قابلتها صدفة، وانطبق على المقابلة دي المثل اللي بيقول: "رب صدفة خير من ألف ميعاد"..
أوّل ما عيني جَت عليها اتسَحَرت، قرّبت منها عشان أكلِّمها، في البداية كنت مُتردِّد وخايف، لكن اتفاجئت إنها تجاوبت معايا..
الكلام جاب بعضه، وكلمة؛ فَنظرة؛ فابتسامة؛ فلقاء مرَّة تانية، ولقيت نفسي بطلب منها عنوان بيتهم عشان أروح أطلب إيدها.
مكانش فارق معايا إن بيتها جنب المقابر، ولا حتى أهلي اعترضوا على حاجة زي دي، أخدتهم ورُحنا وخطبتها والموضوع مشي زي السكينة في الحلاوة زي ما بيقولوا، لحد ما كتبنا الكتاب وحددنا ميعاد الفرح..
ليلة الفرح أخدتها من القاعة وروَّحنا شقتنا، ولمّا بقينا لوحدنا والباب اتقفل علينا، طلبِت منّي تدخل الأوضة عشان تغيَّر هدومها، انتظرتها في الصالة لحد ما تخلّص، بس الوقت فات وطوِّلت جوّه؛ خُفت يكون جرى لها حاجة، قُمت ناحية الأوضة وفتحت الباب ودخلت، ومع أوّل خطوة ناحيتها لقيت نفسي برجَع بضهري، اللي قدّامي على السرير مكانتش عروستي، دي كانت مخلوقة مخيفة لابسة نفس قميص النوم اللي المفروض عروستي كانت هتلبسه..
ريقي مَرَّر من الرَّعب وحسّيت إن أنفاسي وقفت، والخوف زاد جوّايا لمّا سمعتها بتقول لي:
_مالك يا أحمد، أوّل مرّة تشوفني ولا إيه؟
خرجت أجري من الأوضة وقفلت الباب، وقفت أتنفض في الصالة، عيني كانت على الباب عشان أشوف إيه اللي هيحصل، لكن الوقت فات ومالقتش غير الهدوء.
بدأت أتحرّك ناحية الباب، وبعد تردُّد مديت إيدي وفتحته، لقيت الأوضة فاضية، بصّيت في كل مكان مالقتهاش، حتى شباك الأوضة كان مقفول من جوَّه.
قضيت الليلة لوحدي وأنا بفكّر إيه اللي غيَّر شكلها واختفت فين، قلبت عليها كل مكان في الشقة، لكن برضه مفيش فايدة، ولمّا النهار طلع أخدت بعضي ورُحت على بيت أهلها، بصراحة ماكنتش عارف هقول لهم إيه، ولمّا وصلت لقيت البوابة مقفولة، بس لاحظت حاجة غريبة، البيت كان قديم والبوابة قديمة، العنكبوت معشِّش في كل حتة منها، وكأني ماكنتش هنا ليلة امبارح وواخد عروستي من هنا لحد الكوافير..
_محتاج حاجة يا أستاذ؟
سمعت صوت من ورايا بيسألني، بصّيت لقيته راجل عجوز، ردّيت عليه وقُلت له:
_ده بيت نسايبي، بس معرفش راحوا فين!
بَص لي باستغراب وقال لي:
_نسايبك مين يابني! سلامة عقلك.
_قصدك إيه؟
_قصدي إن اللي بتقول عليه بيت نسايبك ده مهجور من سنين طويلة.
_كلام إيه اللي بتقوله دَه!
_زي ما بقول لَك كده، ده البيت الوحيد اللي مهجور في المنطقة، زيُّه زي المقابر اللي قدَّامك دي.
ردّيت عليه وأنا مذهول وقُلت له:
_ده أنا خاطب عروستي من هنا بقالي سنة، وواخدها ليلة امبارح من هنا على الكوافير عشان كانت ليلة دخلتنا، بس ...
وقفت فجأة عن الكلام، ساعتها الراجل ابتسم وسألني:
_بَس إيه يابني؟ ما تكمّل، ولا تحِب أكمّل أنا.
الصمت سيطر عليّا، والراجل أخد فرصة يكمّل كلامه وقال...
_لمّا روَّحت البيت اختفت ومالقتهاش، وزمانك شُفت اللي يشيِّب شعر راسك.
كلامه كان صح، وكأنه وقتها كان معايا وشاف اللي حصل، عشان كِدَه سألته:
_أنت عرفت كل ده منين؟
_ما أنت مش أوّل حد ييجي هنا ويقول ده بيت نسايبي ويحكي نفس الكلام، البيت ده مهجور يا ابني، وأنت زمانك وقعت في واحدة منهم زي غيرك، أصلهم في كل مكان، وياما حصل حالات جواز بين الإنس والجِن، وفي الحالة دي الواحدة أو الواحد منهم بياخدوا الإنسي لأي بيت مهجور ويخلّوه يتصوَّر إنه بيت طبيعي وعايش فيه ناس، زي ما حصل معاك كده، وكوِّيس إنها اختفت، لأن لو الحكاية كمِلِت كنت هتتورَّط، أنا عِيشت كتير وشُفت ياما، وصدّقني حالتك دي أهون بكتير من حالات غيرك، روح لحال سبيلك وانسى البيت ده، وانسى إنك شُفتها في يوم من الأيام، ولمّا تيجي تتجوّز ابقى اسأل عن العروسة الأول، أنا واثق إنك لو سألت الجيران هنا كنت عرفت الحكاية، بس كويّس إنك اتعلِّمت، ربنا يسترها عليك.
سابني ومشي، بعدها أخدت بعضي ومشيت بدون ما أنطق بكلمة، رجعت شقتي وكلِّمت أبويا وحكيت له عن اللي حصل، وساعتها أبويا أخدني ورُحنا لشيخ وأكِّد كلام الراجل العجوز، ومن وقتها والحكاية اتقفلت، والوقت فات بعدها والدنيا مشيت طبيعية، ودلوقت أنا متجوز ومخلِّف، بس قبل ما أعيد التجربة تاني سمعت وصيّة الراجل العجوز، وقبل ما آخد أي خطوة سألت في البداية عن بيت نسايبي!
تمت...