مِن بعد عيد ميلادي اللي فات واللي حصل فيه؛ وأنا حاسّة إن الدنيا معايا مش أحسن حاجة، مُش عشان إن السِّكينة عدَّت على صوابعي في المطبخ وعيد الميلاد باظ؛ لأ.. ده أنا بقيت بحِس بضيق نَفَس مالوش مُبرِّر، وصداع شديد هيفرتِك دماغي من وقت للتاني.. وأوقات الرؤية قدامي بتشوّش وبحِس بزغللة، الألوان بتدخل في بعضها، ولو حد وقف قدامي في الوقت ده بشوفه وكأنه شخصين..
في البداية؛ كنت بتعامل مع الحكاية على إنها شيء عادي، محبّتش أعرَّف أمي، حتى خطيبي لما جانا في ميعاد زياته الأسبوعية اتعاملت عادي، لكن بيني وبين نفسي، لقيتني بفكّر في حَل للتعب اللي بقى ملازمني ده.
أول حاجة جَت في بالي هي إني أروح الصيدلية، هناك شروق صاحبتي، وأطلب منها تقيس الضغط جايز يكون هو سبب المشكلة، وبالفعل استغلّيت أوّل مشوار أخرج بسببه من البيت وعدّيت عليها، وأول ما شافتني داخلة الصيدلية قالت لي:
-عاش من شافك يا غرام، صوابعك عاملة إيه دلوقت.
-الحمد لله الجَرح لَم وبقى تمام، بقول لِك إيه؛ سيبِك من صوابعي وشوفي الضَّغط عندي ماله.
-ماله ضَغطك؟
-حاسَّة إنه مش مظبَّط، وعامل لي صداع وزغللة والدنيا مش مظبَّطة معايا.
-وطالما اتخطبتي هتفضل مش مظبَّطة، ولسَّه بعد الجواز بقى، هي الدنيا كده يا غرام.
-بقول لِك إيه؛ الواد خطيبي دَه غلبان وطيّب ومُش زي شُبّان اليومين دول.
-مفيش فيهم حد طيّب، ده بيتمسكن لحد ما يتمكّن بَس.
-طيّب فُضّيها سيرة بقى، ويلا خلَّصي عشان متأخرش على أمي.
طلَّعت جهاز الضغط وطلبت منّي أناولها دراعي، عملت اللي قالت عليه وبدأت تشوف شغلها، في اللحظة دي حسيت بضيق التنفس والزغللة والصداع، سحبت كرسي كان جنبي وقعدت لأن توازني اختَل وجالي هبوط، وبعد شوية كل ده بدأ يروح بالتدريج، لكن لقيت شروق بتقول لي:
-تحبي أجيب لِك مَيَّه؟
هزّيت راسي بالرفض، وفي الوقت ده كانت قاست الضغط وقالت:
-ضَغطك مظبوط.
استغربت من كلامها وقُلت:
-متأكدة يابنتي من كلامك ولا الجهاز ده بايظ؟
-لا يا غرام الجهاز جديد، وضغطك مظبوط، بَس الأعراض دي ممكن تكون إرهاق، جايز بتسهري كتير.
-سَهر إيه بس، حتى مبكلّمش أحمد غير ربع ساعة كل ليلة، وأحيانًا بيكون تعبان من الشغل ومش بنتكلم.
-بَس غريبة إن خالتك وبنتها حضروا عيد ميلادك وقعدوا بعدها كام يوم كمان، كان أولى يحضروا خطوبتك.
-عادي يا شروق، متنسيش إن بنت خالتي أكبر منّي وفايتها قَطر الجواز، الله أعلم بنفسيّتها.
لمّا لقيت سكينة الكلام هتسرقنا، استأذنت وأخدت بعضي ومشيت، ولما وصلت البيت قعدت اتكلمت مع أمي شوية وبعدها قُلت لها إني داخلة أوضتي، من شدة الصداع اللي عندي كنت حاسّة إني محتاجة أنام، قفلت الباب وطفيت النور واترميت فوق السرير، غمَّضت عيني؛ ويادوب ثواني وبدأت أشوف خيالات قدامي، كانت شبه قوس قُزح اللي بيظهر في السما لكنه كان باللون الأحمر.. في البداية افتكرت إنها زغللة عين، لكن الحكاية المرة دي كانت مختلفة، الخيالات أو قوس قزح الأحمر بدأ يقرَّب، ومع الوقت المساحة الضلمة اللي قدامي بدأت تبقى كلها باللون الأحمر، ومع الوقت بدأت ألاحظ ريحة دَم، أخدت نفس عميق عشان أتأكّد من الريحة، وكانت النتيجة إن ريحة الدَّم موجودة فعلًا..
من الخوف اللي كنت فيه فتحت عيني، بس حسّيت بإيد بتضغط على عيني عشان مقدرش أفتحها، ولمّا حطيت إيدي على وشّي عشان أتأكد من إحساسي، لقيتني بالفعل بمسِك الإيد دي، ولما حاولت أرفعها، سمعت صوت أحمد خطيبي وهو بيقول لي:
-خلّيكي مغمَّضة يا غرام!
