كان يوم مشئوم، لمّا سِمعت قبل المَغرب شيخ الجامِع في المايكروفون، وهو بيطلب من النّاس تعمل حسابها إن المايّه اتقَطعت، ومُش هَتيجي قبل 48 ساعة، وبمجرَّد ما الخَبر اتعرف والدُّنيا اتقلبِت، كُل سِتّات البيوت كانِت بتلِف حوالين نفسها، وأنا أوّلهم، وفي الحالة اللي زي دي، مَبيكونش في غير حل واحِد قدَّامنا، هو إنّنا نروح عند حنفية المَايّه العموميّة، وكل واحدة تاخد احتياجها من المايّه على قد ما تِقدَر، ومَفيش ربع ساعة فاتِت بعد ما الخَبر اتعرَف، ولقيت بَاب البيت بيخبَّط، كُنت ساعِتها بدوَّر على حاجة أجيب فيها مايّه، لكن فَتحت البَاب الأوّل، وساعتها لقيتها "كوثر"، اللي كانت جايّه تنبِّهني عشان لو مكُنتش سمِعت مايكروفون الجامِع، بصّتلي وكان بايِن عليها إنّها مستعجلة وقالتلي:
-أنتي نايمة يا "عواطِف" ومُش دريَانة بإن المايّه قَطعت؟
-أنا سمِعت المايكروفون وكُنت بَشوف حاجة أملاها من الحنفيّة العمومية.
-طيّب يلا شَهّلي شوية، عشان هنلاقي هناك زَحمة.
دخلت البيت ومكَنش قدَّامي غير الفِنطاس الألمونيوم، رفعته على راسي وخرجت لأنّها كانت منتظراني، قفلت الباب ورايا ومشيت معاها، وأخدنا طريقنا للحنفيّة العمومية، هي على طَرف البَلد ناحية المَقابِر، ولمّا وصلنا لقينا طابور قدَّام الحنفية، واتنين من الخَفر اللي في بيت العمدة واقفين عشان ينظَّموا الناس ومتحصَلش فوضى، وقفنا في الطابور وكانت هي قدَّامي، وعلى ما جِه علينا الدّور كان الليل دَخل، في الوَقت دَه هي خلَّصت وانتظرِتني لِحَد ما أخلَّص، حطّيت الفِنطاس تَحت الحنفية وانتظرت لِحَد ما يتمَلى، لكن حسّيت فجأة إني مُش موجودة في الدُّنيا، غير لمّا انتبَهت على صوت الخَفير وهو بيقولّي:
-انتي يا سِت، الفِنطاس اتملَى وبيدَلدق أنتي نِمتي على نَفسك ولا إيه؟ النّاس وراكي عايزة تِملى.
حسّيت إنّي ارتَبكت ومُش عارفة أرُد، ولا قادرَة أقول إيه سَبب في حالة التَّوهان اللي جَتلي، بَس اللي شوفته رَعبني، أنا بعد ما حطّيت الفِنطاس تَحت الحنفية، عيني جَت على المَقابِر، اللي كانت قريّبة لدرجة إنك تشوف أبواب القبور بوضوح، واللي مع الليل كان شكلها مُرعِب، خصوصًا وإن مَفيش غير عامود نور واحِد فيه لَمبة لونها أصفر، واللي نورها كان مخلّي القبور اللي ظاهرة مُخيفة أكتر، لكن مُش دي الحكاية، أنا لمّا عيني جَت هناك نسيت نَفسي، ونسيت أنا بَعمل إيه، لأنّي مُش عارفة إن كُنت اللي شوفته حقيقة ولا وَهم، أنا شوفت قَبر بابُه بيتفَتح، وبتخرج منّه جثّة بالكَفن بتاعها، كانت قاعدة على باب القَبر المفتوح ورجليها برَّه، بمجرَّد ما شوفتها سَرحت وريقي نِشف، ومبقِتش عارفة أنا فين، انتظرتِها تتحرَّك لكن هي فِضلِت على وضعها بدون أي حركة، لِحَد ما سمعت صوت الخَفير، بَلعت ريقي وشيلت الفِنطاس وبصّيت لـ "كوثر" اللي كانت بتبُص ناحيتي بنظرات غريبة، لكن بمجرَّد ما بدأت أتحرَّك بصَّيت من تاني ناحية القَبر، اللي كان مقفول زي ما هو، ومكَنش فيه جثّة ولا حاجة.
مشيت جَنب "كوثر" من غير ما أنطق كلمة، كُنت بحاول أخبّي الخوف اللي بيحاول يظهر عليّا في شَكل رَعشة، لكن هي كانت كل كام خطوة تقولّي:
-مالك يا "عواطف"؟ فيكي حاجة؟
كُنت عايزة أروَّح بأي طريقة، كأنّي بَهرب من كلامها، كان كل مرَّة بتكرَّر فيها سؤالها بَشوف القَبر مفتوح والجثة قاعدة على بابه بكفَنها.
لمّا وصلنا عند البيت، لقيت بابه مَفتوح، ساعتها عرفت إن "عوض" جوزي رِجع من شغله، أخدتها حِجّة واستأذنتها، ولمّا دخلت عشان أحطّ فِنطاس المايّه في المَطبخ، كان "عوض" قاعد في الصالة، وأوّل ما شافني لقيته بيقول:
-كان في زَحمة عند الحنفية؟
ردّيت بكلمتين مَفيش غيرهم وقولتله:
-أنا هناك من قَبل المغرب.
-مالك وشّك مخطوف ليه؟ يعني هي أوّل مرّة المايّه تقطع؟
دخلت المَطبخ نزّلت الفِنطاس من على دماغي، ورجعت قعدت في الصالة، وقولتله:
-مُش مخطوف ولا حاجة، أنا بَس حاسّة إنّي تعبانة شويّة، أجيبلك حاجة تاكلها؟
-لا أكلت في الشغل، اتعشّي انتي لو عايزة.
مكَنش عندي رغبة حتى لِشَربِة مايّه، لكن لقيت نَفسي بحاول أهرب من نظراتُه اللي مليانة أسئلة، وكُنت بسأل نَفسي وبقول هو اللي شوفته باين على وشّي للدرجادي؟!
لكن من باب الهروب، لقيتني بقولّه:
-تحب أعملّك شاي؟
وساعتها طلب منّي أعملّه كوبّايه، وبعد ما عملتها قولتله إني هدخل أنام لأنّي تعبانة طول النهار، وهو في العادة لمّا بقولّه كِدَه مبيردّش عليّا، وأنا اتعوّدت على كِدَه، عشان كِدَه دخلت الأوضة وقفلت عليّا الباب، اترميت على السرير والمنظر مكَنش عايز يروح من قدَّامي، لكن لمّا عيني بدأت تغمّض، حسّيت بحركة جنبي في السرير، وبعدَها لقيت إيد بتمشِي على جِسمي، زي ما تكون بتستكشِفني، استغربت وقولت إن "عوض" بالُه رايق، ولسّه بتقلّب عشان أشوف هو دخل ينام إمتى وازّاي ما حَسِّتش به، بَس لقيت السرير جَنبي فاضي، الأوضة عَتمة ومُش شايفة حاجة، ولمّا مدّيت إيدي جَنبي ملقتوش، في اللحظة دي كنت لسّه حاسّة بالإيد على جَسمي، اللي كانت بتقرَّب من رقبتي، وبتبدأ تخنُقني.
نَفَسي اتكَتَم، وكأن الإيد اللي بتضغط على رقبتي أخدت قرار إنّها تقضي عليّا، كان كُل تفكير دي إيد مين، أنا لوحدي في الأوضة، لكن بدأت أسمَع صوت دَرفة الدولاب وهي بتتفَتح، ومع الصوت بدأ ضَغط الإيد على رقَبتي يخِف، وبقيت قادرة أتنفّس شويّة، في اللحظة دي كانت دَرفة الدولاب اتفتحت، وبرغم إن الدُّنيا عتمة، لكن قِدرت أشوف الجثة وهي قاعدة بالكَفن بتاعها في الدولاب، بالظبط زي ما شوفتها قاعدة على باب القَبر لمّا اتفَتَح.
قَعدت على السرير من الخوف، كان نفسي اللي شيفاه يكون مجرَّد تهيّؤات، لكن الوقت كان بيعدّي والجُثّة قاعدة في كَفنها على باب الدولاب المفتوح، وأنا من الخوف بدأت أرجَع لِوَرا لِحد ما ضَهري خلاص لَزق في شبّاك السرير، وبدأت أغمَّض عيني وأفتَحها يِمكن صورة الجُثّة البَشعة تروح من قُدّامي، لكنّي اتفاجأت إنّها بتقوم من مكانها، كان مَنظر الكَفن وهو واقِف أبشَع حاجة ممكن أشوفها في حياتي، والأبشع من كِدَه، إنّي لقيته بيقرَّب ناحيتي، بيتحرَّك زي ما يكون مُش لامِس الأرض، لِحَد ما خلاص بقى واقِف جَنب السرير، مَفيش مِتر بيني وبينه، في اللحظة دي الأربطة اللي حوالين الكَفَن بدأت تِتفَك، حسّيت خلاص إنها مجرَّد ثواني والكَفن هَيتكَشف والجُثّة اللي فيه هَتِظهَر، وقَبل ما دَه يحصل، سِمعت صوت باب الأوضة، كان بيتفَتح ببُطء، مكُنتش عارفة أبُص للجثّة اللي واقفة قدّامي، ولا أشوف مين اللي بيتفح الباب، لكن لمّا ودّيت عيني على الباب؛ لَمحت من الإزاز اللي فيه إن نور الصالة مَطفي، وساعتها لقيت "عوض" داخل الأوضة، بصّيت من تاني على الدولاب، لقيت إن الدرفة مَقفولة ومفيش لا جثة ولا كَفن، لكن سمِعت صوت "عوض" وهو بيبُصّلي وبيسألني:
-مالك يا "عواطِف" قاعدة ليه كِدَه في الضَّلمة.
كان جسمي كلّه بيرتِعش من الخوف، ونبرة صوتي كانت مهزوزة وأنا بقولّه:
-مفيش حاجة، أنا بَس مكَنش جايلي نوم.
مكُنتش أقدر أقولّه إني شايفة جثة في كفن، وإنها بتظهرلي للمرَّة التانية، لكن وَقف يبُصّلي وهو مُش مقتَنع بكلامي وقالّي:
-أومّال ليه مطلعتيش تقعدي معايا؟!
-ما أنا قولتلك إنّي تعبانة طول اليوم، كُنت منتظرة أنام.
رَد فعله كان بيقول إنه مُش مقتنع بكلامي، زي ما يكون عارف إنّي مخبّية عليه حاجة، ودي كانت حقيقة، لكن من إرهاقه دَخل ينام بدون ما يتكلّم، وأنا كمّلت في مكاني قاعدة لحد ما النهار بدأ يِطلع، عيني كانت رايحة جاية في ضلمة الأوضة، كُنت خايفة الكَفن يظهرلي من تاني، لكن دَه محصلش، ولمّا حسّيت إنّي مطَّمّنة شوية عيني بدأت تغمّض، وبعدها محسّتش بنفسي غير قُرب الضُّهر، صحيت وكالعادة مَلقِتش "عوض"، قومت وحاولت أنسى اللي شوفته، عشان أشوف ورايا إيه في البيت، وانشغلت والوقت أخدني، لحد ما اليوم فات وبقينا المغرب، كُنت خلَّصت اللي ورايا، والمايّه اللي كانت عندي خلصت، مكَنش قدّامي غير إنّي أروح عند الحنفية، أخدت الفِنطاس وخطفت رِجلي لحد هِناك، والصدفة جَمعتني بـ "كوثر"، لقيتها ورايا عند الحنفية، وعلى ما جِه دورنا كُنّا بندَردِش، معرفش إيه خلَّاها تجيبلي سيرة موضوع اتقَفل من 7 سنين أو أكتر، لمّا روحنا لشيخ عندنا في البلد، عشان يعمل عَمل يبعِد واحدة عن جوز أختي.
الحكاية بدأت لمّا أختي كانت بتشتكيلي من جوزها، إنه باعِد عنها من فترة، ومُش بيكون موجود في البيت كتير، وبعدها عرِفت إنه عاوز يتجوّز عليها، إكمنّها مُش بتخلّف يعني، وافتكرت إنّ أنا لسّه مخلّفتش لحد دلوقت، ولمّا عرَّفتني الحكاية لقيت نفسي خايفة أكتر منها، ماهو لو اتجوّز عليها عشان الخِلفة مُمكن "عوض" هو كمان يعملها، مكُنتش عارفة اتصرَّف ازّاي، لكن ملقِتش قدّامي غير "كوثر" بما إنّها جارتي ويعتبر سِرّي معاها، حكيتلها عن الموضوع، ويومها قالتلي إن مفيش غير الشيخ "بسيوني"، سرّه باتِع وهو اللي هيعرف يبعِدها عنّه.
وتاني يوم آخر النهار، أخدتني وروحناله، حكيتله عن الموضوع، وبعد ما رَسّيته على الحكاية كلّها طَلب حاجة من أطَرها وحاجة من أَطر جوز أختي، ولمّا خرجنا من عنده روحت بيت أختي، بحجّة إني بطَّمّن عليها، ولمّا جَت الفُرصة حكيتلها عن اللي عملناه، رحّبت بالفِكرة برغم إنّها كانت خايفة، لكن مكَنش قدّامها غير كِدَه، ويومها جابتلي حتّة من قَميص قديم لجوزها معَدش محتاجه، وكانت الصعوبة في أَطر اللي عايز يتجوّزها، لكن بعد يومين لقيتها جيّالي وبتعطيني كِيس أسود فيه أَشَرب حريمي، ريحته كانت حلوة، وساعتها عرَّفتني إنّها لقت دَه في شنطة جوزها، وإن دَه الأَطر اللي قدِرت تجيبه، ولمّا أخدت "كوثر" تاني يوم وروحنا للشيخ "بسيوني" قال إن الحاجة اللي معانا كفاية.
بَس يومها طلَب منّي ألفين جنيه بحالهم، ومكَنش معايا منهم غير يادوب 300، لكن بعد ما عرَّفت أختي وبِعنا حتّة صيغة، واتصرَّفنا في فلوس كمان قدِرنا نكمّل المبلغ، ولمّا سلّمناه للشيخ قالّنا إن المُراد هَيتم خلال 3 شهور.
لكن مكَنش فات شَهر، ولقينا مَايكروفون الجامِع بيندَه على واحدة ميّتة، وبعدها بشويّة عرفنا إن دي السّت اللي كان جوز أختي عاوز يتجوّزها، ويومها "كوثر" جَتلي البيت وقالتلي:
-يعني لو كان صِبر المقتول على القاتل كان مات لوحده.
-وإحنا كنا نعرف منين إن أمر ربنا هينفذ.
-خسارة الفلوس اللي اندفعت.
-كل شيء نصيب أهو اللي حصل وخلاص.
حسّيت من بعدها إن أختي نفسيتها ارتاحت، خلاص معَدش في حاجة بتهدّدها، لكن مُش عارفة إيه سبب إن "كوثر" تفكّرني بكل دَه دلوقت وإحنا منتظرين دورنا!
لمّا جِه عليّا الدور مَليت الفِنطاس، وقولتلها إنّي هَسبقها على البيت، وطلبت منها تعدّي عليا وهي راجعة، لكن بمجرّد ما دخلت الشارع وقرَّبت من البيت لقيتها واقفة هناك، رِجلي اتجمّدت مكانها، كُنت بقرّب منها وحاسّة إنّي واقفة في مكاني، ولمّا وقفت قدّامها حسّيت لساني تقيل وأنا بقولّها:
-أنا مُش سيباكي دِلوقت عند الحنفية؟
لقيتها بتبُصّلي باستغراب وبتقولّي:
-أنا كُنت عند الحنفيّة الصُّبح ومروحتش تاني، دا أنا كُنت جاية أسألك لو عايزة تروحي آجي معاكي!
حسّيت بإيدي بترتعش، وبإن المايّه اللي شيلاها فوق راسي هَتُقع منّي، لكنها سَاعدتني وأخدِت الفِنطاس من فوق راسي ودخَّلته جوّه البيت، وبعدها حاولت تِعرف منّي حاسّة بإيه، وليه قولتلها أنا لسّه سيباكي عند الحنفية، لكن حاولت أهرب من كلامها وقولتلها إنّي اتخايلت بِها هناك، واللي خلَّاها تقصَّر في الكلام، هو إن "عوض" جوزي رِجع من شغله، وساعِتها هي راحت بيتها وأنا دَخلت عشان أجهّزله العَشا، وبعد ما اتعشّى لقيته بيقولّي:
-هي المايّه مُش هترجع بقى؟ مُش كِدَه اليومين خلصوا.
-يعني هو أنا اللي بَقطعها، يمكن تيجي في أي وقت، أنا سمعت عند الحنفية إنّها هَتيجي على الفَجر.
وبعد ما عملتله الشاي، سيبته قاعِد ودخلت نِمت، كُنت حاطّة راسي على المخدّة، وكُنت مغمّضة عين ومفتَّحة عين، زي الدّيابة لمّا بتنام، لكن فجأة فتَّحت عيني الاتنين، لمّا سمعت صوت دَرفة باب الدولاب بتتفَتح من تاني، فضِلت أبُصّلها لحد ما اتفَتحت على آخرها، وزي المرَّة اللي فاتِت، لقيت الجُثّة بكَفَنها قاعدة في الدولاب، وِشّها ناحيتي، ورغم الضلمة قدِرت ألمَح رُباط الكَفن وهو بيتفَك من عند رقبتها، وبعدها الكَفن بيتكشف من على راسها، وساعتها حسّيت إنّي هيجيلي انهيار عَصبي، لمّا لقيت إن اللي في الكَفن تبقى أنا!
شَعري كان كُلّه تُراب، وجِلد وشّي أزرق ومنفوخ، كأنّه هينفَجر، دا غير إن عيني كانت مقفولة وبارزة، كأنَّها هَتخرج من مكانها، وفجأة الجُثّة وقفت، وبدأت تقرَّب منّي زي المرَّة اللي فاتِت، لكن مقدِرتش أتحكّم في نفسي المرَّة دي، لمّا شوفت نفسي في الكَفن وبالشَّكل دَه لقيتني بَصرخ بجنون، لحد ما باب الأوضة اتفَتح، ولقيت "عوض" بيفتَح النور وبيقولّي وهو متوتّر:
-إيه اللي جرى بتصرُخي ليه؟!
كانت كل حاجة طبيعية حواليّا، الدولاب مقفول ومفيش حاجة في الأوضة، وفي المرّة دي اضطرّيت أقول أي سَبب تاني، ومكَنش قدّامي غير إنّي قولتله:
-أنا اتخايلت بحاجة في الأوضة.
وساعتها لقيته بيبُص حواليه، وبعدها بصّلي وقالي:
-هي فين الحاجة دي؟ بقولّك إيه، أنتي من وقت ما المايّه اتقَطعت وانتي مُش مظبوطة، فيكي إيه؟
-مَفيش ممكن شويّة إرهاق ولا حاجة.
ونفس اللي حصل في الليلة اللي قبلها، فضِلت صاحية في مكاني، وكان "عوض" جَنبي رايح في النّوم، وقبل الفَجر بشويّة، سِمعت صوت المايّه وهو بادئ ينزل من الحنفيّات، ماهو أنا عادتي لمّا بتقطَع بسيب الحنفيّات مفتوحة، عشان أوّل ما تيجي أعرف، وساعِتها قومت وخرجت من الأوضة، كان لازم أقفِل الحنفيّات عشان متغرَقش الدنيا، لكن في المَطبخ بدأت أحِس بحد واقِف ورايا، لكن كل ما التِفت بلاقي نَفسي لوحدي، بدأت أحِس إن الحكاية غريبة، وإن اللي بيحصل معايا مُش طبيعي، لكن مكُنتش أقدَر أحكي مع "عوض" في أي حاجة، لأنه مُش من النوع اللي بيتفهَّم، ومش هسمع منه غير إنّي اتجنّنت مثلًا.
لقيت نفسي بفكّر إني أحكي لـ "كوثر"، انتظرت لمّا "عوض" يمشي عشان أروحلها، وقَبل الضُّهر الصدفة خَدمتني، لقيت الباب بيخبَّط ولمّا فَتحت لقيتها هي، دخَلِت وقعدنا وبدأت أحكيلها، كانت بتبُصّلي وهي مستغربة، واستغرَبت أكتر لمّا قولتلها إنَّها كانت معايا عند حنفيّة المايّه امبارح، وفكَّرتني بالحكاية ايّاها، وإنّي لمّا رجعت وشوفتها عند البيت، وكُنت مُش مستوعبة إنها مطلعِتش هناك ولا حاجة، عشان كِدَه لقيتها بتقولّي:
-الحكاية دي مُش لازِم يتسِكت عليها، إحنا لازِم نروح للشيخ "بسيوني".
ولقيتني بقولّها بعصبيّة:
-تاني الشيخ "بسيوني"؟
-مين غيره هيقولّنا على اللي بيظهرلك؟
كلامها كان مُقنع، ويمكن دَه اللي خلَّاني ما اعترِضش، لكن هي مسابِتش فُرصة أسألها هنروح امتى، لقيتها بتقولّي:
-قومي اجهَزي على ما أجهَز وأجيلك، هنخطَف رِجلنا لحد هناك.
ويادوب هي رُبع ساعة، وكُنّا جاهزين ورايحين في الطريق، يمكن الشيء المميّز في الموضوع إن بيت الشيخ "بسيوني" متطرَّف في آخر البَلد، يعني محدّش ياخُد باله مين رايحله ومين خارج من عنده، دا غير إنّنا كنا واخدين بالنا من النقطة دي كويّس، ولمّا وصلنا البيت عَنده، لقينا كل حاجة زي ما هي، نفس الأوضة اللي دخلناها من 7 سنين، نفس كل حاجة، حتى هو متغيّرش.
قعَدنا وبدأت أحكيله، وكان بيسمعني وعينه على راكية الفَحم اللي قدّامه، وكان من وقت للتاني بيرمي فيها بخور، وبعد ما خلَّصت لقيته بيطلب منّي حاجة من أَطَري، كُنت فاكرة إني هروّح البيت وأجيب أي حاجة من هدومي، لكن لقيته بيناولني مقصّ صغير وبيقولّي:
-قُصّي خُصلة من شعرك!
أخدت المَقَص وأنا ببُصّله وخايفة، إيدي كانت بترتعش لمّا مدّيتها بالمَقص من تَحت الطرحة وقصّيت شويّة من شَعري، ولمّا ناولتهاله لقيته بيشِد ورقة من جبنه، وبيكتب فيها حاجات غريبة بقلم أحمر عريض، وبَعدها رماها في الراكية اللي قدّامه، ورَمى فوقها شوية بخور، الورقة اتحرقت وشمّيت ريحة شياط شَعري اللي في قلبِها، قلبي كان بيتهَز من الرعب اللي جوّايا، دا غير مَنظره وهو مغمّض عينيه وبيتمتم بكلام مش مسموع، وكأنّه بيتكلّم مع حد، ولمّا فتَّح عينه شوفت لونها أبيض، وأوّل ما اتفَزعت طلب منّي أغمض عيني، وما افتَحهاش غير لمّا يطلُب منّي، لكني لاحِظت إن "كوثر" كانت عادية، قولت يمكن أكون أنا اللي شايفه عينه كده لأن الحكاية تخصّني، وبدأت أسمعه وأنا مغمَّضة وهو بيقولّي:
-قَرين، لكن مُش قرينك، راصدِك وبيحاول ينتِقم.
حسّيت بجسمي بيتنِفض من الخوف، وصوتي مُش طالع منّي وأنا بقولّه:
-قَرين مين؟
-معندِيش معلومة قرين مين، لكن الموضوع كبير وحظّك حلو.
-يعني إيه حظّي حلو؟
-بُكره هتزورني شيخة جاية من البَدو، جَليسة بتعرف تحضّر القَرين وتصرِفه وتصرِف أذاه، بمساعدتها هنحل مشكلتك، لأن اللي وصلني إن الموضوع كبير.
-هتقدَر تحِل مُشكلتي؟
-مَفيش حالة عالجتها وفَشَلِت، هي هَتكون عندي بُكرَه من بَعد الضُّهر.
خرجنا من عنده واحنا متفقين إننا نكون عنده بُكره العَصر، كُنت بتكلّم مع "كوثر" وإحنا راجعين في الطريق، عرفت منها إنّها كانت شايفة عين الشيخ طبيعية، ويمكن دي أكتر حاجة خلَّتني أخاف، والوقت فات وأنا متوتَّرة، كأنّ بُكره آخر يوم في حياتي، لكن حاوِلت أكون هادية قدّام "عوض"، لحد ما تاني يوم "كوثر" خبَّطت عليا، كُنت جاهزة عشان نروح للشيخ، خرجت ومشيت معاها، ولمّا وصلنا هناك ودخلنا، لقينا في الأوضة واحدة سِت شابّة وجميلة، ولقيتها عارفة تفاصيل الحكاية، أكيد الشيخ "بسيوني" حكالها، لكن هي حبَّت تسمع منّي تاني، وبعدها طَلبِت منّي نفس الأطَر، وقصّيت خصلة من شَعري للمرّة التانية بإيد مهزوزة، وهي كرَّرت نفس اللي عمله الشيخ امبارح، وبعدَها طلبِت منّي أغمّض عيني، ومفتحهاش غير لمّا تطلب منّي، وبدأت تحكيلي:
-بيطاردِك شيطان، اللي هو قَرين يعني، وطالما ظهرلك على هيئة جثّة متكفّنة وباب القَبر اتفتح ساعتها، ده معناه إنه بيحاول ياخدِك للمصير دَه، خصوصًا إنك شوفتي نفسك في الكَفن، إحنا لازم نِعمل جلسة تحضير ونِعرف هو عاوز منّك إيه بالظبط.
فَتحت عيني برغم إنها مطَلبِتش دَه، وهي مَعتَرضِتش، عينها كانت طبيعية، لكن نظرتها ليّا كانت مُخيفة، مكُنتش أعرف إن الخوف مُمكن يهزّني كِدَه، أعصابي سابِت ومبقِتش عارفة أتلَم على جِسمي، ولقيتها بتقعُد في أرضية الأوضة بَعد ما شالِت السّجادة اللي في الأرض، وبدأت تِرسم دايرة بالقلم الأحمر العريض اللي مع الشيخ، ورسمت جوَّاها نِجمة، وبعدها طلبِت من الشيخ يولّع شَمع، وعلى راس كل طرف من النجمة حطَّت شّمعة، وطلبِت منّنا نُقعد حوالين الدايرة، وبعدها بدأت تقول كلام غريب وهي مغمّضة، مَفهِمتش منّه كلمة واحدة، لكن اللي حسّيته إن حرارة الأوضة بدأت ترتفع، وزي ما يكون في رياح بتتحرَّك بين الأربع حيطان، لدرجة إن في شَمع وقع من مكانه، ساعتها فتحِت عينها فجأة وهي بتشهَق، وبدأت تتكلّم:
-أنتي مين وإيه مُرادِك منها؟
كُل اللي فات كوم واللي شوفته وسمِعته كوم تاني، أنا لقيت "كوثر" بتِرتِعش وشكل عينها بيتغيّر، ولقيتها هي اللي بتتكلّم وبتقول:
-قَتَلِتني!
حسّيت إن روحي واقفة في حلقي، وخلاص كلّها لحظات وتُخرج، لكن سمِعت الجليسة وهي بتقولّها:
-قَتلِتك ازّاي؟ وعايزة منها إيه؟
-كانِت سَبب موتي، القَصاص، روحها قُصاد روحي.
بعدها الحكاية بدأت تقلِب بحَرب بين الجليسة وبين "كوثر"، الكلام اللي كانت بتقوله الجليسة كان محاولات طَرد القرين أو الشيطان اللي بيطارِدني، لكن كان في إصرار غريب إنّها تكمّل، حسّيت إن لا الجليسة ولا الشيخ قادرين عليه، وده كان أكتر شيء مخوّفني، الرعب كان باين على وِش الشيخ، لكن الجليسة زي ما تكون بتبُصّلي بنظرة تشفّي، أو يمكن أنا اللي فهمت نظرتها غلط، لكنها كانت بتحاول، لحد ما لقيت "كوثر" نامت على ضَهرها في الأرض وغابِت عن الوَعي، وبعدها الشموع اللي في النجمة وقعت وانطَفت لوحدها.
حاولت أفوَّق "كوثر"، وبعد وقت طويل لقيتها فاقِت وبتبُص حوالين منها زي ما تكون مستغربة المكان، وبعدها الجليسة طلبِت منّي أنفّذ شويّة حاجات عشان القَرين اللي بيطارِدني يبعِد عنّي وميحاولش يرجع تاني، وساعتها ناولتني إزازة كبيرة فيها حاجة زي زيت الزيتون، وطلبت منّي بَعد 7 أيام من دلوقت أبدأ أدهِن منّه جِسمي لمدة 3 أيام، وانتظرت تطلب منّي أي فلوس لكنّها مجابتش سيرة الموضوع دَه، وعرفت من الشيخ قبل ما أمشي إنّها بتعمل الحكاية دي خِدمة، وبتستغل كراماتها في خِدمة الناس.
وخرجنا، كانت "كوثر" طول الطريق مبتتكلّمش، دي كانت نظرتها ليّا غريبة، يمكن خوّفتني أكتر ما كُنت خايفة، حتى لمّا وصلنا عند البيت سابِتني وكمّلت على بيتها بدون ما تنطق، وفي الليلة دي، وبعد ما خلَّصت اللي ورايا ودخلت أنام قبل "عوض" كالعادة، سمعت صوت درفة الدولاب من تاني، ولمّا فتَّحت عيني، لقيت "كوثر" قاعدة فيه، وكانت لابسة الأشَرب اللي أخدناه من 7 سَبع سنين أَطر والشيخ أخده يعمل بُه العَمل، مبَقتش مصدَّقة اللي شيفاه، رفعت راسي عشان أتأكّد إني مُش بحلم، بدأت أقاوم خوفي وقومت من السرير، مشيت ناحية مفتاح النور وفتَحته، ولمّا الأوضة نوَّرت، لقيت الدولاب مقفول، وملقِتش أي أثر للي شوفته!
وكالعادة، انتظرت لتاني يوم، عشان أحكي اللي بشوفه لـ "كوثر"، انتَظرت لِحَد الضُّهر، لكنّها مظهرِتش، ومكَنش قدّامي غير إنّي أروح أخبَّط عليها، خرجت من البيت وروحت لبيتها، اللي كان على آخر الشارع، وقفت أخبَّط على الباب لحد ما إيدي اتهدّت، وبعدها الباب اتفَتح، كان جوزها، اللي لقيته بيقولّي:
-أهلًا يا سِت "عواطف"، معلش مُش هقدر أقولّك اتفضّلي لأن "كوثر" مش هِنا.
ولقيتني بسأله:
-هي راحِت فين؟
-مسافرة عند قرايبها من أسبوع، أختها تعبانة جدًا واضطرَّت تسافر فجأة.
لقيت نفسي بَرجع لورا وأنا مصدومة، وبسأل نفسي أومال مين اللي كانت معايا في اليومين اللي فاتوا؟ وراحت معايا للشيخ، وكانت معايا عند الحنفية؟
مشيت من عند بيتها بدون ما أرُد عليه، حتّى هو نفسه استغرب، رجعت البيت وأنا الدُّنيا بتلِف بيّا، واسودَّت أكتر، لما لقيت باب البيت بيخبَّط بطريقة مُرعبة، ولمّا فَتحت، لقيت واحدة من قرايبنا جاية تبلَّغني أسوأ خَبر في حياتي، إن أختي ماتت فجأة!
كُنت بجري في الشارع زي المجنونة، حتى نسيت ألبِس جزمتي، قعدت قدام بيتها مصدومة مُش قادرة أصدّق إنها ماتت، برغم الصريخ والعزا اللي حواليّا، أنا نسيت كُل حاجة حصلت معايا لمّا سمعت الخبر، ولما تصريح الدَفن طلع كانت نتيجة الوفاة سكتة قلبية.
والعَزا انتَهى، كان 3 أيام، وفي اليوم الرابع كان يوم خميس، ميعاد زيارة المقابر، روحنا نزور أختي لأول مرة، قعدنا قدّام القَبر، اللي كان بيعيّط واللي كان بيقرأ قرآن وبيدعي، لكن أنا بدأت أشوف اللي كُنت بشوفه من تاني، لمّا لقيت قَبر أختي اتفَتح، وظهرت منّه الجثّة اللي في الكَفن من تاني، كُنت بُبًصّلها وأنا مذهولة، وكُنت مذهولة أكتر ورباط الكَفن بيتفَك من تاني، والجثة بتظهر، وساعتها لقيت إن اللي في الكَفن هي "كوثر"، كانت بتبُصّلي نفس البصّة اللي كانت على وشّها وإحنا راجعين من عند الشيخ، بعد ما كُنّا مع الجليسة، وبعدها القَبر اتقفل تاني والكَفن اختَفى، وبدأت أستعيد هدوئي، وقولت أكيد دي هلوسة من اللي حصل، لكن القَبر بابُه اتفَتح تاني وتالت، والكَفن ظَهر أكتر من مرّة، وفي كل مرّة وِش الجُثّة كان بيتكِشف كُنت بشوف فيها حد مُختلف، شوفت نَفسي وأنا مَيّتة، وشوفت الشيخ "بسيوني"، وفي النهاية شوفت الجَليسة في الكَفن، وكانت راسها ملفوفة بالأشرب اللي الشيخ "بسيوني" أخده يعمل به العَمل.
حسّيت إنّي هَتجنّن، لدرجة إنّي سيبت النّاس اللي في الزيارة ومشيت، كلهم استغربوا منّي بس قولتلهم إنّي تعبانة، لكن لمّا خرجت من المقابر مرجِعتش البيت، دا أنا روحت للشيخ "بسيوني".
لمّا وصلتله ودخلت عنده، لقيت واحدة سِت عجوزة، ولقيته بيقولّي:
-كويّس إنك جيتي، السِّت اللي قولتلك عليها لسّه واصلة النهاردة، أصل حصل لها ظرف كِدَه وأجّلت زيارتها.
كُنت ببُص ناحية الست وبعدها بصّيتله وقولتله:
-أنت تُقصد سِت مين؟
-الجليسة.
حسّيت إن رِجلي مبقتش شيلاني، بصّيتله وقولتله:
-ما أنا جيت هنا مع "كوثر" وشوفنا الجليسة وعملت جَلسة تحضير، والقرين نطق على لسان "كوثر" وبعدها عطتني إزازة فيها زيت، وطلبت منّي أدهن لمدة 3 أيام بعد أسبوع من الجلسة.
الشيخ كان بيبُصّلي ومش مستوعب، ولقيته بيقولّي:
-أنتي بتتكلّمي عن مين ياسِت "عواطِف"؟
-عن الجليسة، بَس مكَنِتش دي.
-الجليسة الشيخة "أم رباب" هي اللي قاعدة قدّامك دي، أنتي لمّا جيتي مع الست "كوثر" اعتذرتلك وقولتلك زيارتها اتأجّلت، وأنتوا قعدتوا شويّة وبعدَها مشيتوا، جَلسة إيه اللي بتتكلّمي عنها؟
كانت الست اللي بيقول إنّها الجليسة بتبُصّلي، وأنا كُنت واقفة مُش قادرة أنطق، الجليسة كانت واحدة شابّة غير دي، بالظبط نفس اللي شوفتها لابسة الأشرب في الكَفن، مكُنتش قادرة أتحمّل اللي شايفاه، ويمكن دَه اللي خلَّاني أخرج من بيت الشيخ من غير ما أرُد عليه ولا أنطق، ولمّا رجِعت البيت عندنا، لقيت "عوض" بيسألني ليه مشيت من المقابر وكُنت فين، مرضِتش أتكلّم في أي حاجة لأنه ميعرفش بالموضوع، دا كان سِر بيني وبين "كوثر" وأختي الله يرحمها، وهو مرضاش يعلّق على عدم ردّي عشان عارف ظروف وفاة أختي، وإني متأثّرة بموتها وكده، دخلت الأوضة وقفلت عليّا، قعدت في الضلمة كأنّي كُنت بهرب من كل حاجة حواليّا، لكن درفة الدولاب من تاني، بتتفتح وبتظهر منها الجليسة، السّت الكبيرة اللي كانت في بيت الشيخ، كانت عينها عليّا وبتضحك ضحكة مُخيفة وبتقولّي:
-كما تُدين تُدان، رِجعت تنتِقم، زي ما كنتوا سَبب في موتها.
كلامها خلَّاني أترعب، وحسّيت إن في إيد ماسكة لساني لدرجة إنّي مُش قادرة أنطَق، كُنت حاسّة بنَفس إحساس الشَّبّة لما تكلبِش في الحَلق، لكن كُنت بسمعها وهي بتكمّل كلامها وبتقول:
-كانت جميلة، قضيتوا عليها وعلى شبابها، شوفتي كانت حلوة ازّاي لمّا شوفتوها عند الشيخ على أنّها أنا؟ وشوفتيها في الكَفن وهي لابسة الأشَرب اللي أخدتوه منها والشيخ عمل عليه العَمل اللي موّتها؟
كان جِسمي كُله بيتنِفض، وأنا بَفتِكر اللي حصل من 7 سنين، ولقيت لساني اتحرَّر، وقولتلها:
-هي ماتت لوحدها، العمل كان عشان يبعدها عن جوز أختي.
-العَمل جنّنها، خلّاها ترمي نفسها من السطح، لكن قرينها رجع ياخد حقّها.
دلوقت بَس عرفت إن الجليسة اللي شوفتها أول مرة عند الشيخ، كان قرين اللي جوز أختي عايز يتجوّزها، لأن هي اللي شوفتها في الكَفن بالأشَرب، وإن هو اللي خلَّانا نتخيّل إن في جلسة تحضير تمّت عشان نصرفه، عشان كِدَه الشيخ قالّي إن مفيش جلسة اتعملِت ولا حاجة، الدُّنيا كانت بتدور بيّا، وكانت جوايا أسئلة كتير، وهي زي ما تكون بتقرأ اللي جوّايا وبتجاوبني من غير ما اتكلّم، وأنا كُنت بسمعها وهي بتقول:
-لو محتارة في أمر "كوثر"، فأحب أقولّك إنها مُش هي، دي أنا، قرين الضحية اللي رِجع ينتقم، اتمثّلت في هيئتها بعد ما سافرت فجأة، ويوم ما المايّه قطعت، كان مصادِف نفس اليوم اللي الضحية رمت نفسها فيه من السطح بسبب العَمل اللي عملتوه، عشان كِدَه ظهرتلك في المقابر في نفس اليوم دَه، ولازِم تكوني عارفة إن الكُل هيدفع التَّمن، والحكاية بدأت بأختك.
وفجأة، شكل الجليسة اتحوّل لشكل الشابة اللي لابسة الأشَرب، واللي كانت ميّتة في الكَفن، واللي اتأكّدت إنّه قرين الضحية، اللي كان بيظهرلي في أكتر من صورة، قَبل ما دَرفة الدولاب تتقِفل من تاني ويختِفي.
لكن الحياة من بعدها بقت جحيم، لمّا وصلّنا خبر إن "كوثر" ماتت في حادثة وهي راجعة، العربية اللي كانت فيها اتقلبت، وكل اللي فيها طلعوا عايشين ماعدا هي، الكل كان بيقول قضاء الله وقدره، بَس أنا كُنت عارفة إن قضاء الله نفذ فيها عشان القصاص، وبعدها بأيام بسيطة، كان مايكروفون الجامع بينده على الشيخ "بسيوني" اللي مات بطريقة غريبة، كان زي ما سمعت وشّه أزرق وعينه مفتوحة، ولسانه خارج من بوقّه، وإيده كانت في وضع كأنّه كان بيبعِد حاجة عنه وهو بيموت، وأنا كُنت بنتظر مصيري، اللي بدأت أعرفه من وقت ما القَرين ظَهرلي في شَكل الجليسة تاني بالليل، بعد ما "عوض" جوزي نام، وكُنت لأول مرّة على غير عادتي قاعدة في الصالة مُش جايلي نوم، ولقيتها بتفتح باب البيت وبتخرج، وأنا بَخرج وراها، لكن قبل ما أخرج، لقيتني بدوَّر على الإزازة اللي أخدتها من الضحية لمَّا افتَكرت إنّها الجليسة، كُنت سايبها في خزنة ورا باب البيت، لكن لمّا مسكتها لقيت اللي فيها لونه متغيّر، كان أحمر زي الدَّم، مفكّرتش إيه اللي مُمكن يكون غيّر لونه، لكن أخدت الإزازة ومشيت وراها مسلوبة الإرادة، ولقيتها وخداني على المقابر، بالتحديد عند القَبر اللي شوفت فيه الكَفن بالجثة لمّا بابه اتفَتح، واتضحلي إن دَه القَبر اللي اندفنت فيه ضحيّة العَمل.
وهناك لقيتها بتبُصّلي بصّة غريبة، وبتطلب منّي أجرَّب اللي في الإزازة، لقيت نفسي بفتحها وبغرَّق وشّي منها، كان دَم، ريحته كانت فظيعة، من بعد ما لَمس وشّي وحسّيت إن في نار بتحرقني، اترميت في الأرض وبقيت أتقلّب في التراب وأنا بصرُخ، جسمي اتبهدل وهدومي وشَعري، وفضلت على الحال دَه لحد ما النهار طِلع، لقيت نفسي راجعة البيت، كان "عوض" قالِب عليّا الدُّنيا، لمّا شاف مَنظري وعرِف إني راجعة من المقابر طردني، وقال عنّي إني اتلبَست أو اتجنّنت، والأيام فاتِت، وهو طلَّقني واتجوّز غيري، وأنا فضِلت على الحال دَه، كل يوم أتقلّب في التراب قدّام قبر الضحية، الكل بقى بيخاف منّي في البَلد، كُنت عاوزة أقولّهم إني مُش مجنونة، لكن كُنت بعمل الحكاية دي كل يوم وأنا وأنا في حالة من اللاوعي، وقَرين الضَّحية، اللي بقى بيظهرلي في هَيئة الجَليسة كل ليلة وأنا بتقلّب في التراب تُراب المَقابر، كانت بتبُصّلي بشماتة، في الوَقت نفسه اللي ببقى سامعة فيه صوت ضِحكة طالعة من قَبر الضَّحية.