أحسن شيء لما تكون في الأسكندرية، هو إنك لما تتخنق شوية تطلع على البحر، بالظبط زي ما حصل معايا، كنت في الأسكندرية كام يوم، ولسبب ما كده حسيت إني مخنوق، الساعة كانت ١٢؛ نص الليل يعني، لكن قولت أنزل أتمشى شوية على البحر، يمكن الخنقة اللي أنا فيها تروح.
وفعلًا نزلت، الدنيا كانت بتمطَّر والهوا بارد، بس ده ممنعش إني أكمل طريقي لحد البحر، وهناك؛ وقفت قدام البحر منسجم مع المطر والموج، الناس هناك كانت قليلة، لدرجة حسيت إني لوحدي، وفي عز ما أنا مندمج مع المطر، عيني لمحت بنت، كانت ماشية وضهرها ليا ولابسةبرنيطة، معرفش ليه بتتمشّى لوحدها في وقت زي ده، ولمحت بركة مَيَّه صغيرة قدامها في الرمل، كنت فاكر إنها هتبعد عنها، بس اتفاجأت إنها بترفع الجيبة بتاعتها وبتدوس فيها، وبتكمل طريقها عادي.
اللي لفت نظري في الحكاية، هو إن رجليها كانت بيضا جدًا، زي ما بنقول بالبلدي كده؛ طبقين قشطة، مش عارف ليه نسيت الخنقة والمطر والموج، وبدأت أركِّز معاها؛ لدرجة إن رجلي أخدتني ومشيت ناحيتها، لحد ما وصلت وتقريبًا بقيت ماشي جنبها، وساعتها بس قولت لها:
_أضايقك لو اتكلمت معاكي شوية؟
بصَّت لي وكملت طريقها من غير ما ترُد، وأنا كملت كلامي...
_"محمد"؛ ده اسمي، جاي اسكندرية يومين وماشي، يمكن من حظي إني حسيت بخنقه ونزلت أتمشى على البحر دلوقت، على شان أشوفك.
كانت مستمرة في صمتها، وفضلت مستمر في كلامي...
_أنتِ من هنا ولا جايه يومين وماشية زي حالاتي؟
ساعتها بس وقفت مكانها، وبصَّت لي وقالت:
_أنا مقدرش أبعد عن البحر ده، تقدر تعتبرني من هنا.
ما صدقت إنها ردَّت عليا، استغليت الفرصة وسألتها:
_اسمك إيه؟
_عايز الاسم الحقيقي، ولا أقول لك أي اسم وخلاص؟
ضحكت ضحكة بسيطة كده وجاوبتها:
_أي اسم، ماهو مش معقول هنادي عليكي وأقول لك يا اسمك إيه.
_خلاص؛ اسمي في الكلام اللي أنت قولته، "هنادي".
_دا أنا مكشوف عني الحجاب بقى.
ساعتها مدّت إيدها تعدل البرنيطة، ولمحت شعرها الأحمر خارج من جوانب الطرحة، اتهزيت من جمالها، ومقدرتش أتكلم، لكنها فجأتني بسؤال وقالت:
_إيه اللي لفت نظرك ليّا يا "محمد"؟
قولت في نفسي: أبقى سخيف، وقليل الذوق، وعديم الدم، لو قولت لها إن اللي لفت نظري لها هي رجليها لما رفعت الجيبة، لكني اخترت أكون جنتل مان؛ في البداية بس، وقولت لها:
_أكيد بنت جميلة ماشية لوحدها في وقت زي ده ممكن تلفت نظر أي حد، ولما قربت منك؛ لفت نظري إنك صهباء، شعرك أحمر، ده في حد ذاته شيء جميل.
بصَّت لي بصة طويلة وقالت:
_شكلك جريء.
قولت في سري: أومال لو كنت قولت لها رجليكي القشطة كانت قالت إيه؛ لكن حاولت ألطَّف الجو وقولت:
_لا جريء ولا حاجة، دا أنا على الله حكايتي.
ابتسمت ابتسامة لطيفة وسألتني سؤال غريب:
_قابلت عفاريت قبل كده يا "محمد"؟
ضحكت وأنا مستغرب السؤال وجاوبتها:
_والعفاريت دول هشوفهم فين يعني، في الجامعة مثلًا؟ أكيد لأ طبعًا مقابلتش.
_طيب مش يمكن أنا عفريتة؟
_مفيش عفريت بيقول على نفسه عفريت.
ده الرد اللي رديته عليها، لكن في نفسي كنت بقول: هو في عفريت رجليه قشطة كده، العفاريت رجليها رجلين معيز؛ أو بقر، زي ما بنسمع يعني، إنما رجليها بيضا وصهباء وتطلع عفريتة دي حاجة مستحيلة.
_سرحت في إيه؟
_ها...
_مالك؛ شيفاك سرحان.
_لا أبدًا مفيش،
لقيتها بتقعد على الرمل، ومع القعدة رجليها بانت، بس هي نزلت الجيبة بسرعة، لعنت الحرص اللي هي فيه ده، وقعدت على الرمل جنبها، الوقت فات والكلام أخدنا، لحد ما النهار بدأ يشقشق، ساعتها قامت مفزوعة، لدرجة إني اتخضيت وقومت أنا كمان، وسألتها:
_مالك اتفزعتي ليه كده؟
_النهار طلع؛ ومش هقدر أتأخر أكتر من كده.
استعجبت إنها بتحسب التأخير بطلوع النهار، إنما الليل بالنسبة لها عادي، حاولت أخليها تنتظر؛ لكنها رفعت جيبتها بإيدها وبدأت تجري، لكني استغربت آثار رجليها على الرمل، اللي كانت عبارة عن دواير صغيرة، ده اللي خلاني أبُص على رجليها، اتفاجأت إن رجليها رجلين معيز، شعرهم مايل للأحمر، دا غير إنها كانت بتجري بسرعة مفيش حد زينا يقدر يوصل لها.
بلعت ريقي من الصدمة، وغمضت عيني وفتحتها، لأني مكنتش مستوعب، وبدأت أتلفِّت حواليا على شان أشوفها، كانت فص ملح وداب، برغم إني غمَّضت لحظة أو لحظتين، في الوقت ده، اتفاجأت ببياع فريسكا فايت من جنبي، شافني وأنا واقف مذهول، قرب منّي وسألني:
_أنت متضايق من حاجة يابني؟
استغربت سؤاله وسألته:
_ليه بتقول كده؟
_أصل أنا رايح جاي عليك طول الليل، وشايفك قاعد على الرمل تكلم نفسك، مش عيب إن الإنسان يتكلم مع نفسه ويفضفض، بس اعمل ده في مكان محدش يشوفك فيه، متعطيش فرصة إن حد يقول عليك مجنون.
قال الكلمتين دول وسابني ومشي، وفضلت واقف مندهش من اللي حصل، الراجل شافني قاعد مع نفسي طول الليل، برغم إنها كانت جنبي، حتى بعد اللي سمعته منّه، كنت لسه شايف آثار رجلين المعيز معلِّمة في الرمل، مكان ما كانت بتجري!
***