هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • يُروى أنَّ للحُبِّ حكايةً
  • إلى المدينة الجائعة 
  • تجلي الغياب 
  • البقاء للأروق
  • جرحٌ لم يلتئم
  • خطى الحدود
  • تجلَّدتُ عن هواها
  • ما هجرتك إلا صونا
  • نُضجُ النور
  • طلسمُ النور
  • ملامح تنسى وأثر يبقى
  • تحطم كُلي دون جبر
  • كانت تمطر
  • لطالما كانت تحلم..
  • الفقد - هذا حالي
  • الغربة أرضية مشتركة
  • مبدأي في الحياة
  • من الموالد إلى المهرجانات
  • هي شهرزادٌ.. وشهرزادٌ هي
  • اهوى فضفضة الشعور.. بحضرةِ راهب
📚 خدمة النشر الورقي من مركز التدوين والتوثيق
حوّل أعمالك الرقمية إلى كتاب ورقي يحمل اسمك ورقم إيداع رسمي ✨
اكتشف التفاصيل الكاملة
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شحاتة
  5. حبيب الأعور

 -أنت لازم ترجع البلد وتعيش مع عمِّتك يا ياسين، وأنا هبقى أنزل زيارة كل سنة عشان أشوفك. المُجتمع هِنا معادش قابل تصرُّفاتك الغريبة، الناس بقت بتشاور عليك وتقول عنَّك غريب الأطوار، والحكاية دي هاتضرّني قبل ما تضرّك.

كلام أبويا كان بيرِن في وداني وأنا راجع في الطيارة من آيسلندا على مصر. ماكنتش عارف إذا كان القرار ده صح ولا غلط، لكن في النهاية كان لازم أنفِّذه، أصل أبويا خاف على مشوار خمسة وعشرين سنة عاشهم هناك، نَحَت في الصخر لحد ما بقى صاحب شركة استيراد وتصدير، وخاف إن ابنه الوحيد يضيَّع كل ده لأن الناس شيفاني زي ما وصفني بالظبط، خصوصًا إني كبرت وبقى عندي 17 سنة، يعني بالنسبة لهم هناك بقيت إنسان ناضج كفاية عشان أتحاسب على كلامي وتصرُّفاتي.

لمَّا وصلت مطار القاهرة؛ لقيت في انتظاري شخص بشوفه لأوّل مرَّة، عرفت إنه مُنتظرني من اليافطة اللي في إيده، كان مكتوب عليها اسمي: ياسين صبري، قرَّبت منُّه وقُلت له:

-أنا صاحب الاسم اللي مكتوب على اليافطة.

رحَّب بيَّا بطريقة روتينية جدًا، بعدها قال لي:

-اتفضل معايا، العربية راكنة قريِّب.

سحبت شنطتي ورايا ومشيت معاه، ركبنا العربية واتحرَّكنا، طول الوقت كنت سرحان في الطريق، الدنيا كانت جديدة عليّا لأني اتولدت في آيسلندا وعِشت حياتي هناك، ودي أوّل مرَّة أنزل فيها مصر وأشوف الطُرق والغيطان، ماحسِّيتش بنفسي غير والعربية بتُقف قدام بيت كبير، بوابته كانت مفتوحة وواقف جوَّاها واحدة كنت حافظ ملامحها كويس من الصور؛ عمتي هِند.

لمَّا نزلت من العربية جت ناحيتي وأخدتني بالحُضن، وده لأنها كانت بتشوفني لأول مرَّة في الواقع، ولمَّا السواق نزِّل الشنطة ومِشي دخلت معاها البيت، وبعد ما غيَّرت هدومي وأكلت قعدت معاها، وساعتها قالت لي:

-غريبة يعني إن أبوك بعتك تعيش معايا، ده من يوم ما اتولدت وأنا بقول له عايزة أشوف ياسين وهوَّ يقول لي حاضر؛ هحاول أنزل زيارة وأجيبه معايا.

-أنتِ زعلانة إني هاعيش معاكي ولا إيه يا عمّتي؟

-لأ طبعًا؛ ده اسمه كلام برضه، أنا بَس عايزة أعرف السبب، أصل أبوك قَطَم الكلام وقال إنك جاي تعيش معايا وخلاص، مقالش إيه اللي غيَّر رأيه.

أخدت نَفَس عميق وقُلت لها:

-أنا أقول لِك، الناس هناك في آيسلندا بتقول عنّي غريب الأطوار.

بصَّت لي باستغراب وقالت:

-اسم الله الحفيظ، تطلع إيه غريب الأطوار دي؟

ضِحِكت على رد فعلها، علَّقت على كلامها وقُلت لها:

-غريب الأطوار هناك بتتقال على الناس اللي بيشوفوا كلامها وأفعالها غريبة، زي المجاذيب عندكم كده.

-الشر برَّه وبعيد، مجاذيب إيه بَس ماتقولش على نفسك كِدَه.

-أنا بقول لِك الحقيقة، ولأن أبويا خاف على المكانة اللي وصل لها هناك، خاف إن كلام الناس عنّي يضرُّه، عشان كِدَه قرَّر يبعتني أعيش هنا. عرفتي بقى ليه غيَّر رأيه؟

بصَّت لي وكأنها بتفكَّر في كلامي، وبعدها قالت:

-والناس ليه بتقول عنَّك غريب الأطوار اللي أنت قُلت عليها دي؟

كُنت عارف إنها هتسألني السؤال دَه، عشان كِدَه قررت أشرح لها السبب فقُلت لها:

-من ساعة ما بدأت أوعى على الدنيا وأنا حاسس إن في حد عايش جوَّايا، بحِس بوجوده وبسمع صوته بيكلّمني، بيقول لي عن الحاجات اللي لسَّه هاتحصل، ودايمًا كلامه بيكون صح. بالِك أنتِ يا عمِّتي؛ في مرَّة رُحت الشركة مع أبويا، ساعتها شاورت له على واحد من الموظفين وقُلت له: الشخص ده هايسرقك، وقتها ماصدَّقنيش، بس بعدها بكام يوم نفس الموظف سرق فلوس من الشركة وهرب، حتى الست الآيسلندية اللي اتجوزها بعد أمي الله يرحمها، وبرضه قُلت له: إنها هاتضحك عليه، ماسمِعش كلامي واتجوزها، وفعلا كانت متجوزاه عشان طمعانة فيه، ونفس الكلام دَه كان بيحصل بيني وبين أصحابي، لحد ما بدأوا يخافوا منّي ويقولوا عني غريب الأطوار، هي دي الحكاية.

نظراتها ليّا كانت بتقول إنها خافت من كلامي، عشان كِدَه سألتني:

-أوعى تكون مخاوي يا ياسين؟

-مخاوي إيه بَس يا عمّتي، عن نفسي لحد دلوقت مش عارف دَه بيحصل معايا إزاي.

-محاولتش تسأل حد في الحكاية دي؟

-هسأل مين في آيسلندا؟ مافيش هناك شيوخ الناس بتسألهم زي هنا، وبعدين جَت عليَّا فترة كِدَه قرأت عن الحكاية دي، ولقيت اللي بيقول إن دَه طبيعي، واللي بيقول دي حاسة سادسة، وكلام كتير مُش عارف إيه الصَّح وإيه الغلط.

قفلت كلام في الحكاية دي عشان حسِّيت إنها بدأت تقلق منّي، بعدها خرجنا البلكونة قعدنا فيها، ومافيش دقايق وسمعت دوشة في الشارع، قُمت من مكاني وبصِّيت، ساعتها شُفت واحد فايت، كان لابس جلَّابية عليها القيمة، شَكله بيقول إنه مَبسوط وصاحب عِز، أما الدوشة؛ فكانت عبارة عن ترحيب النَّاس بيه وهو فايت، دَه حتَّى بَص ناحية البلكونة اللي أنا فيها وشاور لي وفضِل مركِّز معايا شويَّة.

ماعملتش أي رد فعل ولا ردِّيت عليه، افتكرته بيشاور لحد تاني أنا مش واخد بالي منُّه، وبرغم كِدَه ركِّزت مع عينيه، ولمَّا مشي بعيد عن البيت بالهيصة بتاعته قُلت لعمّتي:

-مين اللي كان فايت والنَّاس عاملة مهرجان عشانه ده؟

ردَّت عليَّا بتلقائية وقالت:

-دَه الشيخ حبيب.

-والشيخ حبيب دَه داخل انتخابات ولا إيه؟

-انتخابات إيه اللي يدخلها؟ هوَّ بسم الله ما شاء الله محتاج انتخابات؟ 

-أومّال النَّاس فرحانة بيه ليه؟

-عشان راجل مبروك وسرُّه باتع ولُه كرامات، أهل البلد كلها بتحبُّه زي ما أنت شايف كِدَه.

استغربت كلامها لأنَّه مجابتش سيرة أي عيب فيه، عشان كِدَه قُلت لها:

-سبحان الله، بتقولي إنه مبروك ولُه كرامات رغم إنه أعوَر.

حسِّيت إن عمِّتي لَمسِت سِلك كهربا عريان، جسمها اتنفض والذهول سيطر عليها، عينيها وسعت وفضلِت تبحلق فيَّا فترة طويلة بدون ما تنطق، في اللحظة دي كمِّلت كلامي وقُلت لها:

-مالك يا عمِّتي إيه اللي حصل لِك؟

أخدت وقت على ما عرفت تتخلَّص من ذهولها وقالت لي:

-إيه اللي بتقوله دَه يا ياسين، الشيخ حبيب لا هو أعوَر ولا فيه حاجة من اللي بتقول عليها دي.

في اللحظة دي عرفت إن في حاجة غلط، وساعتها بقيت حريص في الكلام معاها وأنا بقول لها:

-يعني إيه مافيهوش حاجة من اللي بقول عليها؟

-يعني الراجل مبروك والنَّاس كلها بتحبُّه، ومافيش حد من أهل البلد بيقصُده في حاجة وبيتأخَّر عنُّه، ووشُّه سِمِح وبيضحك في وّش اللي بيقابله، جِبت منين بقى حكاية الأعور دي؟

ماعرفش ليه اخترت إني أسكُت، بصَّيت من تاني برَّه البلكونة، ساعتها كان الشيخ حبيب دَه وصل لآخر الشارع، وبرضه كان واصلنا صوت النَّاس وهي بترحِّب بيه، ولأنِّي صاحب سوابق في الحكاية دي، عرفت إن الحاجة اللي جوَّايا هيَّ اللي خلَّتني أشوفه كِدَه، نفس اللي كان بيحصل معايا في آيسلندا اتكرَّر بمجرَّد ما وصلت البيت في مصر، لأ وبيتكرَّر بطريقة أصعب كمان.

رجعت قعدت في البلكونة، ماحبِّتش أفتح سيرة الحكاية دي مع عمِّتي من تاني، وهيَّ كمان قفلِت الكلام فيها زي اللي ما صدَّقت.

الأيام فاتت على الحال دَه؛ كنت قاعد في البيت مابخرجش لأنّي ماعرفش حد هنا، ولا حتى عارف الشوارع بتودِّي لفين ولا بتجيب منين، واللي لاحظته؛ إن مافيش يوم بيفوت غير لمَّا بسمع نفس الدوشة في الشارع، وساعتها بعرف إنه فايت، برغم كِدَه محاولتش أخرج البلكونة في التوقيت دَه، اكتفيت بإنّي أقف ورا الشبّاك عشان أشوفه، وبدون ما عمِّتي تاخد بالها، وفي كل مرَّة كنت بشوفه في نفس الشَّكل اللي شُفته فيه لأوِّل مرَّة؛ أعوَر! لحد عمِّتي في ليلة قالت لي:

-هاتفضل قاعد يا ياسين؟

استغربت سؤالها وقُلت لها:

-عاوزاني أعمل إيه؟

-عاوزاك تخرج تشوف الدنيا، تتعرَّف على الناس وتشوف حد من سنَّك تتصاحب عليه، ولا عايز تعيش هنا وفي نفس الوقت لا حد يعرفك ولا تعرف حد، بَس بقول لك إيه، بلاش حكاية غريب الأطوار بتاعتك دي.

كلام عمِّتي شجَّعني أبدأ المشوار اللي كنت خايف أبدأه، نزلت أتمشَّى في البلد، خرجت من شارع لشارع؛ لحد ما لقيت ساحة واسعة، كان بيطُل عليها قهوة وبيوت ومسجد كبير.

دخلت القهوة وقعدت على ترابيزة فاضية، وشوية لقيت الساعي اللي في القهوة جاي ناحيتي، كان شاب من سنّي ولابس مريلة بيضا وشايل صينية وبيقول لي:

-الباشا يشرب إيه؟

وبدون ما أفكَّر قُلت له:

-هات لي قهوة، بَس تكون سادة.

سابني ومشي، فضلت قاعد وأنا ببُص على الناس، اللي بيلعب دومينو واللي بيلعب طاولة، ده غير دخان الشيشة اللي معبِّي المكان، الميكس الغريب دَه ماكنتش بشوفه غير لمَّا كنت بقعد مع أبويا نتفرج على أفلام مصرية، وفجأة ييجي مشهد لقهوة بلدي في الحواري. وفي وسط الزحمة، عيني جَت على مجموعة شباب، كانوا في نفس سنّي تقريبًا، ماعرفش ليه الصوت اللي جوَّايا قال لي إنهم بيهمسوا ما بين بعضهم عنّي، ده لمَّا بيحصل ببقى عارف إن اللي عرفته حقيقة، لأني متعوّد على دَه؛ وإلا ماكنتش بقيت غريب الأطوار، ولا أبويا قرَّر يخليني أسيب آيسلندا.

نظراتهم ناحيتي من وقت للتاني أكِّدت صحِّة اللي عرفته، بَس قلت عادي، المجتمع هنا فضولي بدرجة كبيرة، وأنا مهما رُحت أو جيت واحد غريب، وفي نفس الوقت بيشوفوه لأوّل مرَّة على القهوة، دَه غير كمان إنّي من سنِّهم.

كبَّرت دماغي من ناحيتهم لمَّا لقيت القهوة بتتحط قدَّامي على الترابيزة، وجنبها كوباية مَيَّه، شَكرت الساعي وقُلت له:

-اسمك إيه؟

-اسمي محروس.

-حلو اسم محروس دَه.

-أصل الشيخ حبيب هوَّ اللي سمَّاني.

ماعرفش ليه صورته ظهرت قدَّامي، شُفته بملامح خبيثة وبعين واحدة، أما عينه التانية، فكانت مقفولة تمامًا، حتى جفنها ورموشها مكانوش موجودين، غمضت عينيا وفتحتها عشان الصورة تروح من قدامي، وساعتها قُلت له:

-وهو الشيخ حبيب يبقى أبوك؟

-يا خبر يا أستاذ، هوَّ أنا أطول يبقى أبويا!

-أومَّال سمَّاك بمناسبة إيه؟

-أنا هحكي لك، أصل أبويا وأمّي مكانش بيعيش لهم عيال، كل ما يتولد لهم عيّل من هنا مايكمّلش أسبوع ويموت، لحد ما أمي حملت فيّا، وقبل ما تولدني أبويا أخدها وراح للشيخ حبيب، ساعتها قرأ عليها في سرُّه ولمَّا خلَّص قال لهم لازم تسمّوا المولود محروس عشان يعيش، ولمَّا عملوا اللي قال عليه فضلت عايش وواقف قدامك أهو، ومش أنا وبس اللي عمل معايا كِدَه، دَه الشيخ حبيب مسمّي نُص عيال البلد تقريبًا.

بصِّيت له باستغراب وقُلت له:

-للدرجادي؟

-زي ما بقول لك كِدَه، دَه راجل بَركة وإحنا نخدمه بعنينا، اللي ابنه بتحصل معاه مشكلة بيعالجها، واللي ابنه بيتوه منُّه بيقول له على مكانه، واللي بتكون عايزة حاجة تتحقق بتروح له ويعمل لها حجاب وبتتحقق على طول، وأهل البلد كلهم بيعطوه هدايا كتير وعنده خير ربنا، دَه راجل مبسوط ومقتِدِر وبياكل اللحمة بقطعيِّة الجزار، وكراماته كتير.

رفعت كوباية القهوة وأخدت أوّل شفطة منها، دماغي سرحت لبعيد؛ لأن الشيء اللي جوّايا كان بيكذّب كل كلمة محروس بيقولها، مُش لأن محروس نفسه كذاب، لأ. دَه اللي بيحكيه عن الشيخ حبيب هوَّ اللي فيه حاجة غلط، صوت جوَّايا بيلِح عليَّا إن الناس هنا على عينهم غشاوة مخلِّياهم يشوفوه كِدَه.

-أنت بقى تبقى ياسين ابن الأستاذ صبري، مظبوط؟

حطيت كوباية القهوة على الترابيزة، رفعت وشِّي ناحيته لأني اتفاجئت إنه لسَّه واقف جنبي، ساعتها بصِّيت وقُلت له:

-والمعلومة دي بقى من تخمينك؛ ولا الشيخ حبيب هوَّ اللي قال لك عليها.

في اللحظة دي ضِحك وقال لي:

-لا تخميني ولا الشيخ حبيب قال لي، ده السواق اللي جابك من المطار مسابش حد غير وقال له إنك وصلت.

-أيون أنا ياسين صبري، وأعتقد بقى يا محروس تشوف زباين القهوة، ولا هاتفضل واقف جنبي أنا؟

سابني ومشي ودماغي سرحت من تاني في كلامه، مُش هانكر إني دايمًا بحاول أتجاهل الفضول اللي جوّايا، وفي نفس الوقت؛ بحِس بقوَّة غريبة جوَّايا بتخليني أمشي ورا الصوت اللي بسمعه، ودَه اللي جايب لي الكافيَة زي ما بيقولوها هنا في مصر.

خرجت برَّه دايرة تفكيري من تاني؛ لمَّا سمعت صوت جنبي بيقول لي:

-ياسين ابن الأستاذ صبري، مُش كِدَه؟

بصِّيت ناحية اللي بيكلِّمني، لقيت واحد من الشباب اللي كانوا قاعدين على ترابيزة وبيهمسوا عليَّا، وقبل ما أرُد عليه قُلت في نفسي: واضح كِدَه إن مافيش حاجة بتستخبَّى في البلد دي، عشان كِدَه قُلت له:

-مظبوط، وأنت اسمك إيه بقى؟

-اسمي عِبادة.

-حلو الاسم دَه، وبرضه الشيخ حبيب هوَّ اللي سمَّاك، مُش كِدَه؟

ساعتها ضِحك على كلامي وقال لي:

-للأسف لأ، جدّي الله يرحمه هوَّ اللي سمَّاني، وبعدين راجع لسَّه من آيسلندا وأوَّل مرَّة تشوف البلد، وألاقيك عارف إن الشيخ حبيب هوَّ اللي اختار اسم عيال كتير هِنا!

-مستغرب ليه؟ يظهر إن مافيش وراكم شغلانة هنا غير سيرته.

-دي حقيقة، وعلى فِكرة الحكاية دي مش من فراغ.

-إزاي يعني؟

-يعني جرَّب كِدَه تروح عند بيته أيام امتحانات الثانوية العامة، هتلاقي كل بيت في البلد عنده حد بيمتحن موجود هناك، واخد هدايا ياما ورايح يتبارك بيه عشان ابنه ينجح، واللي اتجوِّز وربنا مارزقوش بعيال بيروح وبعدها ربنا بيرزقه، واللي ابنهم سافر واتقطعت أخباره وبقى من المفقودين، بيروحوا له وبعد كِدَه ابنهم بيرجع يتواصل معاهم ويعرفوا إنه عايش، واللي عيِّل من عيالهم يتوه الشيخ حبيب بيرجَّعه تاني، حاجات كتير أوي واحد زيَّك جديد على ثقافتنا مش هيستوعبها.

ماعرفش ليه الصوت اللي جوَّايا قال لي إنه بيقول كلام هوَّ مُش مقتنع بيه، عشان كِدَه سألته:

-وأنت مُقتنع بالكلام ده؟

رَد عليَّا بدون ما يفكَّر وقال لي:

-ومش عاوزني أقتنع ليه؟ إذا كان اللي بقوله واقع وحقيقة الكل يعرفها.

قفلنا باب الكلام عن الشيخ حبيب، وطبعًا ماجيبتش سيرة الهيئة اللي شُفته فيها لمَّا رفع وشُّه ناحيتي في البلكونة، أعتقد لو كُنت قُلت حاجة زي دي ماكنتش هطلع سَليم من القهوة، واضح جدًا إنه الشيخ حبيب عندهم شيء مقدَّس ممنوع حد يقرَّب منُّه، عشان كِدَه أخدت الكلام في ناحية تانية، بدأنا نقارن بين حياة الناس في البلد والناس في آيسلندا، وكلام كتير حرقنا بيه الوقت.

ماقطعناش كلامنا غير لمَّا سمعنا صوت ميكروفون المسجد، كان بيعلن عن حد اتوفى، ولفت انتباهي إنه بيقول الدفنة تاني يوم بعد صلاة الضُّهر، عشان كِدَه سألت عِبادة وقُلت له:

-اشمعنى بُكره الضُّهر يعني؟ مش المفروض برضه إن إكرام الميِّت دفنه؟

-أنت صَح، بَس عمومًا الناس هنا مش بتحِب الدَّفن بالليل غير في حالات ضرورية، حادثة مثلًا، حاجات كِدَه يعني، دَه غير إن الشيخ حبيب نفسه من زمان مانع إن حد يدفن بالليل.

-يعني كمان نفوذه واصل إنه يتحكم في مواعيد الدفن؟ أومال بقى لو في حالة ضرورية زي الحادثة بيحصل فيها إيه؟

-مافيش حد يقدر يكسر كلمة الشيخ حبيب ويخسر كراماته، في الحالة دي أهل المتوفّي بيطلبوا إنه يفضل في تلاجة المستشفى لحد تاني يوم، وبعدها يدفنوه.

أخدت نفس عميق وبعدها رفعت كوباية المَيَّه وأخدت بُق، كُنت ببلَّع الكلام اللي اتحشر في زوري عشان ماكنتش مقتنع بيه، واللي كان عَكس الكلام اللي بسمعه من جوَّايا، الشيخ حبيب دَه داهية ووراه سِر كبير، وجايز ربنا أراد إني أسيب آيسلندا وأرجع مصر عشان سِرُّه ينكشف على إيدي.

بَس إزاي؟ أنا لو حاولت أعمل أي حاجة هاتحَط في مشكلة كبيرة، ومش بعيد أدخل في مشكلة مع أبويا؛ لأني هعمل له مشاكل هِنا زي ما عملت له مشاكل في آيسلندا، لكن لقيت هَمس جوَّايا بيدفعني إني أعرف مكان بيت الشيخ حبيب، ولقيتني بدون تردُّد بسأل عِبادَة:

-أروح عند بيته إزاي؟

بَص لي باستغراب وضيَّق عينيه وقال لي:

-بيت مين؟

-هايكون بيت مين يعني؟ بيت الشيخ حبيب.

مافكَّرش كتير، وَصَف لي طريق البيت، جايز عشان مكان البيت مِش سِر ومن السَّهل أوصل له، بعدها سمعنا أذان العِشا، خرجنا من القهوة ورُحنا على المسجد صلِّينا، وبعدها رجعنا القهوة تاني، في الوقت دَه اتعرَّفت على الشِّلَّة اللي مع عبادَة، وأخدنا أرقام بعض، وبعد ما خلَّصنا قعدتنا رجعت على البيت، ساعتها عمِّتي قالت لي:

-عوَّقت برَّه يا ياسين، أنت بخير؟

-بخير يا عمِّتي، أومَّال ما اتصلتيش بيَّا ليه؟

-ماحبِّتش أقلِق راحتك.

-أنا قعدت على القهوة واتعرَّفت على ناس، كل حاجة تمام.

-المهم إنك بخير، أقوم أجهِّز لَك العَشا بقى.

دخلت البلكونة على ما تجهِّز العَشا، نَفس المَشهد اتكرَّر للمرَّة التانية، الشيخ حبيب كان فايت في الشارع ومن حواليه نفس الزَّفَّة، وللمرَّة التانية برضه رفع وشُّه ناحية البلكونة وبَص عليَّا، شُفته بنفس الهيئة؛ أعور، لكن المرَّة دي ابتسم لي ابتسامة غامضة، الصوت اللي جوَّايا فسَّرها على إنها ابتسامة تحدّي، زي ما يكون بيحاول يوصَّل لي إنه فاهم أنا بفكَّر في إيه، ومالقتش معنى لابتسامته غير إنه بيقول لي: انسَى.

بعد ما اتعشيت دخلت قعدت في أوضتي، ساعتها استلمت مكالمة من أبويا، كان بيطَّمن عليَّا وبيشوف الدنيا معايا عاملة إيه، وبرضه مانساش يحذَّرني من تصرُّفاتي، وقال إني في مصر مش آيسلندا، يعني هنا مش هيتقال عنّي غريب الأطوار، دَه الناس هاتوصفني بالمجنون أو المجذوب، ومش بعيد يقولوا عنّي ممسوس أو مشعوذ.

المكالمة فاتت تقيلة على قلبي، ولمَّا قفلت فضلت قاعد، التفكير طيَّر النوم من دماغي، ماعرفش إن كان الوقت فات بسرعة ولا ببطء، ماحسِّيتش بنفسي غير مع أذان الفجر، خرجت من الأوضة ولقيت عمِّتي نايمة، أخدت بعضي ونزلت، خرجت من البيت وطلعت على المسجد، بعد الصلاة قابلت عِبادة، وقفنا قدام المسجد اتكلمنا شوية، بعدها قُلت له إني راجع البيت عشان مطبَّق ومحتاج أنام.

لمَّا سابني ومشي غيَّرت خط سيري، مشيت على وصف بيت الشيخ حبيب اللي أخدته من عِبادَة، مشيت لحد ما وصلت عنده. البيت كان على أطراف البَلد، لكن بعد ما شُفته ماقدرش أقول عليه بيت، دي فيلا أكبر من اللي إحنا عايشين فيها، وقفت أبُص عليها وأنا حاسس بخنقة، والخنقة دي مكانتش من فراغ، أنا كُنت شايف خيالات سودة بتتحرَّك من ورا الشبابيك، خيالات مستحيل إنها تكون بشرية، حجمها الضخم كان بيقول إنها خيالات مخلوقات مش من العالم بتاعنا.

في اللحظة دي كنت بسأل نفسي: ياترى أهل البلد بيشوفوا دَه وفاكرينه تبع الكرامات؟ ولا دي حاجة من ضمن الحاجات اللي أنا بشوفها وبَس، وبسببها اتقال عنّي غريب الأطوار؟

فضلت مبحلق في البيت لحد ما النهار طلع، النَّاس بدأت تروح وتيجي، وبرغم إني كنت لسَّه شايف الخيالات ورا الشبابيك؛ لكن النَّاس كانت بتبُص للبيت بوشوش مبتسمة، لحد هنا عرفت إن أنا بَس اللي شايف دَه.

مفاتش وقت كتير ولقيت شباك من الشبابيك بيتفتح، ساعتها شُفت الشيخ حبيب، كان لسَّه قايم من النوم، افتكرت إني مالمحتوش في صلاة الفَجر، الشَّك بدأ يلعب بدماغي، إزاي راجل مبروك زي ده يفوّت الفَجر ويفضل نايم لحد شروق الشمس؟

فضلت سرحان في التفكير، مأخدتش بالي إنه نزل وخرج من البيت لحد ما بقى واقف قدامي. لمَّا بصِّيت ناحيته شُفته زي ما الناس بتشوفه، مكانش أعور، ماعرفش ليه شكِّيت في نفسي، وبمجرَّد ما حسِّيت بالشَّك سمعت الصوت اللي جوَّايا بيقول لي: ماتخليهوش يخدعك زي ما بيخدع أهل البلد، الصورة الأولى هي الصورة الصادقة، اللي قدَّامك دَه أعور.

بلعت ريقي لمَّا لقيته بيبُص لي بتحدي، بصيت في عينيه وانتظرته لحد ما قال لي:

_أنت مِنهم، عينيك بتشوف اللي ورا الحيط، بَس ماتقلقش، من هِنا ورايح مش هاتشوف أكتر من اللي أنا عاوزك تشوفه.

تمالكت أعصابي وقُلت له:

_أنت اللي قناعك دَه مش هايدوم كتير.

بعدها ابتسمت له نفس ابتسامة التحدي، وفي لحظة حسيت إن الرؤية بتشوِّش قدّامي؛ لدرجة إني غمَّضت غصب عني، لكن قدرت بعد لحظات أفتح عيني، ساعتها لمحته واقف في شباك أوضته بيبُص عليا وبيبتسم نفس الابتسامة.

ماكنتش محتاج إن الصوت اللي جوَّايا يقول إن بأفعاله الشيطانية خلَّاني أتخيَّله واقف قدامي، عشان يسمَّعني الكلام اللي قاله، ودي حاجة واضحة زي الشمس مش محتاجة تفسير.

أخدت بعضي ومشيت، رِجلي أخدتني لحد القهوة، كانت فاضية ومحروس بيمسح في الترابيزات، أول ما شافني داخل قال لي:

_صباح الخير يا أستاذ ياسين.

_صباح النور يا محروس، هات لي قهوة.

قعدت أشرب القهوة وأنا بفكَّر إزاي أكشف الشيخ حبيب قدام أهل البلد، وفي عِز تفكيري لقيت عِبادَة داخل القهوة، لمّا شافني موجود قعد جنبي وقال لي:

_إيه اللي مخرَّجك على الصُّبح كِدَه؟

_أنا أصلًا مارجعتش البيت من وقت ما سيبتك بعد الفجر.

-كُنت فين قبل ما القهوة تفتح؟

-رُحت عند بيته؟

ضيَّق عينيه وبَص لي لثواني وبعدها قال لي:

-بيت مين؟

-بيت الشيخ حبيب؟

-رُحت هناك تعمل إيه؟

استغلّيت إن القهوة فاضية وأخدت قرار إني أحكي لُه كل حاجة، من أوّل ما شُفت الشيخ حبيب صدفة لأوّل مرَّة؛ ولحد اللي حصل عند بيته من شويَّة، دَه أنا حتى كَشفت له عن سرِّي؛ واللي بسببه أبويا خلَّاني أسيب آيسلندا، الصوت اللي جوَّايا طمِّني من ناحية عِبادة، عشان كِدَه حكيت له كل حاجة وأنا مرتاح، لكنُّه ساب كل التفاصيل اللي سمعها وماعلَّقش غير بكلمة واحدة:

-أعور!

-زي ما بقول لَك كِدَه، دي الحقيقة اللي الناس هنا مش قادرة تشوفها، وأكيد الشيخ حبيب دَه بيستعين بكيانات سُفليَّة هيَّ اللي مخلِّياه يسيطر على الناس.

فكَّر في كلامي لثواني وقال لي:

-عارف كلامك دَه معناه إنك مش غريب الأطوار ولا حاجة، أنت إنسان زوهري، عندك عين تالتة، حاسة بتخليك تشوف المستخبي وتعرف المتداري، عشان كِدَه الشيخ حبيب قال لك: عينيك بتشوف اللي ورا الحيط، جايز أنت مافهمتهاش؛ لكن دي الحقيقة.

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↓الكاتبمدونة غازي جابر
4↓الكاتبمدونة خالد العامري
5↓الكاتبمدونة محمد شحاتة
6↓الكاتبمدونة خالد دومه
7↑4الكاتبمدونة آمال صالح
8↑1الكاتبمدونة اشرف الكرم
9↑3الكاتبمدونة ايمن موسي
10↓الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑129الكاتبمدونة خالد الخطيب110
2↑64الكاتبمدونة سارة القصبي42
3↑32الكاتبمدونة ايمان قادري150
4↑32الكاتبمدونة إيناس عراقي190
5↑16الكاتبمدونة عبير مصطفى44
6↑15الكاتبمدونة ولاء عبد المنعم196
7↑13الكاتبمدونة رهام معلا127
8↑12الكاتبمدونة نجلاء البحيري39
9↑8الكاتبمدونة سلوى محمود252
10↑7الكاتبمدونة عبد الوهاب بدر23
11↑7الكاتبمدونة مني قابل77
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1111
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب713
4الكاتبمدونة ياسر سلمي678
5الكاتبمدونة اشرف الكرم605
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري514
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني436
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين428
10الكاتبمدونة سمير حماد 410

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب363139
2الكاتبمدونة نهلة حمودة216156
3الكاتبمدونة ياسر سلمي199118
4الكاتبمدونة زينب حمدي178379
5الكاتبمدونة اشرف الكرم144079
6الكاتبمدونة مني امين120223
7الكاتبمدونة سمير حماد 116877
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي107822
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين107409
10الكاتبمدونة آيه الغمري102603

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة مريم فرج الله 2025-10-24
2الكاتبمدونة هاميس جمال2025-10-22
3الكاتبمدونة ايمان صلاح2025-10-16
4الكاتبمدونة خالد الخطيب2025-10-15
5الكاتبمدونة سلوى محمود2025-10-13
6الكاتبمدونة بيان هدية2025-09-27
7الكاتبمدونة محمد فتحي2025-09-01
8الكاتبمدونة أحمد سيد2025-08-28
9الكاتبمدونة شيماء حسني2025-08-25
10الكاتبمدونة سارة القصبي2025-08-24

المتواجدون حالياً

1290 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع