كل إنسان فينا عبارة عن جزأين، جزء مَرئي، في هذا وجزء خَفي، وللأسف؛ النَّاس مَلهاش غير الجزء المَرئي فقط، وبناءً على كده، بيطلقوا أحكامهم على اللي شايفينه بَس، يعني مَبيفكَّروش إن الجزء اللي ظاهر ممكن يكون مجرَّد صورة، وراها حاجات كتير هُما مُش شايفينها، يعني شَخص مُمكن يِبان إنه هِيبة ومُخيف، لكن من جوّاه طيّب، ودي كانت مُشكلتي، أيون بالظبط زي ما بحكي كِدَه، النقطة السّودة اللي في حياتي؛ هي إنّي بكتب، واللون اللي بكتبه هو الرَّعب، لأ والأكتر من كِدَه؛ والغير منطقي بالمرَّة، إن النّاس بتحب اللون دَه من الكتابة، وكل ما تقرأ تطلب أكتر، وفي نَفس الوقت بيخافوا منّي، معادلة غريبة، مُش كِدَه؟!
بَس هَرجَع وأقول، في فرق كبير؛ بين إنَّك تكون خايف من شَخص، وإن خوفَك منّه ينقلب لسِلسلة من التَّنمّر، مُش عارف آخر فصل فيها هيكون إيه، ولا إمتى، وأنا الحقيقة بَكره التَّنمّر قَد ما بَكره أكتب رومانسي بالظَّبط، فما بالك بقى، لو كنت أنا اللي طالِع على المَسرح.
أنا مُش بحكي الكلام دَه؛ عشان إنّي زعلان من فِكرة النّاس عنّي؛ اللي هي غير صحيحة بالمرّة، بالعكس؛ أنا كُل زعلي من مجموعة مقرَّبة منّي جدًا، أكتر ناس يعرفوني، واللي مع الوقت بقوا أكتر ناس بيتنمّروا على كتابتي، وكتابتي دي يعني أنا، دا لدرجة إن حد منهم اتريَق عليّا في مرّة، لمّا بعت استيكر على الجروب من باب الهزار، وقالّي: الفنجان دَه فيه مشروب أصفر، ولمّا سألت يعني إيه المشروب الأصفر، ضِحك؛ وقال معرفش، أهي كلمة اتقالت وخلاص!
لكن أنا قرَّرت أعزمهم، نقعد في مكان نشرب حاجة ونتكلّم، عشان أقولّهم إن مفيش بينا إلا كل وِد، وإن دي مجرّد كتابة، اللي هي غالبًا بتعبّر عن رأي أبطالها، مش رأي الكاتب، من الآخر، قرَّرت أثبتلهم إن الفِكرة اللي واخدينها عني، مجرّد فكرة خاطئة.
وفعلًا، اتفقنا نتقابل...
قبل ما أكمّل، حَبّيت أعرَّفكم بنفسي، أنا "كاظم"، أيون، الشَّخص السَّخيف اللي بيكتب رعب، والنّاس واخدة عنّه فكرة مُش مظبوطة، أما باقي الجروب؛ فأسماءهم "منّة؛ أروى؛ ساجد؛ أحمد".
كان باقي شويّة وقت على الميعاد اللي اتّفقنا عليه؛ بَس للأمانة، مُش هَنكِر إنّي حبّيت أكون على الهامِش، يعني لا أجيب حاجة وأنا رايح، ولا أشارِك غير بحضوري فقط؛ عشان أكيد هيخافوا من أي حاجة أنا جايبها، بس همّا مقصَّروش بصراحة، كان في عصير مانجو، وطبعًا كلّه شِرب منّه إلا أنا، وهمّا مزعلوش؛ لأنّهم عارفين إني مُش بَشرب حاجة بِسُكّر، لكن أكلت معاهم من الأكل، كانت حاجة الله ينوَّر يعني، وكان المُهم بالنسبالي، إنّي أثبتلهم عَكس اللي هُما فاهمينه؛ مُش أكتر.
وبعد اللقاء ما انتهى، وأنا سافِرت، طلبت من كل واحد فيهم؛ يكتب عن الدنيا معاه بعد اللقاء، حاجة كده زي قصة، أو سمّوها فَضفَضة، بَس مُش في نفس الوقت، دا أنا حدّدت يوم لكل واحد فينا؛ عشان يكتِب فيه قصّته، أو الفضفَضة زي ما اتّفقنا إنِّنا نسمّيها، وخلّيت نفسي آخر واحد، وإن كل واحد فينا مَيكتبش غير لمّا يقرأ قصّة اللي قبله، ودي كانت فَضفَضة كلَّ واحد فينا، أو قصّته.
***
"ساجِد"...
مُش هَحكي عن نفسي كتير، بَس باختصار، أنا واحد منعزل، بَحِب كتابتي جدًا، وبحاول أكتب رعب، لكن قلبي مُش جامِد كفاية؛ وده السَّبب اللي خلَّى كتابتي فيها ولو لمحة رعب بسيطة.
