-مُش دَه صوت المُرجيحة يا "فريد"؟
أنا فتَّحت عيني وركّزت شويّة كِدَه عشان أشوف كلام "نِرمين" مظبوط ولا لأ، بَس لقيت الدُّنيا هادية، الشّارع مفيهوش أي صوت، لَكن بَعد ثواني كِدَه، سِمِعت فعلًا صوت المُرجيحة!
بَصّيت في ساعتي؛ كانت اتنين بَعد نُص الليل، استَغرَبت من الحِكاية، هو ازّاي عَم "أيمن" مِشغّل المُرجيحة في وَقت زي دَه؟! ومين أصلًا اللي بيِتمَرجَح دلوَقت؟! المفروض إنه عارف إن وَقت زي دَه النّاس نايمَة فيه ودَه يُعتَبَر إزعاج.
قومت من السّرير؛ وفَتَحت باب البلكونة وخرَجت، كُنت عاوز أقولّه يعني مَيصَحّش كِدَه، وإن النهار لُه عيون، لَكن لمّا خَرجت وبصّيت من البلكونة، لقيت المُرجيحَة بتتحرَّك لوحدها، ومفيش أي حد واقِف، دا حتّى بيت عَم "أيمن" اللي كان في وِش بيتنا علطول والمُرجيحَة قدّامه؛ كان مَقفول ونوره مَطفِي!
وَقَفت أبُص يمين وشمال في الشّارع؛ قولت يمكِن أشوف حَد صاحي ويكون هو اللي عَمَل كِدَه، لَكن مَلَمَحتِش أي حد، والوَقت خَدني شويّة؛ حتّى "نِرمين" لاحظِت دَه؛ عَشان كِدَه نَدَهِت عليّا، لكن بمجرّد ما دوَّرت وشّي عشان أرُد عليها وأقولّها إني جاي، ورجِعت بصّيت تاني على المُرجيحَة قبل ما أدخُل؛ لقيت المُرجيحَة واقفة، ومُش كِدَه وِبَس، دي كانت مقفولة بالجنزير اللي بتِتقِفِل بُه كمان!
أنا لقيت نَفسي بدخُل وبقفل باب البلكونة ورايا، وساعِتها "نِرمين" قالتلي...
-مقولتِش لِعَم "أيمن" إن دَه مُش وقت يشغّل فيه المُرجيحَة ليه؟!
-ماهو...
-مالك يا "فريد"؟.. شَكلَك مَخطوف ليه كِدَه؟!
أنا حَكيتلَها عن اللي شوفته، كانت مِستغرَبَة اللي بقوله، وقالتلي...
-مَعقول إحنا الاتنين بيتهيّألِنا؟!
-أكيد لأ.
لَكن لقيت نَفسي بقولّها...
-هي "منَّة" كويسة؟
معرفش ليه كان عندي قَلق من ناحية "مِنّة" بنتنا؛ عشان كِدَه خلّيتها تقوم تتطمّن عليها؛ ولمّا راحت أوضة البِنت ورجعت قالتلي...
-الحمد لله.. هي نايمة كويّسة.
..
مُمكن لو حَكيت في الوَقت دَه عن إن في واحِد عامِل مُرجيحَة في شارع؛ برَغم وجود أماكن ألعاب للأطفال النّاس تستغرَب، هي ظاهِرَة تقريبًا انتَهت من زمان، لَكن دَه كان الحَل الوَحيد عشان نساعِد عَم "أيمن" اللي حصَلِتلُه ظروف مَرَضيّة فجأة ومبقاش قادِر يشتغل، دا غير إنه كان شُغله على دِراعه، يَعني معندوش وظيفَة ياخُد منها دَخل يخلّيه يِقدَر يعيش، عَشان كِدَه اتّفقنا في الشّارع إنّنا نِشترك سوا، ونشتريلُه المُرجيحَة عشان يِستَرزَق منها، لو كُل يوم كام عيّل اتمرجحوا عَنده هيبقى في دَخل، حّى لو بَسيط بَس أهو أحسَن من مفيش خالِص.
المَوضوع دَه مِن فترة قُريّبة، يعني تقريبًا اشترينا المُرجيحَة من شَهر مثلًا، وكُنّا مبسوطين إن الحالَة بدأت تِمشي معاه، وخصوصًا إن مراته هي كمان تَعبانة وبتِحتاج عِلاج.
أنا ساكِن في الشّارع هِنا من يوم ما اتجوّزت، تقريبًا من خَمَس سنين، جِيت لَقيت النّاس هِنا كويّسة، وبِما إن بيت عَم "أيمن" كان هو البيت اللي في وِش البيت اللي أنا ساكِن فيه؛ فَكان هو أهم بيت بالنسبة ليّا، كان يهمّني إن اللي فيه يكونوا في حالهم، وفعلًا، طلعوا ناس في حالهُم جدًّا، وخصوصًا إنّي عرِفت فيما بَعد إنه مفيش معاه أولاد!
..
لكن من الليلة دي، والليل بدأ يِبقى مُزعِج، كُل ليلة بَصحى على صوت "نِرمين" في نَفس التوقيت وهي بتقولّي...
-المُرجيحّة يا "فريد" صوتها بيقول إنها شغّالة!
مُش مِحتاج أقولّكم؛ إني كُل ليلة في التوقيت دَه كُنت بطلع البلكونة، وكان نَفس اللي حَصَل أوّل مرة بيتكرَّر؛ وفي ليلة لقيت "نِرمين" بتقولّي...
-الحِكاية غَريبة.. ماهو مُش معقول إني أنا وأنت نكون بيتهيّألنا سوا.. وكُل ليلة كَمان!
-أنا كَمان مُش لاقي تفسير للي بيِحصل!
-طيّب إيه رأيك لو تقول لِعَم "أيمن".. ماهو لازِم يِعرف.
بصّيتلها شويّة كِدَه وقولتلها...
-عايزاني أقول للراجل إن المُرجيحَة بتِشتَغل لوحدها بالليل وفجأة بتبقى مقفولة بالجنزير برضو لوحدها؟!.. مُش بعيد يقول عنّي مجنون!
-طيّب ما تشوف أي حد من الشّارع.. احكيله ونشوف الحِكاية إيه!
-برضو مَقدَرش أفتَح الموضوع دَه مع أي حد.. أقولّك على حاجة أحسن مِن كُل دَه؟
ولقيتها انتَبَهِتلي كِدَه وقالتلي...
-قول.
-إحنا نُصبُر شويّة.. لو لاقينا حَد في الشّارع لاحِظ الموضوع نِتكلّم.. ساعِتها محدّش هيقول عنّنا خرَّفنا أو بنشوف تهيّؤات.
كان لازِم "نِرمين" تَقتنع بفِكرتي؛ لإن هي الصّح ومفيش قدّامنا غير كِدَه، دا غير إن مفيش أصلًا أي دليل على اللي هنقوله.
لَكِن في ليلة لمّا لقيت "نِرمين" بتصحّيني من النوم عشان نَفس المَوضوع؛ جيت أطلع البلكونة لقيتها بتقولّي...
-استنى.. خُد تليفونك معاك.. عايزاك تصوّر اللي بيحصَل.
ولقيتني بقول لِنَفسي إزّاي فِكرة زي دي كانت غايبة عن بالي، مِسِكت تليفوني وطلِعت البلكونة، وكان نَفس مَشهَد كُل ليلة بيتكرَّر، ولِحُسن حظّي إنّي قِدِرت أصوّر المُرجيحَة وهي بتتحرَّك لوَحدَها! وبَعد ثواني بتِظهَر في الفيديو وهي مقفولة بالجَنزير!
أنا عَملت فيديو حوالي دقيقة، مكَنش فارِق معايا المُدّة، أنا كُل اللي يهمّني إن يكون معايا دَليل على اللي هتكلّم فيه؛ ولمّا دخلت وقفَلت البلكونة لقيت "نِرمين" بتقولّي...
-عايزة أشوف الفيديو.
