كاتب الأسبوع

✍️ كاتب الأسبوع

الكاتب المبدع أشرف الكرم 📖 حيثيات اختيار كاتب الأسبوع
🔄 يُحدّث كل جمعة وفق تقييم الأداء العام للمدونات

📚 خدمة النشر الورقي من مركز التدوين والتوثيق
حوّل أعمالك الرقمية إلى كتاب ورقي يحمل اسمك ورقم إيداع رسمي ✨
اكتشف التفاصيل الكاملة

آخر الموثقات

  •  الكرامة كل حاجه 
  • بساتين الذكرى
  • قالت عيناكَ
  • شام لاجئة استوطنت قلبي - الفصل الثامن عشر
  • ق ق.ج/ وميض إدراك 
  1. المنصة
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة محمد شحاتة
  5. بيَّاع الجرايد
⭐ 0 / 5

الشارع كان هادي زي عوايده كل يوم قبل الفَجر، ودَه الوقت اللي بقَف فيه بالموتوسيكل قدّام كُشك الجرايد اللي مكتوب عليه: عَم جلال، وبالمناسبة ده اسمي والكشك بتاعي، ورثته عن أبويا وشغّال في المهنة دي من حوالي أربعين سنة، مَفيش يوم بيفوت غير لمَّا بدخل الشارع دَه قبل الناس اللي ساكنة فيه ما تصحى من النوم، عشان قبل ما يصحوا كل واحد يلاقي الجريدة اللي بيقرأها منتظراه في البلكونة بتاعته.

ركنت الموتوسيكل وفتحت باب الكُشك، بدأت أحضَّر الجرايد القديمة اللي متوزَّعتش؛ عشان المندوب لما يوصل بالجرايد الجديدة ياخد القديم معاه، بعدها بدأت أرتِّب الكتب اللي موجودة في الكشك، واللي ببيعها جنب الجرايد، شويّة روايات على كام كتاب طبيخ، على كتب رسائل غرامية، دَه غير كام مجلَّة الناس بتحب تشتريهم وتقرأهم.

محسِّيتش بالوقت غير لمَّا سمعت صوت موتوسيكل بيقف قدَّام الكُشك، بعدها سمعت نفس الصوت اللي بسمعه كل يوم بعد الفَجر بيقول لي:

-صباح الخير يا عم جلال.

رفعت عيني من على الكتب وبصّيت ناحيته؛ وساعتها قُلت له:

-صباح النور يا حسن.

لمَّا صبَّحت عليه نزل من على الموتوسيكل، بعدها أخد كرتونة الجرايد اللي وراه ودخل الكُشك، حطها على الكرسي وقال لي:

-الجرايد تمام والعدد مظبوط.

-تسلم يا حسن ماتحرمش منَّك.

-والله يا عم جلال أنت صعبان عليَّا، يعني راجل كبير زي حالاتك المفروض يرتاح، لكن أنت على الحال ده من أربعين سنة، كل يوم بتصحى قبل الفَجر وتيجي المشوار دَه عشان تفتح الكُشك توزَّع جرايد وتبيع روايات ومجلّات، المفروض إنَّك ترتاح بقى.

كُنت عامل وِدن من طين وودن من عجين؛ وده لأن دي مش أوّل مرَّة حسن يسمَّعني فيها الاسطوانة المشروخة دي، وعشان كِدَه قرَّرت أسمَّعه اسطوانتي المشروخة أنا كمان فقلت له:

-أي نعم أنا راجل كبير بَس صحِّتي زي البُمب، وبعدين المهنة دي أنا وارثها عن أبويا الله يرحمه، من الآخر، إيدي بقت ريحتها ورق جرايد وكُتب، ومقدرش أبطَّلها.

لمَّا لقيته بيزمزق كمِّلت كلامي وقُلت له:

-وبعدين أنت حاشر مناخيرك ليه؟ ما أنت أهو، أبوك الله يرحمه كان صاحب عُمري، وكان بيشتغل في توزيع الجرايد وبيجيب الجرايد لحد الكُشك، وأنت ورثت عنُّه الشغلانة، يعني لو هيَّ عيب يبقى من الأولى تبطّلها.

-محدّش يقدر يقول على الشغل عيب يا عم جلال، بَس أنا لسَّه شباب وأقدر أتنطط بالموتوسيكل هنا وهنا، أنت صعبان عليّا بَس عشان سنَّك.

-مايصعبش عليك غالي يا أخويا، يلَّا خُد الجرايد البايتة معاك وورّيني قفاك اللي مالوش لا طول ولا عرض ده.

حَط لسانُه في بُقُّه ومنطقش، أخد الكام نسخة البايتين وخرج من الكُشك، ومفيش ثواني وأخد الموتوسيكل ومشي من الشارع.

وقفت أفرز الجرايد الجديدة، وكالعادة كُنت برمي عيني على السريع في كل جريدة عشان أشوف إيه الجديد في الدنيا، لكن في اليوم دَه عيني وقفت على صفحة في جريدة معيَّنة من بين الجرايد. كانت صفحة الإعلانات، وطبعًا دَه مكانش من فراغ، اللي حصل إني لمحت إعلان غريب كان مكتوب فيه: "من يجِد قفص الطيور الفارغ سوف يفقد حياته!".

الجملة لفتت انتباهي، وقفت عند الصفحة وقرأت تفاصيل الإعلان، واللي فهمت منه إنه عبارة عن مسابقة ودي بداية اللغز اللي فيها، وإن الفائز هيكون له مكافأة ماليَّة..

لحد هنا مكمِّلتش قراءة، لفِّيت كل نسخة وربطَّها بخيط زي ما أنا متعوِّد أعمل كل يوم، وبعدها خرجت من الكُشك وفي إيدي كرتونة الجرايد، مشيت في الشارع وأنا عارف إيه الجريدة اللي بتتحدف في كل بلكونة، يعني قدَّام بلكونة أستاذ خيري، إيدي راحت على الجريدة اللي بيقرأها، مسكتها وطوَّحتها في بلكونته، وعملت نفس الحكاية عند بلكونة مدام نوال، وبلكونة اللوا عزَّت، خبرة أربعين سنة بقى وإيدي بقت عارفة هي بتعمل إيه.

خلَّصت توزيع جرايد ورجعت على الكُشك، سحبت الكُرسي قدام الباب بعد ما عملت كوباية شاي وقعدت، ودني بدأت تُلقط صوت بيبان البلكونات وهي بتتفتح، وفي نفس الوقت، عيني لمحت كل واحد وهو بياخد الجريدة بتاعته وبيفُك الرباط من حواليها، وبيفتحها ويبُص فيها وهوَّ بيلف ضهره وبيدخل وعينيه بتقرأ اللي فيها.

المشهد دَه بيتكرَّر بشكل يومي وأنا بشرب كوبّاية الشاي في نفس المكان، بعدها بتبدأ أحداث اليوم العاديَّة؛ لمَّا الناس تبدأ تنزل من بيوتها عشان تروح مصالحها، وطبعًا أولهم الأستاذ خيري، رجل أعمال عنده شِركة صغيَّرة، متجوِّز لكن ربنا مَرزقوش بعيال، لكنه بيحب مراتُه جدًا ومَفيش يوم بيرجع فيه من شغله غير ومعاه هديِّة عشانها، بوكيه ورد أو علبة حمرا الله أعلم فيها إيه، ولو إني أشُك إنه بيكون حاطط فيها ورد برضه؛ لأنه شخص روتيني جدًا، وبعده بشويّة بتنزل مدام نوال، ودي بقى عندها بوتيك كبير في منطقة راقية زي الشارع ده كِدَه، وبعد الاتنين دول الناس بتبدأ تخرج من بيوتها واحد ورا التاني؛ لدرجة إني مش بكون مركّز مين رايح فين أو جاي منين، وبختم المشهد الصباحي لمَّا اللوا عزت بيخرج من تاني لبلكونة شقّته اللي في التالت، ساعتها بيرمي عينه ناحيتي، وبعدها بيرفع إيده ليَّا وكأنُّه بيعطيني تحيَّة عسكرية، ولو حد سألني ليه اللوا عزَّت مَنزلش عشان شُغله زي باقي الناس، فأحب أجاوب على السؤال ده بكُل أريحية وأقول: ببساطة لأنُّه لوا مُتقاعد وعلى المعاش من زمان، ومش هبالغ لو قُلت إنه من وقت للتاني بينزل يقعد معايا وقت العَصر لمَّا يكون مزاجه رايق.