اللقاء كان جميل، كُنت مبسوط عشان شوفت أعضاء الجروب؛ واتَّضحلي إن "كاظم" هو أهدى واحِد فينا، فعلًا شخصية الكاتب بتختلف جدًا عن كتابته.
بَس الانبساط دَه اتقلب فجأة لحاجة غريبة، خلّوها غريبة، بلاش أقول مُخيفة!
كُنت راجِع متأخّر من شُغلي، تقريبًا كانت الساعة 2 صباحًا، الشارع فاضي، والإضاءة مُش قَد كِدَه، بَس قبل البيت بمسافة بسيطة؛ حسّيت بخطوات ورايا، لكن الغريبة، إن كل ما كُنت أسرَّع خطوتي، ألاقي الخطوات اللي ورايا بتسرّع، ولمّا أهدّي، بتهدّي، وِدَه اللي خلّاني وقَفت فجأة، وفعلًا اللي اتوقَّعت إنه يحصل حَصَل.
الخطوات وَقَفِت، لِدَرجة إنّي حسّيت إن في حَد بيراقِبني، بصّيت ورايا وأنا مَتوقّع أي حاجة تِحصل، مهما كان الوقت متأخّر، ومَفيش حد غيري في الشارع، والدُّنيا اليومين دول مَبقِتش مضمونة، بَس الغريبة إنّي مَلقِتش حَد ورايا.
قولت يِمكن هلوّسة من إرهاق الشُّغل، أنا مطبَّق من وقت طويل، وشيء وارِد إن عدم النوم يسبّب هلوسّة أحيانًا، كمّلت طريقي، عشان أنجِز المسافة البسيطة اللي كانت باقية على البيت، لكن الخطوات رِجعت من تاني، وِدَه اللي خلَّاني أَقَف للمرَّة التانية، لكن في المرَّة دي، سِمعت حَد بيندَه عليّا، وبيقولّي:
-"ساجِد"!
الصوت غريب أوِّل مرَّة أسمعه، وِدَه معناه إني مَعرفش اللي بيِندَه عليّا، بَلعت ريقي والتَفَتت أشوف مين، لكن مَكَنش في ورايا غير كَلب أسود، كان واقِف زي التّمثال، وبيبُص ناحيتي بِعين ثابتة مَبتتحرَّكش!
أنا بخاف من الكلاب، وِدَه اللي خلَّاني أتوتّر، دا غير إني بَهلوِس، يعني هَلوسَة ورعب من الكلب، اللي كان باين في نَظرته إنّه هَيهجِم عليّا في أي وقت.
غمَّضت عيني عَشان مَشوفوش، ماهو موضوع إنّي أشوفه قدّامي، دي كفاية إنّي تخلِّيني أترِعب؛ فَقولت أغمّض واللي يحصل يحصل، بَس بعد ما فات كام ثانية، مَلقِتش حاجة حصلت، وِدَه اللي خلَّاني أفتح عيني واحدة واحدة، واتفاجأت إن الكلب مُش موجود!
استغلّيت الفُرصة وِقولت أوصَل البيت بسرعة، قَبل ما ألاقي كَلب من كلاب الليل تاني، وفعلًا مشيت لحد ما وصلت عند بوّابة البيت، وساعتها الصوت نَدَه عليّا تاني، وِقَبل ما أدخل، بصّيت ورايا، عشان أشوف مين بيندَه، وبرضو مَكَنش فيه غير نَفس الكَلب، وكان بيبُص ناحيتي!
مُش عارف أحكي عن الفَزع اللي جوّايا، لكن خلّوني أقول إن رَد فعلي، كان زي رد فعل أي حد مكاني، أنا دخلت البيت وقفلت البوّابة وطلعت أجري على السّلم، فَتحت الباب ودخلت الشّقة، وجريت على أوضتي وقفلت بابها ورايا، كُنت عاوز أهرب من الخوف اللي جوّايا، مَكَنش عندي رغبة لأي أكل، أو إني أعمل أي حاجة، طَفيت النّور ونِمت، وساعتها روحت في النوم بسُرعة، وحلِمت إنّي واقِف في الشارع، والصوت بيندَه عليّا، بصّيت ورايا، واتفاجِأت إنه "كاظم"، مُش عارف أوصفلِكم أنا صحيت مَفزوع ازّاي، هو للدرجة دي أنا هَلوِست، واللي شوفته في الشارع مأثّر على عقلي الباطن؟ ويمكن شوفت "كاظم" لأنّه الوحيد فينا اللي بيكتب رعب وواخدين عنّه فِكرة مُخيفة؟ كل شيء جايز.
حاولت أهدّي نَفسي، وساعتها مسِكت تليفوني وبصّيت فيه، ولقيت رسالة من "كاظم"، كان فيها اسمي بَس، كان لسّه باعتلي الرسالة، ولمّا قدّرت الوقت، كان تقريبًا نفس الوقت اللي صحيت فيه مفزوع على صوته وهو بيندهلي في الحِلم، حسّيت برعشة في إيدي وأنا بَرُد عليه وبقوله:
-نعم.
وساعتها رَد عليّا وقالّي:
-مَفيش بطّمن عليك بَس، أصلك بقالك وقت طويل مدخَلتِش الجروب.