الحقيقة؛ برغم إن الموضوع بيحصل مِن مُدّة، لكن مفيش ولا مرّة "نِرمين" اتجرَّأت وخرَجِت البلكونة عشان تشوف اللي بيحصَل، فكانت فُرصة لها إنها تشوفه على التليفون، لَكن أوّل ما بدأت تتفرَّج؛ لقيتها بتقرَّب إيدها من بوقّها وبدأت تُصرُخ وتقول...
-الحَق يا "فَريد".. في طَفلة على المُرجيحة!
أنا جريت ناحيتها وبصّيت في الفيديو؛ لكِن مشوفتِش أي حاجة من اللي بتقول عليها، واستَغربت إصرارها وهي بتأكّد عليّا إنها شايفة الطفلة، ومُش عارف أصدّق ولا لأ، يعني لو الموضوع حَصَل معانا إحنا الاتنين في نَفس الوَقت يبقى المَنطِقي إن كُل حاجة نشوفها سوا، إنما هي تشوف حاجة أنا مُش شايفها برغم إن أنا اللي مصوّر الفيديو؛ دي اللي كانت غريبة!
مَكَنش في قدّامي غير إنّي آخُد منها التليفون وأقفِله، دا أنا حتّى فكّرت أحذف الفيديو خالِص، بَس رجِعت قولت أسيبه يِمكن أحتاجه في أي وقت.
في الليلة دي؛ وبَعد ما نِمت، سِمعت صوت "نِرمين" بتُصرُخ في الصالة، قومت مفزوع من النّوم وخرجت من الأوضة، لقيتها واقعة في الأرض والدّموع مغرَّقة وشّها، ساعِدتَها عشان تقوم، كان واضح إنها مُش مُتمالكة أعصابها خالص، قعَّدتها على الكنبة وجِبتلها تِشرب، ولمّا بدأت تاخد نَفَسها سألتها...
-إيه اللي حَصَل يخلّيكي في الحالة دي؟!
كانت بترُد عليّا بصوت مهزوز وبتقولّي...
-مكَنش جايلي نوم.. خَرجت عَشان أقعد في الصالة أتفرّج على أي حاجة تسلّيني في التليفزيوين.. لكن اتفاجئت بالمُرجيحة في الصالة.. وكان عليها بِنت صغيّرة بتتمرجَح.. نَفس البِنت اللي شوفتها في الفيديو اللي أنت صوّرته!
حسّيت إن الأرض بتتهز من تَحت منّي، إيه اللي أنا بَسمَعه دَه؟! لكنّي قولتلها...
-مُش يِمكن اللي بيحصَل دَه مأثّر عليكي مُش أكتر؟!.. أنا وانتي سِمعنا صوت المُرجيحَة وهي بتشتَغل لوحدها بالليل.. لكن أنا مشوفتِش بِنت ولا حاجة.
-لكن أنا شوفتها.. طفلة صغيرة.. لابسة فستان أبيض وشعرها نازل مغطّي وشّها.
-وبعدين؟
-مقدِرتش أتحمّل المنظر.. وقعت في الأرض وأنا بصرُخ.. ولمّا رَفَعت وشّي بعدها لقيتها اختَفَت.
كُنت بسأل نَفسي، هو الموضوع في المُرجيحَة ولا فينا؟ ولا في "نرمين" لوحدها؟!
أصل بالمَنطق كِدَه، محدش من الشارع لحد دلوقت لاحِظ الموضوع دَه غيرنا، ودلوقت "نِرمين" بتقول إنها شافِت في الفيديو اللي صوّرته طِفلة بتتمرجَح، ودلوقت شافتها بالمُرجيحَة في الصالة!
من بَعد اللي حَصَل دَه؛ وأنا قرَّرت مَتكلّمش مع حد في حاجة ولا أخلّي حد يشوف الفيديو؛ لحد ما أفهم هي إيه القصّة بالظبط، لكن لقيت نَفسي رِجلي وخداني وداخل أوضة "مِنّة"، حَسّيت بخوف غريب عليها، لكن لقيتها نايمة ومفيهاش أي حاجة، ضرَبَات قلبي بدأت تِهدا.
..
تاني يوم الصُّبح...
كُنا على الفِطار، وكُنت لابِس هدوم الخروج عشان نازِل شُغلي، أنا بكون مبسوط جدًا و"نِرمين" بتأكّل "مِنّة" وبتلاعبها على الفِطار، هي داخلة على أربع سنين دلوقت، لكن هي اتكلّمت بَدري، ودَه في حَد ذاته كان شيء كُنا فرحانين بُه جدًا، لكن في اليوم دَه بالذّات، أنا بدأت أحِس بخوف رهيب؛ لأني سِمعتها بتكلّم أمّها بصوت واطِي وبتقولّها...
-ماما.. أنا خايفة.
ولقيت "نِرمين" بتقولّها...
-خايفة من إيه؟.. احكيلي.
أنا كُنت بكمّل فِطاري؛ لكن كُنت مُنتبه لكلامهم كويّس، لكن اللي خلّاني أحِس بخوف هو إني لقيتها بتقولّها...
-أنا بشوف مُرجيحَة في الحِلم.. عليها بِنت عاوزة تِلعب معايا.. بَس أنا بخاف منها لأن شَكلها مُخيف!
أنا الأكل وَقَف في زوري، كُنت ببُصّلها وجوّايا يَقين إن الموضوع بياخُد أبعاد تانية مُش مجرّد هلاوس، مفيش حَد في الشارع لاحِظ لحد دلوقت حكاية المُرجيحَة، مفيش غيرنا، حتّى البِنت الصغيّرة شافتها في الحِلم، يعني الموضوع يخُصّنا إحنا!
وهِنا؛ لقيتني بسأل نَفسي سؤال، هو إيه علاقِتنا بمُرجيحة عم "أيمن"؟!
..
أنا في اليوم دَه؛ قضّيت وَقت شُغلي وأنا متوتّر، وما صدَّقت خلَّصت وطلعت جَري على البيت، ولمّا وصلت وقَبل ما أطلع، لقيتني واقِف قدّام المُرجيحَة في الشّارع، كانت شغّالة والعيال بتلعب وعليها زَحمة، وكان عم "أيمَن" قاعد على الكُرسي بتاعه جَنبها، ولمّا لَمحني لقيته بيشاوِرلي وبيقولّي بصوت عالي...
-ازّيك يا أستاذ "فريد".. عامل إيه؟!
مكَنش قدّامي غير إني أبتِسم وأقولّه...
-بخير والله يا عم "أيمن".. الحمد لله ماشي الحال.
وبعدها طِلِعت شقّتي، ولمّا فَتَحت الباب لقيت "نِرمين" قاعدة في الصّالة وواخدة البِنت على رِجلها ومشغّلة الشاشة على القرآن، قعدت جَنبهم واتطمّنت عليهم، وسألتني...
-أجهّزلك الغَدا؟!
أنا مكَنش ليّا نِفس لأي حاجة فقولتلها...
-ماليش نِفس للأكل.. في حاجة حصلِت وأنا بَرّه؟!
-مفيش حاجة.. كان زماني اتّصَلت بك.
سيبتِهم ودَخَلت أريّح شويّة في الأوضة، غيّرت هدومي ومدّدت على السرير، أنا طبعًا عيني مغمَّضِتش، لأن دِماغي كانت بتودّي وتجيب في اللي بيحصل، والوَقت فات على كِدَه، وروحت في النوم بعد وقت طويل.
وكالعادة؛ صحيت على صوت "نِرمين" وهي بتقولّي كالعادة في نَفس الوقت من كل ليلة...
-صوت المُرجيحَة يا "فريد"!
مكُنتش عارف أنا هَخلَص إمتى من شُغل حاوريني يا كيكا دَه، كُل ليلة أطلع البلكونة ويتكرَّر نَفس المَشهد، ومرَّة أصوَّره ومرَّة لا، وبدون ما أوصل لحاجة، كل اللي كان جديد هو إن "نِرمين" بدأت تشوف حاجة أنا مُش شايفها، وبِنتي حِلمت مرّة بنفس الموضوع.
ولسّه بقوم من مكاني عشان أطلع البلكونة، وسمِعنا صوت "مِنّة" بتعيّط في الصالة، طِلعنا نِجري، ولقيناها واقفة في نُص الصّالة وبتبُص ناحية حاجة مُش موجودة وبتعيّط وبتقول...
-لأ.. مُش هاجي.
أنا جريت خَطفت البِنت وحضَنتَها، وقولتلها...
-في إيه يا "مِنّة"؟.. مالِك؟!
لقيتها بتاخُد نَفَسها بالعافية وبتشاور بإيدها على حاجة مكُنّاش شايفينها وبتقول...
-المُرجيحَة.. عليها بِنت شكلها مُخيف!
بصّيت ناحية "نِرمين" عشان أشوف رَد فعلها على الكلام دَه، لكن لقيتها حاطّة إيدها على وشّها ومصدومة وبتقولّي...
-المُرجيحَة والبِنت يا "فريد"!
وكانت بتشاوِر على نَفس المَكان اللي "مِنّة" بتشاوِر عليه!
..
يعني أنا اللي فيهم مُش شايف اللي بيحصل؟! هي إيه الحِكاية؟!
..
لكن بَعد شويّة، عرفت منهم إن خلاص مفيش حاجة هُمّا شايفينها قدّامهم، لكن أنا قَّرت إننا ننام، لكن أخدت "مِنّة" تنام معانا، وفي نَفس الليلة دي، لقيت "نِرمين" بتصحّيني للمرّة التانية وبتقولّي...
-قوم يا "فريد".. أنا حلِمت حِلم فظيع!
كُنت قايِم من النّوم وأنا مُش مركّز، لكن بدأت أفوق شويّة عشان أسمعها وقولتلها...
-خير يارب!
-أنا شوفت مولد.. ناس وزحمة وِدَوشة.. ومراجيح.. وشوفت واحد وواحدة بيتخانقوا مع بعض.. السّت كانت حامل.. وكانت بتقولّه اللي في بَطني دي بِنتَك.. وهو كان رافِض يِعترف بكلامها.
كُنت بسمع وأنا مستغرب كَدَه وقولتلها...
-وبعدين؟!
-بَعدها شوفت نَفس السّت لكن كان معاها بِنت صغيّرة.. عُمرها شهور.. لكن أنا شوفت حاجة فظيعة.
انتّبهت لكلامها أكتر وقولتلها...
-هي إيه؟!
-السّت قَتَلِت البِنت اللي معاها.. ضربتها كذا ضَربة بسكّينة.. وخدِتها وراحت بها تدفِنها في مكان بعيد شويّة عن المكان اللي فيه المولِد.
أنا كُنت مُندَهِش من تفاصيل الحِلم؛ فقولتلها...
-ها.. كمّلي.
-الِبنت كانت لابسة فستان أبيض.. طبعًا كان غرقان دَم بعد ما ماتت.. ولمّا رِجِعِت اكتَشَفِت إن في دَم مكان جريمتها كان واقع على هدوم تانية للبِنت.. وقرَّرت تتخلّص منها.. أخَدِتها وحطَّتها في عامود مُرجيحَة من المراجيح اللي تَبَعها!
أنا قومت وقَفت من مكاني وقولتلها...
-انتي عارفة دَه معناه إيه؟!
-إيه؟!
-معناه إن ممكُن المُرجيحَة بتاعة عم "أيمَن" يكون لها علاقة بالموضوع.
لقيتها فكّرت شويّة كِدَه وقالتلي...
-ولو افترضنا تَحليلك صَح.. إيه علاقتنا إحنا بقى بالموضوع؟!
-ماهو دَه اللي محيّرني.. خصوصًا إني كُنت مع النّاس لمّا كُنّا بنِشتري المُرجيحَة.. إحنا جايبينها من عَند واحد بيتاجر في الخُردَة.. يعني الموضوع مالوش علاقة بِمولِد أو شيء!
..
كان حواري معاها انتهَى لحد هِنا، لكن تقريبًا دَه كان طرف خيط مُهم، لأني تاني يوم استأذِنت من شُغلي، وروحت لبتاع الخُردَة اللي اشترينا منّه المُرجيحَة، هو افتَكرني لمّا شافني، سلّمت عليه وقولتله...
-أنت فاكِر المُرجيحة اللي اشتريناها منّك من فترة؟!
لقيته بيفكّر شويّة كِدَه وبيقولّي...
-أيون فاكرها.. هو في حاجة ولا إيه؟!
-لا أبدًا.. بَس كُنت حابِب أسألك.. أنت اللي مصنَّعها ولا كُنت شاريها؟!
-لا أنا مُش بصنَّع مراجيح.. أنا بشتري الحاجة قديمة وببيعها وبيطلَعلي حَسَنتي فيها.
-طيّب فاكِر أنت شاريها منين؟!
لقيته بيبصّلي كِدَه وبيقولّي...
-من 3 سنين كان في مولِد بيتعِمل في الأرض الفاضية اللي هناك دي.
وكان بيشاور بإيده على مكان فاضي؛ فقولتله...
-أيون فاكره.. هو من فترة أصلًا مَعَدش بيتعمل.
وساعتها بدأ يكمّل اللي كان بيقوله...
-بَعد ما المولِد خِلِص جَتلي واحدة سِت وكان معاها عَرَبية عليها المُرجيحَة.. وباعِتهالي.. أنا اشتريتها لأنها باعِتها بسِعر رخيص جدًا.. ورميتها في المخزن ونسيتها.. مَفتكَرتهاش غير لمّا انتوا جيتوا تسألوني عن مُرجيحة.. ساعِتها طلَّعتها وجدّدتها وانتوا أخدتوها.. هو في حاجة يا أستاذ؟!
-لا أبدًا.. مَتعرفش السّت دي مُمكن تكون فين؟!
لقيته بيضحك كده وبيقولّي...
-يا أستاذ هُمّا بتوع المَوالِد دول حَد يعرفلهم أصل؟!.. وبعدين المولِد مَتعمَلش من 3 سنين.. الله أعلم عايشة ولا ميّته.. الله يسهّلّها.
وساعِتها شَكَرته ومشيت، لكن أنا لمّا رجِعت على البيت، عمَلت تصرّف مجنون، أنا أوّل ما وصلت الشّارع لقيتني بخبَّط على باب بيت عم "أيمن"، ولمّا فَتَحلي لقيتني بقولّه...
-تعالى نِفُك المُرجيحة دي يا عم "أيمن".
كان بيبُصّلي وهو مُندَهش، لكنّي قولتله...
-تعالى بَس اسمّع كلامي.. وأنا هرجّعهالك من تاني.. ولو عاوز مكانها واحدة جديدة هجيبلك.
-هو في إيه يا أستاذ "فريد؟؟!
-اسمع بَس كلامي.
وبدأنا فعلًا نِفُك المُرجيحة، وعشان هو مَريض كُنت أنا اللي بقوم بكُل حاجة، هو بَس كان بيساعِدني على قد ما يقدَر، أنا فكِّكت المُرجيحَة حتّة حتّة، وبدأت أفكّر لو حَد مخبّي فيها حاجة مُمكِن يكون مخبّيها فين، ومكَنش في في مكان فيها غير العِمدان بتاعِتها، اللي كانت عبارة عن مواسير حَديد مجوّفة، بدأت أدوَّر فيهم، وفعلًا لقيت إن في عامود منهم مَسدود وفيه حاجة جوّاه.
أنا جِبت سيخ حديد طَويل، وبدأت أدخّله في عامود المُرجيحَة وأحاوِل أطلّع اللي فيه من الناحية التّانية، وبالفِعل فضِلت وراه لحد ما طلَّعته، واتفاجئت إنه طقم طِفل كان عليه دَم!
لكن اللي كان غريب، إن الطَّقم دَه أنا كُنت شاريه عشان "مِنّة" بنتي وهي مولودة!
أنا بقيت زي المجنون، أخدت الطَّقم وطلعت جَري على الشَّقة، فَتَحت البَاب ولقيت "نِرمين" في الصالة، كانت قاعدة بالبِنت، استغربت إني جاي بَدري، معطَتهاش فرصة للكلام وسألتها...
-فين هدوم "مِنّة" اللي اشترتها وهي طفلة؟!
لقيتها بتبُصّلي باستغراب وبتقولّي...
-إيه السّؤال دَه.. أنا طلّعتهم لله من زمان!
وساعتها مدّيت إيدي بالطّقم اللي لقيته في عامود المُرجيحَة وقولتلها...
-مُش دَه واحِد منهم؟!
أنا لقيتها بتحُط إيدها على وشّها ومصدومة وبتقولّي...
-فعلًا هو.. أنت جِبته منين؟!.. وإيه الدَّم اللي عليه ده؟!
وساعتها حَكيتلَها عن اللي حَصَل، وفي الآخر سألتها...
-انتي طلّعتي الهدوم دي لله فين؟!
-واحدة جارتنا هِنا في الشّارع.. قالتلي لو عندك هدوم قديمة بيعطوها لله للأطفال اللي بييجوا مع الناس اللي بتشتغل في الموالِد.. ولقيت إن هدوم "مِنّة" مُش هَتستخدِمها تاني فطلَّعت منهم كام طقم لله.. دا كان من 3 سنين.
أنا كِدَه فهمت، سيبتها ونزِلت، وكان لازم أشرَح سَبب تصرّفي لِعَم "أيمَن"، خصوصًا لو حد في الشارع سأل عن سَبب اللي عَمَلتُه دَه، لكن لقيته بينصحني إنّي أبلَّغ الشّرطة، جمّعت كام واحد من الشّارع وطلعنا على القِسم، وهناك قولنا كل حاجة، حتى هُمّا بعتوا جابوا بتاع الخُردة واتأكّدوا من كلامنا، سلّمنا الطَّقم يتحرَّز مع المحضر، لكن كان في خطوة مهمّة قاموا بِها، هي إنهم بعتوا قوّة معاها كلاب بوليسيّة، ومشَّطوا الأرض اللي كان بيتعمل فيها المَعرض، لحد ما الكلاب قدرت تلاقي جُثّة البِنت اللي كانت مدفونة في مكان بعيد شويّة عن الأرض اللي كان فيها المولِد!
جُثّة البِنت اندَفنِت في المقابر بمعرفة الشّرطة، حتّى الطّقم اندَفَن معاها، وطبعًا محدّش عرِف يوصل للأم اللي عملت في بنتها كِدَه، أهي ناس بتجيب وتِرمي وطايحين في الدُّنيا وخلاص، والموضوع مع الأيّام اتقَفَل، والحياة رِجعت تاني لطبيعتها، اتخلَّصنا من المُرجيحَة واشترينا مكانها واحدَة تانية؛ لأن الشارع بدأ يتشائم منها، وبرضو مكَنش ينفع نقطع رِزق عم "أيمن"، مبقاش في صوت مُرجيحة ولا حد بقى يشوف أي حاجة، أنا كِدَه عرِفت ليه إحنا بَس اللي كُنّا بنشوف اللي بيحصَل دَه؛ لأن دَم البِنت كان على حاجة تخُصّنا، ويشاء القَدَر إن الموضوع يِلِف وييجي عندنا عشان نلاقي جُثّة البِنت، والحكاية لحد هنا انتَهت.
لكن بعد كام يوم، لقيت "نِرمين" بتصحّيني في نفس الوقت اللي كانت بتصحّيني فيه وبتقولّي...
-قوم يا "فريد"!
قومت وأنا ببُصّلها في الضلمة كِدَه وبقولّها...
-في إيه يا "نِرمين".. صوت مُرجيحة تاني؟!
لقيتها بتاخد نَفَسها وبتقولّي...
-لأ.. أنا شوفت السِّت اللي قَتَلِت بنتها في الحِلم من تاني.. بَس كانت ميّتة في حادثة!
***
تمَّت...