أنا واحد مالوش لا في الثور ولا في الطحين، عامل زي اللي اتصاب برصاصة طايشة في عاركة هو مش طرف فيها، طبعًا الكلام اللي بقوله ده من باب المجاز، لأن الحكاية حصلت بطريقة تانية خالص.
الدنيا بدأت تتكركب معايا في يوم قبل الفجر، أصل أنا فلاح على باب الله، بقوم قبل الديوك ما تصحى آخد البهايم اللي حيلتي، وبعدها أطلع على الغيط.
في اليوم ده؛ مديحة مراتي صحيت قبل منّي، عملت لي لقمة وصرَّتها في المنديل؛ على شان أتقوِّت بيها وأتقوّى على شغل الأرض، بس ملامحها كانت متغيَّرة، شاحبة وصفرة كأنها تعبانة، سألتها كتير عن السبب، على شان أطمّن عليها، بس هي أكّدت لي إنها بخير، وقالت لي:
_اطّمن يا عبد الغفار؛ كل الحكاية إني شوفت حلم وِحش مش أكتر.
طلبت منها تستعيذ بالله، أصل ياما الواحد بيشوف وهو نايم، زي ما يكون النوم ده بيفتح بوابات على حاجات مخيفة، ومخلوقات مش ولا بُد، وسواء إحنا اللي بنفوت من البوابات دي ونروح لهم، أو هُما اللي بيفوتوا منها ويدخلوا لنا، مش هتفرق، المهم إن ده يا ما حصل وبيحصل؛ وهيحصل.
خرجت من الدار بعد ما سحبت البهايم، الطريق كان لسه فاضي، لأني بخرج قبل الفلاحين على شان أرضي بعيد شوية، مشيت كالعادة والبهايم ورايا، الجو كان فيه نسمة حلوة تنضَّف الصدر، كل يوم كنت بحس الإحساس ده، وبكون مرتاح وبالي رايق، بس النهاردة بالي مشغول على مديحة، مش قادر أستمتع بالهوا زي كل يوم، ولأن الإنسان لما بيفكر؛ مش بيحس لا بالوقت ولا بالمكان، لقيت نفسي وصلت الأرض من غير ما أحِس، لا عرفت أنا عدّيت على إيه، ولا فاكر إن كان حد قابلني في الطريق ولا لأ.
ربطت البهايم على الطوالة اللي في الجُرن، وبعدها قعت جلَّابيتي وطلعت بالصديري ولامؤاخذة السروال، أصل أي فلاح بينزل يفلَّح في أرضه لازم يكون لابس هدمة تساعده إنه يتحرَّك، بس بمجرد ما خرجت من الأرض، دوست على حاجة وجعت رجلي، أصل أنا كنت حافي، بصيت تحت منّي وأنا رافع رجلي الموجوعة وماسكها، وبتنطط زي البهلون، حاولت ألمح إيه اللي جه تحت رجلي، من حُسن حظي إن النهار كان بادئ يشقشق، وقدرت أشوف عود حطب ناشف تحت منّي، كان مكسور من النُص، قولت هو ده اللي طيَّر نافوخي من مطرحه، ماهو الكسر ده معناه إني كسرته لما دوست عليه.
قولت: قدَّر الله وما شاء فعل، حطيت رجلي على الأرض تاني، على شان أكمل طريقي وأشوف ورايا إيه، لكن لقيت جتّتي بتتلبِّش وقلبي بيفُط من مطرحه، لأن اللي شوفته لا عمره كان يُخطر على البال ولا الخاطر.
عود الحطب اللي اتكسر من النُص رجع سليم تاني، زي ما يكون اتلحَم من نفسه، وقفت مذهول وأنا بشوف اللي بيحصل قدام عيني، وبقيت مذهول أكتر؛ لما عود الحطب بدأ يتهز هزَّة خفيفة، اللي كان في بالي إن في نسمة هوا شديدة هي اللي بتهزُّه، بس أكيد مش هتلحِمه يعني.
الهزَّة بدأت تزيد؛ لدرجة إنه بدأ يتحرَّك من مكانه، بس لما اتحرَّك مكنش عود حطب، كان حيَّة سودة، نطّيت من مكاني والخوف بينهش في قلبي، وأنا شايف الحيَّة رايحة ناحية الشجرة القديمة اللي جنب الجُرن، مقدرتش أنزل عيني من عليها، لحد ما لمحتها بتدخل من جُحر ضغير في جذر الشجرة.
قولت ياما في الجراب يا حاوي، والأرض مخبّـية بلاوي، بس اللي شاغل بالي هو إزاي شوفتها عود حطب وكسرته، ولا أنا كسرت حاجة تانية ولما شوفت الحيَّة اتلغبَطت!
كبرت دماغي وقولت أشوف شغلي، ما الواحد ياما شاف تعابين وعقارب في الغيط، كل الحكاية إنها حصلت بطريقة غريبة المرَّة دي.
اتحركت على شان أنزل الأرض، بس جسمي اتنفض المرَّة دي، لأني سمعت صوت بيهمس وبيقول لي:
_عبد الغفار.
بصيت ورايا؛ قولت أشوف مين اللي موجود وبيندَه عليا، أنا لو كنت أعرف الصوت كان زماني عرفت مين اللي بيندَه من غير ما أبُص، بس الصوت غريب؛ رِتمُه بطيء والنبرة فيها بَحَّة، زي ما يكون صوت حد بيطلَّع في الروح.
دُرت حوالين نفسي زي الساقية اللي جاررها ثور عَفي؛ بس كنت بدور في الفاضي، لأني ملقتش حد ولا عرِفت الصوت جاي منين، كل اللي أعرفه إنه جاي من ناحية الشجرة، بس ملمَحتش حد جنبها؛ ولا حد مستخبي وراها، ومش معقول يعني الشجرة هتندَه عليا.
بعد كده كل الحاجات الغريبة اللي بدأت تحصل من وقت ما وصلت وقفِت، لأن الناس بدأِت تهِل وبدأ يبقى في رِجل على الغيطان، نزلت الأرض وبدأت أشوف شغلي، واليوم فات كويس، كأن مفيش حاجة حصلت، أكَّلت البهايم وأكلت اللقمة اللي كانت في المنديل؛ ورويت الزرع، وفي آخر اليوم أخدت البهايم ورجعت على الدار.
لما وصلت؛ لقيت مديحة على الحالة اللي كانت عليها قبل ما أمشي، وبعد ما رميت السلام وليِّنت الكلام، وغسلت وشي وإيدي ورجلي، ولبِست هدمة نضيفة، قعدت معاها على الغدا، أكلنا وكانت على غير عادتها، ساكتة وبتاكل بالعافية، زي ما تكون قاعدة على الأكل على شان أقعد وآكل، إنما هي كان واضح إن نفسيتها مًش تمام، بدأت أفتح الكلام وقولت لها:
_مالك يا مديحة، من وقت ما سيبتك الصبح وأنتِ على الحال ده، خير كفى الله الشر؟
_ما قولت لك يا عبد الغفار؛ حلمت حِلم مُش ولا بُد.
_طيب ما تقولي شوفتي إيه، الفجر مكنش عندي وقت لأني يادوب ألحَق أجهّز حالي على شان الطريق.
_خلاص يا عبد الغفار؛ الحِلم الوِحِش لما بيتحكى بيتفسَّر.
_يا ولية قولي، هو أنتِ واكلة سد الحَنَك، احكي شوفتي إيه.
اتردِدِت شوية زي ما تكون بتفتِكِر، وبعدها بدأت تحكي...
"حلمت خير اللهم اجعله خير، إني ماشية في الأرض بتاعتنا، ودوست على عود حطب اتكسر تحت منّي وفتح رجلي، الغريبة إن الجرح مكانش بيجيب دم، بس اللي استغربت منه؛ هو إن عود الحطب اتحوِّل لحيَّة سودة، وبدأ يجري ناحية الشجرة اللي جنب الجُرن".
في الوقت ده حالي كان أصعب من حال مديحة لما شوفتها الصبح، دي كأنها شافت اللي حصل معايا في الأرض النهاردة، وزي ما تكون الحكاية مترَتِّبة؛ هي حلمت وأنا شوفت حلمَها في الواقع، حسِّيت إني نزل عليا سَهم الله، لدرجة إن مديحة أخدت بالها وقالت لي:
_مالك يا عبد الغفار؛ مسَهّـم كده ليه؟!
مكنتش عارف أرُد عليها بإيه، دا أنا لو قولت لها على اللي حصل معايا فعلًا، واللي هو نفس الحلم اللي بتحكيه، ممكن ترقَع بالصوت وتفتكر إن القيامة قامت، وده اللي خلَّاني أقول لها:
_أكيد خير يا مديحة؛ محدش بيختار يشوف إيه وهو نايم، حلم وفات.
كنت بقول لها كده وأنا مرعوب من جوايا، أصل مش عادة إن الحلم يحصل معاها؛ وفي اليوم نفسه أشوفه في الواقع، وبعدين هي مكانتش جابت سيرة اللي شافته، على شان أقول إني اتخيّلت اللي سمعته منها مثلًا، بالعكس؛ أنا شوفت اللي شوفته وأنا على عمايا، من غير ما أعرف أي تفاصيل.
انتبهت على صوتها وهي بتقول لي:
_ما تقول لي يا راجل سرحان في إيه؟
_هسرح في إيه يعني يا مديحة؟ أنا مَبسرَحش غير الغيط وبس.
_ليك نِفس تهزَّر، أما أنت فايق ورايق صحيح.
هي مكانتش تعرف إني بهرب من خوفي، يعني مش بهزَّر بمزاجي، أنا كنت بحاول أنسى مش أكتر، على شان كده قولت لها:
_وحّدي الله بقى، حلم وفات قولت لك.
_خايفة عليك يا عبد الغفار!
كلامها خلاني تنَّحت، خصوصًا لما فكّرني باللي حصل معايا الصبح، حسيت بحاجة ماسكة لساني ومنعاني من إني أتكلِّم، بس عافرت لحد ما قدرت أنطق، وأقول بنبرة مهزوزة:
_إيه اللي خلاكي تقولي كده؛ هو في حاجة أنتِ مخبياها عليا؟
_هخبي عليك إيه بس؟ كل الحكاية إن الحلم كان في الأرض، وأنت اللي بتروح هناك كل يوم.
على شان أكسر الخوف وميظهرش على وشي، رديت عليها وقولت لها:
_ارمي حمولِك على الله يا مديحة، اللي مكتوب للواحد هيصيبه.
رميت الكلمتين دول وقومت من على الأكل، دخلت الأوضة واترميت على السرير، أصل من عادتي أنام لي ساعة بعد الضُّهر، فردت جسمي على السرير؛ بس الشهادة لله؛ أول مرة مدوقش طعم النوم ولا عيني تغفل حتى، ولأني مش بحب أرقُص على السلم، وأبقى عامل زي اللي لا طال فوق ولا تحت، قومت من السرير طالما مش هنام.
لما مديحة شافتني؛ سألتني:
_منِمتش ليه؟
_والله دماغي هتتفلِق نصّين من الصداع، ومش عارف أنام.
_هعمل لَك كوباية شاي تظبط دماغك.
في الوقت ده قولت لها:
_لأ متعمليش، أنا هروح أشربها على القهوة.
دي المرة الأولى اللي أروح فيها القهوة بدري، قعدت وطلبت شاي؛ ولأول مرة برضه أقعد لوحدي، حتى الناس استغربتني، لا لعبت طاولة ولا دومينو كالعادة، دماغي مكانتش مركّزة غير في حاجة واحدة بس، هو ليه بيحصل ده؟!
قعدت كام ساعة على القهوة؛ من غير ما أوصل لإجابة، وفي النهاية قومت ورجعت على الدار، لأن كان لازم أنام على شان بصحى من قبل الفَجر.
لما رجعت الدار، دخلت على النوم على طول، ولما مديحة سألتني إن كنت عايز أتعشى ولا لأ؛ قولت لها: أكلت سندويتش على القهوة، وإني شبعان وهنام، كنت بكذب عليها طبعًا لأني مكانش ليا نِفس، ولو قولت لها السبب ده؛ هتزِن على دماغ اللي خلفوني على شان آكل، وأنا معنديش طاقة ولا طول بال للرغي النهاردة.
خلاصة الحكاية؛ نِمت وصحيت في ميعادي، وكالعادة مديحة صحيت وصرَّت لي لقمة في المنديل، وأخدت البهايم وطلعت على الأرض، وبعد ما ربطت البهايم في الجُرن، خرجت على شان أنزل الأرض، ساعتها اتفاجأت بنفس الصوت بينده عليا، صوت مبحوح وبطيء جاي من عند الشجرة، اتمسمرت في مكاني، وبعدها بدأت أبُص في الناحية اللي جاي منها الصوت، وساعتها شوفت حاجة عمري ما كنت أتخيلها.
الشجرة كانت بتتحرَّك من مكانها، حسيت إنها بتقرَّّب مني زي ما تكون بتمشي، حاولت أرجع لورا وأهرب، لكن رجليا كانت متحجَّرة، فضلت متنَّح والشجرة بتقرَّّب، لحد ما خلاص قرَّبت تلزق فيا، في الوقت ده حصلت حاجة أغرب، جذع الشجرة بدأ يتغيَّر وتظهر فيه حاجة غريبة، في البداية الحاجة دي مكانتش واضحة، لكن مع الوقت، اتضح لي إن دي جمجمة خارجة من جذع الشجرة، تجويف عينيها لونها أحمر؛ وأسنانها بارزة من تجويف بوقّها، وبدأت تتكلّم وتقول لي:
_أنت مُش ناوي تحلِّني بقى يا عبد الغفار؟ من سنين طويلة وأنا مخنوق الخنقة دي، والحيَّة السودة ملفوفة حوالين رقابتي.
لو كنت قدرت أصرخ كنت صرخت، بس كل حاجة فيا كانت مشلولة؛ زي ما تكون في حاجة سيطرت عليا على شان تتحكم فيا وتوصَّلني رسالة، مقدرتش أنطق، كل اللي عملته هو إني وقفت متنَّح، والجمجمة اللي خارجة من جذع الشجرة بتقول لي:
_حلِّني يا عبد الغفار، الحيَّة السودة حوالين رقبتي!
غمضت عيني على شان أهرب من اللي شايفه، ولو كنت قدرت أقفل وداني بإيدي وأمنعها تسمع الكلام ده كنت عملت، بس مكنش في حاجة فيا بتتحرك.
مع الوقت حسيت إن الصوت بيبعد، زي ما تكون الشجرة بتبعِد عني، فضلت مغمَّض عينيا لحد ما الصوت اختفى، بعدها فتحت عيني وبدأت أبُص في كل ناحية زي المجنون، لقيت الشجرة في مكانها، كأنها مكانتش قدامي دلوقت وبتكلمني، أو حاجة فيها بتكلِّمني، كل حاجة رجعت لطبيعتها، لكن اتفاجأت بحاجة غريبة في الجُرن؛ البهايم كانت هايجة زي ما تكون خايفة من حاجة، أصل البهيم ميوصلش للحالة دي؛ غير لما يشوف حاجة ترعبه، أصلهم بيشوفوا اللي إحنا منقدرش نشوفه.
مكنش قدامي حل غير إني أمشي، ماهو بعد اللي شوفته؛ واللي البهايم بتعمله، مش هقدر أقعد في الأرض، لازم أعرف إيه سبب اللي بيحصل.
أخدت البهايم ورجعت على الدار، ومكانش هاممني إن الناس رايحة الغيط وأنا اللي راجع، حتى مديحة استغربت لما شافتني، وقدرت أهرب من أسئلتها لما قولت لها:
_الأرض مش محتاجة أنا لسه راوي امبارح، أكّلت البهايم وجبتهم وجيت.
بعدها خرجت من الدار؛ بس مكنتش رايح على القهوة؛ ماهو محدش بيقعد على القهوة الصبح بدري كده، أنا كنت رايح مشوار تاني، مشوار عمري ما أفكر فيه إلا للشديد القوي، أنا كنت رايح دار الشيخ شوقي.
الشيخ شوقي ده؛ بيقول إنه بيعالج وبيحل المشاكل بالقرآن، وفي بعض الناس بتقول إنه له في أمور الدجل والشعوذة والعياذ بالله، بس أنا قصدته على شان يساعدني، أنا مكنتش رايح أأذي حد!
لما وصلت داره، خبطت على الباب ولقيته هو اللي بيرد عليا، وبعدها فتح الباب ودخلت، قعدنا في أوضة المسافرين، بس كنت أول مرَّة أشوف أوضة مسافرين بالشكل ده، فيها سلاسل من الخشب متعلقة على الحيطان، وراكية نار وبخور في نص الأوضة، بس ريحة البخور مكانتش مخيفة، كانت عادية وحسيت إنها مُريحة.
بعد ما قعدت معاه وسمع مني كل حاجة، سألني عن اسمي واسم أمي، ولقيته بعد ما غمض عينيه شوية بيقول لي:
_أنت مفيش حاجة معمولة على شانك، ولا في حاجة مأذي منها، حتى مراتك مالهاش علاقة بالحكاية، كل اللي حصل هو إنك وسيلة؛ كوبري بمعنى أصح، الأذى حصل عن طريقك بدون ما تعرف.
مكنتش فاهم حاجة من اللي بيقوله، على شان كده طلبت منه يوضَّح لي أكتر، وبعد ما طلبت بدأ يكمل كلامه...
_أنت لازم تعرف الحكاية على شان أنت اللي هتحلها، اللي حصل معاك وبدون ما تكون عارف عنه حاجة، هو إنك جاوبت عن سؤال كنت بسأله لنفسي من زمان، من وقت ما قصدني واحد، وطلب مني أفِك السحر اللي معمول لواحد اسمه دَغبَش، لأن دَغبَش ده كان صديقه ومات، وكان بيشوفه كل ليلة في الحلم، وبيطلب منه يشيل الحيَّة السودة اللي حوالين رقابته، ولما جالي هنا قولت له إنه سحر، بس للاسف؛ المسحور لما بيموت بيكون العلاج صعب، مبنقدرش نلاقي السحر ونبطله إلا بصعوبة، وأحيانًا بالصدفة كمان، لأننا في الطبيعي بنوصل للسحر عن طريق المسحور، لكن لما بيموت مبنعرفش نوصل لأن الطريق اللي بنمشي من خلاله بيكون مات وانتهى، وفي سِحر بيفضل يأذي في المسحور حتى بعد موته، ولأنه بيكون ميّـت لا حول له ولا قوة، بيحاول يستعين بأي حد من اللي عايشين على شان يساعده، عن طريق حلم أو رؤية، خلاصة القول، كرم ربنا كبير، وأحيانًا خادم السِّحر بيزهق من خدمته لما المسحور بيموت، وبيقى عاوز يسيب المكان لكنه واخد أمر ومتكلِّف به، وده بيخليه يعلن عن نفسه على شان حد يفِك السحر وتكليفه ينتهي، الحيَّة السودة اللي مراتك شافتها، وأنت شوفتها في الأرض، هي الخادم اللي ملفوف حوالين رقبة دَغبَش، واللي هو عاوز إنه يبعد عنه، والسحر كده مدفون تحت الشجرة اللي في أرضك، أنا كنت واثق إن كرم ربنا كبير وإن ده هيحصل، لأن من وقتها وبالي مشغول بالحكاية دي؛ دَغبَش مش مرتاح في نومته، والخادم عاوز يمشي، بس ربك لما بيريد بيسخّر كل حاجة على شان اللي هو رايده يحصل.
بعد ما حكى لي كل حاجة وفهمت اللي فيها، طلب مني أروح الأرض في ميعادي، وإنه هيقابلني هناك، وبعدها هنحفر ونطلع السحر اللي مدفون، وأنا مكنش قدامي حل غير إني أوافق.
رجعت على الدار وحسيت إني في عالم تاني، كنت برُد على كلام مديحة بالقطّارة، حتى هي لاحظت وقالت لي:
_مالك النهاردة يا راجل دمَّك يُلطُش ليه كده؟
اعتبرت نفسي مسمعتش حاجة؛ أصل هي عندها حق برضه، هي مش متعودة مني على كده؛ وفي نفس الوقت مقدرش أقول لها حاجة، دي هتخاف وهتعمل لي حوار أكبر من اللي أنا فيه، أما بالنسبة للحلم اللي هي شافته، واللي هو كان بداية الحكاية، كنت عارف إنها هتنساه مع الوقت، أو نسيته خلاص لأنها مجابتش سيرته النهاردة.
الليل فات وروحت الأرض في ميعادي، ولقيت الشيخ شوقي منتظرني هناك، لما شاف الشجرة بدأ يدور حواليها، ويقرأ حاجات في سرُّه، البهايم هاجت وقلبي وقع في رجلي، ولما جيت أتكلم، لقيته بيشاور لي على شان أسكت، بعدها بدأ يحفر، والغريبة إنه كان بيحفر في المكان اللي شوفت الحيَّة السودة داخلة منه تحت الشجرة، وبعد حوالي نُص متر تقريبًا، لقينا كيس أسود ملفوف حواليه خيط بكمية كبيرة، ساعتها بس عرفت إن ده السحر اللي حد ابن حرام دفنه في أرضي؛ على شان يأذي حد أنا أصلا معرفوش.
بعدها الشيخ شوقي طلب مني أردِم الحفرة، وأخد الكيس ومشي؛ بعد ما طلب مني أكمل شغلي في الأرض عادي، وهو هيتولّى فك السحر بطريقته، وبمجرد ما أخد الكيس ومشي، البهايم رجعت للهدوء اللي كانت عليه قبل الحكاية ما تبدأ، ساعتها بس قلبي اطَّمن، خصوصًا لما لمحت حيَّة سودة خارجة من تحت الشجرة، وبتزحف بأقصى سرعتها وبتخرج برَّه أرضي، وبتنزل في الترعة اللي على الناحية التانية من الطريق.
في اليوم ده اشتغلت وأنا مرتاح، ورجعت على الدار وأنا بالي رايق، رجعت على طبيعتي مع مديحة، أهزر وأضحك، حتى هي لاحظت وقالِت:
_أومال دمَّك كان يُلطُش امبارح ليه يا راجل؟
ضحكت ومجاوبتش على سؤالها، لأنه كان وقت القيَّالة، ووقتها أنا كنت عايز أنام وأنا بالي مرتاح، لأن عيني مشافتش النوم امبارح، بس النهاردة الوضع اختلف؛ والحكاية اللي زاولتني وهي متخُصّنيش أصلًا كانت خلصت خلاص.
تمت...