جِسمي تلِّج وحسّيت برعشة بتشيلني وتهبدني فوق السرير، وبعد ما جمَّعت أعصابي بلعت ريقي وسألته بصوت مهزوز:
-أنت دخلت أوضتي إزاي؟
-مُش عايزك تشغلي بالك دخلت إزاي، كل اللي طالبه منّك تركّزي في الدَّم، لأن دَه دمِّك يا غرام!
بمجرَّد ما سمعت الكلام ده؛ لقيت نفسي بمسك إيدي بكل قوّتي وببعدها من فوق عيني، ولما بعدتها وبصيت ناحيته؛ ملقتش غيري في الأوضة، قعدت فوق السرير وأنا بقول في نفسي: هو ده حقيقة ولا كابوس ولا إيه الحكاية بالظبط!
النوم طار من عيني لكن الصداع مسابنيش في حالي، قُمت من السرير وقرَّرت أخرج من الأوضة، وبعد ما مشيت خطوتين بعيد عن السرير؛ لمحت خيال بيتحرَّك فوق مرايتي، وده اللي خلاني أتخشّب في مكاني، عيني كانت على المراية ومفارقتهاش، الخيال كان لسَّه موجود، ولما دققت فيه؛ لقيته إن الخيال ده عبارة عن صورتي.. كنت مستغربة إزاي المراية بتعكس صورتي وأنا واقفة بعيد عنها، بدأت أقرَّب منها، وبعد كام خطوة لقيت نفسي قدام المراية، كنت شايفة نفسي، هدومي؛ شعري؛ ملامحي، لكن العين مكانتش عيني، دي كانت باللون الأحمر؛ ولقين حوالين منها لون أحمر زي ما يكون في دم خارج من عيني!
بدأت أحسِّس على وشّي، عشان أشوف اللي معكوس فوق المراية ده حقيقة ولا وهم، واتفاجئت بشيء لزج ودافي على وشي، بالتحديد حوالين عيني، وبمجرد ما لمسته بدأت ريحة الدَّم تظهر من تاني، ولما رفعت إيدي من على وشي وحطيتها قدامي، لقيت إن صوابعي عليهم دم!
أحيانًا الصدمة بتخلّي الإنسان يفتقد قدرته على التصرف، وقفت مبحلقة في صوابعي، رد فعلي الوحيد كان الذهول والصمت، لكن الصمت بدأ يتحول لخوف، والخوف لُه توابع، أبسطها إن أسناني بدأت تخبّط في بعضها، لما أدركت إن في دم فعلًا حوالين عين، بالتحديد مكان ما أحمد كان حاطط إيده على وشي في الكابوس!
بمجرد ما افتكرت التفصيلة دي، لقيت خيال بيتحرَّك ورا صورتي في المراية، الخيال كان صورة أحمد، وبمجرّد ما شُفته واقف ورايا في المراية؛ لقيت نفسي برجع لحالة الذهول الصامت من تاني..
كنت متابعة صورته وهي بتقرَّب منّي، لحد ما حسّيت إنه موجود ورايا فعلًا، أنفاسه كانت بتخبط في رقبتي من ورا، وبعدها قرَّب أكتر لدرجة إنه شِبه لزق فيا، وفي اللحظة دي لقيت إيديه بتتمد من ورايا ناحية وشي، أي نعم الصورة المعكوسة في المراية قدامي كانت صورة أحمد، لكن الإيد اللي اتمدّت قدامي مكانتش إيده، دي كانت إيد لونها أسود، وجِلدها كان زي خشب الشجر اللي اتفحَّم!
كان بيغمّي عيني، بس اتفاجئت إني قادرة أشوف رغم إيده اللي مغطّية وشي، عشان كده المراية عكست صورتنا وهو بيغمّي عيني، وكمان صورة وشّه وهو بيقرَّب من ورايا، كان أحمد خطيبي فعلًا، برغم إن الإيد اللي مغمّية عيني مكانتش إيده، بَس وقفت تفكير في كل ده لمّا لقيته بيقرَّب وشُّه من ودني الشمال، وبيبدأ يهمِس لي:
-أنا بحبّك يا غرام.
أنفاسه اللي خارجة مع الكلام كانت زي الصَّهد، وريحتها كانت زي الجيفة، لدرجة حسيت إن معدتي هتخرج برَّه بطني من عدم تقبُّل قُربه منّي.. وفي وسط الخوف اللي كان مسيطر عليا؛ لقيته بيقرَّب منّي وبيهمس لي من تاني:
-كل دَه هتتعوّدي عليه مع الوقت، إحنا مُش هنفترق تاني، اللي بيربُطنا ببعض دلوقت دَم يا غرام.
لمَّا خلَّص كلامه؛ حسّيت بشيء غريب في المراية، كانت بتتحرك ولا كأنها مَيَّه راقدة واترمت فيها طوبة، سطحها اتوتَّر وظهر فوق منه دواير، وبدأت أحِس إنها ستارة وبتنسحب لفوق، وبيظهر من وراها مكان غريب، كان عبارة عن بيوت منحوتة في الجَبل، أبوابها مَهيبة وشبابيكها غريبة، وكأني واقفة قدام مساكن قوم عاد وثمود..