لمحت الأستاذ خيري وهوَّ نازل من بيته وبيركب عربيته، وقدام الكُشك بتاعي، هدَّى السرعة وشاور لي من شباك العربية كالعادة وقال لي: صباح الفُل يا عم جلال.

-صباحك ورد يا أستاذ خيري.

بعدها سابني ومشي، وبعده بكام دقيقة فاتت مدام نوال بعربيتها، كل شيء كان ماشي طبيعي؛ لحد ما اللوا عزَّت نزل بعد العصر وقعد على كرسي بسيبه دايمًا عشانه جنب الكشك، وساعتها قال لي:

-شُفت الإعلان اللي في جرنان النهارده يا جلال.

-طبعًا شُفته يا سيادة اللوا، بتوع المسابقات دي بقى عليهم حاجات غريبة.

هَز راسه بدون ما يعلَّق على كلامي، قعدت جنبه بدون ما أتكلّم، لأن أنا عارفه من زمان، مُش بيحب يتكلّم كتير، ودايمًا ردوده على قد الكلام وبَس، في الوقت دَه بدأت أتابع أهل الشارع وهمَّا راجعين من أشغالهم، ساعتها قُلت بصوت واطي للوا عزت:

-تفتكر الأستاذ خيري هيرجع بإيه النهاردة؟ وَرد ولا علبة حمرا؟

ابتسم ابتسامة هادية وقال بعدها:

-ما تفتح كشك ورد أحسن من الجرايد، دَه أنت تكسب كتير من وراه.

ضحكت على كلامه ومعلَّقتش، لكن كان لفت انتباهي حاجة غريبة، الأستاذ خيري وقت رجوعه فات ومرجعش، استغربت لأنّي عارف إنه روتيني جدًا زي ما قلت لكم وممكن الناس تظبط الساعة على مواعيده، بَس قُلت جايز يكون انشغل في شركته ولا الطريق زحمة، لكن كل الأفكار دي راحت من دماغي لمَّا سمعت صوت صريخ جاي من ناحية بيته.

قُمنا ومشينا ناحية البيت مع النَّاس اللي راحت تشوف إيه الحكاية، وقتها عرفنا إن الأستاذ خيري مات، ومش موتة طبيعية لأ، الأستاذ خيري اتقتل على الطريق وهوَّ راجع، وطبعًا المعلومة دي عرفناها من مراته اللي كانت بتصرخ وحالها ما يعلم بيه إلا ربنا.

الخبر قلب جو الشارع كآبة، النَّاس كان نازل عليها صمت غريب، ومفيش كام ساعة ولقينا خبر الحادثة نازل على صفحات النت، اللي عرفنّا منُّه إن جثة الأستاذ خيري اتنقلت للمشرحة، بعدها النيابة أمرت بالدفن بعد تشريحها.

في اليوم دَه، مراته قرَّرت إنه يندفن في نفس اليوم، لأن إكرام الميِّت دفنه، كل الشارع طلع بربطة المعلّم في الجنازة، وفي اليوم ده قفلت الكشك وطلعت معاهم، بعدها رجعت على البيت لأن الوقت كان متأخَّر، في الليلة دي النوم مقرَّبش من عيني، دماغي مفصلتش تفكير في اللي عمل العملة السودة دي، بَس قُلت رجل أعمال وراكب عربيَّة، أكيد حد كان قاطره وطلع عليه وقتله وافتكر إن معاه فلوس ولا حاجة، ولاد الحرام كتير برضه، ودَه نفس التفسير اللي سمعته من اللوا عزَّت لمَّا كان معايا في الجنازة.

تاني يوم قبل الفَجر خرجت من البيت، ركبت الموتوسيكل وطلعت على الكشك، ولمَّا وصلت وفتحت الكُشك استلمت كرتونة الجرايد الجديدة من حسن لمَّا وصل، وفي اليوم دَه مَفتحتش معاه أي كلام.

بدأت أجهّز نسخة كل بلكونة، واستثنيت نسخة الأستاذ خيري الله يرحمه، لكن وأنا بجهّز نسخ الجرايد لقيتني بقرأ الأخبار بسرعة كالعادة، ساعتها عيني وقعت على خبر حادثة الأستاذ خيري، كان منشور معاه صورته وهو مقتول في العربيَّة ووشُّه عليه تمويه.

بدأت أقرأ تفاصيل الخبر، ساعتها لفت نظري حاجة قبضت قلبي، لأن من بين تفاصيل الخبر كان مكتوب: "المجني عليه كان بحوزته بوكيه ورد، وقفص طيور فارغ".

رجعت بالذاكرة لإعلان المسابقة في الجريدة اللي فاتت: "من يجِد قفص الطيور الفارغ سوف يفقد حياته!".

بعد ما دقَّقت شوية في صورة العربية اللي في الخبر؛ شُفت قفص عصافير فاضي في الكرسي اللي ورا، ساعتها عيني راحت ناحية بلكونة الأستاذ خيري، في اللحظة دي أخدت بالي من تفصيلة صغيَّرة، البلكونة كان فيها أقفاص عصافير، كلهم مليانين، والقفص الفاضي اللي كان معاه في العربية معناه إنه كان بيجهِّز عشان يعمل قفص عصافير جديد ويحطُّه جنب الأقفاص التانية، لأنه كان غاوي عصافير، زي ما كان هاوي يشتري ورد وهدايا لمراته.

قفلّت الجرنان ولفّيته وحطيته على جنب، بعدها بدأت أجهّز النسخ اللي هحدفها في البلكونات، ولمَّا خلَّصت حطيت النسخ في الكرتونة ومشيت في الشارع، وفي كل بلكونة كنت بحدف الجريدة بتاعتها، ولمَّا خلَّصت رجعت على الكشك وقعدت جوَّاه.

لمَّا النهار طلع، الحُزن كان ظاهر في وشوش النَّاس بسبب الحادثة، الرجّالة على وشّها كآبة والسّتات لابسة أسود، دَه غير إني قعدت أراقب الناس اللي داخلة وخارجة في بيت الأستاذ خيري عشان العزا، وبعد العصر، اتفاجئت إن اللوا عزَّت جاي ناحية الكُشك، جهّزت الكرسي بتاعه وحطيت الكرسي بتاعي جنبه، ولمَّا قعد قلت له:

-قرأت خبر الحادثة يا سيادة اللوا؟

بدون ما يبُص ناحيتي قال لي:

-أيون قرأته في جريدة النهار ده.

قُلت في بالي: كويِّس إنه قرأه، دَه في حد ذاته هيوفَّر عليَّا إني أحكي تفاصيل كتير، فاستغلّيت دَه وقُلت له:

-مافيش حاجة لفتت انتباهك في الخبر؟

بَص لي بنُص عين وكأنُّه بيقول في نفسه إنه قرأ الخبر ومافيش حاجة لفتت نظره، واتأكّدت من تخميني لمَّا قال لي:

-خبر عادي عن حادثة، إيه اللي ممكن يلفت النظر فيه غير الحادثة ذات نفسها.

بعد ثواني من التفكير قررت أقول له على ملاحظتي، أخدت نفس عميق وقُلت له:

-في تفصيلة في الخبر بتقول إنهم لقوا مع الأستاذ خيري قفص عصافير فارغ، وإعلان المسابقة بتاع امبارح كان مكتوب فيه: "من يجِد قفص الطيور الفارغ سوف يفقد حياته!".

بَص لي بصَّه مافهمتش منها حاجة، عشان كِدَه كمّلت كلامي وقُلت:

-أنا بقول حاجة غريبة ولا إيه؟

رد عليّا بهدوء وقال:

-واحد بيشتغل صحفي وعنده دِقَّة في شُغله، عامل شويّة تحابيش حوالين الخبر، لدرجة إنه اتكلّم عن قفص العصافير اللي مع خيري الله يرحمه وقال إنه عثر عليه، كأن القفص سِر مُش محطوط قدّام الناس كلها في كرسي العربيَّة اللي ورا، وبعدين زي ما أنت عارف، خيري كان بيحب يربي عصافير، ومن وقت للتاني كان بيشتري قفص يعلَّقه في البلكونة، وبعدها بيوم ولا اتنين يشتري العصافير بتاعته. إيه الغريب في كِدَه؟

-الغريب هوَّ الكلام نفسه، ليه الحادثة حصلت بعد إعلان المسابقة ده؟

-عن نفسي مش شايف أي حاجة غريبة، جايز توارد أفكار أو اللي حصل ده مجرَّج صدفة مش أكتر.

