-ولَّع لي يا "مُسعد".
-هو أنت ليه محسِّسني إنك حمار؟
-بتغلط فيَّا ليه؟
-على شان من ساعة ما جيت الشغلانة المنيِّلة دي؛ وأنت بتيجي عندي؛ وبتطلب منّي نفس الطلب، وفي كل مرَّة بقول لك إني مُش بدخَّن، لدرجة إني حاسس إنك شوية وهيطلع لَك ديل وودانك هتكبر!
-أنت بتتريق على شكلي؟
-يابني أنت عبيط؟ يعني إيه بتريق على شكلك؟ ما أنت واقف قدامي أهو زيي زيَّك، هو على شان ما وصفتك بالحمار؛ تقوم تصدَّق إنك حمار بجد! أنا بقصُد مدى استيعابك ومخَّك اللي على قدُّه؛ أصل كل اللي معانا في الشغل عرفوا إني مش بدخَّن؛ إلا أنت، وبعدين أنت سايب الناس اللي بتدخَّن، وكل ليلة تيجي تطلب منّي أولَّع لك، ما أنت اللي غريب فعلًا.
نفس حوار كل ليلة، برغم إن مفاتش عليا غير أسبوع واحد هنا، لكن كل ليلة "دسوقي" اللي اتعرَّفت عليه في الشغل؛ ييجي يقف جنبي بالسيجارة الفَرط اللي معاه، ويطلب منّي أولَّعها له، مُش كفاية إن بعد دراستي والدورات التدريبية اللي أخدتها، أشتغل أمين مخزن في شركة إنتاج مواسير، لأ ويخلوني أمسك مستودع المواسير اللي في حتة مقطوعة، قاعد على الباب بسجِّل اللي داخل واللي خارج.
في اليوم ده انفَعَلت عليه جدًا، لدرجة إني رفعت صوتي وأنا بقول له:
-خِف عنّي بقى يا "دسوقي"، روح ولَّع من حد بيدخَّن، وبعدين ما تشتري لَك ولاعة يا أخي، إنت نِتن كده ليه؟
بعد ما قولت له الكلمتين دول، سابني ومشي، لكنه خرج من المستودع، ورجليه أخدته ومشي في الأرض المفتوحة اللي حوالينا، الدنيا كانت ليل، عشان كده الضلمة بلعِته ومبقِتش شايفه، قولت زمانه هيلِف لفِّته ويرجع، لكنه مرجِعش.
كبرت دماغي، وقولت زمانه رِجع من باب تاني ولا حاجة، وتاني ليلة، الحركة كانت نايمة، زهقت من القاعدة، وقولت أقوم أمشِّي رجلي، أخدت بعضي وخرجت من المستودع، لكن للأمانة، قلبي مطاوعنيش إني أمشي في الضلمة بعيد، محدش عارف إيه ممكن يحصل، يطلع لي كلب مسعور، ولا ديب، الضلمة بتكون مخبِّية حاجات ياما.
وقفت في مكان قريِّب من المستودع، الجو كان جميل والهوا بارد شويّة، لكن بدأت أسمع صوت خطوات بتقرَّب، بصيت حواليا؛ مشوفتش أي حد جاي، بالرغم من إني كنت لسه سامع الخطوات، في اللحظة دي، سمعت صوت "دسوقي" وهو بيقول لي:
-ولَّع لي يا "مُسعد".
كنت بلِف حواليا زي النحلة الخشب، اللي كنا بنلعب بِها زمان، عشان أشوف هو فين ولا صوته جاي منين، لكني سمعت خطواته وصوته ومقدرتش أشوفه، قولت يمكن عارف إني بتضايق من الكلمة دي وبيزاولني.
كبرت دماغي تاني وكمِّلت وقفِتي، لحد ما النهار طلع والوردية خلصت، وفي الليلة اللي بعدها، الحركة كانت نايمة برضه، يمكن أكتر شوية كمان، وخرجت في نفس التوقيت؛ على شان أقف في الهوا، وسمعت صوت الخطوات من تاني، لكن لمَّا بصيت ناحية الصوت، شوفت "دسوقي"، كان جاي بالسيجارة الفرط في إيده، وبيطلب منّي نفس الطلب، وزي كل مرَّة انفعلت عليه؛ وقولت له:
-مُش بقول لَك إنك حمار، ناقص بس ودانك تكبر ويطلع لك ديل.
في اللحظة دي، سمعت صوت باب المستودع بيتحرَّك، فصلت كلام معاه وبصيت أشوف مين بيفتح الباب، لقيته مُشرف الوردية، اللي أوِّل ما عيني جت عليه؛ لقيته بيستعيذ بالله وبيجري يدخل المستودع، استغربت من تصرُّفه، بس طنِّشت، ورجعت على شان أكمِّل تهزيق في "دسوقي" الحمار، لكن أوِّل ما بصيت ناحيته، لقيته اختفى، ولقيت نفسي بعمل نفس اللي عمله مُشرف الوردية.
كنت برجع بضهري لورا وأنا بستعيذ بالله، عشان اللي كان واقف قدامي مكانش "دسوقي"، دا كان حمار لونه أسود، معرفش ظهر إمتى ولا إزاي، ولا "دسوقي" اختفى راح فين، محسِّتش بنفسي غير وأنا واقف جوَّه المستودع، باخد نفسي اللي اتقطع، ومُشرف الوردية بيقرَّب منّي وبيقول لي:
-طول ما الدنيا ليل؛ متوقفش برَّه تاني.
مكنتش مستوعب كلامه؛ لكني سألته وقولت له:
-هي إيه الحكاية؟
-المنطقة مقطوعة؛ وبيقولوا إن فيها بسم الله الرحمن الرحيم، مكنتش بصدَّق الكلام؛ لحد ما فتحت الباب على صوتك ولقيتك بتزعَّق للحمار، اللي اختفى بعد ما رجعت تبُص ناحيته من تاني.
-قصدك إن المنطقة مسكونة؟
-ناس كتير بتقول كده؛ اللي يقول العفاريت بتطلع في شكل كلاب سودة، أو معيز لونها أسود، لكن كلام كتير بيقول إن في الغالب بيظهروا في شكل حمير لونها أسود، زي اللي شوفتك بتزعَّق له ده.
بلعت ريقي من الخوف وقولت له:
-مكنش حمار، دا كان "دسوقي".
-أهي كلمة "دسوقي" دي تأكيد على الكلام اللي بسمعه هنا.
-قصدك إيه؟
-لأن "دسوقي" ده كان أمين مخزن هنا زمان، وكان رايح يولَّع سيجارة فرط من المطبخ، ونصيبه بقى؛ أنبوبة الغاز كانت بتسرَّب، ولما دخل المطبخ وولَّع الولاعة النار مسكت في الغاز، وهو راح فيها، مات محروق، وده دليل إن اللي بتقول إنه "دسوقي" ده يبقى بسم الله الرحمن الرحيم.
يمكن مأخدتش في حياتي صدمة زي دي، إن يطلع لي عفريت واحد مات محروق هنا، وأشوفه في شكل بني آدم عادي، لحد ما واحد تاني يشوفه في شكله الحقيقي، فأشوفه أنا كمان على حقيقته.
كل محاولاتي إني أتنقل مستودع تاني باءت بالفشل، على شان كده لقيت إن مفيش قدامي غير إني أندمج مع الناس، ومقعدش لوحدي تاني، ولا أقف برَّه في الضلمة، وفعلًا؛ الوقت بقى يفوت وأنا يا إما بشتغل، يا إما قاعد مع الناس لو الحركة نايمة، وفهمت بعد فوات الأوان، هو ليه "دسوقي" ظهر لي أنا تحديدًا واتكلم معايا، يمكن على شان نفس مهنته، وقاعد في المكان اللي كان متعوِّد يقعد فيه، وإنه ظهر لي وهو عاوز يولَّع سيجارة زي ما مات بالظبط، وعرفت ليه كان بيزعل، لما كنت بقول له إنك حمار وودانك هتكبر ويطلع لك ديل، مكنتش فاهم إنه زعِل لأن كلامي كان تنمُّر على هيئته الحقيقية، اللي مكنتش قادر أشوفه فيها في الوقت ده!
تمت...