هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • المتحدثون عن الله ورسوله
  • قصة قصيرة/.المنتظر
  • قصتان قصيرتان جدا 
  • سأغير العالم
  • كيف تعلم أنك وقعت في الحب؟
  • التأجيل والتسويف
  • فأنا لا انسى
  • احترام التخصص
  • 2- البداية المتأخرة لرعاية الفنون والآداب
  • يعني إيه "الاحتواء"؟
  • يا عابرة..
  • رسائل خلف السحاب
  • صادقوا الرومانسيين
  • ربي عيالك ١٠
  • من بعدك، كلامي بقى شخابيط
  • إيران من الداخل بعد الحرب.. 
  • معضلة فهم الحرب على إيران
  • نصر سياسي ايراني
  • قصة قصيرة/ وصاية الظل
  • ق ق ج/ سرُّ الشجرة والقوس
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شحاتة
  5. دمدم

 

-بابا.

-نعم يا "حسام".

-هي الشياطين بتتسلسل في رمضان؟

-مين قالّك الكلام ده؟

-سِمعت واحد بيقول كِدَه في التليفزيون.

-لأ طبعًا.. أمّك رايحة جاية هناك اهي مش متسلسلة ولا حاجة!

**

 

استغربت سؤال "حُسام" رغم إنه لسّه مكمّلش 6 سنين، لكن هو في الأوّل والآخر سِمع حاجة أثارت فضوله، وطبعًا حَبّ يسألني عشان أجاوبه، لكن سؤاله أثار عندي حاجات منكّدة عليّا.

 

أنا قضّيت حياتي مخنوق، متحمّل من "نرمين" مراتي تصرّفات ممكن محدّش يتحمّلها، عشان كِدَه جاوبت على سؤاله بالإجابة دي وانا ضميري مرتاح، كُنت بَصحى بالليل على صوت ضِحكتها، بلاقيها واقفة في الضَّلمة تبُص ناحيتي وهي بتضحك، وأوقات كتير بلاقيها بتكلّم حد مُش موجود، ولمّا حاولت آخدها لدكتور نفساني كذا مرّة رفضِت، حتّى أهلها رفضوا الموضوع دَه وقالوا إن بنتهم طبيعية مفيهاش أي حاجة.

 

هُمّا كانوا على حق، ماهي طبيعية في تصرّفاتها مع كل النّاس، إلا انا، مابتعملش الحركات دي غير معايا انا وبَس!

 

بدأت أتجنّبها واعتبرها مُش موجودة، كانت بتعامل "حسام" كويّس جدًا، أما انا كانت بترفض كلامي، بترُد بطريقة غير مقبولة، دا غير حركاتها اللي بقيت مقتنع إنّها بمتثّلها عليّا!

 

إحنا أول يوم رمضان، في نفس اليوم اللي "حسام" سألني فيه السؤال ده وردّيت عليه بالرّد اللي معرفش ازّاي خرج من لساني، كُنت لسّه مخلّص صلاة التروايح وداخل البيت، ولقيت حسام بيُصرخ ومرعوب في ركن من الصالة، جريت عليه وخدته في حُضني وانا بسأله مالك فيك إيه؟ لقيته بيشاورلي على المطبخ وبيقولّي...

-الحَق ماما!

 

جريت على المطبخ، ولما دخلت لقيت أكتر حاجة صدمتني في حياتي، كانت "نرمين"، لا مكَنِتش هي، هي نَفس هدومها، لكن مُش نَفس الملامح، كانت في أبشَع شَكل ممكن حد يتخيّله، نن عينها زي الدَّم وحواليه أسود، بشرِتها متغيّرة لونها أبيض زي ماتكون من الجِبس وكُلّها تجاعيد، أسنانها مُخيفة، واللي زوّد الرُّعب اللي انا كنت فيه، إن كان ملفوف حوالين منها جنزير مخلّيها مُش عارفة تتحرَّك!

 

ولقيتها بتقولّي بنفس صوتها اللي متغيّرش...

-فُكّني.

 

معرفش ليه قرَّبت منها وانا مرعوب وبدأت افُكّها، لكن أوّل ما الجنزير اتفَك من حوالين جِسمها صرخت في وشّي صرخة خلّتني وقعت في الأرض واختَفت بعدها، حتى الجنزير اللي كان في إيدي، اختفى معرِفتش راح فين!

 

طلعت اجري على الصالة وانا مرعوب عشان اشوف "حسام"، لكن ملقتوش، بَس كُنت سامعُه بيُصرخ، وبيقولّها...

-سبيني!

 

الاتنين اختفوا في لحظة، جريت ناحية باب الشَّقة ولقيته مقفول زي ما هو بالتّرباس من جوّه، زي ما قفلته وانا داخل! قلبت الشَّقة ملقتلهومش أثر!

 

مكنش قُدّامي غير انّي أجري على بيت أهلها، أحكيلهم عن اللي حصل، لكن لمّا وصلت هناك لقيت البيت قَديم، بوّابته مصدّية والعنكبوت مِعَشّش فيها، البيت كان مهجور وكُلّه ضلمة!

 

لكن لقيت واحدة قاعدة قُدّام بيت بعيد شويّة عن بيت أهل "نرمين"، جريت عليها وسألتها...

-متعرفيش أهل "نرمين" راحوا فين؟

 

كانت بتبُصّلي باستغراب وهي بتقولّي...

-أهل "نرمين" مين يا أستاذ؟!

 

شاورتلها على البيت وقولتلها...

-اللي ساكنين في البيت دَه.

 

لقيتها قامت مفزوعة من مكانها ودخلت بيتها وهي بتقولّي...

-امشي يا أستاذ من هِنا.. البيت دَه مهجور من 25 سنة ومفيش فيه غير عفاريت.. ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم!

 

وقفلت الباب في وشي! وانا فضِلت واقِف مكاني ومُش عارف اتحرَّك من الصَّدمة، وكان كُل اللي في بالي، أومال مين اللي عرفتها آخر سنة في الكليّة؟! واتقدّمتلها وجيت البيت ده من 8 سنين وباجي هنا علطول؟! مين اللي كانت عايشة معايا السنين اللي فاتت؟! وياترى "حسام" هو كمان زيّها؟! ولو هي مُش إنسيّة ليه معملتش ده من زمان؟ هو أنا إجابتي على سؤال "حسام" طلعت منّي كده، زي ما تكون حاجة جوّايا نطقت على لساني، معرفش إن إجابتي كانت الحقيقة الوحيدة في الحياة اللي عِشتها!

 

رجعت الشقة وانا مش مستوعب، كنت بدوّر على "حسام" وانا هتجنّن، دخلت الحمام اغسل راسي بمايّه ساقعة عشان أفوق من الصدمة واعرف أفكّر، لكن وانا برفع راسي من الحوض والمايّه نازلة على عيني شوفتها، كانت في المراية قدّامي بشكلها المخيف اللي ظهرت به قبل ما تاخد "حسام" وتختفي، كانت بتضحك ضحكتها المخيفة اللي كنت علطول بصحى عليها وبتقولّي...

_خدت اللي ليّا وانا ماشية.. بس "دَمدَم" مُش هتنساك!

 

الليلة دي أنا كُنت في حالة صعب إني أوصفها، الحياة اتقلبِت في غمضة عين، هو انا كُنت عايش وَهم كبير للدرجة دي وفجأة كُل حاجة ظهرت على حقيقتها؟!

***

 

فلاش باك...

الجامعة كانت أجمل أيامي، مكَنش عندي أصحاب كتير، كُل الحكاية اتنين أصحاب رايح جاي معاهم، وكمان كل واحد فينا كان في كلّية مختلفة عن التاني، بنوصل الجامعة مع بعض وكل واحد يروح على محاضراته وبين المحاضرات بنتقابل في الحديقة اللي بين تجارة وعلوم وهندسة، وبما إني في كليّة تجارة كنت دايمًا بخلّص محاضراتي بدري عنهم واطلع انتظرهم في الحديقة، كنا بنتجمّع علطول جنب شجرة كبيرة في وسط الحديقة، الشجرة دي كان جذعها ضَخم وفيه تجويف ياخد كام شخص يقعدوا جوّاه، أوّل ما بخلّص محاضراتي كنت بروح على هناك علطول عشان أحجز المكان عشان مفيش حد ياخده، ولو صادفت يعني ولقيت حد بفضل قاعد في مكان قريّب لحد ما يقوم يمشي وبعدها بروح اقعد جنب جذع الشجرة وانتظر أصحابي لمّا ييجوا.

 

لحد ما في مرّة خلّصت محاضرتي وخرجت روحت الحديقة ولمحت من بعيد إن مفيش حد عند الشجرة، سرّعت خطوتي لحد ما وصلت، وأوّل ما قرَّبت من الجذع اتفاجئت بها قاعدة فيه من جوّه، وحواليها الكُتب بتاعتها، كانت في منتهى الجمال اللي ممكن تشوفه عينك، لدرجة انّي وقفت متخشّب في مكاني ومبحلق فيها، وهي كمان لاحظت وجودي ورفعت عينها من الكتاب اللي كانت بتقرأ فيه، ولقيتها بتبصّلي باستغراب وبتقولي...

-في حاجة؟

 

أنا اتلجلجت في الكلام معرفتش ارد عليها، بس مكنش ينفع افضل واقف ساكت فقولتلها...

-لا لا.. أنا بس كُنت فاكِر مفيش حد هِنا.. أصل ده المكان اللي بنقعد فيه علطول أنا وأصحابي.. أنا بعتذر جدًا.

 

لفّيت وشّي ومشيت، لكنّي مبعدتِش كتير، أنا فضلت قريّب من الشجرة وبفكّر في ملامحها، فكّرت إنّي أرجع أتعرّف بيها بس خوفت لأني ماليش تجارب في الموضوع ده وأكيد مش هعرف اتكلّم وهتفهمني غلط وهيحصل مشكلة، مكنش قدامي غير إنّي أقعد في مكان قرّيب، وفعلًا قعدت أنتظر أصحابي وللأسف كانوا متأخّرين في سكاشِن، فضلت منتظر لحد ما لقيتها شايله كتُبها وشنطتها وقايمة، عيني منزلتش من عليها لحد ما خرجت من الحديقة، وانا علطول خدت كُتبي وروحت قعدت في تجويف الشَّجرة، اللي كانت سايبة فيه أثرها، البرفيوم اللي كانت حطّاه وسايبه أثره في المكان كان دليل على إن دي حد ذوقه مختلف تمامًا، هي كلها كده على بعضها حاجة مختلفة جدًا.

 

في اليوم ده أصحابي رنّوا عليا عشان يعرفوا أنا فين، قولتلهم إني عند الشَّجرة، وعرفت منهم إنهم منتظريني عند بوّابة الجامعة عشان نروّح سوا، وإنهم مش هيقدروا يقعدوا عشان اليوم معاهم كان طويل، مكَنش هاين عليا أسيب جذع الشجرة بصراحة بس كُنت مضطر اقوم.

 

خرجت من الجامعة وروّحنا ومكنش في بالي غيرها، حتى أصحابي لاحظوا إني سرحان طول الطريق، ووصلت البيت واليوم انتهى، وفضلت سهران لحد الوقت اللي بنام فيه، أوّل مرّة احس إن الليل طويل كده، حاولت انام معرفتش، وفين وفين لما النهار طلع، وعلطول قومت لبست هدومي ومنتظرتش إني أفطر، ولا انتظرت حد من أصحابي، أنا علطول روحت على الموقف وخدت وركبت عشان أروح الجامعة.

 

في الطريق أصحابي اتصلوا عليا لمّا لاحظوا اني مش في الموقف، اعتذرتلهم وقولتلهم إني سبقتهم النهاردة لإني عاوز اشتري طلب من برّه الجامعة، أنا قرَّرت النهاردة أكون لوحدي، أكيد هي طالما قعدت في المكان ده يبقى وارد جدًا ترجعله تاني.

وصلت الجامعة وخلّصت محاضراتي، وبعدها جريت على الحديقة، كنت بقرّب من جذع الشجرة وانا خايف اتفاجئ بيها قاعدة جوّه، لكن لمّا قرّبت منّه لقيت مفيهوش حد، لكن ريحة البرفيوم بتاعتها كانت لسه موجودة فيه من امبارح.

 

لقيت نفسي برمي كتبي في الأرض وبقعد في جذع الشجرة، كثنت مغمّض عيني وسرحان مع ريحة البرفيوم وملامحها اللي كانت قدّامي من امبارح، لحد ما لقيت ريحة البرفيوم بتزيد بدرجة لفتت انتباهي، بعدها حسّيت بحد واقِف قريّب منّي، فتحت عيني وبصّيت ولقيتها جاية تقعد في المكان لكن لمّا شافتني وقفت وهي محروجة، علطول خدت كُتبي من الأرض وقومت وقولتلها...

-اتفضلي.. أنا كده كده قايم ماشي.

 

ولقيتها بتقولّي وعلى وشّها ضحكة خجل...

-لا خلّيك.. أنا هشوف مكان تاني أقعد فيه.

 

مكنش في قدامي فرصة أنسب من دي عشان أتعرّف عليها، عشان كده محبّتش أفوّتها، وبدأت أقولّها...

