آخر الموثقات

  • ق.ق.ج/ بئر العينين
  • مكانة الأسياد ..
  • تقوى الله محرك مهنة الطب
  • التعليم السوداني بين العزلة وإعادة إنتاج الأمية
  • أصداء أزهري محمد على نقد متجدد للحكم في السودان 
  • معركة الكرامة: بين الخيانة والوفاء للوطن
  • بين رفقة الأحلام ورفقة التكنولوجيا أحلام تزهر بالمعرفة
  • طقوس الزواج السوداني بين الأصالة والمفارقة: من قطع الرهد إلى إشعار البنك
  • لقاء السحاب
  • يا صديقي.. لو كنا تزوجنا من زمان
  • رسالة بين القلب والعقل
  • ما وراء الغيم الأسود
  • حين عاد الصوت من الغياب
  • على حافة الفراغ.. حكاية قلب يبحث عن أنس
  • أمسية على ضفاف الذاكرة
  • تهت في عيونك
  • جاء موعد كتابتي إليك
  • عبارات مبالغ فيها لإبن تيمية
  • ابن تيمية فى مواجهة الوهابية 
  • لابوبو الجزء ٤
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شحاتة
  5. حكايات زعفرانة "يحدثُ في المشرحة"

-عندك إيه النهاردة يا زعفرانة؟

-ورقك جاهز؟

-أنا دايمًا جاهز.

-طيِّب يلا عشان هخلّي مخيمر يحكي لَك حكاية من اللي بتحصل معاه في المشرحة.

***

 

أحيانًا الواحد فينا بيوصل لمرحلة إن قبله بيموت؛ ومش دايمًا الحكاية دي بتكون حاجة سيئة، ممكن الظروف اللي حواليك تجبرك تبقى كده؛ عشان تقدر تستمِر في شُغلك، دَه في حالة إنك بتشتغل تُرَبي أو حنوتي، أو لو بتشتغل في ليفل أعلى شوية؛ باش تمرجي في مشرحة زي حالاتي، ومتعود إن تلاجات الجُثث بتكون حواليك من كل ناحية، وياسلام بقى لما تكون ماسك نبطشية لوحدك بالليل، ودي مش أي جثث، دَه اللي ميِّت في حادثة؛ واللي مقتول؛ واللي طريقة موتة مجهولة وبيتحقق فيها، يعني كل جثة منهم لها حكاية، وكل حكاية غالبًا بيكون فيها دَم، وطالما الدم اختلط بالموت بتبقى الحكاية مش عادية، لأن الجثة بتندفن وبتسيب قرينها حُر طليق، وأنا مش محتاج أحكي لكم عن ناس ماتت مقتولة؛ وعن اللي بيحصل في المكان اللي ماتت فيه، أكيد كل واحد فيكم عاش وشاف اللي بيحصل بعد حالات الموت اللي زي دي، ولو مكانش شاف يبقى على الأقل سِمِع.

 

وأنا أكتر واحد شاف وسِمع، أصل الحكاية جوّه المشرحة مختلفة تمامًا، في جثث هنا من فترة طويلة مش معروف لها أهل، لدرجة إني بقيت عِشرة أنا وهي، دول عارفين إن اسمي مخيمر؛ وأحيانًا بينادوا عليا بعد نُص الليل، وباب التلاجة اللي بلاقي طالع منه الصوت بروح وبفتحه، وساعتها لازم ألاقي حاجة غريبة، درجة التبريد مش مظبوطة، أو الباب لما اتقفل آخر مرة زَنَق على رجلين الجثة. مفيش مرة سمعت صوت من باب وفتحته غير لما لقيت مشكلة، ومن ساعتها وأنا جوايا يقين إن الجثث عالم كبير، وعندهم قدرة إنهم يتواصلوا معانا لو لزم الأمر، زي ما حَصل معايا وبيحصل؛ ولسه هيحصل.

 

كل ده اتعودت عليه وقلبي مات؛ لحد الليلة دي؛ لمَّا وصلت النبطشية وعرفت إن في جثة جديدة؛ صاحبها مكانش له اسم، زيه زي أغلب الجثث اللي موجودة عندي، بس من الأوراق عرفت سبب موته، القَطر داس على جسمه في منطقة بعيدة عن المزلقان، فصل أطرافه وقطع رقبته وحوِّله لأشلاء، والناس اكتشفوا الحادثة بعد الفجر وهما طالعين لأشغالهم، مكانش معاه إثبات ولا أي حاجة تدل على شخصيته، حتى الناس اللي اتجمعت حوالين الحادثة مكانش حد منهم يعرفه، والحالات اللي زي دي بيبقى مصيرها معروف، تلاجة المشرحة لحد ما يتعرف أصله وفصله ويبان له أهل.

 

النبطشية كانت بدأت بشكل طبيعي، استلمت من الباش تمرجي اللي قبلي زي كل ليلة، بعدها تمِّمت على الجثث، كنت بفتح باب ورا التاني وببُص بصة سريعة، لحد ما وصلت عند الباب اللي فيه الجثة الجديدة، فتحته وبصيت على الجثة وساعتها قلبّي ارتجف، وكان غريب إني أتخض من منظر جثة.

 

قفلت الباب ومنظرها مراحش عن بالي، لأنها كانت متكوِّمة في كيس. أصل في الحالات اللي زي دي القَطر بيفرم الجثة ومُش بيسيب فيها حاجة سليمة، ويمكن ده اللي خلّى شكلها يأثر فيا.

 

رجعت قعدت على المكتب وأنا بترحّم عليهم جثة جثة، وزي ما تكون الرجفة اللي حصلت لي جابت لي صداع، مديت إيدي ناحية الكاتيل وحطيت فيشته في الكهربا ولقَّمت الكوباية، وانتظرت لحد ما المَيَّه غليت، مِسِكت الكاتيل وبدأت أصُب، لكن لقيت إيدي بتتهز، وده بسبب صوت الخبط اللي سمعته في باب من بيبان التلاجة.

 

أنا متعوِّد إن دَه بيحصل من وقت للتاني، ومتعوِّد أسمعهم وهُما بيحكوا تفاصيل موتهم، واللي بسمعه بيطلع مطابق للحقيقة لما تنكشف، إنما الخبط اللي سمعته دَه وراه غضب، ودَه اللي محصلش معايا من فترة طويلة.

 

حطيت الكاتيل ومشيت ناحية التلاجة، رميت ودني وبدأت أركز، وساعتها مسمعتش صوت الخبط، قُلت في بالي: جايز يا مخيمر باب تلاجة كان معلَّق كده ولا كده.

 

رجعت على المكتب وصبِّيت كوباية الشاي، وبدأت أشرب والنبطشية مشيت زي السكينة في الحلاوة، وبمجرد ما خلصت الشاي لقيت الدكتور يحيى بيمُر كالعادة:

_مساء الخير يا عم مخيمر.. الأخبار إيه النهاردة؟

_مساء النور يا دكتور.. عندنا ضيف جديد.

_راجل ولا ست؟

_راجل؛ القَطر داسُه ومحدش يعرف له أصل من فصل.

 

ساعتها وشُّه قشعر وملامحه اتغيرت، بس لأننا واخدين على الكلام ده رجِع لطبيعته وقال:

_طيب من فضلك اعطيني بيانات الجثة، عشان لو حد سأل عن شخص مفقود نقدر نقارن مواصفاته مع البيانات وييجي يتعرَّف عليها.

 

الموضوع مأخدش مني وقت؛ لأن الباش تمرجي اللي قبلي كان مسجّل مواصفات الجثة وكل حاجة عنها في الدفتر، يادوب نقلت البيانات في ورقة خارجية وناولتها للدكتور يحيى قبل ما يمشي، ورجعت قعدت على المكتب تاني، لكن في اللحظة دي لقيت رجليا بتتكلبش مكانها في الأرض.

