رجليَّا دابت من اللَّف على شغلانة آكل منها عيش، وموَصلتش للحالة دي غير لمَّا سيبت الكوافير اللي بشتغل فيه، وده بسبب مشكلة حصلت بيني وبين صاحبته، وبرغم إني ماكنتش غلطانة لكن مشيت عشان حُكم القوي، وكان لازم أشبط في شغلانة بسرعة عشان عندي بِنت في رقبتي بصرف عليها، وبعد ما دُخت السَّبع دوخات كُنت بتكلّم مع جارتي بالصدفة، حكيت لها عن الظروف اللي بمُر بيها، لكن اتفاجئت إنها بتقول لي:
-إيه رأيك تشتغلي في حمَّام مغربي؟
لمَّا سألتها عن اسم المكان وقالت لي عنُّه قُلت لها:
-مُش دَه حمَّام شعبي؟
-حمَّام شَعبي دَه إيه، دَه كان زمان وجَبر، دلوقت صاحبته طوَّرته وعملته حمَّام مغربي، وبقى يدخله زباين علِّيوي، طَب دي تبقى بيضالِك في القفص يا سمارة.
لقيت نفسي بقلِّب كلامها في دماغي، ولأني من كام يوم وأنا دايخة على شغلانة بدون فايدة سألتها:
-تفتكري مشواري هيكون بفايدة ولا هيبقى زي المشاوير اللي فاتت؟
-وإيه اللي هَيمنع؟ وبعدين ماتنسيش إنك كنتي شغّالة في كوافير، ودَه كمان هَيفيدك في الشغل هناك.
مِسكت في كلامها وطلبت منها العنوان، وتاني يوم أخدت بعضي وطلعت على هناك، قابلت صاحبة المكان؛ واللي عرفته إن اسمها صفيّة، ولمَّا اتكلِّمت معاها وافقت إني أشتغل لأنها محتاجة واحدة ضروري، مُش كِدَه وبَس، دي كمان وافقت إني آخد شروق بنتي معايا عشان مَتقعدش في البيت لوحدها.
تاني يوم أخدت بنتي ورُحت استلمت الشغل، وبعد ما أخدت فِكرة سريعة عن المكان وفهمت الدنيا ماشية إزاي بدأت أتعامل، ومع الوقت الزباين بدأت تِهِل، وفي عِز ما كنت مشغولة؛ لمحت شروق بنتي واقفة في رُكن هادي لوحدها، كانت بتبُص لي بصَّة غريبة على غير عوايدها، وبرغم إني استغربت طريقتها لكن محاولتش أركّز معاها، وحتّى مفكّرتش إيه اللي خلَّاها تسيب المكان اللي طلبت منها تقعد فيه وتيجي تقف هنا.
الوقت فات وهي واقفة في نفس المكان، عينيها ماكانتش بتركّز مع حاجة غير معايا، ولمَّا صادفت وقرَّبت منها قُلت لها بصوت واطي:
-واقفة بتعملي إيه هنا يا شروق؟
انتظرتها ترُد عليّا لكن كانت هيَّ والحيطة اللي وراها واحد، ولمَّا لقيت إن وقوفي قدّامها ممكن يلفِت النظر ويعمل لي مشاكل في أوِّل يوم شُغل، أخدتها من قاصرها وبدأت أكمّل اللي ورايا، بَس من وقت للتاني عيني كانت بتروح عندها، كُنت قلقانة تعمل أي حاجة تتسبب في مشكلة؛ خصوصًا بعد ما شُفت تصرُّفها الغريب ده، لكن لقيت نفسي واقفة متنَّحة في مرَّة من المرَّات اللي عيني جت فيهم عليها، ودَه لأنّي شُفتها بتبتسم ابتسامة مش مفهومة، بعدها لقيتها بتمِد إيدها في جيبها وبتطلَّع صابونة سودة، وبدون ما تقطع ابتسامتها ولا بصّتها ناحيتي؛ رفعت الصابونة على بوقّها وبلعتها!
ماحسِّيتش بنفسي غير والحاجة اللي أنا مسكاها في إيدي بتُقع في الأرض، بعدها جريت ناحيتها، ولمَّا وصلت عندها إيدي راحت ناحية بوقّها، ولمَّا فَتحته مالقيتش أثر للصابونة!
بمجرَّد ما شُفت اللي بيحصل قدَّامي حسّيت إن البرج اللي فاضل في نافوخي طار، سألت نفسي: إزاي البنت حطَّت الصابونة في بوقّها وقدرت تبلعها بالسرعة دي؟ لأ والأغرب من كِدَه إني مالمحتش بوقّها بيتحرَّك أصلًا، ولمَّا حسّيت إن الحكاية طوِّلت وممكن تِحصل لها مشكلة، شدّيتها من إيدها وأخدتها ناحية الأوضة اللي المفروض تكون قاعدة فيها وأنا بقول لها:
-إيه اللي طلَّعك من الأوضة؟ مُش قُلت لك تخلِّيكي جوَّه عشان مَفيش حد يقول إنك بتعطَّليني عن الشُّغل!
لمَّا وصلت عند باب الأوضة سيبت إيدها ومسكت الأوكرة، وبمجرَّد ما فتحت الباب جسمي اتنفض، ودَه لأني لقيت شروق قاعدة في الأوضة زي ما سيبتها، مَعرفش إزاي شُفتها بالمنظر اللي فات وهيَّ بتعمل اللي بتعمله، وإزاي أخدتها من إيدها لحد الباب ولمَّا فتحته لقيتها جوَّه في نفس الوقت؟!
بلعت ريقي وبصّيت جنبي مكان ما هيَّ واقفة، واتفاجئت إن المكان جنبي فاضي. رقبتي كانت تقيلة وأنا ببُص من تاني جوَّه الأوضة، ساعتها عيني جَت على شروق اللي كانت بتبُص لي بصّتها الطبيعية، وساعتها قالت لي:
-في حاجة يا ماما؟
اتلجلجت ولساني تِقِل ومقدرتش أجاوب عليها، وعشان مَينفعش أقف كِدَه وأسيب شُغلي مدّيت إيدي وقفلت الباب، وبمجرَّد ما لفّيت وشّي وعيني جَت على نفس الرُّكن لمحتها من تاني وهي واقفة وبتبُص لي نفس البصَّة، مَبقتش عارفة أصدَّق عيني، ولا قادرة أعرف مين فيهم شروق بنتي، اللي سيباها جوَّه في الأوضة ولَّا اللي بشوفها واقفة قدَّامي في الرُّكن وأنا بشتغل!
-واقفة عندك بتعملي إيه يا سمارة؟
اتفاجئت إن صاحبة المكان واقفة ورايا وبتسألني، ومع سؤالها شروق بنتي اختفت من قدّامي، حسّيت إن كلامها كان الإيد اللي سحبتني من الدوَّامة اللي دخلتها، حاولت أتجاوز الموقف فقلت لها وأنا ببتسم:
-أبدًا يا أستاذة صفيّة، مَفيش حاجة.
-طيّب شهّلي شويَّة عشان في كام زبونة كلّمتني وجايِّين في الطريق.
حسِّيت إني تور أعمى مربوط في ساقية، عارف كويّس إن عينيه مربوطة وبرغم كِده بيدور في دايرة مالهاش نهاية، الفرق الوحيد بيني وبينه إني كُنت بدور وأنا مش قادرة أغمَّض عيني عن منظر شروق، وفي نفس الوقت ماكنتش قادرة أبطَّل شغل، واللي زوّد الطين بلَّة إني كُنت بشوفها بتظهر في نفس الركن من وقت للتاني، وغصب عنّي كنت بغمَّض عيني وبكمّل لأن الزباين اللي الأستاذة صفيّة قالت عنهم كانوا وصلوا، وكل واحدة فيهم كان ليها طلبات وإيدي مكانتش فاضية، ولا حتى كان عندي وقت ألتِفت برغم كل الحاجات الغريبة اللي بتحصل قدّامي.
لمَّا دخلنا وقت البريك لقيت الأستاذة صفيَة بتقول لي:
-ريَّحي نُص ساعة يا سمارة، شوفي لو محتاجة تاكلي أو تريَّحي جسمك، وبعدها كمّلي شغلك.
مشيت بخطوات مهزوزة ناحية باب الأوضة اللي شروق قاعدة فيها، وقدام الباب وقفت وأنا محتارة، عقلي شَرد من تاني في نفس الحكاية: يا ترى مين فيهم شروق؟ اللي جوَّه في الأوضة ولا اللي ظهرت قدَّامي في الرّكن وشُفتها بتاكل صابونة من الصابون الأسود بطريقة مش مفهومة!
فتحت الباب وإيدي بترتعش، بعدها وقفت بصّيت في الأوضة ناحية شروق اللي كانت قاعدة في مكانها، رجليّا كانت رافضة تدخل الأوضة، فضلت على الحال ده لثواني لحد ما شروق قالت لي:
-أنا جعانة يا ماما.
كلامها خلّاني أقاوم الخوف اللي جوَّايا من ناحيتها ودخلت الأوضة، وبرغم كِدَه قرَّبت منها وأنا خايفة، ماكنتش عايزة المسافة اللي بيني وبينها تِقِل، بَس نبرة صوتها وهي بتقول إنها جعانة كانت بتحرَّك إحساس جوَّايا ضد الخوف اللي كنت حاسَّة بيه، وده لأن غريزة الأمومة كانت أقوى من أي إحساس تاني مسيطر عليّا..
قرَّبت من الشنطة اللي كنت جيباها معايا من البيت، كنت عاملة حسابي فيها على أكل عشان لو حسّينا بالجوع، فتحت الشنطة وطلَّعت سندوتشين، مدّيت إيدي ناحيتها بسندوتش وقعدت على كرسي بعيد عنها شويّة، بدأت آكل وأنا براقبها من تحت لتحت، كانت بتاكل بشكل طبيعي، ساعتها حسِّيت إن دي بنتي، وإن اللي شُفتها برَّه حاجة تانية مش مفهومة.
لكن ليه شُفت اللي شُفته دَه في أوّل يوم ليَّا هِنا؟
كنت بفكًّر بصوت واطي وأنا باكُل، ولقيت شجرة خوف جديدة بتطلع من طين الخوف اللي اتفرد ورا ضلوعي، ودَه لمَّا فكَّرت لثواني إن اللي حصل هيتكرر، وده شيء مؤكد وإلا مكانش بدأ مع أوّل ساعات ليَّا في الشغل هنا، وهنا لقيت نفسي في حيرة: يا ترى أمشي وأرجع أقعد في البيت من تاني من غير ما ألاقي فلوس أعيش بيها؟ ولا أكمِّل وأنا مش فاهمة الحكاية؟ والشعور ده في حد ذاته كأنه دوامة تانية؛ لمجرَّد بس إني فكَّرت في إن فرصة الشغل اللي لقيتها كانت جاية في علبة مقفولة شكلها حلو من برَّه، لكن من جوَّه كانت مقفولة على كابوس.
خلَّصت أكل وفضلت منتظرة في مكاني لحد نهاية البريك، كنت عاوزة أشوف شروق ممكن تقول لي إيه، لكنها مَنطقتش غير بجملة واحدة:
-السندوتش جميل أوي يا ماما!
بالعافية نطقت وقُلت لها:
-بالهنا والشفا.
قُمت من مكاني لمَّا البريك خِلِص، رجعت أكمّل شُغلي وأنا ماشيَة على نفس الخَط، عيني بتغمَّض كل ما تيجي على الركن اللي بشوف فيه شروق، أو عشان أحط كل كلمة في مكانها المظبوط؛ البنت اللي شبه شروق.
ما صدَّقت اليوم خِلِص وأخد شروق ومشينا، طول الطريق وأنا بقاوم صوت جوّايا بيقول لي: ما ترجعيش تاني، لكن صوت عقلي كان بيرُد عليه وبيقول: لازم أرجع، ودَه لأن الواقع بيفرض عليَّا كِدَه، على الأقل لحد ما ألاقي شغلانة تانية آكل منها عيش.
لمَّا وصلت البيت واتعشّينا شروق جَت قعدت جنبي وقالت لي:
-إحنا هنروح بُكره تاني يا ماما؟
ولأنّي كنت سرحانة في اللي حصل مركّزتش مع كلامها؛ عشان كِدَه سألتها:
-تقصدي نروح فين يا شروق؟
-المكان اللي كُنّا فيه.
-لازم نروح لأن دَه شغلي الجديد، وأنتِ عارفة إن مينفعش حد يقعد من شغله.
غصب عنّي لقيتني بفكَّر في سؤالها، معرفش ليه جالي إحساس إنه سؤال متبطَّن بالخوف، قُلت وارد تكون شافت حاجة غريبة هناك وخايفة منها، وبسببها خايفة تروح هناك تاني، ودَه اللي خلَّاها تسأل عشان تطَّمن، وفي نفس الوقت محبّتش أفوِّت الفرصة وسألتها:
-مُش عايزة تروحي هناك تاني ولا إيه؟
بعد ما فكَّرت لثواني لقيتها قالت لي:
-أصل إحنا قعدنا وقت طويل هناك.
مكانتش دي الإجابة اللي منتظرة أسمعها، فسألتها من تاني وكأنّي عاوزاها تقول الإجابة اللي على مزاجي:
-دَه بَس اللي مُش مخلّيكي عاوزة تروحي هناك؟ ولا في حاجة تانية خايفة منها؟
وبدون تردُّد جاوبتني وقالت:
-المكان هناك كويِّس يا ماما. أنا مُش خايفة ولا حاجة.
كلامها خلَّاني أحِس إن المشكلة فيّا أنا، حتى ولو كُنت بشوفها بطريقة مش مفهومة، لو اعتبرنا يعني إنها بتكون جوَّه الأوضة في نفس الوقت اللي بتظهر فيه قدَّامي في الرُكن، ودي في حد ذاتها معلومة أنا مش متأكِّدة منها..
النوم غلبني ومَفتحتش عيني غير على نور الشمس اللي دخل من شيش شبّاك الأوضة، رفعت راسي ولقيت شروق نايمة على دراعي، سحبت دراعي بشويش من تحت راسها وقُمت، خلَّصت شويّة شغل في البيت على السريع، بعدها صحّيتها وفطرنا، وجهّزت نفسي وجهّزتها عشان آخدها معايا وأنا رايحة الشغل..
لمَّا وصلت خلّيت شروق تقعد في نفس الأوضة، بعدها بدأت أشتغل وأنا عيني بتروح من وقت للتاني ناحية الرُّكن إياه، بَس اللي كنت منتظرة إنه يحصل محصلش، الرُّكن دايمًا كان فاضي وماكنتش بشوف فيه حاجة، وقبل البريك ما يبدأ، افتكرت إني ماجيبتش معايا سندوتشات، قلبي وجعني على شروق والجوع اللي هتحِس بيه، وما صدَّقت البريك بدأ وأخدت بعضي ورُحت ناحية الأوضة، ولمَّا فتحت ودخلت ولقيتها قاعدة مكانها قلت لها:
-تلاقيكي جعانة يا قلب أمك.
انتظرتها تأكِّد على كلامي وتقول إنها جعانة، وده شيء طبيعي بعد الوقت دَه كله، لكنّي اتفاجئت إنها بتقول لي:
-أنا أكلت.
بحلقت فيها وأنا بفكّر أكلت منين، وبتلقائية نطقت وقلت لها:
-أكلتي إيه وإزاي؟
-طنط سوسن خلَّتني آكل.
دوَّرت كلامها في دماغي وفكَّرت فيه وسألتها:
-طنط سوسن مين يا حبيبتي؟
بصَّت في ركن من الأوضة وقالت لي:
-طنط سوسن يا ماما اللي هنا في الأوضة.
جسمي اتلبّش في بعضه من كلامها، بصّيت في الركن اللي كانت بتبُص فيه ومالقتش حاجة، فكمّلت كلامي وسألتها من تاني:
-طنط سوسن دي دخلت الأوضة يعني وأنتِ قاعدة؟
-لأ يا ماما، أنا لمَّا دخلت لقيتها موجودة.
رجعت بالذاكرة للحظة ما فتحت الأوضة الصبح ودخَّلتها، فعلًا الأوضة كانت فاضية ومكانش فيها حد، وفي نفس الوقت فهمت من كلامها إن سوسن اللي بتقول عليها دي كانت جوَّة، يعني مادخلتش عليها الأوضة بدون ما آخد بالي، عشان كِدَه سألتها:
-وهيَّ فين طنط سوسن دي يا حبيبتي؟
رفعت إيدها وشاورت ناحية الرّكن اللي كانت بتبُص ناحيته وقالت لي:
-واقفة هناك يا ماما!
مكانش قدَّامي غير إني آخد البنت وأخرج من الأوضة، ماكنتش قادرة أنكر كلامها، خصوصًا بعد اللي حصل معايا امبارح؛ واللي لولاه كان زماني اتعاملت مع كلامها على إنه خيال طفلة، حتى لو ماكنتش متعوّدة منها إنها تسرح بخيالها.
لمَّا خرجنا من الأوضة اتقابلت في الأستاذة صفيّة، معرفش ليه خطر على بالي إني أحكي لها عن اللي حصل معايا امبارح؛ وعن اللي شروق قالته، لكن فرمِلت لساني فجأة لمَّا افتكرت اللي حصل معايا في الكوافير، وارد جدًا تقول إن كلامي هَيشوشر على المكان ويعمل له سُمعة مش كويّسة، وطبعًا النتيجة الطبيعية إني هسيبه وأمشي، وترجع ريما لعادتها القديمة وأقعد من غير شُغل تاني.
كل الأفكار دي دارت في دماغي بمجرّد ما عيني جَت عليها، ساعتها حسّيت بقبضة في قلبي، لكن ابتسامتها لبنتي وهيَّ بتقول لها:
-زهقتي منّنا ولا إيه يا شروق؟ رايحة فين كِدَه؟
دخلت في الكلام وردّيت عليها بسرعة قبل ما شروق تحكي أي حاجة وقُلت لها:
-هخرج أجيب لها أي سندوتش على ما البريك يخلص.
أخدت البنت وخرجت، اشتريت لها سندوتش عشان لمّا نرجع تاني أكون صادقة في كلامي، لكن خروجي من الحمَّام كان له غرض تاني، وهوَّ إني أنبِّه على شروق إنها ماتتكلّمش عن اللي اسمها سوسن دي ولا عن أي حاجة تانية.
رجعنا الحمَّام واليوم عدَّى على خير، ومن تاني يوم والأحداث بقت بتدور على ناحيتين، رجعت أشوف شروق في الركن من تاني، وفي نفس الوقت، كنت كل ما أدخل الأوضة على شروق تكلّمني عن اللي اسمها سوسن، مرَّة تقول إنها خلَّتها تاكل، ومرَّة تقول إنها كانت بتلعب معاها..
والأيام فاتت على كِدَه وماكنتش قادرة أتكلّم، لحد ما الحكاية اتطوَّرت، وده لمَّا سمعت شروق بتصرخ في الأوضة، سيبت اللي في إيدي وجريت عليها، ولمَّا دخلت لقيتها واقعة في الأرض ووشّها أحمر زي ما تكون مش قادرة تجيب النَّفس، شيلتها من الأرض وحطّيتها على الكرسي وسألتها:
-مالك يا شروق فيكي إيه؟
ردَّت عليّا بصوت مبحوح وقالت:
-طنط سوسن قالت لي كفاية عليكي كِدَه بقى لازم تموتي، وبعدها بدأت تُخنقني.
لمَّا لقيت الحكاية وصلت لكده؛ قرَّرت أتكلّم مع الأستاذة صفيّة، بَس قبل ما أعمل دَه، أخدت شروق وخرجت، بعدها استأذنت ساعتين وأخدت شروق ورُحت لجارتنا اللي دلَّتني على الحمَّام المغربي اللي اشتغلت فيه، طلبت منها تخلّي شروق عندها، بعدها رجعت على الشُّغل، ولمَّا لقيت الأستاذة صفيّة واقفة لوحدها قُلت لها:
-ممكن أتكلم مع حضرتك؟
-اتكلمي يا سمارة، عندك مشكلة؟
-في الحقيقة أيوه.
أكِّدت على سؤالها واتردّدت أكمّل، ساعتها قالت لي:
-ما تقولي يا سمارة، إيه المشكلة اللي عندك؟
ومن مبدأ اللي بدأ طريق لازم يكمِّله قُلت لها:
-بصراحة كِدَه حاسّة إن المكان هنا مش كويّس.
لمَّا قُلت لها كِدَه وشّها جاب ألوان وقالت لي:
-قصدك إيه بالكلام الماسخ ده؟
-قصدي إن في حاجات مش مفهومة بتحصل، ومش أنا وبَس اللي شُفتها، دي شروق بنتي كمان شافت، وده سبب إني روَّحتها تقعد مع جارتي.
في لحظة رجعت لهدوئها وقالت لي:
-سمارة، أنتِ بتشتغلي في حمّام مغربي له اسم وزباين من طبقة راقية، وأنا مش هسمح لأي حد يقول نُص كلمة تهِد المكان اللي تعبت فيه عشان يوصل للمرحلة اللي أنتِ شيفاها دي، أظن الرسالة وصلت، فوقي لأكل عيشك.
خلَّصت كلامها وسابتني واقفة مش فاهمة حاجة، مقدرتش أعرف من كلامها إن كان اللي حصل معانا حقيقة وهي عندها عِلم بيها، وفي نفس الوقت بتنكرها عشان خاطر اسم المكان بتاعها، ولا كلامي اللي مكانش له أي أساس من الصحة عشان كِده اتعاملت معاه على إنه مجرّد أشاعة هتطلع على المكان بالكدب، وده سبب إنها تكلّمني باللهجة الحادّة دي!
حطيت لساني في بوقّي عشان أكل عيشي، مليون سؤال دار في راسي ومكانش له إجابة، ولا حتى قدرت أسأل نفسي بصوت عالي، لأن أي كلمة هتخرج منّي هيكون نتيجتها إني همشي من المكان وعيشي يتقطع، برغم إني راجعت كل الزباين اللي دخلوا المكان من وقت ما اشتغلت فيه، وكنت متأكّدة إن مَفيش ولا واحدة فيهم كان اسمها سوسن!
نفس الأحداث كانت بتتكرر كل يوم، اختلاف بسيط بس هو اللي كان حاصل، وهو إني ما عدتش بشوف شروق في الركن، وبقيت بشوف مكانها واحدة تانية، تقريبًا كانت في نفس سنّي، وكانت بتظهر في شكل مخيف، وشّها كان لونه أزرق وشفايفها سودة، وعروق رقبتها كانت ماشية تحت جلدها وكأنها جذور شجرة ماتت وشبعت موت!
كل يوم بيفوت كان بيستنزف جزء كبير من طاقتي، ولأن كل إنسان لُه طاقة وصلت لليوم اللي طاقتي خلصت فيه وجيبت أخري، بَس في اليوم ده دخلت زبونة بشوفها لأول مرَّة، وشّها كان مُريح ودايمًا بتبتسم، ولمَّا دخلت عندها وأنا بعطيها الصابون الأسود والحاجات اللي هتستخدمها لقيتها بتقول لي:
-أنتِ جديدة هنا؟
-أنا بشتغل هنا يادوب من أسبوعين بس.
-ومال وشّك مخطوف ليه كِدَه؟
لساني تِقل وبصّيت حوالين نفسي، كنت خايفة الأستاذة صفيّة تشوفني، وبرغم إنها مكانتش موجودة قُلت لها:
-مش مخطوف ولا حاجة، أنا كويّسة.
في اللحظة دي ابتسمت وسألتني:
-بتشوفيها؟
جسمي اتهز من سؤالها، وفي نفس الوقت عملت نفسي مش فاهمة حاجة وسألتها:
-بشوف إيه بالظبط؟
-سوسن!
لمَّا نطقت اسمها قرَّبت منها، كان جوّايا كلام كتير خوفي من الأستاذة صفيّة مَنعني أقوله، لكنّها كمّلت وقالت:
-متحاوليش تنكري إنها مش بتظهر لِك، دي ظهرت لكل اللي اشتغلوا هنا، ممكن تشوفيها على شكلها أو على شكل حد تاني، في البداية بتظهر على إنها حد مش مؤذي، لكن في الحقيقة هيَّ الأذى نفسه.
لمَّا لقيتها عارفة كل دَه سألتها:
-إزاي عرفتي كل ده؟
-ولمَّا أنا معرفش أومّال مين اللي يعرف؟
الثقة اللي في كلامها خلَّت عندي فضول أعرف دي مين، ساعتها عرفت إنها بتشتغل في العلاج الروحاني وفك السِّحر والكلام ده، لقيتها فرصة إني أحكي لها كل حاجة، من وقت ما شُفت شروق بتاكل صابونة من الصابون الأسود؛ لحد اللي حصل معاها في الأوضة، وبعد ما سمعت كل حاجة قالت لي:
-سوسن تبقى شريكة صفيّة، هيَّ اللي شجّعتها تحوّل الحمّام الشعبي بتاعها لحمّام مغربي، لكن بعد ما صفيّة شاركتها عرفت إن سوسن بتشتغل في السِّحر والأعمال، وكانت بتسحِر عن طريق الوشوم والتّاتّوهات اللي بترسمها على جسم الضحية اللي هتسحر لها، لكنها معرفتش تتكلّم معاها عشان متخسرهاش والمشروع اللي صرفت عليه اللي وراها واللي قدّامها يتهَد، لحد ما اتفاجئت إن سوسن ماتت وهيَّ قاعدة في مكانها في الأوضة.
لمَّا جابت سيرة الأوضة شاورت على الأوضة اللي شروق كانت بتقعد فيها، بعدها كمّلت كلامها...
-بعد موتها صفيّة خلَّصت ورثة سوسن وأخدت الحمّام، لكن سوسن بدأت تظهر في المكان بطريقة مخيفة، وفي الوقت ده كنت بقيت واحدة من زباين الحمّام، ولمّا عرفت شغلانتي حكت لي كل حاجة، ولمَّا عملت شغلي عرفت إن سوسن ماتت وهي بتحضّر عشان تعمل سِحر لضحيّة من الضحايا بتوعها، لكن اللي حضّرته كان أكبر من قدرتها فقتلها، ومن وقتها وقرينها موجود في المكان ورافض يسيبه، ومكانش قدّامي حل غير إني أعمل تحصين لصفيّة عشان يكون في حاجز بينها وبينه وميأذيهاش، ومن يومها والوضع ماشي على كِدَه، وطبعًا هيَّ عارفة كل اللي بيحصل، لكنها بتصادر على كل واحدة بتشتغل هنا وبتمنع إنها تتكلّم، عشان الكلام ميتنطوَرش والمكان بتاعها يتضر.
كنت ببلع ريقي ورا كل كلمة بسمعها، ولمَّا خلصت كلام قلت لها:
-يعني كانت بتظهر للي اشتغلوا هنا قبلي؟
-وعملت لهم تحصين عشان أمنع أذى القرين عنهم، لكن كل واحدة من اللي قابلك كانت بتقول يا فكيك بمجرّد ما تلاقي شغلانة تانية.
-وليه القرين مش بيأذي الزباين؟
-لأن الزباين بيدخلوا ويخرجوا طيَّاري، مَفيش واحدة بتقعد وقت طويل عشان تلاحظ حاجة.
لمَّا جاوبت سؤالي طلبت منّي أوافق إنها تعمل لي تحصين، ومكانش عندي اختيار غير إني أوافق، ساعتها حطَّت إيدها على راسي وبدأت تقرأ حاجات مش مفهومة بصوت واطي، وبعد ما خلَّصت حطّت إيدها في شنطتها وطلَّعت حجاب لونه أبيض وقالت لي:
-الحِجاب دَه ميفارقكيش طول ما أنتِ هنا.
أخدت الحجاب وحطيته في صدري وأنا بقول لها:
-الحِجاب دَه كفاية؟
لمَّا سألتها ابتسمت وقالت لي:
-ربّك هوَّ الحافظ، الحِجاب دَه سبب، وعلى فِكرة دَه نفس الحِجاب اللي مع صفيّة.
من بعد ما الحجاب بقى معايا مَبقتش أشوف أي حاجة طول ما أنا في الحمّام، وبرغم كِدَه محاولتش أجيب شروق معايا تاني، كُنت بدخل كل يوم الصُّبح وأنا منتظرة اليوم يخلص عشان أمشي، وفضلت على الحال ده لحد ما لقيت شغلانة تانية وسيبت الحمَّام المغربي، أًصل مكانش ينفع أكمّل وأنا عارفة إن المكان فيه قرين أو شيطان، حتى لو كان في بيني وبينه حاجز.
تمت...






