مشوفتش في المكان دَه حد، لا بَشر ولا طير، ولا حتى شجرة طارحة، وفجأة حسّيت المشهد اللي قدامي بيعمل زووم على بيت من البيوت، بقيت شايفه تفاصيل الباب، كان منقوش عليه باللون الأحمر كفوف إيد صوابعها مضمومة لبعضها، وبعد تركيزي مع الباب لقيته بيتفتح، وبيخرج منه كائن غريب، طويل وأغلب ملامحه مطموسة، جِلد لونه كان أسود، أو عشان أوصف وصف مظبوط، كان بنفس لون جِلد إيد أحمد خطيبي، واللي كان مغمّي بيها عينيا، في اللحظة دي ضربات قلبي زادت، وبلعت ريقي وكنت هخرج عن صمتي لأول مرة، لكني سمعت صوت أحمد من ورايا وهو بيقول لي:
-أبويا يا غرام، وده بيتنا؛ بيتك يعني!
بمجرَّد ما قال الكلام ده المراية رجعت لطبيعتها، الكائن الغريب ده اختفى، والبيوت مبقاش لها أي أثر، لكن أحمد؛ كانت لسَّه إيده مغمّية عيني، وكنت لسَّه قادرة أشوف من خلالها، عشان أشوف صورتنا معكوسة من تاني فوق المراية، لكن المرَّة دي، وِش أحمد كان نفس وِش الكائن الغريب، اللي شُفته لمّا المراية اترفعت من قدامي!
صرخت ولقيت نفسي بنزل في الأرض من شدة الصدمة، أعصابي انهارت وحسيت إن رجليا اختفت من تحتي، ولمّا بقيت في الأرض؛ بدأت أبُص حوالين منّي، كُنت لوحدي في الأوضة وأحمد مكانش له أي أثر، أعصابي انهارت أكتر ومقدرتش أمسك لساني، بدأت أصرُخ من الصدمة، وكل ما كنت بصرخ، كانت الرؤية بتشوّش قدامي أكتر، لدرجة إن الأوضة انقلبت ضلمة، لكن قبل ما أفقد الرؤية تمامًا، لمحت باب أوضتي وهو بيتفتح!
-فوقي يا غرام!
مكنتش قادرة أحدد ده صوت مين، لأنه مكانش صوت واحد، بس لما الكلام اتكرَّر أكتر من مرَّة، عرفت إن ده صوتي أمي وصوت شروق صاحبتي، فتحت عيني ولقيتني على السرير، وأول حاجة عملتها هي إني سألتهم:
-إيه اللي حصل؟
ساعتها أمي ردَّت عليا:
-سمعتك بتصرخي في أوضتك، دخلت عليكي لقيتك مرمية في الأرض قدام المراية، حاولت أفوَّقك معرفتش، عشان كده اتَّصلت بشروق، وهي مقصَّرتش بصراحة، سابت شغلها وجَت تجري.
في اللحظة دي شروق بصَّت لي وقالت:
-حمد الله على سلامتك يا غرام، إيه يابنتي، قلقتينا عليكي.
ساعتها أمي قالت لنا:
-هسيبكم تقعدوا براحتكم، وهروح أعمِل لك لقمة تاكليها.
سابتنا وخرجت وفضلت قاعدة مع شروق، في اللحظة دي لقيت نفسي بقول لها:
-أنا مُش مرتاحة مع أحمد خطيبي.
بصَّت لي باستغراب وقالت:
-هو أنتوا لحقتوا تكملوا يابنتي، دي الخطوبة كانت يادوب قبل عيد ميلادك بكام يوم.
-مُش عارفة يا شروق، لكن اللي حصل النهارده خلّى عندي شعور بعدم الراحة من ناحيته.
-إيه اللي حصل بالظبط؟
حكيت لها عن اللي شُفته، كانت بتبُص لي وهي مش مصدقة.. أقسمت لها إن اللي بحكيه حصل، لكنها قالت إن كل ده ممكن يكون ضغط نفسي سببه إني بفكّر في الخطوة الجاية من حياتي.. وفي وسط كلامنا لقيت أمي دخلت علينا ومعاها صينية وفوق منها أكل وقالت:
-يلا يا شروق، كُلي معاها لقمة عشان تشجعيها تاكل.
لكن شروق اعتذرت وقامت وهي بتقول:
-شُكرًا يا خالتي، أنا همشي لأني سيبت الصيدلية وجيت جري، والحمد لله غرام بقت كويسة.
بعد ما شروق مشيت، لقيت أمّي قعدت وبدأت تتكلم معايا، وطبعًا سألتني عن السبب اللي خلاني صرخت واترميت في الأرض، حكيت لها عن اللي حصل، لكن بدون ما أدخل في تفاصيل كتير زي ما عملت مع شروق، وفي نهاية الكلام أكّدت عليها إني بقيت كويسة.
عشان أأكد على كلامي قُمت وخرجت معاها من الأوضة، بدأت أمارس حياتي بشكل طبيعي، وفي الوقت ده، لقيت أحمد بيرن عليا، تجاهلت الرنة ومردّتش، ولمّا أمي لاحظت سألتني:
-مُش دَه أحمد خطيبك؟
-أيون هو.
-ليه مردّتيش عليه؟
-مُش عارفة، حاسّة إني عايزة أعطي نفسي فرصة أكتر في التفكير.