 

كان في باب تلاجة مفتوح؛ ولأني حافظ مكان كل جثة قدرت أعرف إن ده باب الجثة الجديدة، وغصب عني لقيتني ببُص حواليا، لأن الجثة مكانتش موجودة في مكانها، وساعتها سمعت نفس الخبط لكن في الأرض ورايا، ولما بصيت أشوف الحكاية لقيت نفسي برجع لورا لحد ما خبطت المكتب، لأني اتفاجأت بشخص قاعد على ركبه في الأرض وضهره ليا، إيده كانت بتخبط في البلاط زي ما يكون بيحفر فيه، والأغرب من كل ده إن كل ما إيده كانت بتنزل في البلاط كانت بتطلع فيها طين وتراب، ومع الوقت لاحظت إن البلاط من قدامه مش موجود وإن مكانه أرض طينية.

 

كانت أول مرة أشوف حاجة زي دي، ومكنتش قادر أقتنع إن عيني خرَّفت، وبرغم كده تمالكت أعصابي وقرَّبت أشوف إيه الحكاية، لحد ما بقيت واقف ورا الشخص اللي في الأرض وعيني جايبة المكان قدامه، مكنتش مستوعب هو إزاي خلع البلاط بأيده، وفي نفس الوقت عيني كانت رايحة جاية مابينه ومابين باب التلاجة اللي الجثة مش موجودة فيه، في اللحظة دي جسمي اتخشِّب أكتر؛ لما لقيته التفت ناحيتي وهو بيقول:

_اللي في التُراب أذاني يا مخيمر!

 

كانت أول مرة أعرف يعني إيه رعب، مُش عشان اتكلم معايا وقال اسمي، لأ. ده بسبب إني لما شُفت وشه لقيته متلطَّخ بالأحمر، زي ما يكون مكتوب عليه بالدم، ولأنه قال كلامه الغريب وبَص للحفرة اللي قدامه؛ وده اللي خلاني ملحقتش أقرأ اللي مكتوب على وشه.

 

الواحد مهما كان قوي لكن قوته لها حدود، وجمدان القلب له طاقة؛ وأنا لما لقيت نفسي في الموقف ده جسمي اتكهرب وعيني غمَّضت غصب عنّي، لكن قُلت في نفسي: مينفعش تخاف يا مخيمر، ساعتها بس فتحت عيني ولقيتني بلِف حوالين نفسي في المكان ومش مصدَّق.

 

كل حاجة كانت رجعت لطبيعتها، بيبان التلاجة كانت مقفولة والأرض سليمة، وقفت وأنا مُش فاهم حاجة، وفي نفس الوقت سمعت صوت الدكتور يحيى من ورايا وهو بيقول:

-محتاج بيانات الجثة الجديدة يا عم مخيمر!

 

استغربت طلبه لأنه لسه واخدها من شوية؛ ساعتها بصيت ورايا عشان أكلمه، لكن اتفاجأت إني لوحدي، ومكانش في حد على الباب ولا في الممر.

_أنت واقف كده ليه يا عم مخيمر؟

 

الصوت كان جاي من ورايا، ولما بصيت لقيته الدكتور يحيى، واتضح لي إني سرَحت في اللي بيحصل وفضلت واقف تايه، وساعتها كمّل كلامه وقال لي:

_مُش قاعد على المكتب زي عوايدك يعني!

 

مكنتش عارف أرد أقول إيه، أصله مهما كان ده دكتور، ولو حكيت له عن اللي بيحصل هنا هيقول إني اتجننت من القعدة مع الجثث، عشان كِدَه حاولت أخرج من حالة التوهان اللي كنت فيها وقُلت:

_الواحد زهقان من القعدة.

 

كان واقف بيبتسم وهو باصص لي ومبيردش، وده اللي خلاني سألته:

_حضرتك محتاج حاجة يا دكتور؟

_كل الحكاية إني حاسس بملل؛ زهقت من القعدة في المكتب وقُلت أتمشّى.

_ومين سمعك يا دكتور.

_ما تعمل لنا شوية شاي يا عم مخيمر.

 

طلب منّي الشاي ودخل وقعد على المكتب، وأنا شديت كرسي وقعدت جنبه عشان أبقى قُريّب من الكاتيل، لقَّمت الكوبايات والميَّه غليت وصبيت الشاي وناولته كوباية، وساعتها أخدها من إيدي وقال:

_تسلم إيدك؛ شاي كشري من اللي بيعدل المزاج.

_بالهنا يا دكتور.

_إلا قول لي يا عم مخيمر؛ بتحِس بإيه وأنت سهران لوحدك جنب الجثث.

 

أخدت شفطة شاي وحطيت الكوباية على المكتب وقُلت له:

_ده عالم كبير يا دكتور، إحنا بنتعامل معاهم باعتبارهم جثث؛ لكن في الحقيقة دول أوعى منّي ومنك.

كان بيشرب في الشاي بتاعه وبيسمعني بتركيز، وساعتها سألني:

_أوعى منّي ومنك إزاي يعني؟

_عارف إن كلامي غريب على حضرتك، بس أنا عارف بقول إيه، أنا مشتغلتش شغلانة غير دي، يعني قضيت عمري كله هنا تقريبًا، عاوز أقول لك إن في جثث بتتكلم، بتحكي اللي حصل لها، الدنيا بتكون مقلوبة لحد ما سبب الوفاة ينكشف، لكن أنا بكون عارفه من قبل ما يطلع في تقرير رسمي؛ لأن أحيانًا الجثة بتكون قالت لي على اللي حصل لها بالظبط.

 

كان بيبُص لي ومبيرُدّش؛ وده اللي خلاني أقول:

_طبعًا مُش مصدق كلامي يا دكتور، طيب بالك أنت؛ الجثة الجديدة اللي وصلت النهاردة بدأتها بدري بدري، يظهَر كده إن وراها سِر.

_قصدك إيه إنها بدأتها بدري بدري؟

_سمعت من الباب بتاعها خبط كله غضب، ولما بصيت ناحيته لقيته مفتوح والجثة مش موجودة في مكانها، ولما سمعت صوت جاي من ورايا بصيت لقيت الميّت قاعد بيحفر في البلاط، وقدامه حُفرة وإيده كلها طينة.

_كلام إيه اللي بتقوله ده يا عم مخيمر؟

_زي ما بقول لَك كده، وساعتها بَص لي وقال: اللي في التُراب أذاني يا مخيمر.

 

كنت كل ما أحكي ألاقيه مستغرب كلامي، مكنتش قادر ألومه، مهما كان هو دكتور، وأكيد بيقول إن عقلي اتلحس من القعدة جنب الجثث، وزمانه بياخدني على قد عقلي لحد ما يشرب كوباية الشاي ويمشي، لكني اتفاجأت إنه بيقول لي:

_حصل إيه بعد كده يا عم مخيمر؛ احكي لي.

_مكنتش فاهم هو يقصد إيه، لكنه قال الكلمتين دول ولف وشه ناحية الحُفرة، لكن في الثواني اللي بَص ناحيتي فيها لمحت على وشه أشكال باللون الأحمر، زي ما تكون مكتوبة بالدَم.

 

كنت بوصف له وبشاور ناحية المكان اللي الحكاية دي حصلت فيه، وساعتها سمعت الدكتور يحيى وهو بيقول:

_تقصد زي دي كده!

 

ساعتها بلعت ريقي وبصيت على وش الدكتور يحيى، واتفاجأت إنه فيه رموز غريبة باللون الأحمر، دواير ومربعات جواها حروف وأرقام، وكان على جبينة كلام بيتغيّر، كانت كل ما كلمة تختفي تظهر مكانها كلمة، موت؛ جنون؛ هياج؛ دَم؛ أشلاء، جسمي اتنفض من اللي أنا شايفه، وفي اللحظة دي الخبط رجع تاني لكنه كان أشد من الأول، ومكنتش محتاج ألتفت عشان أعرف إنه خارج من باب الجثة الجديدة، كل ده كان بيحصل وهو بيبُص لي وبيضحك ضحكة غريبة، والكلمات اللي على جبينة بتتغير كلمة ورا التانية، لحد ما الرعشة اللي في جسمي زادت ولقيت نفسي بتزحزح من على الكرسي وبنزل بجسمي في الأرض والكوباية اللي في إيدي بتنكسر، وساعتها بَس اتكلم بنفس الصوت اللي سمعته من الشخص اللي كان بيحفر وقال لي:

_أنا اتأذيت يا مخيمر، اتأذيت أذى شديد وكان لازم أخلص منُّه، لما كنت بصرخ الناس كانت بتقول عنّي مجنون، مكانوش قادرين يشوفوا النار اللي كانت بتولع في جسمي؛ ولا كانوا بيشوفوا أثرها، مكنتش بصرُخ من فراغ، أنا كنت بتعذّب عذاب شديد ولسّه بتعذّب، لكن قبل ما أخرج من هنا، كان لازم أبلّغك إني مش هينفع أنزل تحت التراب واللي أذاني موجود فيه، مُش أنت بتقول إنك صديق الجثث يا مخيمر، أنا ببوح لَك بالسر اللي لسه محدّش يعرفه، أنت الوحيد اللي تعرفه دلوقت، وبكره هتتأكد من اللي بقوله، أنا مينفعش أنزل تحت التراب دلوقت يا مخيمر، مينفعش!

 

لقيت نفسي بغمَّض عينيا، لأن اللي شُفته بعد ما خلَّص كلامه كان بَشِع، أنا شُفت راسه وهي بتُقع من فوق جسمه والدم بيفور من رقبته، وشُفت دراعاته وهي بتسقط من جسمه والدَّم بيطرطَش في كل مكان، لحد ما اتحوّل قدامي لكوم أشلاء، والدم مالي الأرض من حواليه، ساعتها غمَّضت عيني ولقيت نفسي بندَه عليه:

_يا دكتور يحيى، يا دكتور!

 

الدُّنيا كانت هادية من حواليّا، لكن فضلت مغمَّض عيني، لحد ما حسيت بخطوات بتقرّب مني، وبعدها سمعت صوت الدكتور يحيى وهو بيقول:

_مالك يا عم مخيمر؛ إيه اللي جرى لك؟!

 

فتحت عيني لقيت الدكتور يحيى قدامي، كان بيمِد إيده وبيحاول يقوّمني من الأرض، حاولت على قد ما أقدر أساعده وأقوم، ولما وقفت على حيلي بالعافية قال لي:

_ما تجمَد يا عم مخيمر هي العضمة كِبرِت ولا إيه؟

 

مكنتش قادر أرُد عليه، كل اللي عملته إني بصيت على المكان اللي كان قاعد فيه قبل ما يحصل اللي حصل، وساعتها لمحت كوباية الشاي اللي شربها، كانت مليانة زي ما هي كأن مفيش حد قرَّب منها، برغم إني شُفته بعيني وهو بيشربها كلها، ولما لقاني مركّز مع كوباية الشاي اللي على المكتب بَص للكوباية التانية اللي اتكسرت منّي في الأرض وقال:

_أنت عامل اتنين شاي ليه يا عم مخيمر؛ كان معاك حد ولا إيه؟

 

وقفت متخشِّب ولساني معقود مقدرتش أرُد، لكنه كبّر دماغه من الإجابة وقال لي:

_جهّز الجثة الجديدة، في ناس بيسألوا عن شخص مفقود ومواصفاته مطابقة مع بيانات الجثة وعايزين يتعرفوا عليها.

 

بعد ما طلب منّي تجهيز الجثة سابني وخرج، حاولت أتلم على أعصابي؛ لأن في العادي لما الدكتور بيدخل ويقول الكلمتين دول؛ بيخرج ويرجع تاني ومعاه الناس اللي عايزة تتعرف على الجثة، ولازم يدخلوا يلاقوا الجثة جاهزة، شدّيت الترابيزة قدام باب الجثة الجديدة؛ فتحت التلاجة وسحبت الجثة على الترابيزة وكشفت عن راسها وعدَلت وشّها لفوق، كان نفس وش الشخص اللي شُفته بيحفر في الأرض، وقبل ما دماغي تاخدني لأي تفكير سمعت صوت خطوات بتقرَّب، ولما بصيت لقيته دكتور يحيى ومعاه اتنين شباب، اللي أوّل ما شافوا راس الجثة غمضوا عينيهم من منظرها وبعدها فتحوا وهزوا راسهم وقالوا:

_هو سلميان!

 

لما الشباب اتعرفوا على الجثة بدأنا في إجراءات خروجها، ولما الإجراءات خلصت كان في عربية إسعاف جاهزة تنقلها، لأن الميِّت واللي اتضح إن اسمه سليمان كان من قرية في محافظة تانية بعيدة عن هنا، وزي ما عرفنا من الشباب اللي طلعوا من أهله وكانوا بيدوروا عليه؛ إن سليمان كان مجنون، وكان بيخرج الصبح ميرجعش غير بالليل، لحد ما جه اليوم اللي خرج فيه ومرجعش، وده كان اليوم اللي قبل يوم الحادثة بالظبط، ولحد ما أخدوا الجثة مكنتش عارف هو إيه اللي جابه لحد هنا، وهل القَطر داسُه بالغلط ولا هو اللي اتعمّد يرمي نفسه.

***

 

لما الجثة خرجت من المكان كل حاجة رجعت لطبيعتها؛ وبرغم إنها مقعدتش غير ليلة واحدة، لكن معرفش ليه كانت معلَّقة في دماغي أكتر من أي جثة غيرها، حتى طريقة وصول أهل الميّت لحد هنا كانت غريبة؛ لأني لما كنت بتكلم مع الاتنين الشباب؛ عرفت منهم إنهم كانوا راكبين عربيتهم ورايحين يسألوا في مستشفى موجودة في بلد بعدنا، لكن العربية عطلت منهم قدام بلدنا، وساعتها دخلوا بيها عند ميكانيكي قريب من هنا، ولما عرفوا إنهم جنب مستشفى وفيها تلاجة قالوا يستغلوا الوقت ويسألوا، وساعتها لقوا الجثة عندنا؛ في المكان اللي مكانوش عاملين حسابهم يدوَّروا فيه.

 

_عامل إيه يا عم مخيمر؟

 

كان دكتور يحيى اللي بيمُر في بداية النبطشية كالعادة، وساعتها اكتفيت إني جاوبته على قد السؤال وقُلت:

-الحمد لله يا دكتور.

-كان مالك ليلة امبارح؟

 

ساعتها افتكرت اللي حصل، لكن محبّتش أتكلم معاه في تفاصيل؛ وده اللي خلاني قُلت:

-يمكن الضَّغط مكانش مظبوط ولا حاجة.

-سلامات يا راجل يا طيب، في جديد النهاردة؟

-مفيش أي جديد، لما استلمت النبطشية ملقتش جثث جديدة. 

 

لما اطَّمن إن الدنيا تمام سابني ومشي، لكن اتفاجأت إنه وقف على الباب يبُص في تليفونه وقت طويل، وده اللي خلاني أقول له: 

_محتاج حاجة يا دكتور؟

_ربنا يخليك يا عم مخيمر، كل الحكاية إني عرفت باسورد الواي فاي وشابِك عليه من وقت ما وصلت، واتضح لي إن الشبكة قوية في المكان عندك هنا.

_واي فاي إيه وباي باي إيه اللي بتتكلم عنه ده يا دكتور؟

_أنت زمانك عايش على الباقة يا عم مخيمر ولا تعرف يعني إيه واي فاي.

_حتى الباقة مش مفعّلها؛ أصل هعمل بها إيه؟ طول الليل بكون هنا والنهار بقضيه نوم.

_طيب هعطيك باسورد الواي فاي واشبُك وادخُل نت، بس محدّش ياخد خبر إني عرَّفتك الباسورد. 

_وأنا هعمل إيه بالنت بَس.

_أدخل فيس بوك؛ أنيستا؛ أقرأ أخبار، ولا أقول لك؛ ما تدخل تيك توك، بس بقول لك إيه؛ أوعى بعد أسبوع ولا اتنين ألاقيك بقيت تيكتوكر.

 

رغم إني رفضت اللي بيقول عليه لكن لقيته مصمم، لدرجة إنه أخد تليفوني وشبكُه واي فاي وعمل لي اسمه إيه ده أكاونت على تيك توك، وبعدها عرّفني إزاي أبحث عن فيديوهات، ولما سابني وخرج قُلت أسلّي نفسي في حاجة جديدة جايز أنسى حكاية الجثة دي.

 

مكنتش عارف أبحث عن إيه بالظبط، لكن واحد زي حالاتي ميعرفش في حياته غير الجثث؛ لقيت نفسي بكتب في خانة البحث كلمة جثث، وفيديو ورا التاني، لحد ما لقيت قدام منّي فيديو فيه صورة شبه صورة سليمان، ساعتها فتحت الفيديو وبدأت أتفرج، وشُفت الاتنين الشباب اللي اتعرفوا عليه موجودين في الفيديو، وناس تانية حوالين منهم، المكان كان في المقابر، فهمت من الفديو إنها جنازة سليمان، لكن مُش ده الغريب، الأغرب كان الجزء التاني من الفيديو، اللي كان فيه شيخ بيفتح كيس أسود، وطلَّع منه صورة سليمان وكان مكتوب عليها بالأحمر رموز وأرقام، وكان حوالين منه نفس الكلام اللي ظهر على جبين دكتور يحيى لما تخيلت إنه قاعد بيشرب شاي معايا، موت؛ جنون؛ هياج؛ دَم؛ أشلاء، وفي اللحظة دي الشيخ كان بيرمي فوق الصورة مَيَّه بملح من إزازة في إيده، وهو بيقول بصوت كله غضب:

_سِحر أسود، من اللي بيخلّي المسحور يشوف نفسه بيتحرق ويحس بألم الحَرق وهو حَي، وبيوصّل المسحور لمرحلة الجنون، وخادم السّحر لو اتمكن منه بيخليه ينتحر بالطريقة اللي مكتوبة في العَمل، أشلاء؛ زي ما حصل مع سليمان اللي في الصورة، عقله راح وانتهى به الحال إنه رمى نفسه تحت القَطر واتحوّل لأشلاء، ربنا ينتقم من كل ظالم!

 

لحد هنا الفيديو انتهى، واتفاجأت إن في فيديو تاني اشتغل من نفسه وكان لنفس الشيخ وفي نفس المكان؛ المقابر، وساعتها كان بيقول: وإحنا بندفن الجثة حسينا إن الأرض تحت رجلينا طريّة، كانت حاجة غريبة خلتنا ناخد بالنا إن في حاجة غلط، ساعتها حفرنا قدام القبر ولقينا الكيس اللي فيه العمل، وطبعا كلنا عرفنا اللي عملته ودفنته عند مقابر العيلة، الطمع وقلة الدين بتخلي الناس تكفُر وتعمل أعمال كُفر، بس محدش واخد منها حاجة، أي نعم اللي ربنا ستره إحنا منفضحوش، لكن كلنا عرفناها، وهي للأسف من فترة تعبت تعب مفاجئ ووصلت لحالة متأخرة بين الحياة والموت، قانون إلهي بيحاسب اللي بيأذي غيره، داين تُدان، ومن رحمة ربنا إن العمل خرج قبل ما ندفن سليمان، لأن السِّحر ده من اللي بيستمر في أذى الميّت بعد ما يندفن، والميّت مش بيرتاح في قبره غير لما العمل يخرج من تحت الأرض، لكن يشاء ربنا إن السِّحر يخرج من تحت التراب قبل ما المسحور يندفن!

 

مقدرتش أستوعب ولا أكمل، قفلت التليفون غصب عني وأنا بفتكر سليمان لما ظهر قدامي وهو بيقول: اللي في التُراب أذاني يا مخيمر! 

 

مكنتش مصدق الطريقة اللي اتجمعت بها خيوط الحادثة دي، ولا كنت مصدَّق إن علاقتي بالجثث تتطور للدرجادي، بعد ما كنت بسمع صوتها وبتحكي سبب موتها قبل ما التقارير تكشفها، بقت تتجسّد قدامي وتحكي وأنا شايفها، سليمان كان بيحفر والبلاط قدامه اتحول لتراب، دلوقت بس فهمت إنه كان بيحاول يقول لي إن اللي خلاه يوصل للمصير ده كان سحر أسود مدفون في الطين، وإن اللي ظهر على وشه ساعتها كان اللي مكتوب في السحر، ولما ظهر لي على إنه دكتور يحيى كان بيحاول يأكد عليا من تاني، كان بيحكي لي بطريقة مختلفة عن باقي الجثث، يمكن لأنه مات بطريقة مختلفة، يعني لا حادثة ولا جريمة قتل عادية، ده اللي قتله هو السِّحر، وجايز اللي جابه لحد هنا قدرُه عشان يكون عندي، يمكن لو كان دخل تلاجة تانية وبقى مع باش تمرجي غيري مكانش قدر يحكي بالطريقة دي، لأني معتقدش إن في باش تمرجي مشرحة علاقته قوية بالجثث غيري، ولا الحكايات في مشرحته زي اللي بتحصل في مشرحتي.

 

**

_هو السحر بيموّت يا زعفرانة؟

_السحر الأسود بيعمل كل حاجة.

_لكن أنا شاكك في حاجة.

_شاكك في إيه؟

_إيه اللي عطّل عربية الشباب عند البلد اللي فيها المستشفى؟

_أنا اللي عطّلتها، عشان يروحوا يسألوا في المستشفى ويلاقوا الجثة.

_وتفتكري الناس قبل ما يدفنوا سليمان اكتشفوا السِّحر بالصدفة؟

_أنا برضه اللي عملت حيلة الأرض عشان ألفِت نظرهم، أصل أنا متابعة الحكاية من ساعة ما كنت في المشرحة لأني بحب أحضر الحكايات اللي بتحصل فيها، وتابعت الجثة وهي داخلة، لحد ما مخيمر وصل وبعدها شاف سليمان بيحفر في الأرض وبيقول له إن اللي أذاه تحت التراب، هو كان على حق، لو كان اندفن والعمل لسه مدفون كان زمانه بيتعذب لحد ما العمل يطلع وحد يفسده، أنا اللي وصّلت الشباب للمستشفى وأنا اللي دلّيتهم على العَمل، وأنا اللي قلبت السِّحر على الساحر من قبل ما الحكاية تبدأ، وخليت اللي صاب سليمان يصيب اللي عملت السِّحر، لكن للأسف مقدرش أمنع الموت، هو عمره انتهى لحد هنا ومكتوب له يموت بالطريقة دي، ومفيش حد مهما بلغت قوته يقدر يغيّر من النهاية اللي حصلت.

 

تمت...

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
4↓الكاتبمدونة محمد شحاتة
5↓الكاتبمدونة غازي جابر
6↓الكاتبمدونة خالد العامري
7↓الكاتبمدونة ياسر سلمي
8↓الكاتبمدونة هند حمدي
9↑5الكاتبمدونة خالد دومه
10↓-1الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑19الكاتبمدونة منى كمال217
2↑16الكاتبمدونة يوستينا الفي75
3↑10الكاتبمدونة طه عبد الوهاب147
4↑10الكاتبمدونة وسام عسكر214
5↑8الكاتبمدونة عطا الله حسب الله137
6↑8الكاتبمدونة مروة كرم144
7↑8الكاتبمدونة سارة القصبي159
8↑8الكاتبمدونة عزة الأمير170
9↑7الكاتبمدونة اسماعيل ابو زيد62
10↑7الكاتبمدونة هبة محمد194
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1101
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب701
4الكاتبمدونة ياسر سلمي666
5الكاتبمدونة اشرف الكرم585
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري510
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني432
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين423
10الكاتبمدونة شادي الربابعة406

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب350591
2الكاتبمدونة نهلة حمودة205182
3الكاتبمدونة ياسر سلمي190309
4الكاتبمدونة زينب حمدي176691
5الكاتبمدونة اشرف الكرم138507
6الكاتبمدونة مني امين118850
7الكاتبمدونة سمير حماد 112703
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي103907
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين101279
10الكاتبمدونة مني العقدة98597

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة محمد فتحي2025-09-01
2الكاتبمدونة أحمد سيد2025-08-28
3الكاتبمدونة شيماء حسني2025-08-25
4الكاتبمدونة سارة القصبي2025-08-24
5الكاتبمدونة يوستينا الفي2025-08-08
6الكاتبمدونة منى كمال2025-07-30
7الكاتبمدونة نهاد كرارة2025-07-27
8الكاتبمدونة محمد بن زيد2025-07-25
9الكاتبمدونة ناهد بدوي2025-07-19
10الكاتبمدونة ثائر دالي2025-07-18

المتواجدون حالياً

255 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع