أنا ماليش غير في السيجارة النضيفة، وعمر تفكيري ما أخدني لأبعد من كده، أي نعم أنا حريقة سجاير، وممكن أوصل لعلبتين في اليوم، بس راحت أو جَت في الآخر سيجارة.
وفي ليلة كنت قاعد مع أصحابي، اللي بالمناسبة كان من بينهم واحد بتاع كيف، كنت مخنوق بسبب شوية مشاكل، مكنتش طايق نفسي وروحي كانت في مناخيري، ساعتها أصحابي لاحظوا الحالة اللي أنا فيها، واللي بدأ يصبّرني بكلمة، واللي بدأ يقول نكتة، لكن صاحبي بتاع الكيف مَد إيده في جيب قميصه؛ وطلَّع سيجارة حشيش قد صابع الإيد الصغيَّر وقال لي:
_خُد دي؛ مش هتخليك تنسى همومك بس، دا أنت هتنسى مكان بيتكم كمان.
ردِّيت إيده وقولت له:
_أنت عارف إني ماليش في السكة دي.
بس لقيته بيعزِم عليا ولا كأنه بيعزم بكوباية شاي وقال:
_يا عم امسِك؛ حد يرفُض النعمة!
بصيت له باستغراب وقولت له:
_هو الحشيش نعمة في إيه مش فاهم؟
_أيون نعمة؛ بيخليك تنسى همومك، وتشوف الدنيا وردية ومفيهاش مشاكل، أنت لو عندك اكتئاب هتروح لدكتور نفساني، هتصرف اللي وراك وقدامك وتاخد علاج يهِد حيلك، وبرضه الاكتئاب مش هيروح، بس سيجارة زي دي هتشيل الاكتئاب من أول نفسين.. يبقى نعمة ولا مُش نعمة؟
كلامه ما أقنعنيش، بس معرفتش أجادله، وده لأني كنت بفكر فعلًا في حاجة تخرجني من اللي أنا فيه، بس متوقّٰعتش إنه يكون الحشيش يعني، ده اللي خلاني مدّيت إيدي وأخدت السيجارة، وساعتها قال لي:
_حطها في جيب قميصك واشربها في حتة متدارية، آه.. أصل سيجارة زي دي فيها كلابوش يا صاحبي.
بعد ما مشيت من معاهم، بدأت أفكر في مكان أشرب فيه السيجارة، الموضوع طلع مُحيِّر فعلًا، يعني أشربها في أوضتي ولا في الحمام، وريحة الدخان تطلع والحكاية تتكشف، ويتقال عنّي حشَّاش، ولا أشربها قدام البيت على السريع، وساعتها أي حد فايت هيشِم الريحة.
بس لقيتها؛ الخرابة، إحنا في نُص الليل والخرابة حتة مقطوعة، ومحدِّش بيروح هناك، ومفيش مكان أمان عن كده ممكن أشرب فيه، ويكون مكان ثابت في حالة يعني لو حابب أعيد التجربة تاني.
أخدت بعضي وروحت على هناك، دخلت الخرابة والدنيا كانت ضلمة كُحل، قعدت على فردة كاوتش عربية كان في الأرض، بعدها طلَّعت السيجارة وولَّعتها، وسحبت أول نفس حشيش في حياتي.
التأثير كان سريع، المزاج اتغيَّر في لحظة، بس اللحظات الحلوة مش بتكمل، لأني سمعت صوت خطوات، كان في حد داخل الخرابة وجاي ناحيتي، شكله واحد من بتوع الخُردة اللي بيلفوا في الخرابات، كان فايت وشاف سيجارة والعة في الضلمة، وافتكرني حد يعرفه من اللي بيشتغلوا في الخردة مثلًا.
وبعدين بقى! إيه الكبسة المهببة دي.
بمجرد ما وصل عندي، وقف يبُص لي وهو مركز مع السيجارة والدخان اللي طالع منها، ورغم الضلمة إلا إني عرفت إنه راجل عجوز، كنت بشوفه لأول مرة، وساعتها قال لي:
_حشيش!
بلعت ريقي ومردِّتش عليه، بس كمِّل كلامه وقال:
_إيه يابني اللي خلاك تمشي في الطريق ده؟
لما سألني السؤال ده ملقتش إجابة في بالي غير كلمة واحدة؛ على شان كده قولت له:
_الشيطان.
في اللحظة دي ضحك ضحكة هزَّت الخرابة؛ وقال بصوت غليظ ومختلف عن النبرة اللي كان بيتكلم بها:
_أنا؟ مُش أنا يابني السبب اللي خلاك تشرب الهباب ده، هو اللي هتعملوه على شان تهربوا من مشاكلكم هلبِسه أنا؟
الكلام كان صادم بالنسبة لي، لدرجة إن أعصابي سابت وصوابعي ارتخت والسيجارة وقعت من بينهم، وعلى ما بصيت في الأرض؛ ومديت إيدي أجيب السيجارة اللي وقعت؛ رفعت وشي وبصيت ناحيته، لكنه مكانش موجود؛ الخرابة كانت فاضية ومفيش فيها حد غيري، زي ما يكون اتبخَّر أو الأرض اتشقّت وبلعته.
في الوقت ده رميت السيجارة في الأرض ودهستها بجزمتي، ولقيت جسمي بيرتعش وأسناني بتخبَّط في بعضها من الخوف. أخدت بعضي وطلعت جري من الخرابة، مكنتش بلتِفت ورايا ولا رجلي بتعلِّم على الأرض، ودي كانت أول وآخر مرَّة أدخل فيها الخرابة؛ وأمسك فيها سيجارة حشيش، ومعرفش اللي ظهر لي في الخرابة ده بسبب إني اتسطَلت من سيجارة الحشيش، ولا ده شيطان ساكن الخرابة بجد وأنا اللي روحت له برجلي، بس اللي أنا عارفه ومتأكد منه، هو إني معنديش استعداد أهرب من المشاكل واصطدِم بشيطان؛ حتى لو كان الشيطان ده كان مجرد هلوسة من نفسين الحشيش اللي أخدتهم.
***