من كام يوم وأنا كل ما أبُص من الشباك في نُص الليل؛ بشوف عم لطفي جارنا قاعد قدام بيته، استغربت إنه بقى بيسهر في الشارع لوحده في وقت زي ده على غير العادة، بَس عذرته لأنه عايش وحيد، ومش هيعمل كده غير من الملل اللي هو حاسس بيه.
وأنا راجع من الشغل تاني يوم، لمحت لمَّة قدام بيته، ولما سألت؛ عرفت إن الناس اتجمعوا على ريحة فظيعة خارجة من بيته، ولما طلبوا الشرطة، جَت ودخلت البيت وفتحت الشقة اللي عايش فيها عم لطفي، ساعتها لقوا جثته اللي بدأت تتحلِّل، وكانت هي سبب الريحة اللي الناس اتجمعت عليها، واتضح فيما بعد إنه مقتول بكذا طعنة من أسبوع بحاله، وفي اللحظة دي سألت نفسي، أومال مين اللي كنت بشوفه سهران كل ليلة قدام بيته؟
أما بالنسبة للقاتل، فالأدلة الجنائية اكتشفت إنه سايب بصمة وراه بالغلط، ولما عرفوا صاحب البصمة وطلعت قوة تقبض عليه، اكتشفت إن القوة بتخبَّط على باب شقتي أنا!
متستغربوش؛ البصمات طلعت مطابقة لبصماتي في فيش وتشبيه كنت عاملة من سنين، وبعد أيام طويلة من التحقيق، عرضوني على طبيب نفسي، واللي أكِّد إني مُصاب بانفصام في الشخصية، وفي حالتي المرضية كنت بتقمَّص شخصية قاتل متسلسل، اتفرجت عليه في فيلم من سنين طويلة، وكانت هوايته يحتفظ بساعة اليد الخاصة بكل ضحية يقتلها، واتضح إن الشخصية متخزِّنة في عقلي الباطن، وهي الشخصية اللي بعيشها وقت حالتي المرضية؛ واللي بالمناسبة؛ كنت بخرج منها وأنا ناسي كل اللي عملته وقتها.
مع زيارات الطبيب النفسي ليا في المصحة، قدرت أفتكر إن كمية الساعات اللي كنت بفتخر بيها في دولابي، كانت ساعات الضحايا اللي قتلتهم تحت تأثير المرض، وبعد ما وعيت لحقيقتي، اتضح لي إن كل شخص فينا جوَّاه وَحش مفترس، لو أخد فرصة إنه يتحرَّر لأي سبب، هيكون أقوى من الشخص نفسه، لدرجة إن هيغيَّر مسار حياته، زي ما مسار حياتي اتغيَّر، وبقيت هنا للأبد، في غرفة عزل فردية جوَّه مصحة.
بَس الحقيقة إنها مش غرفة عزل فردية، هُمَّا فاكرين إنهم حبسوني لوحدي، ولحد دلوقت مش قادرين يصدقوا إنهم معايا، أشباحهم بتظهر لي من وقت للتاني، خصوصًا شبح عم لطفي، اللي هدِّدني في آخر زيارة؛ إنهم قريب هيفتحوا الغرفة عليا بسبب ريحة جثتي اللي هتكون متحللة وخارجة منها!
***
تمت...