قرَّرت أقفل كلام في الموضوع فقُلت له:

-أنت أدرى بقى يا سيادة اللوا، عمومًا "لا يُفتى ومالكُ في المدينة". طالما قُلت صدفة تبقى صدفة.

قُلت الكلام دَه وأنا مُش مقتنع، بدليل إن دماغي فضلت تربُط بين الخبر والمسابقة، ولمَّا القعدة طوِّلت وإحنا ساكتين سألته:

-تفتكر هيمسكوا القاتل؟

رد عليَّا وهو بيتابع الناس اللي رايحة جاية في الشارع وقال لي:

-مَفيش قاتل بيهرب من جريمته، العدالة لازم تاخد مجراها، أكيد هيتمسك.

-ياريت يمسكوه بدري بدري، بصراحة نفسي أعرف مين ابن الحرام اللي عمل العملة دي.

لمَّا قُلت له كِدَه بَص ناحيتي وقال:

-كل مجرم بيفضل هربان بنفس الإتقان اللي خطَّط بيه للجريمة، يعني لو مخطَّط كويّس هيهرب فترة أطول، عشان بيكون واخد حذره ودارس كل خطوة، لكن في النهاية بيُقع، الحكاية كلها مجرَّد وقت بَس.

لمَّا قال لي كِدَه قلت له:

-طمّنتني يا سيادة اللوا الله يطمّن قلبك.

خلَّص قعدته معايا وقام طلع بيته، واليوم خلِص وقفلت الكُشك وركبت الموتوسكل بتاعي وروَّحت، وبعد ما اتعشّيت قعدت سرحان على الكنبة، ساعتها عزَّة مراتي قالت لي:

-مالك ياراجل شايل الهَم ليه كِدَه؟

معرفش ليه حسّيت إني عايز أفضفض بالكلام، دَه اللي خلَّاني فتحت الموضوع وقُلت لها:

-دماغي مشغولة بحاجة غريبة حصلت في الشارع اللي فيه الكُشك.

-خير يارب، حاجة إيه اللي تشغل بالك للدرجة دي؟

قرَّرت أحكي لها، وبعد ما خلَّصت كلام قالت لي:

-عندك حق فعلًا يا أخويا، الكلام اللي في المسابقة دي زي الكلام اللي في الخبر وكل حاجة، بس برضه جايز يكون صدفة والصحفي جاب سيرة قفص العصافير عشان موجود زي ما اللوا ده قال، يمكن القاتل حرامي واتهجّم على العربية عشان يسرقها ولمَّا الأستاذ خيري الله يرحمه دافع عن نفسه قتله، ما أحنا ياما سمعنا عن حوادث كتير حصلت بنفس الطريقة.

قُلت بيني وبين نفسي: "حتى أنتي يا عزّة بتقولي إنه صدفة وبتزوّدي حيرتي، برغم إني حاسس إنه مش صدفة ولا حاجة". وبعد ما خلَّصت كلامها وسمعتها قُلت لها:

-ممكن تكون صدفة فعلًا، كل شيء جايز.

لمَّا وصلت الكُشك قبل الفجر وفتحت كالعادة؛ لقيت حسن داخل عليّا بكرتونة الجرايد الجديدة، وساعتها قال لي:

_صباح الخير يا عم جلال.

_صباح النور.

ردّيت عليه بنبرة ناشفة، عشان مكانش عندي دماغ لحواراته البايخة اللي بيفتحها في الكام دقيقة اللي بيقفهم معايا، ولمَّا سألني وقال لي:

_في جرايد بايتة يا عم جلال؟

ردّيت عليه من غير ما أبُص ناحيته وقلت له:

_مفيش غير نسخة واحدة.

_طيّب هات أعملها لك مرتجع.

_لأ سيبها، النسخة دي تلزمني.

_خلاص زي ما أنت عاوز.

سابني ومشي لمَّا مالقاش منّي وِش في الكلام، وبالنسبة للنسخة؛ فهي كانت نسخة الأستاذ خيري؛ واللي لو كان لسَّه عايش كان زماني حذفتها في بلكونته كالعادة، لكن النهاردة كل النسخ اتوزَّعت ماعدا نسخته، لأن بعد ما وزعت النسخ اللي بتتوزّع بشكل يومي، باقي النسخ اتباعت فرداني عشان أهل الشارع والمنطقة يقرأوا خبر الحادثة، ودي أوّل مرَّة ميكونش في نسخ بايتة من وقت ما اشتغلت في الشغلانة دي من أربعين سنة.

بدأت أفرز الجرايد زي كل مرة، ولقيتني برجع لعادتي القديمة، عيني كانت بتاخد لقطات سريعة من الأخبار، وللمرَّة التانية عيني وقعت على صفحة الإعلانات في نفس الجريدة، ساعتها لقيت إعلان جديد عن نفس المسابقة مكتوب فيه: "الشمع البارد آخر ما سوف تلمسه يد العاشق".

قرأت الكلام بلسان تقيل وقلب مقبوض، عيني فضلت رايحة جاية على الجملة اللي بدأت بيها المسابقة، ماكنتش لاقي لها أي تفسير، يعني إيه شمع بارد؟ أنا معرفش غير الشمع اللي بنولَّعه لمَّا الكهربا تقطع، يا ترى إيه الحكاية اللي هتحصل تاني؟

على ما خلَّصت لَف الجرايد كنت سألت نفسي مليون سؤال مالهومش إجابة، وفي النهاية حطيت الجرايد في الكرتونة وخرجت من الكُشك، ومع كل جريدة كنت بحدفها، كنت بسأل نفسي: يا ترى أي بلكونة عليها الدور؟

خلَّصت توزيع الجرايد ورجعت على الكشك، قعدت على الكرسي جوَّاه وانتظرت البلكونات تتفتح والناس تاخد النسخ بتاعتها، وفي نفس الوقت كنت مجهّز كرسي اللوا عزت برغم إن لسّه وقت طويل على ما ينزل يقعد شويّة كالعادة بعد العصر.

فضلت طول اليوم قلبي مقبوض، تابعت الناس وهيَّ نازلة من بيوتها لحد ما رجعت من أشغالها، في اليوم دَه اللوا عزت اتأخّر، قلت جايز مش هينزل النهار دَه، وده شيء مش غريب؛ لأنه أحيانًا بيفوِّت يوم واتنين من غير ما ينزل، لكنه خَلَف ظنّي لما لقيته نازل قبل المغرب على غير العادة، وبعد ما قعد على الكرسي قال لي:

_عامل إيه يا جلال؟

استغربت سؤاله فقلت له:

_بخير يا سيادة اللوا، بس يعني دي أوّل مرَّة تسألني عامل إيه.

_أصل شايفك بتفكّر وسرحان، قلت أشوف مالك.

_كل الحكاية إني سرحان في اللي حصل، مَفيش جديد يعني.

_حادثة الأستاذ خيري برضه؟

_وهوَّ في حاجة حصلت غيرها؟ ده غير...

مكمّلتش كلامي عشان مايقولش عنّي بخرَّف، لكن اتفاجئت إنه بيقول لي:

_ده غير إعلان المسابقة اللي نزل في جرنان النهار ده: "الشمع البارد آخر ما سوف تلمسه يد العاشق".

فاجئني بكلامه، ساعتها قُمت من مكاني وقُلت له:

_طيّب ما أنت قاريني أهو يا سيادة اللوا.

_طبعًا قاري دماغك يا جلال، وعارف إيه اللي مخلّيك قاعد سرحان.

-يعني اقتنعت؟

لمَّا سألته السؤال دَه بَص لي بصَّة طويلة وبعدها قال لي:

-اقتنعت بإيه بالظبط؟

-إن إعلان المسابقة ده له علاقة باللي حصل للأستاذ خيري الله يرحمه.