-لسّه رايحة تفتكري إنك عايزة فرصة دلوقت؟ بعد ما الناس دخلت بيوت بعضها، طيب وبعد الفرصة يا ترى هتقولي إيه؟
-متنسيش يا ماما إن الخطوبة نفسها عبارة عن فرصة للتفكير وإن كل واحد فينا يعرف التاني.
-غرام، أنتي عارفة إن البنات بتتجوز بدري في بلدنا، وكل ما تكبر فرصتها في الجواز بتبقى قليلة، والناس بتقول عليها بايرة.
-أنا وافقت على الخطوبة بعد ضغوط كتير وخصوصًا الكلام ده.. ما شروق أهي لسَّه متخطبتش، ومن نفس سنّي وعادي الدنيا متهدَّتش.
-كل قاعدة ليها شواذ يا غرام، ولو كل الناس سابت القاعدة ومشيت ورا الحالة الشاذة، مش هيبقى في قواعد في الدنيا، وإحنا اتربينا على كده ودي عاداتنا، البنت مالهاش غير الجواز، ولازم تتجوز بدري بدري.. وبعدين مسكتي في شروق وسيبتي بنت خالتك، فاتها قطر الجواز ونفسها يخبَّط على باب بيتهم عريس، لدرجة إنها محضرتش خطوبتك وحصلت مشاكل بيني وبين خالتك، وقعدتهم هنا بعد عيد ميلادك عشان يحسّنوا العلاقات ما بينّا.
-أنا أصلًا مُش مرتاحة لبنت خالتي ولا لقعدتهم، أي نعم كانت واقفة معايا في المطبخ وبتجهّز معايا التورتة والجاتوه والفاكهة، لكن حاسّة إنها كانت واقفة غصب عنها.
-ناقص تقولي إنها السبب في إن السكينة عدَّت على صوابعك.. هقول لِك للمرة التانية، اعذريها، هي نفسها تتخطب زيها زيك، ما أنا قُلت لِك، البنت مالهاش غير الجواز. وبعدين فضّيها سيرة وقومي كلّمي خطيبك.
قفلت الكلام معاها ومسكت تليفوني، رنّيت على أحمد وأنا مُش طايقة نفسي، ولما ردّ عليا ردّيت عليه وأنا بقفّل في الكلام:
-أيوه.
-إيه الرَّد الناشف دَه يا غرام؟
-مُش ناشف ولا حاجة، أنا بَس مزاجي مُش كويس.
-حصل إيه بس؟
-مفيش حاجة.
-طيّب لو مالكيش مزاج نتكلم دلوقت، نقفل ونتكلم في وقت تاني.
ما صدَّقت وقفلت المكالمة على كده، أمي كانت بتبُص لي من فوق لتحت، الوِد ودّها تولّع فيا، وده اللي خلاني دخلت أوضتي عشان أمنع أي تصادم ممكن يحصل ما بينا.
بمجرَّد ما دخلت الأوضة حسّيت بخنقة، حرارة الأوضة كانت عالية، وللمرة التانية بلمح خيال فوق المراية، ولمّا ركزت معاه لقيته صورتي، كنت بنفس الشكل اللي فات، عيني لونها أحمر وحوالين منها دَم..
بوقّي كان مفتوح من الذهول، ومع الوقت استوعبت إن رجليا وخداني لحد المراية، واتضح لي إني ماشية بدون إرادتي..
وقفت قدام المراية ودخلت في حالة الذهول الصامت من تاني، وفي الوقت ده صورة أحمد ظهرت فوق المراية، كان بيقرَّب مني للمرة التانية وبيمِد إيده يغمّي عيني، كانت بنفس اللون الأسود.. بَس المرة دي مكنتش قادرة أشوف من خلالها، الدنيا بقت ضلمة، وبعدها حسّيت بأنفاسه وهو بيقرَّب من ودني وبيهمس لي:
-ليه محبّتيش تتكلمي معايا يا غرام؟
في اللحظة دي افتكرت الطريقة اللي كلّمته بيها في التليفون، وردّيت على كلامه بصوت مبحوح من الخوف وقُلت:
-أنت إنس ولا جِن؛ ولا أنت مين بالظبط؟
-سؤال متأخر أوي يا غرام، كُنت فاكر إنك هتسأليه لما خلّيتك تشوفي بيتي، اللي هو بيتنا.
صرخت للمرة التانية وأعصابي انهارت، واتفاجئت إنه بيقول لي:
-محدّش هيسمعك يا غرام.
بعد ما قال الكلمة دي، لمحت المراية وهي بتتغيَّر من تاني وبتترفع وكأنها ستارة، عشان أشوف نفس المكان اللي شُفته قبل كده، لكن المرَّة دي كان مليان كائنات بنفس شكل الكائن اللي خرج من بيته في المرَّة اللي فاتت، والأكتر من كده، إني لقيت أحمد بيحاول يخليني أقرَّب من المراية، جمِّدت رجليا في الأرض وقاومت، مكنتش عايزة أستسلم، وهو مكانش عنده رغبة في إنه يسيبني، بدأ يدفعني بإيدي وبدأت أقا.و.م أكتر، وأثناء ما كنت بقا.و.مه صرخت، لكنه بدأ صوته يعلى وهو بيصرخ فيا:
-اسكُتي يا غرام، بقول لِك اسكُتي!
مكنتش متحمّلة صوته، عشان كده حطّيت إيدي على وداني وكمّلت صراخ، لحد ما لقيت إيده اختفت من قدام عيني، وفي اللحظة دي حرارة الأوضة رجعت لطبيعتها، والمراية رجعت زي ما كانت، لكن كل ده كنت بشوفه وأنا بنزل في الأرض، وللمرَّة التانية كنت بغيب عن الوعي، وآخر حاجة بشوفها هي باب أوضتي اللي كان بيتفتح.
فتحت عيني؛ لكن المرَّة دي كنت لوحدي في الأوضة، أخدت شوية وقت لحد ما التشويش راح من قدام عيني، لكني سمعت صوت أمي في الصالة، كانت بتتكلم مع أم رباب جارتنا وبتقول لها:
-مُش عارفة إيه اللي صاب غرام، حالها اتقلب فجأة.
-أكيد محسودة؛ أصل العين فلقت الحَجر، لازم تترقى وتتحصّن، ومُش بعيد يكون حد عمل لها حاجة.
-حاجة إيه بَس اللي تقصديها يا أم رباب؟
-عَمَل، جايز في حد كاره لبنتك الخير، دوَّري وهتلاقي، أصل اللي بتقولي إنه بيحصل معاها ده وراه شيء مش طبيعي، وياما حاجات من دي حصلت وطلع اللي وراها سِحر والعياذ بالله.
معرفش ليه مكانش عندي اعتراض على كلامها، برغم إن طريقة كلام أمي معاها بتقول إنها مستبعدة حاجة زي دي، لكن أم رباب جارتنا مشيت وبعدها أمي دخلت الأوضة، ولما شافتني صاحية لقيتها بتقول لي:
-أنتي صاحية يا غرام؟
-أيون، هو أنا نايمة من إمتى؟
-أنتي بقالك أسبوع مُش دريانة بحاجة، حرارتك بتعلى وجبت لِك دكتور، وشروق بتيجي تتابعك من وقت للتاني.
-أسبوع!
ساعتها أمي مصمصت شفايفها وهي بتقول:
-أنا عارفة بَس إيه اللي صابك يابنتي؟
محبّتش أعرَّفها إني سمعت الحوار اللي دار بينها وبين أم رباب، لكن لقيتها بتتكلم معايا بطريقة متوقعتهاش لمّا قالت لي:
-لمّا تقدري تُصلبي طولك نروح لأم عزيز تشوف مالك.
استغربت إنها غيَّرت قناعتها، لكني فسَّرت ده بإنها مكانتش عايزة أم رباب تشُك في حكاية السِّحر والكلام ده، أصل الحاجات دي لما بتتقال عن بنت بتوقف حالها، ممكن خطيبها يسيبها أو جوزها يطلقها، وأكيد أمي كانت بتفكّر بالطريقة دي، لكن وهي بتتكلم معايا اتكلمت بقناعتها الحقيقية، لكن أنا اللي حبّيت أنفي الكلام ده وقُلت لها:
-كلام إيه ده اللي بتقوليه يا ماما، أم عزيز إيه وكلام فاضي إيه؟
-نشوف يابنتي سبب اللي بيحصل معاكي.
-أكيد شوية تعب نفسي، وجايز كمان الجَرح اللي حصل في إيدي هو السَّبب.
-ما كل الناس بتنجرح، مسمعناش يعني إن حد السكينة فتحت صوابعه وحصل معاه اللي بيحصل معاكي ده، اللي أنتي فيه دَه مُش طبيعي.
من جوايا كنت مقتنعة بكلامها، لكن مكنتش حابّة أدخل برجلي الدوامة دي، عشان كده مكنتش بعلَّق، لكن لقيتها بتكمل وبتقول:
-وبصراحة بقى، أنا شاكّة في خالتك وبنتها، أصلهم لما عرفوا بالعريس وشُّهم قلب ومحضروش الخطوبة، لكن حضروا عيد ميلادك اللي بعدها بكام يوم، وقعدوا عندنا، الله أعلم كانت نيّتهم إيه من القعدة دي، جايز رشّوا حاجة في أوضتك أو حطّوا حاجة هنا ولا هنا، أي نعم هي أختي لكن مين قعد عندنا غيرهم، والشيطان بيضحك على عقل البني آدم.. وبعدين كنت بتكلم مع أم رباب جارتنا وبحكي لها اللي حصل، وهي كمان قالت إن في حاجة مش طبيعية.
معرفش ليه كلامها كانت متفق مع قناعتي، أصلًا بنت خالتي تقريبًا قاطعة تواصلها معايا من ساعة ما عرفت إن أحمد متقدّم لي، وحضورهم عيد ميلادي وقعدتهم كانت حاجة غريبة، كان أولى يحضروا الخطوبة نفسها..
ولقيتني بغيّر كلامي اللي كان بيني وبين نفسي وبقول: حتى أحمد نفسه حسّاه مُش طبيعي، ليه بشوفه في الشكل ده؟ وليه بيظهر لي؟ وليه بيخليني أشوف في المراية مكان غريبة وكائنات غريبة؟ وليه إيده بتظهر بنفس لون جلد الكائنات دي؟ أسئلة كتير ودوامة خلّتني أنسى إن أمي موجودة، ومخلانيش أفصل تفكير غير لما أمي قالت:
-ساكتة ليه يا غرام؟
-مُش عارفة، بَس أنا مُش مرتاحة للخطوبة، ومُش حابّة أروح عند أم عزيز.
رغم إن كل قناعاتي كانت متفقة مع كلام أمي، لكني كنت خايفة من الدوامة الأكبر، اللي هدخلها لما أمشي في طريق الناس اللي بيقولوا إنهم بيعالجوا المَس وبيفكّوا الأعمال والكلام ده.. وعلى عكس اللي اتوقعته، أمي مضغطتش عليا، سابتني على راحتي، وبدأت أكمل حياتي عادي، لكن الصداع والزغللة والتشويش مكانوش بيفارقوني، كلامي مع أحمد قَل أكتر من الأول، بقيت كارهاه لدرجة إني بكره أشوف اسمه على تليفوني، لكنّي كُنت بشوفه بيظهر في أوضتي من العدم، وبشوف نفسي في المراية وبيكون لون عيني بالأحمر، ودايمًا بيقرَّب منّي وبيهمس لي في ودني ويقول:
-إحنا اتربط ما بينا بالدم يا غرام، أنتي بقيتي ليا.
عشان مخلّيش أمي تحِس بحاجة وتفتح موضوع أم عزيز، كنت بقا.و.م اللي بيحصل معايا في صمت، بدون ما أصرخ، والحكاية بتنتهي بإني بنزل في الأرض فاقدة الوعي، وبعدها أقوم ألاقي نفسي نايمة في الأرض، لحد المرَّة الأخيرة، لما وقفت مسلوبة الإرادة قدام المراية زي كل مرة، وبعدها أحمد ظهر لي، لكن المرَّة دي كان جلد جسمه كله باللون الأسود، وساعتها المراية اتفتحت وظهر من وراها المكان الغريب اللي دايمًا بشوفه، بعدها مِسك إيدي وقال لي:
-يلا يا غرام، خطوة واحدة ناحية المراية وتكوني في بيتك.
وبدأ يدفعني ناحية المراية، رجلي كانت على وشك إنها تطاوعه، لكني اتجمدت في مكاني فجأة، ولأول مرة شيء ألهمني إني أقرأ آية الكرسي، وساعتها سمعته بيقول:
-بلاش اللي بتفكري فيه يا غرام.
في الوقت ده عرفت إنه شيء خبيث، وده اللي خلاني بدأت في القراءة، لساني كان تقيل لكني حاولت، ومع كل كلمة من الآية إيده كانت بتسخن أكتر وهي ماسكة إيدي، ومع الوقت، لساني كان بيتحرك بطريقة أسهل من اللي قبلها، في المقابل قوّته كانت بتقِل وهو ماسكني، وفي وسط كل ده، صورة المكان الغريب اللي بيظهر من المراية كانت بتبهت، والمراية كانت بترجع لطبيعتها، وعلى ما انتهيت من الآية كنت لوحدي!
بعد اللي حصل ده لقيت أمي داخلة الأوضة، ولما شافتني واقفة في مكاني سألتني:
-واقفة ليه كده يا غرام؟
محبّتش أحكي تفاصيل اللي حصل، لكني قُلت لها:
-عايزة أروح لأم عزيز.
أمّي مكدّبتش خبر، لبست عبايتها على ما أنا غيَّرت هدومي، وأخدنا بعضنا وطلعنا على بيت أم عزيز، ولما قعدنا معاها وحكيت لها حكايتي، أمي كانت مستغربة لأني كشفت عن تفاصيل كانت بتسمعها لأول مرة، لكن أم عزيز بدأت تغمض عنيها وتقول كلام مش مفهوم، وبعد ما فتحتها قالت:
-أنتي ربنا بيحبك يا غرام لأنه ألهمك تقرأي آية الكرسي، اللي متسلَّط عليكي جن خبيث، اتربط بينك وبينه بالدم، والغرض من السِّحر اللي اتعمل إنك تسيبي خطيبك، وفي نفس الوقت خادم السِّحر يبقى معاكي على إنه جِن عاشق، عشان يبعد عند العِرسان.. السِّحر موجود في أوضتك، والخادم كان بيفتح المراية بين أوضتك وبين عالمهم لأنها المنفذ اللي بينك وبينه، ولو كنتي طاوعتيه ومشيتي معاه كنتي هتروحي العالم بتاعه، أي نعم هتفضلي موجودة قدام الناس عادي، لكن عقلك هيكون ذاهل، لأن في الحقيقة هتكوني وعيك وحالك هيكون هناك، وياما ناس اتسحرت وفقدت النطق والعقل والحركة، لأنهم فعليًا بيكونوا في عالم الجِن، واللي فاضل منهم هنا بتكون مجرد نُسخة مفيهاش حياة.
ساعتها أمي خبطت على صدرها وقالت لأم عزيز:
-أنا كنت حاسّة بكل ده، الله يخليكي يا أم عزيز، شوفي أي حل كده البنت هتروح مني.
-الحل موجود وربنا قادر يبطل العمل الفاجر، كله بإذنه.
في اللحظة دي قطعت كلامهم وسألت أم عزيز:
-عايزة أعرف مين اللي عمل السِّحر وحطه في أوضتي.
ساعتها أم عزيز بصَّت لي ومردّتش عليا، لكن أمي ردّت على كلامي وقالت:
-الحكاية واضحة زي الشَّمس، أكيد خالتك وبنتها حطوا حاجة في أوضتك، أصل عُمرهم ما عملوها وقعدوا عندنا، اشمعنى بعد خطوبتك اللي هُما أصلًا محضروهاش.
بصّيت لأم عزيز عشان أشوفها هتأكد على كلام أمي ولا لأ، لكنها قالت:
-مُش مسموح نقول مين اللي عمل السِّحر، لكن ممكن نستخدم البشعة، ساعتها اللي ارتكب الإثم هو اللي بيظهر نفسه بنفسه، من غير ما نخرق العهود اللي بينا وبين الخدم بتوعنا، لأنهم بيشترطوا مانفضحش حد.
القعدة انتهت بعد ما أم عزيز قرأت عليا، وقالت إن معادش فاضل غير إن السِّحر اللي في أوضتي يتكشف عشان يتم إبطاله، لكن في أنواع من السِّحر اللي بيتعمل بالدم مُش بتكون سهل كشفها، في حالات مش بيتكشف فيها غير لو اللي عمله هو اللي اعترف، والسِّحر اللي اتعمل ليا من النوع ده، عشان كده سألتني وقالت:
-أنتي انجرحتي من فترة قريبة؟
افتكرت الجرح اللي انجرحته في المطبخ يوم ما عيد ميلادي باظ، وساعتها قُلت لها:
-أيون، يوم عيد ميلادي وكنت في المطبخ.
-كان معاكي حد؟
-كان معايا بنت خالتي؛ وشروق، وواحدة تانية جارتنا.
-عايزاكي تجمعيهم في البيت عندكم في وقت واحد، وهكون موجودة والبشعة هي اللي هتكشف مين فيهم اللي حط السِّحر في أوضتك، ولما نعرف هو مين هنعرف مكان السحر فين.
في اليوم اللي أم عزيز اختارته، أمي جهزت راكية فحم والعة زي ما أم عزيز طلبت، وبعدها كلِّمت خالتي وقالت إنها عازماها هي وبنتها على الغدا، وبعدها طبخنا وجهزنا كل حاجة عشان الدنيا تبان طبيعية، وفي اليوم ده خالتي وبنتها وصلوا، وقبل الميعاد اللي هتوصل فيه أم عزيز، أمي كلمت شروق وقالت لها تيجي عشان غرام تعبانة، وبعتت لجارتنا اللي كانت معانا وطلبت منها تيجي عشان عايزاها في موضوع، وعلى ما كلهم اتجمعوا كانت أم عزيز وصلت، وساعتها أمي طلبت منهم نقعد في الصالون..
كلهم كانوا مستغربين من اللي بيحصل، لكن الاستغراب اتحول لذهول لما بدأت أم عزيز تتكلم:
-صلوا بينا على النبي يا صبايا؛ الشابة اللي قدامكم دي اتعمل لها سِحر، ومخرجش عن اللي كانوا معاها في المطبخ ليلة عيد ميلادها، وأنا عارفة هي مين، لكن متحرَّج علينا نكشف سِر ونفضح حد، بس السِّحر مش هينكشف غير لما اللي عمله يقِر بمكانه، لأنه سِحر بالدم، ومن النوع اللي مش بيظهر غير باعتراف اللي عمله، وعشان الشابة دي تتعالج ومتتأذيش أكتر من كده، هنخلي البشعة هي الفيصل، هسأل كل واحدة فيكم سؤال إن كانت هي ولا لأ، ولو الإجابة بالنفي، صاحبة الإجابة هتلحس السكينة بلسانها وهي طالعة من النار، لو صادقة البشعة هتنجّيها، ولو بتكذب البشعة هتشيل لسانها.
بعدها شاورت لأمي عشان تجيب راكية الفحم، ولما أمي جابتها ورجعت، أم عزيز طلعت سكينة من جيب عبايتها وحطتها فوق الفحم، وفي اللحظة دي خالتي قامت من مكانها وبعدها بنتها اللي قالت:
-أنتوا مجانين، أنا مستحيل أخليكم تعملوا كده.
معرفش بنت خالتي اعترضت ليه، لكن اتفاجئت إنها مش لوحدها، دي جارتنا هي كمان اعترضت وبلهجة أصعب من لهجة بنت خالتي، بصيت في وش شروق وانتظرتها تقول حاجة، لكن لقيتها قاعدة هادية ومتكلمتش، لكن أم عزيز قطعت كل الكلام وقالت:
-مُش بيخاف من البشعة غير الكذاب، أو اللي عارف إنها هتاخد لسانه.
بعد ما قالت كده سحبت السكينة وقامت، أول واحدة قرَّبت منها هي جارتنا، كانت بتبُص للسكينة وهي مرعوبة، أم عزيز سألتها إن كانت هي ولا لأ، لكنها هزَّت راسها بالنفي، وبعدها طلبت منها تفتح بوقها وتطلع لسانها لكنها رفضت، وبعد ما طلبت منها تاني وتالت، طلَّعت لسانها، واتفاجئت إن السكينة لمسته بدون ما تعمل فيها حاجة!
السؤال اتكرر لبنت خالتي، ولما أم عزيز قرَّبت منها زقَّتها لدرجة إنها كانت هتقع على الأرض، لكن أم عزيز كملت وسألتها تاني، وبعد السؤال بنت خالتي جاوبت بالنفي، وبعد محاولات مُستميتة عشان تطلع لسانها وافقت، وأم عزيز قرَّبت السكينة منه، وانتظرت ردّت فعلها لما البشعة تكشف اللي عملته، لكن اكتشفت إن السكينة بتلمس لسانها بدون ما تخدشه أو تعمل فيه حاجة، وبعدها قالت:
-أنا مُش هنكر إني بكرهها، لأني شايفة حظها أحسن من حظي في كل حاجة، حتى اتخطبت بدري وأنا قَطر الجواز فاتني، لكن مش لدرجة إني أعمل سِحر وكُفر والكلام ده.
الحيرة أكلت دماغي لما البشعة برّأت بنت خالتي، وفي اللحظة دي، أم عزيز قرَّبت من شروق، وبمجرد ما سألتها ومدت السكينة ناحيتها، لقيتها بتحُط إيدها على بوقّها من الخوف، والدموع نزلت من عينها وقالت وهي قافلة بوقّها وإيدها فوقه:
-أنا فرحت لما عرفت إن جالها عريس، لكن في الخطوبة لما عرفت إنه أحمد حسيت بنار بتاكل في جسمي، لأني بحب أحمد وهو مش سائل فيا، حتى لمّا حاولت ألمَّح له معادش بييجي الصيدلية، عشان كده فكّرت إزاي آخده منها، رُحت لواحدة من بتوع الجلب والتفرقة والأعمال، قلت لها اسم غرام واسم أمها، وبعد ما عملت شوية حاجات مش فاهماها، كتبت لي كلام في ورقة وطلبت مني أخلط الكلام ده بدمّها، استغليت زحمة المطبخ ليلة عيد ميلادها وإنها كانت واقفة تقطع الفاكهة، واتعمدت إني أخبطها في إيدها اللي بتشتغل بيها، عشان كده السكينة عدَّت على صوابعها ونزفت، ونزلت كمية دم كبيرة في الطبق اللي كانت بتقطع فيه، ولما أخدتوها وطلعتوا على المستشفى، انتظرت في البيت بحجة إني هلِم الأطباق وأنضَّف مكان الدم، لكني أخدت الطبق بالدم ودخلت أوضتها من غير ما حد من الموجودين يحس بيا، شديت السراحة من مكانها وغرَّقت كف إيدي دم وطبعته على ضهر المراية، وكنت عاملة حسابي في ريشة من ديك، طلعتها وكتبت بيها الكلام في الدم، أنا مكانش قصدي أأذي غرام، أنا كنت عايزة أحمد وبس!
كان ممكن أشُك في أي حد إلا شروق.. من وقت ما سيرة السِّحر اتفتحت وأنا كنت شاكة في خالتي وبنتها، لكن اتضح لي إن عدوَّك الخفي أخطر مليون مرة من عدوّك اللي بيضحك في وشك.
كل ده كنت بفكر فيه وأنا داخلة أوضتي مع أم عزيز، ساعتها سحبت السراحة من مكانها، عشان أكتشف أثر كف إيد بالدم، مكتوب فيه بخط رفيع كلام غريب، كانت أم عزيز بتبُص له وهي بتستعيذ وبتقول حاجات تانية في سرها مش مفهومة، لكن لاحظت حاجة غريبة، الكف كان نفس أشكال الكفوف اللي شُفتها منقوشة على باب البيت اللي شُفته في العالم الغريب اللي كنت بشوفه، ولما سألت أم عزيز عن السبب قالت لي:
-هي عملته بدون قصد، لكنه رمز يخص قبيلة خبيثة، عشان كده اللي اتوكل بالسحر خادم منهم.
أم عزيز اتخلَّصت من الدم والكلام اللي فيه، وبعدها كمّلت جلسات علاجي لحد ما الحكاية انتهت تمامًا، ومع الوقت علاقتي رجعت كويسة مع أحمد، لكن العلاقة بينّا وبين خالتي ساءت أكتر، برغم إن البشعة أثبتت براءتها هي وبنتها، أما عن جارتنا؛ فقطعت رجليها عن بيتنا عشان متكونش محل شك لأي حاجة تانية، وبالنسبة لشروق، فقطعت من ناحيتها كل حاجة، حتى سلام ربنا معادش موجود بيني وبينها..
هي دي حكايتي اللي حصلت معايا بعد خطوبتي، والحمد لله، دلوقت متجوزة أحمد وعندنا بنتين وولد، ومحرَّصة جدًا من أي حد يدخل عندي ودايمًا عيني بتكون عليه، لأن الله أعلم بنوايا الناس اللي بتدخل بيوتنا وهما بيضحكوا في وشنا، إحنا آه بنشوف وشوشهم بتضحك وبننخدع فيها، لكن مُش بنشوف نواياهم اللي ربنا بيكون عالم بيها!
تمت...