-كُنت في شُغل ولسّه راجِع ومطَبَّق، ونِمت وصحيت تاني.
دي كانت المحادثة اللي بيني وبينه، وعاوز أقولّكم بَرضو إن في اليوم اللي بَعده، كُنت راجِع في نفس التوقيت من الشُّغل، قلبي كان مَقبوض، وكُنت بفكّر أغيّر ميعاد شُغلي، بَس اللي خوفت منّه مَحَصَلش، ولا في حاجة مُخيفة حصلت بَعد كِدَه، عشان كِدَه قولتلكم في بداية قِصّتي، خلّونا نعتبرها حاجة غريبة، وبلاش نقول إنّها مُخيفة!
***
"أروى"...
الحقيقة استغرَبت من اللي كَتبُه "ساجِد"، مَعرفش إيه اللي خلَّاه يتعرَّض لِحاجة زي دي، لكن كان تفسيري إن الليل مليان أسرار، والدُّنيا فيها حاجات كتير محدّش عارف يفسّرها، ووجوده في الوقت ده لوحده والشارع فاضي، مع إرهاقه في الشُّغل، وارِد جدًا يخلّيه يتخيّل اللي حصل معاه.
دي كانت قناعتي؛ لِحد الليلة اللي المفروض إنّي هكتب فيها قصّتي بعد اللقاء، أنا كُنت متحمّسة للموضوع في البداية، وكُنت سعيدة جدًا بعده، لِحَد ما قرأت القصة اللي قبلي، وِدَه سَبّب ليا توَتّر، كُنت بفسَّر ده إنه شيء طبيعي، وارِد جدَّا إن شعور الخوف اللي كان في القصة يتنَقل جوّايا، عشان كِدَه أنا بَشهد إن "ساجد" قِدِر ينقل شعوره للقارئ بكل براعة.
تجاهلت شعوري، واستعدّيت إنّي أكتب قصّتي بالليل؛ لمّا أخلَّص كل اللي ورايا، لكن اللي حصل قبل كتابتي للقصّة، كان أوّل مرّة يحصل معايا.
خلّونا نتّفق إن الحياة حلوة من بعيد، يعني لمّا تكون شايفها من فوق، أنا ساكنة في السّابع، ودي ميزة محدّش يعرفها غير اللي ساكن في الأدوار العالية، لكن بتكون لعنة؛ لمّا الكهربا تِفصل، وتكون مُضطَر إنَّك تنزل وتطلع كل السلالِم دي على رجليك.
الكهربا كانت فعلًا فصلت، الدُّنيا ليل والجو ضَلمة، واكتشفت إن الشاي خَلصان فجأة معرفش إزّاي، وأنا كُنت فعلًا محتاجة أشرب شاي؛ عشان أظبُط تَركيزي، وأقدَر أركّز في كتابة القصة، بَس المُشكلة هي إنّي هنزل كل السلالم دي على رِجلي، عشان طلب بسيط، بَس لقيتني بفكّر بطريقة تانية، مسِكت تليفوني اللي كُنت عاملة حسابي وشحناه قبل الكَهربا ما تِفصل، رنّيت على البّواب؛ وطلبت منّه يشتري شاي من السوبر ماركت اللي تَحت، وقولتله إنّي هنزّل له الفلوس في السَّبت من البلكونة.
نزِّلت السَّبَت بالفلوس، وانتظرته لِحَد ما لقيت الحَبل بيتشَد؛ فهِمت إنّه خلاص اشترى الشّاي وحطّه في السَّبَت، سَحبت الحَبل، ولمّا السَّبَت وصل لسور البلكونة عندي؛ مَدّيت إيدي عشان أمسِكه، لكن اتفاجِأت بأكتر حاجة مكُنتش أتوقَّع إنّها تِحصل.
أنا اتفاجِأت بإيد البوّاب، كانت ماسكَة الشّاي، وبعدها لقيته واقِف قدّامي من بَرَّه سور البلكونة، وبيبتِسم لي وبيقولّي:
-أي خدمة تانية؟
أنا صَرخت ووقعت في الأرض، ومكُنتش مستوعبة اللي شيفاه، لِدَرجة إنّه حَدَف الشاي في أرضيّة البلكونة واختفى، افتكَرت إنّه وَقع، لكن عقلي زي ما يكون عامِل إيرور، هو ازّاي طِلِع كِدَه وازّاي نِزِل أو اختفى، مُش فاهمة حاجة!
بدأت أستوعب الدنيا من حواليّا؛ لمّا لقيت تليفوني بيرِن، كان رقم البوّاب، يعني هو ماماتش لمّا وقع؟!
ردّيت عليه وصوتي كان رايح، واتفاجأت إنّه بيقولّي:
-مُمكن تنزّلي السَّبَت، أنا اشتريت الشّاي!
قومت من الأرض، بصّيت للسَّبت اللي كان متعلّق على السور من برّه، وبخوف بصّيت في الشارع، شوفت البّواب واقِف تَحت، وبيبُص ناحية البلكونة مِنتظرني أنزّل السَّبت، كُنت بَبلع ريقي ومُش مستوعبة، خصوصًا وأنا بَبُص على علبة الشاي اللي مَرميّة في أرضيّة البلكونة.
لكن تمالَكت أعصابي، ونزّلت السَّبت، وبعدَها سَحبتُه وكان فيه علبة الشاي.
أنا دلوقت قاعدة وقدّامي العلبتين، بصراحة مُش عارفة أفرّق بين العلبة اللي سحبتها في السَّبت، والعلبة اللي اتفاجأت بالبّواب بيمدّلي إيده بها وهو قدّام البلكونة، عشان كِدَه تراجعت عن رغبتي في شُرب الشّاي، ونِفسي قَفَلت منّه، لكن على أي حال بكتِب القصة بتاعتي، وأنا بحاول أربُط بين اللي حصل معايا، واللي حصل مع "ساجِد"، ومُش عارفة ده تأثير اللي قرأته في قصّته، ولا دي هلاوس قَطع الكهربا وإرهاقي طول اليوم، لكن في النهاية، أنا فعلًا مُش قادرة أحدّد إن كانت حاجة غريبة، ولا حاجة مُخيفة.
***
"أحمد"...
مُش عارف إيه اللي بيحصل؛ حكاية "ساجِد" غريبة، وحكاية "أروى" أغرب، أنا فكَّرت أكتر من مرّة في اللي كتبوه، لأن الدور عليّا النهاردة، والمفروض أكتب قصّتي، لكن في النهاية قولت إن الطاقة السلبية بتتنقل بسرعة، يعني موقف مُخيف حصل مع واحد، واللي قرأه اتأثّر به؛ فقرَّرت أنسى، وأحاول أركّز في القصة اللي المفروض أكتبها.
لكن في النهاية؛ أنا شَخص مُش بصدّق في الخُرافات؛ يعني بقرأ الماورائيات من باب حُب الاطلاع بَس؛ فأكيد اللي قرأته مُش هيغيّر من قناعاتي.
خلَّصت شُغلي وروَّحت، أحسَن شيء إن البيت فاضي، روقَان والله، ودي بالنسبالي كانت فُرصة كويّسة؛ إني أستغِل الوقت وأركّز في القصة، دَخلت على مَكتبي، قَعدت على الكرسي وكُنت مجهّز الفِكرة بتاعتي، يادوب هسرِدها على الوَرق، مَدّيت إيدي وفَتحت الدُّرج، عَشان أطلَّع النّوت اللي بكتِب فيها، لكن حصلت معايا حاجة غريبة، أنا بمجرَّد ما فَتحت الدُّرج الكَهربا فَصلت، اللي جِه في دماغي وقتها، إن ده قَطع كهربا طبيعي، زي اللي بيحصل الفترة دي، لكن أنا اتفاجِئت بإيدي اللي كانت لسّه في الدُّرج، زي ما تكون دَخلت فُرن!
الدُّرج زي ما يكون طالِع منّه صَهد، التَفَتت في الضَّلمة وبصّيت على إيدي، لكن اتفاجأت إن الدُّرج طالع منّه زي ألوان طيف، اتفَزعت من مكاني، وَقفت وأنا بَسحب إيدي؛ وعيني على الألوان اللي كانت بتخرج قدّامي، وبتختِفي في ضَلمة الأوضة، الحكاية كانت غريبة، أنا سِيبت الدرج مفتوح، وبعِدت عن المكتب، كُنت بدوّر على أي حاجة تنوَّر، شَمعة، كشّاف موبيلي، لكن مقدِرتش أوصل لأي حاجة من دي، دا حتّى باب الأوضة معرِفتش طريقه، لدرجة إنّي حسّيت نفسي محبوس في مكان تاني غير الأوضة، بَس مُش قادِر أعرف هو إيه من الضلمة.
وقفت في نُص الأوضة، زي ما حبّيت أقنع نفسي، أصل فِكرة إنّي أكون موجود في مكان تاني دي مُخيفة جدًا، بَس أنا حاسِس إنّي مُش لوحدي!
حاولت أقنع نَفسي إنّ دَه مجرَّد شعور من الموقِف اللي أنا فيه، خصوصًا لمّا لقيت نَفسي بَبُص ناحية الدُّرج من تاني؛ لكن لَمحت شعاع أبيض، بيخرج للضّلمة وبيختِفي، زي الألوان اللي قَبله، من بعدِها بدأت أحِس بحركة حواليّا، أنا حاسِس إنّي في وسط معركة، أصوات سيوف، صوت أجيج، زي ما تكون في نار بتفور، الحكاية بالظبط زي ما أكون بَسمع فيلم في الراديو، في مكان ضلمة جدًا، أكتر حاجة كُنت مرعوب منها، هو صوت الموسيقى اللي بدأت أسمعه قُريّب منّي، مُش عارف ازّاي قدِرت أسمعه من بين دَوشِة المعركة اللي سامعها.
لكن كل الأصوات دي بدأت تِختِفي واحدة واحدة، وبدأت أحِس بإيد بتلمِس شَعري، في اللحظة دي اتأكّدت إنّي مُش لوحدي، في حاجة أو كيان معايا، وِالإحساس دَه اتأكّدلي أكتر، لمّا سِمعت صوت بيهمِس جنبي:
-"أحمد".
حسّيت كأنّي بَلعت لساني، مقدِرتش أنطق، الموقِف كان أكبر من إنّي أتحمّله، عِشان كِدَه وقفت مُستسلِم، نَبرة الصوت حسّيت إنها مُش من العالم بتاعنا، خلّتني أحِس برهبة، غمّضت عيني؛ كان شعور تلقائي بالرّغم من إنّي مُش شايف حاجة، لكن دا كان رد فِعل طبيعي من الخوف اللي جوّايا، بَعد ما سمِعت اسمي الدُّنيا كانت ساكتة، وأنا حاوِلت أتمالَك أعصابي، لِحد ما سمِعت الصوت من تاني، وهو بيقولّي:
-أنت الوحيد في العالم، اللي وقفت في حضرة أوّل امرأة على وجه الأرض.
بَلعت ريقي، خيالي بدأ يجيب أحداث مُش غريبة عليّا، بَس للأسف مكُنتش قادِر أتكلّم، لكن بدأت التِفت من تاني على الحَركة اللي في الأوضة، كان صوت الدُّرج، وساعتها لَمحت ألوان الطيف وهي بترجَع للدرج من تاني، وبعدها الضوء الأبيض ظَهر فجأة في الضَّلمة، كان بيقرّب منّي، وفجأة رِجع للدرج، وبعدها سمعت صوت الدُّرج وهو بيتقفل بكل قوّة، وفي اللحظة دي بَس، النور رِجع من تاني.
عقلي كان هينفجر؛ وأنا بدوَّر على تفسير للي حصل، رِجلي مكَنِتش شيلاني، وبرغم كِدَه حاولت بكل قوّتي إني أوصل للمكتب، ولمّا قعدت على الكرسي، لقيت النوت اللي المفروض أكتب فيها موجودة ومفتوحة، أنا فاكِر إنّي مطلَّعتهاش من الدرج، لكن مُش هَندِهش من اللي شايفه، هعتبر دَه جزء من الحاجات الغريبة اللي حصلت دلوقت، زي بالظبط، الصندوق الغريب اللي مرسوم وهو مفتوح في النوت، واللي معرفش مين رَسَمُه!
غصب عنّي؛ لقيتني بغيّر الفِكرة اللي كُنت ناوي أكتب عنها، وبكتِب اللي حصل معايا دَه، ماهو في حاجات كِدَه مَبنقدرش نتجاوزها، لازم تخرج من جوّانا، لأن مُمكن مع الوقت تتسبّب في مُشكلة، وعلاجها مُش هيكون بَسيط، خصوصًا لمّا سِمعت إنّي في حضرة أوّل امرأة على وجه الأرض، ولمّا شوفت الصندوق الغريب اللي في النوت، وألوان الطيف اللي خَرجت من الدرج، كل ده فيه شَبه قريّب أوي من حاجة في بالي كِدَه، ويارب ما يكون اللي واصلني صح!
***
"منّة"...
أنا مرعوبة، كل ما بقرأ قصّة حد فيهم، بَحِس إني عايزة أعيّط، مُش عارفة إيه اللي حصل معاهم، إحنا اتفقنا نكتب عن شعورنا بعد اللقاء، بَس اتفاجِأت لقيت كل واحد بيكتب حاجة أغرب من الخيال.
أنا كُنت بقرأ القِصص بتاعتهم، وعندي أمل إن الأستاذ "أحمد" هَيكتب حاجة تشيل الخوف اللي جوّايا، بمّا إنه الكبير اللي فينا، لكن اتفاجأت إنه ماشي في نفس الخَط، والنهاردة اليوم اللي المفروض أكتب فيه.
أنا بَدعي كتير إن أكتب حاجة بعيدة عن كل ده، أو إن مَيحصلش معايا حاجة زي اللي حصلت معاهم، بَس لحد دلوقت كلّه تمام.
حاولت أكون هادية على قد ما أقدر، لدرجة إني نسيت كل اللي كتبوه، وفكّرت أعمل قصّة تخرَّجني وتخرَّجهم من المود، بَس كُنت حاسة بإرهاق جامد، صداع، وِدَه اللي خلَّاني أشيل نضّارتي وأغمّض عيني شويّة، يِمكِن الصداع يروح، عشان خلاص قرَّبت أكتب القصة بتاعتي.
بعد ما حسّيت إنّي بقيت أحسّن، لبِست النضّارة من تاني، وبصّيت في المراية، لكن في حاجة غريبة، فريم نضّارتي كان دَهَبي، ازّاي بقى لونه أسود!
حاولت أركّز من تاني، قولت يمكن من تأثير الإرهاق اللي كُنت حاسّة به، لكن فعلًا لقيت إن الفريم لونه أسود.
لو كُنت بقدر أستغنى عن النضّارة كُنت رَميتها، لكن حاولت أتجاهل اللي شيفاه، قولت يِمكن اضطراب من اللي قرأته في القصص اللي فاتت.
مرضِتش أضيّع وقت، قرَّرت أكتب قصّتي، قبل أي حاجة مُمكن تحصل معايا، بسُرعة جريت على الصالة، النوت اللي بَكتب فيها كانت على الترابيزة هناك، كان كُل اللي بفكّر فيه؛ هو إنّي ألحَق أكتب وبَس.
لمّا خرجت الصالة، شوفت أختي الصغيّرة واقفة بتبُص في رُكن فاضي، استغربت هي ازّاي هادية كده على غير عادتها، لدرجة إنّي قرَّبت منها وقولتلها:
-مالك؟ واقفة ساكتة ليه كده؟!
لقيتها مردّتش عليا، دي كانت بتبُص ناحيتي، وبتشاور بإيدها ناحية الركن اللي كانت بتبُص فيه، وبتقولّي:
-عمو اللي هناك دَه عاوز يلعَب معايا.
أنا قولت دي تخاريف أطفال، برغم إنها أوّل مرَّة تعمل كده، بَس دي طِفلة، لكن قرَّرت أجاريها، وقولتلها:
-عمو مين اللي هناك؟
كانت بترُد عليّا وعينها على الركن وبتقولّي:
-عمو قاعد هناك، أوّل مرّة أشوفه، دا حتّى لابِس النضّارة بتاعتِك.
مَكدِبش عليكم؛ حسّيت إني بتنِفِض من جوّايا، افتكرت نضّارتي اللي لون الفريم بتاعها اتغيّر، وبدأت أقارن بين اللي حصل وبين كلام أختي الصغيّرة، لكن مكُنتش عاوزة أعطي لنفسي فرصة إني افكّر في حاجة غريبة، تجاهلتها، وسيبتها واقفة تبُص للرُّكن، وروحت ناحية الترابيزة، اللي كانت مصادفة إنّها جنب الركن اللي أختي بتبُص فيه، ولمّا قرَّبت منها عشان أجيب النوت، اتفاجأت بإيد من تَحت الترابيزة بتِمسِك رِجلي.
لقيت نَفسي بَصرخ بهيستيريا، أنا مُش بتهيّألي، أنا في إيد مَسكت رِجلي فعلًا، مقدِرتش أتكلّم، بَس رِجعت وقولت يِمكن دَه من الخوف، خَطفت النوت ورجِعت جَري على أوضتي، قعدت على مَكتبي؛ وحاولت أطرُد الخوف اللي جوّايا، قرَّرت أشغِل نَفسي في أي حاجة؛ لِحَد ما أنسى الخوف واللي حصل، عشان أكتب القصّة اللي محضّراها، مكَنش في حاجة أشغِل نفسي فيها؛ غير الميدالية البينك اللي فيها ميكي ماوس، كانت جَنبي، مسِكتها وبصّيت فيها، أهي لِعبة أشغِل نفسي بِها عن الخوف اللي جوّايا، لكن زي ما تكون كُل حاجة حواليّا بدأت تطاردني، أنا لقيت الميكي ماوس بيفتّح عينه، وبيبُص ناحيتي وبيضحك ضِحكة مُخيفة، وبصوت مُخيف بيقولّي:
-ما تِكتبي يا "منّة"!
رَميت الميدالية من إيدي وأنا بَصرخ، بعدها محسّتش بحاجة، بَس بعد شوية، لقيت نَفسي بَفوق، واتفاجأت إني نِمت مكاني على المكتب، بصّيت حواليا، لقيت نضارتي رِجعت زي ما هي، والميدالية على طبيعتها، بَس كان في حاجة غريبة، فِكرة القصة اللي كُنت محضّراها رايحة من بالي، فَمكَنش قدّامي غير إنّي أكتب اللي حصل معايا، ماهو مَكنش ينفع مَكتِبش!
***
"كاظِم"...
أنا آخر واحد، وكان لازم أكتب، حابِب أقول إن من بَعد اللقاء، والدُّنيا حلوة، وقرَّرت أكتب عن شعوري، زي ما اتفقت معاهم، همّا كتبوا حاجات غريبة، ودي كانت عَكس طبيعتهم، دي حتّى "منّة" اللي بتخاف من خيالها، كَتبت حاجات مُخيفة، مكَنِتش مصدّقة لمّا قولتلها إن هييجي اليوم اللي تكتِب فيه رُعب، يلّا، محدّش بيصدّق غير لمّا يجرّب.
بَس أنا من بَعد اللقاء، وأنا مقضّيها سَهر على البَحر وصيد، وبَسمع أم كلثوم وأنا بصطاد كمان، وناوي إنِّنا نعمل لقاء تاني، طالما هو غيَّر المود معايا كِدَه، ودي كانت قصّتي اللي نشرتها في اليوم بتاعي، بكل إيجاز واختصار.
استنوا، طبعا دي القصة اللي نشرتها قدّامهم، بَس مُش دي الحقيقة، دا في قصّة تانية حابب أسترجِع أحداثها مع نفسي.
الليل في الصحرا صَعب، وأنا بَحِب أقعد مع نفسي وأعمل راكية الشاي، وأسهر أكتب في الهواء الطلق، بصراحة، كُنت علطول بفكّرازّاي أرُد على التنمّر بتاعهم، أصل أنا مُش بَنسى.
في الليلة دي، كُنت بقرأ في موضوع بالصدفة أوحالي بفِكرة، وهو عن طريقة تَحضير القَرين، وتَسخيره، وإنه ينفّذ لك كل طلباتك.
بَس لمّا نتكلّم عن القرين، لازم نِعرف إنه مُش جِن، الجِن في منهم المَسالِم واللي مالوش علاقة بالإنسان أصلَا، واللي مُش بيدخُل عالمنا غير لمّا يتسخّر وحد يكلّفه بمهمّة.
لكن القرين شيء مُختلف، ومُش جِن، دا شيطان، وطالما قولنا شيطان، يعني كلّه خُبث ومَكر وخداع وأذى؛ فكان لازِم أعمل الموضوع بِحَذر، عشان لا أأذي نفسي، ولا أأذي حد منهم، ماهو أنا قرَّرت أحضَّر القرين بتاعي، وأخليه يروح يسلّي كل واحد فيهم قبل ما يِكتب قصّته.
الموضوع كان محتاح منّي 3 أيام بَس، حاجة كِدَه زي الرياضة الروحانية، يعني أخفّف أكل على قد ما أقدر، وطبعًا مفيش أكل أي شيء حي، ولا أي مُنتج مصدره كائن حي، وبَعد الـ 3 أيام، عملت التَّحصين، زي ما الطريقة اللي قرأتها في الموضوع كانت بتقول، كوبّاية مايه مليانة، قرأت عليها آية الكُرسي 7 مرّات وأنا نَفَسي فيها، وبعدها غَسلت وشّي وراسي بالمايّه، وِدَه اللي بيسموه ماء تحصين تحضير القرين.
بعدها قعدت وشّي للقِبلة، وولّعت البخور اللي اشتريته، واللي كان فيه كل مكوّنات البخور اللي مطلوب في الطريقة، وولّعت كميّة بخور قليّلة جدًا، لأني عرفت إن نوع البخور دَه عشان تسخير القَرين، وإنّه نوع قوي جدًا، فَممكن كميّة كبيرة تتسبّب في تهييج القَرين ومقدرش أسيطر عليه، وبعدها بدأت في صرف عُمّار المكان، وهتسألني هي الصحرا فيها عُمّار؟ هقولك مَفيش مكان مَفيهوش عُمّار، فما بالك بعُمّار الصحرا.
القرين مبيحضرش من أوّل يوم، دا بيحتاج 3 أيام، صرف عُمّار وطقوس تانية، وفي اليوم التالت، بيحتاج ماء ورد وزعفران، اللي بيسموها في الطريقة "المِداد الطاهر"، وزي ما الطريقة كانت بتشرح، كَتبت على كفّي اليمين "كهيعص" وعلى الشِّمال "حمعسق"، وحوالين كل اسم دايرة، وحرف الكاف خمس مرّات، وكتبت كل حاجة كان مطلوب منّي أكتبها، ومُش عاوز أحكي عن كل حاجة اتكتبت بالتفصيل، أنا بَس بتذكّر قصّتي اللي مُش حابب حد يقرأها.
بعدها قرأت سورة الصّافات 3 مرات، وبعدها العَزيمة بالطريقة الصحيحة، وبعد ما قرأتها بالعدد المطلوب، لقيت إن الفَحم اللي في الراكية قدّامي بدأ يطلع منّه نار، في اللحظة دي عرفت إن القَرين حَضر، أنا صحيح بكتب رُعب، لكن دي أوّل مرّة أعمل فيها حاجة زي دي، بَس قلبي كان مطّمن؛ لأني عملت كل حاجة بِدِقّة، وكانت علامة النّار إن القَرين حَضر وهو مُسالِم على عكس طبيعته، وجاهز ينفّذ أي أمر.
أنا طبعًا مَشوفتش القرين، ولا سمِعته، بَس كل ما كُنت بقولّه حاجة، كان بيرُد من خلال النّار اللي في الرّاكية، يعني كانت بتطلع نار تتحرّك، ولقيتني بفهم من حركة النار هو بيقول إيه، وأكيد ده بسبب الرياضة الروحية اللي عملتها، والعزيمة والطقوس.
واتكلّمت وأنا متأكّد إنه سامعني وقولتله:
-هُمّا أربعة، كُنت معاهم من فترة قصيّرة، وبما إنك قريني فأنت أكيد كُنت معايا، وتقدر توصلّهم.
لقيت النار زادت في الراكية بشكل مُبالغ فيه؛ فعرِفت إن دَه دليل على إنّه مُش عارفهم، أو عاوز أي حاجة يوصلُّهم عن طريقها؛ فقولت:
-لمّا اتقابلنا، كان في عصير مانجو، المشروب الأصفر؛ دا لو مكُنتش تعرف المانجو يعني، أنا اتحطَّت قدّامي كوبّاية زيي زيهم بالظَّبط، لكن مَشرِبتش منها، عشان مَبشربش حاجة بسُكّر، وطبعا الحاجة اللي تتحط ومُش بيتسمّى عليها ولا حد بيشربها، الشيطان بيشرب منها، زي ما أحنا عارفين، يعني اللي هو حضرتك، عاوزك بقى تروح لكل واحد شرب من نفس المشروب الأصفر، اللي سعادتك شربته بالهنا والشِّفا.
أنا في يوم "ساجِد" كُنت قاعد، وبعطي أوامري للقرين، اللي مُش هَيمشي غير لمّا أصرِفه طبعًا، الساعة كانت اتنين بالليل تقريبًا، ولقيت نار خفيفة طالعة من الراكية، وفي اليوم ده المفروض إنه هيكتب قصّته، وفهمت من حركة النّار إن القرين جاهز يقوم بدوره.
ولقيت نَفسي بقول:
-أكتر حاجة بيخاف منها "ساجِد" هي الكلاب، مُش عاوز أقول إنّي في اللحظة دي؛ غمَّضت عيني، وشوفت اللي حصل مع "ساجِد" بالظبط، بكل التفاصيل اللي حكاها في قصّته قبل ما يكتبها ونقرأها، فعلًا، القرين ده عنده قدرات صعبة.
وفي يوم "أروى"، وقبل كتابة قصّتها، برضو كُنت قاعِد، واتكرَّرت حركة النار، فهمت إن القرين جاهز، وقولتله:
-أنا فاكِر "أروى" لمّا عملت مقارنة بين أنواع الشّاي على الجروب، وقفلتني من الشاي، أنا عاوزك بقى تقفِلها من الشّاي زي ما قفلتني.
مُش عاوز أقول برضو، لمّا غمَّضت عيني، كُنت مَيّت من الضحك على مَنظر "أروى" ، وهي بتبحلَق في علبتين الشاي اللي قدّامها على الترابيزة.
لحد ما جِه اليوم المميز، عمّنا "أحمد" اللي هارينا أساطير، وقبل كتابة قصّته برضو، النار ظَهرت من الراكية، في اللحظة دي؛ افتكرت لمّا عمل كومنت عليا مرّة وقالي صندوق بنادورا، عشان كِدَه؛ طلبت من القرين وقولتله:
-عاوزك تفتح صندوق بنادورا لـ "أحمد"، وتخليه يسمع صوتها.
وغمّضت عيني، وكُنت مَبسوط جدًا، وأنا شايف "أحمد" وهو واقِف في وسط الأوضة، اللي النور كان موجود فيها عادي؛ لكن هو كان متخيّل إنها ضلمة، وبيسمع كل حاجة القَرين بيخلّيه يتخيّلها، وبعدها ساب النوت بتاعته على المكتب، ورَسَمله فيها صندوق بنادورا.
وفي يوم "منّة"، النار ظهرت من الراكية، عرفت ساعتها إنها قرَّبت تِكتب، وساعتها طلبت من القرين وقولتله:
-دي بقى على خفيف، عشان مُمكن تروح فيها، أنا مقولتش أكتر من كِدَه، وهو طبعًا كائن أذكى منّي، وبيفهم علطول.
لمّا غمّضت عيني، كُنت هموت من الضحك على فريم النضارة الأسود، أصل القرين قرَّر يتغابى شوية، ولِبس نضّارتها وساب لها نضّارة تانية عشان مَبتستغناش عنها، وبالنسبة للميدالية، كان القرين جَنبها على المكتب، ولمّا مِسكتها حَب يستكشف الميكي ماوس، ولمّا لَمس الميدالية، لقيت الميكي ماوس بيكلّم "منّة"! هو كان هزار منّه، بَس هزاره تقيل، غير هزارنا طبعًا.
طبعًا أنا مَشوفتش القَرين على هيئته الحقيقية، أنا لمّا كُنت بغمّض عيني، كُنت بشوفه على شَكلي أنا، وفي يومي، وقبل ما أكتب قصّتي الحقيقية دي، كُنت قاعد قدّام الراكية، ولقيت النّار بتظهر، بَس مُش بشكل هادي زي كل مرّة، دي فارت بكل قوّة، وساعتها ضِحكت وقولت:
-ماهو أنا اللي عليا الدور، بَس للأسف، أنا مَشرِبتش من المَشروب الأصفر؛ فَمُش هتقدر تعمل معايا حاجة.
أنا كُنت مَبسوط بحكاية المشروب الأصفر، اللي كان زي ال " GPS "؛ واللي من خلاله قدِرت أوصلّهم، أو بمعنى أدّق، أبعتلهم القرين، يرُد على تنمّر كل واحد منهم، وطبعًا هو انصرف خلاص، لأنّي لمّا سخَّرته، كُنت طالب منّه مهمّة محددة، ينصرف من نفسه بعد ما ينتهي منها!
وطبعًا دي كانت قصّتي أنا؛ واللي هتفضَل ورا الكواليس، محدّش هَيعرف بِها.