-أنا اسمي "آسر".. آخر سنة في كلّية تجارة.

 

كُنت فاكِرها هتكسِفني وتقولّي مفيش داعي للتعارف، لكن لقيتها بتقولّي...

-وانا "نِرمين".. في تانية حقوق.

 

فهمت كده إن الباب مفتوح قدّامي عشان نتكلّم، ومن يومها، وبقيت بشوفها كل يوم في نفس المكان، حكيت عنها لأصحابي "حسين و يحيى"، وهما بدأوا يخلّوني لوحدي على قد ما يقدروا عشان يعطونا فرصة نتعرّف أكتر، ومع الوقت حبّيتها، وقبل امتحانات آخر السنة عرّفتها إني عاوز أطلب إيدها، وبمجرّد ما اتخرّجت عرفت منها طريق بيتهم وروحت خطبتها، أهلها رحّبوا بيّا جدًا لأنها كانت قايلالهم القصة وإنّي شاب كويّس، أي نعم يتيم عشان كده روحت اتقدّمتلها لوحدي، بَس اليُتم مش عيب يعني، لقيت ترحيب منهم لمّا خدت خالي وروحتلهم، في البيت اللي اتفاجئت إنه مهجور من 25 سنة، ومفيش حد ساكِن فيه، ولا فيه "نرمين"، ولا فيه "حُسام"!

***

 

كابوس بعيش أحداثه وانا صاحي، بعد الجواز بأيام قليلة "نرمين" بدأت تعمل تصرّفات غريبة تخوّف أي حد منها، حتى "حسام" كنت بلاقيه خايف منها أحيانًا، بَس كنت مغلوب على أمري عشان ابني واقول ما يتشرّدش، لكن فجأة يختفوا! ده اللي محتاج له تفسير، محتاج حد يقولّي 8 سنين فاتوا من حياتي راحوا فين؟!

 

أنا مكَنش ليّا غير خالي ومات من سنتين، ومفيش قدامي غير إنّي أستعين بأصحابي، "حسين و يحيى"، اتصلت بـيهم وطلبت منهم نتقابل في أمر ضروري، وفعلًا قالولي نتقابل بالليل على الكافيتيريا اللي كنا بنقعد عليها أيام الجامعة.

 

اليوم فات ونسيت انّي صايم، لا حسّيت بجوع ولا عطش، ولمّا المغرب أذّن يادوب جرحت صيامي، شربت مايّه وأكلت كام تمرة، وصلّيت المغرب في البيت والعِشا والتراويح، وخدت بعضي وروحت على الكافيتيريا، انتظرتهم هناك لحد ما لقيت "حسين" داخل بيسلّم عليّا وبيقوليّي...

-مالك يا "آسر".. إيه اللي حصل.. صوتك بيقول إن في حاجة؟!

 

طلبت منّه يقعد الأوّل وقولتله...

-هو "يحيى" فين مش جاي ولا إيه؟!

-أنا كلّمته وقالّي إنه قرّب يوصل.

 

ويادوب الويتر دخل سألنا تشربوا إيه و "حسين" قالّه هاتلنا شاي، وكان "يحيى" بيوقّف عربيته قدام الكافيتيريا وبينزل منها.

بعد ما قعدنا وشربنا الشاي، بدأوا يتكلّموا معايا، كان "حسين" بيسألني...

-مالك يابني؟!

-أنا حصلت معايا حاجة غريبة ومش عارف افسّرها.

 

رد عليا "يحيى" وهو مستعجب من كلامي...

-إيه الحاجة الغريبة اللي تخلّيك تجيبنا على ملا وشّنا؟

 

ردّيت وانا مُش عارف ابدأ منين...

-مراتي اختفت.

 

لقيتهم بيبصّولي باستغراب كده وبعدها "حسين" قالّي...

-وفين "حسام" ابنك؟!

 

ردّيت بعد ما خدت نَفس عميق عشان اكتم دموعي اللي كانت هتنزل...

-معاها.

-مايمكن راحت عن حد من قرايبها.

 

وهنا لقيت "يحيى" بيسألني...

-حاولت تتصل بيها؟!

-تليفونها مقفول.

 

أنا مكذبتش عليه، لأني لمّا رجعت البيت يومها لمّا اكتشفت حقيقة بيتهم المهجور وعرفت اسمها رنّيت على تليفونها، كان رقمها غير موجود بالخدمة! برغم انه معاها من ساعة ما اتجوّزنا.

 

لقيت "يحيى" بيهزّ راسه وبيفكّر كده وبيقولّي...

-اطّمن.. عمومًا يعني لو مرجعتش بعد 48 ساعة ممكن نعمل بلاغ اختفاء وهنوصلّهم.

 

مكُنتش عارف اجيبهالم ازّاي، لكن بدأت احكيلهم عن اللي حصل، من أوّل ما رجعت من صلاة التراويح امبارح، ولقيت الرعب على وِش "حسام"، لحد اللي حصل لمّا روحت عند بيتهم واكتشفت ان مفيهوش حد، ورجعت الشقة ودخلت الحمام اغسل وشّي عشان افوق من الصّدمة، ولحد ما سمعت صوتها وعرفت اسمها "دَمدَم"، دا انا حتّى وصفتلهم شكلها.

 

كانوا بيبصّوا لبعضهم، كنت عارف كل واحد فيهم بيقول عنّي إيه في نفسه، ماهو اللي بحكيه برضو ميدخُلش عقل، بس ده اللي حصل معايا، لدرجة إن "حسين" قالّي...

-أنت تعبان يا "آسر"؟ في حاجة مخلّياك متوتّر أو بتفكّر فيها؟!

 

ولقيتني بقولّه...

-ليه بتقول كده؟

-ماهو عشان اللي بتقوله ده ميدخلش عقل.

-أنا بقولّكم اللي حصل معايا.. وبعدين أنا هكذب عليكم ليه؟ أنا عارف اللي بقوله غريب بس ياما حصل حاجات زي دي سمعنا عنها.. أنا اتأكّدت إن "نرمين" مش إنسية.

 

كانوا لسه بيبصوا لبعض بعد ما سمعوا كلامي، ولقيت "يحيى" بيبصّلي وبيقول...

-بُص يا "آسر".. إحنا روحنا معاك بيت أهلها ليلة الحنة بتاعتك.. شوفناهم وسلّمنا عليهم وحضرنا الحفلة هناك.. قوم بينا نروح عنده.

 

لقيتني مبعترضش على الفكرة، ماهو انا لو رفضت هيقولوا انّي بشتغلهم، عشان كده وافقت عليها علطول، ندهنا على الويتر وحاسبنا على الشاي وخرجنا من الكافيتيريا، ركبنا عربية يحيى، ولمّا اتحرّكنا كنت أحيانًا بشرح له الطريق لأنه مكَنش حافظه كويس، لحد ما وصلنا عند البيت.

 

وقفنا قدّامه بالعربية، البيت قديم، ضلمة، بوابته مليانة عنكبوت، كُنا بنبُصله وقلبنا مقبوض لدرجة إننا مكنش عندنا الجرأة ننزل من العربية ونقرّب منّه، ولقيت "حسين" بيقولّنا...

-الموضوع شكله بجد!

 

ردّيت وانا متعصّب وقولتله...

-أومال يعني أنا جايبكم عشان أهزّر؟! دا شكل بيت كُنا فيه من 8 سنين؟! أنا لما جيت امبارح بالليل بعد اللي حصل لقيت واحدة جارتهم، لمّا سألتها عن البيت قالتلي إنه مهجور من 25 سنة ومسكون عفاريت.

 

وطبعًا لقيت "يحيى" بيسألني...

-فين بيت جارتهم دي؟

 

طلبت منّه يتحرّك شوية بالعربية، كان بيتها بعد 50 متر، لحد ما قولتله...

-بَس.. هو دَه البيت.

 

نزل من العربية ونزلنا وراه، سبقتهم على سلّم البيت عشان اخبّط على الباب، خبّطت ومحدش كان بيرد، بقيت أخبّط أكتر، لحد ما بدأت اسمع خطوات حد جاي عشان يفتح الباب، ولمّا الباب اتفتح لقيت نفس السّت اللي كلّمتها امبارح، أوّل ما شافتنا قالت...

-خير يا أساتذة عايزين حاجة؟!

 

قولتلها وانا خايف من رد فعلها...

-أهل نرمين فين؟

-أهل نرمين مين يا أستاذ؟!

-اللي كانوا عايشين في البيت ده!

 

وشاورتلها على البيت، وساعتها لقيتها بتصرخ في وشي...

-هو أنت بتاع ليلة امبارح!.. أنت إيه حكايتك يا أستاذ؟.. ما انا قولتلك البيت مهجور من 25 سنة.. كان عايش فيه واحدة وحرامي دخل بالليل سرقها وقتلها لأنها كانت هتكشفه.. ومن ساعتها والبيت مهجور زي ما انت شايف كده واتسكن بالعفاريت.. دا انا بشوفهم بالليل عيني عينك.. ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم.. امشي يا أستاذ لو سمحت ومترجعش تاني.

 

آخيرًا "حسين و يحيى" اقتنعوا بكلامي، لكن أنا كل اللي يهمّني دلوقت أعرف فين"حسام" ابني، قعدت على سلم البيت بعد ما السّت قفلت الباب ودخلت، ولقيت "يحيى" بيمد إيده عشان يساعدني اقوم، كانت رجلي مُش شيلاني، ولقيتني بقولّهم...

-أنا عايزكم تساعدوني ألاقي "حسام" ابني.

 

لكن لقيت "يحيى" بيقولّي...

-تعالى بس نروّحك شقّتك.. وبعدين نفكّر هنعمل إيه.

 

ركبنا العربية ومشينا، كُنت ساكت طول الطريق مبنطقش، وهما محاولوش يتكلموا معايا، سابوني على راحتي، لحد ما وصلنا عند العمارة اللي انا ساكن فيها، ونزلنا من العربية وطلعوا معايا شقّتي، دخلنا وقعدنا، كانوا بيحاولوا لخفّفوا عليا اللي انا فيه، لحد ما لقيت "حسين" بيقولّي...

-اسمع يا "آسر".. الموضوع بتاعك دَه محتاج شيخ.. تحكيله كل اللي حصل.. وهو يقولّنا بالظبط ده إيه ونحلّه ازّاي.

 

لقيت "يحيى" انفَعل وقالّه...

-هنروح لدجالين على آخر الزمن؟! أنت بتصدق في الكلام ده يا "حسين"؟!

 

ولقيت "حسين" بيقوله بصوت عالي...

-تقدر تقولّي تفسير للحالة اللي "آسر" فيها؟! هنروح لمين يعني؟!

 

حبّيت أقطع كلامهم عشان ميتخانقوش مع بعض، فقولتلهم...

-أنا موافق.

 

لقيت "يحيى" معلّقش على كلامي، لكن "حسين" كمّل كلامه وقال...

-في شيخ كويس اسمه "محروس".. هكلمه ونروحله بكره بالليل إن شاء الله.

 

وبعدها سابوني ومشيوا بعد ما اطّمنوا اني كويس، فضلت قاعد وانا حاسس بحركة في الشَّقة، ومن وقت للتاني كُنت بسمع صوت "حسام" وهو بيقول...

-بابا!

 

بقيت أقوم ألف في الشقة زي المجنون، لكن مبلاقيش حاجة، كُنت بتمنى انه يكون كابوس واقوم منّه، جالي صداع رهيب مكنتش متحمّله، عملت شاي وخدت مُسكّن، ودخلت الحمام وفتحت الحنفية وحطّيت راسي تحت المايّه، منظر "نرمين" وهي متكتّفة بالجنزير بشكلها المرعب مراحش من قدامي وانا مغمّض عيني، ازّاي كيان غير آدمي يقدر يتجسد في صورة واحدة بالجمال اللي كانت فيه ويعيش زيّنا كل السنين دي، وفجأة يظهر على حقيقته ويختفي، وياخد ابني معاه.

 

أنا عن نفسي مبقتش عارف إذا "حسام" هو كمان إنسان زيّنا ولا زي امه، اللي معدتش برضو عارف إذا كان اسمها "نرمين" ولا "دَمدَم".

 

ويادوب اسمها الحقيقي جه في بالي، ولقيتني سامع صوت ضحكتها اللي كُنت بقوم عليها بالليل وانا خايف...

-ازيّك يا "آسر"!

 

رفعت راسي من تحت الحنفية ومسحت المايه من على عيني، وبمجرد ما قدرت اشوف لقيتها، كانت ظاهرة قدامي في المِراية بشكلها المخيف اللي آخر مرة شوفتها فيه، كانت واقفة ورايا، بصّيت ورايا وانا مرعوب عشان اتكلّم معاها، لنّي ملقتهاش، هي كانت مجرد صورة في المِراية من غير ما يكون لها وجود فعلًا، ضربات قلبي زادت، ولقتني برد عليها وبقولّها...

-"حسام" فين يا "نرمين"؟!

 

لقيت ملامحها بقت أبشع من اللي شايفها قدامي وهي بتقولّي...

-اسمي "دَمدَم".

 

مُش عارف ليه الخوف اتشال من قلبي فجأة وانا بقولّها...

-أنا مايهمّنيش انتي مين.. أنا كل اللي يهمّني ابني.

-"حسام" معايا تَحت.

 

حسّيت إن دماغي بتغلي من الغيظ، ردّيت عليها وقولتلها...

-تَحت فين؟!

-في القبيلة بتاعتي.. عايش مكان ما انا عايشة.. أحلامه كلها بتتحقق.

 

كُنت زي المجنون وانا بسمعها وبقولها...

-ابني هيرجع.. فاهمة؟.. هيرجع.

 

فجأة ضِحكتها بقت بترج الحمام والشَّقة كلها، كان بوقها مفتوح وليها أنياب مخيفة، حسّيت إن الدُّنيا بتلف بيا والأرض بتتزلزل تَحتي، مِسكت في الحوض عشان كُنت هقع في الأرض، وكل ما كان صوت ضحكتها بيعلى كل ما كان وشّها بيملا المِرايا كلّها وبيكبر، وعينها بتنوّر أحمر بلون الدّم أكتر، لحد ما المِراية بدأت تتشقّق، وفجأة المِراية فرقعت، اتفرفِتت ونزلت في الأرض، وساعتها كل حاجة انتهت بمجرد ما المراية فرقعت وصورتها راحت من عليها.

 

خرجت من الحمام وانا مرعوب من اللي حصل، كُنت عايز اغيّر هدومي واهرب من الشَّقة، روحت عند الدولاب عشان اطلّع هدوم البسها وانزل، وبمجرد ما فتحته لقيتها في وشّي، قفلت الدولاب بسرعة ولفيت وشّي عشان اهرب من الأوضة، لكني لقيتها في وشّي برضو، لكن المرة دي مسكتني من رقبتي، ضوافرها كانت زي الكلاليب المولّعة، حرقت رقبتي وكانت روحي هتطلع من الألم، نَفسي وقف، وفجأة لقيتني بنزل في الأرض وبغيب عن الوعي!

 

فوقت على أذان الفَجر، لمّا فتحت عيني حسيت الدنيا هادية من حواليا، اتسندت على طرف السرير عشان اقوم، ولمّا وقفت بصّيت في مراية الدولاب، وشّي كان متغيّر، كان باين عليا الخوف والإرهاق، بدأت أدقق في رقبتي، ولقيت مكان خمس ضوافر، كان جلد رقبتي مكانهم مش موجود، قلبي كان هيتخلع من صدري لما لقيت اللي حصلي ده حقيقي، خرجت من الأوضة وطلعت الصالة ادوّر على التليفون، ولمّا لقيته كلّمت "حسين"، ولمّا رد عليا قولتله...

-أنا شوفتها.

 

كان بيستفسر منّي شوفت مين وحصل إيه، حكيتله كل حاجة بالتفصيل، وسألته سؤال جه على بالي...

-هو ازّاي بيحصل معايا كده في رمضان؟! مش المفروض الشياطين متسلسلة.

 

ولقيته بيرُد عليا وبيقولي...

-الشياطين يا "آسر".. مُش الجِن.

-أنت لازم تشوفي الشيخ اللي اسمه "محروس" ده.

-اطّمن.. أنا كلّمته وخدت منه ميعاد وهنروحله بكره بعد التراويح.

قفلت معاه وانا دماغي هتنفجر من التفكير، ومُش عايز افتكر الوقت فات عليّا ازّاي لحد تاني يوم بالليل، لا نوم ولا حتى فطرت لمّا المغرب أذّن، كل اللي كنت بفكّر فيه الشّيخ ده هيقولّي إيه.

 

تاني يوم بعد التراويح لقيت تليفوني بيرن، كان "حسين"، لمّا ردّيت عليه أشوفه فين لقيته بيقولّي...

-انزل احنا منتظرينك تَحت.

 

أنا كُنت لابس وجاهز، نزلت علطول بمجرد ما قفلت معاه، ولقيته هو و "يحيى" في العربية، ركبت وطلعنا على مكان الشيخ اللي كان "حسين" عارف طريقه، ولمّا وصلنا لقينا الشيخ في انتظارنا، كان بيته دور واحد في قرية جنب البلد اللي احنا منها، ولمّا دخلنا البيت قعدنا في أوضة فيها قعدة عربي على الأرض وراكية فحم طالع منها ريحة بخور، قعدنا وبدأ الشيخ يتكلّم معايا ويقولي...

-شكلك اللي قدامي ده بيقول إن الموضوع يخصّك أنت.. باين عليك.

 

قولتله...

-فعلًا أنا عندي مشكلة كبيرة عملالي صدمة.

 

وبدأت أحكيله كل حاجة من أول يوم شوفتها في الجامعة لحد آخر حاجة حصلت امبارح، وساعتها هز راسه وهو بيقولّي...

-أنت اتجوّزت جِنّية من تَحت الأرض.. في الحالات اللي زي دي بتكون هربانة من قبيلتها.. أو مطرودة.. بس في النهاية بترجع.. يا إما بترجع بإرادتها أو بيجبروها تعمل كده.

-أنا كُل اللي عايزه ابني.

-ابنك هعمل اللي أقدر عليه عشان يرجع بأمر الله.

 

وهنا لقيت "يحيى" بيسأل الشيخ...

-هو الكلام ده ينفع في رمضان؟!

 

الشيخ ابتسمله وقاله...

-أولًا ما اسموش الكلام ده.. متسخرش منه.. بُص للي حصل لزميلك وانت تعرف إن العالم ده حقيقي.. ومش أي حد ربنا بيمنحه القدرة إنه يتواصل معاه.

 

وبعدها الشيخ بدأ يقولي...

-أنا عرفت اسمك من "حسين".. شوف يا "آسر".. ربنا بيسخّر جنود لبعض الناس عشان يساعدوا غيرهم.. اعرف إن اللي هيساعدونا بيعملوا خير بس.

 

وبعدها لقيته بيغمّض عينه، وفضل فترة طويلة يقرأ حاجات في سرّه، وبعدها لقيته بيقولّي...

-يوم ما شوفتها كانت مطرودة من قبيلتها.. ولمّا انطردت من عالمها ولجأت للعالم بتاعنا سكنت المكان اللي انت شوفتها فيه أوّل مرة.. وعشان ترتبط بالعالم بتاعنا كان لازم تظهر في صورة إنسانة وتتجوّز إنسان، اللي هو كان حضرتك طبعًا.

 

كان "حسين و يحيى" قاعدين بيسمعوا الكلام وساكتين، وانا نفسي كنت ساكت من الصدمة، لكن لقيتني بقول للشيخ...

-وليه أنا بالذات؟!

 

رد الشيخ وقالي...

-نصيبك كده.. ماهو كل واحد بياخد نصيبه يا "آسر".. ولا إيه؟!

-طيّب وهي ليه اختفت وخدت معاها ابني؟!

-حكاية اختفاءها دي ملهاش تفسير غير إن قبيلتها رضيت عنها.. وقرّرت ترجع أو هما طلبوا منها كده.. وكان لازم تاخد معاها الولد لأن في قانونهم الولد بيتبع امّه.. خصوصًا في الحالة اللي كانت فيها "دَمدَم".

-طيّب وبيت أهلها اللي خطبتها منهم واتجوّزتها.. دا حتّى "حسين ويحيى" حضور معايا الحِنّة هناك.

 

الشيخ ساعتها ابتسم وقالّي...

-أكيد مش صعب على جنّية إنها تخليكم تشوفوا أي بيت مهجور على إنّه بيت فيه ناس عايشة.. هما عندهم القدرة إنهم يسحروا عينكم ويخلوكم تشوفوا حاجات مالهاش وجود أصلًا.. وانتوا بس اللي تشوفوها.. دا غير إن البيوت المهجورة أحيانًا بتبقى ملاجئ للجن المطرود والملعون من قبيلته.

-طيّب أنا عاوز ابني يرجع.

-بُص يا "آسر".. ابنك مش هيرجع بسهولة.. في شويّة حاجات لازم تعملها.

-حاجات زي إيه؟!

-أولًا هتجيبلي حاجة من هدوم اللي انت بتقول عليها "نرمين".. هي لما رجعت عالمها مخدتش معاها حاجة غير الحاجة اللي من دمها.. وتجيبلي حاجة من هدوم "حسام" يكون عرقان فيها.

 

رديت وقولتله...

-دي حاجة بسيطة.. وبعدين؟!

 

رد الشّيخ وقالّي...

-لا بعدين دي مش هتنفع غير بعد رمضان.. ماهو مش كل حاجة هنعملها تنفع في الأيام دي.

 

هزّيت راسي بالموافقة، وبعدها لقيت الشيخ بيقولّي...

-دلوقت تقدر تمشي.. وهنتظرك بكره بالحاجة اللي طلبتها.

خرجنا من بيته واحنا ساكتين كأن مفيش أي كلام نقوله، وركبنا العربية واتحرّكنا، طول الطريق مكنش في أي صوت غير دوشة العربية وهي ماشية، لكن أنا في ضلمة الطريق كنت بشوفها، كانت صورتها المرعبة ماشية جنب العربية وبتبُص ناحيتي، وبتضحك ضحكتها الغريبة، وبشوف أنيابها وهي بينزل منها سائل أسود، كأنها بتتحدّاني، ولمّا وصلنا عند العمارة طلبت منهم يطلعوا معايا عشان كُنت خايف ابقى في الشقة لوحدي بعد اللي حصل معايا آخر مرة، طلع معايا "حسين" و "يحيى" انتظرنا في العربية، لما وصلنا الشقة دخلت الأوضة فتحت الدولاب وجبت قميص خروج كانت بتحب تلبسه كتير، وبعدها روحت على سبت الغسيل وجبت آخر حاجة "حسام" كان لابسها قبل ما يختفي، وساعتها طلبت من "حسين" إني عاوز أبات معاه النهاردة بما إنه مش متجوّز ومش هسببله إزعاج، وهو بصراحة كان مرحّب بالفكرة دي جدًا.

 

نزلنا من الشقة وركبنا العربية، و "يحيى" نزّلنا قدام بيت "حسين"، وقالنا...

-بكره بعد التراويح هجيلكم عشان نروح للشيخ "محروس".

 

وبعدها سابنا ومشي، واحنا طلعنا شقة "حسين"، قضيت الليلة وانا صاحي، كُنت ببُص للهدوم اللي انا جايبها وبقول في نفسي هو الشيخ هيعمل إيه بالهدوم دي؟! لكن لقيتني براجع نفسي وبقول يعني أنا ماليش أسأل في شغله، أنا كل اللي يهمّني ابني يرجعلي.

 

كنت قاعد في أوضة لوحدي، حسّيت الوقت طويل لحد ما سمعت باب الأوضة بيخبّط، كان "حسين" جايب السحور وطلب منّي آكل لأن صحتي كانت بدأت تتدهور جدًا، أكلت على قد نِفسي، وشربت كوباية مايه وبعدها بشوية الفجر أذّن، ولقيتني روحت في النوم، حلمت انّي بقع في بير، والبير ده مالوش نهاية، كل اللي فيه ضلمة، وانا نازل بخبّط في حيطانه وجسمي بيتكسّر وبصرخ من الألم، كنت كل ما انزل في البير أكتر نَفسي بيروح وبتخنق، لحد ما لقيتني فجأة بخبط في أرض، كانت كلها رمل أبيض، والجبال اللي فيها لونها أسود، رفعت وشي ولقيتني في عالم غريب، كُنت حاسس فيه بريحة "حسام"، وفجأة لقيته بيجري وهو فرحان، وكان بيجري وراه كائن أسود غريب، راسه عامله زي راس التّور، وهو على بعضه كان شكله بَشع، استغربت ازّاي ابني بيلعب مع كائن زي ده، نَدهت عليه لكنّه مكنش سامعني، بدأت اقوم من الأرض عشان أروحله، لكن اتفاجئت قدامي وانا بقوم برجلين شبه رجلين المعيز، لونهم أسود بيلمع، وكان باين من وراهم ديل بيتحرّك، الرعب كان هيموّتني، لكن قاومت وقومت وبدأت أقف على رجلي، ولمّا وقفت لقيتها في وشي، "دَمدَم"!

 

كان نفس وشّها المرعب اللي شوفته آخر مرّة، لكن جسمها كان غريب، كان كُله شعر أسود طويل ورجليه رجلين معيز وليها ديل!، وساعتها قالتلي وهي بتضحك ضحكة مرعبة وأنيابها باينة...

-اطّمنت على ابنك يا "آسر"؟

 

لكني قولتلها وانا بقاوم الخوف اللي جوّايا...

-ازّاي ابني بيلعب مع مَسخ زي ده؟!

 

حسّيت ملامحها بتتغيّر من الغضب وهي بتقولي...

-هنا محدش هيسمحلك تغلط في أي حد من عالمنا.

-أنا هاخد ابني.

-أنت نفسك مش هتطلع من هنا يا "آسر" غير بإذن منّي.

 

حاولت اتحرّك ناحية ابني اللي كان مبسوط وهو بيلعب مع الكائن البَشِع ده، لكنها مِسكتني تاني من رقبتي بضوافرها اللي كانت بتنغرز في جلدي، المرة دي كانت أصعب من الأول، اتخنقت ونفسي راح وكانت روحي بتطلع، وفجأة لقيتني بقوم وانا مفزوع من السرير والعَرق مغرّقني وباخد نَفسي بالعافية!

 

نَدهت على "حسين" اللي لقيته جاي بسرعة لما سمع صوتي وبيقولي...

-مالك.. إيه اللي حصل؟

-حِلم.. حِلم فظيع وبَشع!

-طيّب وحّد الله.. لازم تِحلم أحلام مش كويّسة.. اللي أنت فيه مش سهل.

 

كان الضُّهر قرّب يأذّن، كان جسمي مهدود ومكنتش قادر اتحرّك، أنا كُنت حاسس بنفس التعب اللي حسّيت بيه في الحلم وانا بخبط في الأرض بعد ما سقطت من البير، كأنّي وقعت فعلًا وروحت هناك بجد!

 

اليوم فات وجه الوقت اللي هنروح فيه للشيخ و "يحيى" جالنا، وخدنا بعضنا وروحنا، ولمّا وصلنا لقينا الشيخ منتظرنا، قعدنا وعطيته الهدوم ولقيته بيسألني...

-محلمتِش بحاجة؟!

 

كُنت ببُصله وانا مستغرب وقولتله...

-حِلمت.

-احكيلي.

 

حكيتله الحلم بتفاصيله، وقولتله انّي حاسس بالتعب اللي كنت حاسس به في الحلم، كأني روحت بجد، ولقيته بيقولي حاجة أغرب من الخيال...

-أنت فعلًا كُنت هناك بجد!

 

قولتله وانا باصصله ومستغرب...

-ازّاي ده حصل؟!

-متسألش في حاجات مش هتفيدك.. بس أنت كان لازم تشوف ابنك وتطّمن عليه.. جِبت الحاجة اللي قولتلك عليها؟!

 

كُنت حاطط الهدوم في شنطة، مدّيت إيدي بالشنطة ناحيته وقولتله...

-الهدوم اهي زي ما طلبت.

-طيّب.. أنا عاوز أقولّك حاجة.. "دَمدَم" لمّا انطردت من عالمها اتجسّدت في جسم واحدة اسمها "نرمين".. كانت بنت في حقوق وعملت حادثة وماتت وهي في الكلّية.. عشان كِدَه أنت لازم تروح قبرها وتخطّي من فوق جثّتها 7 مرات.. وانا هكون معاك.. وساعتها أنا هقول الكلام اللي المفروض يتقال.. عشان نقدر ننتصر على "دَمدَم" ونخلّص ابنك منها.

 

ردّيت عليه وانا مش مستوعب وقولتله...

-أنت عرفت الكلام؟!

-مش بقولّك ربنا بيسخر جنود لناس عشان تخدم الناس اللي مشاكلها صعبة زي حالاتك!

-طيّب وده هنعمله امتى؟!

-ده بقى هيكون بعد رمضان.. مش هينفع الأيام دي.

-لسّه هنتظر كل ده؟!

-الصَّبر يا "آسر".. لازم تتحمّل لو عايز ابنك يرجعلك.

 

مكنش قدامي حل غير انّي انتظر، قضّيت الفترة دي مع "حسين"، مكنتش بشوفها، لكن كنت بسمعها بتكلّمني وبتتحدّاني، ومكنتش عارف أنا كان ذنبي إيه عشان أعيش كل ده، وإيه السبب إنها تدخل حياتي وفجأة يبقى بيني وبينها الحرب دي كلها.

 

الأيام كانت بتفوت ببطئ والهواجس كانت بتقتل فيا كل لحظة، لحد ما جينا آخر ليلة في رمضان، واتفاجئت بالشيخ بيتصل بـ "حسين" وبيقولّه...

-أنا منتظركم الليلة.. الحاجة اللي كان المفروض تتعمل بالهدوم خلاص عملتها.. معادش فاضل غير إننا نروح قبر "نرمين".. وربنا أكرمني وعرفت مكانه.

 

في الليلة دي "يحيى" جالنا، وخدنا بعضنا وروحنا للشيخ، اللي لقيناه منتظرنا على باب البيت، ركب معانا العربية وطلب مننا نروح مقابر البلد بتاعتنا، ولما وصلنا طلب مننا ندخل شارع رقم 9، وقفنا بالعربية عشان الشارع كان ضيّق والعربية متفعش تدخل فيه، وساعتها "يحيى" رفض ينزل معانا وقالنا إنه هينتظرنا.

 

نزلت مع الشيخ "محروس" و "حسين" كان معانا، ولقيت الشيخ كان متفق مع غفير المقابر عشان يفتحلنا القبر، وعرفت بعدها إنه عاطيه فلوس إحنا هندفعهاله بعدين، الغفير خدنا ومشينا على نور كلوب كان شايله، لحد ما وصلنا للقبر، وساعتها الغفير بدأ يشيل التراب من على الباب عشان يفتحه.

 

الباب لما اتفتح حسيت بقلبي بيتخلع، آخر حاجة كنت اتوقعها إني أدخل قبر وانا لسه عايش، بَس أنا اعمل أي حاجة عشان ابني، وبعدها الشيخ طلب مننا ان انا بس اللي انزل معاه، وطلب منّي انزل الأول وانا شايل الكلوب وهو ينزل ورايا.

 

شيلت الكلوب وانا جسمي بيرتعش، وبدأت انزل سلّم القبر وانا رجلي مُش شيلاني، ولقيت الشيخ بيسندني من كتفي وبيقولي...

-متخافش.. أنا معاك.

 

نزلنا وكان القبر من تَحت عبارة عن أوضتين، أوضة فاضية والتانية كان فيها كفن، عرفت إن ده كفن "نرمين" اللي "دَمدَم" اتجسّدت في جسمها، وساعتها الشيخ طلب منّي اقرّب لوحدي من الجثة واحط الكلوب جنبها، وابدأ أخطّي من فوقها 7 مرات وانا باصص قدامي بس.

 

وبدأت أنفّذ اللي انطلب منّي وانا مرعوب، منتظر الوقت اللي هلاقي ابني راجع فيه، لكن كُنت برضو سامع صوتها، بتضحك ضحكة مخيفة وبتتحدّاني، وفجأة لقيت الجثة تحت رجلي بتتحرّك، كانت حركتها بتزيد والرعب كان جوايا بيزيد أكتر، وفجأة الجثة قعدت، ورفعت وشّها ليّا، وساعتها كان وشّها هو وش "دَمدَم".

 

الشيخ كان بيستعيذ بالله وطلع يجري على السّلم، الرعب كان باين عليه، حاولت اهرب لكن حسّيت إن في إيدين ماسكة رجلي، مكنتش قادر اتحرّك خطوة واحدة من جنب الجثة، وفجأة الجثة وقفت قدّامي، كان وش "دَمدَم" لكن الكفن كان مغطّي جسمها، وفجأة نور الكلوب انطفى، مبقتش حاسس غير بإيدها وهي بتمسكني من رقبتي وضوافرها بتنغرز في جلدي وبتقولي...

-هتموت يا "آسر".

 

وقعت في الأرض مُش قادر اتنفّس، وقت طويل كان بيعدّي عليا وانا في الحالة دي، باخد نفسي بالعافية، خايف أفتح عيني اشوفها واشوف القبر الضلمة اللي انا فيه، لحد ما سمعت صوت "حسام" فجأة، وساعتها فتحت عيني، كل حاجة من حواليا لونها ابيض، ستاير بيضا، سرير أبيض، أنا متعلّق في إيدي كانيولا ومتركّبلي محاليل!

 

أوّل ما فتّحت عيني لقيت "نرمين" جاية تجري عليا وبتقولي...

-حمدالله على سلامتك.. أنت مكنتش عايز تفوق من الغيبوبة ولا إيه؟!

 

أنا كان عقلي هيروح منّي وانا بقولها...

-أنا فين؟!

-أنت في المستشفى.. الحمد لله ربنا نجّاك من الحادثة ودخلت في غيبوبة والدكاترة قالوا إنها مش هتطوّل عن اسبوع.. والحمد لله انك فوقت.. خضّيتنا عليك.. كل سنة وانت طيّب رمضان بكره.

 

كُنت ببُصّلها وانا مرعوب منها، وهي لاحظت ده، ولقيتها بتقولّي...

-اوعي الغيبوبة تكون خلتك تنسى انا مين.. أنا "نرمين" مراتك.

ولقيتني بقولها سأل معرفش ازاي لساني نطقه...

-انتي اتخرجتي من حقوق امتى يا "نرمين"؟!

 

لقيتها بتبُصّلي باستغراب كده وبتقولي...

-سلامة الذاكرة بتاعتك.. أنا مُدرّسة يا "آسر" أنت نسيت ولا إيه؟!

 

وفجأة لقيتها بتنده بصوت عالي وبتقول...

-"دَمدَم".. يا "دَمدَم"!

 

اتنفضت من مكاني وانا بمسك فيها وبقولها والرعب بيهز جسمي...

-مين "دَمدَم" دي؟!

 

لقيتها بتطبطب عليا وبتقولي...

-مالك مخضوض وخايف ليه كده؟!.. دي "دِميانة" ممرضة زي العسل.. واخدة بالها منك من ساعة ما دخلت المستشفى، وانا بدلعها بقولّها يا "دَمدَم".. هبلّغها انك فوقت.

 

مكنتش عارف أرُد أقول إيه، لكنّها قالتلي...

-"حسين و يحيى" كانوا بييجوا يطمنوا عليك كل يوم.. بصراحة مقصّروش وأي حاجة كنت بحتاجها كانوا بيجيبوها.. وبابا وماما كانوا بييجوا يزوروك وقالولي لما تفوق وتخرج بالسلامة نروح نقعد عندهم كام يوم لحد ما تسترد صحّتك.

 

لكني لقيت نفسي بقولها...

-أنا كنت سامع صوت "حسام" من شوية هو فين؟!

 

ضحكت بصوت عالي وقالتلي...

-ابنك ياسيدي اتصاحب على "دَمدَم" وبقى قاعد معاها علطول.. بقى بييجي الأوضة هنا زيارة ويرجعلها.

 

لكنها قطعت كلامها على صوت الباب وهو بيتفتح، وبتدخل منّه ممرضة بتقولي...

-حمدالله على السلامة.. طوّلت الغيبة في الغيبوبة.

 

مكُنتش قادر ابتسم أو ارُد عليها السلام، لكني لقيت "حسام" جاي يجري من الباب وبيترمى في حضني وهو بيقولي...

-بابا.. بابا.

 

ردّيت عليه وكان صوتي تقريبًا رايح وقولتله...

-نعم يا "حسام".

--هي الشياطين بتتسلسل في رمضان؟!

***

تمَّت...

إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
2↓الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
3↑1الكاتبمدونة محمد شحاتة
4↓-1الكاتبمدونة اشرف الكرم
5↓الكاتبمدونة ياسمين رحمي
6↓الكاتبمدونة حاتم سلامة
7↓الكاتبمدونة حنان صلاح الدين
8↑1الكاتبمدونة آيه الغمري
9↑1الكاتبمدونة حسن غريب
10↓-2الكاتبمدونة ياسر سلمي
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑31الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني203
2↑22الكاتبمدونة مها اسماعيل 173
3↑14الكاتبمدونة مرتضى اسماعيل (دقاش)205
4↑11الكاتبمدونة منال الشرقاوي193
5↑5الكاتبمدونة كريمان سالم66
6↑5الكاتبمدونة خالد عويس187
7↑4الكاتبمدونة نجلاء لطفي 43
8↑4الكاتبمدونة غازي جابر48
9↑4الكاتبمدونة سحر حسب الله51
10↑4الكاتبمدونة نهلة احمد حسن97
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1079
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب695
4الكاتبمدونة ياسر سلمي655
5الكاتبمدونة اشرف الكرم576
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري501
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني426
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين417
10الكاتبمدونة شادي الربابعة404

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب333957
2الكاتبمدونة نهلة حمودة189852
3الكاتبمدونة ياسر سلمي181461
4الكاتبمدونة زينب حمدي169746
5الكاتبمدونة اشرف الكرم130964
6الكاتبمدونة مني امين116783
7الكاتبمدونة سمير حماد 107812
8الكاتبمدونة فيروز القطلبي97890
9الكاتبمدونة مني العقدة95010
10الكاتبمدونة حنان صلاح الدين91755

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة نجلاء البحيري2025-07-01
2الكاتبمدونة رهام معلا2025-06-29
3الكاتبمدونة حسين درمشاكي2025-06-28
4الكاتبمدونة طه عبد الوهاب2025-06-27
5الكاتبمدونة امل محمود2025-06-22
6الكاتبمدونة شرف الدين محمد 2025-06-21
7الكاتبمدونة اسماعيل محسن2025-06-18
8الكاتبمدونة فاطمة الزهراء بناني2025-06-17
9الكاتبمدونة عبد الكريم موسى2025-06-15
10الكاتبمدونة عزة الأمير2025-06-14

المتواجدون حالياً

953 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع