالية بتحاوطها، ماعدا فتحة صغيرة مفيهاش جبال، وده كان المكان اللي الأتوبيس دخل منه.
نزلنا وكل اتنين أخدوا خيمة من اللي كانوا في خزنة الأتوبيس، وطبعًا كنت أنا ومعتز، بس قبل ما نتحرك ونفرِد الخِيَم، سالم الدليل اتكلم معانا وقال لنا:
_المكان فيه عقارب وحيَّات، بس مش عايزكم تخافوا، الموضوع بسيط، لما كل واحد ينصب الخيمة بتاعته يعمل حوالين منها دايرة، ويقف في وسط الدايرة ويقرأ آية الكرسي والمعوذتين، وساعتها مفيش عقرب ولا حيَّة هتدخل الدايرة، ونفس الحكاية دي تعملوها حوالين نفسكم لو هتقعدوا بره الخيمة.
عملنا زي ما قال لنا بالظبط، الأمور كانت ماشية تمام، على عكس ما كنت متوقع، الناس باين عليها كانت مبسوطة، ولما خلصنا نصب الخيَم، وبدأ كل واحد فينا يشوف هو هيعمل إيه، سالم الدليل اتكلم معانا تاني وقال لنا:
_اللي بيحبوا يتسلقوا الجبل ممكن يتسلقوا في المنطقة دي، لكن المنطقة دي لأ.
قال الكلمتين وهو بيشاور ناحية اليمين في الجبل، لكنه لما شاور على المنطقة اللي محدش يقرب منها كان بيشاور ناحية الشمال.
الناس انطلقت وكل واحد بدأ يستمتع بالحاجة اللي بيحبها، لكن أنا مكنتش مندمج معاهم، قعدت قدام الخيمة لكن جوه الدايرة المرسومة، واللي قرأت فيها آية الكرسي والمعوذتين أكتر من مرة، كنت بلمح من وقت للتاني عقرب أسود بيحاول يقرَّب من الخيمة، لكن كان بيوصل لحدود الدايرة ويرجع تاني، استغربت الحكاية وصدَّقت كلام الدليل، وده اللي خلى قلبي يطمن شوية.
مع الوقت، الناس انتشرت في كل مكان، حتى لقيتهم قربوا من الناحية الشمال من الجبل، واللي الدليل قال محدش يقرَّب لها، لكن لاحظت إن مفيش حد جرى له حاجة، وبدأت أحِس إن تحذيرات الدليل كانت كلام في الهوا، أو على شان يثبت إن وجوده مهم وإنه حافظ الصحرا زي اسمه، والأكتر من ده كله، هو إني بدأت أفسَّر حالات الاختفاء اللي حصلت هنا على إنها صدفة، برغم وجود فارق زمني متطابق بين كل حادثة اختفاء والتانية، نفس المدة يعني، دا غير إن دماغي شطحت بعيد، وبدأت أقول: يمكن أصلًا حوادث الاختفاء دي مجرد أشاعة طلعت على المكان، ما هي الصحرا ياما طلع عنها حكايات وأساطير.
اتحررت من خوفي وبدأت أتحرك، الشمس كانت بدأت تغيب، الناس مبسوطة، الدنيا حلوة، والأكتر من ده كله؛ هو إني لمحتهم بيطلعوا على الجبل من ناحية الشمال، ومفيش حد جرى له حاجة.
بدأت أتحرك هنا وهنا، كنت بدوَّر على معتز، وبعد ما عيني جابت المكان من أوله لآخره، لمحته طالع على الجبل من الناحية الشمال، بس ساعتها انتباهي اتشتِّت عن معتز، وبدأت أركِّز في حاجة تانية، كان في بنت جميلة جدًا، فيها شبه كبير من اللي شوفتها في الحلم وإحنا في الطريق للفندق، معرفش إزاي مأخدتش بالي منها طول الرحلة، ولا عيني جت عليها، يمكن لأني سرحت في شوية اللغبطة اللي حصلت معايا ومركِّزتش مع حد، ويمكن حلمت بيها لأن عيني جت عليها بدون قصد، لكن عقلي الباطن حفظ ملامحها.
بدون ما أحِس؛ رجلي أخدتني لحد الجبل، ولما وصلت بدأت أتطلع صخرة ورا التانية، لحد ما وصلت لمعتز، اللي كان بيبُص لي وهو مبتسم وساكت، زي ما يكون عارف أنا رايح فين، كبرت دماغي منُّه وكمِّلت طريقي لحد البنت، ولما قربت منها، لقيتها وقفت وبدأت تبُص ناحيتي.
مكنتش عارف أبدأ الكلام منين، كل البدايات اللي في دماغي مكانتش مناسبة، وكنت حاسس إن كل الكلام مش هينفع، بس لقيتها بتبتسم لما شافتني متردد وقالت:
_عندك فوبيا من الأماكن العالية؟
هزيت راسي بالنفي وقولت لها:
_لأ، بس يعني...
اتلجلجت في الكلام فقالت لي:
_أومال شكلك مخطوف كده؟
_لأ عادي؛ مش مخطوف ولا حاجة.
ساعتها شاورت على مكان قريب في الجبل وقالت لي:
_أنا كنت طالعة أستكشف الكهف ده؛ إيه رأيك تيجي معايا؟
بالمناسبة مكنتش واخد بالي من الكهف لما كنت تحت، لكن قولت اللي خلاني ماخدش بالي من البنت وهي كانت معايا في نفس الأتوبيس، يخليني منتبهتش للكهف عادي؛ على شان كده مقدرتش أرفض لها طلب، بدأت أتحرك ناحيتها وأنا حاسس إن المشي على صخر الجبل حاجة سهلة، أما هي؛ فمشيت جنبي في هدوء، ولما وصلنا عند الكهف، شاورت بإيدها ناحيته وقالت لي:
_هتدخل الأول ولا خايف؟
الكهف مكانش عميق في الجبل، بالعكس، كنت شايف آخره، يعني أقدر أقول عليه إنه مجرد تجويف صغير في الجبل، ده اللي خلى الخوف اللي جوايا يختفي، ولما لقيت الدنيا تمام، قولت لها:
_مش خايف ولا حاجة، هدخل الأول عادي.
دخلت الكهف، وبعدها وقفت وبصيت ناحيتها، كانت بتبص ناحيتي بابتسامة غريبة، ده اللي خلاني أقول لها:
_هتفضلي واقفة كده؟ مش كنتِ عايزة تدخلي الكهف؟
بدون ما ترد على كلامي؛ بدأت تتحرك ناحية الكهف، وبعدها دخلت، لكن بمجرَّد ما بقت جوه الكهف، اتفاجأت بصخرة بتنزل من سقف الكهف وبتسِد المدخل، على شان أتحِبس معاها جوه.
برغم إن الصخرة قفلت المدخل، لكن الكهف مكانش ضلمة، كان منوَّر بنور أحمر زي ضوء النار، في اللحظة دي تفاصيل الكهف اتغيَّرت، مبقاش عبارة عن مجرد تجويف صغير في الجبل، دا اتحوِّل لعالم تاني؛ مكان واسع ومالوش نهاية، وساعتها ظهرت فيه تماثيل من الصخر أشكالها بشعة، كانت منحوتة على أشكال مخلوقات مرعبة، من اللي بتظهر في أفلام الرعب والأساطير.
قلبي كان بيرتجف زي البراد اللي بيغلي على النار، وبمجرد ما شوفت اللي شوفته، بصيت ورايا على شان أشوفها وأعرف إيه الحكاية، بس لما شوفتها مكانتش هي، زي ما تكون اتحوِّلت، الهدوم اللي عليها اختفت، جسمها كان ممسوح مفيهوش أي تفاصيل، كان عبارة عن جلد مُسطح خالي من التصاريس ومليان تجاعيد، أما وشها فملامحه اتغيرت تمامًا؛ ودانها طولت ومناخيرها اتقوَّست لتحت، وعينيها شكلها اتغيَّر وبقت مشقوقة بالطول.
مقدرتش أنطق لما شوفتها في الشكل ده، حسيت إني زي الوتد اللي مدقوق في الأرض، مكنتش قادر أتحرك، حاولت بكل طاقتي إني أسألها أنتِ مين ولا إيه اللي بيحصل، لكنها زي ما تكون قرأت اللي في دماغي بدون ما أتكلم، لأنها جاوبتني وقالت:
_أنت في كهف قبيلة الملاعين، اللي حان الوقت إنها تستعيد مكانتها في العالم السفلي لما تقدِّم قربانها البشري لإبليس، لأن القربان ده واقف من فترة طويلة بسبب قبيلة الترابين البشرية، اللي دايمًا بينجدوا القربان في اللحظات الأخيرة، لكن ده وقت القربان.
بمجرد ما قالت الكلمتين دول، سابتني ودخلت الكهف، لكن بمجرد ما مشيت من قدامي لمحت لها ديل طويل لامس الأرض! وسمعت صوتها بيرن في الكهف وبيقول:
_أنت جيت في وقتك يا أسامة.
نفس الكلمة اللي سمعتها في الأوضة، ونفس الصوت؛ عمري ما حسيت برعب زي اللي حسيت به في اللحظة دي، خصوصًا لما اختفت من قدامي، وبعدها لقيت التماثيل الصخرية المرعبة بدأت تتحرك، زي ما تكون الروح دبَّت فيها، وبدأوا يقربوا مني وهما بيزقوا قدامهم تابوت من الصخر، اللي كان واضح من شكله وحجمه إنه على مقاسي بالظبط.
أعصابي سابت ووقعت في الأرض لما شوفت التابوت بيقرب مني، ولما لقيت إيدهم ممدودة ناحيتي على شان يحطوني في التابوت، فقدت الوعي من الصدمة، ومحستش بأي حاجة.
_أسامة، فوق يا أسامة.
فتحت عيني على صوت معتز، بدأت أبُص حواليا، عيني كانت بتلف في دايرة كلها صخور، على شان أكتشف إني كنت فاقد الوعي جوه الكهف.
ساعتها شوفت سالم الدليل جنب معتز، اللي أول ما عيني جت عليه قال لي:
_حمد الله على السلامة يا ولدي، هو أنا مش حذَّرت إن محدش يطلع الناحية دي من الجبل؟
مكنتش قادر أتكلم، ده اللي خلاهم يسندوني على شان أقوم من الأرض.
قومت بالعافية ومشيت معاهم وأنا ساند على أكتافهم، خرجنا من الكهف ونزلنا من على الجبل، ساعتها كل اللي في الرحلة كانوا متجمعين يبصوا عليا وأنا نازل بين معتز وسالم زي القماشة الدايبة، لحد ما وصلنا عند الخيمة بتاعتنا ودخلنا الدايرة اللي حواليها، ساعتها بس قدرت أنطق لما دخلت في الدايرة اللي مقروء فيها آية الكرسي والمعوذتين، وفي اللحظة دي قولت:
_كنت قاعد في الدايرة دي، لمحت عقرب أسود بيقرب من الدايرة وكل ما يلمسها يبعد، بعدها شوفت معتز على الجبل ناحية الكهف، وشوفت بنت جميلة جنبه، نفس البنت تقريبًا اللي شوفتها في الحلم، ده اللي خلاني أطلع عندهم لأني لقيت الموضوع عادي، ولما طلعت البنت عرضت عليا نستكشف الكهف سوا.
بعد اللي قولته ده، حكيت له عن اللي شوفته جوه الكهف، البنت اللي اتحولت وبقى لها ديل، التماثيل الصخرية المخيفة اللي اتحركت، التابوت الصخري، وكل حاجة خلتني أحس بالرعب وأفقد الوعي.
ساعتها معتز كان بيبُص لي باستغراب وبيقول لي:
_أنا لا طلعت جبل ولا كان في بنت، كل الحكاية إني شوفتك سارح مع نفسك وطالع؛ ومشيت لوحدك ودخلت الكهف، ساعتها جريت ندهت لعم سالم، وطلعنا لقيناك فاقد الوعي.
مكنتش عارف أرُد على كلامه، لكن اللي رَد وفسَّر كل حاجة هو سالم لما قال:
_مفيش بنت ولا يحزنون يا ولدي، العقرب الأسود اللي كان بيحاول يقرب منك شيطان، ومقدرش يدخل الدايرة لأنها كانت متحصَّنة، لكنه أغواك عن طريق نقطة ضعف موجودة في أي بني آدم، ظهر لك في صورة بنت جميلة على شان يستدرجك، وكان بيعاونه شيطان تاني ظهر في شكل صاحبك على الجبل، على شان يعطيك الأمان وتطلع، وقدروا يوصلوا اللي هما عاوزينه.
لما فسَّر لي اللي حصل، قعد جنبي في الدايرة وقال لي:
_أما بقى عن حكاية الكهف ده، فهو مأوى لشياطين ملاعين، مطرودين من العالم السفلي، وعلى شان إبليس يرضى عنهم، بيقدموا قربان بشري كل فترة زمنية، وده سبب حوادث الاختفاء اللي حصلت هنا، بيستدرجوا واحد للكهف، ولما يفقد الوعي يبدأوا طقوس القربان بتاعهم، واللي بتبدأ بدخوله التابوت الصخري، ولما الطقوس تتم الشخص ده بيختفي، لأنه بيكون ساب عالمنا وراح العالم بتاعهم وبقى ضحية وأمره بينتهي، لكن كل اللي نجا زي حالاتك كده كان على إيد واحد من قبيلة الترابين، وهما بيكرهونا على شان ياما أفسدنا عليهم قرابين كتير، ومش عارفين ينالوا رضا أبليس عليهم وعايشين مطاريد ملاعين، والكهف ده هو بوابة عالمهم، ده اللي خلاني أحذَّر منه، وقولت لكم قبل كده: لو سمعتوا التعليمات هترجعوا بالسلامة زي ما هتوصلوا بالسلامة، وكويس إن صاحبك انتبه لك وندَه عليا، لو كنت دخلت التابوت الصخري كان زمانك هناك دلوقت، لأنه صراع مش هينتهي، صراع جذوره من جذور صراع الخير والشر، وأنت ربنا بيحبك، حذَّرك عن طريق أحلام أنت شوفتها، وعن طريق أحداث حصلت في عقلك الباطن، ولما كل ده مجابش نتيجة، ربنا جعلني سبب على شان أنقذك بشكل مباشر.
خلص كلامه وسابني ومشي، قعدت ومعتز جنبي بيحاول يخليني أهدا، مكنتش عارف أقول إيه ولا أعمل إيه، زي ما فهمت إن الحلم اللي شوفته والأحداث دي كان تحذير من اللي حصل دلوقت، لكن أنا اللي مكنتش فاهم.
مفيش دقايق، ولقينا مشرف الرحلة بيطلب مننا نلم الخيام لأننا هنسيب المكان فورًا، وعرفنا إن دي تعليمات سالم الدليل، لأنه حاسس بالخطر في المكان، وإن أي شيطان منهم ممكن يستدرج أي حد لكهف الملاعين مرة تاتية، ومش كل مرة العواقب هتيجي سليمة.
لمِّينا كل حاجة ومشينا، وعلى شان ميكونش اللي حصل سبب ضياع الرحلة على الناس، سالم الدليل أخد السواق لمكان تاني، من اللي الناس بتخيِّم فيه عادي ومفيهوش خطر، حمدت ربنا إنه سترها معايا، على شان كده قولت لكم في بداية الحكاية إن اللي يعيش ياما يشوف، وإن اللي يسافر يشوف أكتر، وأنا مش هشوف في حياتي أكتر من اللي شوفته!
تمت...