المرَّة دي بَص لي وهوَّ بيبتسم، انتظرته لحد ما اتكلم وقال:

-الحياة عوِّدتني ما أعتمدش في قراراتي على احتمالات يا جلال، كل اللي بتقوله ده مجرَد استنتاجات وتحليل وربط بين جملة وردت في إعلان مسابقة وخبر عن حادثة حصلت في الواقع، أنت بَس لاحظت الاتنين عشان أنت بيَّاع جرايد، وبتطبَّق المثل اللي بيقول: "طبَّاخ السِّم بيدوقه"، يعني بتقرأ الجرايد قراءة سريعة، إعلان المسابقة لفت انتباهك، وطبعًا خبر الحادثة واخد حيّز من تفكيرك لمجرّد إن اللي اتقتل من الشارع اللي فيه الكُشك بتاعك.

-عاوز تقول إيه يا سيادة اللوا؟

-عاوزك تعرف إن تحليل الأحداث حلو ومفيد للدماغ، بَس مش مفيد في سير تحقيقات وقضيّة، لو بيّاع جرايد غيرك مكانش ربط بين الخبر وإعلان المسابقة، وده ببساطة لأنه هيفتقد جزئية إنه يعرف القتيل واتعامل معاه، وهيَّ دي النقطة اللي أنت ربطت عن طريقها الحكايتين.

-بصراحة مش عارف أقول لك إيه يا سيادة اللوا، كلامك منطقي، والرابط بين الحكايتين برضه منطقي.

-هرجع أقول لك من تاني، أنا مش بقتنع غير بالأدلّة الواقعية، والاحتمال هيفضل احتمال لحد ما يتم إثباته بدليل واقعي.

مسكت نسخة من جريدة النهار ده وفتحتها على الإعلان، بحلقت فيه وأنا بحاول أفهم أي حاجة، عيني راحت على أرقام المسابقة، وبدون إرادتي لقيت نفسي بمسك تليفوني وبكتب الرقم، بعدها ضغطت اتصال، انتظرت التليفون يرن لكن لقيت الرقم مشغول، حاولت مرَّة واتنين وتلاتة والنتيجة كانت واحدة، ولمَّا يأست من المحاولة حطيت التليفون، ورجعت أحلِّل في كلمات المسابقة من تاني، وفي نفس الوقت، دماغي راحت في ناحية خلَّتني أفوق من التفكير اللي جاب لي صداع هيشُق راسي نُصّين، وقلت لنفسي: لو في الفترة الجاية مفيش حاجة حصلت لها علاقة بالإعلان ده يبقى كل التفكير اللي فات دَه مالوش لازمة، وهيبقى اللوا عزَّت عنده حق، وهتبقى حادثة قتل الأستاذ خيري مجرَّد حادثة عاديَّة زي اللي بنسمع عنها من وقت للتاني.

خلَّصت كلام بيني وبين نفسي وبصّيت ناحية اللوا عزَّت وقُلت له:

-تفتكر الشمع البارد دَه ممكن يطلع إيه؟

-والله يا جلال أنا معرفش لا شمع بارد ولا شمع سخن، فكرتي عن الشمع عمومًا مش هتتجاوز فكرتك، وإنه الشَّمع اللي بنولَّعه لمَّا النور يقطع، وبعدين بطَّل تحليل في الكلام بقى، دَه أنت لو داخل سباق على حل كلمات متقاطعة مش هتفكَّر كل التفكير ده.

خلَّص كلامه وسابني ومشي، بعدها الليل دخل، وفي اليوم ده كنت مطَّمن لأني شُفت كل الناس اللي في الشارع رجعوا من أشغالهم ومَفيش حد لسَّه برَّه، وفي نفس الوقت الفار كان بيلعب في عبّي، وتفكيري أخدني إن ممكن يكون في حاجة تخُص الإعلان ده حصلت في مكان بعيد عن هنا.

عملت محاولة أخيرة ومسكت تليفوني ورنّيت على الرقم، وكالعادة لقيته مشغول، بعدها قصّيت الإعلان من الجريدة، وبالمرَّة قصّيت إعلان قفص الطيور الفارغ من نسخة جريدة كانت فاضلة عندي، وقفلت الكُشك وركبت الموتوسيكل ورجعت على البيت، ولمَّا وصلت واتعشّيت، حطيت ورق الإعلان قدامي وفصلت مبحلق فيه، معرفش ليه كانوا شاغلين دماغي للدرجة دي، ساعتها عزَّة مراتي قالت لي:

-هتفضل قاعد مبحلق في الورقتين دول؟

بصّيت لها وقُلت لها:

-بقول لك إيه يا عزَّة، اطلعي من دماغي دلوقت وسبيني قاعد في حالي.

-شوف الراجل، إيش حال لو ماكنتش بتروح الكُشك من قبل الفَجر لحد بالليل كنت قُلت إيه.

-يا وليَّة إحنا كبرنا على الخناقات دي، سبيني أشوف إيه حكاية الإعلانات اللي من وقت ما ظهرت وهي جايبة وراها الخراب.

-لسَّه برضه موضوع قفص العصافير الفارغ ده؟

-والمرَّة دي نازل إعلان بيتكلّم عن شمع بارد، وبيقول إن دي آخر مرَّة هتلمسه يد العاشق.

-والكلام العبيط ده هوَّ اللي قالب كيانك للدرجادي؟

-نفس الكلام العبيط ده كان سبب في موت الأستاذ خيري، وربنا يستر والإعلان التاني دَه ميجيبش وراه خراب جديد.

قُلت لها الكلمتين دول وبعدها سألتها:

-متعرفيش إيه الشمع البارد ده؟

-اللي أعرفه إنه من مستحضرات تجميل الستات، بَس مكانش على أيامنا بقى وإحنا صغيَّرين.

مركّزتش مع باقي كلامها لأنه مالوش لازمة بالنسبة ليَّا، لكن أخدت كلمتين من الكلام ودماغي لفَّت حوالين منهم: "مُستحضرات تجميل"، ولحد هنا فات قدّام عيني شريط فيه صور الناس اللي في الشارع، لحد ما وقفت قدام عيني صورة مدام نوال.

معرفش ليه حسّيت إن في رابط رهيب بين المكتوب وبينها، جايز لأنها صاحبة بوتيك كبير وبتهتم بلبسها وشكلها أكتر من أي واحدة تانية في الشارع، بَس إزاي هقدر أفاتحها في حاجة زي دي وأنا أصلًا مافيش بيني وبينها كلام، يادوب صباح ربنا كل أوّل شهر وهي بتدفع الفلوس الشهرية لنسخ الجرايدة اللي بتشتريها طول الشهر.

حسّيت بإيد بتخبطني في كتفي، فتحت عيني لقيتني نمت مكاني على الكنبة من كُتر التفكير، ساعتها لقيت عزّة مراتي بتقول لي:

-قوم نام جوَّة يا راجل، هتنام وأنت قاعد ولا إيه؟

دخلت نمت نوم كلّه قلق، فضلت أتقلِّب من الجَنب دَه للجنب دَه، ولمَّا سمعت قرآن الفجر قُمت لبست هدومي وأخدت الموتوسيكل وطلعت على الكُشك، فَتحت وانتظرت حسن يوصل بالجرايد الجديدة..

لمَّا وصل وأخدت الجرايد، سحبت الجريدة اللي بتنشر الإعلانات، حسّيت إن جبل انزاح من فوق كتفي لمَّا مالقتش حاجة تخص المسابقة، في اللحظة دي حسن قال لي:

-بتدوَّر على حاجة في الجرنان يا عم جلال؟

كُنت عارف إنها بداية الاسطوانة اللي بيفتحها معايا كل يوم، عشان كِدَه قُلت له:

-ماتشغلش بالك يا حسن، خُد أنت النسخ البايتة واتِّكل على الله، طريقك أخضر.

خلَّصت روتين شُغلي الصباحي وكل جرنان وصل بلكونته، بعدها قعدت أراقب الشارع، مكانش شاغل بالي غير مدام نوال، لأن تفسير عزَّة مراتي للشمع البارد خلَّاني أركِّز معاها، ولمَّا النهار طلع والناس بدأت تروح أشغالها؛ لمحتها بتركب عربيّتها، فضلت متابعها لحد ما خرجت من الشارع، بعدها اليوم فات طبيعي لحد ما كل الناس رجعت من شغلها، ماعدا مدام نوال، ولحد هنا القلق بقى زي النّار اللي مسكت في هدومي وجسمي.

قعدت في الكُشك وأنا مبحلق في أعلان المسابقة اللي بيتكلّم عن الشمع البارد، وبين كل دقيقة والتانية كنت ببُص ناحية المكان اللي مدام نوال بتركن فيه عربيّتها، واللي طبعًا كان فاضي لأنها لسَّه موصلتش.

-مساء الخير يا جلال.

كان صوت اللوا عزَّت اللي نزل وقعد على الكرسي بتاعه جنب الكشك، رفعت عيني عن الورقة وبصّيت له في صمت، وساعتها قال لي:

-ساكت ليه؟ ما تقول اللي عندك.

-مدام نوال لسَّه مارجعتش لحد دلوقت.

-وإيه المشكلة في كِدَه، جايز عندها زباين كتير في البوتيك واتأخَّرت، أو جايز الطريق زحمة يا أخي.

-بَس أنا شاغل دماغي إعلان المسابقة اللي اتقال فيه سيرة الشمع البارد.

-وإيه علاقة دَه بتأخيرها؟

-أصل عزَّة مراتي قالت إن دَه من مستحضرات التجميل، ومدام نوال أكتر واحدة في الشارع بتهتم بمظهرها.

-ما شاء الله، هي عزَّة مراتك عارفة الشمع البارد؟ المفروض يعني إن الحاجات دي راحت عليكم. ولا أنت لسَّه بتتشاقى يا جلال؟

هزاره معايا مكانش قادر يخلّيني أتجاوز حالة الخوف اللي جوَّايا، عشان كِدَه قُلت له:

-لا شقاوة ولا حاجة بس أنت عارف الحريم، دايمًا حطّين مناخيرهم في كل حاجة حتى لو مش بيعملوها، فلانة جابت فلانة عملت، كِدَه يعني.

-طيّب لمَّا نشوف دماغك وتفكيرك هيوصَّلونا لفين.

الكلام اتقفل بينّا، فضل قاعد سرحان مع نفسه، وأنا قعدت سرحان في الإعلان، لحد ما الشارع اتقلب فجأة، اتفاجئنا بعربيّة شرطة بتقف قدَّام بيت مدام نوال، وبعدها نزل منها كام واحد وبدأوا يتكلِّموا مع الناس، لحد ما ظابط منهم قرَّب من الكُشك وقال لي:

-أنت صاحب الكشك؟

قُمت من مكاني وقُلت له:

-أيوه يا أفندم.

-تعرف إيه عن مدام نوال؟

سؤاله خلَّى طاحونة الأفكار اللي في دماغي تشتغل، وبرغم كِدَه قُلت له:

-معرفش غير إنّها مش متجوّزة، وكمان صاحبة بوتيك ومبسوطة ومهتمَّة بنفسها.

بعد ما جاوبت سؤاله قُلت له:

-هوَّ حصل حاجة لا مؤاخذة؟

مردِّش عليّا، سابني وراح ناحية اللوا عزَّت، وبعد ما عرَّفه بنفسه الظابط قال له:

-غني عن التعريف يا أفندم، ممكن أسأل حضرتك سؤال؟

كان نفس السؤال اللي سألهولي، واللوا عزَّت جاوب نفس إجابتي بالظبط، اللي اتغيَّر بس إنه لمَّا سأله عن وجودهم في الشارع وسؤالهم عنها، جاوبه وقال له إن مدام نوال اتقتلت!

تاني يوم لمَّا استلمت الجرايد الجديدة؛ لقيت الخبر مكتوب كالتالي: "العثور على سيدة أعمال مقتولة داخل سيارتها، السيدة تمتلك محل ملابس كبير "بوتيك"، وبحوزتها مستحضرات تجميل: برايمر؛ كريم أساس؛ شمع بارد...".

لحد هنا قفلت الجريدة ومكمِّلتش قراءة الخبر، بقى جوَّايا يقين بإن إعلانات المسابقة الملعونة دي ليها علاقة باللي بيحصل، أو جايز الجريدة نفسها بقت ملعونة، ولعنتها بدأت تطارد الناس اللي بتقرأها وبتخلَّص عليهم، بس إشمعنى أهل الشارع ده بالتحديد؟ ولا في حوادث بتحصل في أماكن تانية ومحدش عارف!

الناس في الشارع بقت في حالة خوف أكتر من الأوّل، برغم إنهم محضروش الدفنة، لأن أهل الست نوال أخدوها من المستشفى على بلدها عشان تندفن هناك، لكن كلهم كانوا ماشيين وعلى وشوشهم خوف من الموت، وكأن عيونهم شايفة عزرائيل اللي دخل الشارع فجأة وعاوز يحقَّق تارجيت في حالات الموت بطريقة غامضة.

فضِلت أعِد كل دقيقة لحد ما اللوا عزَّت نزل من بيته، ولمَّا قعد على الكرسي جنب الكشك قُلت له:

-أظن دلوقت يا سيادة اللوا صدَّقت إن كلامي مظبوط.

كُنت فاكر إنُّه هيجادل معايا زي كل مرَّة، لكنه رَد عليَّا وقال:

-أنا قرأت الخبر يا جلال، وفي نفس الوقت فاكر تفاصيل إعلان المسابقة الأخير، واضح فعلًا إن في رابط بين اللي بيحصل وبين الكلام اللي بينكتب.

-أومّال ليه عارضت كلامي من البداية؟

-عشان الاحتمال لمَّا بيحصل مرَّة واحدة ممكن ميتكرَّرش تاني، وبيبقى صدفة مالهاش أي معنى، لكن لمَّا يتكرَّر بيخرج برَّه دايرة الصدفة، وبيتحوّل لستارة بتحجب شيء غامض وراها، ولازم هييجي الوقت اللي الستارة تنكشف فيه والشيء الغامض دَه يظهر، وبعدها نفهم اللي بيحصل.

-تقصد يعني إن الحكاية مجرَّد وقت واللي قتلوا الأستاذ خيري ومدام نوال هيتقبض عليهم؟

هَز راسه وأكِّد على كلامي، لكنُّه أضاف تعديل بسيط وقال لي:

-اسمه اللي قتل يا جلال مش اللي قتلوا، طالما الجريمة بتحصل بنفس التفاصيل مع اختلاف الضحايا، يبقى مليون في الميِّة الجاني واحد.

بالليل لمَّا روَّحت البيت، قعدت على الكنبة سرحان، المرَّة دي لاحظت إن عزَّة مراتي محاولتش تخرَّجني برَّه حالة الصمت اللي كنت فيها، لكن أنا اللي كلِّمتها وقُلت لها:

-تصدَّقي اللوا عزَّت فاكر إننا لسَّه عايشين حياتنا وكأننا اتنين شباب.

بصَّت لي واستغربت إني اتكلِّمت في موضوع زي ده بدون مناسبة، عشان كده قالت لي:

-بالذمة دَه اسمه كلام برضه! وبعدين إيه اللي فتح سيرة الكلام ده؟

-يا ستّي الراجل بيهزَّر، ومناسبة الكلام إني قُلت له إن أنتي اللي عرَّفتيني على الشمع البارد، والراجل هزَّر بكلمتين، أصل بيني وبينك طلع موجود في خبر الحادثة بتاعة مدام نوال، أصل حصل معاها نفس اللي حصل مع الأستاذ خيري.

الوقت كان تقيل جدًا، حسّيت إن الليل مكمّل إلى مالا نهاية وقرآن الفَجر مش هيشتغل، جايز لأني كُنت بعِد الوقت عشان أرجع الكُشك، جايز يوصلني خبر إنهم مسكوا الجاني، لكن الوقت في الانتظار بيتحوّل لصخرة تقيلة صعب إنها تتحرَّك.

ما صدَّقت سمعت ميكروفون المسجد وقُمت من السرير، غيَّرت هدومي وخرجت، ركبت الموتوسيكل واتوكّلت على الله، ولمَّا وصلت فتحت الكُشك ووقفت على الباب، الوقت كان تقيل للمرَّة التانية وأنا منتظر حسن يوصل، وفين وفين لمَّا سمعت صوت موتوسيكل داخل من أوّل الشارع، رميت عيني ناحية الصوت، شُفت حسن بيقرَّب ووراه كرتونة الجرايد، ولمَّا وصل وأخدتها منُّه وناولته الجرايد البايتة سألته:

-مش بتلاحظ حاجة غريبة وأنت بتستلم الجرايد يا حسن؟ 

بحلَق فيَّا لثواني وهوَّ بيحاول يفهم سؤالي، بعدها قال لي:

-حاجة غريبة إزاي يعني؟

-يعني وأنت بتستلم الجرايد ماسمعتش حد بيتكلّم عن حوادث غريبة بتحصل، أو أي كلام يلفت انتباهك؟

-يا عم جلال أنا بستلم الجرايد من هنا وبطير من هنا عشان ألحق أوصَّل للمناطق اللي بوزَّع فيها، ولو وقفت في كل مكان أسمع الكلام اللي بيتقال مش هخلَّص شغلي.

-أومّال شاطر بس تقف ترغي على قلبي وتقول لي حقَّك ترتاح وتبطل شُغل.

-يا عم جلال ده أنت من ريحة المرحوم أبويا، عشان كِدَه بقف أتكلّم معاك دقيقة ولا حاجة.

-طيِّب يلَّا يا أخويا وريني عرض قفاك.

بدأت أفرز نسخ الجرايد زي كل مرَّة، وقبل ما أجهّز نسخة كل بلكونة، فتحت الجريدة ورميت عيني في صفحة الإعلانات، وزي ما إحساسي قال لي بالظبط؛ لقيت إعلان جديد عن المسابقة الملعونة دي، وكان مكتوب فيه: "قريبًا؛ سوف يسقط الماضي من النافذة الثالثة".

حطيت الجريدة قدَّامي وعيني راحت ناحية شبّاك شقّة اللوا عزَّت؛ أصل زي ما قُلت في بداية القصة إنه في الدور التالت، جسمي اتهَز وحسّيت بالخوف بيجري في عروقي مكان الدَّم، لكن قرَّرت أكمّل في شُغلي عادي، جايز لأن كل مسلسل لازم ييجي الوقت وينتهي لمَّا أحداثه بتخلص، وأنا كنت عايز الأحداث دي تخلص بقى والكابوس اللي خيِّم على الشارع ده ينزاح.

لفِّيت الجرايد زي ما متعوِّد أعمل كل يوم، ومشيت في الشارع وأنا بحدف كل جريدة في بلكونتها، لكن المرَّة دي عملت استثناء بسيط؛ محدفتش جريدة اللوا عزت زي ما بعمل كل مرَّة، وتعمَّدت أعمل دَه عشان لمَّا يصحى من النوم وميلاقيهاش ينزل يسألني عنها، وساعتها هقول له على اللي فيها، أصل وارد جدًا الإعلان يعدّي قدَّامه ومياخدش باله من اللي في الإعلان وعلاقته بالدور التالت، أو جايز يكون الموت مربوط بإن الشَّخص نفسه يستلم الجريدة ويقرأ المكتوب فيها.

لمَّا الشبابيك والبلكونات اتفتحت والناس أخدت نسخ الجرايد بتاعتها، كُنت مركّز مع اللوا عزت اللي وقف في بلكونته مستغرب وعينيه ناحية الكُشك بتاعي، وبعد ما بَص لي شويَّة لَف وشُّه ودخل شقّته وقفل باب بلكونته، ومفيش كام دقيقة ولقيته نازل من بيته جاي ناحيتي، وساعتها سألني بنبرة كلها استغراب:

-فين نسخة الجريدة بتاعتي يا جلال؟ هيَّ مش كل الناس أخدت النسخ بتاعتها ولا أنت موزَّعتش النهار ده!

بصّيت ناحية نسخة جريدته اللي ملفوفة ومركونة على جنب، ساعتها قُلت له:

-نسختك موجودة يا سيادة اللوا، بَس أنا بصراحة مَحدفتهاش في البلكونة.

-وإيه اللي يخلِّيك مَتحدفهاش بقى إن شاء الله؟ مُش بدفع اشتراك شهري زيي زي الناس ولا إيه!

عشان الحوار ميطولش بيني وبينه، وياخد اتّجاه تاني مالوش لازمة قُلت له:

-عشان الدور عليك يا سيادة اللوا.

كلامي خلّى عينيه تثبت عليَّا ولسانه مينطَقش بكلمه، في اللحظة دي سحبت الجريدة وفتحتها على صفحة الإعلانات، بصّيت فيها وقرأت إعلان المسابقة من تاني: "قريبًا؛ سوف يسقط الماضي من النافذة الثالثة".

ولمَّا قرأت المكتوب كمِّلت وقُلت له:

-وأنت ساكن في الدور التالت.

في اللحظة دي نطق وقال لي:

-ما يمكن أي حد غيري ويكون ساكن في التالت، البيوت كتير يا جلال.

مكانش قدامي غير إني أعوم على عومه، أصل لمَّا تقول لواحد إن الموت بيشاور بإيده ناحيتك، أكيد هيحاول ينفي دَه ويقول إنه بيشاور على حد تاني، ووارد جدًا لو كنت مكانه هقول أكيد مش أنا.

دي كانت قناعته إن إعلان المسابقة يقصد حد تاني، لكن أنا كنت واثق إنه اللوا عزت، أنا عارف أهل الشارع واحد واحد، ولو هطبَّق اللي انكتب على كل واحد ساكن في التالت؛ فأحب أقول إن مفيش حد ينفع يتقال إنه بيمثّل الماضي غيره، أصله كبير في السن وعلى المعاش، واللي فات من عُمره وأصبح ماضي أكتر بكتير من اللي جاي.

في اليوم دَه قعدنا والصمت مسيطر علينا، لاحظت إن اللوا عزت عينه بتروح كتير ناحية شبّاك شقته، كأنه بيعِد الأدوار وبيحاول ينفي حقيقة إنه ساكن في التالت، ومن وقت للتاني كنت بلاحظ إنه بيبلع ريقه، تفّاحة آدم عنده كانت بتتحرّك بصعوبة وفيها رعشة، زي ما يكون بيحاول يبلع خوفه عشان ميظهرش عليه، لكن عينيه كانت بتحكي عن كل اللي بيدور جوَّاه.

حاولت أعرف إيه اللي بيدور في دماغه، عشان كِدَه سألته:

_بتفكّر في حاجة يا سيادة اللوا؟

جاوب على سؤالي بسؤال وقال لي:

_تفتكر مين الجهة اللي بتنظّم المسابقة دي يا جلال؟

_علمي علمك، إعلان المسابقة مفيهوش غير رقم تليفون، ومش هكدب عليك، رنّيت عليه كذا مرَّة وعطاني مشغول. 

لمَّا اتأخّر في الرد عليّا كمِّلت وقلت له:

_بس ممكن عشان المسابقة عبارة عن لغز وبعده سؤال يكون في اتصالات كتير على الرقم، عشان كِدَه دايمًا مشغول. 

لمَّا خلَّصت كلامي هز راسه وقال لي:

_أنا كمان جرَّبت أرِن على الرقم ودايمًا كان بيعطيني مشغول.

دوَّرت كلامه في دماغي وسألته:

_ولمَّا أنت مش مقتنع بكلامي ليه رنّيت عل الرقم؟ معتقدش يعني إنك عاوز تكسب المسابقة، أكيد في سِر خلاك تتصل.

_زي ما شغلي علّمني أمشي ورا الأدلّة الواقعية، علّمني برضه أمشي ورا الاحتمال في حالة غياب الدليل الواقعي، لأن الاحتمال وقتها ممكن يكون طرف خيط مهم، وأنا بعد اللي حصل مش هنكر إن كان جوَّايا شك إن في علاقة بين الحادثة الأولى والإعلان الأول للمسابقة.

اليوم اتقفل على كده، ركبت الموتوسيكل وأخدت بعضي ورجعت على البيت لمَّا الوقت اتأخر، وزي ما يكون انكتب على الوقت كل ليلة إنه يتقل عن الليلة اللي قبلها، لكن استحملت لحد ما سمعت أذان الفَجر، ساعتها أخدت بعضي ورجعت فتحت الكشك من تاني، ولمَّا وصلت لقيت الشارع مقلوب، كان في عربيّتين شرطة واقفين قدّام بيت اللوا عزَّت، قلبي وقع في رجلي لمَّا شمّيت ريحة إعلان المسابقة في المشهد اللي قدّامي.

قرَّبت من الكُشك وفتحته، لكن المرَّة دي موقفتش أنتظر حسن، أنا كنت في انتظار إني أعرف إيه اللي حصل في الكام ساعة بتوع الليل، وبعد دقايق كتمت فيها أنفاسي على الآخر وأنا بحاول أكتِّف مارِد الخوف اللي جوَّايا، لقيت نفسي باخد نفس عميق، ودَه لأنّي لمحت اللوا عزَّت خارج البلكونة، وكان واقف بيتكلّم مع نفس الظابط اللي كان بيتكلّم معانا بعد حادثة مدام نوال.

برغم إني حسّيت براحة، لكن كنت حاسس بحيرة في نفس الوقت، قُلت في نفسي: لمَّا اللوا عزَّت بخير الشرطة بتعمل إيه عنده؟. لقيت نفسي بجاوب إجابة روتينية جدًا: وارد يكونوا بيستشهدوا بكلامه في الحادثتين اللي فاتوا، لكن رجعت وقُلت: لأ. لو التخمين دَه مظبوط أكيد مش هيدخلوا بيته قبل الفَجر عشان مجرّد شهادة وبجوز عربيّات كمان، مُمكن يعملوا ده في وقت تاني، أو على الأقل يبعتوا حد يبلَّغه إن شهادته مطلوبة ويروح بنفسه يشهد.

على ما خلَّصت تفكيري شُفتهم نازلين، منهم اللي ركب في العربيّات من قدام، لكن أغلبهم ركبوا في صناديق العربيّات اللي ورا، وبعدها اتحرَّكوا ومشيوا من الشارع، وفضل اللوا عزَّت واقف في البلكونة لثواني وبعدها دخل شقّته.

رجعت أشوف شغلي وأنا بقول: ياخبر بفلوس، لمَّا اللوا عزَّت ينزل يبقى ببلاش، لكن ساعتها لاحظت حاجة غريبة، حسن اتأخَّر عن ميعاده كل يوم، رنّيت عليه عشان أشوف هيوصل بالجرايد الجديدة إمتى، لكن لقيت تليفونه مقفول، دَه اللي خلَّاني اتصلت بالموزّع الرئيسي اللي بيتعامل مع الجرايد بشكل مباشر، واللي حسن حلقة الوصل بيني وبينه، وبعد مكالمتي معاه، عرفت منُّه إن حسن مراحش يستلم الجرايد زي كل يوم، وإنه حاول يكلّمه كتير لكنه قافل تليفونه.

في اليوم دَه؛ البلكونات مأخدتش الجرايد اللي تخصّها، والنّاس لمَّا اكتشفت الحكاية كلّموني، وقُلت لهم إن مندوب الجرايد بتاع المنطقة مجاش وقافل تليفونه، وفي وسط كل الأحداث دي، لاحظت إن اللوا عزَّت مسألنيش عن نسخة الجريدة بتاعته، حتّى لمَّا نزل وقعد معايا كالعادة مجابش سيرتها، واللي جِه في بالي إنه عرِف من أي حد إن المندوب مجاش، عشان كِدَه مسألتوش غير في حاجة واحد وبس:

-خير يا سيادة اللوا، الشرطة كانت بتعمل إيه عندك قبل الفَجر؟

-الشرطة كانت عندي من نُص الليل يا جلال.

كُنت بتكلّم معاه ومش ناسي إنه المقصود بالماضي اللي هيسقط من النافذة زي إعلان المسابقة ما قال، عشان كِدَه علَّقت على كلامه وقُلت له:

-اللهم اجعله خير إيه الحكاية؟

-الحكاية هتعرفها بُكره يا جلال، مش عاوزك تستعجل.

ولأنّي عارف طبعه محبِّتش أكتَّر معاه في الكلام. انتظرت بُكره زي ما قال، ولأن كان عندي فضول إني أعرف الحكاية، وصلت الكُشك تاني يوم قبل الوقت اللي متعوّد أوصل فيه، انتظرت حسن يوصل بالجرايد، لكن اتفاجئت بموتوسيكل تاني بيُقف قدّام الكُشك وبينزل من عليه شخص بشوفه لأوّل مرَّة، أخد كرتونة الجرايد اللي وراه ودخل عليَّا الكُشك وقال لي:

-صباح الخير، أنت عم جلال مُش كده؟

بصِّيت لثواني وقُلت له:

-صباح النور، أيون أنا، أومّال فين حسن؟

-أنا معرفش مين حسن اللي بتسأل عنُّه، كل اللي أعرفه إني استلمت الشُّغل النهارده بَس وانطلب منّي أمسك التوزيع في المنطقة دي.

بعد ما استلمت منُّه الجرايد وأخد بعضه ومشي، رنّيت من تاني على حسن، وزي المرَّة اللي فاتت لقيت تليفونه مقفول، قُلت جايز يكون شاف شغلانة تانية وغيَّر رقمه ولا حاجة، عشان كِدَه بدأت أفرز الجرايد، وكالعادة رميت عيني على الأخبار وأنا منتظر إعلان المسابقة الجديد، بَس اتفاجئت بخبر خلَّاني أنسى المسابقة وكل اللي بيحصل، لأن الخبر كان بيقول: "القبض على مندوب توزيع جرايد لاتهامه في جريمتين قتل والشروع في الجريمة الثالثة".

إيدي كانت بترتعش وهي ماسكة الجُرنان، خصوصًا لمَّا لقيت صورة حسن ومكتوب تحتها كلمة "مُتّهم"، ساعتها كمّلت الخبر وأنا بقرأ والذهول مسيطر عليّا: "المتهم اعترف بارتكابه للجرائم مقابل مبالغ ماليّة، وبتضييق الخناق عليه اعترف أيضًا أنه تم تجنيده من قِبل أشخاص اعتادوا تنفيذ عمليات القتل بالوكالة مقابل المال، كما أنه اعترف أن هؤلاء الأشخاص استطاعوا تجنيد مسؤول صفحة الإعلانات في الجريدة وصحفي حوادث، وقاموا بابتكار طريقة جديدة في إرسال الرسائل لبعضهم البعض، حيث قام مسئول الصفحة بإنشاء صيغة مسابقة وهمية الغرض من اللغز المُدرج فيها الإشارة إلى الضحيّة، ثم يقوم الصحفي بتغطية خبر الحادثة ويستخدم نفس صيغة المسابقة للإشارة على إتمام التنفيذ، أمّا اختيارهم لمندوب توزيع الجرايد، فهو لأنه يعرف الأشخاص في المنطقة ويعرف خط سيرهم".

حطّيت الجريدة وأنا مذهول، الدنيا كانت بتلِف بيّا وأنا مش مصدَّق اللي بقرأه، صدمتي في حسن كانت كبيرة، أعصابي سابت وكنت على يقين إن دراعي مش هيقدر يوصَّل الجرايد في البلكونات، وفي اللحظة دي سمعت صوت اللوا جلال قدّام الكُشك، وكانت دي أوّل مرَّة ينزل عندي في الوقت ده:

-صباح الخير يا جلال، قرأت الخبر؟

سكوتي كان أنسب رَد، لأن مكانش عندي كلام يعبَّر عن حالة الصدمة اللي كنت فيها، ساعتها كمّل كلامه وقال لي:

-خُد بقى عندك الخبر اللي هينزل في جرنان بُكره، حسن استخدمته عصابة من القتلة، بتمارس عملها بحرص شديد، ومحدش يعرف عنهم حاجة لأنهم دايمًا بيدوّروا على طُرق جديدة يتواصلوا بيها، زي ما عملوا موضوع المسابقة، لكن لولا ملاحظتك اللي لفتت انتباهي مكانش حد هيوصل لحاجة، أي نعم عملت نفسي مش مُهتم بكلامك، لكن مشيت وراه بدون ما تاخد بالك.

-يعني أنت كُنت مقتنع من الأول؟

-ما أنا قُلت لك قبل كِدَه، بنمشي ورا الاحتمال لأنه جايز يكون طرف خيط مهم، لحد الإعلان التالت واللي كنت متأكّد إنه يقصدني، ساعتها برضه عملت نفسي مش مهتم، لكن لمَّا سيبتك وطلعت كلِّمت الشرطة وحكيت لهم على كل حاجة، وفي الليلة دي عملوا كمين في الشقة عندي، ووقتها اتقبض على اللي جاي يقتلني؛ حسن بتاع الجرايد، واللي طلع على المواسير اللي في ضهر البيت ودخل من شباك الحمام، واللي في الليلة دي اتعمّدت أسيبه مفتوح.

-أنا لحد دلوقت مش مصدَّق اللي بسمعه!

-صدَّق، الدنيا فيها أكتر من كِدَه، عاوز كمان أقول لك إن التحقيقات لسَّه شغَّالة، وإن زي ما مسؤول الصفحة والصحفي اتمسكوا بعد القبض على حسن، العصابة نفسها اتمسكت واتحقق معاهم واعترفوا، وأنا عرفت دَه بعد ما كلِّمت الظابط اللي معاه القضية.

لساني نطق بسؤال تلقائي وقُلت له:

-ليه الأستاذ خيري ومدام نوال اتقتلوا؟

-الأستاذ خيري رجل أعمال وفي تنافس بينه وبين ناس كتير، أخد صفقة واحد كان طمعان فيها، فقرَّر يتعامل معاه بطريقة ديرتي شويّتين، وصّى عليه العصابة دي ودفع لهم، وبعد ما جنّدوا حسن راقبوا تحرّكاته كويّس وعرفوا خط سيره، وعرفوا المواعيد اللي بيشتري فيها قفص العصافير الفاضي اللي بيحطُّه في البلكونة قبل ما يشتري العصافير نفسها، ولاحظوا إن أنسب وقت لتنفيذ مهمتهم بعد ما يشتري القفص الفاضي ويكمّل في طريقه اللي بيكون شِبه مقطوع وهوَّ راجع، عشان كِدَه الرسالة في إعلان المسابقة كانت زي ما قرأتها: "من يجِد قفص الطيور الفارغ سوف يفقد حياته!". أما مدام نوال بقى، فحكايتها شبه حكاية الأستاذ خيري، خناقة بينها وبين صاحبة بوتيك تاني قرَّرت تخلص منها بطريقة تكون بعيدة عن الشوشرة وتخلّي اسمها مايجيش في التحقيقات؛ فلجأت لنفس العصابة عشان تخلص منها، واللي برضه راقبوها ولقوا إن أنسب وقت للتنفيذ بعد ما تشتري مستحضرات التجميل بتاعتها، الشمع البارد يعني اللي مسابقة قالت عليه..

لمَّا وصل لحد هنا أخد نفسه وكمِّل...

 -الجريمتين كانوا ماشيين في خط موازي، وده كان سبب تجنيد العصابة لحسن لأن الضحيّتين من نفس الشارع، بس الخطأ اللي ارتكبوه إن مكانش في وقت كفاية بين الجريمتين، أو جايز حسبوها حسبة تانية وقالوا إن الجريمة بيتم إدارتها عن بُعد وبطريقة مفيش حد يقدر يراقبها، عشان كِدَه قرروا يخلّصوا مرَّة واحدة، كل شيخ وله طريقته بقى.

-طيِّب دول وعرفنا قصّتهم، أنت بقى ليه جابوا سيرتك في إعلان المسابقة وقرَّروا يقتلوك؟ في حد كان زاقق الناس دي عليك؟

-أنا قصَّة تانية يا جلال، أصل فهمت إن أنا الماضي اللي هيسقط من النافذة، والماضي دَه يبقى شغلي السابق اللي حسّوا إنه خطر عليهم، وإني هفضل ورا الحكاية لحد ما أكشفهم بما إن الضحايا جيراني، عشان كِدَه قرَّروا يخلصوا منّي بسرعة، لكن أنا أخدت كلامك وكمّلت عليه وعملت اللي أنت عرفته، وكويّس إن إعلان المسابقة الأخير مفيش بعده خبر صحفي يأكّد على تنفيذ الرسالة اللي في الإعلان.

بعد ما اللوا عزَّت طلع بيته؛ بدأت أوزَّع نسخ الجرايد كالعادة، بس كنت حاسس براحة غريبة، قلق الفترة اللي فاتت دي اتشال من جوَّايا، وفي اليوم التاني لمَّا استلمت الجرايد من المندوب الجديد، أوّل حاجة عملتها إني قرأت الخبر اللي بيتكلّم عن التحقيق؛ واللي كان فيه كل التفاصيل اللي سمعتها من اللوا عزَّت.

أخدت نفس عميق وبدأت أفرز الجرايد، لكن وأنا لسَّه حاسس ببواقي صدمة، أصل أنا أربعين سنة بيّاع جرايد، وعمري ما كنت أتوقّع إني أسلّم بإيدي نُسخ جرايد مقفولة على رسايل موت لناس عايشين في نفس الشارع اللي بشتغل فيه، لكن اللي هوِّن عليّا إن الحكاية خلصت، ودَه لمَّا قرأت في صفحة الإعلانات رسالة مكتوبة مكان إعلان المسابقة، وكان معناه إن الجريدة وقفت نشر المسابقة، وبتعتذر عن الحلقات اللي نزلت منها، وده كان معناه إن الحكاية فعلًا خلصت.

تمت...

أحدث الموثقات تأليفا
 الكرامة كل حاجه 

بساتين الذكرى

قالت عيناكَ

اطمن ..

خذ الروح منى 

سذاجة العصفور

الدنيا دوّارة… حقيقة لا مجاز

قاسيتي .. 

لسانُ الضاد

لماذا نعيش ؟
أكثر الموثقات قراءة
إحصائيات متنوعة مركز التدوين و التوثيق

المدونات العشر الأولى طبقا لنقاط تقييم الأدآء 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية) 

الترتيبالتغيرالكاتبالمدونة
1↓الكاتبمدونة غازي جابر
2↓الكاتبمدونة نهلة حمودة
3↓الكاتبمدونة حسين درمشاكي
4↓الكاتبمدونة ايمن موسي
5↑1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب
6↑1الكاتبمدونة اشرف الكرم
7↓-2الكاتبمدونة محمد شحاتة
8↓الكاتبمدونة هند حمدي
9↑4الكاتبمدونة نجلاء البحيري
10↓-1الكاتبمدونة حاتم سلامة
 spacetaor

اگثر عشر مدونات تقدما في الترتيب 

(طبقا لآخر تحديث تم الجمعة الماضية)

#الصعودالكاتبالمدونةالترتيب
1↑20الكاتبمدونة اسراء كمال180
2↑14الكاتبمدونة هبه الزيني145
3↑14الكاتبمدونة محمد بن زيد171
4↑11الكاتبمدونة عبد الحميد ابراهيم 109
5↑8الكاتبمدونة جهاد غازي137
6↑8الكاتبمدونة جاد كريم182
7↑8الكاتبمدونة جهاد عبد الحميد235
8↑6الكاتبمدونة ايمان صلاح55
9↑6الكاتبمدونة محمد التجاني134
10↑5الكاتبمدونة محمد خوجة39
11↑5الكاتبمدونة عبير عبد الرحيم (ماعت)59
 spacetaor

أكثر عشر مدونات تدوينا

#الكاتبالمدونةالتدوينات
1الكاتبمدونة نهلة حمودة1128
2الكاتبمدونة طلبة رضوان769
3الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب710
4الكاتبمدونة ياسر سلمي681
5الكاتبمدونة اشرف الكرم630
6الكاتبمدونة مريم توركان573
7الكاتبمدونة آيه الغمري515
8الكاتبمدونة فاطمة البسريني440
9الكاتبمدونة حنان صلاح الدين434
10الكاتبمدونة شادي الربابعة415

spacetaor

أكثر عشر مدونات قراءة

#الكاتبالمدونةالمشاهدات
1الكاتبمدونة محمد عبد الوهاب371950
2الكاتبمدونة نهلة حمودة229792
3الكاتبمدونة ياسر سلمي207535
4الكاتبمدونة زينب حمدي180714
5الكاتبمدونة اشرف الكرم151116
6الكاتبمدونة مني امين121601
7الكاتبمدونة سمير حماد 121035
8الكاتبمدونة حنان صلاح الدين113756
9الكاتبمدونة فيروز القطلبي112149
10الكاتبمدونة آيه الغمري108454

spacetaor

أحدث عشر مدونات إنضماما للمنصة 

#الكاتبالمدونةتاريخ الإنضمام
1الكاتبمدونة ليلى سرحان2025-12-12
2الكاتبمدونة اسماء خوجة2025-11-08
3الكاتبمدونة مريم الدالي2025-11-05
4الكاتبمدونة محمد خوجة2025-11-04
5الكاتبمدونة جيهان عوض 2025-11-04
6الكاتبمدونة محمد مصطفى2025-11-04
7الكاتبمدونة حسين العلي2025-11-03
8الكاتبمدونة داليا نور2025-11-03
9الكاتبمدونة اسراء كمال2025-11-03
10الكاتبمدونة علاء سرحان2025-11-02

المتواجدون حالياً

416 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع